منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   الهالة و الملعون .. رواية (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=16077)

[/tabletext]

الفصل الأول
_________

سار عبد الباسط في مقدمة المشيعين لجنازة أبيه، قدماه لا تكادا تحملانه، كأنهما عودان من الخوص المفرغ. داخله إحساس مريع بالضياع ، فلم يكن أبوه مجرد أبٍ لابن؛ بل كان المعلم والموجه في أمور دنياه، وشيخه وإمامه في أمور دينه.. أدخله المدارس الأزهرية منذ طفولته المبكرة، حتي حصوله علي الثانوية الأزهرية بتفوق، ومن الأوائل..
ترك له حرية اختيار نوعية الدراسة التي يرغبها، دون فرض منه أو أي محاولة للتوجيه.. وكانت المرة الأولى لعبد الباسط، التى يتركه فيها أباه ليختار. كل ما بداخله صرخ في إلحاح أن يصارح أباه برغبته في دراسة العلوم.. فقوانين الكون وأسراره تجذبه جذبا شديدا ممتعا.. يشعر بذاته مع قوانين الجاذبية، ونسبية أينشتين، وعلوم الفلك والمجرات والشمس والقمر وحركة النجوم.. وظواهر الطبيعة من رياح وبرق ورعد وقوس قزح.
لكنه كان يشعر أن أباه يرغب في إكماله دراسته بكلية الشريعة، فتردد في مصارحته برغبته تلك التي تسيطر عليه بجنون العالم بداخله. لم يكن يدري وهو في دوامة تفكيره تلك أن أباه يحدق في وجهه مبتسما، حتى ربت على كتفيه بحنان، ليخرجه من دوامته، وتنبه على صوته وهو يقول له..
- إذًا هي كلية العلوم..علي بركة الله، والخيرة فيما اختاره الله..
نظر عبد الباسط إلي أبيه مذهولا، وهو يحدث نفسه..
- كيف علم أبي برغبتي تلك؟.. وأنا لم أصرح له بهاّ..
انتابه الذهول ثانية، وأبوه يجيب علي سؤاله مبتسما..
- علمت برغبتك عندما وضعت يدي علي كتفك، فحدث الاتصال بيننا.
ارتبك عبد الباسط من كلام أبيه العجيب، وهمس لنفسه..
- أي اتصال هذا الذي حدث بيننا؟!..
ابتسم أباه، وبنبرة عطوفة، وهو يضع يده على كتفه..
- اهدأ يا بني، واسمعني جيدا.. لقد تخطيت الآن الثامنة عشرة، وحان الوقت لتعرف كل شيء عن نفسك..
- أعرف ماذا عن نفسي؟!..
- ما حباك الله به من نعمته ورضاه.. لقد وهبك الله قدرة وقوة روحية، لتساعد بها البشر، وتجابه بها شياطين الجن والإنس، وإبليس وأتباعه ومريديه من الإنس، الذين يعيثون في الأرض فسادا..
- لم أفهم شيئا يا أبي.. أي قدرة وأي قوة روحية تلك؟
- اهدأ واستمع لي جيدا.. أنا أعلم أن ما ستسمعه سيقاومه عقلك؛ ولكن اسمعنى بقلبك الطاهر، التي لم تدنسه خطيئة ولا ذنب يغضب ربك، فتضيع منك هبته التي وهبها لك.
لقد قمت بواجبي نحوك ونحو هبتك، وحافظت عليها وعليك طوال تلك السنوات الماضية من الدنس والرجس، وحرصت على ألا تُزل قدمك للخطيئة أو يجرك إبليس الملعون لطريقه، وأنت ما زلت في عمر المراهقة، التي تضعف فيها النفس، ويزين فيها إبليس طريق الخطيئة والرذيلة للإنسان، فيجعلك تخسرتلك الهبة، التي حباك بها الله، أو تضعف..
تنهد وأكمل:
- وأحمد الله علي إتمام مهمتي.. والآن جاء دورك يا بني..
مذهولا، وعلامات التعجب تغرق وجهه..
- دوري! في أي شيء يا أبي؟ أنا لم أفهم منك شيئا..
فابتسم في ود وحب..
- ستفهم كل شيء في آوانه.. دعني أولا أطمئن عليها..
ارتبك عبد الباسط، عندما وجد أباه يحاول أن يخلع عنه ملابسه..
- تطمئن على ماذا يا أبي؟
- الهالة..
- الهالة! أي هالة؟
- هالتك.. اخلع ملابسك، وسأخلع أنا الآخر ملابسي، واطفئ الأنوار..
كالمنوم، انصاع عبد الباسط لأوامر أبيه.. أطفأ أنوار الغرفة، وخلع ملابسه.. زاد إرتباكه، عندما رأى أبوه يخلع ملابسه أيضا..
وفي ظلام الغرفة، سمع أباه وهو يحمد الله، ويردد في سعادة وفرح..
- حمدا لله.. مازالت هالتك قوية كما هي.. حافظ عليها حفظك للقرآن الكريم وصلاتك وصيامك وبعدك عن طريق الرذيلة وغوايات الشيطان الرجيم.. روحك الطاهرة صانتها، بل قوتها.. حمدا لله..
حدق عبد الباسط في أبيه مذهولا، وارتجف قلبه خوفا ورعبا، عندما وجد جسد أبيه تحيط به هالة مضيئة ضعيفة، تختفي وتعود. صرخ في فزع..
- ما هذا الضوء الذي ينبعث من جسدك يا أبي..
حاول أبوه أن يهدئ من روعه، فعانقه في ود..
- تماسك يا بني ولا تخف. فهالتي ضَعُفت من كثرة مواجهتي مع إبليس وزبانيته ومريديه، عندما حاول الملعون أن يفقدك هبة الله التي حباك بها.. لقد واجهته لحمايتك وحماية هبة الله لك.. هالتك..
أضاء أبيه الغرفة، وطلب منه أن يرتدي ملابسه، للتوجة للجامعة فورا، لتقديم أوراقه لكلية العلوم، ووعده عند عودتهم أن يفسر له كل ما غمض عليه..

