احصائيات

الردود
7

المشاهدات
6303
 
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي


محمد جاد الزغبي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,179

+التقييم
0.18

تاريخ التسجيل
Jan 2006

الاقامة

رقم العضوية
780
08-06-2010, 01:19 PM
المشاركة 1
08-06-2010, 01:19 PM
المشاركة 1
افتراضي نظرات فى التاريخ السياسي لقضية الأقصي

تمهيد

من أين نستقي الحقائق


فى التاريخ السياسي للدول العربية أو الوطن العربي المفكك , يجد الباحث عن الحقيقة فى الأحداث عنتا وتعبا شديدا ..
ولا شك أنه أمر طبيعى لأسباب مختلفة يتمثل أكثرها فى التغييب المتعمد للتاريخ فلا يوجد فى أكثر البلاد العربية لجان جادة لتوثيق التاريخ والحفاظ على الوثائق المتاحة فضلا على أن البحث خلف كتابات الباحثين والسياسيين العرب يعتبر أشبه بالحرث فى البحر كنتيجة طبيعية لتراكم الأهواء على الأقوال فتجد للواقعة الواحدة ألف رواية بألف هوية بألف توصيف !

وفترة النصف الثانى من القرن العشرين بالتحديد وهى الفترة التى تشكلت فيها كل ألوان وأنواع الأحداث السياسية التى عصفت بالعالم العربي تعد هى الفترة الأشد غموضا بالرغم من أنها الأقرب توقيتا لعصرنا الحالى فلم يمض أكثر من نيف وخمسين عاما عليها ومعظم المؤرخين والمحللين السياسيين المعالجين لها عاشوا فتراتها بأنفسهم
غير أن انعدام التوثيق فى المؤسسات الرسمية العربية إلا فيما ندر يعد هو السبب الواقف خلف هذا التغييب فالنظم العربية لا تعرف التوثيق لأى تصرف حتى التصرفات السيادية والقرارات التى تؤثر فى مصائر البلاد
حتى لو وجدت هذه الوثائق فكلها تعد مضروبة تحت ألوان ومراتب من السرية المطلقة دون حد أقصي من الزمن فلا وجود لأى نظام يشبه النظم الغربية فى التوثيق والتى تفرج عن الوثائق السياسية بعد مضي ردح معين من الزمن يختلف بحسب سرية الوثيقة
إضافة إلى أسلوب آخر نفتقده عربيا وهو التوثيق المستمر لكل كبيرة وصغيرة لتصرفات رجال الدولة وسياستها ونظمها مهما كانت بساطة هذا التصرف ,
ولذلك تجد التاريخ الغربي قائم على حقائق رادعة لكل هوى عند الكتابة كنتيجة طبيعية لوجود الوثائق التى تعد النافذة الكبري لكل حقيقة وكل موقف وكل شخص ..
والإختلاف فى الأحكام على التاريخ السياسي بين الكتاب والمحللين لا يعدو كونه اختلافا فى التحليل والقناعات لا غير ..
أما بالعالم العربي فالوثائق القليلة التى يمكن أن تكون سبيلا لاستقاء المعلومات فهى تقع رهنا بالمؤسسات السيادية فى كل بلد وأكبر دولة عربية فى هذا الشأن تحتفظ بالتاريخ الوثائقي وهى مصر .. يكون الإحتفاظ بها كما سبق القول أبديا فى مؤسسة الرياسة وجهاز المخابرات العامة وهذا فيما يخص الوثائق السياسية لدولة الجمهورية ..
أما وثائق الفترة الملكية الموجودة فتحتفظ بها المؤسسات الوزارية وتكون متاحة بقدر ما أمام الباحثين ..

كيف نعرف وكيف نحكم ؟

مع الأسف الشديد وكما رأينا أن استقاء الوثائق أو المصادر التى تجزم بحقائق التاريخ السياسي للدول العربية يعد طريقا مليئا بالشوك الرسمى الملئ بالتغييب أو التزييف إلا فى قليل من المعلومات المتسربة نتيجة تناطح السلطة فى بعض الأوقات
وبهذا الحال يكون المصدر العربي شبه منعدم فى المصداقية إلا في قليل
ولذا لجأ الباحثون والمحللون والجماهير لاستقاء المعلومات الحقيقية التى تكون أساسا للرواية الحقيقية لأحداث التاريخ إلى الوثائق والمراجع الغربية التى عالجت ـ فيما عالجت ـ فترات الإحتكاك السياسي بين الغرب والشرق
وبالتالى أصبحت الوثائق الأوربية والإسرائيلية والأميركية هى الكنز المرصود للوصول إلى الحقيقة بعيدا عن التزييف

والوثائق الغربية التى يجهل أو ينكر البعض حجيتها ومصداقيتها تحت تأثير الوقوع فى ثقافة الإفتراء الغربي على العالم العربي والإسلامى لا يعلمون أن النظم العربية ذاتها استغلت غياب الوعى الثقافي لدى الجماهير لتنشر بينهم هذه الثقافة كرد وحيد على الفضائح السياسية التى تتضمنها تلك الوثائق ..
والافتراءات الغربية حقيقة ..
لكن فيما يخص كتاباتهم الفكرية وسياسة الإستشراق البحتة ضد البلاد الإسلامية والعربية أما بشأن تاريخهم ووثائقهم فالأمر يختلف لكن النظم العربية من مصلحتها هذا الخلط
لأن الأحداث التى تجرى وراء الستار تكون محجوبة من الجانب العربي لا يعرفها إلا الصفوة بينما هى فى الجانب الغربي متاحة للعامة بعد مضي مدتها بالإضافة كما أنها معرضة للكشف المعاصر لها تبعا لمختلف الظروف كما حدث مثلا فى فضيحة " إيران كونترا " فى الثمانينات من القرن الماضي وكما حدث فى أزمة لبنان أثناء رياسة بشير الجميل واغتياله بناء على كشف بعض الإتفاقيات السرية الضارة بالأمن القومى لبلاده
وواقع الحال أن الوثائق الغربية الرسمية التى تعلن أمام الباحثين بمرور فترات السرية المضروبة حولها هى الحقيقة المجردة التى لا يمكن الشك بها فى العالم الغربي لأنها تمثل أساس النظام السياسي فى تلك البلاد
فكل سياسة تقرر أو قرار يتخذ أو منهج للتعامل أو حتى حوار بين السياسيين يتم تسجيله فى محاضر مكتوبة لأن المسئولية السياسية يجب أن تكون واضحة ومحددة فلا يوجد تصرف سياسي فى النظم الغربية ليست له وثيقة مسجلة
ولا يمكن تزييف تلك الحقائق أو العبث بمحتواها لأن هذا كفيل بإنهاء المستقبل السياسي لأى عابث بها كما أنها تكون محكومة برقابة مشددة تجعل الاقتراب منها له مردود على العابث أكبر ألف مرة من محتوى الوثيقة مهما كان

أما كيفية الحصول على الوثائق الغربية فهى متاحة بذاتها فى المؤسسات الغربية الرسمية ومتاحة أمام كافة الباحثين دونما تحديد طالما أن فترة السرية قد انتهت
فضلا على أن بعض الوثائق التى تكون مدة سريتها مبالغة وتصل الى حد المائة عام مثلا لم يستسلم الباحثون لتلك الفترة فرفعوا القضايا على المؤسسات الرسمية لبلادهم وتمكنوا من كشف نطاق السرية عنها منها بعض وثائق الحرب العالمية الثانية وبعض وثائق حرب يونيو 1967 فى الجانب الأميركى ,,

وهناك مصدر آخر للحصول على تلك الوثائق عن طريق تقصيها فى كتابات ومراجع السياسيين والباحثين الغربيين وتكون كتبهم متضمنة تلك الوثائق كأساس تقوم عليه تلك المراجع والتحليلات ..
ويجدر الإشارة لنقطة بالغة الأهمية أن الوثائق التى أعنيها فى السطور السابقة هى تلك الخاصة بالأسرار العليا للحكومات أما الأسرار العادية وحتى بعض أدق الأسرار فهى عرضة للكشف فى وقت معاصر لزمن وقائعها وذلك لمختلف الأسباب منها الخبطات الصحفية لبعض الصحف وهناك أيضا الإختلافات الحزبية والسياسية التى تظهر معها الكثير من الأسرار المحجوبة ويلتقطها الإعلام فتتسرب أسرار شديدة الخطورة فى حينها وزمنها
والأمر واضح قطعا لكل المتابعين فحرب العراق مثلا وهى لم يمر عليها سوى سنوات أربع تفجرت أسرارها كاملة تقريبا ولم يحجب منها شيئ بالإضافة إلى أسرار حرب الخليج الثانية وغيرها

بالإضافة إلى كتابات المفكرين العرب وهم للأسف الشديد ندرة فى هذا المجال .. مجال الكتابة السياسية الموثقة نظرا لبعد المصادر الوثائقية عنهم ولا يخرج منهم على سبيل الإستثناء إلا محلل سياسي واحد يعد واحدا من أكبر المحللين السياسيين فى العالم ويحتل القمة مع أربعين كاتبا وباحثا سياسيا تعتبر كتبهم فى العالم أجمع مصادر لها حجيتها وأهميتها لتى تستطيع تغيير سياسات دول بأكملها
وأعنى به المفكر السياسي الكبير محمد حسنين هيكل الذى يعد الإستثناء الوحيد فى الشرق الأوسط بين المفكرين .. لأن كتبه التى تلاقي فى الغرب أضعاف أضعاف الاهتمام فى العالم العربي تعد هى الباب الرئيسي لإقرار الحقيقة فى عالم من الزيف يحكم السياسية العربية
كما أنه يعد استثناء فى مصادره ..
فهى مصادر رهيبة فى ثرائها وكتبه تحفل بمئات الوثائق معظمها يكون خارجا لأول مرة على يد هيكل بحيث أنه يسبق بعض كبار المحللين الغربيين فى الوصول إليها نتيجة لصلاته الوثيقة بعدد غير محدود من السياسيين الحاليين والسابقين فى شرق العالم وغربه إضافة لاحتفاظه بمعظم وثائق العهد الناصري فى مصر عندما كان المستشار الأقرب للرئيس عبد الناصر طيلة ثمانية عشر عاما أحسن استغلالها فى تجميع التاريخ الوثائقي لتلك الفترة
ولا يمكن الإختلاف بأى حال مع هيكل فى صحة وثائقه " الخاصة أو العامة " أو الحقائق التى تتضمنها كتبه لأن وثائقه كلها مسندة لهيئات ومؤسسات رسمية غير أنه يمكن الإختلاف معه فى فقط فى التحليل أو الاستنتاجات التى يمكن استنباطها من تلك الوثائق
مع ضرورة ملاحظة أن تحليلاته التى تقرأ ما خلف الوثيقة تكون فى تسعين بالمائة منها هى الأحق بالنظر نظرا لخبرته اللا محدودة
ونظرا لمكانته وتحليلاته كان طبيعيا أن تتعارض كتاباته مع النظم السياسية المختلفة بالدول العربية وساد المنع والحظر على كتبه بمصر لمدة عشر سنوات حتى عام 1985 م نتيجة لاختلافه مع النظام المصري السابق ثم حدث ما يشبه الهدنة إلى أن تجددت المصادمات منذ عام 1996 م وتوترت العلاقة بين هيكل والنظام المصري الحالى عقب محاضرة سياسية ألقاها بالجامعة الأميركية وتناولت الأوضاع المعاصرة للبلاد وحملت معها تحليلا نقديا فعالا
ومنذ بداية خروجه لمعالجة الشأن الجارى بصفة منتظمة مع بداية عام 2000 م كتابة وإلقاء على القنوات الفضائية زادت حدة الخلاف ولو أن الأمر لم يصل إلى حظر الكتابات ولو أنه وصل مؤخرا إلى درجة اقتحام الأمن لاستديو التسجيل الخاص ببرنامجه الشهير " مع هيكل " وتحطيمه وهو الإستديو الذى كان معدا لاستئناف حلقاته من مدينة الإنتاج الإعلامى بالقاهرة

