قديم 09-23-2012, 06:58 PM
المشاركة 11
حميد درويش عطية
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
لمحة في إعجاز القرآن الكريم
القرآن الكريم هو كتاب الله الذي أحكمت آياته، وأتقنت فصوله، وأبدعت جمله، واختيرت كلماته ، وعلا أسلوبه، واتفقت معانيه، وائتلفت مبانيه؛ فلا ترى فيه عوجا ولا أمتا، ولا تجد فيه اختلافا ولا تناقضا، وصدق الله إذ يقول :
﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [ فصلت : 42 ]
ومن ثم كان القرآن الكريم مناط أنظار العلماء، وموضع عنايتهم في القديم والحديث، وإن تعددت جهات نظرهم إليه، وتباينت مشاربهم منه .
ونحن في هذه الكلمة الموجزة نحاول أن نلم إلمامة يسيرة بناحية من نواحي عظمة هذا الكتاب الحكيم، وهي ناحية إعجازه، فنقول:
أنزل الله هذا الكتاب فأعجز به سائر البشر، ووقفوا منه في كل زمان ومكان موقف المبهوتين الذين بهرهم أسلوبه، وأخذت بمجامع قلوبهم جزالته، واستولت على نفوسهم عظمته، حتى إن بعضهم كان يعترف بقوة القرآن الكريم، وعظيم سلطانه على النفوس حينما يثوب إلى رشده، ويخلع رداء العصبية الجاهلية عن نفسه .
وليس أدل على إعجاز القرآن الكريم من نزوله على رسول الله صلى الله عليه وسلم في جزيرة العرب حين نبوغهم في صنعة الكلام، ونظم الشعر، وترسيل الرسائل، ونسج الخطب، وتفوقهم في أساليبها وتنسيقها، وجولاتهم الكثيرة المتتالية في ربوع القول، وأفانين الحديث، بل كانت إجادة القول غاية فخرهم، ونهاية شرفهم. ومنتهى ما تصبو إليه نفوسهم، وكانت لهم أسواق يقيمونها يقصد إليها الناس من كل صوب، ويؤمونها من كل حدب؛ يتبارون في إنشاد الشعر وإلقاء الخطب، متفانين في ذلك إلى حد كبير، حتى ظهر ذلك الفرقان العظيم والذكر الحكيم، على يد ذلك الأمي الكريم، الذي يعلمون عنه تمام العلم أنه لم يتلق عن أستاذ، ولم يجلس إلى فيلسوف، ولم يقرأ سفراً، ولم يكتب سطراً، فأخرس ألسنتهم، وأخمد أنفاسهم، فلم يجدوا حينئذ جوابا!.
سب آلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله تعالى، وسفه أحلامهم، وجهلهم غاية التجهيل، وطلب إليهم أن يعارضوه فما استطاعوا، مع شدة حرصهم على معارضته، والتماس الوسائل قريبها وبعيدها لإبطال دعوته. تحداهم أن يأتوا بمثله كما قال تعالى :
﴿ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ [ الطور : 34 ]
وأمهلهم طوال الأيام فما نطقوا؛ فتنزل معهم إلى عشر سور حيث قال:
﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [ هود : 13 ] . وانتظرهم فبهتوا وما تكلموا ؛ فتنزل معهم إلى سورة واحدة من سوره، فقال تعالى :
﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [ البقرة : 23، 24 ]
فخارت قواهم ، وضلت أفكارهم، وانسدت المسالك أمامهم، وغدوا بعد ذلك صاغرين .
ولعمر الحق لو كانوا يقدرون على معارضته لفعلوا، وخلصوا أنفسهم وأهليهم وأموالهم من سلطته، والخضوع لدعوته إن طوعا وإن كرها، لاسيما وتأليف الكلام الجيد أمر سهل عليهم؛ إذ أنه عادتهم في لسانهم، ومألوف خطابهم، وهم أحرص الناس على إطفاء نوره الساطع، وإخفاء أمره الصادع ، شأن كل عدو مع عدوه؛ فكيف إذاً لا يعارضون بألسنتهم، وميسور عاداتهم، وهو أيسر لهم وأهون عليهم لو وجدوا لذلك سبيلا؟ استطال عليهم بأنواع المذام والقوم أولو حمية وعصبية، ورماهم من وقت لآخر بالعجز عن مباراته، والضعف عن مجاراته، والقوم ذوو أنفة وإباء، ومع ذلك لم يتحرك منهم ساكن، ولا قام واحد منهم في وجهه، ولا حدث نفسه أن يقوم، فحكم لنفسه حكما قاطعا حيث قال :
﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [ الإسراء : 88 ]
سبحان الله! ألا فلينظر القارئ الكريم إلى هذه الثقة بالنفس، وهذا الشموخ الذي لا يدانيه سواه، هل يطيقه ويقدر عليه إلا من أحاط بقدر الناس وقواهم خبراً، ووسع كل شيء علما؟.
هل مثل ذلك القضاء القاطع بأنهم لن يستطيعوا مهما تضافروا واستظهر بعضهم ببعض أن يأتوا بشيء من مثله، هل مثل ذلك القضاء يمكن أن يكون قضاء بشريا ؟ .
كلا ! إنما ذلك قضاء العليم الخبير الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم.
إذن فالقرآن الكريم كلام الله تعالى ، أنزله على خير خلقه ، وصفوة رسله، ليكون آيته الكبرى ، ومعجزته العظمى، المؤيدة لدعوته، الشاهدة بصدق نبوته، ولا يعقل أن يؤيده بدليل يتلاشى أمام البحث، ويذهب سدى عند النقد الصحيح.
وإذا كان القرآن قد أعجز سائر العرب مع تضافرهم وتظاهرهم، وكثرة عددهم، وفصاحة لسانهم، وقوة بيانهم، وطول زمان معارضتهم، فلأن يكون لغيرهم أشد إعجازاً وأقوى مباراة وأعظم نضالا. وهل يتطاول نحو هذا الحمى ذلك الأعجمي الألكن، أو الصبي الذي لا يكاد يبين؟ بلى إن القرآن الشريف فوق طاقة جميع المخلوقين، وأعلى بكثير مما قد تصل إليه قدرهم، ولا عجب فهو تنزيل من جبار الأرض والسماء الذي إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون .
منقول بتصرف
حميد
عاشق العراق
23 - 9 - 2012
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