ولقاءنا قريبا مع الفصل الثانى
[/tabletext]
رضا الهجرسى 02-26-2015 09:32 AM

الهالة و الملعون .. رواية
 
[tabletext="width:70%;background-color:white;border:7px outset red;"]

الهالة والملعون
رواية فانتازيا (فيما وراء الطبيعة )
رضا الهجرسى

[tabletext="width:70%;background-color:white;border:8px groove firebrick;"]

مقدمة
_____


هل تؤمن بعالم ما وراء الطبيعة؟
أم تؤمن أن عصر المعجزات قد انتهى..
أكد لى أحد أصدقائي المقربين -وهو إنسان مثقف وواعٍ-
أنه يؤمن إيمانا قطعيا ويقينيا بوجود عالم ما وراء الطبيعة.
كان دليله على ذلك ما ذُكر من آيات في القرآن الكريم عن قصة عصيان إبليس لأمر الله بالسجود لآدم.. والملائكة.. والجنة والنار..
وطرحت هذا السؤال على نفسي، وأطرحه عليكم..
- هل تؤمن بعالم ما وراء الطبيعة ؟
بالطبع هناك من هو على يقين وإيمان كامل بوجود هذا العالم..
أخذت أفكر كثيرا..
- ما هو الإيمان؟ ومن أين يأتي هذا اليقين والإيمان القاطع بوجود هذا العالم لبعض منا؛ أو إنكار البعض الآخر لوجوده؟..
حاولت أن أجيب بقدر علمي القليل، ورؤيتي الخاصة على السؤال..
الإيمان نوعان..
أولا: إيمان الرؤية والمخابرة...
ثانيا: إيمان التصديق بالمصدر..
فأما إيمان الرؤية، فهو إيمان الأنبياء والعلماء. فالأنبياء هم من خبروا المعجزات، وتلقوا آيات الله مباشرة.. فإيمانهم إذًا هو إيمان قطعي يقيني، لا يشوبه شك. أما كافة الخلق، الذين سمعوا عن هذه المعجزات، فإيمانهم إيمان تصديق للنبي ورسالته.
كذلك العالم، الذي يقوم بالتجارب في معمله، ويصل لنتائج ثابتة، فإيمانه إيمان رؤية ويقين بالنتائج التي توصل إليها من خلال تجاربه.
أما كافة الناس، فإيمانهم إيمان تصديق له وبتجاربه ونتائجها.. ولهم أيضا حق التشكك في هذه النتائج، التي لم يخبروها بأنفسهم.
أما عن إيماني بظواهر ما وراء الطبيعة والأرواح ، فإجابتي هي: نعم أؤمن إيمانا راسخا ويقينيا بكل ما ذكر في كتاب الله الكريم..
وهذه قصة الهالة.. مستوحاة من قرآننا الشريف وآياته، التي لا تشوبها شائبة..
من وسوسات شيطان رجيم..
أو شطحات إبداع كاتب..
والله أعلم ورسوله والمؤمنون..

المؤلف
رضا الهجرسي

[/tabletext]
رضا الهجرسى 02-26-2015 11:09 PM

[tabletext="width:70%;background-color:silver;border:8px groove firebrick;"]

الفصل الثانى
_________

بالفعل كان من نصيب عبد الباسط مقعده بكلية العلوم،حيث اشتهر بين أساتذته وأترابه بتفوقه العلمي والأخلاقي على مدار سنوات دراسته، مثلجا صدر أبيه وأمه. وكشىء متوقع مع ظهور نتيجة السنة النهائية وحصوله على الامتياز مع مرتبة الشرف أول على دفعته، أبلغه عميد الكلية ببشرى تعيينه معيدا لإكمال دراساته العليا على حساب الجامعة.
فرحا سعيدا لا تلامس قدماه الأرض، كان يجرى مسابقا للريح، مهرولا إلى البيت ليفرح أباه وأمه بنجاحه. لكنه فجأة توقف، لا يدري ما أرسل إلى ذاكرته كل ما حدث بينه وبين أبيه منذ خمس سنوات،
يوم كشف له أبيه سر الهالة.
- كيف نسيت أن أسأله طوال تلك السنوات الطوال، وكيف نسي هو أن يفسر لي سر هذه الهالة؟ كيف أصلا تمر خمس سنوات ولا أتذكر ما حدث إلا اليوم؟!
لم تعد قضيته الآن نجاحه الباهر، وكل هذا التفوق، وتعيينه بالجامعة.. سيطرت الهالة وسرها على جميع مداركه، وسؤاله يلح على عقله، حتى فتحت له أمه باب البيت، بابتسامتها الودودة وحضنها. لم تهنئه بنجاحه الدراسي، بل فوجئ بها تقول:
- اليوم هو يوم مولدك الحقيقي بتذكرك..
وقف أمامها مستغربا مذهولا، قلبه يتسارع، ولسان حاله يسأل..
- كيف علمتِ يا أم أنني تذكرت؟!..
ابتسمت وهي تشير إلى غرفة أبيه..
- أبوك في انتظارك..
اتجه إلى الباب كالمنوم، ودق عليه مستئذنا للدخول.. ثم فتحه ليجد أباه جالسا على سريره، مرتديا عباءته، ممسكا سبحته العاجية، وأمامه المصحف الشريف، يقرأ من آياته بصوت مجود:
"قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ** قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ"
صدق الله العظيم
اغلق أبيه الكتاب الكريم ..ونظر إليه فاتحا ذراعيه ..ارتمى عبد الباسط فى حضن أبيه وأخذ يقبل يديه وجبهته فى اجلال ربت أبيه على ظهره بحنان بالغ ..قائلا ..
-أعلم يا بنى أنك تذكرت هبتك .
- نعم يا أبى .ولا أعلم كيف نسيتها طوال تلك السنوات الخمس ..
-إنها أرادة الله يا بنى ومشيئته..وكل شئ بأوانه
جعلك تنسى لتكمل علمك بعد أن أكتمل دينك ..ثم أعاد لك ذكراتك
-نعم يا أبى تذكرت يوم أن كشفت لى عنها ..ولا أعرف كيف
نسيتها ثم عادت لذاكرتى وكأنها حدثت بالأمس فقط..
هز رأسه مبتسما فى ود، فلحقه بالسؤال:
- وما فائدة تلك الهبة يا أبي؟ وكيف ومتى وفيما يمكنني استخدامها؟
رد أبيه بإبتسامة واثقة يطمئنه:
- سيهديك الله سواء السبيل..لا تخف، فأنت من جند الله على الأرض، وعندك علم الكتاب لمواجهه إبليس وزبانيته وأتباعه ومريديه من الأنس والجن.
قطع الرجل كلامه فجأة، ووضع يده على صدره وعلامات الألم تتعاظم على وجهه، قبل أن تحل محلها علامات الأعياء الشديد..
وأصفر وجهه.. وانكفأ مفارقا الحياة!..

