احصائيات

الردود
2

المشاهدات
2482
 
الفرحان بوعزة
من آل منابر ثقافية

الفرحان بوعزة is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
138

+التقييم
0.03

تاريخ التسجيل
May 2012

الاقامة

رقم العضوية
11149
10-07-2012, 12:43 PM
المشاركة 1
10-07-2012, 12:43 PM
المشاركة 1
افتراضي امرأة تحاكم ظلها
.. لفته في قماط أبيض ، وقلبها ينفصل عن جسدها كما تنفصل الورقة عن الغصن ، قبلته بحرارة ، دغدغت خده الصغير بلطف ، مسحت دموعها بكمها ، فأخرجت صهداً حاراً من جوفها..
ظهر الأمهات موطن الأمن والسلام .. أحس بدفء نادر، ونام نومة هادئة ... بخطى ميتة تذرع أركان البيت ، تقلب الزمن بين أيديها، تحصي الأيام البالية..
غادرت الثانوية مبكرا ً، وجاءت من البادية إلى المدينة تبحث عن عمل ، فتاهت في بطونها أياماً وأياماً .. لكنها سقطت في مخالب الحانة رقم سبعة ..
تبتسم في وجه كل زبون تخلى عنه الزمن ، جاء يدس مشاكله اليومية في كؤوس الموت البطيء ، تفرغ له وتحثه على المزيد .. تعانق الليالي الحمراء .. ترتع بجوارحها في الخطيئة السوداء ..
فركت يديها ، أصابها بلل تحت إبطيها ، برودة يابسة تلسع جسمها، دبيب خوف ينهش قلبها .. أطلت من النافذة، ظلمة خانقة لا زالت تجتاح الحارة .. الشارع الطويل خال من البشر.. بعض سيارات الأجرة الصغيرة تمر بين الحين والآخر تقطع عليها خطـية التفكير ..
تجس الحارة بعينيها .. صبح جديد يتنفس بصعوبة ، يمد أنواره إلى أبعد نقطة ، والظلام يندحر على مهل ، أسرعت في خطاها .. أنفاسها ترتجف.. سارت وسارت ..؟
سور مهترئ يحكي قصة تاريخ أمم غابرة ، سخرت منه الرياح والأمطار، أكـلت أعلاه .. تعرية واضحة .. على طول امتداده تتشكل فيه ثقوب صغيرة دائرية يتنفس منها باستمرار ، في أسفله أعشاب برية تصارع الضباب الأبيض، في لطف تفضفض أوراقها رياح عابرة ..
وضعته بيـن أعشاب يابسة قتلتها حرارة الصيف .. التراب يتنسم رائحة قماش أبيض .. نظرة سريعة خرقت جسمه البض .. ودموعها تعرقل مقاطع كلامها:
ـــ ترى .. ابن من أنت ..؟ لماذا جئت .. وكيف جئت ..؟
الرضيع يحصي الدقائق ، تحسست قلبها ، صفعت خديها كأنها تكفر عما جنت من خطيئة سوداء .. الفؤاد يرتبك ، الكلمات تتعطل في حلقها، خواطر سيئة تتقاذفها.. ما تتمناه أن يكون بين أياد أمينة .. أن يعثر عليه أحد بسرعة.. تريده أن يحيا.. أن يشب ويرزق .. أن يأكل من ثدي امرأة أخرى .. تـلعن زمن الخطايا في نفسها ..
خلائق كثيرة تكسر سلطة الأخلاق، بدون حياء تشتري اللذة وقت ما تشاء .. صورة الذئب الماكر لم تنمح من ذهنها .. نهش صدرها .. دغدغ جسمها مجاناً .. بدون حياء ، تردد أمام الجيران : الأب مسافر إلى ما وراء البحر ..؟
خلف جدار منزل تخبئ جسمها في توجس .. رأسها يبرز بين الحين والآخر.. تسرق النظرات .. تصب على نفسها لعنة قاتلة .. تنبش الماضي ، تستحضره ..
كانت تساوم بجسدها الزبناء .. تـتمرد على أعضائها المخبوءة .. سوق الأجساد الفاسدة فضفاض ، يطلبها بحدة .. الخطيئة تنام معها .. ذئاب بشرية تتقاذفها من يد إلى يد.. من سرير وسرير..؟ ما أكثر من لا يقدر العواقب في حينها..
سخر الزمن منها ، شهد عليها وهي تقـتل جسمها .. تعـيره بأسعار متفاوتة .. في آخر الليل تدس في يدها دريهمات صدئة تسد بها جوع بطنها .. بعض الرجال ذئاب يأكلون لحوم النساء بالشوكة والسكيـن ..؟ ينقرون النشوة على مهل ، يستمتعون ، يتلذذون .. يديرون ظهورهم بعد الشبع ..
