احصائيات

الردود
4

المشاهدات
5932
 
عيد جريس
أعـياد

عيد جريس is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
2

+التقييم
0.00

تاريخ التسجيل
Jul 2006

الاقامة

رقم العضوية
1641
10-09-2010, 09:34 PM
المشاركة 1
10-09-2010, 09:34 PM
المشاركة 1
افتراضي أين المدير؟
أين المدير؟
قصة قصيرة

دخل إلى المبنى الكبير بأقدام متعثرة تكاد تصطفق ببعضها وجسده النحيل تتهاطل منه حبات العرق، داس عتبات هذا المبنى مرات عديدة لأغراض مختلفة، حتى طبع بصماته على جدران المبنى حين يسند جسده الواهن في رحلة ارتقاء السلالم للوصول إلى الأدوار العليا.

كان يحمل بيده ورقة لا يغيرها، وقد تحولت جراء قبضته عليها مبللة تكتنفها التجاعيد، كان يقبض عليها بقوة كأنه يخشى سرقتها أو انفلاتها من يده في لحظة شروده وسرحانه نتيجة تعبه وهو يعبر ردهات المبنى الكبير.

لم يكن هناك مصعد يؤمن الراحة والسرعة للمراجعين بل لا مناص من امتطاء السلم الحلزوني المرهق وكأنه لعنة هبطت على كل من يزور هذا المبنى.

دخل كعادته وورقته المبللة الموشومة بكلمات متعثرة كخطواته لا تفارق يده، قابل في طريقة رجلا متجهما يصوب ناظريه إلى أسفل.
ألقى إليه التحية فرد الرجل بهدوء ، ثم سأله:
ـ أين أجد المدير من فضلك؟
ـ إنه في الطابق الخامس في الغرفة الأخيرة من الجهة اليمنى.

جر قدميه المتعبتين يذرع عتبات السلم وزفراته تتلاحق كأنما يستحث نفسه على المضي قدما بسرعة ، حين وصل بعد جهد إلى الطابق الخامس طفقت عيناه تدوران وقد أخذت أنفاسه تتسارع، وقع بصره على شخص قد غاص في كرسي وثير في الزاوية المقابلة للسلم، جعل يناديه حتى انتبه، ثم سأله:
ـ أين المدير؟
ـ أنا أبحث عنه أيضا!

بسبب التعب والألم الذي احتواه نسي وصف الرجل له بمكان المدير، فرجع مرة أخرى يلتهم السلم نزولا حتى أدرك الرجل قبل خروجه من المبنى فسأله:
ـ أين المدير؟
ـ ألم أصف لك مكانه منذ لحظات؟
ـ آسف يا بني لقد هدني التعب فنسيت الوصف!

أعلمه الرجل بذات الوصف مرة أخرى فانحرف باتجاه السلم يعتلي درجاته عتبة وراء أخرى وكأنه يعدها ويحصيها، ثم زفر زفرة عميقة مؤلمة وهمس:
ـ يا معين!

كان كلما اجتاز عدة عتبات يتوقف قليلا ليأخذ قسطا من الراحة ثم يواصل الصعود والعد أيضا، وصل إلى العتبة الأخيرة وجعل يلتفت يمينا وشمالا فرأى ذلك الرجل الذي يغوص في الكرسي الوثير ولا زالت علامات الحزن والكآبة لا تفارق محياه وكأنه قد فقد الأمل بعد انتظار طويل.

نحى بصره عنه وتمتم:
ـ في الغرفة الأخيرة من الجهة اليمنى.

تقدم في خطوات متئدة إلى تلك الغرفة حتى صار قبالتها فانفرجت شفتاه عن ابتسامة، طرق الباب ثم فتحه بهدوء فوقع بصره على رجل مستغرقا بقراءة صحيفة ما، اقترب منه دون أن يشعر الرجل به حتى حاذى مكتبه فسأله:
ـ أريد المدير!
رد عليه الرجل دون أن يرفع رأسه:
ـ المدير ليس هنا!
ـ ولكن لدى أوراق يجب أن تنجز!
ـ تعال غدا!

مضى وخيبة الأمل تجتاح محياه ، ذلك المحيا الذي رسمت السنون على صفحته خطوطا وعلامات تشير إلى عمره الذي تجاوز الستين بقليل.

حضر في اليوم التالي في نفس الموعد فاتجه رأسا إلى السلم بطريقة تنبئ عمن ألف شيئا بعد طول تكرار، ارتقى عتبات السلم وهو مؤمن أن هذه الرحلة لن تكون مضمونة النتائج.

