احصائيات

الردود
8

المشاهدات
8249
 
طارق أحمد
شاعر و قاص و ناقد سوداني

اوسمتي


طارق أحمد is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
261

+التقييم
0.05

تاريخ التسجيل
Dec 2010

الاقامة
الســـــــــــــــــــودان

رقم العضوية
9559
02-24-2017, 10:48 AM
المشاركة 1
02-24-2017, 10:48 AM
المشاركة 1
افتراضي التماثل و الظلال في مجموعة(أحزان أم الناس) للقـــاص:مبـــــــــــــارك الصـــــــ
التماثل و الظلال في مجموعة(أحزان أم الناس)
للقـــاص:مبـــــــــــــارك الصـــــــــــــــــــادق
( 1ــــــــــــــــــ3 )
طارق أحمد عبد الله


في قراءتنا لمجموعة الأستاذ (مبارك الصادق)..القاص السوداني ..(أحزان أم الناس) .. الصادره عن "الشركة العالميه للطباعة و النشر" ..الطبعة الأولي: نجده كاتباً جزل العباره .. شاعري اللغه..عميق المعني كالدرة التي تستبطن المحار..و تحتل أعماق البحار.. في داخله تعتلج هموم المواطن السوداني.. مشبعة بالإرث القديم الطيب.. مترعةً بالواقع الأليم.. فيخرجها لنا قلمه مابين لمحٍ و كنايةٍ و إشارةٍ و إيماءةٍ.. تلقي بظلال كلماتها فيبدو المعني من خلالها..

خصصنا لهذه المجموعة القصصية دراسة تناولنا فيها كل قصة علي حده.. و ما ذاك إلا لخطرها الذي يبدو في إرتباطها بالمجتمع .. و ملامستها لقضاياه ..

في قصة(موسى والعصى)..
نجد البطل ما هو إلا موسى زماننا ..يخرج من قريته على غير هدى في رحلة(الخوف و الطراد) فقد أصاب قريته الجفاف المحل.. (و صار فى هيئته: الأضلاع البارزه..الجسد الناحل.. النظرة الغائره..إنه الموت، لولا نبض قلبٍ تحسه يخفق فى جوف صدرٍ بارز العظام) .. ذلكم هو موسى المصارع الذى كان(عندما يقوم للناس إجتماع .. و يعدون للصراع حلبة.. و تنشد الحسان أغانٍ و يسمع للطبل دويٌّ و إرزام .. و القمر يفضض الساحة الجزلى فتغرق في الحليب!!) حينها يخرج للحلبة فتتحامه أبطال الصراع .. و الآن إنتهى به الحال إلي ما ذكرنا..

قد كان لموسي بن عمران الخلاص في العصا و لكن من لموسي زماننا بعصا الخلاص..حيث يقول عنه الكاتب: (..يمشي و هو يترنح..لم يعط حتي عصا يتوكأُ عليها أو يهش بها علي غنمه التي نفقت..)

و ما أجمل توظيف(الكاتب) للإرث الدينى حيث يقول عن قصة سيدنا(موسى) و بنتا سيدنا (شعيب):(..قال للفتاة و هي تسير أمامه لتقوده إلي أبيها عندما عبثت الرياح بثوبها.. و كشفت عن مكنون جسدها.. دعينى أتقدمك و سيري خلفي!. و ها أنت الآن خلفها.. و هى علي المقود أمامك.. و العربة تمضى.. و لا ريح تعبث بثوبها!!
فقط تعبث بك أنت لدانة العربة و وثارتها..) و مرة أخرى عند قصة سيدنا(يوسف) و أمرأة العزيز (زليخا)..
و تصويراً لما يعتلج في النفس من نشوةٍ و رغبةٍ و رهبةٍ.. بقوله ) ها هى المرأةُ هيأت جوها..آهٍ كم من زليخا، و ما أنت يوسف!)..

و هنا يبدو التماثل بين قصة سيدنا موسي و بنتا شعيب و موسي بطل القصة و المرأة التي حملته علي عربتها .. ومرة أخري بين قصة سيدنا يوسف و أمرأة العزيز زليخا و موسي بطل القصة و المرأة و هو في بيتها .. مما هيأ الجو لدى القارئي .. فجعل المعني مقبولاً لديه ..

أحداث القصة تدل عليها.. فعهدها الجفاف و التصحر.. و لكن ما يود الكاتب أن يقوله لنا:هو أن كلٌّ منَّا(موسي زمانه)..ينشد الخلاص ..فمن لنا بعصا الخلاص من فرعون زماننا و جنوده؟!!

و في قصة (الكاس)..

نجد الغريق الذي كاد أن يفارق الحياة..(و ها هو ما يفتأ مسجي علي الرمال الدافئه.. و مجموعة من الصيادين يعكفون عليهِ يعتصرون بطنه!!)..و لحظة أن أفاق ظنَّ أنه إنتقل للدار الأخرة عبر طريق اليقين أي الموت..(و من عينيه إنطلقت نظراته الراعشه وجله زائقه و ينظر إلي الوجوه الغريبة التي تحيط بهِ..و كان مشغول الخاطر.. و هو يسأل نفسه في تلك اللحظة.. أتري إنتصرت؟؟ أم إنهزمت؟؟.هل تراني فزت أم خسرت؟؟. وهل تأتي لي أن أسحب قرعة إنتظار السنين؟؟.(مدينة اليقين..إبل الرحيل حامله السقي كاسحه.. بيد أنها ظامئه).. إنها معاناة المواطن في مدينة الموت وصراعه مع الأيام..

تشير كلمة الغريق في القصة إلي أن كلٌّ منَّا غريقٌ بمعاناتهِ.. و مدافعته لتلك المعاناة ما هي إلا مدافعة الغريق للموت ..

و لكن ما هذه الكأس؟! . حيث يقول الكاتب:(و وقف الناس ينظرون إليهما و هما في فرحة الإنتصار يرفعان الكأس عالياً .. عالياً)..أهي كأسٌ للشرب كما في القصة؟! أم أنها كأس النجاة و الفوز بالحياة؟!!

و ما الموت-هنا-إذا كنَّا نموت في اليوم مئة مرة..لا شك أن الموت هو المعاناة..ذات الرابط السابق في قصة(موسي و العصا)..و رابطٌ آخر هو المسابقة..في القصة الأولي بتسابق المصارع مع آخر للفوز..و في القصة الثانية بتسابق البطل محور القضية مع الموت للفوز بالحياة ..

في قصة(الشجرة)

تبرز قضية الوطن و المواطن و السلطة ممثلةً في(شجرةٍ أصلها في الأرض و فرعها في السماء)..و زوج السمبر اللذان حطا علي الشجرة و صغارهما..و ثعلب..
يقول الكاتب:أن هذه السمبرية بأعلي الشجرة قد تملكها الحزن لفراق زوجها..(فضلاً عن تأثيرات الحمل و الولادة التي تلقي بإنعكاساتها علي فراخها)..ثم ما ألحق بها من خيانة لزوجها..و الثعلب الذي تعود أن تلقي له ببيضة كل يوم بعد أن يتوعدها..(إما أن تلقي له بيضةً من بيضها..و إما أن يقطع الشجرة لتدق أعناق أجنتها)..(و هكذا أخذت تضحي كل ليلةٍ ببيضة..حتي أنها قذفت الليلة بآخر بيضةٍ بقيت في العش).. ثم(طارت و دارت حول الشجرة..ثمَّ راحت تتبعثر في مهب القارات بحثاً عن إلفٍ غائب)..

و يقول قائل: أين قضية الوطن و المواطن و السلطة من هذه الشجرة و سمبريتها؟!! نقول لهذا و أمثاله ممن يظنُّ بحرفةِ الكتابة تسليةٍ و ملئى فراغ و رفاهية.. أنظر إلي معطياتِ النص و قارن.. تجد أن الشجرة هنا ما هي إلا الوطن.. و ما المواطن هنا سوى السمبرية و زوجها و صغارهما بيضهما.. و ما الثعلب سوي الموت الذي تمثله السلطة..

