احصائيات

الردود
6

المشاهدات
9238
 
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي


ايوب صابر is on a distinguished road

    موجود

المشاركات
12,766

+التقييم
2.39

تاريخ التسجيل
Sep 2009

الاقامة

رقم العضوية
7857
01-19-2011, 12:15 PM
المشاركة 1
01-19-2011, 12:15 PM
المشاركة 1
افتراضي العبقرية والشذوذ محصلة لكيمياء الدماغ: أ وارق ساخنة (12 )
جان جينه..العبقري الشاذ ..محصلة لكيمياء الدماغ المتدفقة بغزارة


لا شك أن الأخ اسعد العباسي، إن كان هو كاتب المقال" مقتطفات عن علاقة الشذوذ والإبداع عند الأديب الفرنسي "جان جينيه " قد أبدع في وصف الصلة بين حياة جان جينيه وإبداعه الأدبي، رغم القصور الواضح في فهم تلك العلاقة ودوافعها ومسبباتها ومعطياتها ونتائجها، ورغم التحليل الخاطئ والفهم المنقوص لكثير من الجوانب المتعلقة بشخصية هذا المبدع العبقري من ناحية والشاذ من ناحية أخرى، وذلك أمر طبيعي في تقديري ويعود حتما لعدم معرفته بالدافع الحقيقي وراء كل الصفات والسمات الشخصية واثر مأساوية الطفولة في صناعة الشخصية من خلال ما تفرزه تلك الحياة المأساوية من كيمياء الدماغ والتي بدورها تتحول إلى طاقة ذهنية مهولة فيكون كل تصرف إبداعي أو شاذ هو في الواقع نتاج تلك الطاقة المهولة المتدفقة في الذهن والتي تكون اشد وفي أوجها كلما اشتدت مأساوية طفولة وحياة الشخص المعني، كما ورد شرحه في "نظريتي في تفسير الطاقة الإبداعية".

ولا شك أننا نجد حياة هذا العبقري الفرنسي ( جان جينيه ) في قمة المأساوية لعدة أسباب، منها انه ابن بائعة هوى، تخلت عنه أمه إلى ملجأ أيتام عند ولادته، ولم يَعرفْ أبويه أبدا، بل هناك ما يشير بأن أمه ماتت أيضا في طفولته، ثم ماتت الأم البديلة أيضا في طفولته المبكرة فكانت حياته في قمة المأساة والاضطراب والتشرد والألم والضياع.

ولذلك يفترض أن كيمياء الدماغ عنده ستتدفق بشكل هائل وبالتالي تكون تلك الطاقة المحركة لقوى ذهنه الكامنة واللامحدودة على أشدها ومتدفقة بأقصى قوة، وعليه لن يكون غريبا أن يصبح من بين أعظم المبدعين على الإطلاق حينما يتمكن من تسخير تلك الطاقة بشكل ايجابي وان يكون جانحا ولصا محترفا وابعد من ذلك شاذا حينما يتعثر في تسخير تلك الطاقة بشكل ايجابي، فالعلاقة بين مأساوية الطفولة والمخرجات الإبداعية هي علاقة طردية ومتأصلة وحينما تفيض تلك الطاقة بشكل مهول وتتعثر الملكات الإبداعية يمكن أن تحرك نوازع شيطانية تبدو عند صاحبها تصرفات عادية وجزءاً لا يتجزأ من كيانه.

ولا شك أن للبيئة التي يعيشها الطفل، والمحيط الداعم والمساند الذي يكون على اتصال به في طفولته المبكرة، وما يتلقاه من رعاية واهتمام، وما يكتسبه من مهارات وتعليم وتأهيل، يكون لها اثر عظيم في ما يمكن أن تؤول إليه تلك الطاقة المتدفقة في الذهن، فيتشكل منها مخرجات إبداعية فذة وعبقرية خالدة إذا ما تلقى من امتلك مثل تلك الطاقة الذهنية المتدفقة الاهتمام والرعاية على أكمل وجه، ولكن العكس صحيح أيضا، أي أن ما يمكن أن يتعرض له الطفل من سوء معاملة واحتقار وما إلى ذلك من أمور قد تؤدي إلى جنوحه وسلوكه مسالك إجرامية أو شاذة بارزة وملفتة للانتباه وهذه العلاقة طردية أيضا.