لفت دماغها سحابة سوداء ، امتصت أفكارها، باتت اللذة في عينيها مرارة ، حنظلا يابساً .. تتجرع سمه وحدها .. دقائق تعتصرها وأخرى تقودها إلى الاستغراب..؟ كيف سمحت لنفسها أن ترمي ولدها كنفاية خمجاء .. بدون اسم .. بدون أب .. بسهولة فرطت في ولدها .. نادراً ما يكون قلب الأم قاسياً .. لم تستطع أن تدحرج الصخرة إلي النهاية .. اختلط عليها الأمر .. فبقيت شديدة الحذر والتوجس ..
وقت قصيـر يمر، لمع بريق أمل من السماء ..؟ رجل يثير انتباهه أن شيئاً ما يتحرك داخل ملفوف قماش .. اقترب منه أكثر .. جفل من خياله، كاد جسمه يخرج من ملابسه من هول الحدث ..
ـــ ما هذا ..؟ صبي ..؟ كيف حصل هذا ..؟ ابن من يكون ..؟ حاول أن يحمله بين يديه ، لكنه تراجع .. نظر هنا وهناك ..لا أحد .. صاح يلعـن البشر .. يردد : ما هذا بـزمان ..؟
جوقة كبيرة من الناس تجمعت .. تطلب اللطيف ، الزلزلة قادمة لا محالة..؟ آخر يقول : الراجفة قريبة منا ولا ندركها ، بدأت الجمل تتناسل على ألسنة الناس : مجرمة.. قاتلة، دون ضمير .. ما عهدنا بهذا ..؟ تستحق الرجم .. ما هذه بأم ..؟
امرأة تتحدث مع جارتها في هسْهسة : ما هذا برجل ..؟ أيقـتل الرجل شهوته الجنسية سراً وراء الحلال ، ولا يعترف بولده ..؟
سيارة إسعاف برزت في أول الشارع تتلكأ في سيرها ، تاركة وراءها جعجعة ودخاناً أسود .. الجماعة تفسح المـــجال لها .. ممرض يتقدم نحو الرضيع ، يحمله بين ذراعيه ، يحملق في الوجوه .. مدده فوق سرير أبيض . الرضيع يحرك شفتيه يطلب لبناً ، فتح عينيه يتـفحص الأغراب ، انكمش وجهه استعداداً للبكاء والصراخ ..
امرأة تسرع بقارورة رضاعة مملوءة عن آخرها... ينسى الناس خلافاتهم عندما تحل بهم كارثة مؤثرة .. امرأة أخرى تهش بيدها لتطرد الحشرات الراقصة حوله، تندد في صمت بالحدث الفظيع..؟
الرضيع يمتص السائل الأبيض في تؤدة، بين الحين والآخر يتوقف عن المص، رحلة الامتصاص تستمر، والدقائق لا تتوقف .. أغمض عينـيه ونام غير مبال بشيء .. وما ينتظره من مصير مشكوك فيه .. ساعة بعد نقـل الطفل إلى المستـشفى، الموظف المكلف بالمداومة يدون في كناشه الأسود معلومات ناقصة :
" طفل وجد مرمياً بجانب سور تاريخي ...اسمه سين بن سين .. وجده شيخ اسمه الحاج الرحموني .. حملـته سيارة إسعاف على الساعة السابعة صباحاً .. عمره لا يتعدى أسبوعاً واحداً ..؟"
الأم تطوف بيـن أروقة المستـشفى ، تسأل بكيفية ملتوية .. مضت ساعات وتبعتها أخرى .. لم تر سحابة أمل في الأفق .. قلق همجي يزيد من قتامة زمنها الهارب ، بعينيها تتهجى سطور الأيام السوداء ، تتنصت على دقات قلبها وهو يختنق تحت وطأة انفعال حاد ، امرأة خسرت نفسها ، ضيعت ولدها ، سقطت الدنيا منها ، رمتها الظروف خارج التغطية الأسرية .. تبخرت حياة مولود أطل على الدنيا كرهاً ، سوف يقود صخرة زمانه وحيداً..؟
أصبح الشارع مسكناً لها ، تحمل في يدها دمية عارية ، مبتورة الأعضاء .. حمق عنيف يستـل عقلها في لطف ، يقـتل حياتها الخالية.. والحمق سيد الغضب السريع ..
تجوب شوارع المدينة .. دون كـلـل تضرب على دف مقعـر...عندما يصيبها هيجان الغضب الشديد ، يتجوق عليها الأطفال .. ينادونها بالحمقاء، فلا تـنزعج ولا تـتبرم ، تبتسم ابتسامة ساخرة .. تقدم لهم الحلوى على اختلاف أنواعها .. منهم من يأخذها بحذر.. ومنهم من يهرب منها.. تتوقف عن المشي ، وبأنفاس متصاعدة تنادي بأعلى صوتها : ياناس.. أين ولدي ، أين ولدي ..؟


