احصائيات

الردود
2

المشاهدات
1438
 
غادة باكير
من آل منابر ثقافية

غادة باكير is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
6

+التقييم
0.00

تاريخ التسجيل
Mar 2013

الاقامة

رقم العضوية
12026
03-14-2020, 09:20 PM
المشاركة 1
03-14-2020, 09:20 PM
المشاركة 1
افتراضي وطن في حقيبة
وطن في حقيبة
على نوافذ السيارة تسيل قطرات المطر, لترسم خطوط متعرجة وفوضوية ,تروي أحوال الآلاف من السيارات المتدفقة على طرق المجهول ,والتي تتزاحم كملايين الأفكار في رأسها الآن هاربة من أصوات الطائرات وتتار العصر الحديث.
كم شاهدت في السنوات السابقة سيارات للنازحين ,يحملون بها القليل من أمتعتهم والكثير من الذكريات والدموع ,وكانت تخشى فكرة أن يأتي يوم تعيش فيه نفس معاناتهم , حين تصبح مضطرة لمغادرة منزلها
تلك اللحظة في العمر موجعة , ما قبلها لا يشبه ما بعدها , تتنقل العيون بين زوايا المنزل , ويبدأ سيل الأسئلة
ماهو المهم لاصطحابه في رحلة التهجير وماهي الأشياء التي يمكن الاستغناء عنها ؟
لتكتشف أن كل شيء له قيمة وذكرى وأهمية ولا يمكن الاستغناء عنه , ويلح السؤال القاتل عليها , كيف يمكنك أن تختزل وطن وذكريات وماض طويل في حقيبة ؟
كان أول ما فكرت باصطحابه مكتبتها وألة العود ,وكأنها تحاول أن تحتفظ بجزء من ذاكرتها ونفسها , فهي تدرك أنها لن تشبه روحها التي كانت قبل التهجير
فبعض التواريخ تتحول إلى ندبة في الروح ,لا يزول وجعها ولا يختفي أثرها مهما طال الزمن
27/1/2020 هو تلك الندبة المشوهة التي ارتسمت على قلبها , تصدر أنيناً لا يخفى على ملامح وجهها , حين حملت القليل من أثاث منزلها وحاجياتها لتغدادر مدينتها في ساعات الصباح الأولى , يرافقها البرد وغصة بالروح لا يمكن توصيفها
كانت السيارات المتزاحمة تتوقف على حواجز التفتيش المنتشرة على امتداد الطريق من الريف الشرقي والشمالي لإدلب باتجاه الحدود التركية , كل سيارة تروي فصلاً لمعاناة أجساد غادرت منازلها تاركة أرواحها معلقة هناك على أشجار زيتون بقيت وحيدة في مهب القصف والموت .
راقبت من خلف زجاج سيارتها تلك الوجوه المتعبة والعيون الغارقة في دموع لا تنضب وكأنها تذرف بقايا أرواح تتجه نحو المجهول ويسيطر سؤال واحد على المدى المفتوح إلى أين نذهب؟
لا أحد يعرف إلى أين سيوصلهم هذا الطريق ,فأغلبية الناس خرجت لا تعرف وجهتها , ولا تملك مأوى ,ولا تعلم ما تحمله اللحظات القادمة, فالطائرات الروسية ما زالت تطارد سيارات النازحين وتستهدفهم ,فجأة تصبح إحدى السيارات فريسة القصف , فتتحول إلى كتلة من نار تنبعث منها روائح الموت وتتفحم الأجساد الهاربة منه, وتزيد السرعة من الحوادث المرورية ,مما يجعل الموت هو الصوت الأقوى في المكان مع صراخ الأطفال والنساء ,وتلك الدعوات المخنوقة في صدور المسنين اللذين لا يفقهون سبب تلك الحروب وموتهم المجاني
تحاول أن تجمع شتات روحها, وتواسي نفسها أن ما تقاسيه من ألم سبق وعاينته بين المخيمات التي كانت تزورها بحكم عملها ,فكم استمعت لمعاناة الناس ,وشاهدت دموع نساء هجرن من منازلهن وفقدن أزواجاً أو أولاد ليرحلن مع معاناتهن التي لا تنتهي إلى خيم أصبحت بالية بعد مرور سنوات التهجير, كما أصبح حلم العودة بالياً ومهترئاً ,بعد مرور سنوات طويلة على التهجير.
كان البرد قارساً. والسيارة تتعارك مع المطرالغزير, فتتحرك الممسحة لتزيل قطراته المنهمرة على الزجاج, لتعود القطرات من جديد تعاندها وتحجب الرؤية, وكأنها ترسم لها صورة لما هو آت من قهر, ستسعى لازاحته لكنه سيصر على ملازمتها.
داخل السيارة كانوا عشرة أشخاص من عائلتها ,وصوت البكاء المكتوم هو المسيطر على الجميع , مع نظرات شاردة تراقب الطريق الذي لا يريد أن ينتهي ,وكأنه فوهة موت تبتلع كل الماضي والذكريات وتفتح على مرحلة جديدة لا أحد يدرك صورتها القادمة لكن الكل يدرك قتامتها.
في الشاحنة الكبيرة التي أمامها ,كانت هنالك طفلة صغيرة , تتأمل السيارات وتمسح المطر الذي يصفع وجهها الصغير وبين الفينة والأخرى تنفخ على كفيها المحمرتين من البرد , تحولت في نظرها هذه الطفلة إلى لوحة لبلدة يتيمة تاهت على طرقات المجهول , وتساءلت ترى ما اسمها ؟وكم عمرها ؟وما كان حلمها ؟ قبل أن تصحو على كابوس التهجير, تمنت لو تستطيع أن تضم هذه الطفلة لتمنحها القليل من الدفء والأمان , وتستمد منها القليل من الأمل والبراءة وسط وحشية ما يجري من قتل وتهجير, أي جريمة ارتكبناها حين هتفنا للحرية حتى نقابل بكل هذا الإاجرام؟
بعد مضي أكثر من عشرساعات ,كانت السيارات قد توزعت في طرق مختلفة ,لا يشبه أحدها الآخر فلكل سيارة معاناة جديدة ستبدأ في مكان ما ,رغم تشابه فصول المعاناة في بعض تفاصيلها.
وصلت إلى مدينة الباب في الريف الشرقي لمحافظة حلب ,كان الألم الجسدي قد أنهك كل من في السيارة من أطفال وكبار ولا يحتاجون الآن إلا لمكان يرتاحون فيه من مشقة السفرووحشة المكان
كان البرد قد تسلل للعظام واستوطن فيها ,والجوع أنهك الأطفال اللذين لا يعرفون ما سر الحقد الذي تسبب في تهجيرهم من بيوتهم ,ولكنهم حين شعروا بالدفء وبدؤوا بتناول الطعام بدأت أجسادهم الصغيرة تستعيد القليل من نشاطها, تاركين ما يجهلونه من أسئلة للغد ,فلديهم متسع من الوقت لطرح التساؤلات على الكبار, لفهم ما يجري لهم.
لم تشعر برغبة بالأكل ,واكتفت بفنجان قهوة مع سيكارة ,تتأمل دخانها المتصاعد حولها في دوائر ,تبعث في داخلها فراغ وصمت يصم أذنيها ,وبين دخانها وضجيج من حولها تتسع تلك الهوة التي تسقط فيها
ماذا بعد؟ سؤال يغرس أنيابه في تلافيف ذاكرتها ولا جواب له.
لقد اتقلبت حياتها رأساً على عقب ,تركت منزلها ومدينتها وعملها ,وخرجت إلى مستقبل ضبابي لاتستطيع الآن أن تكتشف ما يخفيه خلف ستاره الأسود.
كم سيطول التهجير؟
هل سيأتي يوم وتعود الناس إلى بيوتها؟
أين أصبحت بقية عائلتها وجيرانها وأصدقاءها و أهل مدينتها ؟ فكل منهم أخذته خطاه لمكان بعيد عن الآخر
هل ما يحدث الآن هو حقيقة أم كابوس سوف تصحومنه بعد قليل لتجد نفسها في سريرها أم أن ما تعيشه واقع مرير سيمتد أيام وشهور وربما أعوام.
كان الدفء قد بدأ يزيل وجع البرد الذي عانته على الطريق ,والانهاك أخذ منها كل قواها ,فاستسلمت لرقاد غير مستقر ولكنه نوع من الهروب ولو لدقائق ,لعلها تعانق في حلمها مدينة ما كانت ترغب بمغادرتها بهذا الشكل القسري, وهي تدرك تماماً أن جيش الأسد سيدخلها ويعيث بذاكرتها فساداً وينشر بين أزقتها روائح النهب والتدمير
لكن إلى متى سيبقى اللصوص يسبون عذرية مدينة كان الأخضر يزينها.