أما علاقاته مع العالم العربي فهى على الخلاف فى أغلبها لنفس الأسباب الخاصة بكتاباته العميقة الموثقة لشتى الأحداث وتسببت فى أزمات مزلزلة مثل كتابه الأهم عن حرب الخليج الثانية عام 1992 " أوهام القوة والنصر " ولم يكن قد مضي عليها أكثر من عام ورغم ذلك جاء الكتاب مليئا بما خفي وبما جرى وراء الستار واحتجت بعض البلاد العربية والإفريقية عليه عدة مرات ..
وأيضا كتابه الصادر لمجموع مقالاته فى مجلة وجهات نظر القاهرية وهو الكتاب الذى عنونه هيكل باسم " قضايا ورجال " وتناول فيه بعض السياسيين فى العالم العربي كاشفا عن أخص أسرارهما مع الولايات المتحدة منذ الستينات من القرن الماضي وحتى اليوم
بالإضافة إلى قنبلته حول منظمة الفرانكوفونية التى شاركت فيها عدة دول عربية ومنها مصر وكشف هيكل الجانب المظلم من تلك المنظمة ذات الستار الثقافي والتى تورطت فى عدة خنادق وعواصف هى أبعد ما يكون عن نطاق الأمن القومى العربي وأتى حديثه على قناة الجزيرة الخاص بالحالة السياسية الراهنة للعرب والذى كشف فيه النقاب عن دولة مجهولة وغامضة تماما هى دولة " فرسان مالطة " تلك الدولة التى تكونت على أساس عقائدى وعلاقات سياسية مشبوهة تورطت فيها بعض النظم العربية إلى درجة تبادل التمثيل الديبلوماسي برغم أنها دولة ذات نظام بالغ الغموض ومجهولة تماما فى العالم حتى بالنسبة للمهتمين بالشأن السياسي

وكتابات الأستاذ حول الصراع العربي الإسرائيلي عامة والقضية الفلسطينية بصفة خاصة تعد المصدر الأهم لنا فى تلك الدراسة بالإضافة إلى المصادر الغربية المترجمة لمذكرات بعض القيادات السياسية والمحللين على مستوى العالم
بالإضافة للمراجع التاريخية التى تعالج التمهيد اللازم لقضية فلسطين فى القرن الثامن والتاسع عشر ,,

وبغير تلك المصادر وبغير النظرة المتجردة للحقائق وقبولها دونما اللجوء لسياسة النعام .. لا أمل فى خروج جيل جديد يعرف أبعاد الموقف العربي بأكمله ويرتب ردة فعله وقناعاته وثوابته بناء عليه لا اعتمادا على تصريحات وثوابت الإستهلاك السياسي التى ظلت تخدر الشعوب العربية طيلة نصف قرن ..




قديم 08-06-2010, 01:22 PM
المشاركة 2
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: نظرات فى التاريخ السياسي لقضية الأقصي
نظرات فى التاريخ السياسي لقضية الأقصي



لم يعرف التاريخ العربي الحديث أزمة شائكة للعرب والعروبة وقضية الإسلام .. بقدر ما عرف أزمة المسجد الأقصى وقضية فلسطين المحتلة وتتباعد الخطوط والخلفيات بين المعلوم والمجهول فى هذه القضية التى تم تفريغها من مضمونها الأساسي ككارثة حلت بالعروبة .. قبل أن تكون قضية وطن محتل وشعب أسير ..
وأتى تسطيح القضية ومحاولة حصرها فى نطاق بالغ الضيق .. راجعا إلى الجهل وعدم القصد .. وفى أحيان أخرى أتى متعمدا فى سياسة المصالح والتشرذم الذى غرقت فيه أنظمة الحكم العربي حتى النخاع ..
وبدايات القضية عند الغالبية العظمى تبدأ من حيث خرج للوجود وعد بلفور وزير الخارجية البريطانى الشهير فى أعقاب الحرب العالمية الأولى .. حيث تضمن الوعد تصريحا باستقطاع أرض فلسطين لتكون الوطن المختار لليهود لتصبح إسرائيل أول دولة تبنى على أساس دينى ..
هذه هى البدايات التى يتناولها بالقضية الفلسطينية كأنها هى البداية الأساسية لأزمة الأقصى ..
بينما البداية الحقيقية كانت قبل وعد بلفور بمراحل ..
كانت البداية فرنسية .. وليست انجليزية ..
الورقة الأولى ..

البداية والفكرة


كانت البداية مع نابليون بونابرت الإمبراطور الفرنسي الأشهر .. وواحد من الرموز التاريخية الكبري فى التاريخ الأوربي ..
فنابليون هو المؤسس والمثير الأول لفكرة الوطن اليهودى الموعود الذى يلملم شتات اليهود من بقاع العالم وينتزع منهم فكرة " الجيتو " أى حى اليهود فى أى مدينة حيث يعيشون فى بعد كامل عن العالم الذى يحيط بهم ..
ولم يكن قبل نابليون وفكرته أى تلميح عن استقلال اليهود وتجمعهم فى وطن واحد حتى بين اليهود أنفسهم الذين كانوا يفضلون العيش حيث هم فى الشتات مندمجين مع الأوطان التى ركنوا إليها ..
وبدأت فكرة نابليون مع تنفيذ فكرته التوسعية بحملته الشهيرة على مصر .. واستعداده للزحف إلى الشام ..
هناك وقف التاريخ متأملا ورقتين حررهما نابليون عرفا فيما بعد .. بـ " الورقة الإسلامية " و " الورقة اليهودية "

وكانت الورقة الإسلامية
هى النداء الموجه من نابليون إلى الشعب المصري والعربي المسلم يقول فيها ما معناه أنه آت إليهم لتخليصهم من عناء الاحتلال العثمانى الذى سلب ثروات البلاد ورزق العباد ولم يكن هذا حقيقيا بطبيعة الأحوال .. إذ أن الورقة الإسلامية كانت عبارة عن خدعة إستراتيجية الغرض منها اكتساب التأييد الشعبي للحملة الفرنسية مما يسهل المهمة للقوات الفرنسية مع تأييد أو تحييد القوى الشعبية عن مناصرة المماليك والعثمانيين ..
أما الورقة اليهودية
فلم تكن أبدا كنظيرتها الإسلامية .. إذ كانت ورقة إستراتيجية لهدف عملاق سعى إليه إمبراطور فرنسا وكان يعنى كل حرف ورد فى هذه الورقة ..
إذا أن الورقة اليهودية كانت عبارة عن نداء موجه إلى اليهود بصفتهم الدينية يدعوهم بهمة وحماسة إلى النهوض من كبوتهم وإغفاءتهم والإسراع إلى ميراث الأجداد فى فلسطين على اعتبار أنهم الورثة الشرعيون لأرض الديانات .. وقام باللعب على أوتار الدين اليهودى والشتات الذى يعانى منه الشعب اليهودى وهم شعب الله المختار على حد الزعم اليهودى ..
وجرى توزيع الورقة اليهودية بكثافة وإعلان طاغ بأساليب ذلك الوقت .. على أبواب القدس .. غير أن التوزيع لم يقتصر بالطبع على أبواب القدس والأرض الفلسطينية .. بل جرى توزيعه بكثافة أكبر فى الدول والأقطار الأوربية التى يتركز فيها اليهود ..
وكان الدافع لذلك ندرة الوجود اليهودى بالقدس حيث لم يزد عددهم على 175 يهوديا ..
واجمالى اليهود بفلسطين كلها لا يزيد على الألفين .. ولم يكن بقدرة مثل هذه المجموعات الضئيلة أن تفعل شيئا أو تقدم خطوة ايجابية فى الهدف الذى سعى إليه نابليون .. لكن التوزيع فى القدس أولا كان الهدف منه لفت النظر للوطن المقترح حيث يؤدى النداء مفعوله مع القوى اليهودية المؤثرة فى شتى أنحاء العالم
وكان هدف نابليون من الوطن اليهودى يشي بالعبقرية العسكرية النابهة التى تمتع بها هذا الإمبراطور الفرنسي المثير للجدل .. فلم يكن دافعه التعاطف مع اليهود بأى حال من الأحوال .. بل على العكس كان نابليون يحتقرهم .. لكنه تجاوز عن مشاعره فى سعيه الحثيث لتوسيع رقعة الإمبراطورية الفرنسية فى ذلك الوقت .. باستكمال الاستيلاء على رقعة الخلافة العثمانية فى المشرق .. ولأنه دارس جيد للتاريخ .. وقائد عسكرى ذو نظر بعيد ..
فقد تمعن نابليون فى المشرق العربي وفطن إلى حقيقة تاريخية ثابتة وهى أن مصر مفتاح أطماعه التوسعية ولا يستقر له حكم مصر إلا بتأمين البوابة الشرقية الطبيعية وهى التى تحتلها سوريا الآن .. غير أن غزو مصر وسوريا لن يستقر بالتبعية طالما ظلت البوابة الطبيعية بينهما مفتوحة وداعية إلى اتصال الشعبين على النحو الذى يهدد استقرار الحكم بهما ..
فكان لابد له قبل التفكير فى غزو مصر وتأمين بوابتها الشرقية أن يقوم بوضع حد فاصل ونهائي لاتصال الشعبين مما يحيل اتصالهما واتحادهما إلى ضرب من المستحيل ..

