احصائيات

الردود
0

المشاهدات
6
 
مُهاجر
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


مُهاجر is on a distinguished road

    موجود

المشاركات
640

+التقييم
0.45

تاريخ التسجيل
Feb 2022

الاقامة
مسقط

رقم العضوية
16905
اليوم, 05:15 PM
المشاركة 1
اليوم, 05:15 PM
المشاركة 1
افتراضي بين الثقة والسرّ
قالت لي أختي يومًا:
ما هي الحياة غير دروس ومواقف وعبر نتعلم منها كل يوم، بل كل لحظة؟ وإذا اتفقنا على هذا، فلن يكون مستغربًا أن أطرح موضوعًا تعلمته من الحياة، وليس من الكتب والمواقع. ربما تختلفون معي في الرأي، ولكن صبرًا، أليس اختلاف الأذواق والآراء والنظرة إلى الحياة من الطبيعة البشرية؟

ما أحاول قوله في كلماتي المترددة هذه، أنه إذا أتاك الصديق أو القريب أو الزميل وأنت في حالة يُرثى لها، ودموعك تتساقط، أو قلبك يتقطع، ووضع يده على كتفك بتربيتة مريبة، وقال لك: هات من عندك، فضفض لي، أخرج كل ما في قلبك، فحذار حذار أن تقع في هذا الفخ في لحظة الضعف. فهذه لحظة تكون فيها مكشوفًا، وعلى حافة الانهيار، وسوف ترمي الصغيرة والكبيرة، وتضع أسرارك عرضة أمام إنسان لا تعلم منه إلا الظاهر.


دعني ألقي إليك بهذا السؤال الذي طالما ألقيته على نفسي: ما الذي ستحققه من هذه الفضفضة؟ هل ستذهب المشكلة مثلًا؟ هل سينزل عليك الحل سريعًا من السماء؟ هل صحيح أن الإنسان عندما يقول ما بداخله تذهب أحزانه؟ عن تجربة أعتقد أنه لن يتغير شيء.




النتيجة أنك أصبحت عرضة لإنسان عرف ما يقلقك، ونقاط ضعفك، وعرف لحظات انكسارك، فهو إما مشفق عليك، أو شامت، أو أنه أشبع الفضول الجائع بداخله. والأسوأ أن يكون هذا المستمع من أنواع الناس الذين يطلقون الأحكام جزافًا، فيحكم عليك بأبشع الأحكام في داخله، أو يجاملك بأجمل الأحكام في ظاهره.






قلتُ:
أأمنك على ما قلت؟ هل يبقى هذا الحديث في مأمنه، كما يبقى السر عند خالقه؟ فالذي يُحفظ في الضمير لا يُفشى، والذي يُفتح للقلب بحذر لا يُقلب سيفًا على صاحبه، وإنما يكون مثل ضوء شمعة في الظلام، يضيء دون أن يحرق، ويكشف دون أن يفضح.





فليكن ما نبوح به أمانة، لا كلمة تُرمى في الهواء، ولا حروف تُستغل كسلاح، فالقلب حين يُعطى سرّه لشخص بعينه، يشبه زهرة تُسقى بالماء فلا تذبل، ويشبه شجرة تُخفف عن جذورها ثقل الرياح فتثبت وتظل واقفة، ويشبه نهرًا ينساب في مجراه الصحيح دون أن يغمر ضفافه بالدمار.




وكم من إنسان صدّق أن الفضفضة وحدها تداوي الجراح، وتذهب الأحزان، ولكن الحقيقة أن الفضفضة بلا وعي وحذر قد تكون كالمرآة، تعكس عيوبنا ومواطن ضعفنا للآخر، فينظر إليها بعين الرحمة أو الشماتة، أو يروي بها فضوله الذي لا يشبع. أما الذي يسمع ويحتفظ بما سمع، ويجعل القلب في مأمن، فهو نادر، كمن يزرع الأمل في صحراء اليأس، ويُعيد للروح ما كاد أن ينطفئ.




إن سرّ النفس حين يُعطى لمن يستحق، يصبح رحلة استشفاء، لا مجرد تصريف للهموم، بل تعميق للفهم، وتثبيت للتجربة، وتجربة حية لليقين بأن لكل روح من يستمع إليها ويصغي، من غير حكم ولا نصح، بل فقط حضور واحتواء. فالذي يستمع بهذا المعنى ليس مجرد إنسان، بل مرآة صافية، وفضاء آمن، وملاذًا روحيًا يُعيد للقلوب ترتيبها، ويُظهر للنفوس الطريق بين الكلام والسكوت، بين الإفصاح والحفظ، بين الشفافية والستر.





ولكن مهلاً، هناك أمر آخر تعلمته، وهو أنه إذا كان الغرض من المشاركة والفضفضة هو التنفيس فقط، فما المانع أن نختار إنسانًا غريبًا كليًا عنا، لا يعرفنا ولا يعرف عن شخصياتنا ولا عن خلفياتنا شيئًا؟ سيستمع، وسيكون حياديًا في استماعه.





ثم فكرت: لماذا يدفع الناس المال للطبيب ليستمع إليهم؟ لأنه غريب، ولأنه يعمل بموجب ما ندفعه له، ولأنه ملزم بالكتمان. إذًا نحن نريد فقط من يسمعنا، أن يستمع إلى النهاية دون أحكام، ودون نصائح، ودون أي شيء، فقط استمع إلي، وأصغِ إلي.




نعم، في رأيي الشخصي، إن لم يكن هناك غرض من المشاركة والفضفضة سوى أن أريد أحدًا يستمع لي لأتنفس مما بداخلي، فسأختار إنسانًا غريبًا عني كليًا، لا يعلم عني شيئًا، فهو يفي بالغرض لمدة ساعة، وبعدها لا أراه ولا يراني. هذه وجهة نظر مما أراه من أحوال الناس من حولي، ومن نفسي أيضًا إن جاز القول.




وتذكر دائمًا وأبدًا، بداية ونهاية، أنه لم ولن يوجد من يسمع فضفضتك،
ويرحمك، ويصغي إليك، إلا خالقك الله عز وجل.



مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 0 والزوار 5)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: بين الثقة والسرّ
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الثقة بالنفس ماري الكرخي منبر الشعر العمودي 0 09-08-2014 01:57 PM
الثقة العمياء بالآخرين .. (فيديو) سلمان يوسف المقهى 0 08-22-2014 09:55 AM
الثقة الغالية عبدالحكيم ياسين منبر القصص والروايات والمسرح . 7 12-01-2010 01:14 AM

الساعة الآن 07:28 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.