[/tabletext]
رضا الهجرسى 02-27-2015 03:17 PM

[tabletext="width:70%;background-color:silver;border:5px solid firebrick;"]

الفصل الثالث
_________

تنبة عبد الباسط، عندما طلب منه أحد المشيعين ألا يدخل القبر.
نظر إلى أمه، فأشارت له بيدها أن ينزل مع أبيه.
ساعده نفر من المحيطين على نزول سلالم المقبرة، وهو إذ ذاك في انهيار تام، وقد بدأت قدماه تخوران وترتعشان من رهبة القبر..
لم تستطع قدماه أن تحملاه، فأجلسوه في ركن ممدا ساقيه، وراح يبكي بكاءا مرا يمزق القلوب.. وكاد أن يغيب عن الوعي..
نزل، وفي قلبه وجل، وأغرورقت عيناه بالدموع، وهو ينظر للجثمان وهو يُحمل من النعش إلى أرضية قبره ببصر مائع، وقد قهره كم بدا أباه في كفنه هزيلا خفيفا..
فجأة، وقف على قدميه متهلل الوجه، يمسح دموعه بكلتي يديه وهو يحدق أمامه..ويحدث نفسه..فكر جميع من بالمقبرة أن عبد الباسط قد جُن حزنا على أبيه، وحاولوا أن يقتربوا منه ليهدئوا من روعه، لكنه أمرهم بصرامة أن يغادروا المقبرة جميعهم، فاستجابوا على الفور وتركوه ينفرد بأبيه، ظنا منهم أنه يريد أن يَختلي به قبل أن يُغلق عليه قبره..
ما لم يَخطر علي بال أحد منهم، أنه أراد أن يَختلي بروح أبيه.. استرد عبد الباسط كامل عافيته، ووقف مبهورا، مذهولا، سعيدا وهو يرى أباه واقفا أمامه في كفنه، في كامل عافيته، متورد الوجه، مبتسما له في بشاشة. همَّ ناحيته في لهفة، فاتحا ذراعيه ليحتضنه، فأوقفته إشارة من يد أبيه..
سمع صوت أبيه يتردد بداخله بوضوح، دون أن يحرك شفتيه..
- استمع لي يا بني، ولا تقاطعني، فوقتي قليل.. بموتي بدأت مهمتك..
وجد عبد الباسط نفسه يرد على أبيه دون أن يحرك شفتيه هو الآخر..
- أي مهمة تلك يا أبي؟..
- مواجهة الملعون ابن الملعون..والقضاء عليه وعلى شره، وإفساد مهمته اللعينة على الأرض..
- ومن هذا الملعون ابن الملعون، وما مهمته علي الأرض..
- الابن الأكبر لإبليس الملعون.. وهو أشر وأشرس أبنائه.. أرسله أبوه في مهمة نشر الفساد والفسق والفجور، وسفك الدماء وتحليل الحرمات.. وقتل الابن لأبيه وأمه، حتي ينتهوا وتذهب ريحهم..
وحباك الله بهذه المنحة الآلهية، لمواجهته وإفساد مهمته على الأرض..
- وكيف؟ وأين أجده؟
- سيدلك دليلك..
- ومن دليلي هذا، وكيف أعرفه، وأين أعثر عليه؟!
- سيعثر عليك هو، فاستمع له وأطعه.
بدأت روح الأب تختفي تدريجيا هاتفة:
- لا تنسى كلماتي الأخيرة تلك.. احفظها عن ظهر قلب.. سيجدك دليلك؛ وهذه آخر مرة تراني فيها.
سيجدك دليلك..وهذه آخر مرة تراني فيها..
وقف الفتى مذهولا، وهو يحدق في المكان حيث كانت روح
أبيه، وكلمات أبيه ترن في أذنيه، وتخترق روحه وكيانه..
نادى عليه من الخارج حارس القبر، طالبا منه الصعود والمغادرة، ليغلقه، فقد تململ كل المشيعين في ضيق، في انتظار خروجه.
وأخيرا، خرج عبد الباسط، وسط ذهول الجميع، وهم يرونه منبسط الأسارير، يبحث عن أمه وسط النساء، فيحتضنها في سعادة وحنان.
إبتسمت له الأم وأشارت له ألا يتكلم.
حين تفرق الناس عنهما، اقتربت من أذنه وسألته..
- هل قابلت أباك؟
- نعم يا أم.. قابلته، وتكلمت معه..
- هل حدثك عن مهمتك؟
- نعم.. نعم يا أمي.. حدثني عن مهمتي الجليلة..
- إذًا هيا بنا إلي المنزل، لتتسلم ميراث هالتك، فأولئك المشيعون سيضربون كفا بكف، استياء من ابتسامتك وتهللي لك.
بالفعل، فالناس آنذاك قد أجمعوا على أن الابن وأمه قد فقدا عقليهما وجُنا، وهم يرونهما يتركان رجلهما الذي لم تبرد جثته بعد في قبره،
ويهرولان مغادرين، وعلامات السعادة تغمر وجوهيهما، بمجرد إغلاق القبر على فقيدهما..




