احصائيات

الردود
1

المشاهدات
2404
 
طارق الأحمدي
أديــب وقاص تونسي

طارق الأحمدي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
853

+التقييم
0.14

تاريخ التسجيل
Apr 2007

الاقامة

رقم العضوية
3325
04-30-2012, 05:34 PM
المشاركة 1
04-30-2012, 05:34 PM
المشاركة 1
افتراضي مذبــحة
رهبة........!


في ذلك المساء اضطررت للتأخر في المكتبة العامة التي أعمل بها ومعي زميلتان لترتيب مجموعة كتب واردة جديدة.. كنا لوحدنا في المبنى الواسع، بدأنا نتحاور بصوت منخفض ونسلي أنفسنا في المكان الواسع الموحش الذي نستطيع فيه سماع رجع أصواتنا.

- يا إلهي لكم يخيفني هذا المكان، أتصور أبطال القصص يخرجون من رواياتهم يسرحون ويمرحون في الليل عندما تغلق المكتبة أبوابها...

قالت زميلتي المعيّنة حديثأ باضطراب وحياء.

- نعم، معك حق، أجبتها مواسية، ذات مرة سمعت وقع الكعب العالي لموطئ قدمي امرأة، وكنت أعمل في مكتبي وحيدة، لما خرجت لاستطلاع الأمر رأيتها تتبخر في الهواء...

- أكيد مم لا شك فيه يوجد أشباح.. قالت ثالثتنا مثنية على كلامي، استطردت: "دعاني أقص عليكما عن الشبح الذي رآه قريبي... "

روى لنا خالي "كريم" فقال:

صحبت صديقي عادل في رحلة برية بهدف توصيل طلبية بضاعة في شاحنته..
طوينا المسافات في صحراء شاسعة مترامية الأطراف من شمال البلاد إلى جنوبها. بعد حين داهمني شعور بالتعب الشديد نتيجة الجلوس الطويل،

تحدّثت إليه قائلا:

- أخي عادل، الرحلة مضنية ومملة دون تغير في المناظر والليل وشيك، فلنتوقف عند تلك الأشجار البعيدة للتخييم، وغدا بإذن الله نكمل المسير.

أجاب:

- حسنا.. وأنا تعبت من القيادة، سنقف حيث أشرت.

انعطفنا في شارع فرعي وعر، يبدو عليه أنه عبد منذ زمن بعيد، ركنّا السيارة قرب الأشجار، وأبأسنا المنظر عن قرب فالأرض يباب فيها بحيرة ضحلة تكاد تجف، وحولها نباتات يباس بالكاد فيها عرق حياة.

خيّمنا بهدف الاستراحة .. ثم التففنا بأغطيتنا ونمنا..

استيقظت بعد بضعة ساعات.. ابتعدت عن المخيم قليلا لقضاء حاجتي، لما عدت سقط ضوء المصباح على عادل، فصدمتني رؤيته نائما لكن رأسه على حجر امرأة شابة مخيفة، جسدها بادٍ للعيان من خلال أسمال ممزقة ترتديها، وآثار قروح دامية على أنحاء جسدها، وبها جرح ينزف دما غزيرا أسود جهة قلبها. المذهل في الأمر استمرار عادل في النوم بعمق دون أن يبدي أي انزعاج من وجودها ولا حتى من ضوء المصباح الساقط عليه.

يحيط بالمرأة أطفالها، يرتدون بعض ثياب بالية ويجهشون في البكاء والنحيب، ينزون دما من جراح موزعة على أجسادهم الصغيرة، والمدهش اضمحلال القطرات واختفاءها قبل وصولها الأرض بدون ترك أثر.

أردت أن أهتف باسمه لتنبيهه والمرأة ما زالت جالسة تمسّد شعره.. إلاّ أن الرعب تمكّن مني فلم يصدر صوتي...

رفعت بصرها نحوي وكشّرت عن أسنانها الصفراء، تصيح بصريرغريب كحيوان جريح، بدأ قلبي يدق بعنف، يا لعيونها! حمراء نازفة، وشعرها أشعث ولمّا تزل تعمل على شعره بأظافرها غير المدرمة، حينئذ تأكدت بأنها ليست آدمية ولا تمت للبشر بصلة!

