قديم 04-05-2015, 09:59 PM
المشاركة 21
حميد درويش عطية
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
من هم الاخسرون أعمالاَ ؟
إن القرآن الكريم مليء بالآيات المتنوعة..
ففيه آيات هي قمة التبشير ، كآية تبديل السيئات بالحسنات ، فهي من الآيات المؤملة جداً في القرآن الكريم ..
فالذي يعيش حالة الانحراف دهراً من حياته ، ثم يعود إلى الله عز وجل ، فإن الله تعالى يبدل سيئاته حسنات.. وفيه أيضا آيات هي قمة التخويف ، ومن هذه الآيات هذه الآية الكريمة ، وإن كان ظاهر الخطاب يعود إلى المشركين ، ولكنه مخيف للجميع ..
وهذه الآية هي الآية 103من سورة الكهف :
بسم الله الرحمن الرحيم { قُل هل نُنَبِئكم بالأخسرين أعملاً ، الذين ضل سعيهم فى الحيوة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً}.
إن الآية تجمع العمل ، حيث تقول : هل أنبئكم بالذين لهم أعمال كثيرة ، ولكنهم من أخسر الناس ؟..
أي أن الإنسان الذي لا عمل له ، قد لا يعجب بشيء من عمله ، إلا أن صاحب العمل والأعمال الكثيرة ، هم فى مظان هذا الخسران ..
يقال فى باب التجارة : إن التاجر إذا كان يتاجر ، وهو يعلم أنه سيخسر ، فإنه يقوم ببعض الإجراءات الإحتياطية ..
وكما هو معلوم فى باب التجارة ، أن إيقاف الخسارة في أي وقت ، هو ربح فى حد نفسه ..
ولكن إذا كان التاجر لا يعلم أنه خاسر ، ولا يحتمل أنه سيخسر ، فإن هذا الإنسان مفلس .. وفي يوم من الأيام سيؤول أمره إلى الإفلاس الشديد المفضوح ..
فهؤلاء المساكين أعمالهم كثيرة ، ولكن ضل سعيهم في الحياة الدنيا ، وهم يحسبون بأنهم يحسنون صنعا .
{أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا}.. فمن هم الذين لا يقام لهم وزن يوم القيامة ؟.. ومتى يكون العمل هباءً منثور ا؟..
إن من موجبات كون العمل هباء منثورا الكفر .. فالإنسان الكافر وجوده وجود مبغوض للمولى ، وهذا الوجود المبغوض لا يمكن أن يتقرب إلى الله تعالى بشيء ، لأنه لا يعترف بمن يمكن التقرب إليه ..
وكذلك من الذين لايقام لهم وزن يوم القيامة ، المؤمن الذي يعمل لغير الله عز وجل .
إن العمل في حد نفسه لا خلود له ، ولكن يمكن أن يحمد عليه الإنسان، ويمكن أن يكتسب الثناء الجميل : ككرم حاتم .. ولكن الخلود والانتساب إلى الله عز وجل ، وأن تتحول مادة الطاعة إلى طاقة لا نهائية ، تتجلى في عرصات القيامة وفي الجنة ، فإن ذلك يحتاج إلى انتساب .. والعمل الذي لا ينتسب إلى الباقي ، فهو فانٍ شأنه شأن المظاهر الطبيعية .. فكما أن الشمس تتكور ، والنجوم تنكدر ، وكما أن العظام تؤول إلى رميم .. فكذلك أعمالنا تؤول إلى أمر معدوم ينتهي ..
فالذي يعطي الخلود ، هو انتسابه إلى الخلود .. والله خير الشريكين، ففي الروايات : إن العمل الذي يكون لله ولغير الله عز وجل ، فإن الله عز وجل يقول : أنا خير الشريكين ، تنازلت عن حقي ، ووهبتك هذا العمل .
وما دام الأمر كذلك ، فقبل أن يفكر الإنسان في كم الأعمال ، وقبل أن ينظر إلى حجم ما يقوم به من عمل ، قبل كل ذلك، ينبغي أن يهيئ القالب الذي يوضع فيه العمل .. ففي اللغة العربية لكل كلمة مادة وهيئة : الضارب هيئته الفاعل، ومادته الضرب .. وكذلك فإن عمل الإنسان له مادة وله هيئة : المادة عبارة عن الإنفاق ، والصيام ، والصلاة ، والحسنات ...الخ ..
والهيئتة التي تعطيه القيمة ، هي عبارة عن انتساب العمل لله عز وجل .. وإلا ، في بناء الكعبة ما هو وزن هذا العمل في عالم البناء ؟.. كم كلف إبراهيم ( عليه السلام ) بناء الكعبة ؟.. إن الكعبة بناء فى منتهى البساطة ، ولعله لا يوجد على وجه الأرض بناء ضخم كبساطة الكعبة: فهو بناء مكعب ، ليس فيه أي جمال هندسي ، ولا فيه تعقيد من تعقيدات البناء المتعارفة .. ولكن هذا العمل على بساطته انتسب إلى الله عز وجل ..
ولهذا أول ما قاله إبراهيم الخليل ( عليه السلام ) : { ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم }.. أي تسمع ما نقول ، وتعلم ما فى القلوب .
فإذن، صحيح أن الآيات ناظرة إلى المشركين حيث يقول : {أولئك الذين كفروا}.. ولكن روح الآية تنطبق على الجميع.. وعليه، فإن على المؤمن أن يحذر حالة الخسران المستمرة فى حياته.. بمعنى أنه يجب أن ينظر دائما إلى عمله، من خلال المراقبة الذاتية، أو التأمل الذاتي، أو بمراجعة استشارة الغير.. ويحاول أن ينظر دائما إلى أن القالب الذي يعطيه الخلود، هل لازال موجوداً أو غير موجود .
ما هي علامة العمل المقبول ؟.. إن العمل المقبول ، هو ذلك العمل الذي يعيش معه الإنسان الانتعاش الروحي. . يقول علماء الأخلاق : إن مع كل عمل صالحٍ مقبول هبة نسيم من عالم الغيب .. فالإنسان عندما يزاول عملا مخلصا لوجه الله تعالى ، فإنه يعيش حالة من حالات النفحات الإلهية : حيث أنه يرى بأن الله عز وجل ينظر إليه برفق ، ويرى التيسير والتسديد أينما يذهب .. بخلاف العمل الذي لا يعمله لوجه الله تعالى ، حيث أن عينه تكون إلى الخلق ، وإلى المكاسب ، وإلى عاجل متاع الدنيا ..
من الطبيعي أن يرى ذلك الإنسان أنه يقوم بخير !.. ولكن هذا العمل لا ينعكس لا في صلاته ، ولا في دعائه ، ولا في علاقته بالله عز وجل .. فإذن على الإنسان أن يتحاشى وبشدة، أن يكون سعيه كسعي الذين كفروا .. { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورا } .
منفول بنصرف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حميد
5 - 4 - 2015
الأحد
16 جمادى الثانية 1436هج

