احصائيات

الردود
4

المشاهدات
3600
 
نزار ب. الزين
عضو الجمعية الدولية للمترجمين العرب

نزار ب. الزين is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
189

+التقييم
0.03

تاريخ التسجيل
May 2007

الاقامة

رقم العضوية
3374
07-09-2012, 08:30 PM
المشاركة 1
07-09-2012, 08:30 PM
المشاركة 1
افتراضي رحلة اسماعيل - رواية قصيرة - نزار ب. الزين
رحلة اسماعيل
رواية قصيرة من خلال رسائل
نزار ب. الزين*
*****
صديقي و أخي إسماعيل
هذه أول مرة أقول فيها " كل عام و أنت بخير " لشاهدك و ليس لك ، أقولها و الدمع يتجمع للإنطلاق ، قاومته في بداية الأمر و لكنه كان يتمرد على إرادتي ، أما الآن و قد مضت أشهر على رحيلك فإنني أفلح غالبا في ضبطه و لكن على حساب قلبي الذي يعتصره الألم و يكاد يخنقه .
إنني أسرّي عن نفسي هذه الأيام بتصفح رسائلك ، تصور ، لقد أحصيتها فوجدتها تناهز المائة رسالة ؛ كل واحدة منها كانت وصلة جديدة تشد روحي إلى روحك ، أما إذا ضمت جميعا إلى بعضها بعضا فسوف تشكل موسوعة في العواطف البشرية بشتى ألوانها و مختلف درجاتها ، المظلم منها و المشرق ، الجامح منها و المعتدل ، المفرط منها بتشاؤمها أو المبالغ منها بتفاؤلها ، الساخر منها أو الناقم ، المحبط منها أو المتحدي .
عواطف دائمة التوتر ، دائما مشدودة ، أي خطل كان يستفزك و أي جنوح يستنفر أعصابك .
مشكلنك أنك كنت تقرأ ما بين السطور و تبحث تحت الظلال ، فتكشف و تكتشف ما يعجز غيرك عن إكتشافه أو كشفه .
لطالما قلت لي أن حياتك أقصوصة تصلح لكتاب ، و لكنك كتبت الكتاب دون أن تدري يا إسماعيل .

