قديم 09-01-2025, 11:15 PM
المشاركة 341
مُهاجر
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • موجود
افتراضي رد: مُهاجر
ما لبثتُ في مقامِ الفخر أُسطّر مجدًا، أنافسُ فيه الساعين إلى مقامات الوصول.
أسندتُ ظهري إلى صخرةِ الواثقِ بنيل المأمول، وفرشتُ دربي بورودِ الخُزامى والمِشموم.

أمنياتٌ خَبَّأتُها في صدرِ الوجود، وحجزتُ مقعدًا أُزاحم فيه الكائنات في رحاب الكون.
غير أني لم أنلْ من كلّ ذلك سوى الخيبات، وفقدتُ من بعده كرامة الأوفياء.

إلى وداعٍ لا لقاء بعده، فلعلّ في ذلك لكلٍّ منّا سلامةَ قلبه.

ما عدتُ أُجيد الوقوف على حافة الانتظار، ولا يغريني بريقُ الأملِ المختبئ في سرابِ الأعذار،
فقد شاخت في صدري الأغنيات، وبُحّت من بعدِها ترانيمُ الرجاء.

تركتُ للأيام صفحاتٍ لم تُكتب، وسطورًا لم تُكمل، وأحاديثَ أجهضها الصمتُ في مهدِ الكلام.
سافرتُ على بساط الذكرى، أبحثُ عن ظلّ لم يعد، ودفءٍ كان لي، ثم ضاع كما تضيع الأرواح في زحام الغياب.

فلا أنا الذي وصلتُ، ولا الذين معي انتظروا، ولا الحلمُ الذي بنيتُ له ركنًا في الحقيقة استقرّ أو استمرّ.

فدعوني أُودّعكم بصمتي، كما استقبلتُكم بخيالي،
دعوا لي ما تبقى من أنفاسي، أضمّها على جرحٍ تعوّد النبض في حضرة الانكسار.

وسلامٌ على قلبي، حين آمنَ بكم، وحينَ سامح،
وحينَ قرّر — أخيرًا — أن يُغلق الباب، ويرحل دون انكسار.

قديم 09-02-2025, 11:51 AM
المشاركة 342
مُهاجر
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • موجود
افتراضي رد: مُهاجر
من مساحات البوح التي يبسطها صاحب الخاطرة أمام الملأ، قد تتقاطع الحروف ـ أحيانًا ـ مع مشاعر متلقٍّ يجد في الكلمات ما يشبه حاله، أو يلامس شيئًا من واقعه.

حينها، قد يظن أن ما كُتب موجّهٌ إليه، وكأن لسان الحال يقول: "أنت المقصود، فانتبه!"
وهذا من طبيعة التفاعل الإنساني؛ فكلٌّ يقرأ بعين تجربته، ويُسقط المعنى على ما في داخله.

ومع أن النصوص تُكتب بعموم المعنى، لا بقصد التلميح أو الإشارة،
إلا أن اختلاف التأويل وارد، والتأثر الإنساني مفهوم ومقدر.

وكم يكون جميلًا لو ترفّقنا بالنية، وأحسنا الظن بما يُكتب،
فما أكثر ما تحمل الكلمات من عمق لا يعرفه إلا صاحبها.

ولعل في ظهور النوايا، وتجلّي مقاصد القول، ما يعيننا على بناء جسور التفاهم،
ويُبقي للخواطر رونقها، دون أن تجرح أحدًا، أو تُساء قراءتها.

قديم 09-02-2025, 04:30 PM
المشاركة 343
مُهاجر
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • موجود
افتراضي رد: مُهاجر
في معتركِ الحياةِ، تأتيكَ الخيباتُ أضعافَ ما ترجو، لِقَدَرٍ أرخى سُدولَهُ على إدراكِ الحكمةِ، فلا تُدركُ لها سبيلاً، ولا تعرفُ لها قُبولا.

وبينَ حناياهُ، نصيبُ صبرٍ نالهُ وافرُ الحظِ، ونصيبٌ آخرُ دونهُ قاسمٌ شائبهُ، من حُرِمَ في قلبهِ وجودَه، فظلّ بين وجدهِ وفقده، مسلوبَ العهدِ ووعده.

أفالصبرُ مكتسبٌ يُرجى؟
أم منّةٌ من ربٍّ تُهدى؟

وما لدوافعِ البقاءِ من مَهرب، إن لم يكن الساعي واثبَ الخطى، مؤمنًا بمطلوبه، عارفًا بموهبه.

