احصائيات

الردود
2

المشاهدات
3956
 
محمد عبدالرازق عمران
كاتب ومفكر لـيبــي

محمد عبدالرازق عمران is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
850

+التقييم
0.18

تاريخ التسجيل
Jul 2011

الاقامة
البيضاء / ليبيا

رقم العضوية
10226
07-22-2011, 11:35 PM
المشاركة 1
07-22-2011, 11:35 PM
المشاركة 1
Thumbs up إمرأة حافية
( امرأة حافية * )

[justify
]( 1
)
.. هبط المساء باكراً بفعل غيمة داكنة تتمدّد على مساحة الأفق الغربي .. الطريق الزّراعي يبدو خاليا في هذا الوقت .. بدأت ترذّذ .. رشّات كبيرة تنقر سطح السّيارة .. تضرب الزجاج الأمامي .. تتمدّد .. تتعرّج .. يدير المسّاحات .. يسير بسرعة خفيفة محسوبة خوفاً من الإنزلاق .. البرق يضئ حوافّ الغيمة السوداء .. وجه ذئب يطلّ من فوق الصخور المشرفة على الطريق .. يدير رأسه متتبّعاً السيارة .. ومن الرّاديو يأتي صوت الأغنية هادئاً :
يا دوب ردّ السّلام ..
ودّعني وغاب في الزّحام
( 2 )
.. يشتدّ رخّ المطر .. يغيب صوت الأغنية الهادئ تحت الوقع المتلاحق .. يضيّق عينيه .. يُركّز نظره محاولا الحفاظ على موازاة حافة الإسفلت .. تحت وميض البرق تظهر امرأة على الجانب الأيمن من الطريق .. يدوس الكابح .. يتجاوزها زاحفاً .. لحظة سطوع البرق يعبرُ وجهها من خلف الزجاج المخطط بالمطر :
ـ يا الله .. ! هل بدأت السماء تمطر نساءً ؟!
يتوقف .. ينظر في المرآة .. يتلفت خلفه .. ينزل متردداً .. الضوء الخافت يُضئ نصفها السفلي .. حافية .. ؟! الكتفان والرأس خارج نطاق الضوء .. يخلع معطفه .. يضعه على كتفيها قائلا بهدوء :
ـ أنتِ مقرورة تماماً .
يفتح الباب الخلفي .. تركب .. يتباطأ في إغلاق الباب .. فستان شفاف .. يلتصق بجسدها بفعل البلل .. شال أزرق على الكتفين .. شعر أسود ينسدل دون عناية .. مشبع بقطرات المطر التي تنزلق مع أطرافه .. تضمّ ذراعيها إلى صدرها .. ترتعش .. هل يبدو عليها أثر اغتصاب .. ؟
يمسح طبقة البخار اللاّصقة بالمرآة .. يديرها للأسفل قليلا .. تغوص السيارة داخل بركة .. تتطاير المياه على الزّجاج الأمامي .. تُقطّع .. ترتجّ .. تنطفئ .. يحاول إدارة المحرك عدّة مرّات .. ينزل .. يفتح غطاء المحرك .. يعكس الضوء بملابسه .. يهزّ رأسه :
ـ أنا لا أفهم في السيارات .. سنبقى هنا حتى يمرّ أحدهم .
يفتح الباب .. اختفت ! .. يتلفّت .. يصيخ .. أيّ وقع لخطوات امرأة حافية .. ! يراها في الجانب الآخر من الطريق .. تجمع الحطب .
( 3 )
.. السماء صافية .. رائقة .. لا أحد يصدّق أنها كانت تمطر منذ قليل .. القمر ينشر نوره بالتساوي على كلّ الأرجاء .. الصخور النديّة تلمع عبر المساحات التي ينحسر عنها الظّل .. اللهب ينعكس فوق وجهها الذي بدأ يُشع دفئاً وهي تقتعد الصخرة .. حاول جرّها للحديث :
ـ الليلة صافية .
بسطت راحتيها فوق اللهب .. غاب وجهها في الظّل .. سألت :
ـ متى تصلح السيارة ؟
ضحك وردّ :
ـ عمري ما أصلحت شئ في حياتي .
تجهّمت .. أحسّ دعابته في غير مكانها :
ـ قولي لي ؟
استبقته قائلة :
ـ أعرف .. ما الذي يجعل امرأة تقف وحيدة .. حافية .. على قارعة الطريق في هذا الليل .. وفي هذا المطر ..؟
انتظر مترقباً .. كانت تتابع الجمرة التي تدحرجت خارج النار .. مدّت ساقيها .. سحبت الفستان إلى الأسفل .. وضعت الشّال على ركبتيها .. خشخشت الغابة .. من بين الأفرع برز وجه ذئب أربد يتشمّم الهواء .. عبرت بومة من فوقهما مباشرة .. رفعت رأسها بهدؤ متتبعة طيران البومة الصامت .. أتاح له ذلك تأمل أهدابها الطويلة .. وعنقها الذي يضيئه اللهب .. لاحظ أن السحب بدأت تزحف على القمر .. لم ينتبه إلا والنار تصعد فجأة .. وتطال أطراف الشّال .. انتزعه .. ألقاه بعيدا قطعة من اللّهب .. تتموج في الفراغ .. عاد إلى الجلوس .. لم تكن فزعة .. الشّال يحترق .. اللهب يسري في الأطراف .. يشكل هالة حول الدخان المتصاعد بانحناء .. قال :