يعتقد السيد اسعد مثلا أن الأديب الفرنسي جان جينيه قد فضح نفسه من خلال كتابته عن جنوحه وسلوكه الشاذ في كتابه ( يوميات لص ) ولكنني أرى أن مثل تلك الكتابة الصريحة والواضحة كانت بمثابة احد وسائل علاجه النفسي والذي مكنه من إخراج تلك الطاقة المتدفقة في ذهنه فحقق له نوع من التوازن، ولولا لجوءه لمثل تلك الفضفضة لتفريغ الطاقة والألم الذي يعتمل في داخله لربما أصيب بالجنون أو نَفَّذَ فعل الانتحار والذي يبدو انه قد حاوله جان جينيه في أكثر من مرة.
وتشتد حالة الشخص لمثل هذه الفضفضة كلما كانت طفولته مأساوية وذكرياته مؤلمة وهي الحالة التي يمكن وصف طفولة جان جينيه بها ومثال ذلك رد فعل زملاؤه الطلبة في سنوات المدرسة المبكرة والذين نعتوه بنعوت مؤلمة تترك أثرا سلبيا جارحا ومهولا في أعماق النفس البشرية اقلها في مثل هذه الحالة وصفه من قبل أقرانه بـ ( اللقيط ) حيث أعابوا عليه جمال وصفه للبيت الذي يسكنه حينما طلب منهم الأستاذ ذلك.

ولا شك أن الشذوذ الجنسي عند جان جينيه هو أيضا انعكاس لسوء المعاملة التي كانت على ما يبدو سمة أساسية في طفولته وقد يكون قد تم استغلاله جنسيا في الملجأ والدير والسجن فهو يشكل ضحية مناسبة لمثل تلك الاعتداءات القاسية واللا إنسانية، والتي لا شك أنها تترك هي أيضا أثرا جارحا مهولا في نفس الطفل.

وقد أصابت سيمون دي بفوار حتما عندما عزت جنوحه إلى انه كان منبوذا من المجتمع منذ رأت عيناه النور ولا شك أن نبذه وما تعرض له من سوء معاملة كان سببا رئيسيا لتدفق كيمياء الدماغ بصورة مهولة، وهذه الكيمياء مقرونة بالمعاملة الرهيبة المؤلمة هي التي دفعته لارتكاب مثل تلك الأعمال الشنيعة دون شعور بالذنب والانتقام من المجتمع لا يشكل إلا وجه واحد للموضوع ولولا ذلك الدفق الهائل في كيمياء الدماغ لما برز جنوحه بهذه الطريقة حيث سجن أكثر من اثنتي عشرة مرة.

ويلاحظ أن سلوكه الشائن الذي قاده للسجن ساهم من دون وعي منه أو إرادة في زيادة دفق كيمياء الدماغ تلك ووفر له العزلة التي ساهمت بدورها في توتير الدماغ وجعله يعمل بوتيرة عاليه، ولذلك لا غرابة آبدا في أن الكثير من أعماله العبقرية ولدت بين القضبان. ولا غرابة انه يرى بأن وحي الشعر مسكنه بين القضبان ونحن نجد أن الكثير من الشعراء والكتاب قد خرجوا بأعمال إبداعية مهولة على اثر تجربة السجن والعزلة بين القضبان وقد ذهب مؤسس الديانة البهائية مثلا بعيدا حيث نجده يدعي بأنه تلقى ما خطه من الوحي أثناء وجوده في السجن. ولا شك أن تجربة السجن كان لها اثر مهول في تطوير ملكات المتنبي الإبداعية أيضا كما يقول طه حسين عنه.