*****
30 /12/ 1966
صديقي و أخي أبو وضاح ....
بعد أقل من أربعين ساعة ، سوف يغتسل الزمن من قاذورات عام ليغطس في قاذورات عام جديد ، ذلك أنه ابتلي بكائن قذر إسمه الإنسان ، الذي قال عنه أحد الفلاسفة " الإنسان حيوان ناطق " و قال آخر : " بل هو حيوان ضاحك " ، أما أنا فأصفه بإنه " حيوان خائف " و من صفات الخائف أنه يلوث نفسه من شدة الخوف .
و لكي أكون دقيقا في تعبيري فلا أغضب سكان الهند أو الهند الصينية ، أهالي جزر الكاريبي أو المجاهل الأفريقيه ، سأدخل بعض التعديل لتصبح العبارة : " الإنسان العربي حيوان خائف " .
فالعربي المقود مذعور من بطش العربي القائد ، و العربي القائد متوجس خيفة من أن يتمرد عليه العربي المقود ، و العربي الجار يخشى العربي الجار ، بحيث لم يبق من العروبة غير إطارها اللغوي .
الخوف - مثلا - هو الذي دفع الناس إلى النزوح من فلسطين .
أذكر جيدا والدي عند دخوله البيت ذات يوم مذعورا : (( مالنا قعاد ها هنا )) ، الحامية العربية غادرت في الليل الفائت ، و سرية جيش الإتقاذ مرتبكة بسبب غياب قائدها ، و تعزيزات صهيونية تقترب منا ؛ يجب الإبتعاد حالا ريثما تنجلي الأمور !
و حتى اليوم يا صاحبي لم تنجل الأمور ، فما زلنا حيوانات مذعورة ، و المذعور يسهل بقاؤه تحت السيطرة حتى يحين موعد إفتراسه .
لقد طردوني من أمارة ( بترولويت ) لأنهم خافوا مني ؛ أنا - المسكين – إسماعيل بن إبراهيم ، الذي لا يملك غير جسده النحيل ، و راتبه الضئيل ، خافوا مني و بالأحرى خافوا من لساني الطويل !
كل ذنبي أنني ( حيوان عربي غير مذعور ) فاعتبروني نغما ناشزا و بناء على قانون ( من خاف سلم ) و البند العاشر من نظام الطوارئ الذي ينص على أن ( الشباك الذي يأتيك منه ريح ، سده و استريح ) و البند الخامس من القرار العرفي المسمى ( قانون الوقاية خير من العلاج ) و الذي ينص في بنده الأول : ( لا تناموا بين القبور و لا تشوفوا المنامات الوحشة ) بناء على الحيثيات السابقة كلها أو بعضها ؛ جروني
من بيتي إلى الطائر الميمون.
لهم الحق ، فقد تكلمت كثيرا عن كارثة الإنفصال ، و أطلقت لساني عن حرب اليمن و مهازلها ، و مع أنني لست صحافيا يخشون قلمه أو حزبيا يشتبهون بتعاونه مع جهات أجنبية ، و أنني لست سوى إنسان عادي يتحسس مشكلات قومه ، فقط إنسان غير مذعور ؛ فاعتبروني منحرفا و من ثم طردوني .
*****
1/7/1967
أخي و عزيزي أبو الوضاح
قال فريد الأطرش مواسيا : " الوغى كر و فر " و لما قلّبت قاموسنا المعاصر إكتشفت أن العبارة الصحيحة هي : " الوغى فر و فر و فر و فر "
و لكنهم إعتادوا – أقصد المطربين و الساسة – أن يدخلوا بعض التعديلات على بعض التعبيرات ، فالمطربون إعتادوا بأصواتهم الحنونة على تحويل الإستجداء و الإستعطاف و الاستذلال إلى عاطفة أسموها الحب !! أما الآخرون – أقصد الساسة – فقد برعوا بتمويه الهزائم بمصطلحات مثل :
( خسرنا جولة و لم نخسر حربا )
( إنها نكسة و ليست هزيمة )
( الوغى كر و فر )
ثمت مجذوب مشهو ر في دمشق ، و في الحقيقة هو من عقلاء المجانين ، إعتاد صعود الحافلات متسولا و لكن بأسلوب مبتكر ؛ كان يحمل كوبا من الماء ثبّت على حافته عصفورا صغيرا من الإسفنج ، كان ينظر إليه كأنما يخاطبه ثم يزجل قائلا :
يا عصفوري يا عصفور
يا أحلى طير بين الطيور
يا عصفوري ليش بتتحرش
بفضايح فريد الأطرش
و فاتن حمامه بتتنغرش
لأنها طيرة من الطيور
و يا عصفوري يا عصفور
----
يا عصفوري فين الدين
و فين عهد صلاح الدين
حتى يرجع فلسطين
و يرمي اليهود في البحور
و يا عصفوري يا عصفور
----
( الوغى كر و فر ) برأيي المتواضع فضيحة جديدة من فضائح فريد الأطرش ، أما صلاح الدين فقد بعث فعلا و لكن أفراد بطانته خذلوه !
*****
14/10/1970
كلي أسف لعدم قدومك إلى دمشق في الصيف الفائت ، و لقد أصبحت أعاني من حالة مزمنة من الأسف بسبب إستمرارك بعدم القدوم ، معاناتي من حالة مزمنة أخرى تجاه ما يجري عندنا و حولنا ، إنه تمزيق لعرب ناصر بعد أن مزقوا ناصر ، و هكذا ينقلب هتاف أحمد سعيد - كبقية الإنقلابات – ليصبح : " إخفض رأسك يا أخي " لأن ( من يرفع راسه لفوق تنقصف رقبته )
هل سمعت بما قاله رئيس أركان الصهاينة في أعقاب المأساة الجديدة : " إن عدد القتلى العرب في هذه الحرب العربية العربية يفوق عددهم في حروبهم العربية الإسرائيلية كافة " ألا يا لشماتتهم و يا لخيبتنا !