وتفتق ذهنه عن أخبث خطة تفرقة فى التاريخ ..
ألا وهى زرع كائن غريب بينهما عند نقطة التقائهما يحول نهائيا بين اتصال القطرين الشقيقين .. وكان لابد له فى رحلة البحث عن طبيعة الكائن المنشود أن يراعى فيه توافر شوط الغرابة عن جو العروبة .. والغرابة عن جو الإسلام بطبيعة الحال وإلا لما حقق الفصل المنشود ..
وكانت الشروط تنطبق على اليهود بجميع اتجاهاتها .. فجد نابليون فى استثارة الحلم الذى غاب عن مخيلة اليهود أنفسهم .. ووعد بتقديم الدعم الكافي بعد استثارة الحلم لتحويله إلى واقع ..

ثم غابت شمس نابليون عن الوجود بهزيمته فى معركة " ووترلو " ونفيه إلى جزيرة " سانت هيلانه " لتحتدم الصراعات بين الإمبراطوريتين الكبيرتين "بريطانيا " و" فرنسا " ..
ولم يكمل الحلم الاستراتيجي بالفصل بين مصر والشام أحد خلفاء نابليون ..
بل كان الأسد البريطانى هو الذى تبنى الكرة قبل سقوطها على الأرض لا سيما بعد استقرار " محمد على " على عرش مصر واليا للخليفة العثمانى محوطا بتأييد شعبي تمثل فى الرموز المصرية بذلك الحين " عمر مكرم " ورفاقه ..
وبدأ الانتباه للأمر بعد انفراد محمد على تماما بالحكم المصري بمذبحة القلعة الشهيرة التى تخلص فيها من المماليك وقضي عليهم قضاء مبرما .. وأقصي زعماء الشعب الذين ولوه الرياسة .. وبعدها انطلق بمصر على طريق الحضارة بخطى جبارة فى شتى الميادين العلمية والفكرية .. والعسكرية .. وفيما يخص القدرات العسكرية انطلق محمد على فى بناء جيش قوى وأسطول ذى شأن .. وكانت النقلة الحقيقية فى استعانته بالمصريين لأول مرة فى تكوين الجيش ..
وبدأ محمد على شيئا فشيئا يبسط نفوذه بالذات عقب الانتصارات المدوية التى حققها الجيش المصري فى الحجاز والشام ... وكان فى بداياته يهادن السلطان العثمانى إلى أن تأكد من قوة جيشه وضعف الخلافة وجيشها مقارنة بجيشه الفتى وأسطوله القوى .. فبدأ يعلن نيته فى الانفراد بمصر بعيدا عن سلطنة الخلافة وتبعيتها .. وهب أيضا يريد الزحف على الشام ..
وهنا كان داعى محمد على إلى تلك الخطوة هو ذات الداعى الذى كان فى مخيلة نابليون ألا وهو طلب التأمين لمصر عبر تأمين البوابة الشرقية وهى حقيقة تاريخية راسخة كما سبق القول ..
وارتجف السلطان العثمانى رعبا من زحف محمد على للشام وتهديده الاستراتيجي للخلافة وانهزمت الجيوش العثمانية أمام العسكرية المصرية ..
وهنا هرع السلطان العثمانى مستنجدا بالقوى الكبري فى العالم بذلك الوقت " بريطانيا " و" فرنسا " ..
ووجد نداء السلطان العثمانى ردا ايجابيا على الفور .. وكان دافع البريطانيين والفرنسيين للمساعدة هو القلق الذى اعتراهم من جيوش محمد على وأسطوله الذى يمثل خطرا كبيرا على الأساطيل البحرية البريطانية والفرنسية مما يخل بالتوازنات الإمبراطورية بينهم فى ذلك الوقت لا سيما وأن محمد على كان يمتلك طموحا غير محدود غير مأمون الجانب
وكانت النية البريطانية لديها سبب إضافي ..
ألا وهى نظرتها للقدس وأرض فلسطين حيث كان الحلم الفرنسي النابليونى يدق حيا فى قلب بريطانيا هذه المرة رغبة منها فى مصر وان كانت لم تعلن .. بمعنى استيلاء البريطانيين على الحلم الفرنسي القديم بزرع اليهود فى فلسطين وإرضاء فرنسا بما شاءت من أرض سوريا إلا القدس
وبعد التدخل البريطانى الفرنسي .. تمكنت جيوش الحلفاء من ضرب القدرة العسكرية المصرية لمحمد على وتحجيم الأسطول المصري فى البحر المتوسط .. ووقع محمد على على معاهدة 1840م .. والتى أنهت الخطر العسكرى لمصر باشتراطها عدم زيادة عدد الجيش عن أربعين ألف مقاتل وعدول محمد على عن الشام وحبسه داخل الحدود المصرية خلف سيناء ..
ولما كان هذا الحبس لازما لضمان عدم العودة ـ فقد خفت بريطانيا إلى السلطان العثمانى ـ وهو خليفة المسلمين كما هو مفترض ـ تطالبه بثمن المناصرة .. وكان الثمن إعطاء فلسطين لتحقيق الحلم اليهودى بوطن قومى والسماح لأعداد غفيرة من اليهود بالهجرة من أوربا وباقي أنحاء العالم ووجد السلطان العثمانى نفسه غير قادر على رد المطالب البريطانية ..
لكنه خشى العواقب فوافق على أن يبقي الأمر طى الكتمان ..

ولم تكن المطالبة البريطانية قائمة على غير أساس ..
فمنذ سقوط نابليون فى ووترلو .. والفكر البريطانى جد البحث خلف الحلم الفرنسي القديم بعد اكتشاف الفكرة العبقرية التى تفتق عنها ذهن إمبراطور فرنسا لخدمة أهدافه التوسعية .. وان كان البريطانيون والفرنسيون أيضا قد أضافوا إليها رغبة محرقة أخرى ..
وهذه الرغبة تمثلت فى الخلاص من كابوس جموع اليهود الفقيرة التى أيقظت ورقة نابليون اليهودية الحلم فى أعماقهم ... مما دعا بيهود أوربا الأباطرة فى المال والأعمال إلى خشية تدفق هذه الجموع إلى أوربا حيث يطلبون إلى بنى جنسهم النصرة مما يؤثر على القوى المالية اليهودية التى استقرت بالدول الكبري ولم تكن على استعداد لتحمل عبء هؤلاء الحالمين ..
وكانت موافقة السلطان العثمانى على المطالب البريطانية هى الطعنه الأولى فى صدر العروبة والإسلام ..
وكانت طعنه لها ما بعدها .. حيث قطع الحلم اليهودى بها الشوط الأكبر فى اغتصاب الأرض الفلسطينية بعد توالى الهجرة المحمومة تحت رعاية الخلافة والقوى العظمى .. كل هذا فى إطار اتفاق سري وعلى نحو غامض . بحيث لا تنتبه الجموع العربية المسلوبة الإرادة من الأساس خاصة وأن التواصل العربي ـ العربي كان شبه مفقود فى هذه الأيام .,
وهذه هى البداية المجهولة لقضية فلسطين

وللحديث بقية مع بقية الأوراق

قديم 08-06-2010, 01:25 PM
المشاركة 3
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: نظرات فى التاريخ السياسي لقضية الأقصي
الورقة الثانية .. الفرصة الأولى



ونواصل معا الإبحار فى تصحيح بعض الحقائق التاريخية التى غابت فى العصور البعيدة عند جذور قضية العرب فى فلسطين ..
آملين من الله أن يكون إدراكنا لحقائق التاريخ الغائب حينا والمزور أحينا عظة لنا وعبرة ودرسا يعطى الأمل فى تحقيق وحدة الهدف التى كادت أكثر من مرة أن تتحقق عبر التاريخ المعاصر فى المائتى سنة الماضية
وأجدنى شديد التركيز على تلك الفترات التى شهدت البدايات لأنها مجهولة عن الخاصة والعامة إلا من بحث ودقق نتيجة لما اعترى تلك الفترة من الزيف
واليوم نلقي الضوء على الوحدة التى كان من الممكن تحقيقها عقب جلاء الفرنسيين عن مصر وبعد قيام محمد على بالسلطة فيها لنوضح كيف أن الخلافة العثمانية لم تكن كما يشاع كثيرا حصنا للإسلام فى أواخر عهدها بل كانت أداة هدم حقيقية ولها دور غائر فى قضية فلسطين ولولا هذا الدور المشين لما تحقق لأوربا ما أرادت ,,