ولا غرابة إذا ، كما يقول اسعد ، أن يبدع جان جينيه واحدة من أفضل قصائده المعروفة (الرجل المحكوم عليه بالموت) والتي ضمنها إسقاطات بذيئة وإعترافات بجنوحه وشذوذه بين جدران السجن والذي يعتبره المكان الأمثل للكتابة والمهبط الذي يؤثره الوحي الشعري، وهو نفس المكان الذي كتب فيه رائعته ( معجزة الوردة )، كما يقول اسعد ، وهي رواية تزخر بالرموز المستمدة من حياة القرون الوسطى وتقع أحداثها في دير تابع لعائلة (البوربون) المالكة قبل أن تندلع الثورة وتحوله إلى سجن، والمعجزة التي تناولتها الرواية تتلخص في أن الأغلال التي يرسف فيها السجين تتحول إلى أكاليل غار وورود، والرواية تصور حياة السجين على أنها شيء مقدس فهي أقرب ما تكون إلى حياة النساك والرهبان والقديسين وهي تخلو تماماً من متاع الدنيا كما يقول اسعد.

ويلاحظ أن جينيه قد التقى في السجن بمن يوصف بأنه كاتب منحرف وهو (جوهاندو) ويبدو انه قد تأثر به عميقا، وبالتالي اثر في خياراته الجنسية فكان شذوذه محصلة متوقعة لذلك الإعجاب بشخصية ( جوهاندو ) الكرزمية على ما يبدو، ومن هنا يمكن فهم دور القدوة الحسنة في التربية ولو أن جان جينيه التقى في السجن بكاتب سوي بدلا من ذلك الكاتب المنحرف لربما اختلفت خياراته وظل بمنأى عن الشذوذ.

ولا شك أن جان جينيه قد صدق حينما ظن بأنه لم يولد شريرا ولا منحرفا ونحن نجده في صراع بين النزوع إلى الشذوذ والجنوح والرغبة في امتهان الكتابة كوسيلة أخرى من وسائل تفريغ الطاقة المهولة التي لا بد أنها كانت تعتمل في ذهنه وقد صرح بذلك لـ جوهاندو المنحرف كما يصفه اسعد. ونجد انه وحينما توفرت له قدوة حسنه أفضل من ذلك المنحرف وتوثقت علاقته بكتاب عظام مثل جان بول سارتر توقف عن أفعال السرقة واختار وسيلة أخرى للتفريغ كانت أكثر سموا وايجابية وهي الكتابة الإبداعية التي أنتجت أعمالا عبقرية.

ولا شك أن كيمياء ذهنه المتدفقة ومآسي طفولته دفعته ليصطف مع المظلومين والمضطهدين والفقراء والمشردين ويتعاطف مع الفئات المهمشة مثل السود والعرب فهو يرى في مثل هذه الفئات نفسه وهي سمة متأصلة يتصف بها كل من عاش طفولة معذبة ومن تألم كثيرا في طفولته نجده يحس بألم البشر في كل مكان ومنهم من يندفع لإيجاد حلول مجتمعية شاملة على شاكلة ما حاول فعله ادم سمث، والذي مات أبوه قبل الولادة، في كتاباته عن الثروة وتوزيعها وعن الأخلاق، وما فعله ديفد هيوم في كتابه عن الطبيعية البشرية وهو يتيم الأب وألام وقد وضع كتابه وهو في سن 16 سنه كما يقول.

لكل ذلك ليس مستغربا أن يشق جينيه طريقه نحو المجد والشهرة عند توزيعه روايته عذراء الزهور، كما يقول اسعد، ولكنني أرى بأن سبب هذا المجد غير ذلك الذي يراه اسعد فالأمر لا يتعلق بأن الرواية تفضح المجتمع البرجوازي رغم أن ذلك جانب مهم حاول كل يتيم ثائر أن يقوم به بطريقته لكن السبب الحقيقي الكامن وراء تلك الشهرة هي نضوج ملكاته الإبداعية وحشده لطاقاته الذهنية لإخراج نص باذخ من حيث الأثر خاصة انه يعالج جانب من حياة إنسان مهمش وهو أمر شديد التأثير على نفس المتلقي وعقله.