معكم ألتقي ............ بكم أرتقي
قديم 10-24-2013, 10:21 AM
المشاركة 12
حميد درويش عطية
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
هدف وغاية خلق الإنسان
من الحقائق التي عرض لها القرآن الكريم أن الإنسان لم يخلق سدىً لاهدف له ولا غاية ، قال تعالى : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْناكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ ) المؤمنون 115
وقال : ( إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى ) العلق 8 وقال : ( يَا أَيُّهَا الاِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ ) الإنشقاق 6.
فلقاء الله والرجوع إليه هو الهدف الذي من أجله خُلق الإنسان . الآيات لإثبات هذه الحقيقة كثيرة . قال تعالى :
( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا ) الكهف 110
وقال أيضاً : ( إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) يونس 8 .
تأسيساً على ذلك يطرح هذا التساؤل : كيف يمكن للإنسان أن يحقّق هذا الهدف ، وما هو الطريق الموصل إلى لقاء الله سبحانه وتعالى ؟
في مقام الإجابة نقول : إنّ الإنسان خُلق في نشأة الابتلاء والامتحان ; قال تعالى : ( خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) الملك 2،
فكلّ شيء في هذه النشأة لأجل امتحان الإنسان . من هنا وضعه الله تعالى على مفترق الطريق ليختار لنفسه الاتجاه الذي يريد ، قال تعالى :
( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ] الإنسان 3 وقال تعالى : ( فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) الكهف 29 .
فإذا استطاع الإنسان أن يقف على الطريق الذي يوصله إلى الهدف الذي خلق من أجله فهو المهتدي ، وإلاّ فيكون من الضالّين .
وانطلاقاً من هذه الحقيقة ، يدعو الإنسان ربّه مرّات عديدة في صلواته اليومية ( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ) الفاتحة 6 , لأنّ أفضل الطرق وأحسنها وأقصرها للوصول إلى الهدف هو الصراط المستقيم ،
وإذا لم يوفّق الإنسان لسلوك هذا الطريق فهو ضال لا محالة ، ولا تزيده سرعة المشي في غير الصراط المستقيم إلاّ بعداً عن الهدف .
إذن فما هو الصراط المستقيم الذي يجب على السائر أن يسلكه للوصول إلى قرب الله ولقائه ؟
لقد بيّن القران الكريم ذلك بقوله تعالى : ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) آل عمران 31
وكذلك قوله تعالى ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) الأحزاب 21 .
ومن الواضح أنّ الأنبياء جميعاً وعلى رأسهم خاتم الأنبياء والمرسلين هم من الذين هداهم الله إلى الصراط المستقيم ، قال تعالى :
( كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ *
وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَع َوَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِم وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِراط مستَقِيم * ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِى بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) . الأنعام 84 - 88
على هذا يكون الصراط المستقيم الموصل إلى الله تعالى هو إتباع الخاتم ( صلّى الله عليه وآله ) . ولا يتحقّق هذا الإتباع إلاّ بالأخذ بكل ما جاءنا عنه ( صلّى الله عليه وآله ) قال تعالى :
( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) الحشر 7 وما ذلك إلاّ لأنّه ( صلّى الله عليه وآله ) (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) النجم 3 .
فالذي ينجي الإنسان من الضلالة ويهديه الصراط المستقيم هو معرفة الله والرسول . ثمّ إنّ القرآن بيّن لنا حقيقة أخرى فيما يرتبط بالإنسان حيث قال :
( لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ) التين 4 - 5 . فالإنسان وهو في نشأة الدنيا يعيش في أسفل السافلين ،
فعليه بعد أن تبيّن له الهدف والطريق أن يصعد من الأسفل إلى الأعلى ; ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) فاطر 10
وليس هذا الصعود مكانياً بل هو معنوي ، ذلك أنَّ الارتفاع والصعود إلى الأعلى تارة يكون مكانياً كما لو صعد الإنسان على مرتفع من الأرض مثلاً ،
وأخرى يكون معنوياً كما في قوله تعالى في حق إدريس ( عليه السلام ) : ( وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ) مريم 57
إذ ليس المراد هو الارتفاع المكاني ، بل ارتفاع مكانته عند الله تعالى . من هنا نجد أنّ القرآن الكريم والروايات الواردة عن النبي الأكرم ( صلّى الله عليه وآله ) ذكرت أنّ هذا الصعود إليه تعالى يحتاج إلى حبل .
قال تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا ) آل عمران 103.
بعد أن تبيّن أنّ الإنسان مسافر إلى الله تعالى ، وكادح كدحاً للوصول إليه والقرب منه واللقاء به ، وأنّ ذلك لا يتحقّق إلاّ من خلال إتباع القرآن .
أشار القرآن إلى زاد هذا السفر الإلهي ، حيث قال : ( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ) البقرة 127 .
قال أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) :
( أوصيكم عباد الله بتقوى الله التي هي الزاد وبها المعاذ ، زادُ مبْلِغ ، ومعاذ منجح ، دعا إليها أسمع داع ، ووعاها خير واع ، فأسمع واعيها ، وفاز داعيها ) .
وقد أشار القرآن الكريم إلى أن خير مطية يمتطيها الإنسان لكي يصل إلى هدفه هو قيام الليل . قال تعالى :
( وَمِنَ اللَيلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لكَ عَسَى أَن يَبْعَثكَ رَبُّكَ مَقَامًا محْمُودًا ) الإسراء 79 ، وقال تعالى : ( قُمِ اللَيلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً .* أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ) المزمِّل 2 - 4 .
فتحصّل إلى هنا أنّ أفضل مركوب يمتطيه الإنسان للسير إلى الله تعالى هو قيام الليل ، وأن أفضل الزاد هو التقوى ، وأن أفضل طريق هو الصراط المستقيم .
وبهذا يتضح دور التقوى في حياة الإنسان وموضعها في منظومة الشريعة الإسلامية، إذ كثيراً ما يقع الحث على التقوى من دون أن يتضح للسائر إلى الله موقع ذلك وموضعه في حياة الإنسان .
إقتباس وبتصرف .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حميد
24 - 10 - 2012