فمن منَّا لم يعش هذه الظروف القاسية؟!..و كم سمبريةٍ فقدت زوجها الذي إغترب ليوفر لها و لصغارها الحياة الكريمة.. و كم منهنَّ أتهمت بخيانة الزوج:(يذهب بعلها و يعاني وحدته و غربته فتخونه و لا تحفظه في نفسها؟!).. و كم من ولد سمبرٍ راح ضحية هذه الأنظمة؟!. فملأه إستمارة " اللوتري" أو طلب حق اللجوء السياسي إلي بلدٍ ما..أو ذهب للقتال في جنوب البلاد؟!!

و ما أجمل الختام الذي يدعو للأمل و البشرى و الخلاص في جيل الغد.. حيث يقول الكاتب:(و لكن ما دامت هذه الشجرة باقية..أصلها في الأرض و فرعها في السماء فستأتي غداً عصافير و نسور و سمبر و كراك..و لن يفلح الثعلب حيث أتي((مادام هناك بيضٌ تحت الفقس!!)).

في قصة (أحزان أم الناس)-

و التي حملت إسم المجموعة- يبدو التصوير الرائع للفشل و خيبة الامل في بدء القصة..إذ يقول الكاتب:( سهمٌ مرشوق إلي صدر الأماني الجائشة يكلِّس فيها ثورة جيشانها المندفع ..فتهمد صناجات الفرح النشوي،و تخفت أصداء الرنين مبتعدة متخافتة) ..ذلكم هو أحد أبطال القصة يسترجع ذكريات الأيام الخالية..و هو ما زال في عنفوان البداية كما يقول الكاتب..(و تتكاثف الروي الغامضة و الذكريات الحزينة)..ذكريات الأب الذي كان جندياً.. (تبهرك هندامه الخضراء المتناسقة مع تكوينه الفريد).. قد راح هذا الأب ضحية حماة النظام بعد أن أخذوه و فعلوا به ما فعلوا..لأنه قام بثورة دفاعاً عن أولاده (أسرته الصغيرة) ..و عن شعبه المسكين(أسرته الكبيرة)..و نتيجة هذة الثورة قول الكاتب:(لكنهم أخذوه ..أفرغوا فيه مجاميعهم غير آبهين..!!تدفعهم شهوة الديمومة)..و مع توالي الأحداث من ذهاب الأب بلا عودة يبرز دور الأم((أم الأحزان)) و قيامها بدورها و دور الأب..(فقد إنبرت هي..لم تستسلم و ثمة أفواه فاغره .. كائنات تجري في أعراقها الدماء..تريد ممارسة الحياة)..عملت ببيع الطواقي و المناديل لتكسب قوتها و قوت عيالها..كل ذلك في روعة قول الكاتب:( طوقتكم الأيام فنازلتها هي بالطواقي و المناديل في يدها تمسح بها سح الدموع المتسايل علي خدودكم الأسيلة).. و معاناتها مع صغارها التي لا تعرف معني الإستحالة..(أألم ما يؤلم صلصلة الصراخ من حنجرة الطفولة تدلي بطلباتها غير مدركة الإستحالة)..و معاناتها الأخري..تبدو في ثوب الأنثي صغيرة السن التي تحرم نفسها من إرضاء الأنثي في ذاتها من أجل أبنائها..و لم تخضع لإغراءات الناس من حولها..و لا لصوت الرغبة في داخلها..(صغيرة أنتِ و متفردة في جمالك الوسيم..ففيم تدفنين وجهكِ؟؟)..(لا تتخذي من الأطفال تكأةً..غداً يكبر الأطفال..دعيهم في كنفنا يعيشون ) .. (و لم تسلمها نشوة الإحساس بسريان نسيم الرغبة يهب سجسجاً..يلثم رغائبها الثاوية لساجعة اللحون المغرية..!!).

ثم ماذا بعد كل هذه التضحية؟!!.(كبر العيال..بعينيكِ ها أنتِ ترينهم)..أحدهم.. (حزت عنقه لوثة الغضب.. حصدته مناجل القدرة المشحوذة.)..إذ خرج في مسيرةٍ مناوئة و قبض عليه بسبب نشاطه السياسي و ألقي به في السجن مقيداً..إذ ذهبت إليه أمه زائرة له في سجنه.. (جاءكِ و في الساقينِ تتمشي وشوشة الحجول..و في الرسغينِ حلي السلاسل )..في تلك الليلة مات من أثر التعذيب..( و مع طارق السحور تنشقت عبير طيوب الوداع )..أما الإبن الثاني فقد رأت فيه الأم ثمار معاناتها قد أينعت..إذ يصوره الكاتب عند تسلمهِ شهادة التخرج..(..يشدون علي يدهِ..يسلمون عليه..يتألق النور البهيج في عينيهِ..يناولونه أوراقه المطواه
.. كأنهم يطون فيها معاناة الأيام الماضيه..)..و بعد فرحة الأم بإبنها و فرح الإبن بالشهادة التي نالها..يأتي دور السعي نحو الوظيفة و ما أدراك ما السعي للوظيفة!!؟. من منَا لم يذهب يحدوه الأمل للجان العمل.. من لجنةٍ إلي أخري ثم تمضي الأيام و السنون..ثم يجد نفسه عاطلاً؟!!..(..إذ أخذ يحمل أوراقه أول النهار يملؤه الأمل فيعود آخر النهار هامد الفؤادِ كسيره..)..(من لجنةٍ إلي أخري يمضي دون جدوي..لا أمل يري..لا برق يومض..) و لكن (..لو يرضي أن يهادن..أو يداهن حتي..) نعم لو قبل أن ينضم لهذا الحزب أو ذاك أو يتملق أحد المسؤولين و يتقرب إليه..إذن لضمن الوظيفه..و لكن الثمن فادح..و أمه لا ترضي له أن يبيع نفسه..(كانت تأبي عليه أن يكون ذلك من أجلها)..
ثم سلك الإبن درب من سبقوه آملاً في وطنٍ تسوده قيم الحق و العدل و المساوة و لكنه حزينٌ لأمهِ..(و ما ستؤول إليه حالها) من بعده..(إذ في ليلةٍ مقرورةٍ و ظلماء أتوا إليه ليسوقونه لقاء ما إجترح)..لقد أخذه حماةُ النظام..و سألوه:(أأنت قلت للناس إتخذوني و أمي إلهين؟؟)..و ما أروع هذا التضمين من القرآن الكريم عن قصة سيدنا عيسي عليه السلام..و ما أروع هذا القول الذي يهدف إلي جعل هذه الأم(أم الأحزان)هي الوطن و أحزانهِ..فما عرف عن المرأة السودانية دورٌ سياسي متقدم حتي يقول الكاتب:(إذ تجمع أمك النساء حولها تؤلبهن..)لكنه الرمز و التجسيد" ناحية بلاغية " فالأم- هنا- هي الوطن و الإبن هو المواطن..يقول الكاتب عن الأم بعد أن حبس إبنها:(..إنقطع خبره عنها..لكنها هذه المرة موقنة بأنه آتٍ..آتٍ..) نعم لا بد لليل أن ينجلي و لا بد للحق أن يعود..و ما الحق-هنا- هذا المعني المجرد سوى إبنٍ يعيد للأم حقها المضاع..الآن نعلم أن(أحزان أم الناس)-العنوان-هي(أحزان الوطن)..و هنا تبدو قضية؟!!
و يختتم الكاتب بقول الأم(إنني لأجد ريحهم و أبصر ضوءهم لو لا أن تفندون).. مستفيداً من الإرث الديني في إلقاءِ لمحةٍ من الأمل و البشري في جيل الغد ..

