احصائيات

الردود
6

المشاهدات
6137
 
طارق الأحمدي
أديــب وقاص تونسي

طارق الأحمدي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
853

+التقييم
0.14

تاريخ التسجيل
Apr 2007

الاقامة

رقم العضوية
3325
08-07-2010, 08:14 PM
المشاركة 1
08-07-2010, 08:14 PM
المشاركة 1
افتراضي رد: حكايات من ضيعتنا


1- صباحات ضيعتنا
قال جبران:

"اسكت يا قلبي , اسكت حتى الصباح, فمن يترقب الصباح صابرا يلاقي الصباح قويا. ومن يهوىالنور فالنور يهواه.
اسكت يا قلبي واسمعني متكلما"
ونحن لن نسكت عند بوغالشمس لأننا سنذهب في رحلة جديدة مع الكاتبة ريم لتحدثنا عن صباحات ضيعتهم.
وقدبدأت بوضع القارىء في الإطار العام للقرية, وفعلا ستكون الرؤية أجمل وأوضح معانتشار ضوء الصباح وحين " يبدأ النور بالتسلل رويدا رويدا"
إلى أين؟
" إلىبساتين القرية و حواكيرها" ولما تصل أشعة الشمس إلى البركة التي أنهت صلاتها تكونبيوت القرية قد نفضت عنها نعاس الليل وسار أهلها إلى حيث ينبشون عيش العائلة وقدارتدوا صباح القرية الندي المشبع بالطهر.
وكلما زادت الشمس في الارتفاع وكلمازاد ضياؤها " تظهر ذوائب الأشجار في البساتين" وتتنفس البيوت الطينية وكأن الطبيعةقد نفخت فيها الروح فاستشعر ساكنها " تنفسها،حركاتها و سكناتها"
وكما استفاقتالطبيعة وتنفست البيوت تتحرك النسوة ليعلمننا أنهن جند الضيعة اللاتي لولاهن لماكان للعيش فيها طيب ولينبهننا لدورهن الهام والمهم في استمرار الحياة . كيف لا ؟وهن من " يحملن قففا من العجين المتخمر طوال الليل" وهن من يعددن " صحون الزيت والزعتر و الجبن القريش و الشاي".
كيف لا وهن من يبعثن الحياة من جديد كل صباحللضيعة فينفخنا في التنور لتستمر الحياة ويأكل كل " كل الفلاحين و النساء والأطفال".
وليكون صباح الضيعة مغايرا لليوم الذي انقضى, ولتتجدد الحياة من جديدفلابد من " حكايات الجدات و العمات و الخالات" ولابد أن " ترتحل في عالم الأساطيرالمنسوجة بخيالهن ".
وحين تستوي الشمس على كتف السماء وترفل الضيعة في الضياءووسط رائحة الخبز الطازج تكون الحياة قد دبت حثيثة بين مفاصل القرية فينتشي الطريقبغناء النسوة .
ولأن الكاتبة ضليعة بمجاهل الضيعة فهي تعود بنا إلى زمن صباهاوتقلنا قطار الذكريات لنستمتع أكثر وأكثر ولتغرقنا في جمال الطبيعة وفي دروبالبساتين لنكتشف معها " العالم في لحظة ولادة" ولنتورط معها فيما بعد ونجني من وراءالرحلة اللوم والعتاب من الأهل , لكنه لوم " لا يمنعنا من تناول فطورنا بنهم وتلذذ".
وبعد اللوم نعود من جديد لننعم صدفة مع أهل الضيعة بعرس أحد شبابها .. ولأن " القرية كلها من عائلة و احدة" فلم يمانعوا حضورنا لنستنشق بعضا من فرح غيرمخلوط بفخامات المدن...
وقد وصلتنا الفرحة فعلا لما كان هذا" الصباح مترعا حتىالثمالة بزغاريد النساء و هن في دربهن إلى بيت العرس و تعتلي رؤوسهن صواني من الأرزالنيء الأبيض و قد زينت الصواني بالورود و الفواكه"
ولك أن تتخيل هنا السعادةالتي صُبِغت بها القرية .. لن يعم الفرح سكانها فقط بل حملتها لنا طيورهاوحيواناتها وبيوت الطين التي استعدت لهذا الفرح فاغتسلت بماء المطر وتعطرت لما تنفسطينها .
ولك أن تتخيل كرم أهل الريف في الأفراح لأن " احتفال العرس وليمة" .
فإن شئت فاغنم بعضا من وقتك واحضر صباحا من صباحات الضيعة علك تلاقي مااعترضنا من فرحة وكرم قبل أن ينطلق هذا الصباح الجديد في طرقات القرية" تماما كطفلصغير اشتروا له دراجة جديدة" وتصل متأخرا ...
لا .. لاتحزن
إن وصلت متأخراوفاتك صباح الضيعة فأكيد أنك ستلاقي مساءها...
وإن أردت أن تعرف أكثر فزر مساءاتضيعتنا لتنعم أكثر بالجديد.