معكم ألتقي ............ بكم أرتقي
قديم 10-27-2013, 02:37 PM
المشاركة 13
حميد درويش عطية
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
دروس من حياة نبي الله يوسف ( عليه السلام )
إن أحسن القصص هي قصص القرآن الكريم . فحياة يوسف الصدِّيق ( عليه السلام ) من القصص الثرية بالعبر :
شاب يرى مناما ملفتا في صغر سنه ، ويحظى بمرتبة متميزة في قلب والده ، ثم تقع عليه المكيدة العظيمة من قبل إخوانه ، فيُلقى في غيابات الجب ، ليموت جوعا وعطشا .
فإذا بقافلة تمر عليه ويرونه في أسفل البئر ، فيأخذونه ويبيعونه بدارهم قليلة - وقيل أنها مزيفة - ومن ثم يدخل قصر العزيز ، ويبتلى بامرأته ، فيعاقب بالسجن سنوات طويلة -
هذا الإنسان الذي أعطي شطر الجمال في حياة الإنسان ، يوضع في غياهب السجن - . ثم يرى العزيز مناما يحتاج إلى مفسّر ، وكان يوسف ( عليه السلام ) قد اشتهر بتفسير الرؤيا في السجن ، وإذا به يصبح على خزائن الأرض .
فإذن ، إن قضية يوسف - عليه السلام - كلها فرج بعد شدة : فالنجاة من البئر ، كان فرجا بعد شدة محاولة القتل . وبعد ذلك فرج في قصر العزيز .
ثم تأتي الشدة بعد ذلك في السجن ، فيأتيه ذلك الفرج ، ويا له من فرج !. معنى ذلك أن قصة يوسف ( عليه اسلام ) هي تجربة لبني آدم ، وعليه ، فإن على الإنسان أن لا يعيش اليأس في أسوء الحالات ،
ولهذا نصحَ نبي الله يعقوب ( عليه السلام ) أولاده فقال : { يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ } . فالرَّوْحُ : يعني الرخاء ، والمتنفس ، والراحة .
{ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } . لماذا الكافر ييأس من رحمة الله ، ومن روح الله ؟. لأن الكافر لا يرى وجودا لله عز وجل . أما المؤمن فإنه يعتقد بأن هناك إلها، وأنه قدير، وأنه رؤوف .
فالمؤمن بعد هذه العناصر الثلاثة : الاعتقاد بالوجود ، والاعتقاد بالقدرة ، والاعتقاد بالرأفة . إذا وقع بأشد الأزمات فما عليه إلا بالدعاء .
لهذا قيل : بأن الدعاء سلاح المؤمن ، ومخ العباد ة . فإبراهيم الخليل ( عليه السلام ) يوضع بالمنجنيق ويرمى به في النار ، والنار كما هو معروف بأنها محرقة على طوال الدهور والأعوام .
فمن يشك في أن النار محرقة ؟. وهل أن نمردو كان يتوقع أن تنقلب النار إلى برد وسلام على إبراهيم ؟. ولكن جاءه الرَّوْحُ من حيث لا يحتسب .
ونبي الله محمد ( صلّى الله عليه وآلهِ ) يدخل في غار، وآثار الأقدام تدل على أنه دخل الغار . فهل يشك المشركون أن النبي في هذا التجويف ؟.
وإذا بالله - عز وجل - يسخّر الحمام والعنكبوت ، ليغطي على مكان النبي ( صلّى الله عليهِ وآلهِ وسلَّم ) !.
وبالتالي ، فإن الذي يقرأ قصة يوسف ( عليه السلام ) بتمعن ، لا يكاد ينتابه الريب ، في أن الله - عز وجل - هو المنفّس لكل كرب .
وإلا لو أن هذه القافلة لم تمر على بئر يوسف ، أو مرت به بعد ساعات أو أيام ، لمات يوسف ( عليه السلام ) في قعر البئر .
ولو أنهم ألقوا الدلو في البئر من دون أن ينظروا إلى ما في أعماق البئر ، أيضا لما شعروا بوجود يوسف ( عليه السلام ) .
والدرس الثاني من قصة يوسف ( عليه السلام ) : أسلوب الدعاء مع البشر :
أولا : الخطاب بلفظ الاحترام : إن أخوة يوسف ( عليه السلام ) خجلون ، جاءوا إلى يوسف ( عليه السلام ) وهو على خزئن الأض ،
{ فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ } . خاطبوه بصفة الحكومة والملك ، ولم يكونوا يعرفوا أنه أخوهم .
ثانيا : التذكير بالعنصر الاجتماعي ، والإيثار : قالوا : { مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ } ؛ أيها العزيز !.
نحن لسنا منكوبين فحسب ، وإنما معنا عوائل ، فنحن لم نأتك طلبا للفرج لأنفسنا ، وإنما وراءنا أهل أصابهم الضر .
ثالثا : التعظيم حيث قالوا : { وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ } ؛ جئنا نشتري الطعام ، ولكن يا أيها العزيز أموالنا لا تكفي، فبضاعتنا مزجاة قليلة ، فكيف نشتري الطعام بهذه الأموال القليلة ؟ .
يا أيها العزيز !. لا تعاملنا معاملة التجار، فإذا أردت أن تتعامل معنا معاملة الأسواق ، فنحن خاسرون ، وليس لدينا ما نشتري به طعاما .
رابعا : التذكير بالجزاء الإلهي : { وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ } ، ثم انتقلوا إلى جانب استعطاف آخر ، فأنت عندما تتصدق علينا ، فهذا العمل لن يذهب هباء منثورا .
فهم لم يكونوا يعلمون بأن هذا نبي الله ، وإنما كانوا يخاطبونه على أنه بشر عادي .
فإذا كان يوسف ( عليه السلام ) سامحهم ، وأكرمهم ، وعمل ما عمل . فكيف برب يوسف ؟.
إن عظمة يوسف ( عليه السلام ) ، ورأفته ، وحنانه ، هي رشحة من رشحات حنان الله وعطفه .
وعليه ، فإنه إذا أردنا أن نخاطب رب العالمين ، علينا أن نسلك هذا السلوك ، وهو: التحميد ، والتعظيم ، والتفخيم .
ولهذا فإن المؤمن لا يدعو إلا بعد أن يثني على الله حق الثناء ، ثم يصلي على النبي وأهل بيته عليه وعليهم سلام الله ، ثم يدعو .
فإذن ، التعظيم الإلهي ، ثم الاستعطاف بذكر الآخرين . ولذا فالمؤمن يستخدم في الدعاء ( نا ) : { رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ } .
والفارق بين الدعاء للفرد ، والدعاء للمجتمع ، هما حرفان : هذا حرف تقول : اللهم ارحمني !. وللآخرين تقول : اللهم ارحمنا !.
ما يضرك أن تضيف حرفا واحدا إلى دعائك ، لتوسع الدائرة من نفسك إلى من يدب على وجه الأرض ؟!.
ثم يأتي خطاب رب العالمين بعد العنصر الثاني ، الذي هو الاستعطاف الإلهي بذكر الآخرين : يا رب !. عاملنا بفضلك ، لا تعاملنا بعدلك .
كما خاطب أخوة يوسف العزيز : يا أيها العزيز تصدق علينا ، فإن الله يجزي المتصدقين .
فهذا الاسلوب علينا أن نتبعه في خطاب الله عز وجل . وأخيرًا تقول : يا رب !. أمرت بالعفو وأمرت بالتصدق ،
فهذه الآيات وإن كانت كلمات صادرة من أخوة يوسف ومن يوسف ( عليه السلام ) ، إلا أنها مقبولة عند الله عز وجل ، ولو لم يكن هذا الكلام تاما كاملا ، لما نقله القرآن الكريم .
وعليه ، فإن القضية يجب أن تكون هكذا في دعائنا لله عز وجل ، علينا أن نعيش هذا الجو بحذافيره ؛ ليأتي ذلك الفرج الذي أتى ليوسف ( عليه السلام ) .
مقتبس بتصرف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حميد
27 - 10 - 2013