ولا شك انه استحق بان يكون واحد من بين منظومة كتاب فرنسا العظماء، كما يصفه اسعد، فمثل تلك الحياة التراجيدية التي عاشاها جعلت كيمياء دماغه متدفقة بشكل مهول فحركت مخازن المعرفة الكامنة في أعماق ذهنه بشكل واسع، فلذلك نجده متنوع المخرجات الإبداعية وكاتب شامل كتب الشعر والرواية والمسرحية وسيناريوهات الأفلام والإخراج السينمائي وما إلى ذلك من أعمال إبداعيه وربما أن السبب الذي يدفع البعض لعدم الاعتراف به كأحد كتاب فرنسا العظماء يعود إلى أن طاقاته الذهنية حركت أيضا وبنفس القوة الجوانب الشيطانية من شخصيته فكان الشذوذ والجنوح وسلوكه غير الاجتماعي أسباب كافيه للنظر إليه نظرة دونية ، وربما أن السبب الحقيقي يعود إلى أن المقاييس التي تقاس بها عادة إبداعات الكتاب لا تنطبق عليه فهو رجل ثائر ومتحرر من كل القيود ولا يشعر بأي غضاضة أبدا في قول أو فعل ما يخطر في باله أو توسوس به نفسه دون اعتبار لكل ما هو سائد ومألوف، وربما يكون سابق لعصره في إبداعاته ، وربما نجده يكسب مزيداً من الشهرة والمجد والفهم والقداسة عند البعض مع مرور الزمن، وحينما يتمكن العقل الجماعي للبشرية من فكفكة رموز كتاباته الإبداعية والتي تكون أكثر تعقيدا واقل قبولا كلما كانت كيمياء الدماغ أنشط وهو حال ذهن جان جينيه هذا حتما. كما كان حال الكثير من المبدعين الافذاذ الذين حاربهم المجتمع في زمانهم وكرمهم بعد موتهم بسنوات عديدة مثل جاليلو.

والصحيح أن سلوك جان جينيه غير الاجتماعي وجنوحه ودخوله السجن كل تلك المرات ومن ثم محاولاته المتكررة للانتحار ما هي إلا مؤشرات إضافية على ما كان يعتمل في داخل نفسه ويحركه ويدفعه لمثل ذلك السلوك غير الاجتماعي وغير المنطقي وغير المقبول، وهي تؤكد على غزارة ذلك الدفق من كيمياء الدماغ الذي يدفع الإنسان باتجاه سلوك غير اجتماعي ومدمر ذاتيا في حالة تراكم التجارب القاسية والسوداوية في حياته وذكرياته المؤلمة، وهي كثيرة في حياة جان جينيه، وفي حالة عجز الوسائل الإبداعية عن تفريغ تلك الطاقة والألم وتحقيق شيء من التوازن يكون التدمير الذاتي هو الأكثر احتمالا.

