احصائيات

الردود
4

المشاهدات
2066
 
صالح اهضير
من آل منابر ثقافية

صالح اهضير is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
35

+التقييم
0.01

تاريخ التسجيل
Apr 2014

الاقامة

رقم العضوية
12834
06-19-2014, 03:35 PM
المشاركة 1
06-19-2014, 03:35 PM
المشاركة 1
افتراضي الطـــريــد...!
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
[justify]مشدودا كالمتعثر المكبول إلى سريره الممتد بعرض القاعة،بين حين وآخر،كان يستفيق من هول أحلام يقظته مذعورا فتنزاح به في واضحة النهار إلى غياهب اللاشعور تارة وفي غور الليل البهيم تارة أخرى..تأسره بين أحضان الحيطان الأربعة التي زادته اختناقا ثم لا يلبث أن يعود ثانية إلى حيث كان وإلى من حيث بدأ متلهفا للحظة انفراج،فلا يجد لذلك سبيلا..
دوامة تتقاذفه بين شفافية الواقع الرهيب وضبابية الكوابيس المرعبة..لا يدري أي متجه يتجه..تائه هو قي ظلمات بحر متلاطم الأمواج مثل ربان فلك فقد بوصلته..
طرقات الأبواب في الشقق المجاورة،حفيف الأشجار، صخب الشارع،أدق صوت يترامى إلى مسمعه كان يبت في كيانه رعبا غير معهود،فترتعد فرائصه،ويزداد لهاته،ويتهاوى مكلوما كطائر مكسور الجناح..
محمولا على نعش التيه،انتابه امتعاض عارم..مخففا من وقع المخبوء في علم الغيب، كان يعود إلى نفسه لتحادثه مطمئنة إياه:"على رسلك يارجل..هون عليك.. كان لابد من أن يحدث ما هو متوقع حدوثه..ثوان معودات وينتهي كل شيء"..كانت توحي له بذلك مهدئة من روعه إلى حد كان يرى معه أنه حتى لو حاول كسر طوق هذه الرغبة الجامحة بإرادة حديدية،ما كان بمقدوره أن يقوى على ذلك أمام هذا الزخم الهائل من متخيلات وكوابيس لا تكاد تخلي سبيله .
ذاته المتورمة تنوء بثقل أهوال السنين الخالية،تنتاب كيانه المتأجج بلظى الأحزان والآلام والحسرات بعد المصير المدقع الذي آل إليه،فأذاقه في نهاية المطاف مر العذاب..
كان قدره أن يشقى بلهيب العزل من الوظيفة وان تولي رفيقة دربه صبيحة يوم معتوه وجهها شطر أبويها مولية الأدبار..وان يتفرق شمل العشيرة أشتاتا في كل الاتجاهات مزعزعة الأركان،فتبخرت الآمال وضاعت المطامح وما عاد بالإمكان أن تعود الحياة إلى سابق عهدها...
وزاده إرهاقا وتذمرا،بعد كل هذا،تلك الإيماءات المهينة،والنظرات الهازئة،والألسنة السليطة المتشدقة بأشد العبارات بذاءة وحقارة ونيلا من الكرامة..ينتابه إحساس كما لو أن كل العالم يطارده في كل الأمكنة والدروب،فكان حتما أن يتهاوى إلى الحضيض مقروحا..كل الأشياء والذوات مهما عظمت أو صغرت كانت تثير فيه خشية ما كان له من عهد بها من قبل..حتى الأطفال والصبيان كانوا ينبزونه بالألقاب فيتوجس منهم خيفة.
تطلع إلى سقف الغرفة..أثار انتباهه على حين غرة نسيج عنكبوت تشابكت خيوطه الدقيقة تشابك هواجسه المتضاربة في غور جمجمته المحمومة..حدق مليا إلى الفخ الحيواني في لحظة انقضاض الحشرة على الصيد المُطارَد..أثار المشهد لديه شيئا ما إحساسا بالحماس والانتشاء فتوسعت حدقتاه المحمرتان كالجمر الملتهب وضرب كفا بكف صائحا في تشفٍّ : إلى الجحيم أيها النذل الجبان..!!
انسلّ من سريره منتصبا على قدميه..توقف أمام المرآة الممتدة أمامه بعرض الحائط..كل الأشياء تبدو منعكسة عليها على حقيقتها إلا ذاته التي كانت تبدو دانية مقزّمة أثارت دهشته واشمئزازه إلى حد بعيد..استبدت به نوبة من ضحك هستيري بدت على إثره نواجذه الداخلية..داهمه ارتياب غير مسبوق في ماهية ذاته..تساءل في غمرة حيرته الكبيرة : من هو ولِمَ هو هكذا؟ أبه مس من جنون؟أكان قدره أن يكون نشازا واستثناء عن بقية الخلق؟ كيف تنقلب في عيونه الأشياء والذوات إلى غير حقيقتها وترتدي حلة الحرباء؟
استعاد ذكرى ذلك الشيخ العرّاف،وهو بعد فتى غض طري العود،قال له ذات صبيحة بنبرة شجية ممسدا خطوط راحته المبسوطة أمامه :" مكتوب على جبينك يابني أن تظل طريد الأزمنة المقيتة.. وما أحسب أن العمر سيمتد بك إلى أرذله..."
لبعض الوقت، أخذ يذرع الغرفة طولا وعرضا بخطى وئيدة..جمدت خطاه على حين غرة على مقربة من سريره، جذب من تحته كيسا بلاستيكيا..الكيس البلاستيكي يحدث خشخشة مروعة في الوقت الذي تسارعت دقات قلبه المدوية لحظة ارتباك أنامله لسحب حبل متين من داخله..
عاد إلى هدوئه..جادلته النفس الأمارة بالسوء من جديد" كل نفس مهما امتد بها العمر لا محالة إلى أصلها وصفائها عائدة يا رجل..فالتطهير..التطهير..والتصفية ..التصفية".
صعد على كرسي ذي قوائم طويلة بوسط الغرفة..تردد لحظة وحاول النزول مستغفرا ربه..لكن قرار المضي إلى ما هو ماض إليه كان أشد إلحاحا..أمسك بالحبل مرتج الأنفاس..شده إلى سقف الغرفة وأحكم الشد..عدل من وضع الربقة حول جيده المتصبب عرقا بإحكام..أحس بضيق في بلعومه..تنحنح بالعًا ريقه بصعوبة بالغة..دمعت عيناه وانسابت قطرات حارقة على خديه واسود كل ما حوله وأمام ناظريه..انفرجت أسارير محياه عن ابتسامة زائفة..نظر عن يمينه وعن يساره بلا معنى..وفي برهة خاطفة،وبضربة قدم،قذف بالكرسي بعيدا،فاهتز الجسد المنكوب هزة عنيفة كما لو أن صاعقة كهربائية نزلت به..هوى رأسه على نحره في التواء،وسمعت له حشرجة وزفرات متقطعة النبرات..تأرجحت الجثة لبضع دقائق همدت بعدها همودا سرمديا كما الصخرة الصماء في يوم عاصف كئيب..
.