حين وصل إلى الطابق المنشود كانت أنفاسه تتعالى وتنخفض بشدة ووجيب قلبه يضطرب على غير ما كان بالأمس، بحث عن الرجل الذي احتضنه الكرسي الوثير فلم يجده، استبشر خيرا وفي نفس الوقت انقبض قلبه فغياب الرجل لا يخرج عن احتمالين، فإما أنه تم إنهاء معاملته وانجازها أو أن الرجل قنط من المواعيد والمراجعة ورفع الراية البيضاء وآثر الاستسلام.

اتجه إلى غرفة سكرتير المدير ففتح الباب دون أن يطرقه فوجد الرجل كحاله بالأمس مكبا على قراءة الصحيفة، سأله:
ـ هل المدير موجود؟
ـ للأسف المدير خرج منذ قليل.
ـ ولكن لدي معاملة أريد انجازها و...
قاطعه السكرتير بحدة:
ـ قلت لك بأن المدير خرج، احضر بوقت آخر.

عصر الورقة بيده بكل ألم وحرقة حتى كادت أن تتمزق، تراجع إلى الخلف تحيط به هالات الخيبة ومضى يجر قدميه المتعبتين على غير هدى، التفت إلى الكرسي الوثير فأدرك أن غياب الرجل الذي شاهده بالأمس لن يخرج عن احتمال واحد.


بقلم : عيد جريس


قديم 10-09-2010, 10:43 PM
المشاركة 2
طارق الأحمدي
أديــب وقاص تونسي
  • غير موجود
افتراضي
القاص : عيد جريس

هي البيروقراطية التي أكلت الأول ولن تترك الثاني ..

هي الحلقة المفرغة التي يدور فيها صاحبنا , وهي نفس الحلقة التي ابتلعت صاحبه المنتظر دائما ..

وإن كان الأول قد منعه الموت عن إكمال مشوار الانتظار فإني أجد أن صاحبنا لا يختلف عنه كثيرا , بل

ربما هو صورة مطابقة للأصل عنه ..

رحلة العذاب بين السلالم والمدير الغائب دوما..والسنون وتنتهي الآجال وتمّحي الآمال وتذوي شمعة

العمر رويدا رويدا ..

وهي رحلة اتفق أبطالها على السير في مجرياتها قدما , وحذق كل واحد دوره وحفظه عن ظهر قلب ...


المبدع : عيد جريس


أبدعت في اختيار اللقطات وتنسيقها حتى خلتني أتبع خطاه وقد نالني ما ناله ..

قصة من رحم الواقع تصلح لكل زمان ومكان
.

اغرف لنا من بحر إبداعك ولا تبخل علينا ..

ودمت بود دائما




قديم 10-10-2010, 04:24 PM
المشاركة 3
عبدالسلام حمزة
كاتب وأديب

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

الكاتب عيد جريس

استطعت ان توصل رسالتك دون غموض أو ألفاظ ٍ محشورة

جاءت القصة تماما ً على تفاصيل الأحداث , تجلت فيها

قدرتك على سبك الكلمات والجمل بتسلسل يسير

لتوصلنا إلى ما تريد قوله .

شكرا ً لك على هذه القصة القصيرة .

تابع الإبداع .. وأنا بالأنتظار .

سلامي لك .

قديم 11-30-2010, 12:38 PM
المشاركة 4
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
قدره كسيزيف يناور هذه الورقة صعودا و هبوطا
لا بد أنها أضحت شيئا من أساسيات حياته فلو وقعت و انتهت المعاملة لانتهى الطريق
أوليس الطريق أجمل من بلوغ نهايته
و يقولن ان البيروقراطية ليست محمودة ؟ هذه احدى حسناتها
أ. عيد جريس
كان القص موفقا و جميلا حقا بحيث نقل لنا المعاناة الكبيرة و التي استهلكت من هذا الرجل جهده و لا من نتيجة
هذا الرجل الذي يمثلنا جميعا
تحيتي لك

قديم 11-30-2010, 08:45 PM
المشاركة 5
أحمد فؤاد صوفي
كاتب وأديـب

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ألف آه على ما وصلت حالنا إليه . .
الموظف في وادٍ . .
والمراجع ( الغلبان ) في وادٍ آخر . .

قصة حقيقية موجعة . .
بورك القلم . .

تقبل مني كل تحية . .

** أحمد فؤاد صوفي **


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: أين المدير؟
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
العَشــــــــــــاءُ الأخير ثريا نبوي ومضات شعرية 4 10-22-2023 03:18 PM
اليوم الأخير ياسر علي منبر القصص والروايات والمسرح . 8 09-22-2013 09:38 PM
** الوداع الأخير ** ريما ريماوي منبر القصص والروايات والمسرح . 2 06-17-2013 02:23 PM
العناق الأخير !! حسام الدين بهي الدين ريشو منبر البوح الهادئ 11 12-13-2012 12:28 AM
الموعد الأخير عبد السلام بركات زريق منبر شعر التفعيلة 24 05-26-2012 10:16 PM

الساعة الآن 12:22 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.