وإلّا، كان خاملَ السعيِ، مرسلَ الأماني، لا رجاء له في مأمول، والموتُ أقربُ إليهِ من الوصول.

فكم من قلبٍ نازعَ قدرَهُ بالصبرِ حتى دانَ له المأمول، وكم من نفسٍ أنكرت حقائقها، فضاعت في بحورِ المجهول.

وما بين ابتلاءٍ يُبقيكَ راكعًا، ونعمةٍ تُبقيكَ خاشعًا، يختبرُ الله فيكَ الصبرَ واليقين، ويرفعُ بالرضا مَن لاذَ به وهو مستكين.

قديم 09-04-2025, 12:16 PM
المشاركة 344
مُهاجر
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • موجود
افتراضي رد: مُهاجر
ما عدتُ أمدّ يدي لطيفٍ لا يُمسك،
ولا أرجو ظلاً إن كان لا يَحجب،
فقد تعلّمتُ أن الاكتفاء نعمة،
وأن الرضا لا يُشرى، ولا يُطلب.

اكتفيت، لا لأن القلب جفّ،
بل لأن العطاء حين لا يُقدّر… يُهدر،
ولأن الشعور إذا لم يُصن… يُكسر،
ولأن الكرامة لا تُربّى في حضنٍ بارد،
ولا تُزهِر في أرضٍ لا تُسقى بالمودة.

سئمت الانتظار عند أبوابٍ لا تُفتح،
والتعلّق بأرواحٍ لا تبادل،
والبحث عن دفءٍ في صدورٍ مُقفلة،
تعطيك الوعد… وتنكر الوجود.

تعلّمت أن القلبَ ليس محطة،
ومن دخل لا يملك حقّ البقاء إن لم يُجِد السكنى.
تعلّمت أن الانكسار ليس قدَري،
وأن الانحناء لا يُشبهني،
فرفعتني خِذلتي، حين خفضتني الثقةُ بغير أهلها.

أصبحت أزهر بصمتي،
وأُزهِرُ في وحدتي،
لا أُعاتب الغائب، ولا ألاحق المارّ،
فمن أراد البقاء، لن يحتاج إلى نداءٍ ولا إنذار.

قلّبتُ صفحات القلب، فوجدت أن أصفاها ما كُتب بالحذر،
وأدفأها ما لمسته كفّ الاتزان، لا كفّ الانكسار.

ما عدت أبحث عن النصف الآخر في أحد،
اكتشفتُ أن الاكتمال يبدأ حين لا يُنقِصني أحد.
فأنا لي، وبيني وبين قلبي عهد،
أن لا أُطفئ وهجي، لأضيء لغيري الوهم.

في الاكتفاء سلام،
وفي السلام حياة،
وفي الحياة… يكفيني أن أكون،
دون أن أكون لأحد.

قديم 09-04-2025, 02:25 PM
المشاركة 345
مُهاجر
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • موجود
افتراضي رد: مُهاجر
يا من سكبتَ من نورك على أيامي، فجعلتَ العتمةَ دربًا مضيئًا،
يا من فتحتَ لي أبواب الفكر، وأقمتَ لي في حضرة العلم مقاما كريمًا.

أقف اليوم، وأنا أحمل بين الضلوع عرفانًا لا تسعه الحروف، وامتنانًا يعجز اللسان عن وصفه،
فلقد كانت أيامك لي مأوى من تشتت، وسُقيا من ظمأ، وموئلًا أستنير به في ليالي الحيرة.

في مجلسك، لم أتعلم دروسَ العلم فقط، بل دروسَ الحياة...
رأيتُ فيك حكمةً تُؤخذ من صمتك قبل كلامك،
ووقارًا يُغني عن ألف شرح،
وقلبًا كبيرًا وسِعَ طموحاتي وهمومي معًا، دون أن يُظهر ضجرًا أو تكلّفًا.

كانت أيامنا معك كصفحات من كتاب لا يُمل،
علّمتني كيف أُنصتُ لما وراء الكلمات،
كيف أفتح للنجاح بابًا من التعب، وأُغلق في وجه اليأس ألف نافذةٍ من ضعف.

وها أنا اليوم أُسدل الستار على تلك الأيام،
لا لأن الودّ انتهى، بل لأن الرحلة اقتضت فراقًا...
فراقًا تدمع له العين، ويئنُّ له القلب،
لكنّه فراق من يرجو اللقاء،
عند أبواب النجاح،
حين تكتمل الحكاية، ويُثمر الحلم، وتُرفع الرايات.