وقد عرفنا من خلال الحقائق السابقة كيف أن السلطان محمود استعان بالغرب لدرء خطر محمد على وحصره بعيدا عن داخل حدود مصر وتقليص قوته العسكرية
وكان غباء السلطان محمود واضحا فى الصفقة التى أبرمها باستعداء محمد على وجلب البريطانيين والإنجليز والروس لحربه ولو أنه تأمل بعيدا عن الأحقاد موقفه السياسي لتغيرت نظرته الضيقة لأن هذا التحالف كان هو نفسه أداة الهدم الرئيسية بعد ذلك والتى قوضت الدولة العثمانية بأكملها بعد الحرب العالمية الأولى
والحالة كانت كالتالى ,,
بريطانيا وفرنسا " بعد نابليون " وروسيا كانوا جميعا متوحدو النظرة فى خوفهم من الدولة العظمى التى أرساها محمد علىّ على ضفاف النيل وضمت مع مصر قطر السودان الشقيق كله بالإضافة إلى أنه بسط نفوذ دولته على سائر بلاد الحجاز بعد أن اقتنصها من الوهابيين فى الحرب الشهيرة التى امتدت عبر معارك طويلة وقاد فيها الجيش المصري ولدى محمد على طوسون باشا وإبراهيم باشا ,,
وكانت تلك الحرب لا تعنى الدولة المصرية فى شيئ بل كانت استجابة من محمد على للسلطان العثمانى الذى هلكت جيوشه أمام قوة جيش الوهابيين بعد أن خرجوا عنه وتسببت تلك الحروب بين العثمانيين والوهابيين فى منع الحج لعامين متتاليين
فلجأ السلطان محمود إلى محمد على ليعينه على ذلك فى مقابل إقراره على ولايه مصر
واستجاب محمد على فأرسل الجيوش المصرية المتتابعة بقياد طوسون باشا الذى إستولى على المدينة ومكة والطائف ثم جاء إبراهبم باشا فغزا الدرعية معقل الوهابيين وأجلاهم عنها وتم الصلح بينهم على أن تنتهى الحركة الوهابية لتعود بلاد الحجاز إلى سلطة السلطان العثمانى ولكن تحت راية محمد على ..
وما إن فرغ محمد على من حرب الوهابيين حتى فوجئ بالسلطان يطلب معونته فى حرب اليونان التى أعلنت إستقلالها وساندتها الدول الأوربية فى ذلك فجاءت الجيوش العثمانية ودخلت حرب اليونان فلقيت الهزائم الساحقة فاستنجد السلطان بمحمد على ثانية معولا على الجيش الخرافي الذى أسسه واستكمل عدته فى هذا العهد وكان قوامه الجنود المصريين وتم تأسيس خططه الحربية وتدريبه على يد الكولونيل سيف " سليمان باشا الفرنساوى " والذى يعد الأب الروحى للجيش المصري الحديث
وكان على مقعد القيادة العامة إبراهيم باشا بن محمد على الذى صنع أسطورته بالقيادة فى تلك الحرب ,, حرب اليونان
وأبحر الجيش المصري بقوام أربعين ألف مقاتل مع المدافع والأسلحة الحديثة فى صحبة الأسطول المصري الجديد وخاض حرب اليونان لتنقلب الدفة على الحلفاء الأوربيين
وكانت تلك الحرب هى السبب الرئيسي الذى أظهر قدرة الجيش المصري ومدى خطورته فى ذلك الوقت وكانت تلك السمعة الخرافية هى نذير الكوارث فيما بعد عندما أدرك الأوربيون أن الدولة المصرية وضعت لها موضع قدم فى شئون العالم وهذا تبعا للسياسة الإستعمارية كان أشد خطرا على أوربا من السلطنة العثمانية
فأغروا السلطان العثمانى بقبول الصلح وعوضوه عن أسطوله المدمر وفاوضوا محمد علىّ على إنهاء الحرب وتم الصلح فعلا
وبعد الصلح توددت إنجلترا وفرنسا إلى محمد على وبدأ التخطيط الكبير لانهاء سطوة الدولة المصرية الحديثة
ورغم أن الحلفاء الأوربيين كانوا أعداء أصليين للسلطان العثمانى إلا أنه وقع فى فخ مشورتهم فبادر بانكار ولاية محمد على وسعى فى عزله وأرسل إليه جيشا عرمرما لكى يعزله فما كان من محمد على إلا أن أرسل الجيوش المصرية بأساطيلها لغزو سوريا
وانكسر الجيش العثمانى أمام الجيش المصري فى أربع معارك كانت آخرها معركة " قوله " والتى دارت فى قلب الأراضي التركية وبدا واضحا أن السلطنة العثمانية على وشك الإنهيار
وهنا تدخلت روسيا وإنجلترا وفرنسا فى الحرب إلى جوار العثمانيين أعداءهم القدامى ضد محمد لتسير الأمور سيرها إلى معاهدة 1940 م والتى حصرت نفوذ محمد على داخل مصر وكان من شروط الصلح إعتبار مصر دولة مستقلة
ومن هنا بالتحديد بدأت الدول الإستعمارية الكبري فى التخطيط لانهاء الخطر المصري والعربي نهائيا عن طريق زرع اليهود بفلسطين كفاصل بين مصر والشام مما يحقق غرض الحلفاء وهى نفس فكرة نابليون القديمة مع إختلاف الغرض
والذى يثير الحسرة هنا ما يمكن استخلاصه من تلك الأحداث وهى على الترتيب

أولا ,,
طموح محمد على فى إرضاء السلطان العثمانى ليستقل بعد ذلك بمصر حسبما كان يتوقع مكافأة له على حرب الوهابيين كان هو السبب الرئيسي الذى أدى إلى حماسة محمد على للقضاء على الوهابيين بالرغم من أن العدو الرئيسي كان السلطنة العثمانية
ولو أن محمد على إنتبه لتوحد الأهداف والمصالح بين مصر والوهابيين بعيدا عن الطموحات الشخصية لكل منهما لتم الإتحاد بينهم فى مواجهة السلطنة العثمانية ولكان للحوادث مجرى آخر تماما بعد ذلك ,,
ولم يكن هذا الإتحاد غريبا لأنه لا وجود لأى عداء فى الأصل بين عرب الحجاز ومصر وبالرغم من أن الوهابيين حاربوا أثناء دعوتهم بعض قبائل الحجاز المعارضين لهم إلا أن تلك الإختلافات كانت ـ لو توفرت السياسة السليمة ـ ستنتهى تماما بين القبائل المتناحرة وبعضها وبين تلك القبائل ومحمد على

ثانيا ..
وقوع محمد على فى الخداع مرة أخرى ومده السلطنة العثمانية بالمعونة فى حرب اليونان مما كشف عن قدرة الجيوش المصرية وأدى إلى تغيير أولويات الأجندة الأوربية وبالتالى برزت فكرة زرع اليهود فى موطن فلسطين ورجحت كف هذه الفكرة وكان من المتوقع أن يتم تجميع اليهود فى وطن بديل بالأرجنتين

ثالثا ,,
لو أن السلطان العثمانى أدرك حساسية مركزه وشرفه كمتحدث باسم الخلافة الإسلامية ودانت له لذلك الأقطار العربية ومن ضمنها مصر بكل قدرتها كانت الأمور ستتغير لأن التحالف بين قدرات الجيش العثمانى والجيش المصري مع إخلاص النوايا كان كفيلا بقلب المعادلة لصالح المسلمين لا سيما وأن أوربا لم تكن متحدة المصالح بل على العكس كانت متنافرة وتجرى بينها الحروب بصفة مستمرة لكنهم ظهروا أكثر ذكاء وعقلا من المسلمين عندما تناسوا خلافاتهم مؤقتا واتحدوا فى مواجهة الخطر الإسلامى فتم لهم ما أرادوا

رابعا ,,
لو أن محمد على وهو من هو على براعته السياسية الرهيبة وعقله الراجح تمكن من مد جسور الإتصال بينه وبين انجلترا مثيرا الخلاف المتوارث بينها وبين فرنسا ومتخذا من الإنجليز حلفاء مصالح لوقفت إنجلترا إلى جواره فى حربه مع السلطنة العثمانية ولأصبحت الدولة المصرية هى قبلة الخلافة وتحت سيطرتها السودان والحجاز والشام بأكمله حتى حدود الدولة التركية وساعتها كانت فكرة إنشاء وطن قومى لليهود ستموت فى مهدها نظرا لأنها كانت فكرة الإنجليز لحماية مصالحهم ولم تكن مصالحهم الإقتصادية لتتعارض مع المصلحة الإسلامية وبالتالى فلم تكن لتتحد مع أوربا لأخذ اليهود حليفا بديلا .. لأن مصالح الإنجليز كانت تتمثل فى طريق المواصلات المار عبر مصر إلى مستعمرات البريطانيين فى الهند وهذا الأمر لو تمت كفالته ما كان لينتقص شيئا من مصالح المسلمين والعرب

وهذه الصورة وبالشكل الذى تمت عليه مثلت ضياع أول فرصة ليس لإفلات العرب والمسلمين من آفة اليهود فحسب بل كانت جذوة القومية العربية التى قادها محمد على وإبراهيم باشا الذى أعلن تنصله من أصله التركى معتزا بإسلامه وبمصريته وعروبته ..
كانت تلك الجذوة ستولد فى وقتها المناسب لتتكون شيئا فشيئا الدولة العربية الإسلامية المتحدة
وهذه الفرصة كانت بحق أول وأقوى فرصة للعرب والمسلمين فى تاريخهم الحديث


وللأوراق بقية ,,

قديم 08-06-2010, 01:27 PM
المشاركة 4
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: نظرات فى التاريخ السياسي لقضية الأقصي
الورقة الثالثة ..


بدء عهد النوم الطويل


يظن الكثيرون أن الخمول العربي الذى لا زلنا نعيشه اليوم وضياع هيبة العرب بين الأمم إنما هو امتداد طويل لغفوة المغول عندما أسقطوا الخلافة العباسية .. وأنه منذ ذلك العهد ضاعت الوحدة العربية والحس القومى الإسلامى الذى قامت عليه ..
وهذا خطأ فادح فضلا على أنه جهل بالتاريخ والحقائق .. ليس مجرد عدم إدراك لحقائق دقيقة خافية .. بل هو جهل بما هو منشور ومعلن ومتردد !!
فالحقائق التاريخية المعنية كاد أساتذة التاريخ والسياسة يصابون بالشلل وهم يلفتون النظر إليها داعين أولى الأمر إلى تأمل نوايا الأعداء التى لم تصبح نوايا بل أعلنت عن نفسها فى وثائق ومذكراj ساستهم وزعمائهم على نحو يقطع المجال أم أى شك فى أن الغرب من المستحيل السعى وراء سياساته المعلنة وتصديقها مهما تزيت بزى البراءة ,
ولذلك موضع آخر فى تلك اليوميات ..

أما ما سيتم تناوله فى يومية بدء السبات فهى إلقاء الضوء على أوجه وأشكال القوة العربية التى نالت من القوة ما لا يستهان به ولا يمكن القول معها بأن الحضارة والإتحاد العربي انتهى منذ إنهيار الدولة العباسية وإستكمال ما بدأناه فى الفصل السابق حول دولة محمد على
فعندما داهم التتار البلاد الإسلامية وتملكوا خراسان وما بعدها وطرقوا أبواب الخلافة العباسية ببغداد وبالرشوة المعروفة لأحد وزراء العباسيين تمكن المغول من اقتحام العراق معقل الخلافة وفعلوا بها الأفاعيل وكان أشدها أثرا تدمير المكتبات العملاقة التى ظلت تزخر وتكتنز علوم الحضارة الإسلامية منذ عهد هارون الرشيد الذى أسس بيت الحكمة
ثم واصلت جيوش التتر اقتحام البلدان حتى حدود مصر التى كانت تعانى ساعتها صراعا على السلطة تصدى له المظفر سيف الدين قطز وخلع الخليفة الطفل وتولى ولاية وأخذ فى تعبئة مصر للمعركة الكبري
وتعبئة مصر كلمة فى مكانها تماما فسيف الدين قطز لم يعنى بتجهيز الجيوش فقط بل كان أول من حشد الجيش والشعب معا منفذا أعلى أسلوب استراتيجى للمعارك الكبري ويروى المؤرخون أن التعبئة التى تمت من على منابر المساجد وألسنة أولى الأمر جعلت الشعب كله يقف صفا واحدا خلف قيادته وجنوده إلى درجة أن اللصوص توقفوا عن السرقة وكل ذى شر طوى عن الناس شره
وهو الأمر الذى أطاح بأى فرصة لأمراء المماليك من منافسي قطز للتأليب إليه واضطروا للخروج معه صاغرين فى موقعة عين جالوت والتى كانت هزيمة المغول فيها ساحقة ثم تولى مصر بعدها الظاهر بيبرس الذى أتم وأسس للشرعية العربية عندما تتبع فلول المغول حتى أجلاهم وظل منهم من أسلم لله وهم خلق كثير كما تمكن الظاهر بيبرس من درء خطر الصليبيين الذى تجدد ..
واستكمل بيبرس منجزاته عندما بحث عن من يسد مكان الخلافة فوجد ضالته فى أحد المنتمين للنسب العباسي فدعاه خليفة وعادت الدولة العربية قوية منطلقة من مصر التى انتقل إليها مجرى الحوادث خلال تلك الفترة وحتى نهاية دولة المماليك على يد الجيوش العثمانية ,,

وجاء عصر الخلافة العثمانية التى بدأت مزدهرة وقوية للغاية منذ عهد المؤسس عثمان ارطغرل ودخلت أوربا لتعيد نشر السطوة والسلطنة الإسلامية للخلافة فى أوج قوتها ,
وكانت التأثيرا الإيجابية لنشأة الخلافة العثمانية أنها فتحت أوربا وتوسعت فيها وقهرت الغرب الذى ما فتأ يحارب بحروبه الصليبية فى بلاد الشرق المسلم , بمعنى أصح أنها أنهت عهد الحملات الصليبية وتمكنت من رد الثأر المستحق لفظائع الغرب فى بلاد الإسلام
وكانت أقوى فترات الخلافة بعد تمكن السلطان محمد الفاتح من فتح العاصمة الرومانية القسطنطينية ثم بلغت الدولة أقصي اتساعها فى عهد سليمان القانونى ..