معكم ألتقي ............ بكم أرتقي
قديم 05-04-2015, 08:40 PM
المشاركة 22
حميد درويش عطية
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
(شرح الصدر)
{فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء}.. إن ظاهر هذه الآية، كأنه خطاب للإنسان الذي يريد أن يتحوّل من الكفر إلى الإسلام، ولكن الملاك أعم..
فالآية تبين حقيقة في صفوف المسلمين، وما بعد الإسلام، وهي: أن الله -عز وجل- إذا أراد أن يهيئ قلبا للهداية، شرح ذلك الصدر..
فلماذا يشرح صدر البعض دون البعض؟.. وكيف يشرح الصدر؟..
أولا: إن حكمة الله -عز وجل- تقتضي أن يجعل كل شيء في موضعه.. فعمل الحكيم مطابقٌ لقواعد الحكمة، فليس هناك جزافٌ في أمر الحكيم..
وليس هناك ترجيحٌ بلا مرجّح..
فمثلا: إذا كان هناك عنصران، والحكيم يعطي امتيازا لعنصر دون عنصر، فهذا خلاف الحكمة الإلهية البالغة..
فإذن، إن تصرفات الله - عز وجل- في قلوب العباد: ربطاً، وهدايةً، وخذلاناً، وتوفيقاً.. كل هذه الأمور منشؤها من العبد.
نعم، قد يكون المنشأ البشري غير كافٍ للهداية.. فمثلا: إنسان يريد أن يهتدي، فيقرأ كتاباً، ويسمع محاضرة، ويفكر ساعةً؛ إن هذا السعي قد يكون غير كافٍ للهداية.. فهنا عندما يرى الله -عز وجل- عبده ساعياً في الهداية، مفرغاً نفسه من أي حكم مسبق؛ فإن الله -عز وجل- يتدخل في المسك بيد ذلك الضال الذي يرى بأنه ضال، ويرى الهداية من الله عز وجل.. ومع ذلك يسعى قدر إمكانه في تلمس الهدى.
فإذن، {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ}.. كأنه نوع اطمئنان للساعين في طريق الهدى..
أي: إذا كنت تبحث عن الإيمان، وعن الإسلام، وعن التقوى، وعن جزئيات الهداية، وعن الإيمان الخالص، وعن تثبيت الفؤاد، وعن شرح الصدر، وعن معرفة الجبار..
فكل هذه المعاني من الله -عز وجل- ولكن عليك أن تسعى، ولو سعيا بسيطاً؛ لكي تثبت بأنك جاد في البحث عن الهدى الإلهي.
{وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا}.. لماذا ذكر الصدر هنا؟.. ما يفهم من هذه الآية: أن هناك مشكلة انتقال المعلومات من الفكر إلى القلب.. القلب الذي يعيش حالة الاطمئنان..
هنا إذا كان الطرف من الذين خذلهم الله، وممن لا يريد هدايته، يجعل له سداً منيعاً بين الفكر والقلب.. فالذهن يعتقد بشيء، والقلب يعتقد خلاف ذلك الشيء..
وطالما أحببنا في حياتنا ما يضرنا، وكرهنا ما ينفعنا.. فأحببنا ما يضرنا اعتقاداً، فنحن نعتقد أنه ضار، ومع ذلك نحبه.. وبعض الأوقات العكس، نعتقد أن هذا الشيء نافع، ولكن لا نحبه.. {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}؛ هو خير لكم ولكن تكرهونه.. {وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ}؛ هو شر في الواقع، وقد يكون شراً في الذهن أيضاً، لا في الواقع فحسب!.. وتعلم بأنه شر، ولكن تحب ذلك الشر.
فإذن، إن الخذلان الإلهي هنا، يأتي ليوجد سداً منيعاً بين الفكرة وبين القلب {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ}.. أي اعتقدوا بها اعتقاداً ذهنياً، ولكن القلب لم يستسلم.. فما هي الضابطة؟.. ولماذا يجعل الله -عز وجل- الحاجز بين جهاز الفكر، وجهاز القلب خذلاناً؟..
يقال أن من أسباب ذلك: عدم العمل بمقتضى الفكرة، أي هناك فكرة، وهناك قلب، وهناك جوارح، وعمل خارجي..
أنت إذا لم تنطلق وراء الفكرة الصحيحة، لم تعمل بها.. فإنها تخرج من قلبك، لأنك آمنت بالفكرة، واعتقدت بصحتها، ولكنك لم تمارس ذلك..
فإذا اعتقد بالفكرة، ولم يمارسها.. واعتقد بلزوم الرحمة، ولم يرحم؛ فإن الرحمة تنزع من قلبه.
{وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا}.. وهنا دعوة للمفكرين، والباحثين، والذين ينشدون حقيقة ما في أصول الدين، أو في فروعه.. الالتجاء إلى الله -عز وجل- من منطلق هذه الآية..
فالذي يشرح الصدر، هو الذي يجعل الصدر ضيقاً حرجاً، كأنما يصعد في السماء، كناية عن شدة الضيق.. فإذن، بموازاة السعي العلمي في تحصيل مباني الشريعة وجزئيات الإسلام، علينا أن نتوسل إلى الله -عز وجل- في فك الرموز.. وقد قيل: إن بعض الفلاسفة عندما كان يبتلى بعويصة فكرية فلسفية، كان يلجأ إلى ركعتين من الصلاة؛ لكي ينفتح قلبه على الواقع.. ولهذا فإن أدعية الهداية كثيرة ومنها: (اللهم!.. اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وقني شر ما قضيت ) .. و(أعوذ بك من مضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن ) .
إن الالتجاء الدائم إلى الله -عز وجل- في حقل البحث العلمي له ثمرتان:
1- الثمرة الأولى: تكريس الفكرة في الذهن.
2- الثمرة الثاني: مساعدة الإنسان، لكي ينزل هذه الفكرة من عالم الفكر إلى عالم القلب، وعالم الاطمئنان.
وعليه، فإنه لإيضاح الفكرة ولتغلغل الفكرة إلى القلب، نحتاج إلى الاستمداد الدائم..
ولهذا النبي -صلى الله عليه وآله- هو هادي الخلق فكراً وعملاً.. ومع ذلك نرى التجاءه الدائم إلى الله -عز وجل- حتى أن الله -عز وجل- ينسب هداية نبيه إلى نفسه، إذ قال: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى
* وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى}.
منقول بتصرف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حميد
4 - 5 - 2015
الإثنين
15 رجب 1436هج

معكم ألتقي ............ بكم أرتقي
قديم 10-21-2015, 04:12 PM
المشاركة 23
حميد درويش عطية
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

1
بسم الله الرحمن الرحيم

الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)
إن القرآن هداية شأنية، فمن شأن القرآن أن يهدي؛ ولكن هذه الهداية الشأنية لا تتحقق فعلاً وواقعاً، إلا للذين استعدوا لقبول هذه الهداية.. فالقرآن هدى، ولكن لمن يبحث عن الهدى: في الصحراء القاحلة، وفي جوف الليل.. هناك دليل يدّعي بأنه سوف يخرجك من الظلمات إلى النور، فالذي لا يعترف بهذا الدليل، أو يعترف بأنه دليل، ولكن لا يعطيه وزناً، ولا يعطيه أهمية، هل يخرجه من الظلمات إلى النور؟.. لا، لن يخرجه أبدا، ولا يُتوقع منه أن يأخذ بيد هذا الإنسان الذي لا يعترف بوجوده، أو يعترف بوجوده؛ ولكن ليس في مقام الأخذ بدلالته..
والقرآن الكريم هدى، لا بما هو معلومات مطوية بين الدفتين، ولا بما هو نظريات يعرفها المفسرون.. كم من الذين يتلون القرآن، والقرآن يلعنهم!.. وكم هم الذين يفسرون القرآن بما لا يخطر على الافهام، وهم بعيدون كل البعد عن معاني القرآن الكريم!.. فإذن، إن القرآن الكريم يقول بأنني هدى، ودليل، ومنقذ، ومُخرج من الظلمات إلى النور؛ ولكن لمن؟.. للمتقين!..

يتبع
************************************************** ************************************************** ********
حميد
عاشق العراق
21 - 10 - 3015