ومن هنا نفهم سر تطوع هذا الباريسي للقتال إلى جانب الفلسطينيين، فإعادة توجيه المشاعر العدوانية التدميرية إلى الخارج مهرب ومسلك آخر لتفريغ الطاقة التدميرية التي كادت أن تدمره ذاتيا، والاصطفاف مع الحلقة الأضعف والفئة المهمشة المظلومة هي أمر طبيعي لشخص مثله عاش على هامش المجتمع واختبر الظلم الاجتماعي بعنف، ومن هنا نجد أن كل الأيتام ثوريون في طبيعتهم ومن بينهم يولد القادة الأفذاذ عبر الزمن ومن بينهم يأتي الجلادون الحكام الدكتاتورين أمثال هتلر وستالين ونابليون والاسكندر حيث دفعتهم عدوانيتهم وما يعتمل في نفوسهم إلى شن حروب مدمرة قتلت ملايين البشر ولكن يلاحظ أنهم جميعا أيتام في سن المراهقة حيث يبدو أن لذلك علاقة بجنوحهم نحو التدمير الشامل والقتل الجماعي.
ولا شك أن كيمياء الدماغ المتدفقة في ذهن جان جينية هي السبب وراء مقتل صديقه المغربي الذي اصطدم بسيارته بشجرة اثر موت جان جينيه وحزنا عليه، كما يقول اسعد، فحينما يمتلك شخص مثل كيمياء الدماغ تلك ومثل تلك الطاقة الذهنية المهولة المتولدة عن الدفق الهائل من كيمياء الدماغ يصبح كرزميا و ذو شخصية سحرية بالغة التأثير فيمن حوله أو من يرتبط معه ولو عن بعد أحيانا وهذا ما يفسر انتحار عدد من الشباب والشابات بعد موت المطرب عبد الحليم حافظ مثلا. وهذا هو الأثر السحري أو العامل أو الكود السري الذي يدفع جماهير عريضة للتصفيق للشخصية الكرزمية في حياتها وللسير في جنازة القادة الأيتام العباقرة الأفذاذ اثر موتهم، وربما يدفع كثير منهم إلى الكآبة وفقدان الأمل في الحياة أحيانا خاصة إذا كان الشخص الكرزمي قائدا فذا له حضور كبير.

ومن هنا نفهم سر رؤية جان بول سارتر في شخصية جان جينيه بأنها شخصية القديس حيث ألف عنه مجلد كامل تحدث فيه عن حياته وأدبه، وهو حتما لم يخطئ في ذلك التشخيص والوصف فلا شك أن جان جينيه يشترك مع القديسين وأصحاب الكرامات في الكثير من صفات وسمات الشخصية وقدراتها الناتجة عن الزيادة الحادة في كيمياء الدماغ، كما يبدو أنهم في معظمهم إن لم يكن جميعهم أيتام وعاشوا حياة مأساوية بائسة فيها الكثير من العزلة. وذلك اليتم وذلك الألم هو المسبب لدفق كيمياء الدماغ والطاقة المهولة في أذهانهم جميعا، والتي تخرج أحيانا على شكل تصرفات إعجازية، سحرية مبهرة وبراسيكولوجية، اي ما وراء طبيعية، وتمنحهم صفات شخصية القديسين، لكن الفرق الذي ميز جان جينيه هو أن طاقات ذهنه لم تكن مؤطرة ضمن اطر القداسة والسائدة والمألوف، حيث ترك لنفسه بخيرها وشرها الحبل على الغارب كما يقال، ربما لان حجم الطاقة المتولدة في ذهنه كانت أعظم من أي يتيم كونه عاش حياة بؤس وحرمان وتشرد وألم ومعاناة وضياع وسوداوية في أعلى حالاتها وتفوق ما عند القديس الذي يظل قادر على مقاومة نوازع الشر في نفسه ويلجمها بطقوس هي أشبه ما تكون بالبرمجة العقلية، ولا شك أن لدور المؤسسات والثقافة الدينية دور مهم في هذا المضمار، رغم أنها تفشل في أحيان كثيرة ويتمرد بعض من حاولت المؤسسات الدينية برمجته بفعل كيمياء الدماغ المتدفقة بغزارة لديه.