[/tabletext]
رضا الهجرسى 02-27-2015 03:21 PM

[tabletext="width:70%;background-color:silver;border:5px solid firebrick;"]


الفصل الرابــــــع
_________

فتحت أمه الباب، وولجت مسرعة، وهي ممسكة بيد عبد الباسط
بقوة آلمته.. دفعته ليجلس، وطلبت منه ألا يتحرك من مكانه، حتى تسلمه أمانته، وتزيح عبء تلك الأمانة الجليلة من على كاهلها. استسلم لرغبتها دون كلمة، وهو في ترقب مذهول لتصرفاتها، وتركته هي على حالته تلك، واتجهت إلى غرفة أبيه، حيث غابت برهة من الزمن، ثم عادت وهي تحمل صندوقا عتيقا في يدها.
ناولته الصندوق، وارتمت على أقرب كرسي، وهي تأخذ نفسا عميقا،
وكأنها تخلصت من حجر ثقيل كان رابضا على قلبها.
أخذ عبد الباسط يقلب الصندوق في يده باستغراب وفضول شديدين، وهو يتفحصه سائلا أمه..
- ما هذا؟..
ردت على الفور..
- لا أعلم..
- ماذا بداخله إذًا؟..
- لا أعلم..
- وماذا أفعل به؟..
- لا أعلم يا بني أي شيء، فقد حملني أبوك تلك الأمانة، لأسلمها لك بعد الانتهاء من دفنه، دون تلكؤ أوتأجيل، وها أنا ذي قمت بتوصيل الأمانة واسترحت.
- ألم يقل لكِ أي شيءعن هذا الصندوق؟..
- لم يقل لى إلا شيء واحد عنه
تنهد قائلا..
- أريحيني يا أمي، وقولي، فالفضول يكاد يقتلني.
- هذا ميراث الهالة..هذا ما قاله أبوك.
- هذا ميراث الهالة!..أي هالة..
- هالتك يا بني..ولا تسألني المزيد، فأنا لا أعلم أي شيء أكثر مما ذكرت لك..
صرخت فجأة..
- نعم.. نعم تذكرت شيئا..
في لهفة سألها..
- قولي يا أمي..ماذا تذكرتِ؟..
- قال أبوك سيتكشف لك كل شيء عن طريق هالتك.. فسينير الله بصيرتك، وتعرف طريق ميراثك..
نظرت إليه بما يشبه العتاب..
- لا تسألني المزيد، فقد سلمتك أمانتك وانتهت مهمتي،
وبدأت مهمتك الجليلة..

فاطمة جلال 02-27-2015 08:41 PM

كاتبا وأديبنا القدير رضا الهجرسي
رواية رائعة تحمل في مضمونها الكثير من الحكايا
لتطعلنا على الكثير

ونحن في انتظار المزيد

مع التقدير

زياد القنطار 02-28-2015 02:59 AM

تكمل ونكمل ولنا لقاء ...بداية غيث مبشرة سنكون على موعد مع جناه.
أستاذ رضا كل التقدير ..مرور فقط لتسجيل حضور ,وعودة إن شاء الله . كل التقدير

رضا الهجرسى 02-28-2015 02:27 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاطمة جلال (المشاركة 188445)
كاتبا وأديبنا القدير رضا الهجرسي
رواية رائعة تحمل في مضمونها الكثير من الحكايا
لتطعلنا على الكثير

ونحن في انتظار المزيد

مع التقدير

المبدعة الواعية .. فاطمة جلال
سعيد جدا بمتابعتك لأصعب رواية قمت بكتابتها
وفى انتظار نقدك الصريح لها
وودى وتقديرى

رضا الهجرسى 02-28-2015 02:30 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زياد القنطار (المشاركة 188452)
تكمل ونكمل ولنا لقاء ...بداية غيث مبشرة سنكون على موعد مع جناه.
أستاذ رضا كل التقدير ..مرور فقط لتسجيل حضور ,وعودة إن شاء الله . كل التقدير

المبدع الرائع .. زياد القنطار
يهمنى مرورك جدا لأعرف نقدك الصريح لأى هفوات أو زلات وقعت بها فى أحداث الرواية ..
وودى وتقديرى