و نواصل
..


يتبع ... الجزء الثاني


أحمل قطراتٍ من ماء .. أجوب بها الصحراء ..
لا بيت يظلني و لا نماء .. و أظل في شوقٍ و شقاء ..
أظل في شوقٍ للماء .. و أظل من نفاده في شقاء ..
قديم 02-24-2017, 02:00 PM
المشاركة 2
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
شكرًا على هذه الدراسة الجميلة . اثبتها لروعة ما ورد فيها من تحليل مهني راقي، ولروعة القصص تحت الدراسة .

رغم ان قصة ام الاحزان تشي بان بطل النص يتيم وهو ما يزيد من الاحتمال ان الكاتب نفسه كان يتيما ، فان ما ورد في المقدمة من وصف للمجموعة القصصية وما وصلنا حتى الان من وصف للنصوص " نجده كاتباً جزل العباره .. شاعري اللغه..عميق المعني كالدرة التي تستبطن المحار..و تحتل أعماق البحار.. في داخله تعتلج هموم المواطن السوداني.. مشبعة بالإرث القديم الطيب.. مترعةً بالواقع الأليم.. فيخرجها لنا قلمه مابين لمحٍ و كنايةٍ و إشارةٍ و إيماءةٍ.. تلقي بظلال كلماتها فيبدو المعني من خلالها.. " هذا الوصف يشير الى ان القاص يتيم حتما واراهن على ذلك. وربما تكون هي الحرب وصعوبة الحياة، وربما تكون هي الصحراء التي تفعل في الناس الافاعيل كما يقول ابراهيم الكوني.

فهو يكتب بجزالة وعمق واسلوب وبلاغة عالية وواضحة، ويوظف النصوص الدينية بصورة رائعة الى حد جعلني اشعر وكأنه يكتب أنجيلا جديدا، نصا مقدسا بالغ التأثير وعميق المعني.

سنكون بانتظار الأجزاء الاخرى وحبذا لو تمكنا من الاطلاع على نصوص القصص...ان كان لها رابط على الانترنت .

اشكرك استاذ طارق على هذا الجهد فكم نحن بحاجة لمثل هذه الدراسات النقدية النادرة .

وحبذا ما دمت تمتلك مثل هذه القدرة ان تنضم لي في الاشراف على هذا المنبر لنقوم بمزيد من الدراسات النقدية هنا .

كما ادعوك لتنضم الى ورشة العمل " مشروع قصة كل اسبوع " حتى نتعلم منك ومن قدرتك على النقد كيف نكتب قصة ناجحة .

*

قديم 02-25-2017, 07:47 AM
المشاركة 3
طارق أحمد
شاعر و قاص و ناقد سوداني

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
شكرا جزيلا الأستاذ الكبير أيوب صابر علي هذه الثقة التي منحتني إياها .. و التي أرجو أن أكون أهلا لها .. و يسرني بل و يسعدني أن أكون ضمن طاقمك في الاشراف و المساركة الفاعله بما لدي من مجهود متواضع أقدمه لمنابر الخير .. و شكرا ثانية .

أحمل قطراتٍ من ماء .. أجوب بها الصحراء ..
لا بيت يظلني و لا نماء .. و أظل في شوقٍ و شقاء ..
أظل في شوقٍ للماء .. و أظل من نفاده في شقاء ..
قديم 02-26-2017, 11:13 PM
المشاركة 4
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
سيكون من الجميل اضافة الجزئين 2+3 هنا كون ان الموضوع واحد يعالج مجموعة قصصية واحدة .

قديم 02-28-2017, 09:14 AM
المشاركة 5
طارق أحمد
شاعر و قاص و ناقد سوداني

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي للتماثل و الظلال في مجموعة(أحزان أم الناس) لقـــاص:مبـــــــــــــارك الصـــــــــــ
تابع....الجزء الثاني

التماثل و الظلال في مجموعة(أحزان أم الناس) للقـــاص:مبـــــــــــــارك الصـــــــــــــــــــادق
2- , 3
طارق أحمد عبد الله


[SIZE="5"][B] في قصة(في مهاوي السهوب البعيدة)

يتحدث الكاتب عن البيئة الزراعية في غرب البلاد في زمن الجفاف و التصحر الذي ضرب البلاد..و تسبب في المجاعة الشهيرة..و لمن لم يعش هذه الظروف الرجوع للنص..فهو واجدٌ ذات الأجواء التي كانت سائدة آنذاك من جفاف المراعي من الكلأ..و إنعدام الأمطار و الريح التي تهب جارفة للتربة..مسببة موت الإنسان و الحيوان .. (كندكتنا الأغبرة السافيات..و مع ذلك لا نملك إلا أن نتشبث..بيد أننا كنا كمن يكرع من دوارقٍ فارغات..أو يرضع من أثداءٍ مائتات..صمت الكائنات .. ليس ثمة نهيق أو خوار..ليس ثمت مأمأةٍ أو نهيق..

الخن فارغ..و كذا المرابط و الشياه و الزرائب..ما من ورقاء تهدل..و لا أقترة تفوح..فقط أغبرة تسف)..و من بقي من الأحياء صار يضرب في الأصقاع مهاجراً بحثاً عن قوتٍ و ماوي يأويه..و الموت يلاحقهم..(كانت أعدادهم تتناقص يوماً بعد يوم في طريقهم إلي الشرق..) إن العين لتزرف و القلب ليحزن عند وصف الكاتب لهم:(صاروا كما السياط النواحل..ضمرت الكشوح..و كبرت الرؤوس..و أنسلت الرقاب..و غارت العيون..و كما الدمي و الهياكل للصدور أقفاصها البارزة و أنجردت الأضلاع من لحومها الوافرة..)

هذه صوره..و صورة ما قبل الجفاف في مواسمٍ سلفت..يقول الكاتب : (القمر يرضع حليب المراعي الخصيبة..فتسبح الدنيا في الرغو الأبيض..و كما القلوب التي إطمأنت بالظرف بالمعيشي.

المؤن المدفونه كما الغبائن المدفونه..و الأنعام ممتلئة الضروع,و مسمونه.تتعالي القلوب بالرفيف..و الأيدي بالتصفيق..و الحناجر بالغناء"مردوماً " و "جراري".. تنتخب الحسان أرجالها فتعطيهم سعيدة حين الرقص " شبالها " !! و المناديل.)

و بعد أن أعد الكاتب مسرح القصة..يبدأ بسرد الوقائع قائلاً:(الكل مضي ما خلا عبدالباقي و أسرته,و حين شاورهم قالوا له:( إننا معك ها هنا ميتون )!! إنها الهجرة و الرحيل فما عاد سواهما حل ..و لكن بطل القصة يأبي الرحيل و يظل وفياً لأرضه يحدوه الأمل ..إذ قال لاهله رداً عليهم : ( لو قلتم قاعدون لكان أجدي-لكنكم لا تفكرون إلا في الموت ..و أنا لا أفكر إلا في الحياة ..).

و كان عبدالباقي من الذين يؤثرون الآخرين علي أنفسهم..إذ يقول الكاتب :(كان لا يدس لقمة في فيه حتي يتجشأ الجميع مؤكدين شبعهم البين ..).

و تتفاقم المعاناة و تصل زروتها ..إذ يسقط عبدالباقي –بطل القصة-من شدة التعب و السعي ليحصل قوته و قوت عياله ..( أيسقط في هذه العشية و لا عشاء لزوجةٍ منتظره ..و أسرةٍ تفقر أفواهها راجية أوبته الظافرة ؟؟) ..و قصة المرأة التي حملت عبدالباقي إلي أهلها..(( قالت و هي ما زالت تنوء بحمله)) : ( لقيته واقع في الوادي رماه الجوع.. قلت نشيله ينفعني!!).. و ما تلي الموقف من طرافة ..
القاسم المشترك في هذه القصة أيضاً معاناة البطل و أهل قريته من الجوع بينما المدينة تغرق في التخمة .. إنها رسالة لأولياء الأمر و حثهم علي تقويم بيئة الريف و إصلاح شأنه..