اجتثني الرعب من مكاني فهربت من أمامها أحتمي بالسيارة، ولشدة عجبي سرعة إغفائي كأنني غائب عن الوعي ...

استيقظت على نداء عادل، وحرارة شمس الصحراء تلفحني.

سألته هامسا أجفف عرقي:

- أين المرأة والأطفال؟

- ماذا تقول؟ لا يوجد غيرنا في الصحراء.

- كلا، رأيتها وأنت نائم في حضنها كالطفل الوديع.

نظر الي ساخرا:

- كالطفل الوديع؟! هل أنت متأكد ؟! أعتقدك محرور.. أشربت الخمر دون علمي؟

أجبته عابسا بحدّة:

- كلا لست مريضا، ولم أشرب الخمر ومن المؤكد لست سكرانا... فلنستكشف المكان ...

طفنا نتعرف على أنحائه، فاكتشفنا مقبرة قديمة تحتوي بعض قبور مبنية من طوب آجر قديم متآكل...!

عدنا إلى الشاحنة وأكملنا المسير، لمّا قاربنا مشارف المدينة هدفنا.. سمعت نفس الصرخة غير الآدمية لوحدي دون عادل .. فارتجّ كياني.. وحمدت ربي أننا على قاب قوسين من الوصول إلى غايتنا.

نزلت عند الجامع كي أؤدي صلاتي، أمّا عادل فذهب لإيصال الطلبية لأصحابها.

دلفت إلى الداخل، واستقبلني شيخ الجامع بابتسامة ترحيب.. وأمّ بي وببعض المصلين وكان عددهم قليلا...

ثم جلس للدرس الديني وانفتح قلبي له لسماحته ودماثته ووعيه .. لمّا انصرف المصلون وبقينا لوحدنا تحمّست وصارحته بالذي حصل والمرأة الشبح التي رأيتها ليلة الأمس، وصيحاتها الفظيعة، لم يستغرب واستمر يصغي اليّ باهتمام، ويهز رأسه موافقا.

وكان رده بأن أجداده رووا له عنها، وأخبروه بأنها تتجلّى كل بضعة سنوات فيفر من تظهر له من أمامها خائفا. وأردف بأن قصتها حزينة فقد حصلت منذ زمن طويل عندما انهار زوجها لشدة البؤس وقتلها هي وأطفالها وانتحر... وأكمل كلامه بأن الشارع الفرعي حيث القبور ينخرب دائما فور إصلاحه دون معرفة الفاعل، فلقد أصلحوه بالأسبوع الماضي،
يا لمعاناة تلك المرأة وأطفالها وهم ما زالوا هائمين طيلة عشرات السنين...

لما عاد عادل قرأ الشيخ رقيّته على الشاحنة وأدعية مختلفة وذكر حكيم بهدف إراحة أرواحهم وإخراجهم من الشاحنة حيث صاروا يقيمون...

بعد لحظات استطعنا رؤيتها تنزل مع أطفالها من الشاحنة وتغادر. أحسست بيد عادل تشدّ بقوّة على كتفي، وهو يتابعها بنظراته مرتعبا مصفرأ يكاد يقع على وجهه من هول منظرها.


- يا لها من قصة مخيفة والحمد لله أنّها لم تؤذهم، هتفت زميلتي الأخرى.

- نعم، الآن صرت خائفة أننا بقصصنا سوف نثير الأشباح ونهيّجهم علينا..
قلت هذا وأنا أتلفّت حولي مع نبرة خوف ظاهرة في صوتي.

وإذا بدويّ انفجار يصم آذاننا، فهرعنا إلى الخارج نتخبط ونتعثر ببعضنا.

وعامل النظافة في مكتب المدير يندب الزهرية الخزفية التي وقعت من يده وتحطمت كالقنبلة شظايا..........!



قديم 11-19-2012, 03:49 PM
المشاركة 2
علي مدحت علي زيدان
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
قصة مخيفة و شيقة و جميلة تستحق الشكر و شكرا للمؤلف المجهول و جهود استاذ طارق.
تقبلوا مروري.
وشكرا.

( اللهم اعنا على اسرائيل ; ووحد كلمة المسلمين )

( وزود العلماء ورجال الدين ; وحرر فلسطين)

مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:51 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.