[/justify]


قديم 06-20-2014, 01:51 AM
المشاركة 2
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الأستاذ صالح أهضير

كاد التمهيد الطويل يبعدني عن النص ، فمن جهة لست صافي الذهن و من جهة أخرى رأيته طويلا جدا ، لكن أخيرا بدأت العجلة تدور فدارت معها عقارب بوصلتي فتموضعت في النص أخيرا ، ولما وصلت إلى نهايته الماحقة ، وجدتك محقا في تطويل البداية .
صور بلاغية وتوظيف جدي للغة ارتقى بالنص إلى الأعالي مصنفا بخمسة نجوم .

قديم 06-20-2014, 03:03 PM
المشاركة 3
صالح اهضير
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
[justify]معك حق استاذي في كون المقدمة في كل السرديات لابد أن تتسم بطابع القصر وبخاصة في القصة القصيرة والاقصوصة مادام لعنصر التكثيف سلطان عليهما..وبالتالي كونها العتبة الاولى التي يطل عبر بوابتها القارئ لرصد مؤشرات سريعة للمحتوى القصصي ورسم بعض الملامح الخاصة لفكرة العمل الابداعي .
قد يبدو هذا النص مطولا لأول وهلة للكثير ولست وحدك فقط..ولكن الحقيقة أن الانطلاقة لعملية العرض بدات ضمنيا عقب بضعة أسطر (طرقات الابواب)..وكل ماجاء بعد ذلك إلى حدود الخاتمة هو عبارة عن عملية استرجاع اتسم معظمها بالطول والتي تصب في مسارات كان لابد منها في اتجاه نهاية العمل السردي..
تحياتي استاذ على ملاحظتك القيمة وانطباعك الرائع...[/justify]

قديم 06-21-2014, 03:34 PM
المشاركة 4
جليلة ماجد
كاتبة وأديبـة إماراتيـة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
طردته الحياة من أوسع أبوابها ...

فاختار الهروب اختناقاً ...!

أ. صالح أهضير

كم أنت رائع ... تستحق أكثر من خمسة نجوم !

ودي الصافي

عند المطر ..تعلم أن ترفع رأسك ..
قديم 06-21-2014, 06:37 PM
المشاركة 5
صالح اهضير
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
وانت أروع يأخت جليلة ..رعاكك الله ويسر مسعاك...


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:21 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.