رضا الهجرسى 02-28-2015 02:33 PM

الفصل الخامس
__________

جالسا على سريره، غارقا في أفكاره، واضعا الصندوق أمامه،
يقلبه بين حين وآخر بيديه، باحثا عن كيفية فتحه، ليرى ما بداخله..
حتى داعبه النوم، وقد بدأ يشعر بالإجهاد، بعد هذا اليوم الطويل الحزين، والذي انتهى بهذا الصندوق العجيب.. وتملكه اليأس من فتحه، سمع آذان الفجر..
شعر برغبة شديدة تتملكه أن يصلي بالجامع القريب، كعادته مع أبيه. تحامل على نفسه، وارتدى ملابسه، وتوكل على الله..
وهناك.. بعد أن انتهى من صلاته وراء الأمام، وسلم عليه، فوجئ بالإمام يشده بقوة وعنف، وهو ينهره بغضب:
- لماذا لم تسم بالرحمن الرحيم؟.. قل: بسم الله الرحمن الرحيم
بُهت عبد الباسط من غضب الإمام وصرخته.. وزاد تعجبه، عندما وجده يعود ويسلم عليه، مع ابتسامة ودودة ووجه بشوش، ويعزيه في أبيه، ثم يتركه ويذهب وكأن شيئا لم يحدث!..
لكأنه كان مغيبا لينطق هذه الكلمات، ثم عاد له وعيه!..
مذهولا، أخذ يتابع الإمام ببصره، حتى تذكر فجأة، وصرخ معاتبا نفسه..
- نعم..نعم.. أنا لم أقرأ البسملة قبل فتح الصندوق..
لك كل الحق يا أمامنا؛ لقد أنرت بصيرتي وأخرجتني من
غفلتي..جازاك الله عني كل خير..
عاد مسرعا يسابق الريح إلى المنزل، فوجد أمه في انتظاره، بعد أن
انتهت من صلاة الفجر. لكنه تركها، مهرولا إلى ميراث هالته، وأغلق غرفته عليه.
قفز على سريره، وأمسك بالصندوق بيديه بجلال ورهبة قائلا:
- بسم الله الرحمن الرحيم.. افتح واعطني ميراث هالتي..
ارتد بظهره مذعورا، حين وجد الصندوق يُفتح، وتغمر الغرفة رائحة
لم تشمها أنفه من قبل.. وكأنها من روائح الجنة.
شعر براحة نفسية، وقوة روحية غمرت كامل كيانه، زالت بعدها كل ظواهر للتعب والأجهاد. في حرص و بطء شديدين، مع فضول قاتل..
أعتدل ومد بصره داخل الصندوق، ليرى ما بداخله، فوجد ثلاثة مفاتيح كبيرة الحجم.. لونها أبيض ناصع كلون السحاب، تبرق ببريق محبب للنفس مريح للبصر. مد يده المرتعشة داخل الصندوق، وتناول الثلاثة مفاتيح في رهبة وجلال.. ولاذ بالصمت وهو يحدق بها مليا، ثم تمتم بهدوء..
- أهذا ميراث هالتي؟..مفاتيح متلألئة عجيبة الشكل، ذات جمال محبب ومبهر!.. لكن ما فائدتها لهالتي؟ وأي شيء يُفتح بها؟..
فكر لحظة..
- أمي!..من المؤكد أن أمي تعلم..
قفز من الفراش مغادرا غرفته، وهو يمني نفسه أن يجدها ما زالت مستيقظة. وتهللت أساريره حين وجدها جالسة، شاخصة بنظرها في تجاه غرفته في انتظار خروجه..
قبل رأسها ويديها في ود، ووضع أمامها المفاتيح الثلاثة.. صمتت برهة، ثم سألته في تعجب:
- أهذا ميراث هالتك؟..ثلاثة مفاتيح!..
- نعم.. هذا ما وجدته بالصندوق..
- وأي شيء تفتح..
- ألا تعلمين؟..ألم يخبرك أبي؟..
- لا يا بني.. لم يخبرني أبوك سوى ما ذكرته لك..
أغمض عينيه، وشهق نفسا عميقا، ليفرغ شحنة اليأس التي انتابته وأدخلته في تيه جم. شعر كأنه وقع في جب مظلم سحيق، لا يستطيع الخروج منه..
وأحست الأم بما ينتاب ولدها من قنوط، فأخذته في حضنها، وأخذت تقرأ آيات من القرآن، وهي تمسح على رأسه. فشعر برغبة شديدة في النعاس على صدر أمه الحنون..
وبالفعل نام نوما عميقا.. ورأى أباه في منامه، مرتديا عباءته، ويسبح على سبحته العاج.. فتح أبوه باب الغرفة، التي كان يقيم بها في خلوته، ثم التفت إليه وأشار له ليدخل الغرفة.
وانتبه عبد الباسط من نومه فجأة، فقص على أمه ما فعله أبوه من فتح غرفة الخلوة له، فقامت الأم، ووقفت أمام باب الخلوة، وأشارت له بيدها ناحية الباب كما فعل أبوه، قائلة في حنان:
- المفاتيح الثلاثة هي ورث هالتك، أما غرفة أبيك وخلوته فهي ميراثك الشرعي من أبيك، فتوكل على الله، وضع مفاتيحك واستلم ميراثك وميراث هالتك..
أولج عبد الباسط أحد المفاتيح بباب الغرفة، وهو يسمي بالرحمن..
وفتح الباب.. أشار إلى أمه لتدخل معه، فردته في رقة.
- غير مسموح لي يا بني دخول هذه الغرفة.. اغلقها عليك وعلى ميراثك..
قبل يدها، وسمى بالرحمن.. أغلق باب الغرفة، وأسند ظهره إلى بابها متجولا بنظره في أرجائها. تعجب من تلك الرائحة العطرة التي تغمر الغرفة.. هي ذاتها الرائحة التي استنشقها حين فتح صندوق المفاتيح..
ازداد عجبه ودهشته حين لم يجد بالغرفة منفذا أو نافذة لدخول الهواء.. جال بنظره بأرجاء الغرفة ، فلفت نظره صندوقان خشبييان كبيران، مغلقان بأقفال حديدية كبيرة، ووقع بصره على خطاب مغلق فوق أحد الصندوقين.
تناول الخطاب، فوجد اسمه مكتوبا عليه.. فتحه، وأخذ في قراءته بصوت مرتعش..
"ولدي عبدالباسط.. أنا أعلم أن المهمة التي ألقيت على كاهلك تنوء الجبال بحملها، ولقد حاولت أن أحملها عنك، وواجهت ابن الملعون مرتين، وكدت أفقد حياتي في مواجهته، حتي ضعفت هالتي ووهنت قوتي. ولكن الله العلي القديروهبك هالة قوية، تفوق قدرات كل من سبقوك، لا يستطيع الملعون معها مجابهتك وجها لوجه. سيحاول إضعاف هالتك بطرقة الخبيثة الملتوية، بإيقاعك في الرذيلة والفسق والمحرمات..فاحذر بني. ابتعد عن كل ما حرمه الله، حتى لا تضعف هالتك ولا تستطيع مواجهة الملعون.. ثق في الله وأنه دائما معك".
انتهت الكلمات، وأغرورقت عيناه بالدموع، وأخذ يشم رائحة أبيه في الخطاب..
فتح عبد الباسط الصندوق الأول، فوجد بداخله مجلدات كبيرة، ذات أوراق صفراء ثقيلة الوزن، أخذ في تصفح أوراقها، فوجد شجرة عائلته من الجد الأكبر، حتي وصلت آخر فروعها إلى أبيه ، مكتوبا بها أعمال كل منهم في مواجهة الشر، وفي كيفية إخراج التلبس الشرير من أرواح وجان وشياطين، من الأجساد التي تلبستها، والسبل التي كانوا يتبعونها في طردها دون الأضرار بمن تلبستهم..
عندما فتح عبد الباسط الصندوق الثاني، وجد به ما انقبض له قلبه، وتسلل الخوف إلى روحه، عندما قرأ عما فعله إبليس وذريته من شر مستطير أسود.. خراب ودمار وحروب على الأرض.. سفك للدماء.. نشر الرذيلة والفساد.. فرقة وكراهية..
بدأ الخوف، من هول ما قرأ، يدب في أوصاله، وعزيمته تضعف، ويقينه يهتز.. وشعر بهول المهمة الملقاة على عاتقه..
لكن فجأة، شعر بنسمة رقيقة تلفح وجهه، ورائحة انسلت إلى روحه. وأصوات كأنها أصوات الملائكة، تغني له بصوت رخيم رقيق، ينسل إلي القلب فيقويه.. أعادت تلك الرائحة العبقة التي ملأت صدره، وهذا الغناء الملائكي الراحة والسكينة إلى نفسه وروحه. استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن الله قوى جبار علي كل جبار.
ظل في خلوته تلك لأكثر من شهرين، يقرأ في كتاب طرد الأرواح والمس الشيطانى ومعالجة الحسد، حتى حفظه عن ظهر قلب بإيمان راسخ..
أصبحت ثقته في الله غائرة في أعماق ضميره وكيانه، إلى أن أرسلت له الجامعة خطابا بتعيينه بالجامعة.

