احصائيات

الردود
4

المشاهدات
3579
 
ريما ريماوي
من آل منابر ثقافية

ريما ريماوي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
801

+التقييم
0.17

تاريخ التسجيل
Sep 2011

الاقامة
الأردن.

رقم العضوية
10476
01-13-2012, 01:03 PM
المشاركة 1
01-13-2012, 01:03 PM
المشاركة 1
افتراضي الحب الخالد.... باكورة كتاباتي
الحب الخالد



"خالد" في منتصف العشرينات يعمل مبرمجا في إحدى الشركات الكبرى، ولأنّ طبيعة عمله تتطلب التفكير المتواصل والتحديق طويلا في شاشة الحاسوب. فإنّه كان يجد متعة خاصّة في إحدى الحدائق العامة قرب منزله. يكتفي أثناء جلوسه فيها بمراقبة المتنزهين وسماع ضحكات الأطفال المجلجلة يتأرجحون عاليا في السماء.

وصار منظر ذلكما الزوجين العجوزين هنالك مألوفا له، حيث اعتادا الجلوس مقابله على مقعد مجاور، الزوج يطعم الطيور والبط من كيس حبوب يحمله, وزوجته الأضعف صحيّا تكتفي بوضع رأسها على كتفه.

ذات يوم ضوّعت الأرجاء رائحة عطر منعشة ونفّاذة عبقت الأجواء الصيفية بقوة. فالتفت حيث المصدر، وإذ بها فتاة في أوائل العشرينات ومعها طفل صغير يعدو أمامها وهي تركض خلفه. والطفل يناديها بحبور:

- عمتي "نادية" هيا إلحقيني إن استطعت....

يااااه ما أجملها وهي تضحك بنعومة لذيذة تخترق عالمه التأملي ...
تابعها بنظراته وهي تركض بثوبها الأخضر الواسع بلون عينيها الصافيتين، وكان يتطاير في الهواء ليكشف ساقين متناسقتين انسيابيتين. وشعرها الطويل الحريري يتطاير مبتعدا عن وجهها الوضاء. أنعشته أنوثتها وفرحتها وهي تلاعب الطفل الجميل يا لرقتها وبهائها. ويالها من لوحة جميلة أبدع الخالق سبحانه في تشكيلها.

تعوّد حضورها كل يوم واكتفى بمراقبتها من بعيد دون أن يجرؤ على الاقتراب منها واختراق عالمها السحري الجميل...

وكان يصيخ السمع جيّدا عندما تتحدث مع الزوجين العجوزين، وفهم منها أنّ الطفل هو ابن أخيها المسافر مع زوجته في بعثة دراسية، ولقد تركه عندهم إلى حين العودة، ولهذا هي تأتي به إلى هنا كل يوم لكي يتسلى ويلعب ..

غمره شعور بالفرحة لمجرد وجودها بالحديقة، وكان العامل المشترك بينهما هؤلاء الزوجين العجوزين، اللذين أصبحا أصدقاء لكل مرتادي الحديقة. وعلى الرغم من أنهما لم يتبادلا أية أحاديث مع بعضهما إلا إنه ارتاح لوجودها الجميل، بل صار ينتظر حضورها بكل شوق ولهفة.

واستمرا هكذا شهور الصيف والخريف. وجاء فصل الشتاء ببرده القارس، واختفت الفتاة ولم تعد تأتي, ولكن ذلك لم يمنعه من الحضور كل يوم، فيجلس بالبرد دون أن يحس به، متلهفا مترقبا حضورها آملا بأن يجلبها شوقها مثلما جذبه إليها.

لأسفه مضى كل فصل الشتاء بلا طائل ولم تحضر.

قدم الربيع، ذات حين جلس يترقب لم يفقد الأمل برؤيتها نفذت إليه نفس الرائحة العطرة، فقفز قلبه جذلا، والتفت:
- نعم هاهي ذي قادمة نحوي، يا الله مالذي جرى لها؟! لماذا هي شاحبة وعظامها تبرز في جسمها وقد نحل كثيرا؟!

أقبلت تتهادى بمشيتها ببطء شديد، وكان يبدو عليها المرض. وقبل أن تصل قربه ترنحت وتمايلت دون أن تستطيع حفظ توازنها ولا يعرف كيف قفز ليلتقطها قبل وقوعها مغشيا عليها. ولم يشعر إلا وهي بين يديه، وحملها بسهولة فهي صارت بوزن الريشة.

بعفويّة وضع فمه فوق فمها، يعطيها من أنفاسه لعلّه يستطيع يعيد لها أنفاسها المقطوعة. استمر بمحاولة إنعاشها بالفم, وهو يرى محاولاتها للتنفس لوحدها تبوء بالفشل... تبادر لذهنه:

" ياااه هذا الجسد الذي كان يتوق إلى أن يضمه ويحتويه، أصبح الآن بين يديه، ولكنه يكافح من أجل الحياة".