في قصة (غيمة أمطرت)

يقول الكاتب عن بطل القصة :( كان مضغوطاً بين أنياب الحياة , و أضراس الزمن المتبدي, رغم إفرازات المدن المستحمة في قتامة الجوع و العوز و المسغبة) ..و هنا تبدو الحياة و الزمن في شكل فكِّ مفترس يضرس الفقراء و يستسيغهم لتهضمهم ليس المعدة بل المدن الفقيرة التي لا ترحم .. ثمَّ يسترسل في ذكريات الأيام الخاوية و ما عاناه في سبيل تربية ابنته التي تعالج الأن آلام المخاض بعد أن كبرت و تزوجت .. (ما زال يذكرها و هي لما تزل طفلة بالأمس الذي لم يوغل عندما تشخص أمامه . فجأةً في صباحات الأيام..)

و عن كر السنين و الأيام يقول الكاتب :( أين تلك الأيام التي توغل في متاهات الماضي ؟؟..أين تلك اللحظات التي أغرقت في الخضم الزاخر؟.أين تلك الصباحات التي كان فيها الشخوص؟.لقد راح الصباح.. إنتهي ذات صباح..!) .و أي صباحٍ يقصد الكاتب..أهو صباح اليوم أم صباح الحرية؟!! لا أدري و لكن الكلمات تلقي بظلالها علي المعني ( ضغوط الحياة و قتامة الجوع و العوز و المسغبة )..

و قضية إجتماعية يثيرها الكاتب علي لسان والد الفتاة التي تزوجت رغم حداثة سنها..( إذ إفتقدتها معلمتها فجاءت تسأل عنها أين سوسن؟.

قبل أن تتلقي إجابة بصرت بها و قد خضبت بالحناء..! بدهشةٍ و فزع سألت: ماذا هناك؟ قالوا لها لقد صارت سوسن عروساً.. فأدعي لها..! بكت المعلمة في صدقٍ )..و هنا يعالج الكاتب قضيتين: قضية الزواج المبكر و التي عدد علماء الإجتماع أضرارها.. و قضية المعلمة التي فاتها قطار الزواج .. و تلك قضية إجتماعية كبري يعاني منها وطننا الآن .. ففي كل بيتٍ فتاتين او ثلاثه لم يتزوجن رغم تقدم السن بهن.. و بجانب الأسرة و المجتمع تشارك الدولة في هذه المعضلة من حروبٍ أشعلت أوارها.. فحصدت أرواح الشباب من الزكور.. و غلاء طاحن في الأسعار و الحياة جعل ما بقي من الشباب يعزفون عن الزواج..

و المشهد الأخير من القصة: والد( سوسن)-بطلة القصة-(وهو ما يزال يزرع الفضاء الواقع بين الديوان و منزل النساء جيئةً و ذهاباً)..في إنتظار مولود إبنته..( مضي مسرع الخطي لإلقاء نظرة علي طفلتيه) ..

و ما أجمل تعبير الكاتب عن قسوة الزمن الذي أراه إبنته الصغيرة و قد صار لها بنتاً صغيره..إذ يقول الكاتب علي لسان والد( سوسن) في تعبيرٍ أضفي عليه الكثير من روحه المرحة: (وهو يغمغم عن الزمن العجيب الذي راي فيه طفلة أطفلت )..و ليته جعل عنوان القصة (طفلة أطفلت).

في قصة (مطالع و أبراج)..
نجد الكاتب قد أعد النص من ثمانية أجزاء لكلٍ منها عنوان منفصل تربط بينها وحدة الموضوع الذي شغل الكثير من قصص هذه المجموعه..حيث الوطن ممثلاً في الأرض..و المواطن ممثلاً في شخص المزارع..يقول الكاتب: (مفتول ساعدك و الأرض بكرٌ تطلب المهر..لدنٌ جسمها.. و تلك تباشير الضراع بالخير تنبئي..)

و هنا تبدو المراحل الأولي من العمليات الزراعية " مرحلة الحرث و البزار".. و لا يخفي علي القارئي الحصيف ما في الرواية من تماثلٍ بين الأرض و المرأة..( و الأرض غافية تحلم بالمطر..و الجميلة ناضجة تحلم بالعرس..) و لا غرابة في ذلك..ما دام محصول الأرض يكون السبب بعد بيعه في دفع مهر الجميلة..

و في الجزء الثاني ( النترة)..يأتي دور السقي بعد الحرث و البزار..(نترةً عاليه أبكت السماء فأسترسلت في البوح.. دعوها قال..شحنة من الإنفعال بها يتم التطهير..للبكاء وظيفة فسيولوجية البرق المتلاحق يومض).. نعم للبكاء دورُ فسيولجي.. فهو للأرض سبب في الإنبات و تطهير من الآفات و للبشر سبب في تطهير العين بالدمع.. فلا عجب أن كان البكاء بالرعد قبيل و أثناء المطر..و في العرس قبيل و أثناء الإنسجام..ما دام الماء في الإثنين يخصب و يثمر..

و في الجزء الثالث( الطرفة ) يتحدث الكاتب عن أسراب العصافير و أسراب السمبر الملون و قطعان الغزلان..و الناموس و الحشرات تفرز إفرازاتها.. كل هذه الحيوانات و الهوام..يأتي بها الموسم..و من بينها يختار الكاتب زنبقةً جميلة تصدر صوتاً كأنه الأغاني..ماثل بينها و بين معشوقة المزارع:( يجيؤ صوتها زنبقة جبلية تصدع بأغاني الفصول..) الي أن يقول: ( و تظل تحلم و أنت عالم بكونها تصطفيك وحدك دون العالمين).

و في الجزء الرابع ( الصاحب و الخدين) نري أن معشوقة المزارع التي ماثل صوتها بصوت الزنبقة الجبلية ما هي إلا الوطن:( تطلق صوتك و الليل يمد سوالفه / تغني لها كما غني الخليل للخليلة..) و يبدو التماثل بين الوطن و الحبيبة في قول الكاتب : ( كما غني الخليل للخليلة )..الخليل هنا:الشاعر " خليل فرح " .. شاعر الأغنية الوطنية ..

و في الجزء الخامس ( الجبهة )..يتحدث الكاتب عن شح الأمطار وذبول الزرع و همود الأرض و وقدة الجمر و لهيب الظمأ: ( وحدك أنت في جبهة الخير و نحن نرتجيك يا أيها المطر الذي أبي.. ذبل الإخضرار الذي كان علي مد البصر.. همدت الأرض و أستكانت علي ذاتها..الضفادع الناعبه تبكي وقدة الجمر و لهيب الظمأ..) و يصور الكاتب إنعكاس هذا الحال علي المزارع بقوله: (و أنت تؤبن آمالك المتداعيات..سقطت مدائن الحلم..) نعم لقد إنهار حلم المزارع في ما كان يعول عليه من محصول يدر عليه ربحاً يدفعه مهراً للجميلة..ثم ماذا بقي له بعد ذلك: ( الآن لم تبق إلا الأقنعة..يتلاحق الإرعاد و البرق الكذوب.. و الليل طال و السحب أزرق لونها..داكنه كقلب حاقد..؟ و ما هو مقدار الدمع الذي تريد أن تسفحه لتسقيها؟؟ لا بد أن تكون أيوبي الإذعان..)

و ماذا علي المزارع من روح التشاؤم التي تريه سحاب السماء غير الهطال حاقداً لا يجود علي أرضه التي يحتضر زرعها..و لكن لا مفر من صبر أيوب!!.(الزمن الصبر أتي..الزمن الشدة جاء..) إذن لا بد من صلاة الإستسقاء..(و عنت الجباه في صلاة إستسقاء حارة لو تعطي الجبهة أكلها.)