معكم ألتقي ............ بكم أرتقي
قديم 10-22-2015, 04:36 PM
المشاركة 24
حميد درويش عطية
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
2
بسم الله الرحمن الرحيم
من هم المتقون؟..
أول صفة من صفات المتقين {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}.
إنها لفتة مهمة، وهي أن أول خاصية في المتقي هي البنية الفكرية، وليس المتقي الذي يمشي ويسعى.. بل هو الذي يحدد الطريق، ثم يمشي ويسعى؛ لما علمنا بأن (السائر على غير بصيرة، كالسائر على غير الطريق؛ لا تزيده كثرة السير إلا بعدا).
فالمتقي ليس هو ذلك الصوّام القوّام، وإنما هو ذلك الإنسان الذي اكتشف الطريق، ورأى الهيكل، ورأى المخطط، ويعلم من أين يبدأ، وإلى أين ينتهي؛ فآمن بالغيب، وترقى عن عالم الحواس.. ليس هذا الإنسان المادي التجريدي، الذي لا يؤمن إلا بما يرى ويلمس ويسمع، وإنما له قدرة على أن ينتقل من عالم المادة إلى عالم المعنى، ويخترق حجب الغيب وحجب المادة، ليصل إلى عالم الغيب.
أن بعض الذين لا يؤمنون بالغيب الأخروي، يؤمنون بالغيب الدنيوي في هذه الدنيا، وكأن الله أراد أن يقيم الحجة عليهم!. فالأمواج الكهربائية، والأمواج اللاسلكية، وقوة الجاذبية، والأضواء التي لا تُرى: ما فوق البنفسجية، وما تحت الحمراء، وأشعة الليزر، وما شابه ذلك، كله من الغيب الدنيوي..
إن هذه الأشياء في الدنيا، ولها آثار خارقة، ومدمرة.. ومع ذلك جعلها الله غيباً لا تُدرك بحواس، ولا تلمس ولا تُرى.. من منكم رأى الكهرباء على ما تُعطي من بركة في هذا الوجود؟..
إن من الغريب أن بني آدم يؤمن بالغيب في الدنيا، ولا يؤمن بالغيب في الآخرة، فلئن قال: بأني آمنت بالغيب الدنيوي لآثاره.. فلِمَ لا يؤمن بالغيب الأخروي لآثاره؟.. أليس الله عز وجل له هذه الآثار؟!.. فانظروا إلى آثار رحمة الله!.. فلماذا لا تؤمن بهذا الغيب، وتؤمن بهذا الغيب؟.. الذين يؤمنون بالغيب؛ الإيمان بالغيب بكل ما غاب عن بصرك، سواء في ذلك المبدأ، وسواء في ذلك المعاد.. ولهذا في آخر هذه الآيات يقول تبارك وتعالى: {وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} يخص المعاد وهو غيب بالذكر أيضاً.
فإذن، إن المشكلة في بعض السالكين الذين يقفون في سيرهم، أن حركتهم وسيرهم ليست مشفوعة بحركة علمية.. ولهذا على المؤمن أن يمتلك هذا البنيان النظري، من أين يصل إلى هذه البنية العلمية في التكامل والسير؟.. إن هناك ثلاثة أبواب إسلامية: باب الاكتساب.. وباب التدبر.. وباب الإلهام والإلقاء في الروع.
أولا: باب الاكتساب: أن نقرأ ما اكتسبه الآخرون، فإنه لدينا بعض الكتب في الكلام والعقائد والعرفان والأخلاق، وهي حصيلة حياة أحدهم.. فهناك بعض الناس قد يعيش عشرين أو ثلاثين سنة في تأليف كتاب واحد منقح، فهذا الكتاب ثمرة حياته.. فالإنسان في ليلة، أو ليلتين، أو في أسبوع، وإذا به ينقل ثمرة حياة إنسان مؤلف مجاهد إلى فكره وإلى قلبه.. ولهذا فإن المؤمن السالك إلى الله عز وجل، لا يمكن أن يستغني عن عالم المعرفة وعالم القراءة.
ثانيا: التدبر والتأمل: إن الله عز وجل أعطاك فكراً، وأمرك بالتدبر.. والتدبر في كتاب الله، وفي الطبيعة، وفي الحياة، وفي حركة الوجود، لا يحتاج إلى تخصص، فإن القضية تتوقف على التأمل وعلى التحليل.. وهذه قضية فطرية، فالإنسان يُكوّن صورا مترتبة، ثم ينتقل من المبادئ إلى النتائج.. أنت أيضاً بإمكانك أن تخوض هذا العالم!.. ولهذا حتى في أشعار الجاهليين، الذين جاءوا قبل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) ولم يعترفوا برسالة، يلاحظ من خلال قصائدهم أن هناك فكرا وفهماً وتدبراً، ولو على مستوى تحليل بعض مظاهر الطبيعة.. فإذن، إن التدبر أيضاً من صور امتلاك هذه البنية.
ثالثا: الإلهام، والإلقاء في الروع: إذا تدبر الإنسان، واكتسب العلم من غيره، واكتسب من عقله وفكره.. عندئذ يأتي ذلك المدد الإلهي، لُيلقي في روعه ما لا يلقي في روع الآخرين.. وهنالك المعرفة الإشراقية، فالله عز وجل يعلم كيف يُلقي في روع عباده ما يُلقي، إما مباشرة أو عبر ملائكة.. قد يُلقي في روع عبده في ليلة واحدة حصيلة تجارب الآخرين، أو على الأقل يُحوّل الإيمان النظري إلى سكون في النفس.. وهذا هو معنى الإيمان، {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} غير المعترفين بالغيب.
فالإنسان قد يعترف، وقد يعلم، وقد يتيقن بالغيب.. إلا أنه لا يتحول إلى قوة مطمئنة، فالإيمان فيه عنصر الاطمئنان والأمن.. والاطمئنان والأمن قد لا يقترنان مع العلم.. هنا يأتي دور الغيب في أمرين: الأمر الأول في إعطائك المعرفة النظرية، وثانياً في تحويل المعلومة النظرية إلى حالة اطمئنان ويقين باطني.. (هم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون، كأن زفير جهنم في أصول آذانهم).

************************************************** ************************************************** **
حميد
عاشق العراق
22 - 10 - 2015

معكم ألتقي ............ بكم أرتقي
قديم 10-26-2015, 02:42 PM
المشاركة 25
حميد درويش عطية
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
بسم الله الرحمن الرحيم
48-الأنفال / ج10)
{وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.. إن آيات الشيطان في القرآن آيات مختلفة ومتنوعة، فله أعمال متعددة، منها:
أولا: التزيين.. وكما هو معلوم أن الشيطان له قدرة على التزيين، فالشيطان له عدة حيل مع بني آدم.. ومن حيله أنه يزين في الأرض، بمعنى أنه يُري الإنسان صورةَ الأشيـاء مضخمة مفخمة، ويعطيها حجماً أكبر من واقعها.. فعندما يصل إلى ذلك الشيء، يراه كسراب بقيعةٍ، يحسبه الظمآن ماءً.. وأفضل مثال على ذلك ما يعيشه المتزوجون.. فحالات المتزوج وتصوره للحياة الزوجية، ولما سيعيشه مثلاً بعد الزواج، عادةً أضخم بكثير مما هو في الواقع.. ولهذا يلاحظ أن في بعض الأوقات تنقلب حالات المحبة الشديدة، والعشق الشديد إلى بغض شديد.. والسبب في ذلك أن المحب كان يرى في محبوبه صفات غير موجودة، وكان يتوقع أموراً غير مدروسة.. فعندما يصل إلى الواقع، يرى أنه كان متعلقاً بالوهم، ويرى أنه قد أعطى لمحبوبه أكثر مما يستحقه، فينتقم منه لا شعورياً.. وهذا شيء معروف في عالم العشاق.

ثانيا
: الوسوسة، والنفث في الصدور.. أي يلقي في روع الإنسان فكرة إجبارية.. وفي الطب النفسي هذا الأمر معروف بما يسمى بالوسواس القهري، أي فكرة قد تكون سخيفة، أو وهم قد يكون في منتهى البطلان، أوخوف لا داعي له، وقلق لا موجب له، أو همّ لا أساس له.. ولكن الإنسـان يعيش تلك الحالة من القلق.. والدليل على أن القضية وسوسة شيطانية، أن الإنسان المتعارَف والعـادي، عندما ينظر إلى ذلك الأمر يستهزئ بهذا الإنسان.. ويقول: هذه الفكرة ليست بالمستوى الذي توجب القلق.. فمن الواضح أن هناك جهة غيبية، هي التي توسوس في صدر بني آدم.
وقد شبهت بعض الروايات الشيطان، بأنه واضعٌ خرطومه على قلب بني آدم، وهذا الخرطوم لا يتراجع ولا يخنس، إلا إذا ذكر العبدُ ربَّـه، ولهذا قيل: خناس، أي كثير الذهاب والإياب.. فعندما يذكر العبدُ ربَّهُ، يتراجـع الشيطان.. وعندما ينسى ربه، فيأتي.. فإذن، هو وسواسٌ خنـاس.. ولهذا هناك عبارة جميلة لأحدهم يقول: (لولا كلمة الخنـاس، لأصابنا اليأس من الوسواس).. أي لولا أن اللهَ -عـز وجـل- قال بأنه: (وسواس خنـاس) لأصابنا الانهيار أمام وسوسته.. فكلمة (الخناس) فيها أمل لنا.. فإذن، هذه طريقة من طرق كيد الشيطان.
ولكن هذه الآية آية فريدة متفردة في بيان كيد غريب من مكائد الشيطان.. يقول: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ}.. فالشيطان لا يأتي من الفراغ، فهو لا يزين العدم، إنما يزين الوجـود، ويزين العمـل.. فإذن، إن أصحاب العمل، وأصحاب العبادة والسعي، وأصحاب الجهد والجهاد، هؤلاء يُخافُ عليهم من الشيطان؛ لأن هناك مادة يمكن أن يستثمرها الشيطان.. والإنسان الكسول الذي لا عمل له، والذي يحتقر نفسه، قد يكون من هذه الزاوية أبعد من الشيطان؛ لأنه لا يرى لنفسه شيئاً، ويحتقر نفسه.
ولهذا يلاحظ بأن الفسقة والفجرة، عندما ينيبون إلى ربهم يبالغون في الدعاء والنحيب والبكاء؛ لما يرونه من حقارة أنفسهم.. فالشيطان يستغلٌّ العمل.. و{وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ}.. فـ{أعمالهم} هنا يرجع لضمير المشركين، فليس لهم عمل صالح، يستحق أن يُعجَبَ به.. ولكن التعليق بالنسبة إلى المؤمنين.