وكما انطلقت صباحات ضيعتنا في الزمن لتكملدورتها وتعود من جديد أجد نفسي أمام هذا الجمع الكبير من نساء القرية وهن يطلقنالزغاريد في طريقهن لبيت العروس.
أستأذن لأني سأقف لأملي العين بهذا الجمالالطبيعي واعذروني لأني خبأت قلمي وأخرجت عدستي لألتقط بعضا من صور الطبيعة هناأحملها معي كذكرى.





قديم 08-07-2010, 08:15 PM
المشاركة 2
طارق الأحمدي
أديــب وقاص تونسي
  • غير موجود
افتراضي رد: حكايات من ضيعتنا

2- مساءات ضيعتنا

سأحكي عن مساءاتضيعتنا.
أولا: العنوان :" مساءاتضيعتنا" ومن خلاله نفهم أننا سنقف أمام أحداث تقع في المساء وفيالضيعة.
وقد وفّقت في اختيارالعنوان لأنه فعلا اختزل جميع الأحداث.
ثانيا:
يبدأ النسقالبطيء للحكاية - القصة - ليضعنا في الإطار الصحيح الذي من خلاله سنحدد إطار التخيلوالسير مع الأحداث.
وأول ما نعلمهأن الحدث سيكون ليلا وذلك لما " يأتي المساء" . ثم تهيؤنا الكاتبة أن المكان قصيبعض الشيء بعيد عن مقومات الحضارة الزائفة. وأهم شيء , وأرى الكاتبة أبدعت فيانتقائه لما حدثتنا عن النسوة ينظفن " قناديل الزيت" وهو ما سيمحو من فكر أي متقبلإمكانية انتظار خبر من التلفاز أو الاستماع لأغنية يمكن أن تشوش فكر السامع / القارئ.. فقط ستنحصر الفكرة عما يمكن أن يأتيه من شخوص القصة منأحداث.
وهنا تكمن الخطورة في عالمالقصّ.
فإما أن تلتهم السطور لتعرفبقية الحكاية , أو تنفرك الأحداث وتتقهقر إلى الخلف وترمي ببقيةالحكاية.
وهذا راجع لقدرة القاص فيتحريك أبطال قصته وإضفاء بعض من روحه فيهم حتى يستطيعون إقناعنا أننا أمام أرواحتنقل بعضا من مشاعرنا وما يمكن أن يتركنا نرهف السمع لهم.
وليبرز الفرق بين القاص العادي والقاص الذي يمتلك أدواتالقص فقد زادت ريم بدرالدين في الخصوصية إلى درجة أنها حصرت القارئء واستدرجته إلىمكان الأحداث دون تكلف لما تحدثت عن غياب الشمس و " اختفاء البساتينوالطريق"..
فماذا ننتظر من الضيعةوالشارع؟
لاشيء.
إذن الأحداثستكون في الداخل.. في أحد البيوت.
وقد استطاعت ريم بدرالدين أن تقسّم الأدوار بين شخصيات قصتها حتى لايقلق القارئ.
ولنبدأ من القسمالأول.
هنا ومن حيث لا تشعر .وهوحسّ واقعي بعيد عن التكلف قدّمت "العالم الذكوري ", وهذا ليس قدحا في المرأة أوانتقاصا من مرتبتها, ولكنه غوص الكاتب في أعماق ذاكرته لاستخراج مكنوناتها دون تكلفودون التوقف للتفكير بمن سيبدأ.
وفي مجلس الرجال نقلت لنا سهرة رجالية شرقية بحتة بعيدة عن الضغينةومشاكل العالم ومناوشات الحقل و.....
ثم سبرت أغوارهم حتى صاروا صفحة مكتوبة يمكن أن تقرأها دون أن تخبرك هيبذلك.
القسمالثاني:
نقلت ريم بدرالدين, وبكلأمانة ودن تحيز منها لعالم الأنثى بساطة المرأة الريفية ,إن لم نقلسذاجتها.
فهي ترضى بالبقاء وحيدةمع إمكانية تعرضها للخطر في حين يبيت زوجها مع امرأتهالثانية.
وهي تعتقد بعالم الخرافة, بل وتؤمن به.
وهي تخاف زوجهاالساهر في الجزء الآخر من البيت وتطلب الوساطة ليغفر لهاسهرتها.
القسمالثالث:
لم تنس ريم بدرالدين أنتحدثنا عن متطلبات السهرة ومقوماتها فذكرت ما يمكن أن تبدع فيه المرأةالشرقية.
الخلاصة:
قصة بسيطة منحيث الفكرة حيث أنها نقلت جزءا من حياة يومية
لكنها عميقة من حيث ترابط الأحداث وقوة السرد وتصوير الشخصيات وإنزالهمبكل التفاصيل حتى إنك تشعر بتواجدك في المكان دون أن تكلف نفسك عناءالسفر.
وبعيدا عن التكلف لم أجد ماأعيبه على هذه القصة.
فهي متكاملةمن حيث اللغة والبناء.