ولكن كعادة التاريخ ورغم أن الخلافة العثمانية استمرت ستة قرون إلا أن قوتها الحقيقية استمرت لأربع قرون فقط , بعدها اعترتها عوامل الضعف والإنشقاق والأطماع
وفى تلك الفترة من القرن السابع عشر وحتى القرن التاسع عشر تمكن الأوربيون من غزو العثمانيين فكريا , ونجحوا فى هدم تمسكهم الفولاذى بالحضارة الإسلامية وشريعتها وسيطروا شيئا فشيئا على البلاط الحاكم , حتى ظهر الفرنسيون وعهد نابليون , الذى تزامن بعد فشل الحملة وقهره مع بزوغ حركة النهوض فى الشرق مجددا على يد محمد على

وجاء محمد على
فانتهت فى عصره الخلافة العثمانية فعليا بالرغم من أن الأوربيون ردوه إلى مصر إلا أن الجيش المصري كان قد دمر سائر القوة العسكرية للعثمانيين وظلت بحالتها تلك تعانى نزعات الإحتضار حتى سقوطها النهائي فى الحرب العالمية الأولى
.. وجاءت دولة محمد وجددت حلم التوحد وكادت بالفعل تحققه بفضل براعة محمد على وابراهيم باشا ولده وقائد جيشه الذى كانت أعماقه متشربة للحلم الإسلامى والأهم أنه كان سياسيا محنكا بالرغم من صغر سنه وكان أحد الندرة الذين انتبهوا لمدى العداء والحقد الدفين لدى الدول الغربية على أى لمحة من لمحات التوحد العربي والإسلامى
وقد عبر إبراهيم باشا أثناء المفاوضات بينه وبين الأوربيين عندما أسقط الجيوش العثمانية
فقال للقنصل الفرنسي ردا على مقترحاته
" فى الواقع أيها القنصل أننى فى دهشة لموقف الدول الأوربية التى أيدت اليونان فى استقلالها وكفلته لها عن الدولة العثمانية فلماذا تقفون عكس هذا الموقف أمام الدول الإسلامية وما الذى يضيركم أن تحوز مصر والعرب حقها الطبيعى فى الإستقلال بعد حرب عادلة انتصرت فيها
ثم أردف
" لماذا تحملون كل هذا الحقد للإسلام والمسلمين ,, "
وتوفي إبراهيم باشا وضاعت الفرصة الأولى بالعصر الحديث بالرغم من أن حدود مصر كانت فى تلك الأيام هى الحدود اللازمة لبسط دولة الوحدة لأنها امتدت إلى السودان بأكمله ووقف عند حدود الصومال وأثيوبيا على مقربة من منابع النيل .. فضلا على فتحها الشام بأكمله وهو الذى تنازلت عن بعضه فى اتفاقية 1840 م ..
كما امتدت الحدود فشملت الحجاز كله
وكانت وفاة إبراهيم باشا ومن بعده وفاة محمد على نفسه ومقدم عباس الأول هو الضربة التى وأدت الحلم لأنه عباس قوض جهود من قبله وجاء من بعده سعيد باشا ففتح باب جهنم باستجابته لمشروع قناة السويس الذى اكتمل فى عهد إسماعيل .. وكان عهد إسماعيل غريبا ويليق بشخصية إسماعيل نفسه الذى حار التاريخ والمؤرخون فى الحكم عليه
فالخديو إسماعيل بن إبراهيم بن محمد على ورث الحنكة والإرادة عن جده ووالده لكنه لم يرث عنهما حفاظهما المشدد على الثوابت وأول تلك الثوابت عدم الثقة بالدول الغربية ففتح الباب أمام القروض والتى ذهب نصفها للتطوير ولتقوية الدولة وذهب النصف الآخر للمنافع الشخصية لهوى الخديو الذى دفع ما يقرب من ثلاثة ملايين جنيه " بمقاييس ذلك الوقت 1832 م " فقط ليحصل على اعتماد الباب العالى لتغيير وراثة العرش لتصبح فقط فى أكبر أنجال إسماعيل نفسه .. ثم تراكمت الديون أكثر وأكثر حتى باع إسماعيل نصيب مصر فى قناة السويس لانجلترا والتى أتم صفقتها روتشيلد اليهودى الممول للمشروع القومى لدولتهم فى فلسطين .. وبالرغم من أن مصر حصلت فى عهد إسماعيل على حقوقها المهدرة بمعاهدة 1840 م وقامت بإعادة هيكلة الجيش المصري وفتحت بقية السودان والصومال وأثيوبيا وأريتريا لتملك منابع النيل وتعضد وجودها كدولة عملاقة فى عصرها إلا أن الديون منعت استمرار التطوير بطبيعة الحال
ليضيع حلم إسماعيل سريعا ويجد جزاءه المناسب عندما تولى الخديو توفيق ولده الأكبر ولاية مصر بمؤامرة دبرها الإنجليز وكان أول ما فعله توفيق هو نفي والده الذى بذل المال الفاحش ليصبح ولده خديو لمصر من بعده
وبوصول توفيق إلى سدة الحكم وخيانته الشهيرة دخل البريطانيون مصر واحتلوها عام 1882 م لتصبح الساحة مفتوحة أمام اليهود لإتمام مشروعهم لزوال الخطر الذى كان يعترض الجهر بتكوين الدولة .. وجاء تيودور هيرتزل الزعيم الصهيونى المؤسس لمؤتمر بازل الشهير إلى مصر وقابل اللورد كرومر فى مصر راجيا أن يسمح له بقطعة أرض من سيناء أيا كان حجمها لتكون فى المشروع المقترح للدولة اليهودية ,,
فتردد كرومر واستشار وزارة الخارجية البريطانية ورياسة الوزراء ليأتى الأمر المباشر لكرومر بعدم إثارة الموضوع لأن حصول اليهود على قطعة من سيناء ولو كان بحجم الطابع كفيل بانتفاض ما يخشاه البريطانيون وهو إدراك المصريين والعرب بالتالى للمشروع اليهودى وهو لا يزال فى مهده والعرب بأكملهم نائمون مخدرون ..
وجاءت الحرب العالمية الأولى وما تبعها من وعد بلفور وانهيار العثمانيين ..
وكان الوضع السياسي للعرب كالتالى ..
مصر تحت الإحتلال الإنجليزى وتجاهد عبر زعمائها للخلاص منه بتفجر الثورات أى أنها غير متنبهة لما يجرى وراء الأستار
أما عن القوى العربية الموجودة فى ذلك الوقت فلم تكن هناك إلا العراق والحجاز والشام من كافة الأقطار العربية التى لم يتكون بعضها فى دول محددة كما هو اليوم والبعض الآخر كان تحت الإحتلال الأوربي منعزلا تماما عن مشكلة فلسطين لبعده الجغرافي وبعده السياسي .. وكانت الحجاز تحت يد الشريف حسين وفيما بعد وباتفاق مع بريطانيا التى كان لها النفوذ الأكبر فى المنطقة عقب اتفاقها الودى مع فرنسا عام 1907 أعطت ولدى الشريف حسين الملك فيصل والملك عبد الله إمارة العراق وإمارة شرق الأردن على الترتيب
أى أن الغفلة شبة كاملة ,, ومن بيدهم الحل والعقد وفيهم الإخلاص مشغولون بطبيعة الحال بقضايا أوطانهم ..
كما أن أصحاب الحلم اليهودى كانوا كامنين فى إنتظار الفرصة وحلفائهم يؤجلون الأمر .. وبالرغم من أن النية اليهودية كانت غائبة فى أغوار سحيقة لا أنه لا يمكن القول بهذا الأمر كعذر احتجاج على غياب هذه المؤامرة وتفاصيلها عن سائر العرب
لأنه بعد المؤتمر الصهيونى الأول ورحلات هيرتزل شرقا وغربا لم يعد الأمر سرا ولكن غياب أى طابع عربي متحد فى تلك الأيام كان هو السبب الرئيسي فى غياب العرب بأكملهم حتى عن مجرد أدراك خيوط الحوادث
ثم مرت السنون وجاءت الثلاثينات والأربعينات حاملة معها تركيزا أشد للصورة على نحو ذهب به الشحوب بعض الشيئ ..
فقد نالت مصر الكثير من استقلالها بعد تصريح 28 فبراير والدستور الملكى وإعلان استقلال مصر عن الدولة العثمانية التى سقطت وانسحاب الإنجليز عن الإحتلال الظاهر لتتركز قوتهم فى القناة ..
ومضت المفاوضات والجهود الحثيثة والتى كانت ستتصل إلى الاستقلال الكامل لمصر والسودان لولا دخول الحرب العالمية الثانية التى قلبت الأمور وأجلتها
وفى الجزيرة العربية تمكن عبد العزيز آل سعود من إمتلاك قبضة الحكم مؤسسا لدولته العريضة فيها تحت إسم المملكة العربية السعودية .. وظل الملك فيصل بالعراق كما هو بينما ظل شقيقه عبد الله على إمارة شرق الأردن والقدس الشريف تحت الحماية البريطانية الكاملة
هنا ..
ظهر حلم الخلافة مرة أخرى ودعت إليه مصر لا سيما الشيخ المراغي شيخ الجامع الأزهر الذى كان أشد المتحمسين لعودتها للعرب لكنه فى نفس الوقت عارض أن تكون الخلافة فى الملك فؤاد لافتقاره القدرة على تمثيل مصر فى هذا الشأن العظيم .
ومع ظهور حلم الخلافة ظهر الطابع العربي الأصيل المستقي من الحكمة المأثورة " آفة العرب الرياسة "
وكان المتنافسون على الساحة هم الفاعلون فى القومية العربية ساعتها وهم مصر والسعودية والأردن والعراق ..
وتنافس ملوك الدول الثلاث الأولى حتى نهاية الحرب العالمية الثانية دونما نتيجة .. لكن فكرة الخلافة التى سقطت لم تسقط معها فكرة القومية العربية التى استيقظت من جديد ونبهت إلى وجود معيار اسمه الأمن القومى وهو نفس المعيار الذى دعا مصر للإنتباه لما يجري على ساحة فلسطين ..
ومع تردى الأحوال السياسية داخل مصر وانحسار قبضة الإنجليز بشكل شبه نهائي عن أمور مصر تفجر الخلاف الرئيسي بين الملك فاروق وبين القوى المختلفة على الساحة السياسية وهى الجيش بتنظيم الضباط الأحرار .. والوفد برياسة النحاس .. والإخوان المسلمون بقيادة البنا ثم حسن الهضيبي .. وأحزاب الأقلية الغائبة عن الوعى
ثم جاءت المؤامرة الصهيونية وقد اكتمل طورها إلى أرض فلسطين عام 1948 م ليدعو الملك فاروق لمؤتمر القمة العربي الأول فى أنشاص .. وللأسف لم يكن انتباه الملوك العرب ساعتها ـ بالرغم من إخلاصهم ـ ليتناسب مع خطورة القضية ..
ويرجع ذلك إلى أنهم جميعا كانت لهم أغراض أخرى وراء الإعلان عن الدفاع والحرب المقدسة ..
وفى الورقة القادمة سنتعرف على أكثر من مفاجأة وأولها كيف أن الحلم الصهيونى كان ركاما من بدايته ولم يكن له أن يولد نهائيا .. ليس لضعف اليهود بل لقد حشدوا كل قوتهم وطاقتهم وليس لقوة العرب أيضا بل لأن الغرض كان يحكم كل تحركاتهم ..
والعرب فى ذلك الوقت كانوا ممثلين فقط بدول المواجهة ومعهم العراق وهم الذين شاركوا فى حرب فلسطين أو حرب النكبة والتى كان من الممكن أن تكون نكبة حقيقية لليهود ومن وراءهم .. لولا أحداث سيأتى ذكرها .. تثير ولا زالت تثير الحسرة وكانت تلك السنوات بداية حقيقية لانتهاء زمن بل وأحلام الوحدة بين العرب سواء بالتاريخ أو العقيدة أو اللسان .. وكانت بداية لعهد النوم الطويل