ثالثا
: القدرة على التجسد.. {وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ}.. يقول المفسرون والمؤرخون: إن الشيطان تمثل على شكل رجـل، هو سراقة بن مالك، وكان له دور في تحريك الجـو ضد المسلمين.. هل معنى ذلك أن الشيطان يتمثل على شكل بشر إذا لزم الأمر؟.. يقول البعض منهم، ويرجح هذا الرأي السيد بتفسيره "الميزان"، يقول: كلمة {نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ} فـر، وانهزم.. وقال {إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ}.. أي رأى الملائكة، وطبعاً هذه الملائكة، يُخشى منها أن تنتقم من إبليس عندما يخرج من زيه، ويتشكل على شكل بشر، ليحرض وليحرك الجو ضد المسلمين.
إن هذه التعابير: {نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ}، {إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ}، {َإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ}، {لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ}، توحي بأن هناك وجودا ماديا.. وهناك شخصا قام بهذا العمل، وهرب -{نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ}- عندما رأى جحافل الملائكـة.. فإذن، هذه قدرة أخرى من قدرات الشيطان الغريبة، أنه إذا لزم الأمـر، يتجسد على شكل بشر.
وعليه، فإن قدرة الشيطان ليست محصورة بالوسوسة، والإلقاء في الروع، وتزيين العمل، وما شابه.. وإنما له القدرة على التجسد أيضا.. ونِعْمَ ما قاله صاحب الميزان في تفسيره أنه: ما المانع العقلي من ذلك؟.. فهذا ليس بأمر عجيب غريب.. فالشيطان وجوده كله غرابة في غرابة.. ولتكن هذه من غرابات الشيطان، فهو يتشكل بشكلٍ مادِّيٍّ يمكن أن يغوي بني آدم.. وبالتالي، فإن معنى ذلك أن الشيطان قدراته قوية وهائلة ومخيفة، وعلى الإنسان أن يكون عداؤه للشيطان بحجم قدرته، {إن الشيطانَ لكمْ عدوٌّ، فاتخذوه عدوّاً}.. فمعرفة العدو، الخطوة الأولى لمقاومته ومقارعتـه.

منقول بتصرف
************************************************** ************************************************** **
حميد
عاشق العراق

26 - 10 - 2015

معكم ألتقي ............ بكم أرتقي
قديم 11-20-2015, 02:38 PM
المشاركة 26
حميد درويش عطية
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
بسم الله الرحمن الرحيم

العقوبة بعد العناية
(111لمائدة / ج7)
إن الآيات الأخيرة من سورة المائدة معبرة جداً، ومخيفة في نفس الوقت؛ لأن هذه الآيات تتناول محاورة بين عيسى (ع) وبين الحواريين، الذين كانوا من أقرب الناس إلى عيسى (ع)، والذين كانوا في حالة من الإلتصاق الشديد به (ع).. ولكن مع الأسف يلاحظ بأن تربية عيسى (ع) لم تؤثر في نفس الحواريين، إلى الدرجة التي يريدها عيسى (ع).. فقد طلبوا منه عدة أشياء:
أولا: طلبوا مائدة من السماء، {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء}؟..
إن كلمة {يَسْتَطِيعُ} نوع من خلاف الأدب مع رب العالمين.. فلو قالوا: هل من المصلحة؛ لهان الأمر!.. وإنما قالوا: هل يستطيع؟.. فكلمة السؤال عن الإستطاعة لم يكن سؤالا في محله.. ولهذا عيسى (ع) {قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}.
ثانيا: طلبوا أن يأكلوا منها، فالآن بينوا السبب في طلب المائدة السماوية: {قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا}.. والأكل عبارة عن إشباع للذة البطن.
ثالثا: ثم قالوا: {وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ}.. إن هذا البيان فيه نوع من أنواع الكلام غير المتزن.. فأول شيء قالوا: {نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا}، ثم قالوا: {وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا}.. فقد جعلوا الفائدة المادية للمائدة السماوية، مقدَّمة على الإطمئنان القلبي.. وهذه أيضاً من النقاط التي يمكن أن تؤخذ على الحواريين.. فالإنسان عندما يتعامل مع الله عز وجل، عليه أن يقدّم البعد المعنوي على البعد المادي.
{قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}.. ما هو التعليق الإلهي؟.. {قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ}.. هنا السؤال: لماذا هذا التهديد بعد تنزيل المائدة؟..
إن الدرس العملي لجميع المسلمين في هذه المعادلة المهمة: إن إيمان الحواريين قبل إنزال المائدة كان إيماناً غيبياً، وكان إيماناً بالله عز وجل وبقدرته، تعبداً واعتقاداً بما أخبرهم نبيهم روح الله وهو عيسى (ع).. فهذا الإيمان التعبدي، والإيمان الغيبي، كان له قيمة متميزة.. ولكن بعد إنزال المائدة، أي أن تنزل مائدة من السماء؛ فإنه من الواضح أنه إعجاز من قبل الله عز وجل.. فهذه المائدة سلبت ذلك الجو الغيبي.. وهناك فرق بين مائدة مريم (ع) وبين مائدة الحواريين: فمائدة الحواريين كانت بطلب من الحواريين، أما مائدة مريم {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً}..
ولهذا المائدة السماوية لمريم لم تنقص من منزلتها عند الله عز وجل، بينما المائدة السماوية للحواريين تبعها تهديد {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ}.
فإذن إن ملخص ما تقدم هو: أن الإنسان المؤمن قبل أن يتمم الله -عز وجل- عليه الحجة، وقبل أن يتجلى له، وقبل أن يغدق عليه النعم، قد يقبل منه اليسير..
وأما المؤمن الذي توجه الله إليه بألطاف خاصة، ووهب له الخشوع في الصلاة، ورزق التوفيق لأداء بعض الطاعات كالحج والعمرة، ويرى نعم الله عز وجل عليه متواترة، فإن هذا المؤمن إذا انتكس، أو تراجع، أو خالف؛ فإنه يشمله ذلك التهديد الذي شمل الحواريين.
فالمؤمن الذي يرجع من الحج من أو من العمرة، أو ينتهي من شهر رمضان، ومن ليالي القدر، أو ينتهي من صلاة ليل خاشعة، ثم يخالف، فمثله كمثل الحواريين.. تلك مائدة تؤكل، وهذه مائدة تدرك.. فعندما يعصي الإنسان الله -عز وجل- في يوم أحيا ليله بالعبادة، يختلف عن يوم لم يوفق فيه للعبادة.. ولهذا فإن المؤمن على وجل، كلما رأى توفيقاً إلهياً في عبادة، أو في تقوى، أو في زيارة، أو في شهر رمضان، أو في ليلة قدر؛ فإنه يعيش الخوف.. ولهذا النبي صلى الله عليه وآله كان يقول: (اللهم!.. لا تسلب مني صالح ما أعطيتني أبداً.. اللهم!.. لا تردني إلى سوء استنقذتني منه أبدا.. اللهم!.. لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً).
منقول بتصرف

************************************************** **************************************************
حميد
عاشق العراق
20 - 11 - 2015

معكم ألتقي ............ بكم أرتقي
قديم 12-14-2015, 08:58 PM
المشاركة 27
حميد درويش عطية
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
كيد إبليس

{وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ}..
إن آيات الشيطان في القرآن آيات مختلفة ومتنوعة، فله أعمال متعددة، منها:
أولا: التزيين.. وكما هو معلوم أن الشيطان له قدرة على التزيين، فالشيطان له عدة حيل مع بني آدم.. ومن حيله أنه يزين في الأرض، بمعنى أنه يُري الإنسان صورةَ الأشيـاء مضخمة مفخمة، ويعطيها حجماً أكبر من واقعها.. فعندما يصل إلى ذلك الشيء، يراه كسراب بقيعةٍ، يحسبه الظمآن ماءً.. وأفضل مثال على ذلك ما يعيشه المتزوجون.. فحالات المتزوج وتصوره للحياة الزوجية، ولما سيعيشه مثلاً بعد الزواج، عادةً أضخم بكثير مما هو في الواقع.. ولهذا يلاحظ أن في بعض الأوقات تنقلب حالات المحبة الشديدة، والعشق الشديد إلى بغض شديد.. والسبب في ذلك أن المحب كان يرى في محبوبه صفات غير موجودة، وكان يتوقع أموراً غير مدروسة.. فعندما يصل إلى الواقع، يرى أنه كان متعلقاً بالوهم، ويرى أنه قد أعطى لمحبوبه أكثر مما يستحقه، فينتقم منه لا شعورياً.. وهذا شيء معروف في عالم العشاق.
ثانيا: الوسوسة، والنفث في الصدور.. أي يلقي في روع الإنسان فكرة إجبارية.. وفي الطب النفسي هذا الأمر معروف بما يسمى بالوسواس القهري، أي فكرة قد تكون سخيفة، أو وهم قد يكون في منتهى البطلان، أوخوف لا داعي له، وقلق لا موجب له، أو همّ لا أساس له.. ولكن الإنسـان يعيش تلك الحالة من القلق.. والدليل على أن القضية وسوسة شيطانية، أن الإنسان المتعارَف والعـادي، عندما ينظر إلى ذلك الأمر يستهزئ بهذا الإنسان.. ويقول: هذه الفكرة ليست بالمستوى الذي توجب القلق.. فمن الواضح أن هناك جهة غيبية، هي التي توسوس في صدر بني آدم.
وقد شبهت بعض الروايات الشيطان، بأنه واضعٌ خرطومه على قلب بني آدم، وهذا الخرطوم لا يتراجع ولا يخنس، إلا إذا ذكر العبدُ ربَّـه، ولهذا قيل: خناس، أي كثير الذهاب والإياب.. فعندما يذكر العبدُ ربَّهُ، يتراجـع الشيطان.. وعندما ينسى ربه، فيأتي.. فإذن، هو وسواسٌ خنـاس.. ولهذا هناك عبارة جميلة لأحدهم يقول: (لولا كلمة الخنـاس، لأصابنا اليأس من الوسواس).. أي لولا أن اللهَ -عـز وجـل- قال بأنه: (وسواس خنـاس) لأصابنا الانهيار أمام وسوسته.. فكلمة (الخناس) فيها أمل لنا.. فإذن، هذه طريقة من طرق كيد الشيطان.
ولكن هذه الآية آية فريدة متفردة في بيان كيد غريب من مكائد الشيطان.. يقول: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ}.. فالشيطان لا يأتي من الفراغ، فهو لا يزين العدم، إنما يزين الوجـود، ويزين العمـل.. فإذن، إن أصحاب العمل، وأصحاب العبادة والسعي، وأصحاب الجهد والجهاد، هؤلاء يُخافُ عليهم من الشيطان؛ لأن هناك مادة يمكن أن يستثمرها الشيطان.. والإنسان الكسول الذي لا عمل له، والذي يحتقر نفسه، قد يكون من هذه الزاوية أبعد من الشيطان؛ لأنه لا يرى لنفسه شيئاً، ويحتقر نفسه.
ولهذا يلاحظ بأن الفسقة والفجرة، عندما ينيبون إلى ربهم يبالغون في الدعاء والنحيب والبكاء؛ لما يرونه من حقارة أنفسهم.. فالشيطان يستغلٌّ العمل.. و{وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ}.. فـ{أعمالهم} هنا يرجع لضمير المشركين، فليس لهم عمل صالح، يستحق أن يُعجَبَ به.. ولكن التعليق بالنسبة إلى المؤمنين.
ثالثا: القدرة على التجسد.. {وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ}.. يقول المفسرون والمؤرخون: إن الشيطان تمثل على شكل رجـل، هو سراقة بن مالك، وكان له دور في تحريك الجـو ضد المسلمين.. هل معنى ذلك أن الشيطان يتمثل على شكل بشر إذا لزم الأمر؟.. يقول البعض منهم، ويرجح هذا الرأي السيد بتفسيره "الميزان"، يقول: كلمة {نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ} فـر، وانهزم.. وقال {إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ}.. أي رأى الملائكة، وطبعاً هذه الملائكة، يُخشى منها أن تنتقم من إبليس عندما يخرج من زيه، ويتشكل على شكل بشر، ليحرض وليحرك الجو ضد المسلمين.
إن هذه التعابير: {نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ}، {إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ}، { إِنِّي جَارٌ لَّكُمْ}، {لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ}، توحي بأن هناك وجودا ماديا.. وهناك شخصا قام بهذا العمل، وهرب -{نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ}- عندما رأى جحافل الملائكـة.. فإذن، هذه قدرة أخرى من قدرات الشيطان الغريبة، أنه إذا لزم الأمـر، يتجسد على شكل بشر.
وعليه، فإن قدرة الشيطان ليست محصورة بالوسوسة، والإلقاء في الروع، وتزيين العمل، وما شابه.. وإنما له القدرة على التجسد أيضا.. ونِعْمَ ما قاله صاحب الميزان في تفسيره أنه: ما المانع العقلي من ذلك؟.. فهذا ليس بأمر عجيب غريب.. فالشيطان وجوده كله غرابة في غرابة.. ولتكن هذه من غرابات الشيطان، فهو يتشكل بشكلٍ مادِّيٍّ يمكن أن يغوي بني آدم.. وبالتالي، فإن معنى ذلك أن الشيطان قدراته قوية وهائلة ومخيفة، وعلى الإنسان أن يكون عداؤه للشيطان بحجم قدرته، {إن الشيطانَ لكمْ عدوٌّ، فاتخذوه عدوّاً}.. فمعرفة العدو، الخطوة الأولى لمقاومته ومقارعتـه.

************************************************** ********************************
حميد
عاشق العراق

14 - 12 - 2015

معكم ألتقي ............ بكم أرتقي
قديم 12-26-2015, 06:52 PM
المشاركة 28
حميد درويش عطية
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