معكم ألتقي ............ بكم أرتقي
قديم 11-01-2013, 01:35 PM
المشاركة 14
حميد درويش عطية
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تفسير القرآن بالقرآن
لماذا يجب تفسير القرآن بالقرآن ؟ استُدلّ لهذه النظرية بدليلين :
الدليل الأوّل : لكي يتّضح هذا الدليل لابدّ من الإشارة إلى عدّة مقدّمات :
الأولى : إنّ القرآن الكريم كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، لأنّه معجزة النبي ( صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّمَ ) الخالدة إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها .
قال تعالى : ( وَإنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيد ) ( فصّلت : 41 - 42) والباطل نقيض الحقّ كما يقول الراغب في ( المفردات ) .
وهو ما لا ثبات له عند الفحص عنه ؛ قال تعالى : ( ذَلِكَ بـِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ ) ( الحجّ : 62 ) .
قال الرازي في ذيل قوله : ( لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ ) وفيه وجوه :
لا تكذّبه الكتب المتقدّمة كالتوراة والإنجيل والزبور، ولا يجيء كتاب من بعده يكذّبه .
ما حكم القرآن بكونه حقّاً لا يصير باطلاً ، وما حكم بكونه باطلاً لا يصير حقّاً .
معناه أنّه محفوظ من أن ينقص منه فيأتيه الباطل من بين يديه ، أو يزاد فيه فيأتيه الباطل من خلفه ،
والدليل عليه قوله تعالى : ( وَإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ( الحجر : 9 ) فعلى هذا فإنَّ الباطلَ هو الزيادة والنقصان .
يحتمل أن يكون المراد أنّه لا يوجد في المستقبل كتاب يمكن جعله معارضاً له ولم يوجد فيما تقدّم كتاب يصلح جعله معارضاً له .
وقال الزمخشري : ( هذا مثل كأنّ الباطل لا يتطرّق إليه ولا يجد إليه سبيلاً من جهة من الجهات حتّى يصل إليه ويتعلّق به ) .
أمّا قوله تعالى في ذيل الآية : ( تنزِيلٌ مِنْ حَكِيم حَمِيد ) فهو الدليل على عدم وصول الباطل ـ بأيّ طريقٍ ـ إلى القرآن . فالباطل قد يسري إلى الكلام الذي يصدر من الأفراد ذوي العلم المحدود والقدرات النسبية ،
أمّا الذي يتّصف بالعلم المطلق والحكمة المطلقة ويجمع كلّ الصفات الكمالية التي تجعله أهلاً للحمد ، فلا يطرأ على كلامه البطلان ، ولا ينسخ أو ينقض أو تمتدّ إليه يد التحريف .
ولا يتناقض كلامه مع الكتب السماوية والحقائق السابقة ، ولا يعارض بالمكتشفات العلمية الراهنة أو تلك التي يكشفها المستقبل .
والحاصل فإنّ الآية واضحة الدلالة على نفي التحريف عن القرآن ، سواء من جهة الزيادة أو النقصان ، وهذا ما اتّفقت عليه كلمة المحقّقين من علماء المسلمين .
الثانية : إنّه لا يوجد بين مضامين القرآن الكريم أيّ اختلاف أصلاً . لقوله تعالى : ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً ) ( النساء : 82 ) . وهذا قياس استثنائي مؤدّاه : لو كان القرآن من عند غير الله لوُجد فيه اختلاف كثير ، وحيث لا يوجد فيه ذلك ، فهو من عند الله سبحانه .
وجه الملازمة بين المقدّم والتالي أنّ غيره تعالى من الموجودات الواقعة في هذا النشأة ، كلّها قائمة على أساس التحرّك والتكامل ، وهذا قانون عام يجري في الإنسان أيضاً ،
فلا ترى واحداً من هذه الموجودات يبقى آنَينِ متواليَينِ على حال واحد ، بل لا يزال يختلف من حال إلى حال .
أمّا دليل بطلان التالي وهو عدم وجود الاختلاف فيه فهو مستبطن في المقدّمة الأولى ؛ إذ لو وجد الاختلاف لكان متضمّناً للباطل ، والمفروض أنّه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
والحاصل المستفاد من هذه الآية المباركة أمور :
1. إنّ القرآن ممّا يناله الفهم العادي . فلو لم يكن كذلك لما أمر سبحانه وتعالى الناس بالتدبّر والتأمّل فيه لمعرفة الحقّ ،
وإنّ التأمّل فيه يهدي صاحبه إلى كون القرآن من عند الله تعالى العليم بمصالح عباده الذي يهديهم بما يصلح أمرهم .
2. إنّ القرآن الكريم كامل مكمّل من جميع الجهات ، لا يقبل الاختلاف ولا التغيير ولا التحوّل والنسخ ولا الإبطال ولا التهذيب ولا التكميل ، فلا حاكم عليه أبداً ؛
لأنّ ذلك كلّه من شؤون الاختلاف. فإذا كان منفيّاً عنه بالكلّية ، فلا يقبل القرآن أيّاً منها ، ولازم ذلك أنّ الشريعة الإسلامية مستمرّة إلى يوم القيامة .