و عن معاناة الزراع يقول الكاتب: (تلك وفودهم خارجة..أسمالهم بالية..قاماتهم ناحلة..) نعم هذه بيئة المزارع تخلف و أوضاع صحية متدهورة..و لا يملك المزارع من العلم و الثقافة شيئاً يدفع به الجهل..و لا يشغل حيزاً من إهتمام الدولة..إلا بمقدار ما تشغل البقرة الحلوب لصاحبها الجبان..
و في الجزء السادس(الخيرسان)يتحدث الكاتب عن رد فعل الجميلة..(قالوا لك إنها قد بكت و هي تري نثار أحلامك المتساقطة كالثلج المندوف..فشكرت لها مواساتها علي البعد..) و قطعاً هذه الجميلة ما هي إلا الأرض..فتوصيها أمها( الوطن) قائلةً لها: ( يا بنيتي كل من تزوج بأمك فهو أبوك..!) و ما الأبوة هذا المعني إن لم يكن البذل والعطاء مجرداً ..

و يتحدث الكاتب عن الزمان الذي أزري ببطل القصة-المزارع-فتكالبت عليه المصائب من جفافٍ و محل حل بالتربة..فتخلت الجميلة عن فارسها:( لا عليك إن كانت قد باعتك حتي قبل أن يصيح الديك فهذا زمن المقايضة و البيع الخاسر..) و لكن كيف يبيع الوطن المواطن؟!..بأن تنكر البلاد أياديه..و يجابه بالنكران لعطائه و الصد عنه..

في الجزء السابع (العوي) يتحدث الكاتب عن رد فعل الأهالي: (هاجر الناس من حولك و تركوك وحدك في خلاء الوحش..) و من بقي حول المزارع من الهوام و الدواب..(كان ألف برق أبرق و لا فائده حصان الرعد يحمحم و للجنادب ظل و أصوات..و للضفادع نقيق إستجداء المطر..)نعم (تتعالي الأصوات)..بالدعاء للمطر..

و في الجزء الثامن (السماك) يتحدث الكاتب عن معاناة المزارع عند حلول الليل و قد أراح بدنه..و لكن تمشت في القلب أوجاعٌ و وساوس..(و أنت لتوك عدت هامد الفؤاد بعد أن شهدت جثث الزرع التي تهاوت..أرحت جسدك المكدود / فاستيقظ في داخلك وجع يتمشي دبيبه كالنمال..

السماء فوقك كالحه..و النجوم بعدد الهموم..أثقالٌ من الهم..أحمالٌ من الدين..أطنانٌ من التعس و العذاب..)يا للمزارع الشقي بعد ما راي موت الزرع..و ما يترتب عليه من فشل مشروع زواجه..و ما سيلحق به من فقرٍ و مسغبةٍ و دينٍ و عوز.. و ما أعظم قول الكاتب علي لسان المزارع إذ نصحه أهله بالهجرة بسبب المحل و الجفاف..(فقلت أنت أن الأرض و التراب هما البدء و المنتهي..) إذ أعاد الكاتب المزارع الي إعتبار ما كان تراباً أبونا آدم و هنا تبدو روعة المجاز المرسل في بدء الجملة و في ختامها إعتبار ما سيكون من عودة الإنسان لأصله التراب عند الموت..كأن لا مفر من الأرض إلا الي الأرض.. و كذا الأوطان في دماء كل حر..

و في ختام القصة لم يخب أمل المزارع.. فها هي السماء قد جادت بماءٍ منهمر..(و إن هي إلا لحظة حتي سالت الأودية..و راحت السحب في تهطالها تردد الوعد الحق.)و كان رد الطبيعة في حال الرضا .. (ضحكت السنابل رغم الغرق..و عادت أسراب الطيور تشقشق فوق رؤوس الشجر.)

و كدأب الأستاذ مبارك الصادق يختتم بلمحةٍ من الأمل و البشري في الغد..و لو أنه جعل الأمل بعودة المطر تهاويل أو أضغاث أحلامٍ تنتاب المزارع لكان أولي و أوغل في نفس القارئ
..

أحمل قطراتٍ من ماء .. أجوب بها الصحراء ..
لا بيت يظلني و لا نماء .. و أظل في شوقٍ و شقاء ..
أظل في شوقٍ للماء .. و أظل من نفاده في شقاء ..
قديم 02-28-2017, 12:09 PM
المشاركة 6
طارق أحمد
شاعر و قاص و ناقد سوداني

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
التماثل و الظلال في مجموعة(أحزان أم الناس)
للقـــاص:مبـــــــــــــارك الصـــــــــــــــــــادق
( 3ــــــــــــــــــ3 )
طارق أحمد عبد الله


في قصة (قالت سودة) :
يبدو لنا حديث الكاتب عن وصف فتاةٍ جميلة حيث يقول :( بل رؤوها تتنامي ألقاً مشرئبةً نحو النضوج, ثمرةً برية مملؤة وعداً و رفداً تنظر إليها الأمهات فيدركن أنهن موعداتٍ بجزيل العطاء, و يشاهدها الآباء فيسألون الله الستر حتي يستلم الأمانة صاحبها..) و لكنه-أي الكاتب-ما إن يقول: (..و مع ذلك فإنهم يحسون بالعجز المخجل عن سبر أغوارها, و إكتناه أسرارها..في ذلك الفجر / و الحياة في إبتدائها, و للجو رائحة العذوبة, و إنطلاق دبيب أهل التقي و الفجور..) و يقول أيضاً : ( عفرت الدروب حوافر الدواب الماضية إلي الحقول / و بدأ خوار الأبقار المتجهة إلي المراعي / و تنفست الأشياء المحمولة/ محاريث تشحذ و فؤوس تحمل.. و طوار أعدت للعمل..شتول و بذور و نشاط يدب و حركة دائبة متصلة..)

و في الطريق إلي السوق..حبالٌ محمولة, و غلال مجلوبة, و شياهٌ حلوبة , حليب مسكوب , و لبنٌ مخضوض , و أشياءٌ أخري عربدت في الجادة , محدثة عن حراك الحياة اليومي في سبيل اللقمة .)
عند هذا القول نعلم أن الكاتب يتحدث عن الوطن..و حركةالحياة فيه فنعلم أن المرأة التي عناه في البدء ما هي إلا الوطن بإضطرابه و سكونه و ما الوطن هذا المعني المجرد إن لم يكن الحياة و حركة الناس فيه.

و في لب القصة يطرح الكاتب قضايا البسطاء و المهمشين من المواطنين..حيث يشكلون عنده حضوراً يجعل للحياة طعماً.. و يكسب العمل الإبداعي رونقاً و حيوية تجعله مقبولاً لدي القارئي..و يجسد الواقع الذي يمثل الكاتب أحد فرسان مدرسته.. حيث يقول الكاتب: ( ها هي عربةٌ لها دوى و جلبة بفعل كركاسة تتكور مثل سفة علي شفة متهدلة..! و تنبعج ناتئة كندبة علي وجه أملس.. و الصبي علي المقود يبدو مثل حوزي متمرس, و كان الأجدي لو أنه إختلف إلي المدارس لا أن يتخطي المراحل هكذا دالفاً إلي جامعة مفتوحة, يفلسف خلالها الأمور كما يراها.. و يرمي بوجهة نظره للآخرين قائلاً هاكم إقرؤوا كتابيه و ما كتابه إلا جملة من كلمتين كتبها علي عربته " مسكين أنا " ..) و هنا تبرز قضية العلم..و راي الكاتب أن قناة التعليم لا بد أن يمر بها الجميع..لا لكسب العيش.. و لكن للرقي بالزوق و الفهم السليم.. وهو لا يعيب علي هذا الصبي كونه يعمل سائقاً أو كمساري في عربة- لا عيب في وسيلة كسب العيش ما دامت مشروعة-لكن العيب في القصور الثقافي..هذه المشكلة الخاصة التي لا تسقط عن الأخرين إذا قام بها البعض..و هنا تبدو قضيه؟!..