من هم الصادقون في التوبة ؟
( االتوبة 118 /
{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}.
ن هذه الآيات من الآيات التي تعطينا درسا بليغا في كيفية التوبة إلى الله عز وجل.. فلا ينبغي أن نخلط بين التوبة اللفظية، التي قد لا تستتبع الندامة، ولا العزم على عدم العود.. وعندئذٍ لا يمكن أن يعد هذا من الاستغفار والتوبة بشيء، فلا ارتباط له بالتوبة الحقيقية، التي تتغلل إلى أعماق الوجود.. إنما هي مجرد ألفاظ يتلفظها الإنسان، من دون أن يكون له أي مدلول في الخارج.. والقرآن الكريم ديدنه أن يبين المفهوم والمصداق.. فآيات التوبة في القرآن كثيرة جدا، ولكن القرآن الكريم يقدم لنا عينة من التوبة الحقيقة، تلك التوبة التي صدرت في زمان النبي (ص).
{لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار} في الآية السابقة، ثم يقول : {وعلى الثلاثة الذين خلفوا}، فقد جعل التوبة متوجهة إلى المهاجرين والأنصار في آية مستقلة، وجعل التوبة متوجهة إلى ثلة مؤمنة من هؤلاء في آية أخرى.. {وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم}.
إن هؤلاء الذين تخلفوا عن الجهاد -أي الغزوة- بين يدي الرسول، وفي سبيل الله عز وجل، لم يتخلفوا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للنفاق، ولم يكن هناك موقف اعتقادي لأجل هزيمة المسلمين أو كسر شوكتهم.. ومع إنه لم يكن هنالك موقف نظري أو عقائدي، مع ذلك عاشوا هذه الأزمة بعد تخلفهم عن الجهاد.. معنى ذلك أن الخطوة الأولى للتوبة الحقيقية، هذا الانقلاب النفسي الذي أصاب هؤلاء المؤمنين.. أولا: ضاقت عليهم الأرض بما رحبت.. هؤلاء رأوا بأن هذه الدنيا لا تحتملهم.. فكيف يعيشون على وجه أرض، رب هذه الأرض ورب السماوات والأرضين، لا يرضى عنهم، فضاقت عليهم الأرض بما رحبت.. إن هذا الإنسان الذي يعيش هذه الندامة، هل تستهويه شهوة صغيرة في هذه الدنيا؟.. فالأرض برحبها وسعتها لا تسعه.. فكيف بامرأة جميلة، أو شهوة عابرة؟.. إن هؤلاء قد عاشوا مسألة الندامة بكل صورها .
إن التاريخ لم يذكر جزئيات ماوقع عليهم، لقد ذهبوا إلى الجبال هاربين من المدينة لما هم فيه.. فلو أنه ذهبت إليهم امرأة لتغريهم، وهم في قمة الجبال يستغفرون ربهم، لن يلتفتوا إلى ذلك.. لأن الأرض برحبها ضاقت عليهم، وضاقت عليهم أنفسهم.. فهذه النفس العاصية يرونها لا تتحمل.. فمن الدرجات العليا والجميلة، أن يعيش الإنسان هذه الدرجة.. فهذه النفس وهي أحب الأمور للإنسان، إذا رآها الإنسان تعيش شيئا من المعصية والنفور عن طاعة الله عز وجل، لا يعد يتحمل حتى هذه النفس.. فالأرض ضيقة، والنفس لا تتحمل، وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه..أي تيقنوا!.. هذا هو معنى الانقطاع، الذي لو وصل إليه الإنسان المؤمن، فتحت له أبواب السماوات.. أي أن يعيش حالة الإنقطاع القهري إلى الله عز وجل.. بحيث لا يرى ملجأ في الأرض، ولا ملجأ في النفس، حتى النبي (صاى الله عليه و آله وسلم ) الذي هو رحمة لهذه الأمة، لا ينفعهم شيئا، إذا لم يأذن الله عز وجل بذلك.
عندئذ تاب الله عليهم ليتوبوا، فالتوبة تمر بثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: البادرة الطيبة، وهي نية عدم العود، ونية ترك المعصية.
المرحلة الثانية: الإلتفاتة الإلهية، (تاب الله عليهم).. فالله عز وجل لا يتوب عن العبد جزافا، إلا إذا رأى فيه بادرة طيبة.
المرحلة الثالثة: الحركة إلى الله عز وجل، ثم (ليتوبوا).. أي هناك توبة أولية هي ( البادرة) وهناك توبة حركية، وهي تلك التوبة التفصيلية، التي تترتب على توبة الله عز وجل .
إن هؤلاء الثلاثة: كعب، وزرارة، وبلال.. تخلفوا عن النبي في إحدى الغزوات، ثم ندموا.. ولما رجع النبي (ص) من الغزوة، جاؤوا إليه واعتذروا، فلم يكلمهم النبي، وتقدم إلى المسلمين بأن لا يكلمهم أحد منهم.. فالنبي (ص) حاصرهم محاصرة اجتماعية، وأوصى المسلمين أن لا يكلموا هؤلاء، ليعيشوا جو المقاطعة الاجتماعية.. نعم، إذا توقف النهي عن المنكر على محاصرة إنسان اجتماعيا، فينبغي ذلك .
تقول الرواية: حتى الصبيان امتنعوا عن الحديث معهم.. وجاءت نساؤهم إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) فقلن: يارسول الله!.. نعتزلهم؟.. فقال: لا، ولكن لا يقربوكن –أيضا مقاطعة بدرجة من الدرجات- انظروا إلى وعي الأم المسلمة!.. كيف أن المرأة تأتي لتستأذن رسول الله (صلى الله عليه وآله و سلم ) بمقاطعة الزوج!.. فضاقت عليهم المدينة، وهربوا إلى رؤؤس الجبال، وكان أهاليهم يجيئون لهم بالطعام، ولا يكلمونهم.. فأوامر النبي (صلى الله عليه وآله و سلم ) بعدم التكليم، أما الطعام فلا بد منه.
هذه هي قمة الندامة!.. وهذا كله في جانب، وهذه الفقرة في جانب، فقال بعضهم لبعض: قد هجرنا الناس، ولا يكلمنا أحد منهم.. فهلا نتهاجر؟.. فنحن الثلاثة على قمة الجبل، فليقاطع كل منا الآخر- وذلك مبالغة في التعذيب النفسي- فتفرقوا، ولم يجتمع منهم اثنان.. وانتشروا في الجبال، كلٌ ينادي ربه ويناجيه.. وبقوا على ذلك مدة خمسين يوميا يتضرعون إلى الله عز وجل، ويتوبون إليه.. فقبل الله توبتهم، وأنزل فيهم هذه الآية، آية خالدة في القرآن الكريم، نتلوها الآن تخليدا لهذه الذكرى المباركة من التوبة الحقيقية بين يد الله عز وجل.


منقول بتصرف
************************************************** *****************************

