السلام عليكم ..
بينما كنت أتجول في ساحات إحدى المدن إذا بجحش أكرمكم الله
في وسط ميدان كبير يأكل عشباً ، وكان منظره طريفا يبعث على الضحك والتندر ..
حَيُّوا مَعَانَا الْجَحْشَ في الْبَرِّيَّةْ ... إِذْ نَسَّقَ الأَزْهَارَ لِلْبَلَدِيَّةْ
إِنْجَازُهُ الْمَلْمُوسُ يَبْدُو وَاضِحَاً ... فِي صُورَةٍ مَجْلُوَّةٍ عَلَنِيَّةْ
انْظُرْ إِلَيْهِ تَرَاهُ وَهْوَ مُبَكِّرٌ ... فَوْقَ الطَّرِيقِ بِسُرْعَةٍ فَلَكِيَّةْ
مَا هَمَّهُ التَّوْبِيخُ يَوْمَاً وَاحِدَاً ... مَا كَانَ تَوْبِيخُ الْمُرُورِ قَضِيَّةْ
لَوْنُ النَّبَاتِ يَشُوقُهُ فِي خُضْرَةٍ .. وَنَضَارَةٍ عِنْدَ الشُّرُوقِ بَهِيَّةْ
يَسْعَى إِلَى مَيْدَانِهِ مُتَلَهِّفَاً ... حَتَّى يَقُصَّ الْعُشْبَ دُونَ أذيَّة
عِيدُ النَّظَافَةِ يَحْتَفِي بِكِفَاحِهِ ... وَالْمُنْصِفُونَ بِنَخْوَةٍ عَرَبِيَّةْ
خِدْمَاتُهُ لِلنَّاسِ رَهْنُ إِشَارَةٍ ... مِنْ دُونِ تَسْوِيفٍ وَلا فَوْقِيَّةْ
لَوْلا تَوَاضُعُهُ وَنُبْلُ فُؤَادِهِ ... وَكَرَامَةٌ في نَفْسِهِ وَحَمِيَّةْ
لَسَطَا عَلَى الإِنْسَانِ دُونَ هَوَادَةٍ ... وَلَكَانَ ضِمْنَ الشُّلَةِ الْهَمَجِيَّةْ
كَمْ عَامِلٍ فِي سَيْرِهِ مُتَعَجْرِفٍ ... مَا فِيهِ مِنْ خُلُقِ الْكِرَامِ بَقِيَّةْ
يُخْفِي عَنِ الْمَسْؤوُلِ نَفْثَ دُخَانِهِ ... وَشُرُورُهُ رُغْمَ النِّفَاقِ جَلِيَّةْ
كُلُّ الرَّذَائِلِ فِيهِ بَانَتْ وانْجَلَتْ ... وَكَأَنَّهُ مِنْ زُمْرَةِ السُّوُقِيَّةْ
وَسَطَ الدَّوَامِ يَرُوغُ مِنْ أَوْرَاقِهِ ... وَيَسِيرُ فِي طُرَقَاتِهِ الْخَلْفِيَّةْ
بَاعَ الضَّمِيرَ بِخِسَّةٍ وَصَفَاقَةٍ ... فَبَدَا بِأَبْشَعِ صُورَةٍ نَمَطِيَّةْ
لا يُحْسِنُ التَّوْقِيعَ إِلا رَافِعَاً ... كَفَّيْهِ يَطْلُبُ فِي الْمُقَابِلِ مِيَّهْ
أَكْلُ الْحَرَامِ لَدَيْهِ أَصْبَحَ عَادَةً ... وَغَدَا لَدَيْهِ طَبِيعَةً وَسَجِيَّةْ
لا يَقْتَدِي بِالْجَحْشِ فِي إِخْلاصِهِ ... يَسْمُو بِهِ عِنْ رِشْوَةٍ نَقْدِيَّةْ
فِإِذا تَأَرَّقَ فِي الْمَعِيشَةِ مُرْتَشٍ ... فَازَ الْحِمَارُ بِعِيشَةٍ وَرْدِيَّةْ
جَمَعَتْ لَهُ دُنْيَاهُ أَسْبَابَ الرِّضَا ... فِي عِفَّةٍ وَنَزَاهَةٍ مَرْضِيَّةْ
مَا صَدَّهُ عَنْ قَاصِدِيهِ تَكَسُّبٌ ... أَوْ غَرَّهُ جَاهٌ وَمَحْسُوبِيَّةْ
إِنَّ الْقَنَاعَةَ خَيْرُ مَا يَحْيَا بِهِ ... فِي الأَرْضِ لَوْ تَتَعَلَّمُ الْبَشَرِيَّةْ