الموضوع: مع زينب
عرض مشاركة واحدة
قديم اليوم, 06:31 AM
المشاركة 3
مُهاجر
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • موجود
افتراضي رد: مع زينب
قبل أن أشرع في سرد قصتي،
تذكرت أمرًا قد أشرت إليه سابقًا، وهو موضوع غيرة الإخوة.

وهنا، وددت الحديث عنه قليلاً:
فمن طبيعة البشر ميلُ القلب إلى أحدهم، ففي المحصلة يبقى القلب ليس لنا سلطان عليه. ولا يعني هذا أن نجعله مُشرَّعًا من غير ضوابط أو قيد. ولكي لا أُسهب في هذا الجانب،

أخص بالذكر — وهو محور حديثنا — ميلَ قلب الوالدين إلى أحد الأبناء، وهو أمرٌ واردٌ حدوثه.
ومن هنا، وجب على الحصيف منا الحَذَر، بأن يبقى ذلك الميل في مكانه الطبيعي (القلب) دون إظهاره،
حتى لا يكتشفه باقي الأبناء، فيؤدي إلى الحسد والحقد، اللذين قد يُسبِّبان عواقبَ وخيمةً!

ولنا في قصة إخوة يوسف — عليه الصلاة والسلام — عِظةٌ وعِبرة!

فالبعض قد يتحجج — أو لنقل يُبرر — ذلك الفعل وكأنه الورقة التي يضغط بها على الأبناء لتحسين سلوكهم في الحياة، سواءً في الجانب الأخلاقي أو الديني أو الدراسي أو نحو ذلك. لكن هذا الأسلوب قد يصلح لبعض الأشخاص ولا يصلح لآخرين، ونتائجه قد تكون وخيمة!

فالأمر محفوف بالمخاطر!

أما أنا،
ففي البيت، أتعمد في كثير من الأحيان — بل أتَلذَّذ — برفع ضغط الأبناء حين أصرِّح بحبي لزينب. ولدي من الأسباب ما يُجبرني على التصريح بذلك، فهي قد جمعت "الزين كله"! أما البقية، فدورهم لا يتعدى رفع الضغط!

طبيعتي لا تحب التكرار، وقد اكتفيت بشرح الواجبات والحقوق التي لهم وعليهم. والمضحك أن أحد الأولاد ينتقدني قائلاً:
"خلَّيتنا نكره زينب بالغصب من كثر ما تمدحها قدامنا!"

كلام ذلك المنتقد — من الأبناء — في محله، وإن كان غارقًا في الخطأ. فهناك من الأبناء مَن لا يقبل المقارنة بغيره، كونه كيانًا منفصلًا ومنفردًا، له خصوصيته وقدراته وسلوكياته. حتى زينب نفسها تكره تلك المقارنة!

فالبعض يرى في المقارنة تحجيمًا لجهوده، والبعض الآخر يراها تهديدًا لوجوده في قلب والديه. فهي سلاح ذو حدين، يلزم من يحمله أن يعرف كيف يستخدمه!

من خلال التجربة، تيقنت أن المقارنة يجب أن تُتبَع بشرح الأسباب، خاصة إذا كان الهدف منها شحذ الهمم وتبيين أن المُقارَن به ليس أفضل منهم، بل هم أفضل منه لو استغلوا إمكاناتهم. وما يحتاجونه هو الإيمان بقدراتهم وتوظيفها لبلوغ أهدافهم. فأنا أتمنى دائمًا أن يكون أبنائي مزينين بجميل الشمائل، متفوقين على أقرانهم في العلم والخُلُق.

لا يُوصف ذلك الشعور الذي لا يزال أثره طافيًا على سطح الحاضر.
فلا شيء يؤلم مثل طعنة الأخ في ظهر مَن جعله يومًا حِصنًا له إذا اشتدت به نوائب الدهر.

تلك القصة يا زينب،
تقادم عهدها، فقد تجاوزت ثلث قرن من الزمن. في بدايتها، كانت الألفة تُرفرف فوق رؤوس الإخوة،
حين اجتمع حولي كوكبة من الشباب الذين صاغهم القرآن ورشفوا من معين الإيمان.
كانوا محط أنظار العامة والخاصة، ومثالًا للشباب المستقيم الذي ترجم الأخلاق إلى أفعال، فجاوزوا القول إلى العمل.

سارت بنا الأيام ونحن كالجسد الواحد، وازداد عدد الملتحقين بركبنا،
فعمَّ الخير ربوع القرية، بل تجاوزها إلى المناطق المجاورة.
وبفضل الله، كنت في المقدمة، أتولى التوجيه والإرشاد.

ثم تغير الحال بعد أن نزغ الشيطان بين بعضنا،
وتسلل الغرور إلى قلب أحدهم، فسعى لنيل المكانة واستقطاب الشباب لينفرد بهم.
فسقاهم من فكره المتشدد، واهتم بالقشور والمظهر، وتَرَكَ الجوهر والأصل.

حاول استمالتي، لكني ابتعدت بعد أن نصحته، تاركًا إياهم.
غير أنه لم يكتفِ باعتزالي، بل شرع في تشويه سمعتي، وقذفني بأعظم التهم!

زينب:
تستمع وهي متعجبة من تلك الانتقالة المفاجئة، وكأنها تعيش التناقض في القصة.
حينها، قطع جرسُ الباب حديثنا، فأجلت لها بقية القصة إلى وقت لاحق.