رضا الهجرسى 03-01-2015 08:10 PM

الفصل السادس
_________

سعيدا فرحا، وأمه تلف المبخرة حول رأسه، وتدعو له، وتستعيذ
من الشيطان الرجيم، ومن كل عين رأته ولم تصل على النبي، وهي ترافقه حتى باب البيت. قفزت كلمات أبيه ووصية روحه الأخيرة في المقبرة إلى عقله: "سيجدك دليلك..وهذه آخر مرة تراني فيها" وهو في طريقه إلى الجامعة في أول أيام العمل، غير صافي الفرحة بسيارته الجديدة، قلقا من إلحاح الكلمات على عقله، يحاول أن ينساها أو يتناساها. حضر أول اجتماع له مع عميد الكلية، جالسا وسط طاقم التدريس، والذين كانوا بالأمس القريب أساتذته، وبعد انتهاء الاجتماع، نادى عليه عميد الكلية..
- تعالى يا عبقري..أهنئك ونهنئ أنفسنا بانضمامك إلى طاقم التدريس،
هذا أولا.. ثانيا لدي بشرى لك ستسعدك..
- أشكرك يا سيدي، وأرجو أن أكون عند حسن ظن سيادتك..
- اسمع بشراي أولا، ثم اشكرني كما شئت.. أتعرف الدكتور على البنهاوي؟..
- للأسف يا سيدي، لم أسمع عنه..
- نعم.. نعم لك كل الحق.. فقد ترك الجامعة فجأة؛ بل ترك البلد
كلها، وعمل في جامعة في إحدى دول الخليج، في ذات العام الذي بدأت أنت عام دراستك الأول، وهذا عذرك.. فالدكتور البنهاوي عالم جليل، له من الأبحاث ما جعله كبيرا ومشهورا في جميع أرجاء المعمورة.
- للأسف يا سيدي أني لم أتشرف بمقابلته.
- أبشر، ستقابله وتجلس معه.. فقد وافق أن يكون المشرف على رسالتك في تحضير الماجستير..
- هذا خبر سعيد يا سيدي..
- العجيب، أنه قبلك دون أن يراك، وهذه ليست عادته.. قبلا، كان يرفض الإشراف على رسائل الماجستير.. ويقبل فقط رسائل الدكتوراة ومن ثبت تفوقهم العلمي.. جهز نفسك يا فتى لمقابلة عالمنا الجليل..
- متى يا سيدي؟..
- اليوم..
- اليوم!..
- نعم اليوم، فهو سيلقي أولى محاضراته اليوم في المدرج الرئيسي، وسيحضرها جميع الأساتذة -وأنا أولهم-.
واذهب الآن لتجد لك مكانا، قبل ازدحام المدرج، ثم بعد ذلك
تأتي إلى غرفتي لأعرفك به..هيا يا عبقري اسرع..
هرول عبد الباسط فرحا ليلحق مكانا بالمدرج الكبير، وليرى أستاذه
والمشرف على رسالته، الدكتور علي البنهاوي.
دخل الدكتورعلي المدرج، واستقبله الحشد بتصفيق وقور، فرد عليهم تحيتهم بوقار العالم، وبابتسامة خفيفة مع رفع يديه..
علي البنهاوي رجل يقترب من الستين، نحيل، واهن القوة، يكاد العظم يبرز من تحت جلده.. يتحرك في بطء، ويتنفس بصعوبة. صمت الجميع، وأخذ الدكتور يتفرس في وجوة الجالسين مبتسما، وبصوت هادئ رزين تحدث..
- أشكركم على هذا الأستقبال الحافل بشخصي المتواضع،
واسمحوا لي ألا نضيع وقتنا في المجاملات..
لقد أحضرت معي فيلما تسجيليا عن آخر أبحاثي، وأيضا عن آخر الاكتشافات والنظريات الجديدة في عالم العلوم.فلنشاهد الفيلم، ثم نكمل محاضراتنا.
وقف العميد طالبا الكلمة، فابتسم له البنهاوي في ود، مستمعا له..
- أرحب أولا بعالمنا الجليل الدكتور علي البنهاوي، وعودته إلى
داره، التي تخرج منها وقام بالتدريس بها، وتخرج على يديه أنجب العلماء والباحثين. ولكن هل يسمح لي أستاذنا بسؤال كزميل وصديق عمر؟..
- تفضل سيادة العميد..
- ما سبب تركك المفاجئ لكليتك، والعمل بالخليج لأكثر من خمس سنوات، ومعروف عنك أنك لست من المهتمين بجمع المال؟
والأعجب يا صديقي، هو رجوعك المفاجئ أيضا، دون أي مقدمات!..هذا ما يدور بخلد الجميع، وأردت أن أكون مندوبا عنهم؛ وأكرر ترحيبي وسعادتي بعودتك الميمونة إلى جامعتك..
ابتسم البنهاوي في ود مجيبا..
- أرجو من صديقي وزميلي العزيز ألا نضيع وقتنا في أمور
شخصية، فنحن علماء.. فدعونا نبدأ محاضرتنا.
التفت يطلب من أحد مساعديه أن يبدأ في تشغيل آلة عرض، ليعرض آخر اكتشافاته وأبحاثه، التى نشرت في جميع أنحاء المعمورة. أطفأ مساعده الأنوار بالقاعة، ليبدأ عرض الفيلم.
بعد دقائق معدودة، فوجئ الجميع بالدكتور البنهاوي يجرى بطريقة غريبة على مفاتيح الإضاءة، ويضئ المدرج، وهو ينظر في حدة في المكان الجالس به عبد الباسط.
بُهت الجميع عندما شاهدوه يجرى إلى حيث يجلس عبد الباسط، ويتفرس في الطلبة الذين يجلسون عن يمينه ويساره، ثم أشار لهم أن يقفوا جميعا، بما فيهم عبد الباسط، واصطحبهم إلى مكتبه، وسط ذهول الجميع.
وهناك، أغلق الباب عليهم، وعبد الباسط والذين معه يتساءلون فيما بينهم عما أغضب الدكتور ليستدعيهم بهذه الطريقة الغريبة..
قرأ البنهاوي ما يدور بخلدهم، فطمأنهم مبتسما، وطلب منهم الجلوس.. ثم طلب من الساعي أن يحضر لهم مشروبات باردة تبرد قلوبهم..
جلس إلى مكتبه، ونظر أمامه إلى اللاشيء، ثم بدأ يفسر لهم سبب وجودهم هنا.. ببساطة.. ليتعرف إليهم!
لم يقتنع أي منهم بالطبع. وظل التوجس بداخلهم، وهو يحدثهم في ود، حتي اطمأنت قلوبهم شيئا فشيئا بالحديث العادي، ثم وقف مادا يده لمصافحتهم مودعا إياهم.
صافحه الجميع، وهو يشد على أيديهم بقوة. وعندما مد عبد الباسط يده ليسلم على الدكتور البنهاوي، تلكأ في مد يده حتى خرج آخر الموجودين، ثم مد يده إليه. تشابكت يداهما، فصرخا معا من المفاجأة، وارتعد جسداهما برعشات متواصلة في هذه اللحظات التي مرت وكأنها دهر من الزمان، قفزت فيها إلى عقل عبد الباسط صور انخلع لها قلبه رعبا وفزعا.. كانت فتاة مكبلة في سريرها بسلاسل حديدية من يديها وقدميها.. جسدها عارٍ وممزق من آثار جلدها بسوط ، ورجل هناك يضربها بعنف، والدم ينزف من التشققات التي يحدثها السوط الوحشي في جلدها. وجهها مشوه أيضا بتشققات تملأه في جميع جنباته، يخرج من فمها زبد أخضر اللون.
استدار الرجل فجأة، ولتظهر ملامح وجهه واضحة جلية في عقل عبد الباسط، وليزداد رعبه وفزعه فقد كان هو نفسه الدكتور البنهاوي!..



