احصائيات

الردود
0

المشاهدات
1521
 
محمد فتحي المقداد
كاتب سـوري مُتألــق

اوسمتي


محمد فتحي المقداد is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
650

+التقييم
0.12

تاريخ التسجيل
Sep 2009

الاقامة

رقم العضوية
7788
05-12-2020, 01:55 PM
المشاركة 1
05-12-2020, 01:55 PM
المشاركة 1
افتراضي مراجعات (قصة قصيرة)
[justify]
(أدب العزلة في زمن الكورونا)

مراجعــــات
قصة قصيرة

بقلم الروائي – محمد فتحي المقداد
الميزان أوّل شيء تُشير المُمرّضة به إليّ في كلّ مرّة أدخلُ مكتبها في بداية كلّ مراجعة لي لمنظمّة (أطبّاء بلا حدود)، خشيتي من مخالفة أوامرها؛ من فوري أستجيبُ أيضًا بالجلوس على الكُرسيّ المُخصّص لقياس الضّغط. لا أدري لماذا أحاول إظهار التزامي بإشاراتها..!!؟. ولم يخطر ببالي مرّة التمرّد عليها.. أو بالتلكّؤ في تنفيذ ما تطلب منّي. بينما هي منشغلة في تسجيل بيانات قراءاتها، وملاحظاتها عن تطوّرات حالتي المُراقبَة بدقّة تامّة، ولا تلتفتُ لي لانهماكها في عملها.. بينما أمتثلُ لإشارتها بالخروج والانتظار من جديد لموعد دخولي على مكتب الطبيب. حتّى وصول إضبارتي إليه، وهي دائمة السّمن في حجمها ووزنها المُتزايد كل مرّة آتيهم من إضافة معلومات جديدة لها.
في صغري لم أعتد الالتزام بالدّور على باب الفرن في الصّباح الباكر قبل ذهابي إلى المدرسة، لأنّه لم يكن هناك دور، باءت جميع مُحاولات المصلحين في تخفيف المُزاحمة على الكُوّة الصغيرة، المسدود ولا يظهر منها، كان تحتها مباشر تاج عمود أثريّ هو الضّمان لي ولأمثالي الصّعود إليه والتجمهر فوقه، بتلاصق عجيب لا يخلو من مضايقات.
في العام 1986 قدمتُ إلى الأردنّ للعمل فيها بمهنتي، التغيير مهمٌّ بالاختلاف عمّا اعتدتُه هناك في بلدي، كثيرًا ما سمعتُ عبارة هناك: "إذا تعلمّنا الالتزام بالدّور.. سنرتقي". باب الفرن كان مدرسة مختلفة بدروسها، تعلّمنا أنواع السّباب والشّتائم، والتشابك بالألسنة غالبًا ما يتطوّر إلى عِراك بالأيدي، في بعض الأحيان كان أحدهم يسحب موس الكبّاس أو الكندرجيّة، السّكّينة الرقيقة المغلفّة بالجلد يتجنّدون بها تحت حزام البنطلونات.
المرّة التي حدث فيها انقلاب بمفهوم بيع الخبز، عندما كتبوا لائحة فوق الفتحة التي يخرج منها الخبر: الرجاء الالتزام بالدّور، امتدّ الصفّ بالتواءاته كأفعى تتلوّى في زحفها. الفكرة عظيمة أن أنتظم في صفّ مع أمثالي، الخروقات المُتكرّرة من النّافذين كالشّرطة والأمن والموظفيّن وأقارب البائع وجيرانه، وجيران أبناء خالته. قهري لم يتبدّد إلى الآن منذ ذاك الوقت، أنّ بيع الخبز توقّف، وانتهى العمل في الفرن مع انقطاع التيّار الكهربائي، رجعتُ خاليَ الوِفاض، وأذيال الخيبة تتجرجرُ خلفي مثيرة نوبات التأنيب والتذمّر من كيفيّة تأمين خبرنا لهذا اليوم، الحلّ في رحلة أخرى للاقتراض من الجيران. يداهمني الوقتُ.. وأسرعُ للحاق بالدّوام والسّاعة تقترب من الثامنة.. العقوبة تنتظرني..!!.. وحلم الرّغيف لإسكات جوعي.. سال مع دموعي.