فإن تأخرتُ عنك يومًا، فاذكرني بدعوة،
وإن طال بي الطريق، فإني سائر على خُطاك،
أحملُ ذكراك في قلبي، ومواقفك في عقلي، وتعاليمك في سلوكي.

فإلى لقاءٍ نرتشف فيه الفرح،
نقف فيه لا تلاميذ ولا معلّمين، بل رفاقُ حلمٍ قد صار حقًّا،
نلتقي على أبواب التحقّق،
حيث لا وداع بعده، بل امتدادٌ لما بدأناه هنا.

قديم 09-05-2025, 09:51 AM
المشاركة 346
مُهاجر
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • موجود
افتراضي رد: مُهاجر
ربما ينفثُ اليأسُ في قلبِ العاني،
فينقشُ حروفَ الألمِ على جدرانِ الزمانِ الفاني،
ويُضمِّخُ صفحةَ الحياةِ بلونِ الكدرِ والأحزانِ،
فيركنُ بعدها على جدارِ الوَهَنِ،
تعتصرهُ الهمومُ، وتخنقهُ عبراتُ السُّكونِ والكمَدِ،
كأنّ الأيامَ تمضغُهُ بأسنانِ الغربةِ والجمَدِ.

طلائعُ الأملِ تتكسرُ على صخرةِ الاستسلامِ،
وجحافلُ البُشرى تتبعثرُ في مهبِّ الكلام،
حديثُ الخواءِ يُطفِئُ جذوةَ الرجاءِ،
ويُقزِّمُ طموحَ الحالمِ بينَ سطورِ العناء.

أقاويلٌ... تُبدِّدُ فرحةَ اللقاء،
حين تُهمَسُ في أُذنِ الواقعِ المرتجفِ تحتَ وطأةِ الرجاء،
فتنقلبُ اللحظةُ المضيئةُ إلى ظلالٍ من شقاء.

ويُعادُ حديثُ العزيمةِ في زمنِ الألمِ والندم،
زمنٍ باتَ فيه الإنسانُ يلهثُ خلفَ حلمٍ ذابَ في العدم،
زمنٍ صارَ فيه الوجعُ عنوانًا،
وتحتَ ظلالِه يعيشُ بقايا إنسانٍ،
يتمنّى الرجوعَ إلى لحظةِ اطمئنان،
لكنّهُ لا يجدُ سوى صدى الأنينِ وارتجاجِ الكيان.

قديم 09-05-2025, 11:22 AM
المشاركة 347
مُهاجر
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • موجود
افتراضي رد: مُهاجر
كيف أُقيم عدلًا في محكمة الهوى؟
وكلّ الأدلة تُبرِّئك من الغياب،
وتلك مكامنُ الحضور تُبرِّئك من ذنب الغياب،
وتُلقي باللوم على قلبٍ أفردَ لك العشقَ الحلال،
وفي قلبي نبضُ وفاءٍ، غالقٌ دونه ألفَ باب.

كيف أزن الحُب بميزانٍ بشري؟
وفيه تختلّ الحدود والمعايير،
وهو يسرقني من نبضِ قلبي،
يلهج لك بالحُبّ طوعًا،
وبين عارضٍ يُناكف صدقَ المشاعر،
ويُسقطني في دائرةِ المحاسبةِ والأَسْر.

أأيّ عقلٍ يقوى على هذا السُّهاد؟
ووجهك يقتحم أحلامي،
وصوتك يتسلّل من شقوقِ الصمت،
فيوقظ في داخلي
طفلًا يُعاند واقعَ الأمر.

ما ذنبي إن اختلّ توازني؟
أأنا مَن اختار أن يسكنك؟
أم أنتَ من تسلّلت خفيةً،
وزرعتَ في صدري وطنًا
لا يُنازعه أحد؟

أطلبك... لا بصوتٍ يسمع، بل بصمتٍ يفيض.
من مكانٍ عميقٍ في القلب،
من رعشةٍ تسكن أطراف الانتظار،
من دعاءٍ لا يُقال،
من حنينٍ يتلبّس النبض، ويصوغك بينه وبين الحياة.

أطلبك... كما يطلب الغيمُ وعد المطر،
كما تشتاق الأرضُ ظلّ المساء،
كما ينادي النجمُ نوره البعيد،
فلا أنت بعيد، ولا النداء يصمت.

