![]() |
قصة من الواقع العربي / ضحكة في وسط الحريق
كانت تعرف أنها جميلة جدا ، فلم يكن إطراء جاراتها في ذلك اليوم ، قد أضاف لها عُجبا أو اعتدادا
بنفسها ، بل أشاحت بوجهها عنهن لتنطلق مخيلتها بعيدا ، تستعرض محطات متتابعة في حياتها ، ماتت بها بذور أمانيها وآمالها قبل أن تـُزرع ... عادت إلى بيتها بخطى وئيدة وهي تزمُّ شفتيها متمتمة بتهكم : جميلة ..وما نفع الجمال الباهر من دون زوج يرعاه ؟! أغمضت عينيها عند الباب متنهدة ،فتقاطرت فوق خديها الفضيين دمعات لؤلؤية حرى ، صارت تخفي كثيرا من مثيلاتها ندما على زملاء لها في كلية الآداب ، طلبوا يدها جاهدين ، فرفضتهم ، لأنها كانت تكره البداية من الصفر مع قرين يأخذ ( المصروف ) من أبيه .. فاجأها صغيرها عند الباب صارخا بوجهها : إذا أنتِ صائمة ، فما ذنبي أن أبقى جائعا منذ البارحة ؟! أمسكت بيده الغضة الناعمة تضغطها بشدة ، فيعلو صراخه ألما وجزعا ، بينما هي تمعن بالضغط عليها بما تستطيع ! كسكّير مفلس شرب كأسه الأخيرة التي لا يملك ثمنها ، فأفرغ غضبه بالكأس الفارغة ! ... إنتبهت لسوء فعلتها ، فأرسلت يد الصغير الباكي ، لتقبع باكية في زاوية من غرفتها الفارغة إلا من مصادر الأدب والنحو وكراريس طلابها المبعثرة ... دخل عليها صغيرها ، ووقف بجانبها بهدوء ، وقد أنهكه الجوع والنشيج ، يداعب خصلات من شعرها الذهبي معتذرا لها : ماما أعدك ألا أطلب منك أكلا مرة أخرى ، حتى وإن متُّ جوعا ! رفعت رأسها الملقى على ركبتيها لتعانقه وتمطره بقبلات سريعة متتابعة ، سال من خلالها كثير من الدمع والعرق المالح ... صمتت برهة ثم سحبت صغيرها من يده إلى صنبور الماء ، وغسلت وجهيهما وخرجت مسرعة بخطىً لا تناسب خطى صغيرها السريعة المتقاربة .. سألها لاهثا : إلى أين نحن ذاهبان ياماما ؟! كانت تتوقع هذا السؤال منه وهي في البيت ، لكنها لم تدرِ ما الكلمات المناسبة التي ستختارها لإفهامه ، لأنه لن يفهم جُلها ، فاعتمدت أسلوب مخاطبة النفس للنفس لإدانة نفسها في استرجاع ماض ٍ خاطئ الإختيار والتصرف : نحن ذاهبان إلى فِيلا أبيك الثري الذي هجرنا منذ ولادتك ، ليتقترن بامرأة أمية جاهلة مثله يفهم قولها حين تخاطبه ، أما أنا فكان البون شاسعا بيننا في الثقافة والمعرفة ، فصارحديث الطرشان مثلا منطقيا ينطبق على جلِّ الأحاديث فيما بيننا ، وإذا سألتني عن سبب اقتراني به مادام الفرق معروفا منذ البداية ، اجيبك : لأن كلانا كان يريد إكمال نقصه في الآخر من دون حب ، أو عاطفة أنا أعاني من عضة الفقر التي آلمتني وأنا بين أبويَّ وإخوتي ، فقررت حذف هذه الفقرة من حياتي الى الأبد ،أما هو فكان يعاني من وطأة جهله وأمّيته التي لاتتناسب ومركزه المالي بين كبار التجار والمسؤولين ، فصار ينشد التعويض في امرأة متعلمة ،واعية ، تحمل شهادة علمية متميزة تسد ثـُغرة في حياته أقضّت مضجعه ! لكن الحال لم تدم كثيرا ، إذ بدت الغيرة تعتلج في ذاته بعد أن تبوأتُ مكانة اجتماعية متميزة بين أقراني من الأساتذة والأدباء ، وصار الناس يحيطونني بهالة من الإعجاب والتقدير، خلال محاضراتي وندواتي الأدبية في وسائل الإعلام الكثيرة والمتنوعة ، فصار زوجي يحد من حركتي وانتشاري بحجة إهمالي واجباتي البيتية والزوجية التي خُلقتُ من أجلها كامرأة ، ولما لم تفده هذه الأعذار بعد الإذعان لكل ما يطلب ويريد ، صار يسهب في شتمي وإهانتي وتهديدي بالضرب