ـ كل شئ يتعلق بالنساء سريع الاشتعال .
ـ هذا غزل .. ؟
ـ يعني .. ! النار على كلّ حال شديدة الشّبه بالمرأة .
ـ ما وجه الشّبه ؟
ـ الاشتعال .. الدفء .. و ..
ـ التقلٌّب .
ابتسم وهو يلتفت .. قال مندهشاً :
ـ وين الشّال .. ؟
ـ احترق .
ـ وين الرّماد .. ؟
في تلك اللحظة بدأت تمطر .. احتميا تحت شجرة العرعر القريبة .. ينصتان إلى خشخشة المطر داخل الغابة .. لم يسبق له أن أحسّ بهذا الحضور الطاغي لأمراة .. قالت :
ـ لا شك أن آدم وحواء قد عاشا هذه اللحظة .. يستذريان تحت شجرة واحدة .
أحسّ بدفء جسدها الضّاج تحت البلل .. فاجأته حينما أخذت تدندن الأغنية :
يا دوب ردّ السلام
ودّعني وغاب في الزّحام
تذكّر جيدا أنّه أقفل الرّاديو قبل أن تظهر له على الطريق .. !
( 4 )
.. ضوء سيارة قادم من بعيد .. توقفت محدثة ضجّة كبيرة .. خيوط المطر تقاطعت غزيرة مع مواشير الضوء .. قال السّائق وهو ينزل الزّجاج مغضّنا وجهه :
ـ بالنسبة للبنزين .. يا دوب عندي ما يوصّلني .. رأى شبحها تحت الشجرة المجاورة .. صفّر وهو يهزّ رأسه .. تصفيرة خافتة ذات دلالة .
ـ أحسن الظّن .
أخذ يعدّ على أصابعه :
ـ راجل .. وليّة .. وليل .. وغابة .. ويقول لك : أحسن الظّن .. !
ضحك ضحكاً مكتوماً أشبه بالشخير .. وردّد وهو يرفع غطاء المحرك :
ـ قال لك أحسن الظّن .. !
( 5 )
.. أشارت إلى المنعطف :
ـ من هنا .. أوّل بيت على اليمين .
تبعها بنظراته حتى دفعت الباب .. وفي اللحظة التي أراد فيها الانطلاق .. تذكّر أنّ جميع أوراقه في جيب المعطف .. نزل وطرق الباب :
ـ ورطة .. ؟ لا أعرف حتى اسمها .. أنا طبعا محظوظ .. أكيد هي اللي تفتح .
أطلّ رأس أشيب في ملابس النوم .. تثاءب .. واضعاً يده على فمه :
ـ عفواً .. أنا محرج .. المرأة اللي نزلت توّا كانت تلبس معطفي .. نظر إليه بارتياب :
ـ فجر تقريباً .. ادخل .. ادخل إذا كنت تبّي معطفك .
( 6 )
.. كان جالسا على كرسي في المدخل .. يحك كفيه ببعضهما .. وينفخ فيهما .. تطلّع إلى الإطار المعلّق في الزّاوية .. صورة بالأبيض والأسود :
ـ يا الله .. هيّ هذي .
في تلك اللحظة دخل الأشيب بالقهوة .. فبادره قائلا :
ـ المرأة اللّي نزلتها هيّ هذي .
ـ الله يرحمها .. ماتت من عشر سنوات .
ـ من عشر سنوات ؟!
ـ الله يرحمها .
ـ أنا متأكد أني نزّلتها من لحظة .
قال الأشيب ببرود وهو يناوله الفنجان :
ـ معطفك تلقاه على القبر .. في ركن الجّبانة الشّرقي .
( 7 )
.. الفجر شاحب .. الضباب كثيف راكد .. عصفور فوق السور ينظف ريشه .. كان جاثياً بجوار القبر المكسو بالأعشاب النّدية .. المعطف مطويّ بعناية على صخرة عند جهة القدمين .. الحلازين العالق بصدفاتها الطلّ تنزلق فوق الصخور .. خنفساء سوداء منقلبة على ظهرها وسط الأشواك التي تؤطر القبر.. الشاهد رخامة طويلة خالية من أيّ أثر .. لا اسم .. لا تاريخ .. تتبّع بنظرة دروب الحلازين الّلامعة .. وإطار الأشواك .. والحركة الدءوب لأرجل الخنفساء التي تجهد للتشبث بالفراغ .. نهض .. أخذ المعطف .. ألبسه للشاهد .. سوّى الكمين والياقة .. وضع يديه على مؤخر العنق .. مرّر راحتيه ببطء فوق الكتفين المبللين .. احتواهما .. ضمهما .. ضغطهما .. ثم غادر المقبرة .. من فوق حافّة السّور ظهر الذئب الأربد .. متتبــــعاً خطواته .. لاعقاً النّدى على جانبي فكيه . [/justify]