دعنا من السياسة و خزيها و لنلتفت إلى شؤوننا الخاصة ، فبلقيس إبنتي لا زالت تذكركم فردا فردا ، أما أنيس ، فبدأ ينساكم لأن فكره مشغول بجدول الضرب خوفا من الضرب – أقصد ضرب المعلمين - مع العلم أن الكل في بلادنا ينضرب بسوط الخوف و التخويف ، الأب يخوّف ابنه ، المعلم يخوف تلميذه ، المفتش يخوف المعلم و المدير ، مدير الإدارة يخوف موظفيه ، رجل الدين يخوف المتعبدين ؛ ،و هكذا يا صاحبي حياتنا كلها خوف بخوف !
لا أدري كيف تتشتت أفكاري أو يستطرد قلمي ، فقد كنت أتحدث عن أولادي ، حدثتك عن بلقيس و أنيس ؛ أما لميس فهي مثل زعمائنا تحكي قصصا كثيرة معظمها غير مفهوم ، أما أدونيس – آخر العنقود – فهو في هذه المرحلة من العمر أشبه ببغاء .
و على ذكر الببغاوات قال فقهاؤنا : " المسلمات السافرات علة هزائمنا " فرددت الببغاوات " الحجاب الحجاب سوف ينصرنا " ، المحجبات أثقلن حجابهن و نصف المحجبات أكملن حجابهن ، و السافرات أصبحن تحت الضغوط حائرات ، و هكذا - يا صاحبي – عادت صراعات الثلاثينيات ، مؤامرة جديدة هدفها إلهاء الناس عن قضيتهم الكبرى و هزائمهم الأكبر .
18/12/1971
أخي الحبيب أبو وضاح
أما عن العمل- يا صاحبي - فينمو و تنمو معه المسؤوليات و تتعاظم الواجبات و تتراكم فوق رأسي الشائب ؛ هكذا الحياة يا عزيزي ، فهي فترة تفكير و تدبير ، ثم تفكير و تدبير ، تفكير و تدبير يمتد من لحظة اشتعال الوعي إلى لحظة الإنطفاء، البعض يفكر بعقله و البعض بقلبه و بالبعض بقدميه أو يديه .
خذ مثلا مشكلة البيت ، فقد إشتريته هيكلا ( على العظم ) و بدأنا فورا بإكسائه باللحم حيث إبتدأت – منذئذ - متاعبنا مع المهنيين من نجارين و بلاطين و دهانين ، وعود تجر وعود و مماطلات تتبعها مماطلات ، أشبه بوعود الأمم المتحدة و مماطلات جامعة الدول العربية (16-17)؛ يرمي أحدهم بعض المعدات ثم يغيب و إن عثرت عليه و طالبته بتنفيذ وعده أرغى و أزبد و قد يستخدم قدميه أو يديه – كما حصل لي مع أحدهم – أما إذا لجأت إلى القضاء فهناك إهدار الوقت و المال بلا طائل ، فأتفه الدعاوى القضائية تستغرق عقدا من الزمن على الأقل .
فرانكفورت التي هدمتها الحرب العالمية الثانية بالكامل ، بعثوها خلال خمس سنوات ، و شقتي المتواضعة مضى على وضع حجر أساسها خمس سنوات و ربما إحتاجت لخمس أخر ليتم إنجازها . يومهم بشهر من أيامنا ، و شهرهم بسنة من سنيّنا ، و سنتهم بعشر ؛ أما المسافة الحضارية بيننا و بينهم فقد باتت – وا أسفاه - تقدر بالقرون !
15/5/1973
أخي أبو وضاح
كلنا إليها ، حزنا جدا أنا و أفراد أسرتي لوفاة والدتك ، و الكلمات تعجز عن مواساتك و لا نملك سوى أن نتمنى لها الرحمة و لكم الصبر و السلوان ، اليوم هي و غدا أحدنا ، قطار يلفظ البعض و يستقبل البعض في رحلة مجهولة البداية و النهاية !
18/12/1973
أخي و صديقي أبو وضاح
حربنا هذه المرة كانت مشرفة و إيجابياتها تفوق سلبياتها ، عنصر المباغتة ، الدفاع الجوي الرائع ضد الهجمات الجوية ، الدفاع المدني ، التجهيز المدني من حيث توفير الماء و الغذاء و الوقود . و لولا ضعف جارتنا في الغرب لما تمكنت طائراتهم من إلحاق الأذى بمصانعنا و بنيتنا التحتية في الشمال .
شَعر – محسوبك – لم تبق منه شعرة واحدة سوداء ، أما قلبي فإنني أشعر بضعفه و خاصة إذا اضطرتني الظروف إلى صعود السلالم عند توقف المصعد و ما أكثر ما يتوقف ، لقد بدأت أشعر بوطأة السن ، مع أنني في مطلع الأربعينيات ، فهل يعزى ذلك إلى إرهاق العمل أم إلى وطأة الأحداث ؟
أعجب ما قرأته هو ما قاله العم كسينجر : " يجب إخراج مصر من المعركة و إبعادها عن مشكلة الشرق الأوسط " . العجيب في الأمر هذه الصراحة المطلقة غير المعتادة ، ترى هل بلغت به القدرة على صنع الأحداث هذا الحد ؟ ترى هل هو جاد ؟ ترى هل يجد من يطيعه ؟
صوت المدفعية لا زلنا نسمعه ، فالجبهة اقتربت وأصبحنا على مرمى مدفعيتهم ، و لكننا هنا جميعا غير مكترثين حتى لو إقتحموا دمشق ، كل الناس يدركون الآن أنهم في مواجهة أمريكا و من ورائها حلف الأطلسي و ليس إسرائيل و حسب .
نسيت – في زحمة الأحداث – أن أتمنى لك و لأسرتك عاما جديدا سعيدا و عمرا مديدا ، أما أنا فمنذ عودتي من جنيف عدت إلى إحتراقي البطيء بنار المصطلحات الجديدة :
- الثغرة
– الكيلو 101
– فك الإشتباك –
- حرب التحريك
– جميع الأوراق بيد العم سام
– الأرض مقابل السلام
التي إنضمت إلى شقيقاتها :
- النكسة
– العدوان الثلاثي
– رودس
– الهدنة رقم 1
– الهدنة رقم 2