قديم 08-07-2010, 08:16 PM
المشاركة 3
طارق الأحمدي
أديــب وقاص تونسي
  • غير موجود
افتراضي رد: حكايات من ضيعتنا

3- بساتين ضيعتنا صيفا

ترسم ريم بدرالدين مدخلا واضحا وصريحا لقصتها,بعد أن تؤثثالطريق لنا للانطلاق معها في هذه الرحلة, فتؤكد لنا أن قريتها " ليست أجملهن" و" ليست أكبرهن" و " ليست الوحيدة"...
وهذا نوع من التأثيث المبدئي للقصة يظهر مصداقية الكاتبةفي السرد ,حيث راوحت بين حقيقة القرية ومشاعرها الخاصة نحوها, فهي " الأجمل" برأيها, وهي " ترى العالم من خلالها".
وتبدأ الرحلة.
من أين تبدأ الرحلة؟
تنطلق من تأطير مميز للحظة, ووصف مسهب لطبيعةالمكان.
والجدير بالنظر أن الكاتبة رغم أنها تنوي التحدث عن الضيعةصيفا, إلا أنها لا تنسى السير بنا رويدا رويدا حتى لا نقع مباشرة على الغاية فتنتفيمعظم تفاصيل القصة.
البساتين ليست أثاثا, إنها امتداد للحياة, والحياةلا تنتهي, بل تتجدد في كل فصل, وهنا استطاعت الكاتبة أن تضع اصبعها على هذه الحقيقةفتدرجت بنا من فصل الشتاء, فصل السبات والنوم, ولتبرز لنا تميز ضيعتها فقد أخبرتناأن " بساتين قريتي حافلة عامرة في كل الفصول".
عجبا...
كيف تبقى البساتين نابضة بالحياة في فصلالشتاء؟
وتجيبنا ريم بدرالدين:
" حتى في فصل الاختباء والتواري..العواصف والأمطار هناكتحت التربة حياة سرية نشيطة:
كيف يا ريم تحدثينا عن حياة في فصلالموات؟
ولا تتردد الكاتبة فيالإجابة:
" لو قيّض لك أن تضع أذنك على التربة لربما سمعت أصواتاوطقطقة واهتزازات".
انظر معي كيف تتلاعب الكاتبة هنا بالكلمة لتنقلنا من حيثلا نشعر بهوة الانتقال إلى فصل آخر في ضيعتها.
إنه فصل الربيع.
فبعد " أن تتغلغل" مياه الأمطار "في عمق الأرض" سيكون هناك " إيذان بمقدم من لا يحتاج إذنا" "إنه الربيع" .
والربيع هو زمن الميلاد والانعتاق نحوالحياة.
ولأن الكاتبة تمتلك القدرة على النسج فقد اختارت الوقتالمناسب الذي تظهر فيه شخصيات قصتها, وكأنهم كانوا في سبات معالضيعة.
ومتى " يأتي مع الربيع .... زهرة المشمش وزهرة الدراقوزهرة التفاح" "يفرح الجميع".
فرحة بالمولود الجديد ,أزهار المشمش التي تحمل في أحشائهاالثمرة, الرابط بين أهل الضيعة والحياة.
وماذا بقي الآن؟
أظن أن الكاتبة قد وفّقت حين أخذتنا معها في هذهالرحلة.
نعم لم تنشر جميع أوراقها بل احتفظت بالأهم لحين موسمالقطاف.
إنه فصل الصيف.
ولكي لا تربكنا بين الفصول فقد انتقلت مباشرة إلى ماتريدنا أن عرفه, فنجدها وكأنها تعتذر للربيع لأنها لن تتوقف عنده كثيرا فـ " هذاالتداخل بين الربيع والصيف لا يترك مجالا لتفكر أيهما تحبأكثر".
"ويبدأ أوان القطاف" .
وهنا ندخل مع الكاتبة فصلا آخر يمتزج فيه الإنسانبالطبيعة, ويأتي دوره ليجني تعبه مع الأرض,فينطلق موسم الجني فتعجّ البساتين " بالعمال والعاملات يقطفون الثمرة اللذيذة".
ويمتزج العرق مع تربة الأرض وغلال الأشجار فنتخيل لوحةزاهية لفنان انطباعي يعمل ريشته في كل ماهو جميل وكل ماهوزاه.
ثم تدخل الكاتبة عنصر الخصوصية حين تنتقي لنا بعض الشخوصالفاعلين في البستان لتصفهم لنا, ونحن من خلالهم نتعرف على جميعالأهل.
العم أبو خالد رمز المتجذر في أرضه , والعم أبو علي رمزالكرم والعطاء, والعم أبوعلي الذي زاد فقسم حقله وترك ممشى ترابي لـ " يحلوللمتنزهين من أهل المدينة أن يحطوا رحالهم".
هذا كله في بساتينالضيعة.
ورغم أن الكاتبة تعشق قريتها إلا أنها لم تصل حد النرجسيةبل استطاعت أن تبرز لنا جانبا آخر من الجمال, ولكن هذه المرة للقريةالمجاورة.
كيف ذلك؟
كيف تستطيع أن تنتقل من وصف قريتها إلى وصف القريةالمجاورة؟
هنا أوجدت حبكة ذكية فقد هامت مع صديقات لها حتى وصلن حدودالقرية المجاورة , وهناك وجدوا مفاجأة .
كنّ في بساتين المشمش حيث اللون الذهبي وإذ بهنّ يكتشفناللون الأحمر, لون الفراولة .
ماذا تقصد الكاتبةبهذا؟
إنها تعلمنا أن قريتها والقرى الملاصقة تتميز كل منهابمنتوجها الخاص..بعبارة أخرى أن الأرض خصبة وأن العطاءكثير.
وكما بدأت الكاتبة برحلة هادئة أنهتها بعودة أجمل على عربةالعم " أبو ابراهيم"التي تركتها تنظر بكل هدوء إلى جمال الطبيعة وتسترجع " أرواح كلمن عشق هذا الجمال".
وتختم ريم بدرالدين بـ "موسيقى الصمت الجميل" ويالها منموسيقى ويا لها من خاتمة رائعة كانت الأجمل حين توقفت الكلمات , توقف الحرف, توقفالحديث, وأصبح " الكلام نافلة" ..
وماهو الفرض إذن؟
" الفرض هو الصمت".
الصمت الذي ستختزن من خلاله صور أخرى ربما تكون أجملوأعمق.
وربما تكون أكثر ذوبانا في " شتاء ضيعتنا".


قديم 08-07-2010, 08:17 PM
المشاركة 4
طارق الأحمدي
أديــب وقاص تونسي
  • غير موجود
افتراضي رد: حكايات من ضيعتنا
4- شتاء ضيعتنا