حميد
عاشق العراق

26 - 12 - 2015

معكم ألتقي ............ بكم أرتقي
قديم 01-23-2016, 08:45 PM
المشاركة 29
حميد درويش عطية
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
بسم الله الرحمن الرحيم
التجليات الإلهية
{وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ - الأعراف - 142}.. إن هذه الآيات آيات غريبة حقا، وهي آيات متعلقة بنبي الله موسى (ع).. فاللقاء الإلهي هنا كان ثلاثين ليلة، ولكن الله -عز وجل- تفضل على موسى، وزاده عشرا.. نستطيع أن نستخلص من ذلك عدة دروس، منها:
الدرس الأول: أن الإنسان بالدعاء الحثيث لإحراز القابلية، تُمدد له العطاءات المعنوية.. فاللقاء الإلهي في طور سيناء، هو لقاء مغتنم ومصيري لنبي الله موسى (ع)، وقد كان بالإمكان أن يواعده منذ البداية أربعين ليلة، ولكنه جعل الموعد على مرحلتين: أولى وثانية.. و"لعله ذكر الليالي دون الأيام -مع أن موسى مكث في الطور الأربعين بأيامها ولياليها.. والمتعارف في ذكر المواقيت والأزمنة ذكر الأيام دون الليالي- لأن الميقات كان للتقرب إلى الله -سبحانه- ومناجاته وذكره، وذلك أخص بالليل وأنسب.. لما فيه من اجتماع الحواس عن التفرق، وزيادة تهيؤ النفس للأنس.. وقد كان من بركات هذا الميقات نزول التوراة".
فإذن، إن الله تعالى قد اختار الليل، ليدل على أن اللقاء الإلهي يتجلى في الليل.. صحيح أن النبي هو موسى (ع)، والمتكلم هو الله عز وجل، والمكان المقدس طور سيناء.. لكن ليله يختلف عن نهاره.. وعليه، فإن هذا درس للجميع، ليغتنموا الليل لخصوصيته واختلافه عن النهار.
لدرس الثاني: {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ}.. إن موسى (ع) يذهب للقاء الله وفكره وقلبه في أمته!.. وهذا اللقاء لقاء تخصصي مع الله عز وجل، فقد كلمه تكليما، وأعطاه الله ما لم يعطه للأنبياء السلف: من الحديث المباشر، وخلق الكلام.. ومع ذلك فإن قلبه مع الأمة!.. ومن هنا نعلم الجامعية في التكليف، فالإنسان الذي يصلي صلاة الليل، وهو في قمة إنشغالاته المعنوية، عليه أن لا يهمل أمر من حوله: سواء الزوجة، والذرية، والأرحام، والمجتمع، والجيران.. لا أن يتذرع بأنه مشغول بالمناجاة، فيعيش الفناء الإلهي، والذوبان في المعاني القدسية، وينسى تكليفه الإجتماعي.. فهذا موسى (ع) يذهب، ويعيّن الوصي في قومه.
الدرس الثالث: أن موسى (ع) يعلم بأن الميقات ثلاثين أو أربعين ليلة، ومع ذلك لم يترك الأمة دون وصي فقال: {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ}.. فمعنى ذلك أن هناك مفسدين في الأمة، ووجود النبي في الأمة يمنع المفسد من إظهار إفساده؛ لأن وجود النبي رحمة.. ومن هنا وقعت الواقعة في أمة نبينا الخاتم (ع)، وهذه الرواية المعروفة: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) أراد النبي (ص) أن يُفهم الأمة من خلالها، أنه كما أن غياب موسى (ع) عن الأمة من دون هارون، كان عرضة لظهور المفسدين.. فكذلك إن غياب النبي (ص) عن الأمة من دون وصي، سيكون عرضة لغلبة المستوليين، وانحراف الخط عما رسمه الله تعالى.
الدرس الرابع: {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ}.. فهنا الأبحاث القرآنية معمعة، لماذا قال موسى (ع): { رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ}؟.. إن موسى (ع) هو خامس أنبياء أولي العزم، وهو كليم الله.. فإذن، هو أعرف الناس بالله، وصفات كماله، وجماله.. فهل يقول موسى (ع) لربه: {أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ}، كما أرى الأشياء: كالجبل والأمور المادية؟.. حاشا هذا!.. فإن من أولويات إعتقاد المؤمن العادي، بأن الله -عز وجل- كما يقول تعالى في القرآن الكريم: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ}.. فهذه الآية لم تأتِ بشيء جديد، إنها بيان لحقيقة يفهمها جميع الأنبياء والمتبعين لخط الأنبياء.
وبناء على ما تقدم، كيف يقول موسى (ع): {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ}؟.. وهنا انزلق البعض في البحث، وقال: نعم، موسى (ع) طلب من الله -عز وجل- الرؤية الحسية، وكما قلنا: فإن هذا لا يليق بالمؤمن العادي، فضلا عن النبي العادي، فضلا عن نبي من أولي العزم!.. فإذن، إن ما طلبه موسى (ع) هي -قطعا- الرؤية الممكنة!.. والرؤية التي تتناسب مع حقيقة الربوبية، وهي الرؤية التي لا تتوقف عند الحس، كما في النص الشريف: (رأته العيون بحقائق الإيمان، ولم تره بمشاهدة العيان).. إنه نوع من أنواع التجلي، والرؤية القلبية.
إن الله -عز وجل- قد تجلى للبصر: من خلال الشجر والماء، ومن خلال التكوين من الذرّة إلى المجرّة.. وكذلك تجلى للقلب بنوع آخر.. كما أن له أفلاك ومجرات وزينة في السماء، يتجلى بها للمؤمنين.. فكذلك يتجلى بلون آخر لعباده المخلصين.. فإذن، إن هذا هو التجلي، والرؤية التي أرادها موسى(ع) من الله عز وجل.. فما المانع أن يقتدي المؤمن بني الله موسى (ع) بأن يطلب نوعا من أنواع التجلي، أو نوعا من أنواع الرؤية المتناسبة مع عظمة الربوبية؟!.. إنها رغبة مقدسة وعظيمة!..
الدرس الخامس: {قَالَ لَن تَرَانِي}.. فإذا كان موسى (ع) قد طلب الرؤية المعنوية، فلماذا قال: لن تراني؟.. وإذا كان لن تراني، تشير إلى الرؤية الحسية، فلماذا طلب موسى (ع) الرؤية؟.. وهنا قد يبدو شيء من التعارض بين جزئي الآية.. وهنا أيضا بحث دقيق في هذا المجال: {قَالَ لَن تَرَانِي} بمعنى -هكذا أفضل وجوه الجمع- يا موسى!.. إن هذه الدنيا، وطبيعة الحياة الدنيا، لا تسمح لذلك التجلي الخاص الذي أردته مني.. نعم، تراني بمشاهدة القلوب، وكما قال تعالى في سورة أخرى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}.. نعم، إن مقدار من التجليات الإلهية مدخرة في الآخرة.. فموسى (ع) عبارة عن روح وجسد، وهو محكوم ببعض علائق الأرض، وطبيعة الحياة الأرضية لا تسمح ببعض التجليات.. فـ{قَالَ لَن تَرَانِي} بمعنى أنك لن تراني بتلك التجليات والرؤية الخاصة التي يرى ربنا في يوم القيامة.
وبعبارة واضحة: يا موسى!.. لي تجليات في الدنيا، وأخرى في الآخرة.. فهناك قسم من التجليات يمكن أن تشاهدها في الدنيا، من خلال عبادتك، ومناجاتك، وحديثك معي.. وقسم مدخر للآخرة.. كما أن الرحمة الإلهية كذلك، فرحمة الله بعثت النبي الخاتم، ورحمة الله بعثت هذا الوجود.. ولكن هل تعلمون بأن رحمة الله في هذه الدنيا، هي جزء من أجزاء الرحمة الواسعة، ولعله قد ورد في بعض التعابير: أنها جزء من مئة.. فإذن، إن الرحمة الإلهية تتجلى في القيامة بأوسع صورها، مع أنه في الدنيا هناك أيضا رحمة إلهيه متجلية.
لدرس السادس: {وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ}.. أي يا موسى!.. إذا أردت التجلي الخاص، فإني أعطيك أثرا وعيّنة.. فأنا أتجلى لهذا الجبل تجليا لا تحتمله الدنيا.. والجبل عنصر من عناصر المادة، وهو يشترك مع موسى (ع) في أن كليهما محكومان بقوانين المادة.. فتجلى ربنا ذاك التجلي الخاص للجبل، فـ{جَعَلَهُ دَكًّا}؛ أي أصبح مدكوكا متلاشيا في الجو.. {وَخَرَّ موسَى صَعِقًا}؛ أي مغشيا عليه من هول ما رأى.. فكلاهما اندكا كل بحسبه.
فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}؛ أي رجعت إليك مما اقترحته عليك، وأنا أول المؤمنين بأنك لا ترى، ولن أطلب تلك الرؤية قبل وقتها.
فإذن، إن المؤمن في الدنيا يحب أن يصل إلى بعض المدارج المعنوية العليا جدا، والله يحجبها عنه.. لا لبخل في فيضه، وإنما لعدم تحمل المؤمن لبعض صور العنايات الخاصة.. ولذا، فإن على المؤمن أن يطلب ويقنع.. فعليه أن يطلب الدرجات العليا، ويقنع بما يُعطى.. لأنه هو الخبير والبصير بقابليات العباد، وبما يستحقونه من قوتٍ، سواء في عالم المادة أو في عالم المعنى.

منقول بتصرف
************************************************** *******************************************
حميد
عاشق العراق
23 - 1 - 2016