3. إنّ هذا الكتاب لمّا كان كاملاً من كلّ جهة ، لابدّ أن يكون نازلاً من عند الكامل المستجمع لجميع صفات الكمال الذي لا يُتصوّر النقص فيه أبداً ، وليس هو إلاّ الله سبحانه ،
لأنّ غيره تعالى سواء كان إنساناً أو ملكاً أو أيّ مخلوق آخر ، قرين النقص والاختلاف ، فلا يمكن أن يصدر منه ما ليس فيه اختلاف ، وإنّ الكمال مهما بلغ من الشأن في المخلوق فهو محدود ،
والقرآن بعجائبه وغرائبه غير محدود ، فهو المعجزة الخالدة ، لذا عبّر عنه سيّد المرسلين صلى الله عليه وآله بقوله : ( لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه ) .
الثالثة : مضافاً إلى ما ثبت من أنّ القرآن كتاب لا يأتيه الباطل وأنّه لم يقع فيه الاختلاف ، هناك خصوصية ثالثة وهي أنّ آياته متشابهة ، والتشابه هو توافق أشياء مختلفة واتّحادها في بعض الأوصاف والكيفيات ،
وقد وصف الله سبحانه جميع القرآن بهذا الوصف حيث قال : ( اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابـِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ) ( الزمر : 23 )
والمراد كون آيات الكتاب ذات نسق واحد من حيث جزالة النظم ، وإتقان الأسلوب ، وبيان الحقائق والحكم ، والهداية إلى صريح الحقّ ، كما تدلّ عليه القيود المأخوذة في الآية .
وهذا غير التشابه الذي في المتشابه المقابل للمحكم ، فإنّه صفة بعض آيات الكتاب وهذا صفة للجميع .
وقوله سبحانهُ : ( مثاني ) جمع مثنية بمعنى المعطوف ؛ لانعطاف بعض آياته على بعض ورجوعه إليه بتبيين بعضها وتفسير بعضها لبعض من غير اختلاف فيها بحيث يدفع بعضه بعضاً ويناقضه .
قال الرازي في ذيل هذه الآية: ( إنّ كلّ ما فيه من الآيات والبيانات فإنّه يقوّي بعضها بعضاً ويؤكّد بعضها بعضاً ) .
ممّا تقدّم اتّضح أنّ القرآن كتاب :
لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
لا اختلاف بين مضامينه أبداً.
● متشابه مثاني.
وكتاب له مثل هذه الخصوصيات لا يمكن إلاّ أن يكون مفسِّراً لنفسه ومبيّناً لمعارفه دون حاجة إلى الغير ، إذ لو احتاج إلى الغير للزم أن لا يكون التدبّر فيه موصلاً إلى أنّ هذا الكتاب منه تعالى .
وهذا خلاف ما دلّ عليه قوله : ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) ، ولزم أن لا يكون القرآن أحسن الحديث يهدي به الله من يشاء من عباده إلاّ بمعونة الغير ،
والمفروض أنّه هو الدليل على صحّة نبوّة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله .
الدليل الثاني
إنّ القرآن وصف نفسه بأنّه نور وأنّه هدىً وأنّه تبيان ، فكيف يتصوّر كتاب له مثل هذه الأوصاف مفتقراً إلى هادٍ غيره ومستنيراً بنور غيره ومبيَّناً بأمر غيره ؟
إنّ الطريق لفهم القرآن يمرّ من خلال منهجين :
أحدهما : أن نبحث بحثاً علمياً أو فلسفياً أو غير ذلك عن مسألة من المسائل التي تتعرّض لها الآية حتّى نقف على الحقّ في المسألة
ثمّ نأتي بالآية ونحملها عليه . وهذه طريقة يرتضيها البحث النظري ، غير أنّ القرآن لا يرتضيها .
ثانيهما : أن نفسّر القرآن بالقرآن ونستوضح معنى الآية من نظيرتها بالتدبّر المندوب إليه في القرآن نفسه ، ونشخّص المصاديق ونتعرّفها بالخواصّ التي تعطيها الآيات كما قال تعالى :
( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء ) ( النحل : 89 ) . وحاشا أن يكون القرآن تبياناً لكلّ شيء ولا يكون تبياناً لنفسه ،
وقال تعالى : ( هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَات مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) ( البقرة : 185 )
وقال تعالى : ( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبـِينٌ ) ( المائدة : 15 )
وكيف يكون القرآن هدى وتبياناً وفرقاناً ونوراً مبيناً للناس في جميع ما يحتاجون ولا يكفيهم في احتياجهم إليه وهو أشدّ الاحتياج !
وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ) ( العنكبوت : 69 ) وأيّ جهاد أعظم من بذل الجهد في فهم كتابه ! وأيّ سبيل أهدى إليه من القرآن ! .
إقتباس بتصرف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حميد
1 - 11 - 2013