مصطلحات نجترها ثم نهضمها ، في انتظار ظهور مصطلحات جديدة !!!! .
16/1/1974
أخي و عزيزي أبو وضاح
أما عن إبني أنيس ، فما زلت في حيرة من أمره و أمر معاملته ، فهو متقلب الأطوار ، تارة أراه ضاحكا بشوشا ودودا و تارة أخرى عصبيا إنطوائيا سريع الإستثارة سهل الإدماع ، فهل لك بإرشادي إلى وسيلة تحد من مزاجيته المتعبة هذه ؟
البيت الجديد امتص كل شيء حتى راحتنا و أعصابنا ، تماما كالحرب الأخيرة التي استنزفت دباباتنا و مصانعنا و شبابنا و معظم بنيتنا التحتية ؛ فمنه العوض و عليه العوض !
ربما اسافر إلى الولايات المتحدة في الصيف القادم حيث يعيش هناك أحد أخوال أولادي ، و ذلك للسياحة و الإستجمام و كذلك العمل إن أمكن ، فلا بد لحجري من أن يصيب عدة عصافير في الوقت ذاته ، و سترافقني أم أنيس و أنيس و بلقيس ، أما لميس و أدونيس فسيبقيان برعاية جدتهما ؛ و سأبذل جهدي للبحث عن جامعة تناسب إبنك وضاح .
19/5/1975
أخي و عزيزي أبو وضاح
رسالاتك الأخيرة كانت مختزلة ، فإما أنك كنت مشغولا جدا أو أنك (( قرفان)) جدا من آخر التطورات و المهازل .
ألف شكر لإهتمامك بشقيقي ، و هنيئا له فقد أصبح له أخ سادس ، إنه يكتب لنا عن نجاحات كثيرة غير أنه لم يذكر شيئا عن القرض أو عن شريكه الجديد و عما إذا وثّق عقده معه أم لا ، أرجو أن تستمر بمراقبته عن كثب ، حتى إذا تعثر أنجدناه في الوقت المناسب ، فتعثره متوقع لأنه – يا حبة عيني – آخر العنقود .
أما أعمالي هنا فتتحرك بسرعة نحو الأفضل ، فلم لا تفكر بالعودة فتضع يدك بيد أخيك أبو أنيس ؟
أولادي كالعادة من الأوائل ، و قد استطاع أنيس أن يتخلص من معظم عيوبه المزاجية ، فلم يبق منها سوى ثمانين أو سبعين ، و فعلا أفادتني نصائحك ، فقد تقربت إليه و خصصت له بعض وقتي ، أستمع إلى الغث من من كلامه و بفرح شديد إلى الثمين ، و أناقشه حول تساؤلاته الكثيرة ، و بدأت أدربه على الحوار بدل الشجار ، و الإبتعاد عن مصادر الإستفزار بدلا من التحدي ، و على ضبط النفس بدل الصياح و البكاء .
حتى معلميه الذين كانوا دائبي الشكوى و التذمر من سلوكه ، أخذوا يلاحظون إنحسار سلبياته ، و إحدى المعلمات أوكلت إليه بعض المهام تشجيعا لمواهبه الفنية ، فأوكلت إليه مسؤولية صحيفة الجدار ، و قيادة فريق الطلائع ( الكشافة ) ، و قد ذهب في مهام صحافية إلى بيوت ذوي الشهداء ، و هو يطلب مني حاليا تعلم قيادة السيارة و لكنني في هذا متردد فما هو رأيك ؟ و على العموم يمكنني القول بكل ثقة أن إنقلابا مس صميم شخصيته ، و آخر تعليق لمدير المدرسة على صحيفة أعماله الفترية كان " إنه يحب القيادة و ناجح فيها ، و لديه ميل للتضحية و إنكار الذات ، إضافة إلى الذكاء و الجدية .
أما بلقيس ، فكما عهدتها ( عايشة على مهلها ) ، متأنية جدا ، خجولة جدا ، و لكنها جادة مجتهدة جدا جدا .
أما لميس فهي شيطانة في ثياب طفلة ، بينما بدأت مواهب أدونيس بالظهور و هي متعددة موسيقية غنائية تمثيلية ، و هو مرتبط جدا بمعلمته و متعلق بها.
لم تذكر لي شيئا عن حياة إبنك الجامعية ، هل لا زال يراها مملة ؟
16/6/1975
صديقي و أخي
أرجو أن تستمر في محاولتك إنقاذ أخي إسحق من ورطته و ألا تحسب أبدا للمادة أي حساب ، إنه يبرر فشله بسوء حالته الصحية فلِمَ لا تكون تلك حجة لإقناعه بأن يترك كل شيء و يعود حالا ، إشتر له تذكرة باتجاه واحد إلى دمشق ، قبل أن يزداد غرقا .
20/2/1976
عزيزي أبو وضاح
مللت السياسة و الخوض في مستنقعها ، أنعشني نصر تشرين لفترة وجيزة و ما لبثت الأحداث أن أعادتني إلى اليأس ، هذا الذي يجري في لبنان ألا يدعو إلى الدهشة و الإرتياب و الأسى ؟ هل بلغ بنا الحمق أن نندمج في دور عرائس المسرح ؟ اللعبة الإقليمية مستمرة و كذلك إبنة عمها الطائفية و ابنة أختها الشعوبية و ابنة عمتها العشائرية ، ألم اقل لك ذات يوم أن مناخ الثلاثينيات قد عاد ؟!
على العموم دعنا من السياسة فقد بدأت أحاجيها تستعصي على فهمي ، كما يستعصي على فهمي هذا النزاع المستمر بين بين أنيس و بلقيس ، و بين بلقيس و لميس . بلقيس كما عهدتها ذكية و دائما من الأوائل في مدرستها و لكنها عنيدة و تميل إلى الدكتاتورية بصفتها الأكبر بين إخوتها ، بينما تجد أنيس مفرطا في حساسيته و لا يتقبل على الإطلاق محاولاتها السيطرة عليه ، و هكذا تنشب المنازعات ، أرجو أن تسعفني برأيك .