قديم 10-07-2012, 02:13 PM
المشاركة 2
محمد الصالح منصوري
أديـب جزائـري
  • غير موجود
افتراضي
لذّ لي الارتشاف من مصفّى عسل سرد جميل توخى الدقة في انتقاء الأفاظ المعبرة عن المواقف في لغة رصينة واضحة رسمت لوحة امرأة ظلمتها الفاقة فتاجرت بثدييها فخسرت روحها للأبد ..
تقديري أخي الفرحان

قديم 10-07-2012, 11:08 PM
المشاركة 3
الفرحان بوعزة
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
لذّ لي الارتشاف من مصفّى عسل سرد جميل توخى الدقة في انتقاء الأفاظ المعبرة عن المواقف في لغة رصينة واضحة رسمت لوحة امرأة ظلمتها الفاقة فتاجرت بثدييها فخسرت روحها للأبد ..
تقديري أخي الفرحان
***************************
شكراً لك أخي الفاضل والمبدع المتألق .. محمد الصالح .. على قراءتك القيمة للنص رغم طوله ..
سعيد باهتمامك النبيل وكلمتك الطيبة .. كلمة أعتز بها ..
تقديري واحترامي ..
الفرحان بوعزة ..


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: امرأة تحاكم ظلها
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
امرأة عبد الكريم الزين منبر القصص والروايات والمسرح . 16 04-25-2022 09:53 PM
امرأة بلا ماض ٍ ... زياد عموري منبر البوح الهادئ 5 04-08-2018 03:23 AM
امرأة إلا ربع ... زياد عموري منبر البوح الهادئ 6 04-02-2012 05:39 PM
امرأة من عطر !! حسام الدين بهي الدين ريشو منبر البوح الهادئ 12 10-17-2011 02:16 AM
++ البنت لابن عمها ++ أحمد فؤاد صوفي منبر القصص والروايات والمسرح . 8 09-23-2010 09:21 PM

الساعة الآن 11:30 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.