و يربط الكاتب بين الصبي و الفتاة التي وصفها في بدء القصة و حراك الحياة اليومي..في حبكةٍ تجعلنا نظن –في القراءة الأولي-أن الشيخ المتصوف الذي وصفه بالقصة..و إبنه "حامد" و حواره "عيسي" قد هاموا بالفتاة الكاعب الحسناء..و لكن ليس هذا هو المغزي من القصة ..إذ أن الفتاة "سودة" ما هي إلا الوطن "السودان".. يدل علي ذلك معني الإسم..و ظلال الكلمات ممثلة في قول الفتاة حين رفضت خطبت من تقدموا إليها..بقولها رداً علي "عيسي" حوار الشيخ حين خطبها لنفسه..(..إنني كما رأيتني و لعلهم قد حدثوك أيضاً إن الدماء أريقت من أجلي, و إني لحزينة من أجلهم يا عيسي..ذلك أنهم ما ينظرون إلي إلا كسلعةٍ نفيسةٍ يسعي كل منهم للفوز بها, و ما يهمهم في سبيل ذلك أي الطرق يسلكون و أي المناهج ينتهجون..و لا يفكرون في مستقبلي و كيف يكون؟.. و أطفالي كيف ينشؤون؟ من منكم يا عيسي تحدث عن أدبي و علمي؟ من منكم خطب إدراكي و فهمي؟ من منكم تفكر و تحدث عن رؤيته في كنوزي قبل الإستيلاء عليها و إستحواذها؟)

ها هو الوطن يستنطقه الكاتب علي لسان هذه الفتاة..إنه لحزينٌ لدماء أبنائه التي أريقت في سبيل الطمع السلطوي غير أبهين للوسيلة.. من من هؤلاء الساسة الذين خطبوا ود السلطة مكن للآداب و العلوم؟! من منهم مكن للفهم الراقي بين أفراد الأمة مستشرفاً رؤي المستقبل متخذاً من العلم عتاداً لجيل الغد..و قد نوه الكاتب أن بالبلاد كنوز ماديه من بترول و معادن و ثروات زراعية و حيوانية.. من من الساسة تحدث عن رؤيته في إستغلالها الأمثل حتي تعود بالنفع علي جميع أفراد الأمة؟!..
و في نهاية القصة..حذر الكاتب من طول أمد الصراع: ( تتصارعون و قد أطلتم الصراع من أجلي, و تهتمون ببهرجي فقط..! وهذا يزهدني فيكم جميعاً..فاذهبوا حتي يأتيني اليقين.!) لأن طول أمد الصراع و الإنفاق ببذخ في تلميع الساسة و التمكين لهم..كل ذلك يؤدي لإهدار الثروات المادية و هلاك الحرث و النسل .. فيكون الموت هو الثمرة..
في قصة (تهاويل)
يعرض الكاتب قضية المعلم في شكل تهاويل تنتاب بطل القصة وهو طريح الفراش بالمستشفي..إذ يقول الكاتب علي لسان البطل: ( و إذ بدا لي كأنما أنا أتسمع أزيز التكييف..إلتقطت أذني ثانية (الحمد لله) ثم أخذت أفتح عيني في بطء لتبدو المرائي أمامي غائمة و ثمة دوائر تبين لناظري ثم تختفي..) و يقول أيضاً : ( الأغطية البيضاء..الملاحف و الستائر المسدله.. و الفورملين و الديتول و العقاقير..و حامل المحاليل المتحرك.. ميزان الحرارة..ميزان الضغط..)

ثم قمة المعاناة مع المرض و شدة الألم..يصفها الكاتب علي لسان البطل: ( آه..يتشعب الإدراك.. أهو الموت؟؟ أم هي الغيبوبة و الحلول؟ أصهلت خيل الترحال و أسرجت للعبور؟ أعزفت أوتار القلب المعلول لحنها الأسيان؟ و ها نحن نساقط طرح السنوات العجفاء..! يا الله..!) و هنا يبدو الفرد منا كشجرةٍ منع عنها الماء لتساقط أوراقها حتي يسلمها الجفاف إلي النهاية..و هذا ما يفعله المرض بالجسد إذا ما أهمل العلاج..

و قضية المعلم تبرز من بين هذه التهاويل عند قول بطل القصة: ( لو أني مستطيع قراءة التواريخ المزمعة لكان لي رأياً و موقفاً و لما صرت إلي ما صرت إليه الآن..قنديل في أخر الذبالة..تتجاذبه هبات الريح..و لا من منقذ و لا من صريخ..) نعم لو كان يعلم بما سيؤول إليه حاله من قلة العائد المادي و ما أصابه من داء و ضنك جعله كقنديلٍ تتجاذبه هبات الريح بين خفوتٍ و سطوع يكاد ينطفئ وهو ينير الطريق للآخرين ما أختار أن يكون معلماً.. !!؟

و ما رد الفعل-هنا-عند المعلم سوي قوله : ( غير أن أتلفع سأمي و أوغل في الصمت الكاتم..)
و يخبر المعلم عن حياته العملية قائلاً: ( أفنيت حياتي بين طبشور و بشاور..و رنين الأجراس المتعالي.. و النفس المكتوم بين الوطواط الساكن, و أنفاس الفقر العاجز..تسلمني الحصة للحصة..)أدوات المعلم( طبشور وبشاور) تترك آثارها علي يديه من غبار إحتكاك الطبشور بالسبورة و مسح البشاور للتخته..و بيئة العمل من فصول دراسيه قديمه متهالكه يقطن أسقفها الوطواط الذي يتسبب في أمراض الجهاز التنفسي للتلاميذ و الأساتذه .. كل ذلك يثير الألم في نفس المعلم..و تمر الحصة بعد الحصة و العام تلو العام..و الوعد بإصلاح حال المعلم و بيئة التعليم باقٍ لا ينفذ..ثم ماذا بعد أن نجح الطلاب و أوصل المعلم رسالته: ( و أنا أتلقي التبريكات بمراكز يحرزها الأبناء) .. نعم للمعلم الشكر و التقدير من طلابه..و أيضاً له الشكر و حسن العزاء من الدولة..فلا غرو بعد هذا أن راي: ( النقص في الكامل..و القصور في الشامل.!)

و تتواصل معاناة المعلم.. فيغترب أبناؤه الثلاثة..و ينشغلون بنسائهم..و تحريضهن لهم..فيمسكون عن أبيهم المعلم..( الأبناء الثلاثة قطعوا البحار و كذلك السؤال..توسد كل منهم ديس مهرته الجامحه العبق بشذا الياسمين..و أستنام بتحريض من المرسلات عرفاً في إستئثارهم النكير..) إذن أغرتهم الحياة و ألهتهم عن أبيهم..و قد ماثل الكاتب في الإقتباس من التراث و الإرث الديني خير مماثله حين شبه المرأة بالمهرة الجامحة مرةً في حال الدلال و التودد..و بالمرسلات عرفاً في حالة المكيدة و الدهاء.. مما جعل الإقتباس قوياً و ممكناً لدى القارئي أنه أخذ من روح المعني الأصلي..