أمام المعارف والأصدقاء ، كوسيلة لإذلالي وتحجيم قدراتي التي خبروها منذ حين ، وحين أصابه اليأس من تحقيق مأربه ، عمد إلى التخيير بين الشهادة والكتب التي كان يسميها ( ضرته ) والندوات والمهرجانات ، وبين وجوده معي كزوج يوفر لي كل متطلبات الحياة تحت سقف واحد ، لم أدرك مدى جديته في الخيارين ، كما لم أكن أفكر يوما بترك الحال التي وصلتُ اليها في مجتمعي الذي أحاطني بحب افتقدته منذ اقتراني به ، ففضلتُ حينها الخيار الأول على الثاني ، رغم حاجتي الماسة لرجل يغطي نفقاتي ونفقات طفلي الرضيع الذي بات راتبي المتواضع لا يفي بربعها . قطعتْ حديثها ثم انحنتْ لترى مدى استيعاب صغيرها لما قالت ، فوجدته قد وصل الى المئة في عدِّ السيارات المارة في الشارع ! ضغطت على زر جرس فيلا أبيه ، ممتلئة بشحنة من الغضب تهز كفها الضاغط ، فخرجت لها ضرتها منفوشة شعر الرأس ، ترتدي ثوبا فضفاضا أبدع النقاش في اختيار كل الألوان الفسفورية المشعة فيه مع احتذاء نعال لم يطق حجم قدميها ، فسمح للأصابع بالدخول إليه فقط ! ... قالت لها بتعال ٍ منفعل : قولي لزوجك الذي يدعي الإيمان والتقوى ، هل من العدل أن ينثر الأموال والهبات على الفقراء رئاء الناس ، بينما فلذة كبده يتضور جوعا ، سأشتكيه الى المحاكم لأتقاضى منه حقي وحق ولده الذي لا يعرفه إذا ما رأه ..ذهبت الضرة مسرعة خائفة لتخبر زوجها بما قيل لها ، فنادت وراءها مردفة القول : وقولي له أني ومنذ شهرين صار عندي الماجستير في العلوم العربية وآدابها ، فليمُتْ غيظا وكمدا ،عادت الضرة مضطربة لتقول لها : يقول زوجي إذهبي الى أية محكمة تشاءين ، فإن المحاكم كلها في قبضة يدي ، أما الماجستير، فلن أصرف عليك درهما واحدا لعلاجك منه ما دمتِ مصرة على موقفك وعنادك معي !!! ثم أردفت وهي تضع منديلا على أنفها : بالله عليك ، هذا الماجستير الذي عندك معد ٍ أم غير معد ٍ؟!!! ضحكت وهي تجر صغيرها ضحكة سمعها من في الشارع من المارة فضحكوا معها من دون معرفة الأسباب !!! |
أخي الكريم سلام الله عليك حقيقة قصة من الواقع .. وهناك في واقعنا ما هو أكثر من هذا سلمت يداك .. الصياغة جيدة تحية ... ناريمان |
وعليك السلام يا أختنا الكريمة ناريمان
شرفني مرور أخت غالية من أمثالك أرجو لك طيب المنى |
صباح الورد هي حقيقة ...قضية متفشية كثيرا في مجتمعاتنا العربية التي تسودها الامية و عدم تقدير قيمة العلم و التحصيل رغم أننا أمة اقرأ السرد هنا كان جميلا و جذب اهتمام القارىء و كانت الصورة واضحة لكن كانت الأم تخاطب ابنها الصغير بمنطق لا يناسب استيعابه و مستوى نضج شخصيته و كان يمكن أن نتجاوز هذه المشكلة بجعل الحوار يدور كحوار داخلي في ذات البطلة جميلة هذه المفارقة في رسم شخصية الضرة و مدة جهلها المستفحل عموما هو نص جميل و هادف أ. عبد الأمير البكاء تحيتي لك |
مساء الخير على ريمنا المتألقة
أرجو ملاحظة المقطع ( كانت تتوقع هذا السؤال منه وهي في البيت ......... في استرجاع ماض خاطئ الإختيار والتصرف ) سوف تجدين أنها لم تكن تخاطب صغيرها بل هو خطاب النفس للنفس ، والذي نسميه عندنا في العراق (يدَرْدِمْ وي نفسه). سرٌ أذيعه لأول مرة ، هو أنني أجد متعة خاصة تتخلل نفسي حين أرى ردود الرائعة ريم بدر الدين على متصفحي !! شكرا لك يا ابنتي ودمتِ متألقة ً رائعة |
الساعة الآن 06:31 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.