أهنئك بسلامة الوصول و تجاوزك جميع تلك الصعوبات التي اعترضت رحلتك ، أما عن غدر الصديق فهو صعب فعلا و يدعو إلى المرارة ، ربما أهضم أن يربح منك ماديا ، أما أن يغشك و يعرض حياتك و حياة أطفالك للخطر فهذا غير مقبول على الإطلاق ، صداقة خمسة عشر عاما أضاعها بفورة جشع و نزوة طمع .
و لكن كيف تسنى له استبدال المقطورة التي اشتريتها من نسيبه على أنها مستعملة مرة واحدة بمقطورته المتهالكة ؟ أين كنت عندما تم التبديل ؟. و لِمَ لم تستلم ما اشتريته في الحال ، و لكن لن ألومك فالمفروض أنك كنت تتعامل مع صديق .
الطقس معتدل و الشمس تسطع صافية فوق الفيحاء فتضفي عليها جمالا فوق جمال ، لولا الصخب الذي نعانيه من ضجيج السيارات و زحمة الناس و فوضى المرور و صراخ جهاز التسجيل عند جاري ليل نهار مروجا لبضائعه الفنية ، لدرجة أفقدتني أعصابي و حواسي و خاصة منها حاسة التذوق الموسيقي ، حتى أني بدأت أكره أم كلثوم و عبد الوهاب و فيروز و حتى صباح فخري لأجله .
26/11/1977
أعددت عدة السفر إلى مصر لبعض الأعمال ، و اشتريت التذاكر و حجزت الأماكن ، ثم علمت أن مصر السادات تعيد الفلسطينيين من مطارها لأسباب غير واضحة ، و كما تعلم فقد أفلح ( الدكتور كيسنجر) بإخراج مصر من ساحة الصراع ،فهم يخططون و ينفذون أما نحن فمتخبطون و مستنفذون .
حضر خال الأولاد من الولايات المتحدة الأمريكية ، و كان لحضوره صدى في غاية البهجة بعد غياب سبعة عشر عاما ، و قد أغراني بوجود فرص عمل جيدة هناك و جعلني أفكر جديا بالأمر ، بل بدأت فعلا بالتفكير بالهجرة .
10/1/1978
تهاني القلبية بالعام الجديد و بالمناسبة فإن الأعوام الجديدة لم تعد تثيرني كما في السابق فكل عام جديد على أمتنا العربية أسوأ من أخيه المغادر ، فلعل التغيير الجذري الذي عزمت عليه يقلب هذه الصورة المملة .
فلسفتك حول مضار الهجرة منطقية و لكنك تغالي بها ، فأنا شخصيا أجد نفسي قادرا على العمل لخمسين سنة أخرى ، فأنا لا أدخن و لا أشرب الكحوليات ، و لدي استعداد للتأقلم مع أية بيئة ، فأنا اسماعيل و إسمي مقرون بالمتاعب و الترحيل . اسماعيل الذي ارتحل على أكتاف أمه هاجر فرارا من إضطهاد ساره زوجة أبيه ، اسماعيل الذي تخلى عنه أبوه إبراهيم ، يكرر نفسه في شخصي الضعيف ؛ و لكنني أحاول أن أصنع قدري بيدي هذه المرة .
كانت رحلتي الأولى غصبا عني على ظهر ( حمارة عرجاء ) فرارا من بغي سارة القرن العشرين ، و بعد أن عجز أبو يعرب عن حمايتي و حماية أهلي . و كانت رحلتي الثانية إلى بلاد بترولييت التي لم يعجبها كلامي الكثير و عقلي المستنير ، فطردتني مخابراتها كما طردتني ساره من قبل ؛ أما الآن فإنني أخطط للإرتحال الثالث بمحض إرادتي .
28/3/1978
أخي أبو وضاح
منذ أسبوعين و بينما كنت على أهبة الإستعداد لمغادرة المنزل إلى العمل ، إذا بألم يمتد من الصدر إلى الرقبة فالكتف ، ألم يداهمني فيشل حركتي ، فنقلتني أم أنيس في الحال إلى المستشفى حيث مكثت أربعة أيام في غرفة العناية المركزة .
إنها الجلطة يا صاحبي !
عمري بالضبط خمس و عشرون يوما و شهران و سبعة و أربعون عاما ، أفليس مبكرا أن أصاب بأزمة قلبية ؟
3/8/1978
أخي أبو وضاح
ساءني جدا عدم حضورك إلى دمشق هذا الصيف ، فقد كنت أخطط لقضاء فترة ترويحية برفقتك لا سيما بعد سفر بلقيس و أنيس إلى الولايات المتحدة لزيارة خالهما .
حالتي الصحية لا بأس بها و كما تقول جدتي : (( عمر الشقي بقي)) .
أنا معك يا أخي أن عليّ تخفيف الأعباء و التقيد بعلاج و نصائح الطبيب ، و لكن هدفي بتأمين مستقبل أولادي ينسيني نفسي أحيانا ، و كما قلت لك سابقا فإنني لن أرضَ باقل من مليون ليرة سورية لكل ولد من أولادي كي يبدأ به حياة ناجحة ، و هذا الهدف أضعه فوق كل إعتبار .
و أما عن عصبيتي و توتري الدائم فهو أمر من الصعب التخلص منه لأنه جزء من شخصيتي ، فأنا لا أطيق الإعوجاج و كل ما هو حولي للأسف أعوج .
إنني ضجر و متبرم من كل ما هو حولي ، و كل غلطة يرتكبها قادتنا تستفزني و كل سلوك تخلفي يتورط به مواطنيَّّ يثير أعصابي ، و أملي في رحلة طويلة للإستجمام و العلاج .
13/9/1978
أخي و صديقي أبو الوضاح
أكتب إليك من فندق هلتن في شيكاغو ، بعد استراحة قصيرة من سفرة طويلة شملت الوسط الغربي للولايات المتحدة .
الجالية العربية في هذه المنطقة كبيرة و الكثير منهم من الخريجين الذين يرفضون العودة إلى البلاد .
لقد أصبحت بلادنا منفرة يا صاحبي ، فعندما يتذوق أحدهم طعم الحرية و الحضارة يرفض العودة إلى غياهب التخلف و مجاهل الإستبداد .