تبدأ الحكاية هذه المرة من منعرج آخر مخالف للمسلكالأول.
تبدأ بنهايةالصيف.
بشهرآب.
وقد تفننت الكاتبة في وصفه, فهو شهر "اللهاب", وكأن لهب الشمس تقوقع في أيامه ليودع صيف الضيعة. وهو " طباخالعنب والتين", وكأن الكاتبة تنبّهنا إلى أن ضيعتها لا تقتصر على إنتاج المشمش فقط, بل هي جنة للفواكه والغلال, تأخذ إربها من كل فصل وتعطي حارثها إنتاجها مع كلانقلاب صيفي أو شتوي.
ثم تمرّريم بدرالدين لتهيأنا لفصل جديد ندخله معها للضيعة, فتأخذ بأيدينا لتبعدنا عن أيامشهر آب لنشمّ معها "روائح الشتاء "المتناثرة في هذا الشهر.
ويبدأ فصل جديد من الحكاية.
إنه شتاء الضيعة.
إنه المارد الذي يهجم بجنده, فيتقوقع الجميع.
حتى الغلال ترهب هذا الزائر فـ" يستحيل العنب خلاّ...أوزبيبا" ويفزع التين ويتخلص من كنهه ليمسي " مربّى".
وأجد هنا أن الكاتبة على قدر كبير من الدراية بجزئياتالضيعة حتى أنها ستضعنا أمام معادلة رائعة نستشفّ من خلالها قدرتها على التلاعببالكلمة وتطويع الحرف الذي يأخذنا معه كيفما شاء.
هذه المعادلة تبرز في إنشاء صورتين مختلفتين تماما منحيث الكنه,ومتلازمتين من حيث حبّ الوجود والتمسك بتلابيبالحياة.
أتريد أن تعرف معيماهية هاتين الصورتين؟
تعالىوانظر كيف راوحت ريم بدرالدين بين الموجود الذي ينتظر الوجود, وبين الموجود الذييسعى لتأثيث وجوده وتجديده في كل لحظة.
فتبدأ الصورة الأولى في نقل احتضار الطبيعة في فصلالشتاء.
فالفاكهة التي كانتنظرة, تتباهى بألوانها على الأغصان وتستعجل قاطفها قد انكمشت وساحت مع آخر أيام شهرآب لترمي بجميع مفاتنها وتتخلى عن كل جميل فيها وترفع الراية البيضاء وتعلن هزيمتهاللشتاء القادم, قد انكمشت داخل القوارير واستجارت بـ " أرفف بيت المؤونة" خوفا منهذا القادم, ومستمدة الأمان من الداخلفاصطفت " بزهوّوخيلاء".
والأشجار قد خلعت " ملابسها" ووقفت عارية تناجي الله أن يقوّي من ضعفها وتسترحمه أن يهبها " الماءالزلال" لتغسل بقاياها وتنام تحت وطأة تهديد الشتاء بعد أن تختزن جذورها ما يكفيهاللحياة حتى ربيع آخر.
أماالصورة الثانية, وهي الأهم, فهي النقلة النوعية التي أوجدتها الكاتبة لتحمينا نحنكذلك من مارد الشتاء وتحملنا إلى الداخل, إلى ماوراء الجدران, لنكتشف عالما جديدالم نره, بل لم نكتشفه في صيف الضيعة.
من هنا, من داخل البيوت تنشر الكاتبة صورا جديدة لحياةجديدة.
وقبل الاستقبال " تبدأالنساء بإعداد البيوت" استعدادا لاستقبال الزائر الثقيل.
نعم. زائر ثقيل.
فالزائر المرحّب به يدقّ الباب, وهذا القادم " يقرع الأبوابّ, وكأنهيقتحم المكان عنوة, شاء من شاء وأبى من أبى.
فكيف يجابهه أهل الضيعة؟
إن حاولوا طرده فهذا هو المستحيل, وإن هربوا فتلك قمةالاستسلام.