أطلبك... لا سؤالًا، بل شعورًا.
أنت المعنى في الفراغ،
والنبض في السكون،
والصوت الذي لا يحتاج إلى نُطق،
لأن الحنين أبلغ من الكلام.

فدعني أطلبك كما أنا،
حرفًا هادئًا في عاصفة،
وصمتًا يتكلم حين تغيب،
وشوقًا لا يريد جوابًا…
يكفيه أنك أنت.

قديم 09-06-2025, 07:59 PM
المشاركة 348
مُهاجر
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • موجود
افتراضي رد: مُهاجر
في دياجيرِ الليلِ أسري، وكأنّي ببعضي يتلمّسُ فُتاتَ يقين،
والبعضُ الآخرُ يُفتّشُ في جيوبِ الغيبِ، لعلّ فيه أجدُ نفسي التي غيّبها طويلُ السُّهاد.

وعلى ظهري أحملُ أسفارًا من الأسئلة، كما عشّشت في عقلي،
تراوحُ مكانَها، لا تنفكُّ عنّي.
وفي كلّ مرةٍ أوهمُ نفسي – كي أقطعَ الطريق – بأنّ إجابةَ السؤالِ ستكونُ عند نهايةِ الطريق!

وما في قلبي إلا نافذةٌ واحدة، أطلُّ منها على الجهاتِ الأربع،
وأضفتُ معها اثنتين من الجهات!

ومع هذا...
يُفضي بي الحالُ إلى جدارٍ مسدود؛
جدارٍ كتبتُ عليه ذاتَ وهمٍ: "هنا مرّ حلمٌ، ولم يَعُدْ."

فالذينَ رحلوا لم يأخذوا صُوَرهم،
لكنّهم تركوا في الصوتِ صدًى،
وفي الهواءِ رائحةَ وداعٍ ما زالت تُربكُ أنفاسي.

قديم 09-06-2025, 09:49 PM
المشاركة 349
مُهاجر
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • موجود
افتراضي رد: مُهاجر
قرأتُ لأحدهم، وهو يقول: "ليت الحياةَ كتابٌ، نعود متى شئنا إلى الفصلِ الذي أسعدَنا."

وفي ذلك...
أمنيةٌ تغرقُ في بحرِ المستحيل،
وعبارةُ يأسٍ يُهدّدها التيهُ الطويل.

فالحياةُ ماضية، لا تلتفتُ لركبٍ تخلّف،
حاملةً معها الذكريات،
وفي هودجِها مرٌّ زُعاف،
وشهدٌ حلوُ المذاق.

تُسافرُ بنا بين أملٍ خافت، وألمٍ جارف،
تنسجُ من لحظاتها فرحًا عابرًا،
وتُخبّئ في طيّاتها وجعًا غائرًا.

ليست فصلًا نُعيده،
ولا مشهدًا نُعيد تمثيله،
بل صفحةٌ تمضي،
وحكايةٌ تُكتبُ بمدادِ القَدر،
لا عودةَ فيها، ولا مفرّ.

قديم 09-07-2025, 11:57 AM
المشاركة 350
مُهاجر
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • موجود
افتراضي رد: مُهاجر
إلى من أرهقني بعده...

لم أعد أعرف إن كنت أبحث عنك،
أم أهرب من أثرك الذي يُلاحقني كظلٍّ ثقيل.
كل الطرق التي مشيتها
كانت تفضي إلى تعبٍ يشبهك،
وكل الأماكن التي تركتُ فيها قلبي
ما زالت مغلقةً على انتظارك.

لا شيء بي يشبه البدايات،
وجهي متعب،
نظرتي تُشبه مَن قرأ الوداع أكثر من مرة
ولم يحفظه.

أحاول أن أقنع نفسي
بأن النسيان اختيار،
لكن كل ليلة تُكذّبني،
وكل صوتٍ يُشبهك يُربكني.

أُصغي لما تبقى مني
فلا أسمع إلا صمتًا يراوغني،
وحنينًا يتسلل من بين ضلوعي
كما يتسلل الماء في صدعٍ قديم.

أنا لا أشتاق إليك فقط،
أنا أفتقد نفسي حين كانت بك ممتلئة،
حين كانت تؤمن أن للنبض وجهًا واحدًا،
وصوتًا واحدًا،
وقلبًا يسكنك.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 7 ( الأعضاء 0 والزوار 7)
 

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:14 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.