( أحمد يوسف عقيلة / ليبيا )


* هذه القصة من الأساطير المأثورة بالأدب الشعبي الليبي والتي قد تكون متداولة في أكثر من بلد عربي .


* ويأتيك بالأخــــبار من لم تزوّد .
( طرفة بن العبد )
قديم 07-23-2011, 12:53 AM
المشاركة 2
ماجد جابر
مشرف منابر علوم اللغة العربية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تحيّاتي
أشكرك أستاذ نرسيس الجميل على هذا الأدب الشعبي المعبر ، له دلالاته ، توارثته الأمة عبر الأجيال.
وأرحِّب بمشاركاتكِ وموضوعاتك خاصة في منابر العلوم اللغوية .
بوركتِ ، لافضّ فوك ، وبورك اليراع.

قديم 07-24-2011, 05:11 PM
المشاركة 3
محمد عبدالرازق عمران
كاتب ومفكر لـيبــي
  • غير موجود
افتراضي
* ماجد .. سعدت بحضورك المؤثر هنا .. شكرا لك .. مودتي .

* ويأتيك بالأخــــبار من لم تزوّد .
( طرفة بن العبد )

مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: إمرأة حافية
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
حافية في جنة شعري محمد حمدي غانم منبر شعر التفعيلة 5 04-25-2020 05:18 AM
مواسم إمرأة حيدر الدبوس منبر البوح الهادئ 3 01-06-2015 02:50 PM
حافية على جسر طبرية -رواية روان عبد الكريم منبر القصص والروايات والمسرح . 44 12-14-2013 02:21 PM
إمرأة فى رسالة طارق أحمد منبر القصص والروايات والمسرح . 0 11-30-2012 09:45 AM
<< إمرأة ماطهرها .. الماء >> جابر الناصر منبر البوح الهادئ 8 09-07-2010 09:03 PM

الساعة الآن 03:55 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.