عرض مشاركة واحدة
قديم 08-30-2010, 01:29 PM
المشاركة 11
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
الشيخ الرئيس

قبل أن أبدأ بالحديث عن هذا الرجل
أقول :
هناك مقالة تقول : تعلم شيئا عن كل شيء
أفضل من أن تتعلم كل شيء عن شيء واحد
ولكن أن يتعلم الانسان كل شيء عن كل شيء
فهذا محال !!
ولكن هذا الرجل يكاد يكون قد ركب المحال
فهو عالم في الطب والفلسفة والمنطق
والرياضيات والأدب
و و و .... غير ذلك
لذلك
لقب بالشيخ الرئيس .. أو امام العلوم كلها
تحدّث ذات يوم عن نفسه فقال :
" كنت أرجع بالليل الى داري وأضع السراج بين يدي
وأشتغل بالقراءة والكتابة .. ومهما أخذني أدنى نوم
أحلم بتلك المسائل التي كنت أقرؤها بأعيانها
حتى أن كثيرا من المسائل اتضح لي حلها في المنام "
التوقيع ( الشيخ الرئيس )
اذن كان رجلا عنيدا .. يعاند النوم ويطرده عن عينيه
واذا ما غفت عيناه يظل يحلم بالمسائل التي تشغل
باله فيصحو ليقول : وجدتها
ولد هذا العالم الكبير عام ثلاثمئة وسبعين للهجرة
قرب بخارى .. كان أبوه من أهل ( بلخ )
أتم دراسته في اللغة والأدب وهو في سن العاشرة من عمره
حتى حفظ القرآن الكريم كاملا قبل هذي السن
وكان يجتمع في حلقات أبيه ويسمع منهم
الفلسفة وحساب الهند والهندسة
فوجهه أبوه الى رجل بقـّال يشتغل بحساب الهند
حتى يتعلمه منه
ثم جاء الى بخارى أبو عبد الله النائلي
وكان يلقب بالمتفلسف لشدة بحثه وعلمه
فدعاه أبوه الى بيته ليتعلم منه
فتعلم الشيخ الرئيس مع أبيه من هذا المتفلسف الكثير
ثم لجأ الى كتب المنطق
ووجد في نفسه لاحقا القدرة على تعلم الطب
فتعلمه وبدأ يتعهد المرضى
فانفتح عليه من أبواب المعالجات المقتبسة
من التجربة ما لا يوصف
وبذات الوقت كان يختلف الى الفقه ويناظر فيه
كل هذا وهو لم يكمل السادسة عشرة من عمره
بعد هذي السن اشتغل بالفلسفة والمنطق
حتى استحكم معه جميع العلوم
من الفلسفة والطب والمنطق الطبيعي والرياضي
ثم عدل الى المنطق الالهي
فقرأ كتاب ( ما بعد الطبيعة )
فما فهم منه شيئا
ولأنه عنيد .. أعاد قراءته الثانية ولكنه لم يفهمه
فقرأه الثالثة والرابعة حتى وصل الى أربعين مرة
وحفظ الكتاب عن ظهر قلب !!!!!!!
ومع هذا فلم يفهمه كما يجب ..
حتى وجد ذات يوم كتابا بين يدي أحد الوراقين
يعرضه للبيع .. فاشتراه منه بثلاثة دراهم
فاذا هو كتاب لأبي نصر الفارابي
في أغراض كتاب ( ما بعد الطبيعة ) الذي قرأه أربعين مرة
ولم يفهمه
حمله الى بيته كمن يحمل كنزا
وراح يقرأه المرة تلو المرة حتى انفتحت أغراض
الكتاب الذي أبهم عليه
فشكر الله تعالى على ذلك وتصدق في اليوم التالي
على الفقراء شكرا لله
فهل عرفت من هو ؟؟

كان سلطان بخارى في ذلك الوقت هو
نوح بن منصور .. واتفق أن مرض ذات يوم
حتى تحيّر الأطباء من علـّته
وكان اسم الشيخ الرئيس يتردد بين العامة
فحضر الى القصر وشارك في علاج السلطان
ولأنه فعل ذلك سمح له بدخول دار كتبه
وكان بالنسبة له هذا أفخم أجر يحصل عليه
فدخل دار كتب السلطان كالجائع يلتهم العلم
ويغرف من بحوره ما شاء
ولمـــــــّا يتعب !!!
وكل ذلك كان دون سن الثامنة عشرة من عمره
ولما بلغها .. كان قد فرغ من العلوم كلـّها
فشرح بعضها وصنف الآخر
فهل عرفت من هو ؟؟
انه ابن سينا الملقب ب ( الشيخ الرئيس )
حقا انه يستحق هذا اللقب بجدارة
كان قويا جلدا .. وفي نص ترجمته الذاتية
تجد صورة حيـّة بليغة تصف مواصلة سهره
وجل تعبه في مواصلة العلم
فاذا ما أحس بالنعاس
- والذي يعتبره من أشد أعدائه -
كان يسكب الماء البارد على رأسه
كان يتمتع بذاكرة لاهبة وقوة ذاكرة مدهشة
حيث استطاع في فترة لم يكمل بها طفولته
أن يستوعب ويحكم قبضته على كل العلوم
تعرضت حياته للاضطراب بعد وفاة والده
الا أن معظم مؤلفاته كتبها في أوقات راحته النفسية
التي كان ينعم بها في بلاط همذان وأصفهان
وقد أتم في هذه الأثناء دائرة معارفه الفلسفية
( الشفاء )
ومصنّفه الطبي العام ( القانون في الطب )

وقد تركت مؤلفاته الموسوعية أثرا عميقا في الفكر الاسلامي
في العصور التالية له وحتى عصرنا هذا
وبعد تنقلاته من بلد لآخر .. أصيب وهو
في دهستان بمرض صعب للغاية
لم يستطع أن يطبب نفسه
فعاد الى ( جرجان )
واتصل بِ عبيد الله الجرجاني
وأسمعه في حاله قصيدة طويلة
أخذتُ منها هذا البيت الذي يقول فيه :
لما عظمتُ فليس مصرُ واسعي **
لما غلا ثمني عـدِمتُ المشتري
الله الله يا ابن سينا ..
الله الله أيها الشيخ الرئيس ..
أديب ناقد وفيلسوف بارع وطبيب حاذق
فغادر الدنيا وبعدها تكونت له في الأذهان
ملامح أسطورية
لأنه رجل أسطوري بحق
يرحم الله ابن سينا
وما علينا الآن من واجب تجاه هذا العالم المسلم
الا أن نذكره ونترحم عليه
لما ترك من آثار جليلة في كل العلوم



.......الى هنا

مع تحياتي ... ناريمان الشريف