صادفت هنا في أمريكا إبن صديقك النصّاب ، الذي نصب عليك و على غيرك ليعلِّم أولاده في بلاد العم سام .
الناس هنا في أمريكا لا يهتمون بالسياسة أو الساسة ، و لا يعرفون شيئا عن بلادنا و مآسيها ، لا يعرفون سوى أننا بدائيون نتنقل فوق الجمال ، و أننا ملكنا ثروة طائلة لا نعرف كيف نديرها ، و أننا دمويون و هواة حروب . و يشبهوننا بالهنود الحمر .
من ضمن المشاريع التي أبحثها هنا ، تأسيس شركة مع بعض العرب الأمريكيين ، تمارس أعمال بيع و شراء و تعمير العقارات ، إضافة إلى الإستيراد و التصدير . أما طموحاتي السياسية فهي إنشاء لوبي عربي ، يقف في وجه اللوبي الصهيوني ، ترى هل أنجح.؟
كل شيء هنا – في أمريكا – مبني على أعمدة ثلاثة : العلم و الجهد و الأرقام ، أنت تعمل إذا أنت موجود ، أنت تملك المال إذا أنت موجود ، أنت متعلم إذا أنت موجود، أنت متعلم و تعمل و تملك رأس المال إذا أنت نصف الوجود .
قابلت هنا عربا محافظين و متزمتين ، و عربا باعوا كل شيء حتى المبادئ و الأخلاق ، قابلت السعداء منهم في حياتهم الزوجية و قابلت التعساء و المطلقين ، قابلت القادر على رعاية أبنائه و كذلك الذي تخلى عن مسؤولياته تجاههم ، قابلت أبناء ظلوا على ولائهم لأهلهم و أبناء تمادوا في عقوقهم ، شاهدت الناجحين منهم و الساقطين .
فالهجرة – يا عزيزي – تحتاج إلى بنيان أخلاقي و علمي و تخطيط مدروس و إلا ضاع كل شيء ، ترى هل أقوى و أولادي على مواجهة ظروف الهجرة ؟ هذا ما يحيرني .
شكرا لتعزيتنا بوفاة والد زوجتي و تهاني الحارة بسلامة ابنك وضاح ، السيارة – يا أخي – تعوض و لكن الإنسان لا تعوضه أموال قارون ، و لقد تعرضت لحادث مماثل حيث دفعني أحد مجانين قيادة السيارات من الخلف فحطم نصف سيارتي الخلفي و قد نجا ولديّ بلقيس و أنيس من الحادث بأعجوبة .
أسباب يأسي تتفاقم و تتعاظم ، ففي السياسة تخبط و تعقيدات ، و جريمة حلب المروعة لا زلنا نعاني من مضاعفاتها ؛ و في حياتنا اليومية يتعمق الفساد الإداري و تنتشر الرشاوى علنا و تتفاقم الفوضى المرورية و ازدحام الشوارع و الضجيج الذي يصم الآذان ،كل شيء من حولي منفر منفر حتى الأعماق .
أما بخصوص الهجرة فقد قدمت كافة الأوراق اللازمة و نحن بانتظار الحصول على البطاقة الخضراء .
و هكذا تراني ماض في مخططي لهجرة جديدة إلا أنها - كما قلت لك سابقا -ستكون بمحض إرادتي هذه المرة ، إسماعيل لن يرحل على ذراع أمه هاجر هروبا من طغيان زوجة أبيه و غفلة أبيه أبو يعرب ، و لن يهاجر إلى أمارة بترولييت طلبا للرزق ثم يطرد منها طرد الكلاب ، اسماعيل سيهاجر هذه المرة على حصان فولاذي من صنع يديه .
الوطن يا عزيزي ليس خبزا و ماء بل هو كرامة و شعور بالآدمية .
أنا معك بأن الفساد و الإنحطاط الأخلاقي سببهما توالي الحروب و وطأة الضغوط الإقتصادية ، فالحروب تدمر العمران و تستنفذ الموارد و تحطم القيم .
نجحت بلقيس في الثانوية العامة أما أنيس فسيحصل عليها في العام القادم و لميس أصبحت في المرحلة الإعدادية أما أدونيس فقد أنهى المرحلة الإبتدائية و ودع زمن المرايل .
تم للأسف بتر ساق محمد شقيق زوجتي و لك أن تتصور مدى معاناتنا و معاناته .
20/6/1979
أخي أبو وضاح
(ذاب التلج و بان المرج) و أخيرا كشف أنور الصاجات ( 16-17) قناعه مظهرا وجهه الحقيقي فبدا قبيحا ، لقد باع القضية ، و بال على بني يعرب و بني يََجرب كذلك ، متناسيا شلالات الدم التي سفكت طوال أربعين عاما ، فضاعت مع خطوته ( التاريخية !!! ) أحلام الوحدة و الحرية إلى الأبد .
أما مشروع صهيون بإيجاد دويلات عربية ضعيفة - يمكن السيطرة عليها - حول إسرائيل ، فقد بدأ يتحقق بفضله و بفضل من دفعه من بني بترول إلى هذه الخيانة .
20/10/1980
فتحت صندوق البريد
ليس فيه غير مغلف وحيد
إنه من مغلفاته
حمّله بطرفاته و غمزاته
و بأعمق الأفكار
و أحدث الأخبار
و بلوذعياته
****
فضضته متمهلا
و لوجهه الصبوح
و خفة الروح
متمثلا
لمحت الرسالة ، أخرجتها
و من ثم بسطتها
فصفعتني حروفها السوداء
كما تصفع الأفنانَ بوادر الشتاء
*****
لقد حملت في طياتها خبر إسماعيل
إنه الرحيل ... الرحيل... الرحيل
فقط تغير المسار
نحو مجاهل الأقدار
فتراقص الكلام المحزون
وراء دمعي الهتون
فلا العزيمة صمدت
و لا الإرادة بقيت
و لا من يريدون .
------------------
سوري مغترب
إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
الموقع : www.FreeArabi.com