معكم ألتقي ............ بكم أرتقي
قديم 11-02-2013, 11:02 PM
المشاركة 15
حميد درويش عطية
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
يقول الله سبحانه وتعالى : { قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ * رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } ( ا لمؤمنون: 93 - 94) ،
في هاتينِ الآيتين ، يعلِّم الله تعالى نبيّه، ويعلّمنا من خلال النبي ( صلّ اللهُ علىه وأله وسلَّمَ ) ، أنّ على الإنسان عندما يستحضر مشهد يوم القيامة ،
ويشاهد الناس الذين يختلفون في التزاماتهم ، بين مؤمن يلتزم الإيمان ، وكافر يلتزم الكفر ، أو ضالّ يلتزم الضلال .
أن يطلب من الله أن لا يحشره مع القوم الظالمين الذين توعّدهم بغضبه وسخطه وعذابه ، وأن لا يجعله في هذاالمجتمع الظالم لنفسه ، الذي ابتعد عن مواقع رضا الله .
وهذا الدعاء ينبغي للإنسان دائماً أن يدعو به ربه ، عندما يرى الناس الضالين والظالمين الذين يظلمون أنفسهم بالكفر أو بالضلال أو المعصية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حميد
2 - 11 - 2013

معكم ألتقي ............ بكم أرتقي
قديم 11-03-2013, 10:27 AM
المشاركة 16
حميد درويش عطية
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
التأمل والتدبُّر والتفكُّر في القرآن الكريم
إن من يتأمل القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، يرى غير ما نرى في واقعنا المعيش .
فأنه يرى الإدانة الكاملة لممارسة أي عملية تجهيلية ضد الإنسان سواء ؛ بتجريم السؤال أو تحريم التساؤل ، أو بتزويده بمعلومات مغلوطة .
فالقرآن منذ نزوله على سيد الأولين والآخرين ( صلّى الّلهُ عليهِ و آلهِ و سلَّمَ ) فتح باب ثقافة السؤال والتساؤل على مصراعيه .
ونفض عن الوعي والشعور والعقل كل ما علق به من أوهام بيئات التخلف وصار كل شيء موضع تساؤل وتفهم .
لذلك جاء الأمر الرباني بالتفكر ، والتدبر ، والحوار ، والمجادلة ؛ في الإيمان ، والأحكام ، والعبر .
( يسألونك الخمر والميسير , وعن الأهلة وعن اليتامى , وعن الاشهر الحرم ، وعن المحيض ، وعن الروح ، وعن ذي القرنين ،
وأسألهم ما بال النسوة ، وأسألهم عن القرية ، وأسأل من أرسلنا من قبلك ، واسألوا أهل الذكر . وهلم جرا )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حميد
3 - 11 - 2013

معكم ألتقي ............ بكم أرتقي
قديم 12-05-2013, 02:55 PM
المشاركة 17
حميد درويش عطية
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
يقول تعالى في محكم كتابه :
﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ
وهذه سنّة إلهيّة تاريخيّة واضحة ، تقول إنّه لا يمكن للأمّة أن تجلس في بيوتها وتشكو لله ما يحصل لها من ظلم وتعدّ واغتصاب للحقوق وإذلال للكرامات و.. ويستجيب الله لها ، أبداً ،
إنّ هناك سنّة وقانونا ثابتاً : ﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ فلا بدّ للأمّة أن تغيّر حالة الخنوع إلى حالة النهوض والثورة والتضحية والعمل والجدّ والمواجهة ،
حتّى يستجيب الله سبحانه لها ويدحض عنها الظلم والعنوان، ويبدّل الذلّ عزّاً وكرامة ، والهزيمة فوزاً وانتصاراً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حميد

5 - 12 - 2013

معكم ألتقي ............ بكم أرتقي
قديم 12-08-2013, 02:59 PM
المشاركة 18
حميد درويش عطية
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
إنَّ مُدارَسةَ القرآنِ العظيم ، بما هي تعبُّدٌ مَحضٌ ، وسيرٌ قلبيٌّ إلى الله ؛
إذا أقبَلَ عليها العبدُ بإخلاصٍ حقيقيّ ، فاضَت علَيه أنوارُ القرآنِ وحِكمتُه ،
وكان مِن شأنِه ما كان ، مِن تجلِّياتِ الرُّوح ، وتحصيلِ التزكيةِ والحِكمَةِ الربّانيَّة ، بصورةٍ تلقائيَّةٍ ذاتيَّة !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حميد

8 - 12 - 2013

معكم ألتقي ............ بكم أرتقي
قديم 12-20-2013, 03:35 PM
المشاركة 19
حميد درويش عطية
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الطّرق إلى معرفة الله
هناك كلمة قيّمة لأهل المعرفة وهي : إنَّ الطرق إلى معرفة الله بعدد أنفاس الخلائق بل فوقها بكثير وكثير ،
فإنَّ لكل ظاهرة من الظواهر الطبيعية وجهين ، يشبهان وجهي العملة الواحدة ، أحدهما يحكي عن وجودها وحدودها وخصوصياتها وموقعها في الكون ، والآخر يحكي عن اتّصالها بعلّتها وقوامها بها ونشوئها منها .
فهذه الظاهرة الطبيعية " من الوجه الأول " تقع موضوع البحث في العلوم الطبيعية ، فيأخذ كل باحث جهة خاصة من هذا الوجه حسب تخصصه وذوقه واطّلاعه ،
فواحد يبحث عن التراب والمعادن وآخر عن النبات والأشجار ، وثالث عن الحيوان إلى غير ذلك من الموضوعات .
كما أنها من " الوجه الثاني " تقع طريقاً لمعرفة الله سبحانه والتعرف عليه من ناحية آثاره .
وبما أنَّ الظواهر الطبيعية ، جليلها وحقيرها لها وجهان ، فقد أكَّد الإِسلام على معرفتها والغور في آثارها وخصوصياتها ، قائلا :
﴿ قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاواتِ وَ الاْرْضِ ( يونس : 101) ، لكن لا بمعنى الوقوف عند هذا التعرف واتخاذه هدفاً ، بل بمعنى اتخاذ تلك المعرفة جسراً لمعرفة بارئها وخالقها ، ومن أوجد فيها السُّنَن والنُّظُم .
إِنَّ الفرق الواضح بين تعرّف المادي على الطبيعة وتعرّف الإِلهي عليها هو أَنَّ الأول ينظر إلى الطبيعة بما هي هي ،
ويقف عندها من دون أنْ يتخذها وسيلة لتعرف آخر ، وهو التعرف على مبادئ وجودها وعلل تكونها ،
في حين أنَّ الإِلهي ، مع أنَّه ينظر إلى الظواهر الطبيعية مثلما ينظر إليها المادي ويسعى إلى التعرف على كل ما يسودها من نُظُم و سُنَن ،
فإِنَّه يتخذها وسيلة لتعرف عالٍ وهو التعرف على الفاعل الذي قام بإيجادها وإجراء السُّنن فيها ،
فكأَن النظرة في الأولى نظرة إلى ظاهر الموجود ، وفي الثانية نظرة إلى الظاهر متجاوزاً منها إلى الباطن .
وبعبارة أوضح : إنَّ المادي يقتصر في عالم المعرفة ، على معرفة الشيء ويغفل عن معرفة أخرى ، وهي معرفة مبداً الشيء من طريق آثاره وآياته ، فلو اكتفينا في معرفة الظواهر بالمعرفة الأولى حبسنا أنفسنا في زنزانات المادة ،
ولكن إذا نظرنا إلى الكون بنظرة وسيعة وأخذنا مع تلك المعرفة معرفة أخرى وهي المعرفة الآيوية لوصلنا في ظل ذلك ، إلى عالم أفسح ملي بالقدرة والعلم والكمال والجمال .
وعلى ذلك فكل المظاهر الطبيعية مع ما فيها من الجمال والروعة ومع ما فيها من النُظم والسُنن آيات وجود بارئها ومكونها ومنشئها ،
وعند ذلك يتجلى صدق القول : أنَّ الطرق إلى معرفة الله بعدد الظواهر الطبيعية بدءاً بالذرة وانتهاء إلى المجرة .
ولأجل ذلك نرى أنَّ رجال الوحي ودعاة التوحيد يركّزون في معرفته سبحانه على الدعوة إلى النظر في جمال الطبيعة وروعتها فإِنها أَصدق شاهد على أَنَّ لها صانعاً ومبدعاً ،
وهذا مشهود لمن طالع القرآن وتدبّر في آياته . فهو من خلال توجيه الإِنسان إلى الطبيعة وإلى السماء والأَرض وما فيها من كائنات ، يريد هدايته إلى مبدئها ،
ويكفي في ذلك قوله سبحانه :
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَـاوَاتِ وَالاْرْضِ وَاخْتِلافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الاْرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا
وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّة وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالاْرْضِ لآَيَات لِّقَوْم يَعْقِلُونَ ( البقرة :164 ) .
منقول بتصرف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حميد

