منبر البوح الهادئلما تبوح به النفس من مكنونات مشاعرها.
أهلا وسهلا بك إلى منتديات منابر ثقافية.
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا.
كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
"غِبتَ، وما غابت خطاكَ عن طُرُقي،
جَفوتَ، وما جَفَّ الحنينُ من ورَقي.
أتَراك تَجهلُ أن السؤال حياة،
وأنّ الغيابَ إذا طالَ... صار مَوتًا بلا شهادة؟
لا تلُمني إن كتبتُك في دفاتر الغُرباء،
فالقريبُ الذي لا يسأل... أبعدُ من الغيمِ في صَحراء.
كنتَ وطنًا، حتى صِرتَ غُبارَ طريق،
تمرُّ ولا تَلتَفِت... وتَترُك، ولا تَعتَذِر."
سيبقى ذِكركم نبعَ مناي، وعطرَ رجاي، وزهرَ صباي،
فما ذبلت أرواحُنا من بعدكم، ولا جفّت ينابيع الهوى في قلوبِنا منذ غيابكم.
وفي قلبي جمرةُ اشتياقٍ لا تنطفئ، ولهيبُ حنينٍ لا يهدأ،
وصدى رجاءٍ يتردّد في أروقة العمر، بين سكون القلب وجناح الأمل.
رحلتم... لكن الفصولَ لا تزال تهمسُ بأسمائكم،
وتخبّئ في طيّاتها عبيرَ ذكراكم، وكأنها أقسمت ألّا تنساكم.
وفي فصول عمري ظلّ وجدٍ لا يذبل، ووهجُ ذكرى لا يخبو،
كأنّ الأيام تخبّئكم في طيّاتها، وكأنّ الزمان يأبى أن يُسدلَ عليكم ستارَ النسيان.
يا مهجة القلب، رِفقًا بعاشقٍ ما عادت تُطرَق أبوابُ فرحِه،
ولا بقي له من البهجة إلا ظلّها، ومن السرور إلا شبحه،
فقد عانقه الأنين، وصادقه الحنين، وتوسّد الشوقَ في ليالي السهاد والأنين.
كتبتُ الحزنَ على صفحات الصمت،
وأوقدتُ لواعج القلب في أتونِ الانتظار،
وسهرتُ على لهفتي، حتى سهر الليلُ معي، وباح لي بالأسرار.
غريبًا أمشي في دروب الشوق، أفتّش عن ظلّكم بين زوايا الطريق،
أسأل عنكم العابرين، والعاشقين، وحتى الأرصفةَ والرياحين،
وإن مرّت نسائمكم عليّ، تنفّس الليلُ عبيرًا،
واهتزّ القلبُ فرحًا، كأنّ أرواحكم لامست وجداني،
فأزهرت في داخلي مواسمُ اللقاء من جديد.
أُطيل البوح في صمت القصائد، وأرسمكم بين الأوراق،
كأنّ الحروف لا تنطق إلا بكم، والمعاني لا تُولد إلا من أرواحكم،
فأنتم في دمي نبضُ حياة، وفي قلبي حنينٌ لا يُطفأ،
وفي وجداني سكنٌ لا يزول، أنتم الحكاية، أنتم المبتدأ والختام.
وهكذا هي الأرواحُ إذا تعلّقت، لا يقطعها غياب، ولا يُنسيها مآب،
فالشوقُ إذا سكن القلب، أقام، وإن طال السفر، ما غاب،
والمحبّةُ الصادقة، لا يُطفئها فِراق، ولا يُبليها احتراق،
فمن سكن الوجدان، لا يُزاح، ومن عاش في القلب، لا يُنسى،
مهما جار الزمان، واشتدّت الرّياح.
فاحفظوا من تُحبّون في دعائكم،
فالأرواح تلتقي وإن باعدت بينها المسافات،
والذكرى الطيبةُ زادُ القلوب، إن غابت الوجوه وانقطعت الأصوات.
فما كل وداعٍ يُمحى،
وما كل غيابٍ يُنسى،
ومن نقش اسمه في القلب،
ظلّ حيًّا فيه... ولو فارق الحياة
على أرفف الحياة...
تتراصّ عوالمُ التجارب، وتُصفّ عِبَرُ الأيام، تلك التي وُسِمَت بختم الإنجاز تارة، وتارةً أخرى بختم الخذلان،
تجاربُ ذاقها القلب، وسطرها القلم، فما بين فرحٍ يُطوّق الروح، وحزنٍ يوشّح الملامح، تمضي الحياة في خطاها، لا تبالي بمن تعب أو استراح.
وفي طريق الحياة، مسيرٌ مَديد من الابتلاء،
تُظلّله المقافر، وتُرهبه المخاوف، وتعترضه العثرات، وتُنازع السائرين عليه الخطوب،
كم لها من صولاتٍ وجولات!
لطالما فتكت بالمارّين، وأسقطت من ظنّوا أنهم ناجون،
ولا منجاة منها إلا بزادِ التقوى،
به تُضمد الجراح، وتُداوى العِلَل، وتُستسقى به سُحُب الأمل.
فكم نحن في حاجةٍ إلى ذاك القارب،
قارب النجاة الذي نشقّ به لججَ الفتن، ونحمل فيه زادَ التقوى،
فلا منجاة في بحر الفتن، ولا مرفأ في لجّ الضياع، إلا بذلك.
وفي هذه الحياة، وُجدتَ وأنت تبحث عن أصلك، وتُدرك مآلك.
وعقارب الساعة تمضي بلا توقّف، لا تلوي على أحد،
فلا تكترث إن كبَت بك القدم، أو لفحك الألم، أو غاب عنك من كان أقرب من الروح للروح.