وللحديث بقية ,,

قديم 08-06-2010, 01:30 PM
المشاركة 5
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: نظرات فى التاريخ السياسي لقضية الأقصي
الورقة الرابعة ..

دور العثمانيين فى إنشاء المشروع الصهيونى


من السلطان عبد المجيد صاحب عقد اتفاقية 1840 م حتى السلطان عبد الحميد كان للخلافة العثمانية دورا رئيسيا فى تنفيذ المشروع الصهيونى ..
والسلطان عبد الحميد كان له الدور الأوثق فى كارثة فلسطين .. كما تبين من خلال الوثائق المنشورة وكانت تضم محاضر جلسات ويوميات لأبطال تلك الفترة من قادة المشروع الصهيونى بفلسطين
وما بين السلطان عبد المجيد والسلطان عبد الحميد كان هناك السلطان العزيز والسلطان مراد وما بين الأربعة دارت الرحى ..
لكن اللاعبان الأساسيان فيها كانا عبد المجيد وعبد الحميد
فالسلطان عبد المجيد هو الذى استنجد بأوربا على محمد علىّ وأتم اتفاقية 1840 م
بعد أن وصلت جيوش إبراهيم باشا إلى الأراضي التركية وهددت العاصمة .. وفى عهده تم بث البذرة فى اتفاقيات إنشاء الوطن القومى لليهود باعتباره سيخدم مصالح السلطان وحلفائه فى فصل مصر عن الشام نهائيا بشكل لا يمكن معه توقع احتمال اتحادهما فى دولة واحدة تهدد تلك المصالح
وقد كان أطراف الإتفاق ..
السلطان والحاشية ـ رئيس الوزراء البريطانى بالمرستون الذى أقنع السلطان عبد المجيد بأهمية تدفق الهجرات اليهودية وكان هذا الأمر يسبب قلقا للسلطان ـ ليس من قبيل الوطنية بل من خشيته فضح الأمر ـ ولكن بالمرستون والقيادات اليهودية الممولة للمشروع برياسة الإمبراطور المالى البريطانى روتشيلد تمكنوا من قهر العناصر المعارض فى حاشية السلطان واستغلوا أن عودة القيادة العثمانية للشام كانت عودة مرهقة وضعيفة عقب الاشتباكات مع محمد علىّ
ومضت الخطوات سريعا
وقام بالمرستون بإصدار منشور سري لقناصلة بريطانيا فى كل من دمشق وحلب والقدس وبيروت وحيفا موجود بنصه فى الجزء الأول من سلسلة " المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل " لمحمد حسنين هيكل فى الصفحة ( 56 ـ 57 ) وملخص توجيهات بالمرستون كانت كالتالى
إعلان قبول يهود العالم للحماية الإنجليزية ( ولا أحد يعرف متى تم أو كيف حدث هذا )
نداء لليهود بالتوجه للحكومة البريطانية فى مسألة تسهيل عودتهم لوطنهم القومى الجديد
واستمرت المخططات سائرة أيضا فى عهد رؤساء الوزارة البريطانية بعد بالمرستون حيث تولاها كل من جلادستون ودزرائيلي وكليهما صهيونى .. فالأول صهيونى مسيحى والثانى صهيونى يهودى .. كما تتابعت الخطط واستقرت واتخذت شكل التنفيذ الفعلى بعد مؤتمر بازل بسويسرا والذى قاده تيودور هيرتزل


دور السلطان عبد الحميد


وهناك الكثير من المثقفين والكتاب لا سيما بالمجال الدعوى من يعتنقون فكرة بطولة السلطان عبد الحميد الثانى ووقوفه فى مواجهة الخطط الإستعمارية لبريطانيا والحركة الصهيونية وليس هناك مصدر لهذه المعلومات إلا مذكرات السلطان عبد الحميد وهى بالطبع مذكرات لا يعتد بها .. ويأتى هذا التصديق لتلك المذكرات من منطلق التعاطف مع آخر تجارب الخلافة إلا أن الوقائع على الأرض والوثائق الرسمية التى ظهرت خلال ثمانينات وتسعينات القرن الماضي تكذب هذا بالطبع
لأن ما تم تحقيقه من المشروع الصهيونى على الأرض فى عهد السلطان عبد الحميد يكشف الدور فى وضوح ساطع

فبداية ..
ينبغي أن ندرك كيف تختلف المذكرات الشخصية للقادة والسياسيين فى عالمنا عن مثيلاتها فى الغرب
ففي عالمنا العربي والإسلامي تعد المذكرات الشخصية عبارة عن بوابة عريضة لصنع البطولات الزائفة لصاحبها بعيدا عن أى معيار تاريخى أو حتى منطقي يحكم الروايات التى ترد بهذه المذكرات وتنافي الوقائع الكائنة فعلا
على نحو يدفعنا للتساؤل عن سبب التراجع الإسلامى والعربي ما دامت الحقائق كانت كما رواها هؤلاء القادة وتبين لنا أن تاريخنا الحديث والمعاصر حفل بعدد من الأبطال لم يتوافر للعصور السالفة فى حضارتها الإسلامية الكبري ؟!

أما المذكرات واليوميات التى يكتبها قادة الغرب فتختلف فى مصداقيتها عن مذكرات عالمنا .. وهذا يرجع إلى عدة أسباب ..
الأول ..
وجود مبدأ التوثيق فى الأعمال السياسية الغربية مهما كانت بساطتها فكل تصرف حكومى وكل مقابلة أو تفاوض تم بين أحد قادة الغرب أو مسئوليه مع أى مسئول آخر أجنبي أو وطنى يتم توثيقه فور
ا ولا يسمح بتعديله بحيث يعتبر المرجعية اللازمة لتاريخ الغرب المعاصر ..
ولذلك فهناك مدة معينة تحكم مسألة الإفراج عن تلك الوثائق والسماح بتداولها نظرا لأنها تسجل بدقة تفاصيل تمس الأمن القومى ويتعين إخفاؤها حتى تنجلى خطورة إعلانها وهناك من الوثائق ما لا يسمح بإعلانه مطلقا كاستثناء نادر عن القاعدة وهو الأمر الذى لا نراه فى عالمنا العربي إلا بشكل جزئي وفيما يخص الأعمال السياسية المعلنة أو التى لا تخص اتفاقيات سرية فتلك النوعية لا يتم بأى حال من الأحوال توثيق شيئ منها وإن تم فهى قيد السرية المطلقة ما لم تعلن فى ظروف غير عادية كأن يتغير النظام السياسي فى الدولة أو ما شابه فتنكشف تلك الوثائق
ثانيا ..
لا يكتب السياسيون الغربيون مذكراتهم بالطريقة التى يكتب بها الشرقيون ..
ففي الغرب عادة أصيلة تحكم الأغلب الأعم من الشخصيات العامة
حيث يقوم كل مسئول بكتابة يومياته بشكل منتظم كل يوم وبالتالى تكون تلك المذكرات على أعلى درجة من الدقة ..
بينما فى عالمنا يختلف الأمر حيث يلجأ السياسيون عندنا لكتابة مذكراتهم بعد أن ينهى كل منهم حياته وتجربته السياسية بالفعل ولذا تأتى المذكرات غير دقيقة نتيجة للمدة الطويلة التى تتم معالجتها فيها بالإضافة ـ وهو الأهم ـ أن الوقائع المذكورة فى المذكرات لا تعتمد على الحقائق بل تعتمد على المواقف الأخيرة التى اتخذها السياسي لنفسه فتكون الأحكام والروايات مصاغة تحت هذا القيد بغض النظر عن الحقائق
ولهذا نجد التضارب رهيبا بين مذكرات قادة العهد الواحد
كما حدث مثلا فى مذكرات قادة يوليو فى مصر فثورة يوليو لها ـ طبقا لتلك المذكرات ـ عدد من روايات الأحداث والتفاصيل بعدد أصحاب المذكرات كل منهم أظهر نفسه على أنه البطل المحورى للأحداث وأنه تعرض للخيانة والإبعاد من زملائه على نحو ما رأينا فى المذكرات الشخصية لكل من أنور السادات وخالد محيي الدين وحسين الشافعى وجمال حماد ومحمد نجيب وصلاح نصر وعلى صبري وبعض مذكرات السياسيين والصحفيين من حولهم مثل مذكرات أحمد بهاء الدين وجلال الحمامصي وأحمد حمروش ومصطفي أمين وغيرهم عشرات