ثم يعرج المعلم علي ذكر إبنته الوحيدة: ( منجم من الحنان الدفوق و العطاء.) نعم في النساء وفاء للأباء لا نجد مثله عند الأبناء..هكذا يقول البعض..و لو أنصفوا لقالوا: إن المرأة بطبعها جبلت علي العطف و الحنان علي المريض و الضعيف.. و لكن هيهات هيهات.. ثم يواصل المعلم الحديث عن المرأة ذاكراً وفاء زوجته له: ( خديجة بنت المادح.. مرواد العين / كحل الرؤيا / أربعة عقود من الإلفة و المودة و الإيثار..!) نعم لقد ساندته و أنفقت ما لديها من حلي و جهد في سبيل علاجه و إسعاده..( كل ذلك و البعداء لا يمدون لنا يداً.. بل يركلوننا بالبعد و الصد.. لماذا نحبهم و لا يحبوننا؟..لأننا ولدناهم.. و لم يلدوننا ).. رغم عقوق الأبناء.. يظل الوالد محباً لهم..!!

في قصة(الحليب)
تبرز المعاناة في ثوب الأسرة.. ذات الدخل المحدود.. حيث نري عجز الوالد عن توفير غذاء الأم الذي يدر اللبن لإبنته..و المرضع تحتاج لأطعمةٍ بعينها تعينها علي إدرار اللبن: ( أقلقتني لهجتها الغاضبة.. كأنها تحملني النتيجة.. كوني أعجز من أن أوفر لها ما يدر لبنها..و الحياة من حولي مجدبة.) تلك الأم تعاتب الأب علي قصوره المادي..كما في الروايات السابقة لهذه المجموعة تتصدر قضية الفقر و العوز و المسغبة..و بالقصة حوارٌ شيق أجراه الكاتب علي لسان البقرة و الجد..

و في ختام القصة يتلاعب الكاتب بالأدوار في شيئيٍ من الطرافة: إذ جعل- مماثلاً - الأم مكان البقرة الغارز لفقرها من اللبن و مماثلاً مرة أخري بجعل الأب مكان البقرة الغارز لفقره من المال..( و أنتِ لم ترضعي بل شربتِ لبن البقرة و أمك غارز.. و إني أحس أني كذلك..!)

في قصة (بلازما)
يتحدث الكاتب عن الدم البلازما و علاقنه بالألم و الرغبة و الحياة و الموت و إستصحابه للألم و الراحة في كل مراحله و أوضاعه.. يقول الكاتب عن إقتران الدم بالالم في حال المرض واصفاً بطل القصة الذي يعاني من مرض البلهارسيا: ( أغضب و أغضب للظروف التي أعيشها.. ضنك و مخازٍ و إنكسارات.. شظف يتضور..وضع فوق الإحتمال..) و قطعاً إرتباط هذا المرض ببيئة الريف الفقيرة.. الخالية من الخدمات الصحية..و إهمال المسؤولين لها ليس ببعيد..و هنا تبدو معاناة المواطن في الريف في ثوب المرض:( يصيبني الغثيان..القرف و الطمام..) و( أتهجد أناء وحدتي و أطراف لوعتي و إصطباري ..!) و لقد ماثل الكاتب بأن جعل السهر مع الألم و الصبر عليه تهجداً لأن التهجد سهر للعبادة و صبر عليها..

و في جانب اخر من القصة يصف الكاتب معاناة البطل مع داء البلهارسيا حين حقنه بالدواء:( صرخت.. تلويت بأيديهم..ما تركوني حتي فعل فعلته بي..و تضرجت الشمس بحمرة الغسق..و نحر الألم فؤادي فأدماه ..و ما إبتردت حشاشتي حتي و هم يسقونني عصير الليمون البارد.. صدمني ذلك اللون الذي سال متدفقاً علي ساقي و قدمي و العراقي القصير.. رغم أنني ممسكة بيدي, تذكرت و أنا أري ذلك السائل القاني صديقي الخروف..كم بكيت يوم أن نحروه و أنا ألمحه يرفس بأقدامه و إن لم آنف من أكل لحمه الشهي بعد ذلك..؟؟) حتي عصير الليمون لم يذهب عنه ما يجد من ألم..و الشعور بالتقذذ حين تسيل الدماء علي ساقه و قدمه و ملابسه..و منظرها يبعث علي ذكر الخروف الذي يؤلمنا عند النحر ثم نسيغ لحمه بعد ذلك بتلذذ و إشتهاء.. و هنا يبدو التماثل بين الخروف الزبيح و مريض البلهارسيا تماثلاً يلقي بظلال الألم و المعاناة و يمكن له لدي القارئي..

و في ليلة العرس يأتي مد الدم المنبثق عن فض غشاء البكاره مصاحباً للألم و المتعة و مد الدم المتفجر عن الرغبة أو مايعرف بالدم الأبيض الذي يكون منه الولد.. إذ يقول الكاتب عن تلك الليلة: (و كانت تعبة مستلقية..و أنا موغلٌ في الشرود و الدم القاني يسرسب في الملاحف/ و الرغبة المتخثره تفيض..أذهلني الشلال..أهي كريات الرغبة حين تثور؟).. وبعد عام من تلك الليلة يأتي (الوجع.. الطلق..الوجع الصناعي..و أخيراً لا مفر من القيصرية..)..( هل تموت فرحتنا بالميلاد بين الفرعونية و القيصرية؟)..و هنا يعرض الكاتب قضية الختان الفرعوني للإناث..و ما يترتب عليها من عسرٍ في الوضع ينتهي بالعملية القيصرية التي تستدعي متبرعين بالدم:( و جئنا بالمتطوعين بالسائل الحيوي..و هنا نجد الدم البلازما مصاحباً لهذه المراحل من ليلة العرس و عملية قيصرية فيها ألم المخاض و فرحة الميلاد..و ختانٍ فيه ألم البتر و التضيق و فرح الأمهات..و هكذا يتبعنا ذلك اللون من رقدة المهد إلي طينة اللحد..( الحقل أخضرٌ..و القطن أبيض..و الطين اللازب..و الجزيرة موسومةُ بكونها خضراء..الغروس اليانعة..الأرض البكر..و المرأة البكر..و العملية القيصرية..و العمليات الزراعية..)

لا بد للحقل من دماء الشباب الحارة تحرث الأرض و تقوم بكل العمليات الزراعية..فتخضر الأرض و تعطي ثماراً يانعة.. ولا بد للفتاة البكر كما الأرض البكر من بلازما الشباب لتشبعها فتتفتح كما الزرع و تأتي بالولد..و لا بد للعملية القيصرية و العمليات الزراعية من (بلازما) مصاحبة..فيكون الألم و الفرح..و هنا يبدو التماثل مرةً بين الأرض و الفتاة و مرة بين العملية القيصرية و العملية الزراعية.. أتظن أن الكاتب يعقد مقارنةُ بين الأرض و الفتاة و القيصرية و الزراعية؟!. إذن لقال لنا سلبيات و إيجابيات كل حالة لأن المقارنة تستدعي ذلك..لكن التماثل يكون لتعميق المعني و ترسيخه في زهن القارئي..إذ أن التماثل وهو ثمثيل حالة بحالةٍ رأها الكاتب..فتلقى بظلالها علي المعني..مما يعمق و يرسخ للفهم الجيد..

و مرة أخري يقول الكاتب واصفاُ معاناة بطل القصة-مريض البلهارسيا-ساعة الإخراج: ( أكرر محاولتي ..أنجح..الآن ينفلت السائل المجنون المتقطع..يصدمني رغم الراحة لأنه بلون الدم القاني كان..ياقسطرة الزمن المائل..) و هنا تنتاب المريض-بطل القصة-ذكريات ليلة العرس..يبعثها لون الدم المصاحب للحالتين.. و ما أروع تشبيه الكاتب للمرأة بصفحة النهر التي تلتهم محتويات الرجل التي في أصلها بلازما..و خوفٌ خفي يبديه الكاتب علي لسان بطل القصة من مقبل الأيام-بعد المرض-بالعجز من أداء دوره الحيوي!!.(هل ستطفو الشمس ثانيةً بعد أن أراقت دمها علي صفحة النهر؟ أنز..أقطر..و الدمع..و العرق..في لحظة الإنتشاء..) يقول الذين لا يعلمون ما أصاب بطل القصة-مريض البلهارسيا-من عجزٍ جنسي و خزىٍ و إنكسار: (و حقاً إنك لمحظوظ كونك لم يعقرك كلباً )..يظنون أن مجمل آلامه في الحقن!!..