رضا الهجرسى 03-05-2015 05:50 PM

الفصل السابع
__________

سيطر الفزع والرعب على نفس عبد الباسط، وقبض الخوف على قلبه، ووجه البنهاوي أمامه تعلوه علامات الشر والغضب، وعيناه حمراوتان، وهو يضرب الفتاة بوحشية.. حاول بقوة أن يحرر يده من يد البنهاوي، التي تقبض عليها باستماتة، ولم يقاوم الصراخ، حتى فتح الباب، ودخل بعض الدكاترة، الذين سمعوا صرخات الاثنين، ورأوا المنظر العجيب، فحاولوا نزعهما عن بعضهما حتى نجحوا في تحرير عبد الباسط، وسقط البنهاوي على كرسي مكتبه مغشيا عليه، وسقط عبد الباسط على أرضية الغرفة في إعياء شديد، والرعب يظهرعلى ملامح وجهه..
أمسك رأسه بكلتي يديه، صارخا من قلبه:
- اللهم نجني من هذا الملعون..
هرول مغادرا المكتب والكلية، وهو يتمتم مكررا..
- إنه الملعون.. الملعون..
وبيد مرتعشة، أولج مفتاح السيارة بسرعة ليديرها، وكأن الشيطان يطارده.. انطلقت السيارة فجأه وبأقصى سرعتها،دون أى تدخل منه..
لم ير لحظتها معالم الطريق أمامه،
فجأة برزت أمامه سيارة فارهة سوداء اللون .. وكأن الأرض انشقت وبرزت منها أو هبطت من السماء واعترضت طريقه ولم يستطع تفادى الأصطدام بها ..
زاغت عيناه، وتداخلت الصور في بعضها..
شعر بدوار في رأسه فجأة، ثم بصدمة شديدة وارتطام رأسه بمقود السيارة..
وغاب عن الوعي..


فاطمة جلال 03-05-2015 06:29 PM

أديبنا القدير رضا

ما زلت متابعة لهذا الحرف وفي كل مرة تتركنا والدهشة لا تفارقنا
في انتظار حرفك الى النهاية

واتمنى على من يجيد النقد والوقوف على القصة أن يشاركنا هذا الحرف الراقي
وهذا الفكر المبدع

مع التقدير

زياد القنطار 03-06-2015 01:53 PM

مازلت أتابع هذا الحرف الجميل .وأنتظر فصوله بشغف .
الأديب رضا الهجرسي ,أشعلت فضول الذائقة ...خالص الود

رضا الهجرسى 03-06-2015 07:08 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاطمة جلال (المشاركة 188727)
أديبنا القدير رضا

ما زلت متابعة لهذا الحرف وفي كل مرة تتركنا والدهشة لا تفارقنا
في انتظار حرفك الى النهاية

واتمنى على من يجيد النقد والوقوف على القصة أن يشاركنا هذا الحرف الراقي
وهذا الفكر المبدع

مع التقدير

المبدعة .. فاطمة جلال
وأنا سعيد بمتابعتك الواعية وأشكرك على الدعوة لنقد الرواية ..
وودى وتقديرى لحضورك الكريم

رضا الهجرسى 03-06-2015 07:11 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زياد القنطار (المشاركة 188748)
مازلت أتابع هذا الحرف الجميل .وأنتظر فصوله بشغف .
الأديب رضا الهجرسي ,أشعلت فضول الذائقة ...خالص الود

الراقى .. زياد القنطار
سعيد بمتابعتك وفى إنتظار نقدك .. ولك أهدى الفصل القادم ..
وودى وتقديرى