قديم 07-26-2012, 08:53 PM
المشاركة 2
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
هذه المكاتبات وثائق تؤرخ لعصر مضى سيقرؤها جيل لم يولد بعد أو أنه ولد في مكان ما يستطيع أن يربط بين الأحداث ليستنبط منها نتائج قد تفيده في الخروج من المستنقع
أتمنى أن يجد الكثيرون ممن أدركتهم حرفة الأدب الجرأة لإخراج مكاتباتهم إلى ضوء الشمس دون خوف من تابو سياسي او ديني او اجتماعي
أ. نزار الزين
تحيتي لك

قديم 07-27-2012, 03:10 AM
المشاركة 3
نزار ب. الزين
عضو الجمعية الدولية للمترجمين العرب
  • غير موجود
افتراضي
[quote=ريم بدر الدين;123543]هذه المكاتبات وثائق تؤرخ لعصر مضى سيقرؤها جيل لم يولد بعد أو أنه ولد في مكان ما يستطيع أن يربط بين الأحداث ليستنبط منها نتائج قد تفيده في الخروج من المستنقع
أتمنى أن يجد الكثيرون ممن أدركتهم حرفة الأدب الجرأة لإخراج مكاتباتهم إلى ضوء الشمس دون خوف من تابو سياسي او ديني او اجتماعي
أ. نزار الزين
==================
أختي الفاضلة ريم
نعم يا أختاه هذه الرسائل
وثائق عن تاريخ عقدين من الزمن
من أسوأ ما ما مر على بلادنا العربية
إذ تمكنت إسرائيل خلالها من غرس جذورها إلى عمق يصعب انتزاعه