الجمعة
17 صفر 1435
20 - 12 - 2013

معكم ألتقي ............ بكم أرتقي
قديم 12-26-2013, 11:33 AM
المشاركة 20
حميد درويش عطية
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
التجليات الإلهية
وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة142نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة سورة الأعراف
إن هذه الآيات آيات غريبة حقا ، وهي آيات متعلقة بنبي الله موسى ( عليه السلام ) . فاللقاء الإلهي هنا كان ثلاثين ليلة ، ولكن الله عز وجل تفضل على موسى ، وزاده عشرا .
نستطيع أن نستخلص من ذلك عدة دروس ، منها :
الدرس الأول : أن الإنسان بالدعاء الحثيث لإحراز القابلية ، تُمدد له العطاءات المعنوية . فاللقاء الإلهي في طور سيناء ، هو لقاء مغتنم ومصيري لنبي الله موسى ( عليه السلام ) ،
وقد كان بالإمكان أن يواعده منذ البداية أربعين ليلة ، ولكنه جعل الموعد على مرحلتين : أولى وثانية . ولعله ذكر الليالي دون الأيام - مع أن موسى مكث في الطور الأربعين بأيامها ولياليها . والمتعارف في ذكر المواقيت والأزمنة ذكر الأيام دون الليالي -
لأن الميقات كان للتقرب إلى الله سبحانه ومناجاته وذكره ، وذلك أخص بالليل وأنسب . لما فيه من اجتماع الحواس عن التفرق ، وزيادة تهيؤ النفس للأنس .
وقد كان من بركات هذا الميقات نزول التوراة . فإذن ، إن الله تعالى قد اختار الليل ، ليدل على أن اللقاء الإلهي يتجلى في الليل .
صحيح أن النبي هو موسى ( عليه السلام ) ، والمتكلم هو الله عز وجل ، والمكان المقدس طور سيناء . لكن ليله يختلف عن نهاره . وعليه ، فإن هذا درس للجميع ، ليغتنموا الليل لخصوصيته واختلافه عن النهار .
الدرس الثاني : { اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ } . إن موسى ( عليه السلام ) يذهب للقاء الله وفكره وقلبه في أمته !. وهذا اللقاء لقاء تخصصي مع الله عز وجل ،
فقد كلمه تكليما ، وأعطاه الله ما لم يعطه للأنبياء السلف : من الحديث المباشر، وخلق الكلام . ومع ذلك فإن قلبه مع الأمة !.
ومن هنا نعلم الجامعية في التكليف ، فالإنسان الذي يصلي صلاة الليل ، وهو في قمة إنشغالاته المعنوية ، عليه أن لا يهمل أمر من حوله : سواء الزوجة ، والذرية ، والأرحام ، والمجتمع ، والجيران .
لا أن يتذرع بأنه مشغول بالمناجاة ، فيعيش الفناء الإلهي ، والذوبان في المعاني القدسية ، وينسى تكليفه الإجتماعي . فهذا موسى ( عليه السلام ) يذهب ، ويعيّن الوصي في قومه .
الدرس الثالث : أن موسى ( عليه السلام ) يعلم بأن الميقات ثلاثين أو أربعين ليلة ، ومع ذلك لم يترك الأمة دون وصي فقال : { اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ } .
فمعنى ذلك أن هناك مفسدين في الأمة ، ووجود النبي في الأمة يمنع المفسد من إظهار إفساده ؛ لأن وجود النبي رحمة . الدرس الرابع : { وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ } . فهنا الأبحاث القرآنية معمعة ، لماذا قال موسى ( عليه السلام ) : { رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ } ؟.
إن موسى ( عليه السلام ) هو خامس أنبياء أولي العزم ، وهو كليم الله . فإذن ، هو أعرف الناس بالله ، وصفات كماله ، وجماله .
فهل يقول موسى ( عليه السلام ) لربه : { أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ } ، كما أرى الأشياء : كالجبل والأمور المادية؟ . حاشا هذا !.
فإن من أولويات إعتقاد المؤمن العادي ، بأن الله عز وجل كما يقول تعالى في القرآن الكريم : { لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ } . فهذه الآية لم تأتِ بشيء جديد ، إنها بيان لحقيقة يفهمها جميع الأنبياء والمتبعين لخط الأنبياء .
وبناء على ما تقدم ، كيف يقول موسى ( عليه السلام ) : { رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ } ؟. وهنا انزلق البعض في البحث ، وقال : نعم ، موسى ( عليه السلام ) طلب من الله عز وجل الرؤية الحسية ،
وكما قلنا : فإن هذا لا يليق بالمؤمن العادي ، فضلا عن النبي العادي ، فضلا عن نبي من أولي العزم !. فإذن ، إن ما طلبه موسى ( عليه السلام ) هي قطعا الرؤية الممكنة !.
والرؤية التي تتناسب مع حقيقة الربوبية ، وهي الرؤية التي لا تتوقف عند الحس ، كما في النص الشريف : ( رأته العيون بحقائق الإيمان ، ولم تره بمشاهدة العيان ) . إنه نوع من أنواع التجلي ، والرؤية القلبية .