ولا شك أن شهادة جان بول سارتر بحق جان جينيه في غاية الأهمية كونها جاءت من فيلسوف عبقري كبير، والذي هو بدوره يتيم حيث توفي والده وعمره خمسة عشر شهرا، وتزوجت أمه من جديد وعمره 12 سنه. وتأتي أهمية هذه الشهادة من اعتراف سارتر بطريقة غير مباشرة وغير واعية وربما واعية بأن جان جينية أعظم منه شخصيا، حيث جعله قديسا وشهيدا، وفي ذلك ما يؤكد العلاقة الطردية بين كثافة اليتم والعبقرية، فلا شك أن مأساوية حياة جان جينية جعلت نسبة كيمياء الدماغ المتدفقة في ذهنه أعظم من تلك التي كانت تتدفق في ذهن سارتر، وعليه امتلك صفات وسمات وقدرات هي اقرب إلى صفات وسمات وقدرات القديسين من ناحية، لكنها وكنتيجة لمأساوية طفولته وسوداويتها وغياب القدوة الحسنة والبرمجة العقلية والرعاية والمساندة الاجتماعية التي تلجم نوازع الشر في الإنسان جعلته ينزع إلى الجنوح والشذوذ أيضا ومن ثم وفي وقت لاحق إلى العمل الثوري بعد أن فشل في تدمير ذاته.

أما فيما يتعلق بقول اسعد "أن جان جينيه لم يختر عالم الشر وإنما دفع إليه بعنف وقوة من الخارج" ففي تصوري أنها محاولة لإلقاء المسؤولية على المجتمع بشكل كامل وهو محق في ذلك حتما من عدة جوانب، حيث فشل المجتمع في توفير ما يحتاجه مثل هذا اللقيط اليتيم المشرد البائس من نظام دعم ومساندة وكفالة ورعاية لمساعدته في النمو بصورة سوية، ومن ناحية أخرى لم توفر له ظروف ولادته أي قدوة حسنة بل أن المجتمع عامله بفظاظة وقسوة تجعله ينزع للشذوذ حتى في ظل نظام مساندة قوي، ولكن الأهم من ذلك هو ما يبدو واضحا بأن الخير كله والشر كله عبارة عن صفات متأصلة وكامنة في ذهن الإنسان وهي تتفعل وتصبح جزء من سلوكيات الفرد مع زيادة حدة كيمياء الدماغ والطاقة المتولدة عنها، وتبرز وتخرج إلى العلن على شكل سلوكيات شاذة في حالة غياب التأهيل والكفالة والرعاية والقدوة الحسنة والبرمجة العقلية التي تلجم مثل هذه النوازع الشريرة.

وبخصوص تفسير اسعد "أن الغضب عند جان جينيه هو إحدى العلامات الموحية بعقدة النقص والإحساس بالدونية " فهو خطأ أيضا فالغضب هو مؤشر لوجود ذلك الدفق الهائل من الطاقة الناتجة عن دفق هائل لكيمياء الدماغ، والذي يعطي الإنسان شعورا بالعظمة، والإحساس بتضخم الذات والانا، بحيث يصبح قادراً على أن يرى بمنظار مكبر وبصره حديد، ولا يكاد يشاركه فيما يرى احد سوى القلة القليلة ربما الذين عملت أدمغتهم بمستويات أعلى كنتيجة لدفق كيماوي مشابه في أدمغتهم، ومن هنا يأتي ذلك الشعور بالوحدة والانقطاع عن الآخرين ويتولد الغضب كلما زاد اغتراب الشخص عن محيطه.

فالغضب ليس شعور بالدونية حتما وإنما مصدره فقدان التواصل وشعور عارم بالوحدة والغربة والكآبة كنتيجة لوجود الشخص أمثال جان جينيه في مرتبة وعي أعلى من حيث الفهم والاستيعاب والرؤيا والإحساس بما يدور حوله، وهذا الشعور هو أيضا نفس مصدر الدافع الثوري الذي يجعل البعض يسعون للثورة على السائد والمألوف والظلم والاضطهاد. ولذلك نجد كما يقول اسعد بأن جان جينيه ناصر القضية الجزائرية والفلسطينية بل حارب إلى جانب الفلسطينيين وأعجب ببسالة الفدائيين وكتب عنهم وعن مذابح صبرا وشتيلا وليس غريبا أن يكون أكثر ما جذبه إلى الفلسطينيين تحولهم من منفيين ولاجئين إلى ثوريين، وذلك هو نفس السبب الذي جعله يؤيد حتما حركات التحرر في العالم اجمع.