في قصة(الحفلة..!)
يتحدث الكاتب عن فتاةٍ شابة متطلعة تمثل نموزجاً لجيل اليوم..فهي متحرره..تلتقي الشباب في سنها و تحادثهم..و ترتاد الحفلات..حيث الرقص و الطرب..و التزين الفاضح..و مع ذلك يماثل الكاتب بدور الأم المضاد و الرافض لجيل اليوم بكل معطياته..

و في جانبٍ أخر نجد عقدة القصة تحدث عن محاولات الفتاة للتفلت من إسار أمها و الذهاب إلي حفلة عرس حيث تلتقي حبيبها و تحادثه..و تريه روعة ثيابها..فتبعث فيه النشوة..و يبعث فيها النشوة بكلامه العذب عن جمالها و بديع تكوينها و روعة ثيابها..

و عن تقاليد جيل الأمس في معاملة البنت يقول الكاتب علي لسان البنت: ( أو أني أستطيع الخروج من هذا الإرث..أخجل من هذا الركود..و هذا الجمود الذي لا يريم..كوابح لا تنتهي..زواجر لا تنقضي..نواه ما تفتأ تصك الطبال" صه..صه..لا تضحكى..سيرى و رأسك نحو التراب..إحتشام الفتاة رأس مالها..ماذا يسوي بدونه حسنها؟؟

نعم هي معاناة فتيات اليوم..و الفهم الخاطئي عن جيل الأمس كونه معقداً..و لكن يبدو الحق كل الحق في جيل الأمس حيث يقول الكاتب علي لسان والدة الفتاة بطلة القصة: ( إلبسي الهادي السادل الذي لا يقول إفعلي..إقلعي..أسكتي أصمتي..أخجلي..أتركي..)

نعم لو أن الفتاة إرتدت ضيق الثياب-كما اليوم-الذي يصف و يشف..لقال عنها المارة..و ما نشدوا منها غير المتعة الحسية الرخيصة..

و عن جيل اليوم من الفتيات و أمهاتهن يقول الكاتب: ( أؤلئك البنات الغارقات في لجة الحب..و سفنهن الماخرة العباب..و ألئك اللأئي وصلن إلي شواطئي الأمان..و رست بهن سفن الإستقرار علي جودي الزواج الميمون فأطفلن و عشن مغموسات في بحار السعادة..)

و هذا أقصي طموح فتاة اليوم..لماذا لا نجد إلا القلة من جيل اليوم..من تعلمن و نلن أقصي درجات العلم..و جعلن همهنا الأول تطوير أنفسهنا و تنمية مجتمعهن بالعلم و ليس سواه..نحن لا ننكر علي الفتاة أن تكون زوجة و أماً..و لكن قبل ذلك نريد منها أن تكون ركيزةً و دعامة لمجتمعها وأسرتها..و بالعلم و ليس سواه تنمو الفتاة قويةً واثقةً من نفسها..فينمو المجتمع..

يقول الكاتب علي لسان الفتاة بعد أن غاب أبيها عن البيت و ذهاب أمها للجيران..صارت تتهيأ للذهاب للحفل قبل أن يأتي والديها : (آهٍ..وحيدة بالمنزل..أبي بالمسجد..و أمي عند الجيران..و ماكيرفون الحفلة ما يفتأ يستفزني..)

و في الجانب الأخير من القصة حوارٌ يجعل القارئي للوهلة الأولي يحس أن هناك حالة تحرش بهذه الفتاة من حبيبها:( لماذا يفعل بها ذلك؟؟ يا له من تافهٍ حقير أما كانت قبل قليل تحلق في سماوات بعيدة أو تضطجع حالمة في حشية ناعمة..الآن يرمي بها في جب سفالاته المغرضة..و رغباته الوضيعة؟؟ محاولة أن تصرخ.. أن تنادي يا ماما لكنها خافت العاقبه..)

و لكن ما إن نصل السطر الأخير حتي نعلم الحقيقة: ( إجتاحها الغضب تماماً..و هي تعيد محاولة الإنفلات من قبضته..فجأةً و بقوتها كلها إنتزعت منه فستانها و لكن بعد أن مزقه كله يا له من لعين ذلك المسمار.!!

إذن هو مسمارٌ بالحائط أو الباب علق به ثوبها و هي تسرع بالخروج من الغرفة..فمزق ثوبها بعد محاولاتها المتسرعة لتخليص ثوبها منه..

الأستاذ مبارك الصادق بهذه المجموعة قدم لنا تجربة ثرة قالت عنَّا و عن معاناتنا الكثير .. فجاءت أحداث قصصه مخبرةَ عن المواطن بكل شرائحة.. في سردٍ قصصي تتجلي فيه دقة التصوير وجمال الأسلوب و براعة التناول .. في تماثلٍِ بين الجمل مكن للفهم لدى القاريء و ألقي بظلالٍ على الكلمات .. لا يستطيع فك شفرتها إلا من رق طبعه و لطف .. و هنا كما الأسلوب البلاغي " الكناية " .. قد شفى غلته من خصمه دون أن يخدش وجه الأدب أو يجعل له سبيلا .. و لكن ليس هذا بكل شئ .. فما يوده الأستاذ " مبارك الصادق" هو إصلاح شأن مجتمعه .. و الرقي به..و إنه لحزين غاية الحزن لما آل اليه الحال و هو من نعم بالقديم الطيب .. و شقي بالحاضر الأليم ..

و تلك لعمري رسالة الأديب نحو مجتمعه.. فلتهنأ بها أستاذي مبارك الصادق و ليهنأ بها مجتمعك .. فإن أضاعوها فعظيماً أضاعوا
..

أحمل قطراتٍ من ماء .. أجوب بها الصحراء ..
لا بيت يظلني و لا نماء .. و أظل في شوقٍ و شقاء ..
أظل في شوقٍ للماء .. و أظل من نفاده في شقاء ..
قديم 03-05-2017, 02:28 AM
المشاركة 7
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
جهد رائع يستحق التصفيق . شكرًا على الجهد وعلى تجميع الأجزاء هنا .

قديم 03-05-2017, 12:39 PM
المشاركة 8
طارق أحمد
شاعر و قاص و ناقد سوداني

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
جهد رائع يستحق التصفيق . شكرًا على الجهد وعلى تجميع الأجزاء هنا .
هذا من كرم أصلك أستاذنا الكبير

أحمل قطراتٍ من ماء .. أجوب بها الصحراء ..
لا بيت يظلني و لا نماء .. و أظل في شوقٍ و شقاء ..
أظل في شوقٍ للماء .. و أظل من نفاده في شقاء ..
قديم 04-23-2018, 02:17 PM
المشاركة 9
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ننتظر مزيد من القراءات يا استاذ طارق هنا. وشكرا


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: التماثل و الظلال في مجموعة(أحزان أم الناس) للقـــاص:مبـــــــــــــارك الصـــــــ
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
التماثل و الظلال في مجموعة(أحزان أم الناس) للقـــاص:مبـــــــــــــارك الصـــــــ طارق أحمد منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 8 12-17-2020 09:41 AM
زوجُ البلابل .. أنين أحمد منبر القصص والروايات والمسرح . 5 10-20-2020 07:31 PM
التماثل و الظلال في مجموعة(أحزان أم الناس) طارق أحمد منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2 02-25-2017 06:11 PM
إلى البلابل نصري عاهد منبر شعر التفعيلة 10 10-12-2011 08:10 PM
عيد أحزان وفاء لعرعري منبر البوح الهادئ 9 09-15-2010 04:01 PM

الساعة الآن 03:15 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.