مما سبق يتضح لنا أن مذكرات قادة الغرب محكومة بيوميات مسجلة بشكل منتظم بالإضافة لعدم قدرة هؤلاء القادة على تغيير الأحداث والحقائق نظرا لوجود الوثائق التى تمثل المرجعية الكاشفة ..
ولذا لا يستطيع أى سياسي غربي أن يزيف أى واقعة مهما كانت بساطتها لأنها ستنكشف آجلا أم عاجلا ويكون الحل الوحيد أمامه عدم نشر المذكرات
ولن يعنى هذا غياب الحقيقة للأبد لأن الوثائق ستخرج إلى النور بمضي مدة الحجب ولهذا وجدنا الوثائق الغربية تفصح عن أسرار بالغة الخطورة تمس علاقات دول حليفة .. وبالرغم من ذلك لم تستطع الحكومات منع نشرها مثل واقعة تدخل المخابرات البريطانية بأوامر مباشرة من وينستون تشرشل رئيس وزارء الحرب فى الحرب العالمية الثانية لكى تخدع اليابانيين بتسريب معلومات مضللة عن نية الأسطول الأمريكى فى مهاجمة الجزر اليابانية
فما كان من اليابان إلا أن قامت بضرب الأسطول الأمريكى فى بيرل هابر فى أكبر كارثة شهدها الجيش الأمريكى فى تاريخه مما أدرى بروزفلت لحسم التردد واختيار قرار الحرب والدخول الفعلى إلى جانب الحلفاء وهو ما كان يسعى إليه البريطانيون من البداية لإقناع الأمريكان به وفشلوا حتى نفذ جهاز المخابرات تلك العملية
بينما فى العالم العربي والإسلامي لا توجد وثائق فى الأصل لأى وقائع سرية جرت فى تاريخ المنطقة ـ وما أكثرها ـ وكان السبيل الكاشف الوحيد الذى تمكن الباحثون عن طريقه من كشف تلك الأحداث هو الوثائق الأجنبية التى تم الإفراج عنها وهذا بالطبع فى مجال الحوادث التى جرت ببطولة الطرفين ..

مثال ذلك الدور العربي المناوئ فى حرب فلسطين و فضيحة إيران كونترا وبعض أسرار حرب النكسة وأكتوبر 1973 فيما يخص بعض الممارسات العربية وأيضا حقيقة منظمة الفرانكفونية وأسرار ووقائع حرب الخليج الأولى والثانية ..
ومؤخرا مذكرات أحد القادة العسكريين الأمريكيين التى أفصحت عن دور عدد من الرؤساء العرب فى الإلحاح على إعدام صدام حسين بعد إحتلال العراق عام 2003 م

أما الأحداث التى كانت قاصرة على السياسة العربية وحدها فلا تزال مغيبة فى أكثرها فيما عدا تلك الوقائع المحدودة التى أفصح عنها شهودها بأدلة مقبولة وخرجت بغرض الإنتقام بين أطرافها وهى نادرة فى الغالب .. فيما عدا ذلك فلا زال العالم العربي يتخبط حيرة فى صدد عشرات الحقائق الغائبة عن وقائع تاريخية لا زالت تمثل ألغازا تفوق فى غموضها لغز مثلث برمودا ..
ومن أمثال تلك الغوامض قضية الأسلحة الفاسدة بالجيش المصري فى حرب 1948 م وتفاصيل تلك الحرب كلها و أسرار الإنقلابات فى سوريا .. و دور المنظمات الفلسطينية فى خدمة بعض أغراض السياسة العربية بأسلوب الإغتيال والإرهاب وغيرها وظروف الإتفاقيات السرية التى تمت الجانبين العربي والإسرائيلي عبر أربعين عاما

وما ينطبق على المذكرات ينطبق على كتب التاريخ فى العالم الغربي والعالم العربي .. فالفارق شاسع بالطبع
فما يتم كتابته فى الغرب يكتسب قيمته من جهد الباحث فى التنقيب فلا يضع تحليلا لواقعة تاريخية ما لم يورد الواقعة ذاتها منسوبة لوثيقة مرقمة ومحفوظة فى جهات رسمية وحكومية أو شهادات من معاصريها وإلا يتم رفض الكتاب وما يحتويه
أما فى العالم العربي فالباحثون بذلوا قصاري جهدهم فى التنقيب ولم يمكنهم حسم العديد من الروايات المختلفة للواقعة الواحدة ولم يسعفهم إلا الوثائق الغربية التى عالجت الجانب السياسي العربي فى بعض فتراته

وبالعودة إلى واقع الحال يتبين لنا تناقض الأحداث التى وردت فى مذكرات السلطان عبد الحميد وبين الواقع الفعلى حيث تولى السلطان عبد الحميد الخلافة عام 1876 م وقبل أن يمضي عام واحد بدأت خطوط الإتصالات بينه وبين البريطانيين من جهة وبينه وبين قادة الصهيونية مباشرة من جهة أخرى وكان شرطه الذى أكد عليه ـ كما هى عادة قادة عالمنا ـ السرية الكاملة فى تلك الإتصالات وعدم البوح بها أو التعرض لها إعلاميا

وفى نفس الوقت الذى يمضي فيه المتآمرون فى خطتهم يكون الخطاب الإعلامى للسلطان فى الجانب الآخر تماما وهى سياسة إعلامية كان للسلطان عبد الحميد السبق فيها حيث انتهجها بعده سائر الرؤساء والأمراء والملوك العرب فيما يخص السياسة الخارجية فالخطاب الجماهيري شيئ .. وما خلف الستار والواقع الفعلى شيئ آخر تماما

وقد ظهرت أبرز وجوه هذا الأسلوب فى عدد كبير من الأمثلة كان آخرها ما تم كشفه عن خلفيات مفاوضات أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية ممثلة فى عرفات وأبو مازن وبين إسرائيل ممثلة فى اسحق رابين وشيمون بيريز برعاية النرويج والولايات المتحدة .. حيث اتفق الطرفان على فترة سماح تعقب الإتفاقية يكون فيها للفلسطينيين الحق فى انتهاج خطاب إعلامي هجومى على إسرائيل يختلف إختلافا تاما بطبيعة الحال عن واقع ما أسسته الإتفاقيات وهذا للحفاظ على ماء الوجه أمام الشعوب
التى فوجئت بموقف قادة منظمة التحرير وهو ينقلب من النقيض إلى النقيض فى شهور معدودة وفوجئوا أيضا بأنها أقرت ما ظلت خمسين عاما تعتبره خيانة للقضية وللأمة العربية مثل الإعتراف بوجود الدولة اليهودية وحقها والإعتراف بقرار مجلس الأمن 242 الذى أقسم عرفات سابقا أنه سيقطع يده قبل أن يوقع عليه كما تم إسقاط الدستور الفلسطينى بأكمله وتغييره نظرا لاحتوائه على عبارات إنكار حق إسرائيل فى الوجود والمناداة بالجهاد المتصل ..
وكان مبعث الإنكار الشعبي هو السؤال المنطقي عن جدوى الممانعة فى التفاوض طيلة خمسة وعشرين عاما منذ رفض الفلسطينيين للدخول طرفا فى إتفاقية كامب ديفيد مع الرئيس السادات وقبولهم بنفس الشروط عام 1995 م فضلا على أن المقابل كان فى أيام السادات أكبر بكثير مما وعد الإسرائيليون به ولم ينفذوا منه بندا واحدا
وبالفعل ظهر عرفات نافيا أن تكون الإتفاقيات معناها أن العداء قد انتهى وأن النضال قد توقف وما إلى ذلك من كلمات الإستهلاك المحلى فى نفس الوقت الذى قام فيه شيمون بيريز بلفت نظر الرئيس الأمريكى بيل كلينتون إلى أن عرفات تجاوز الإتفاق فى فترة الحياد الإعلامى وتعدى الخط الأحمر فى خطابه لشعبه وأن هذا يدفع الحكومة الإسرائيلية للحرج الشديد أمام الكنيست الذى يجد فى نصوص الإتفاقية أشياء ويجد نقيضها فى خطاب عرفات !

غاية القول أن هذا الأسلوب الذى يرجع فضله للسلطان عبد الحميد هو الأسلوب الذى يحكم السياسة العربية منذ خمسينيات القرن الماضي بالذات فى الإتصالات السرية بين العرب وإسرائيل حيث جرت العادة على قبول إسرائيل وتفهمها لمسلك القادة العرب فى شأن الخطاب العدائي المناقض لإتفاقيات الداخل بينهم
وفى نفس الوقت الذى يؤكد فيه السلطان عبد الحميد بمذكراته أنه تصدى للخطط الصهيونية تكشف الوثائق الغربية ما تم الإتفاق عليه وواكبه التنفيذ الفعلى فور إعتلاء السلطان عبد الحميد لعرش السلطنة

ففي عام 1977 م وعلى إثر اتفاق السلطان مع البريطانيين تم فتح باب الهجرة على أوسع أبوابه أمام اليهود ليصبح عدد اليهود فى فلسطين وحدها أربعة وعشرين ألفا بعد أن كان قبل عام واحد فقط هو عام توليه السلطنة أقل من ثمانية آلاف يهودى
وأيضا وعلى خلفية نفس الإتفاق فى نفس العام ظهرت أولى المستعمرات اليهودية على الإطلاق وهو الأمر الذى لم يجرؤ سلطان عثمانى قبل عبد الحميد أن يعطى الإذن به حيث قام المليونير البريطانى البارون روتشيلد بتمويل صفقة إنشاء أولى مستعمرات اليهود وهى مستعمرة ( بتاح كفاه ) على مساحة رهيبة بلغت 2275 فدانا

وفى نفس الوقت أيضا حصلت بريطانيا على إذن السلطان بالسماح لقواتها بالنزول فى قبرص لمراقبة ما يجرى فى سواحل الشام خوفا من أى تطورات أو مصادمات وسمح لها السلطان بذلك
كما أن بريطانيا حصلت من السلطان العثمانى عبد الحميد الثانى على منشور بمرسوم سلطانى صدر عام 1882 م يعلن فيه السلطان عصيان أحمد عرابي باشا ويطالب الشعب المصري بنبذه لمخالفته أوامر خديو مصر توفيق باشا ..
وعلى إثر هذا المرسوم قامت بريطانيا بالتدخل العسكري متذرعة بنجدة رعاياها ونجدة الخديو الشرعي للبلاد وقامت بإحتلال مصر فى ضربة جاءت فى توقيتها المثالى حتى يبتعد المصريون تماما عن أى شعور بالأحداث الجارية على قدم وساق بفلسطين بعد إنشغالهم بقضية بلادهم التى تطورت من قضية الخلاص من ديكتاتورية الخديو إلى قضية الإستقلال