وخلاصة القول ،،
لا شك ان هناك عدد هائل من الاستنتاجات التي يمكن استنباطها من حياة ومخرجات عقل هذا المبدع العبقري الشاذ منها :
- الابداع، والعبقرية، والقيادة الفذة، والجنون، والشذوذ، والانتحار، والعدوانيه كلها مُحَصِلة لكيمياء الدماغ.

- يتيم + رعاية، كفالة، تأهيل = عبقرية وابداع
- يتيم + إهمال، ظلم، تجهيل = جنوح، وشذوذ، وجنون وتدمير

يتبع،،
ملاحظة هامة : جميع الحقوق محفوظة للمؤلف.


قديم 01-19-2011, 02:58 PM
المشاركة 2
عمر مسلط
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
... قراءة منطقية علمية ...

... تحليل أنسيابي متناغم لشخصية عبقرية ...

...ورؤية إستنتاجية ... لمعاناة إنسانية ...


ملاحظتي / إن سَمحت لي :

هناك إمكانية للإختصار ، فالفكرة الرئيسية تكررت كثيراً خلال الموضوع ...

... أخي / أيوب

أشكرك على هذا الجهد الرائع الذي قمت به ...

آملاً أن تتقبل تقديري واحترامي ...

سَيدَتي ... أجمَلُ الوَرد .. هُو الذي تُغطيه الأوراق !
قديم 01-19-2011, 03:47 PM
المشاركة 3
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
الاستاذ عمر مسلط
كل الشكر لكم على هذا المرور الكريم


اكثر الورد عبيرا الذي تحيطه الاشواك

قديم 01-19-2011, 03:48 PM
المشاركة 4
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
مقولة ساخنه :
الابداع، والعبقرية، والقيادة الفذة، والجنون، والشذوذ، والانتحار، والعدوانيه كلها مُحَصِلة لكيمياء الدماغ.

مقولة ساخنه :
- يتيم + رعاية، كفالة، تأهيل = عبقرية وابداع
- يتيم + إهمال، ظلم، تجهيل = جنوح، وشذوذ، وجنون، وتدمير

قديم 07-19-2012, 07:21 PM
المشاركة 5
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
سيكولوجية الايتام على الرابط ادناه:

http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=1288

قديم 02-22-2013, 02:40 PM
المشاركة 6
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
هنا شرح لللآلية التي يتم فيها تفعيل وكر الشيطان، كما جاء في الاكتشاف العلمي للطبيب الالماني عن وكر الشيطان.

قديم 09-18-2016, 10:49 AM
المشاركة 7
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
مقولة ساخنه :
الابداع، والعبقرية، والقيادة الفذة، والجنون، والشذوذ، والانتحار، والعدوانيه كلها مُحَصِلة لكيمياء الدماغ.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: العبقرية والشذوذ محصلة لكيمياء الدماغ: أ وارق ساخنة (12 )
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أسطورة العشرة بالمئة من قدرة الدماغ أ محمد احمد منبر ذاكرة الأمكنة والحضارات والأساطير 2 11-01-2022 06:01 AM
صفعه ساخنة عبدالعزيز صلاح الظاهري منبر القصص والروايات والمسرح . 2 09-30-2020 07:39 PM
كيمياء الدماغ : الثورة العلمية الحديثة والإيمان - كتاب د. خالص جلبي ايوب صابر منبر رواق الكُتب. 20 01-10-2012 01:44 PM
ليلة ساخنة أميمة البدري منبر القصص والروايات والمسرح . 14 08-30-2011 10:21 PM
حكم الجماع في نهار رمضان : عبدالسلام حمزة منبر الحوارات الثقافية العامة 4 08-14-2010 12:58 AM

الساعة الآن 12:29 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.