معكم ألتقي ............ بكم أرتقي
قديم 03-04-2016, 04:11 PM
المشاركة 30
حميد درويش عطية
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
متى يفلح المؤمنون؟ (1-المؤمنون / ج18)
{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} . إن الآية تبدأ بـ{قد أفلح المؤمنون}.. والفلاح لم يخصص، إن كان للدنيا أو للآخرة.. بل جاء كمعنى عام، ينطبق على الفلاح الدنيوي والأخروي.. فالقرآن أعطى أول درس من دروس الإيمان، بأن من يريد السعادة المنشودة، والإطمئنان القلبي -تلك الضالة التي قد فقدها أهل الدنيا جميعاً، ما عدا المؤمنون- فإن هذه السعادة لايمكنها أن توجد، إلا في ضمن جو الإيمان، لأن السعادة هي حالة من حالات القلب: كالإرتياح، أو الحزن، أو كالإكتئاب، وما شابه ذلك.. وإن الذي خلق القلب والنفس، هو الأدرى بما يدخل السرور والسعادة في هذه النفس.
فإذن، لا يمكن أن تتحقق السعادة والإطمئنان في القلب، إلا بمراجعة الوصفة التي جاءت من قِبل مقلِّب القلوب، بل خالق القلب.. وعليه أن نمتع البدن، فأهل الدنيا أرادوا سعادة النفس، من خلال سعادة البدن.. وبتعبير آخر: من خلال إعطاء البدن ما يشتهيه: كشهوتي البطن، والفرج.. فهاتان الشهوتان، اللتان شغلتا أهل الدنيا: برجالهم ونسائهم.. وهنا تكمن المغالطة، من حيث أنه لا يوجد ارتباط بين عالم البدن، وعالم النفس.. فأن تسعد البطن، والفرج، والجلد، والعين، والأنف، والإذن.. فما علاقته بالنفس؟.. فإذا أكل زيد طعاماً، فهل يشبع عمرو؟.. فالروح والبدن، كزيد وعمرو، فهذا يأكل، والآخر يبقى جائعاً.. فلقد حصل اشتباهاً عند أهل الدنيا، فخلطوا ما بين الجسم والبدن، فتوغلوا في إعطاء المادة والبدن ما يشتهيان.. وبالتالي بقيت الروح دون غذاء، فلم يحققوا شيئاً من مقاصدهم.
{الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}.. إن هناك فروعا متعددة للدين، والصلاة أحد فروع الدين، التي لها أحكامها.. وإقامة الصلاة هو مقدم على الخشوع، ولكن القرآن الكريم ذكر الأعلى، ليكون الأدنى في ضمنه.. فالإنسان الخاشع، فهو بلا شك مقيم للصلاة في أول الوقت ومحافظ عليها.. ولهذا في ختام هذه السلسلة من الآيات، جاءت هذه الآية الكريمة: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ}.. فالإنسان الخاشع يستلذ في الصلاة، والحديث مع رب العالمين.. وكأن الله عز وجل -تلك الشخصية المحبوبة- أغلق الأبواب على محبيه، فيتجلى لهم بين فترة وأخرى.. وأما في أوقات الصلاة، فبابه يكون مفتوحا للجميع، بمثابة عاشق بباب من يهواه، وهو ينتظر.. فيُفتح الباب فتحاٍ رسمياً، في اليوم خمس مرات.. ولهذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كان يشتاق الى أول الصلاة، وكان ويقول: أبرد يا بلال، وكان الأئمة تتلوّن ألوانهم من الوضوء قبل الصلاة، كل ذلك لأن الصلاة عبارة عن إذن بلقاء للمطيع والعاصي.. ولهذا فإن الإنسان العاصي، عندما يدخل الصلاة، ويهتم بأن يخشع في صلاته، بمجاهدات وبمحاولات يصل إلى هذه النقطة من الخشوع.. فإذن، إن من صفات المؤمن الخشوع .
يقول تعالى في آية: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}، وفي آية أخرى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}.. فالذي لايخشى، ولا يخشع، فهو إنسان لا يعرف الله، وليس له علم بالله عز وجل.. هناك ما يسمى بالإيمان التعبدي.. وكما يقول بعض علماء الأخلاق: إن العلم إذا لم يتحول إلى سكون واطمئنان في القلب، لا يسمى إيماناً.. فالإيمان إيمانٌ إذا أوجب الإطمئنان في القلب.. فالناس قد علموا بالله عز وجل، ولهذا أسلموا، والإسلام هو العلم، والإقرار بالله عز وجل.. أما الإيمان فهي مرحلة أرقى من مرحلة العلم.. فالقلب الذي لا يفوّض أمره إلى الله تعالى، وكذلك القلب الذي يخشى من انقطاع الرزق، والإنسان الذي يخاف المخلوق.. فهذا الإنسان لا يعد مؤمناً بالله عز وجل، لأنه لم يحقق السكينة والإطمئنان في حركة حياته.
{وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ}.. فقهياً لايمكن القول بأن كل صور اللغو محرمة.. فمثلاً: إذا كان الإنسان يقوم بلعبة غير قمارية، ومن دون مرابحة، فمن الناحية الفقهية تكون هذه اللعبة جائزة.. ولكن المؤمن يعرض عن هذا اللغو.. فالقرآن آياته كالنجوم في مواقعها، فلم يقل الله تعالى: الذين هم للغو تاركون، بل قال: {معرضون}.. والإنسان المعرض هو الذي يعتقد بتفاهة الشيء، فهناك فرق بين أن يترك الشيء، وهو متعلق به، خوفاً أو طمعاً أو حياء من الناس.. ولهذا في الشريعة أن أكل الخبائث غير جائز.. فأكل الحشرات والبهائم التي لايمكن أن تؤكل والقاذورات والحشائش.. فالشارع المقدس في القرآن الكريم، لم يذكر آية واحدة في الزجر عن أكل الحشرات المضرة، أو التي لا يمكن أن تؤكل.. لأن الناس بطبيعتها معرضة عن أكل الخبائث.. والمؤمن يصل إلى درجة، يكون انصرافه عن اللغو، بحيث لا يحتاج إلى معاناة.. ولكن اشتغاله باللغو إذا أجبر على ذلك، فهو يحتاج إلى معاناة. مثلاً أن ينظر إلى برنامج غير هادف، مراعاة إلى جو معين، أو أي هدف كان.. فإنه يعيش في حالة من الغليان الداخلي، لأنه ينظر ويشتغل بشيء هو معرض عنه.. ولهذا فإن الإنسان المحب للغو، ويحب ما لا نفع فيه.. ولكن يمنع نفسه منعاً، ويكبح جماحها كبحاً.. فإن هذا الإنسان غير مؤمن واقعي، لأنه غير معرض عن اللغو.. واللغو مقولة نسبية، فقد يكون لإنسان برنامج معين في التلفاز في مجال تخصصه، ويوجد إنسان آخر بالنسبة إليه أن هذا البرنامج لا يعنيه.. فهذا البرنامج يعتبر للأول هدف، وبالنسبة للآخر فهو لغو.. فعلى المؤمن أن ينظر إلى دائرة اللغو في حياته.. فإذا كان هو غير معني بهذا الأمر، فهو إنسان مشتغل باللغو، وقد قيل: بأن كل نظرة لا عبرة فيها، فهو لغو أو سهو.. وكذلك إن كل قول ليس فيه حكمة، فهو لغو أو سهو.
وتتسلسل الآيات الى أن تقول: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}.. فكما قد يكون المبلغ المالي أمانة، فكذلك أن الزوجة تعد أمانة، والأسرة، والذرية، وكل هذه الأمانات بأيدي المؤمن.. فالمؤمن الذي يخشع في صلاته، ويترك اللغو، ويحافظ على فرجه، وإلى آخره.. ولكنه لا يراعي أمانته.. قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ): (ملعونٌ ملعونٌ!.. من ضيّع من يعول).. فالإنسان إن كان يعول إنسانا آخر، أو مجموعة من البشر، وهذا الإنسان قد ضيّعهم، فهو ملعون: أي مطرود من رحمة الله عز وجل.
{أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ}.. إن أهل الجنة يدخلون الجنة وهي بكر {فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان}.. فالحور كذلك، والغلمان لم يخدموا أحداً غير نساء ورجال الجنة، والقصور غير مسكونة، تسكن لأول مرة.. فإذن، لماذا قال: {الوارثون}؟.. فالإرث هو عبارة عن الإستفادة من متاع الغير، وقد قال العلماء قولاً جميلاً في هذا الخصوص: إن الإرث هو عبارة عن المال الذي كان في معرض الغير، ثم انتقل اليك.. فمثلاً هذا المال كان لأبيك يستمتع به، ومن ثم انتقل إليك.. أو أن هذا المال كان بالإمكان أن ينتقل للآخرين، ولكنك أنت أولى بهذا المال من غيرك.. فالمقصود بأن الجنة كانت بمعرض الجميع، والكل بإمكانه أن يدخل الجنة.. ولكن يوجد من قصّر، ودخل مَن دخل نار جهنم.. ولكن المؤمن نال هذه الجنة، التي كان من الممكن أن يصل إليها الآخرون.. ففي مضامين بعض الروايات أن الإنسان إذا دخل النار يقال: هذا موقعك في الجنة.. أي هذا مكانك في الجنة التي قد حُرمت منها.. ومن الممكن كذلك، أن الإنسان في يوم القيامة -حتى يعلم قدر الجنة- يرى موقعه من النار ويقال: هذا موقعك في النار، ولكن الله عز وجل خلّصك منها، ليبالغ في الدعاء والشكر، عندما يرى موقعه في الجنة.. وقد ورد في الروايات –ما مضمونها-: (أن لكل إنسان منزلاً في الجنة، ومنزلاً في النار.. فإذا مات ودخل النار، وُرثَ أهل الجنة منزله).. أي يحتلون ذلك المكان، الذي كان ينبغي أن يسكن فيه .
منقول بتصرف
************************************************** *****************************
حميد
عاشق العراق
4 - 3- 2016

معكم ألتقي ............ بكم أرتقي

مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: [ " نفحات ٌ قرآنية ٌ "............ ]
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الفرق بين كلّ من "البِشْر" و"الهشاشة" و"البشاشة" : ماجد جابر منبر الدراسات النحوية والصرفية واللغوية 4 04-11-2022 08:23 PM
الفرق بين " الوَقـْر " بالفتح . و" الوِقْـر " بالكسر " دكتور محمد نور ربيع العلي منبر الحوارات الثقافية العامة 19 05-15-2021 07:12 PM
التحليل الأدبي لقصيدة"ملاكي" للأديبة "فيروز محاميد" بقلم: ماجد جابر ماجد جابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2 09-04-2012 11:11 PM
[ " مصطلحات قرآنية " ........... ] حميد درويش عطية منبر الحوارات الثقافية العامة 15 08-31-2010 01:47 PM

الساعة الآن 05:31 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.