انتابه خوف شديد وهو يمنحها قبلة الحياة، وأرعبته فكرة فقدها بعد أن وجدها للتو.

وإذا بها تشهق وتأخذ نفسا عميقا، فتحت عينيها لتجد نفسها بين يديه، وفمه على
فمها، نظرت إليه بخفر وحياء وأشارت أن ينزلها أرضا. فوضعها على المقعد قربه ممسكا يديها الباردتين ليدفئهما بحرارة أنفاسه، ودفء يديه...

بتلقائيّة وضعت رأسها على كتفه تستريح وتستمد من قوته قوتها، ومن حرارة جسده
الدفء الى أوصالها المرتعدة من شدّة البرد، وكأن حرارة شمس الربيع لم تكن كافية لجسمها الضعيف المرتعش.

وعندما عادت إلى رشدها تماما حدثته قائلة:

- لقد أصبت بمرض شديد ألزمني الفراش لمدة طويلة، وقد أوشكت على الموت لكنّني تشبثت بالحياة، هل تدري أن وجهك المبتسم كان معي؟ تطل علي وسط معاناتي من الحمى والسخونة, وتحثني على مقاومة مرضي!
وتابعت:
- ولقد شفيت من أجلك فأنا أحبك جدا ومنذ مدة، لكنني خجلت من مصارحتك قبلا.

قالت هذا وقد عادت إلى وجهها حيويته وقد تضرج بحمرة الخجل... ركع قربها مقبّلا يديها وأفصح هو الآخر عن مشاعره نحوها...

بعدها ودعته على أمل أن تراه باليوم التالي، وهو وعدها بأنه سيراها على مدى العمر...

ثم نظر الى العجوزين السعيدين المبتسمين، عندها فهم سر الحب الخالد الذي يجمعهما معا على مر السنين وطول الزمن. وقفز من مقعده مبتسما يريد معانقتهما وكل أطفال الحديقة.




تمت مع تحياتي

ريما ريماوي..


قديم 01-13-2012, 02:45 PM
المشاركة 2
محمد عبدالرازق عمران
كاتب ومفكر لـيبــي
  • غير موجود
افتراضي
* أنا أحب إذن .. أنا موجود .. من لا يحب لا شك أنه ميت وإن كان يسير بين الأحياء .. جميل ما قرأت هنا .. شكرا لك .. مودتي .

* ويأتيك بالأخــــبار من لم تزوّد .
( طرفة بن العبد )
قديم 01-14-2012, 03:58 PM
المشاركة 3
أحمد فؤاد صوفي
كاتب وأديـب

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
روحنا هي التي تجعل حياتنا تسير . .
أما الكون فروحه هو الحب الذي يسيره شرقاً وغرباً . .
وبدون الحب فالإنسان لن يكون إنساناً أبداً . .

سرتني هذه القصة كثيراً . .
فهي تصيح في أعماقنا . .
نعم . . هذا هو الإنسان . .

عزيزتي . .
تهنئتي وتقديري . .

** أحمد فؤاد صوفي **

قديم 01-17-2012, 11:14 AM
المشاركة 4
ريما ريماوي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
* أنا أحب إذن .. أنا موجود .. من لا يحب لا شك أنه ميت وإن كان يسير بين الأحياء .. جميل ما قرأت هنا .. شكرا لك .. مودتي .
القدير حمد عبدالرزاق عمران

شكرا على الحضور الجميل والتفاعل الرائع,

ولكم أسعدني إعجابك بالنص.

مودّتي وتقديري.

تحياتي.

قديم 01-17-2012, 11:16 AM
المشاركة 5
ريما ريماوي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
روحنا هي التي تجعل حياتنا تسير . .
أما الكون فروحه هو الحب الذي يسيره شرقاً وغرباً . .
وبدون الحب فالإنسان لن يكون إنساناً أبداً . .

سرتني هذه القصة كثيراً . .
فهي تصيح في أعماقنا . .
نعم . . هذا هو الإنسان . .

عزيزتي . .
تهنئتي وتقديري . .

** أحمد فؤاد صوفي **


أستاذي القدير الرائع أحمد فؤاد صوفي,

الله يبارك فيك ويسعدك,

اسعدتني بحضورك الكريم وردك الجميل.

تقبل خالص ودي وتقديري.

تحيتي.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: الحب الخالد.... باكورة كتاباتي
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أنفاس عبدالله الخالد… ياسَمِين الْحُمود منبر البوح الهادئ 78 08-10-2022 04:23 PM
الربع الخالي بوشعيب الدكالي منبر شعر التفعيلة 3 06-20-2014 04:17 PM
لحن الشوق الخالد ريم الحربي منبر البوح الهادئ 14 04-09-2014 10:15 PM
الخيال الجامح (فن) رقية صالح منبر الآداب العالمية. 6 05-01-2011 11:42 PM

الساعة الآن 09:06 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.