ولم يدم التساؤلكثيرا فقد أخذت عنا الكاتبة المبادرة - وهي العليمة بأهل الضيعة - وأراحتنا منالسؤال.
لقد جابهوا الشتاءبثروة الغابة بـ "الحطب", وبالمدفأة التي صارت عزيزة في هذا الوقت بعد أن أهملت " لشهور في عتمة السقيفة".
ماأقساك يا إنسان.
ولتزيد الكاتبةمن شدنا إلى ضيعتها والسؤال عن أهلها تذكرنا أن " فصل الشتاء قارس جدا", حتى أنالجبل المشرف على القرية لقّبوه " بجبل الشيخ" لأن الثلج يغطي قممه فيجعله كشيخأسطوري تمتد لحيته البيضاء لتزيده وقارا, وتجعل منه حكيم القرية وحاميها, وباعثالاطمئنان في نفوس السكان.
وأمام هذا الزخم المتراكم من سواد الشتاء وصلصلة سيوفه وشراسة جنودهوحمحمة خيوله تغلق الأبواب وترتفع الأسوار ويهدأ أهل الضيعة من وراءالأبواب.
ولِمَ لا؟ "ومدفأةالحطب يبدأ أوارها مع أول مطرة ويظهر فوقها إبريق شاي واحد لإعداد الشاي والآخرللتزود بالماء الساخن طيلة النهار".
الله..الله..
ماأحلى هذه الحياة وسط الدفء وبين الأهل,وبعيدا عن التعب.
ولكن...
إلى متى؟
يوم..يومان...
إنه الشتاء يا صديقي.
وقد تنبّهت الكاتبة لهذه النقطة فقالت:
" الملل يفرد قلوعه".
لماذا؟
لأن من ولد بين الزرع والحرث والحصاد, وبين البذر والتقليم والتهيئةوالقطاف, لايقدر مع هذا الوقت الفارغ المتراكم على الصدور.
إنه إنسان..ليس شجرا.
الشجر قد نام ينتظر الربيع.
وإنسان الضيعة إلى متى ينام؟
غنه عرق نابض بالنشاط, بالحياة. ومتى خبا هذا النبضيموت إنسان الضيعة.
وحتى لو " ذخر بيت المؤونة بأنواع مختلفة من المربيات...وكل أنواع الزيتون, والأجبانوالقمح....".
وحتى لو ادخرتالنساء " الحكايا لترويها في الأمسيات لتزيح بعضا منالرتابة".
إنه الإنسان ياصديقي.
وإنسانمن؟
إنسان الضيعة الذي إن توقّفمات.
وقد أبدعت ريم بدرالدين فيآخر القصة عندما فطنت بفطرة الكاتب المحترف إلى أنها لابد أن تعطي متنفسا لهذاالإنسان كي يجدد حياته من جديد, أن يتحرك مرة أخرى ليسري دم الحياة فيعروقه.
فأوجدت له مخرجا منمنفاه لما " تتوقف الأمطار أو الثلوج ليوم أو يومين" فـ " يسارع الرجال إلىالحقول...لاخذ طاقة من حرية" و " تأخذ النساء فرصة" لـ " يتزودن بالحكايا والقصصلأيام احتباس مقبلة".
ألم أقللك أنه الإنسان؟
ألم أخبرك أنالكاتبة أنشأت صورتين مختلفتين تماما؟
ألم تر معي كيف استكانت الأشجار وسلّمت بقدرها ونامت, ورفض الإنسانجبروت الطاغية - الشتاء - ولم يستسلم,وبقي يتحيّن الفرصة ليجدد حياته في كللحظة.
ألم أخبرك أن ريمبدرالدين تمتلك الأدوات اللازمة لتجعل منا متقبّلين من الدرجةالأولى.
وإلى حين " بزوغ الشمسفي الأفق الشرقي من القرية" في " صباحات ضيعتنا" ننسحب بكل هدوء لينعم أهل الضيعة بمدفأة الحطب وينتظرون صباحا يجددون من خلاله حياتهم.