***
أختي الكريمة
الشكر الجزيل لمشاركتك التفاعلية
في نقاش النص

مع خالص المودة و التقدير
و كل عام و أنتم بخير
نزار
==================

قديم 07-27-2012, 07:34 PM
المشاركة 4
جليلة ماجد
كاتبة وأديبـة إماراتيـة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
إنها تحت ظلال الزيزفون إلا أنها مسطرة بـ خذلان كبير للعرب

أستاذي ... رائع كهدي بك ....

عند المطر ..تعلم أن ترفع رأسك ..
قديم 07-27-2012, 11:04 PM
المشاركة 5
نزار ب. الزين
عضو الجمعية الدولية للمترجمين العرب
  • غير موجود
افتراضي
إنها تحت ظلال الزيزفون إلا أنها مسطرة بـ خذلان كبير للعرب
أستاذي ... رائع كهدي بك ....
===============
أختي الفاضلة جليلة
نعم ، إنه الخذلان
شكرا لمشاركتك و اهتمامك
و لثنائك الدافئ
مع ودي و تقديري
نزار


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: رحلة اسماعيل - رواية قصيرة - نزار ب. الزين
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
اعذرني أرجوك - قصة قصيرة - نزار ب. الزين نزار ب. الزين منبر القصص والروايات والمسرح . 4 08-05-2012 06:21 AM
قسم - ق ق ج - نزار ب. الزين نزار ب. الزين منبر القصص والروايات والمسرح . 6 05-26-2012 08:23 PM
قسم - ق ق ج - نزار ب. الزين نزار ب. الزين منبر القصص والروايات والمسرح . 0 05-21-2012 12:24 AM
إشاعة 3 - نزار ب. الزين نزار ب. الزين منبر القصص والروايات والمسرح . 6 04-26-2011 11:06 AM
كنز ممتاز بك - رواية قصيرة - نزار ب. الزين نزار ب. الزين منبر القصص والروايات والمسرح . 6 08-14-2010 02:17 AM

الساعة الآن 12:09 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.