تُحدّق في وجوه العابرين،
وفي داخلك ألف صرخة تخنقها الحيرة، وتطلقها في وجه اليقين،
غير أن صداها لا يتعدّى جدار الصمت الدفين...
فتمضي وحدك، سائرًا في طريقٍ طويل، لا يقطعه معك أحد سواك.
أيها الإنسان...
ما تملكه يفوق العدّ، ويُثقِل كفّة الميزان،
لكنّه، في غياب الوعي، أشبه بالسراب في قلب الظمآن.
تبني اليوم، لتهدم غدًا،
وتلهث خلف وهمٍ، ما يلبث أن يتوارى خلف دخان.
وهكذا تمضي الأيام، مسارح للأحلام، ومصارع للأوهام،
لا يدوم فيها شيء... سوى أثر الإنسان.
تُحب وتُخذل، تُعطي وتُنسى،
تُحسن وتُساء، وتظلّ تتأرجح بين عطائك وخذلانك،
وبين هذا وذاك، يتسلّل إلى ذهنك سؤال:
لماذا وُجدتُ؟
ففي دوّامة الحياة، ركضٌ لا ينتهي،
نعيش بين متناقضين لا يطغى أحدهما على الآخر،
وفي توازنهما... يكمن سرّ الحياة.
وكم يعصف في سمعي سؤال،
وفي أعماقي يقينُ الجواب،
لا يزال ذلك الهمس يرنّ في أُذني صداه،
وجميع ذرّاتي تُردّد رجع صداه.
فلم أُخلَق في هذه الحياة عبثًا،
ولن أُترك سُدًى،
ومآلُنا، مهما طال المسير، إلى ربّ العباد.
أما آن للحق أن يُستَرد؟
أما آن للعقل أن يُحتَشد؟
أما آن للكرسيّ أن يهتزّ تحت سُكون المتكئين عليه؟
فالعقول لا تُقاس بالألقاب،
والقيم لا تُمنَح بالألق،
والمجد لا يُشترى من سوق الأضواء،
بل يُنتزع من صخر العمل،
ويُكتب بمِداد الفكرة،
ويُحمل على أكتاف الصادقين، وإن خذلتهم المنابر!
ما للعاشقين غير التنهدات والتوسلات،
تسري في دياجير الأمل، ليشقَّ صدرَ السكون أنينُهم وسُهادُهم،
وترسل نسائمُ الحنين إلى خزائن الأشواق.
تلاقت قلوبُهم على ربوة الصفا،
تشتمُّ أزاهيرَ الوئام أنفاسُها،
مضمّخةٌ مشاعرُهم بالرجاء،
تتعالى الآهاتُ لتصلَ آفاقَ السماء.
ما أجملَ الحبَّ عندما يكون على ضوء النهار سَنَاه،
يباركُ نبضَه ربُّ السماء.
من ظلمةِ الخوف ينتقل نورُه، ليُعلَن عنه على رؤوس الأنام.
ذاكَ مبلغُ أهدافِه إذا سارت الأمورُ على بركةِ الرحمن.
ومن نالَه حبُّ إنسان، غير أنه وجد الاستحالةَ في بلوغِ مرماه،
قطع دابرَ أولِ رُسُل وطلائعِ الحبِّ الأربعة.
عنَيْتُ بذاكَ: "الخاطرة"، التي تراود العقلَ والقلبَ وما حواه،
خشيةَ أن يستوطنَ القلبَ حبُّ ذلكَ الإنسان،
ليكون الجريُ خلفَ سرابٍ نصيبَ مسعاه،
ويخلِّفَ من ذاكَ حزنًا وهلاكًا.
ما للقلوب إذا استوطنتها الذكرى، إلا الدمعاتُ الحرى،
وما للهوى إن سكن الأرواح، إلا الآهاتُ الممزوجةُ بالصبرِ والأسى.
يسير الحنين في مرافئ الغياب،
ويهمس في أروقة القلب، فيوقظ ما مات، ويحيي ما فات،
تتراقص الظلالُ على جدران الذاكرة،
وينبعث الأمل من بين أنقاض الخيبة، ليعانق أطياف الرجاء.
يا ويحَ من سافر في دروب الوله، بلا زاد،
تعبُ الرحيل يأكله، وظمأُ المشاعر يفنيه،
كأنّه العاشقُ الوحيد في كونٍ لا يسمع له أنينًا،
ولا يردّ له صدى.
جميلٌ هو الحب إن وُلد في النور،
وترعرع على أكتاف الصدق، وتفيّأ ظلّ الرضا،
يُباركه دعاءُ الأم، وتغسله دموعُ الخشوع،
فلا خوفَ فيه، ولا خديعة، ولا لهاثَ خلف سرابٍ؛
لمْ يكذِبِ يومًا، لكننا مَن حَسِبناهُ ماءْ.
لكن... ما أقسى أن يحبَّ المرءُ من لا يبصره،
وأن يزرعَ قلبه في أرضٍ لا تُنبت،
فتذبلَ أمانيه، وتنكسرَ خواطرُه،
ويغدو رجاؤه رجعَ صدى، لا جوابَ له، ولا صدى لهفةٍ يواسيه.
ذاك مبدأ الحكاية، ونهايةُ حلمٍ كان في الخاطرِ أملًا،
ثم صار وهمًا يُكابدُه العقل، ويُكذّبه القلب،
فلا بدّ إذًا أن يتقدّم العقل، ليقول كلمته،
ويضع حدًّا لقصةٍ ما وُلدت لتُكتب، ولا نضجت لتُروى.