أما أخطر ما تم بخصوص المشروع الصهيونى فى عهد السلطان عبد الحميد
هو حصول أسرة روتشيلد وشركائها من بيوت المال اليهودية على إذن السلطان بتنظيم الهجرات الجماعية مصاحبة لإنشاء المستعمرات الكافية لهم على أرض فلسطين
فتم إنشاء المستعمرات اليهودية على نوعين ..
الأول ..
نوع عملاق تتراوح مساحة المستعمرة الواحدة منها بين 250 فدانا إلى 4000 فدان ويبلغ عدد هذه المستعمرات 20 مستعمرة بلغت مساحتها الإجمالية 24000 فدان .. وتعد أصغر مستعمرة منها هى مستعمرة ( بن شيمن ) على مساحة 250 فدانا وأكبرها مستعمرة ( روش بينا ) وبلغت مساحتها 3800 فدان تقريبا

الثانى ..
وهى مستعمرات صغري تتراوح مساحتها بين 50 و200 فدانا ويبلغ عددها العشرات

ثم تزايدت الأمور تورطا
عندما قام الساسة البريطانيون وغيرهم من المنتمين للمشروع الصهيونى بطرق أبواب السلطنة بطلبات أخرى وتنازلات أشد وكان من هؤلاء الساسة والمفكرين ( موزس هيس ) صاحب كتاب روما والقدس .. وأيضا ليو ينسكر صاحب كتاب التحرر الذاتى ثم ( توماس كلارك ) صاحب كتاب الهند وفلسطين ..
وكان أخطرهم( إدراود لودفيج ميدفورد ) الذى دعا السياسة البريطانية للضغط أكثر على السلطان العثمانى ليقوم بتهجير السكان المحمديين ( هكذا سماهم فى مشروعه ) إلى الأراضي الواسعة الخالية فى شمال العراق ليتم إفساح المجال أكثر أمام المستوطنات التى تتسع كل يوم وأمام دفعات المهاجرين التى تتدفق بالآلاف تنفيذا للمشروع

وعندما بلغ الحلم كيانه الفعلى على أرض الواقع
بدأت الإتصالات المباشرة بين السلطان عبد الحميد الثانى وبين تيودور هيرتزل قائد الحركة الصهيونية الظاهر ونرى فى يومياته التى سجلها كيف سارت المفاوضات بينه وبين السلطان وحاشيته وعلى رأسهم جاويد بيك ..
حيث ذكر تيودور هيرتزل فى مذكراته بتاريخ 15 يونيو 1896 ما نصه
( سوف نقدم للسلطان 20 مليون جنيه إسترلينى منها مليونان ثمنا لفلسطين كلها وثمانية عشر مليونا لمساعدة السلطنة فى التخلص من الديون الأوربية )

ثم يذكر فى يومياته بعد تلك الفترة بشهرين ما توصل إليه من نتيجة لعرضه فيقول
( التقيت اليوم مع جاويد بيك بن الصدر الأعظم خليل رفعت باشا ورتبت الأمور معه ! .. جاويد بيك مستعد لتفهم مشروعنا لكنه قلق بخصوص الأماكن المقدسة التى يجب أن تظل تحت الإدارة التركية حال قيام الدولة اليهودية .. ثم سألنى جاويد بيك عن شكل العلاقة بين الدولة اليهودية وبين دولة الخلافة فأخبرته أننا لا نفكر فى الإستقلال ولكننا نطمح فى نوع من العلاقة مع دولة الخلافة كتلك التى بين مصر وبينها )

ويغادر هيرتزل إسطنبول بعد عدة شهور بعد أن أتم الإتفاق فيقول فى يومياته
( أبلغونى أن السلطان أخذ علما بمشروعى لكنه يعارض فكرة بيع فلسطين لليهود وفهمت أنه يريد عقد الإتفاق بصيغة مناسبة لإنقاذ ماء الوجه ! ..
فبعثت برسالة قلت فيها أن جماعتنا تعرض على جلالته قرضا بعشرين مليون جنيه إسترلينى
وفى نظير ذلك يسمح السلطان لليهود بالمميزات التالية
يصدر جلالته دعوة كريمة لليهود بأن يعودوا إلى أرض آبائهم ! والدعوة من السلطان ستكون لها قوة القانون
• يمنح اليهود الإستقلال الذاتى المعروف فى القانون الدولى !
• تجرى فى إسطنبول مفاوضات حول الشكل الذى تحقق به حماية السلطان لفلسطين اليهودية

قديم 08-06-2010, 01:47 PM
المشاركة 6
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: نظرات فى التاريخ السياسي لقضية الأقصي
أخي محمد
سلام الله عليك

أشكرك جزيل الشكر على هذا الجهد وهذا الفكر العميق
ولكن مما أثار السؤال لدي .. هو


[COLOR="rgb(139, 0, 0)"]( ولذلك تجد التاريخ الغربي قائم على حقائق رادعة لكل هوى عند الكتابة كنتيجة طبيعية لوجود الوثائق التى تعد النافذة الكبري لكل حقيقة وكل موقف وكل شخص ..)
[/COLOR]



أليس غريباً أن تكون وثائق الغربيين من يهود وأمريكان وتأريخهم للأحداث يمكن الاعتماد عليها واستقاء المعلومات منها ؟
أليس هم الذين يزورون ويشوهون التاريخ ؟


أتابعك حتى آخر الأوراق



تحية ... ناريمان

قديم 08-07-2010, 03:17 AM
المشاركة 7
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: نظرات فى التاريخ السياسي لقضية الأقصي
جهود ٌ مباركة يا أ. محمد

سـ أتابع بـ مشيئة الرحمن ~

قديم 08-07-2010, 08:50 PM
المشاركة 8
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: نظرات فى التاريخ السياسي لقضية الأقصي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,
أهلا بالأخت والصديقة ناريمان الشريف ,
مقولة أن الغرب يزور التاريخ والحقائق مقولة صحيحة ,
لكن مقولة أن الوثائق الخاصة بالغرب لا تصلح للتوثيق هى مقولة لا تصلح لمعيار البحث العلمى لعدة أسباب ,
الأول : أنهم يزورون التاريخ القديم , حيث لا يمتلكون له توثيقا أو دليلا كما هو الحال عندنا في التاريخ الإسلامى ,
ولهذا فإن الغرب يعجز عن الصول لتاريخه الحقيقي كما يعجز عن الوصول لكتبه السماوية الحقيقية في التوراة والإنجيل ,
كما سبق الشرح في الفصل الأول من الموضوع
الثانى : أن المقصود بتزوير التاريخ هى الآراء الشخصية لمفكرى وكتاب الغرب حيث يعمدون إلى بعض الحقائق في التاريخ الإسلامى ويفسرونها على هواهم في محاولة للطعن في الرموز ,
وهذا بلا شك تزوير مرفوض ولا يقبله أحد,
كما أننى لم أقصده في البحث مطلقا
الثالث : المقصود في البحث أننا نمتلك التوثيق الحقيقي لتاريخنا الإسلامى فقط لأننا رويناه بالإسناد المتصل كما هو الحال مع الشريعة ,
لكننا نعجز ـ للغرابة ـ عن الوصول لحقائق تاريخنا المعاصر , منذ قرنين من الزمان وحتى اليوم وهذا يعود لأن التاريخ المعاصر زورناه نحن بأنفسنا بسبب عدم اهتمام الأنظمة العربية بمسألة التوثيق ومحاربتها بشتى السبل وإخفاء الحقائق والوثائق التي تحمل الحقيقة الكاملة لتاريخنا المعاصر
والسبب في ذلك معروف قطعا وهو منع الشعوب من إدراك جرائم تلك الأنظمة ,
بينما الغرب في المقابل يصل بسهولة لتاريخه المعاصر لأنهم اعتمدوا توثيق كل تصرف حكومى من بداية عصر النهضة ويعتمدون للتاريخ قوانين تحكم صحة الوثائق ولا يسمح بالمساس بها والأهم من ذلك أنهم يسمحون بنشرها مهما كانت سريتها بعد مرور المدة القانونية مهما كانت الحقائق الموجودة بها حتى وإن كانت تحمل إدانة صريحة لملوكهم وأنظمتهم ,
من ذلك مثلا أعلنت الوثائق البريطانية مؤامراتها على الشعوب ولم تمنعها بل إن مؤامرة بريطانيا على الولايات المتحدة لإرغامها على الدخول في الحرب العالمية الثانية ـ رغم أنها كانت تهدد العلاقات بين البلدين إلا أنه تم إعلانها ونشرها

فمن هنا تميز الغرب علينا في وقائع التاريخ السياسي من نقطتين جوهريتين
الأولى :أنهم لا يسمحون بإهمال أى تصرف حكومى دون تدوينه , فيتم تسجيل كل التصرفات في وثائق ,
وهذا ما لا تفعله أنظمتنا بطبيعة الحال
الثانية : تحرص المؤسسات التشريعية على صيانة تلك الوثائق بشكل لا تستطيع الحكومات أن تلعب بها أو تزورها أو تخفيها والدليل على ذلك أن فضائح السياسة الغربية في دول عالمنا الإسلامى وفى كل الدول التي احتلتها عرفناها جميعا من خلال الوثائق الغربية عندما تم نشرها بمرور المدة القانونية

نخلص من ذلك أننا في معالجتنا لتاريخنا المعاصر نقبل الحقائق التي وثقها الغرب , الوثائق فقط , لكننا لا نقبل أبدا الآراء التي يبديها المفكرون والكتاب الغربيون أو تحليلهم لتلك الوثائق
بمعنى أننا نأخذ من الوثائق الحقيقة التي نريدها ونهمل آراء وتحليلات السياسة الغربية التي تحلل وفق مصالحها
وذلك لغياب التوثيق عن تاريخنا المعاصر ومحاولات تزويره المستمرة وفق الأهواء

الأخت الكريمة أمل محمد
بارك الله فيك وشكرا لمتابعتك ,
تقبلي تقديري





مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: نظرات فى التاريخ السياسي لقضية الأقصي
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
نظرات من عين الحياة عبد الرحيم صابر المقهى 4 01-01-2018 02:23 PM
نظرات زائغة ياسر علي منبر القصص والروايات والمسرح . 10 10-25-2014 11:32 PM
نظرات في ديوان بشار بن برد - شاكر الفحام د. عبد الفتاح أفكوح منبر رواق الكُتب. 0 05-25-2014 09:34 PM
نظرات في الفقه و التاريخ عمرأبوحسام الحسني منبر الحوارات الثقافية العامة 2 11-12-2011 07:13 PM

الساعة الآن 11:57 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.