مجيء حظر الكورونا مفروض بالقوّة، عدم خروجي من البيت خوفًا أن أخالف القانون، كي لا أتورّط في عقوباته الصّارمة، خطر لي تقبّل الأمر على غير هذا المنحى، فلماذا لا يكون الموضوع يأخذ بُعدًا فلسفيّا في أحاديثي خاصّة مع جماعة المُثّقفين أصدقائي وغيرهم. دائمًا ما أعرب لهم عن سروري على أني مُلتزم، ولن أخرق الحظر مهما كان الأمر.
ذهبتُ تطرّفًا في آرائي: "الحصار حياة جديدة، خارج الحدود لتحطيم الملل والضّجر، المُتناوب سعيًا لاحتلال ساحات الفرح في قلبي". أردتُ إبراز البُعد الجماليّ لعدم خروجي مُتذرّعًا بالالتزام قسرًا. أضحكُ من نفسي سرًّا بحقيقة ما أُخفيه في داخلي. سأضرب عرض الحائط كلّ التعليمات والأوامر لولا الخوف مانعي.
استدركتُ حساباتي بجردة بسيطة، مقارنًا بين السرّ والإعلان، أصابني الخوف حقيقة رغم أنّي أجلسُ مع نفسي فقط، وحديثي بها لا يتعدّى حدود شفتيّ، ماذا لو عرف الوزير "سعد جابر" بهرطقاتي الانتهازية..!!؟.. بلا نقاش.. ولا جدل أبدًا.. سيقول: "أن السّبب المباشر لتخييب أمله بإعلانه المُتكرّر المتفائل مُراهنًا على وعي الشّعب..!!.. وأنّني أعملّ على توهين وإضعاف وعي الجماهير". زوابع الأفكار سحيتني بعيدًا، إلى اللّعنات التي ستلاحقني حتّى مماتي، كما "عرس إربد" الذي اشتهر عالمياً، ودخل موسوعة "غينيس"، و"السائق" القادم من الخارج حاملًا للفيروس مُتسيّبًا بنكبة جديدة بعد أيّام من الفرح الغامر بنظافة البلد من الإصابات. وماذا لو اتّخذ قرارًا بتقديمي للمحاكة بتهمة التجديف..!!؟.
الآن أدركتُ فداحة الذي أفكر فيه، قرّرتُ أن أكون رسول الالتزام على وسائل التواصل، وأقيلُ عثرة اليائسين، والمُحبَطين، مُخالفًا للمتأفّفين المُتذمّرين من كلّ شيء.. شاحِنًا وشاحِذًا رؤيتهم للأمل القادم عمّا قريب.. مُظهرًا لهم محاسن الالتزام الذي لم أطيقه يومًا.. منذ ذلك التاريخ أيّام باب فرن البلديّة في "بُصرى الشام" الذي اندثرت آثاره الآن مع سرير بنت الملك من همجيّة الحرب. لن أحتسي دموع النّدم ثانية؛ فلأكُن في المقدّمة.. ولن أتأخّر كما أيّام المدرسة من أجل الخبز.. وأعاقَبُ وأنا طاوٍ على جوعي.

عمّان – الأردنّ
١١/ ٥/ ٢٠٢٠
[/justify]



مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: مراجعات (قصة قصيرة)
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
قصص قصيرة مسعدة مسفر منبر القصص والروايات والمسرح . 4 12-21-2020 08:55 AM
مشروع قصة قصيرة كل اسبوع - شارك معنا في كتابة قصة قصيرة كل اسبوع ايوب صابر منبر القصص والروايات والمسرح . 156 08-22-2018 02:54 PM
قصص قصيرة عبدالحكيم ياسين منبر القصص والروايات والمسرح . 12 01-16-2015 07:29 PM
خبز / قصة قصيرة موسى الثنيان منبر القصص والروايات والمسرح . 3 04-20-2013 10:08 AM
قصص قصيرة جدا خا لد عبد اللطيف منبر القصص والروايات والمسرح . 6 09-01-2011 12:51 AM

الساعة الآن 08:54 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.