قديم 09-02-2010, 12:11 PM
المشاركة 5
احمد ماضي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي

الرائع طارق الاحمدي

اسعدني جدا

هذا الحضور المتميز

وامتعني جدا ما نثرت

رائع انت

وانتظر جديدك هنا

بشوق عاشق

تقبل الود




لا سواكِ يكبلني بالحُب

قديم 08-27-2014, 01:48 PM
المشاركة 6
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
يبدو ان هذه القصص لم تأخذ حقها في الاطلاع والقراءة، فالاستاذ طارق كاتب متميز.

قديم 10-22-2014, 12:55 PM
المشاركة 7
مها مطر مطر
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
روعه القصص سلمت يداك


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: حكايات من ضيعتنا /قراءة طارق الاحمدي
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
حكايات من ضيعتنا ريم بدر الدين منبر القصص والروايات والمسرح . 28 09-26-2021 04:11 PM
دراسة ( السم بالدسم ) - قراءة فى فكر اللعين لافين - الكاتب / طارق فايز العجاوى طارق فايز العجاوى منبر الآداب العالمية. 2 12-06-2012 07:29 AM
قراءة د. زياد الحكيم ل " شخصيات من ضيعتنا" ريم بدر الدين منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 3 10-05-2010 01:08 AM
قراءة د. زياد الحكيم ل " شخصيات من ضيعتنا" ريم بدر الدين منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 0 08-11-2010 12:22 AM

الساعة الآن 05:39 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.