غادة باكير


قديم 03-15-2020, 05:53 AM
المشاركة 2
العنود العلي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: وطن في حقيبة
هو ذا الدهر ما يتنفس الظلم والقتل والفتن والذل والهوان
أمة كُتب عليها أن تعايش عصرا فيه من عجائب الوحشية البشرية
ما ينكره التاريخ .. ولا يصدقه عقل ولا يخطر على قلب بشر
قصة مؤثرة بحبكة جميلة رغم السؤال الصارخ والصعب والحزين
شكرا لكِ مع فائق التقدير

وحيدة كالقمر
قديم 03-16-2020, 10:09 PM
المشاركة 3
هيثم المري
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: وطن في حقيبة
إن الله قادر أختي غادة عن تغيير الحال إلى الأفضل والأروع
هي دنيانا العجيبة التي نلتقي فيها بالإنسان أو الشيطان البشري
فثمة بشر وجودهم نعمة لنا والبعض الآخر نقمة وشقاء وعذاب دائم
أسأل الله أن يكتب لسوريا وأهلها الطيبين كل خير وفرج قريب
تحيتي لكِ


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: وطن في حقيبة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
رواية وطن في حقيبة القلب ريم بدر الدين منبر رواق الكُتب. 6 06-27-2019 12:14 PM

الساعة الآن 12:18 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.