إن الله عز وجل قد تجلى للبصر: من خلال الشجر والماء ، ومن خلال التكوين من الذرّة إلى المجرّة . وكذلك تجلى للقلب بنوع آخر . كما أن له أفلاك ومجرات وزينة في السماء ،
يتجلى بها للمؤمنين فكذلك يتجلى بلون آخر لعباده المخلصين . فإذن ، إن هذا هو التجلي ، والرؤية التي أرادها موسى( عليه السلام ) من الله عز وجل .
فما المانع أن يقتدي المؤمن بنبي الله موسى ( عليه السلام ) بأن يطلب نوعا من أنواع التجلي ، أو نوعا من أنواع الرؤية المتناسبة مع عظمة الربوبية ؟!. إنها رغبة مقدسة وعظيمة !.
الدرس الخامس : { قَالَ لَن تَرَانِي } . فإذا كان موسى ( عليه السلام ) قد طلب الرؤية المعنوية ، فلماذا قال : لن تراني؟ . وإذا كان لن تراني ، تشير إلى الرؤية الحسية ، فلماذا طلب موسى ( عليه السلام ) الرؤية ؟.
وهنا قد يبدو شيء من التعارض بين جزئي الآية . وهنا أيضا بحث دقيق في هذا المجال : { قَالَ لَن تَرَانِي } بمعنى هكذا أفضل يا موسى !.
إن هذه الدنيا ، وطبيعة الحياة الدنيا ، لا تسمح لذلك التجلي الخاص الذي أردته مني . نعم ، تراني بمشاهدة القلوب ، وكما قال تعالى في سورة أخرى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } .
نعم ، إن مقدار من التجليات الإلهية مدخرة في الآخرة . فموسى ( عليه السلام ) عبارة عن روح وجسد ، وهو محكوم ببعض علائق الأرض ،
وطبيعة الحياة الأرضية لا تسمح ببعض التجليات . فـ{ قَالَ لَن تَرَانِي } بمعنى أنك لن تراني بتلك التجليات والرؤية الخاصة التي يرى ربنا في يوم القيامة .
وبعبارة واضحة : يا موسى !. لي تجليات في الدنيا ، وأخرى في الآخرة . فهناك قسم من التجليات يمكن أن تشاهدها في الدنيا ، من خلال عبادتك ، ومناجاتك ، وحديثك معي . وقسم مدخر للآخرة .
كما أن الرحمة الإلهية كذلك ، فرحمة الله بعثت النبي الخاتم ، ورحمة الله بعثت هذا الوجود . ولكن هل تعلمون بأن رحمة الله في هذه الدنيا ، هي جزء من أجزاء الرحمة الواسعة ،
ولعله قد ورد في بعض التعابير : أنها جزء من مئة . فإذن , إن الرحمة الإلهية تتجلى في القيامة بأوسع صورها ، مع أنه في الدنيا هناك أيضا رحمة إلهيه متجلية .
الدرس السادس : { وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ } . أي يا موسى !. إذا أردت التجلي الخاص ، فإني أعطيك أثرا وعيّنة . فأنا أتجلى لهذا الجبل تجليا لا تحتمله الدنيا .
والجبل عنصر من عناصر المادة ، وهو يشترك مع موسى ( عليه السلام ) في أن كليهما محكومان بقوانين المادة . فتجلى ربنا ذاك التجلي الخاص للجبل ،
فـ{ جَعَلَهُ دَكًّا } ؛ أي أصبح مدكوكا متلاشيا في الجو . { وَخَرَّ موسَى صَعِقًا } ؛ أي مغشيا عليه من هول ما رأى . فكلاهما اندكا كل بحسبه .
{ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ } ؛ أي رجعت إليك مما اقترحته عليك ، وأنا أول المؤمنين بأنك لا ترى ، ولن أطلب تلك الرؤية قبل وقتها .
فإذن ، إن المؤمن في الدنيا يحب أن يصل إلى بعض المدارج المعنوية العليا جدا ، والله يحجبها عنه . لا لبخل في فيضه ، وإنما لعدم تحمل المؤمن لبعض صور العنايات الخاصة .
ولذا ، فإن على المؤمن أن يطلب ويقنع . فعليه أن يطلب الدرجات العليا ، ويقنع بما يُعطى . لأنه هو الخبير والبصير بقابليات العباد ، وبما يستحقونه من قوتٍ ، سواء في عالم المادة أو في عالم المعنى .

منقول بتصرف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حميد
الخميس
22 صفر 1435هج
20 - 12 - 2013

معكم ألتقي ............ بكم أرتقي

مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: [ " نفحات ٌ قرآنية ٌ "............ ]
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الفرق بين كلّ من "البِشْر" و"الهشاشة" و"البشاشة" : ماجد جابر منبر الدراسات النحوية والصرفية واللغوية 4 04-11-2022 08:23 PM
الفرق بين " الوَقـْر " بالفتح . و" الوِقْـر " بالكسر " دكتور محمد نور ربيع العلي منبر الحوارات الثقافية العامة 19 05-15-2021 07:12 PM
التحليل الأدبي لقصيدة"ملاكي" للأديبة "فيروز محاميد" بقلم: ماجد جابر ماجد جابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2 09-04-2012 11:11 PM
[ " مصطلحات قرآنية " ........... ] حميد درويش عطية منبر الحوارات الثقافية العامة 15 08-31-2010 01:47 PM

الساعة الآن 04:10 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.