رضا الهجرسى 03-06-2015 07:15 PM

الفصل الثامن
_________

طرق أذنيه صوت همهمات تشبه التعويذات التي يحفظها عن ظهر قلب، والمذكورة في الكتاب الثاني لطرد الأرواح وتلبس الجان والمس الشيطاني. انسلت إلى أنفه رائحة بخور كبخور أمه، فاطمئنت نفسه لتلك الرائحة والهمهمات، فهو الآن بالتأكيد في حضن أمه ورعايتها..
انتفض واقفا في فزع، عندما علت صوت الهمهمات بصوت أجش، وفتح عينيه متنقلا ببصره في أرجاء المكان الغريب، فرأى رجلا تخطى الخمسين من عمره، أبيض الوجه، في لون لحيته، أمامه مبخرة يلقي بها البخور، ويتمتم بتعويذته..
سأل في ارتباك، وكأنه يناجي نفسه..
- أين أنا؟.. ومن أنت؟.. وما الذي آتى بي لهذا المكان..
صاح الرجل صيحة مدوية..
- حي.. اجلس يا عبد الباسط ولا تقاطعني..
في استسلام جلس محدقا في الرجل في خوف، حتى انتهى من تعويذاته، ثم ابتسم في بشاشة لعبد الباسط، وتكلم في ود..
- يمكنك الآن أن تسأل ما شئت يا شيخي..
- شيخك..
- نعم شيخي وتاج رأسي..
- كيف أكون شيخك؟..
- بهالتك ومواجهتك للملعون والقضاء عليه..
- هل مات؟..
- نعم يا شيخي وتاج رأسي.. وأحمد الله على إتمام مهمتك..
- ولكن كيف عرفت؟..ومن أنت؟.. وأين أنا؟..
- لا تسأل..واعلم أن الله راض عنك، ولك الحق الآن في أن تمارس حياتك الطبيعية، وتتزوج وتصبح لك ذرية من صلبك.
أما سؤالك عن كونيتي، فكان يجب أن تعرفني دون سؤال..
أنا دليلك.
أخذ عبد الباسط نفسا عميقا، وزفره بقوة في ارتياح. ثم في فضول
واستيحاء..
- ولكن قل لي يا سيدنا الشيخ بالله عليك.. كيف حضرت إلى هنا؟.. هل أمي من أحضرتني إليك؟
- لا يا مولانا..لم تحضرك أمك الفاضلة، بل أحضرتك سيدة كريمة طاهرة، بعد أصطدام سيارتك بسيارتها، وغيابك عن الوعي.
- لكن كيف عرفت ما حدث بيني وبين الملعون..
صاح صيحة انخلع لها قلب عبد الباسط..
- حي..قلت لك لا تسأل.. ليس مصرح لي بالرد عليك، فلا تسأل وتعرضني للحساب العسير. مصرح لي فقط أن أبلغك أن مهمتك قد تمت، وُرفعت عن كاهلك
قاطعهما مساعد الشيخ بدخوله، وهمس في أذن الشيخ. تهلل وجهه، وابتسم في وجة عبد الباسط قائلا..
- حظك في قدميك يا فتى.. ها هي قد حضرت منقذتك لتشكرها بنفسك..
خرج المساعد مسرعا، ثم عاد وهو يشيربيديه مرحبا..
- تفضلي يا سيدتي.
وقف الشيخ، واستقبلها استقبالا حارا..
- أهلا أهلا بسيدتنا الكريمة.. حللتِ أهلا ونزلتِ سهلا.. تفضلي..
امرأة جمعت مجامع الفتنة ووقارها.. أنوثة طاغية مع وجة ملائكي.. عيون ساحرة تسحر العقول قبل القلوب، ينطبق عليها قول الشاعر..
عيون إذا أبصرت قلبا خليا من الهوى..
تقول له كن مغرما فيكون..
خطف عبد الباسط لمحة خاطفة، ثم غض بصره مسرعا، عندما شعر
باندفاع الدم في رأسه، بل في جميع أجزاء جسده الفتي. استيقظ بداخله شباب جسده، الذي حرم من الاقتراب من النساء من أجل هالته.. في هذه اللمحة، فقد عبد الباسط عذرية مشاعره، فلكزه الشيخ في كتفه ضاحكا وهامسا في أذنه..
- تمالك نفسك يا شيخنا..وسيطر على نفسك ودع الأمر لي..
- أي أمر؟..
- لا تخف.. فسرك عندى في جب عميق.. فقد كافأك الله بعد أن
أنهيت مهمتك وقضيت على الملعون بهذه المرأة الصالحة
الطاهرة، فلا ترفض عطية الله لك، واطمئن، فقد كشفت على
طالعكما في النجوم، ونجماكما – حمد الله- متوافقان، وأبشرك بشرى سيسعد بها قلبك.. فهذه المرأة تملك من المال والجاه ما كان عند قارون وأكثر، أي جمال ومال وجاة وطهر؛ ماذا تطلب أكثر من ذلك؟..
في تردد..
- ولكن يا شيخنا..
في وعيد..
- ولكن ماذا؟ أتريد أن ترد عطية الله لك؟
- حاشا لله أن أفعل.. ولكن ألا نحصل على موافقتها أولا؟
- أبشر يا مولانا.. فهي من طلبت مني أن أخطبك.. ولكن لها شرط واحد وبسيط..
- وما هو؟
- ألا تعود للعمل بالجامعة، وتدير لها أموالها، وتصبح السيد
الآمر الناهي..
- قبلت شرطها..
- إذن..فلنُحضر المأذون ونعقد القران..
- الآن يا شيخنا!..لا أستطيع..
- وما المانع يا مولانا؟
- أمي.. يجب أن أبلغها، وأحصل على موافقتها، وتحضر القران..
- أذن هيا.. واذهب من فورك لتحضرها ونحن هنا في انتظارك.. هيا يا مولانا، أسرع وعجل..
مد عبد الباسط يده ليصافح الشيخ مودعا أياه، ففوجئ بالشيخ يتجاهل يده الممدودة، و يدير له ظهره، مغادرا الغرفة في ارتباك و عجالة، مصطحبا معه المرأة..

[/tabletext]
رضا الهجرسى 03-08-2015 05:35 PM

[tabletext="width:70%;"]

الفصل التاسع
__________

طوال طريق عودته إلى المنزل لم يرحمه عقله من التفكير.. تلاطمت الأفكار في رأسه كموج بحر هائج الأمواج. بدءً بالدكتور البنهاوي الملعون، وصورة الفتاة المكبلة بالحديد في سريرها، وجلد الملعون لها بكل تلك القسوة والوحشية، انتهاءً بدليله الشيخ وبشراه، التي أزاحت الحجر الثقيل من على صدره بإتمام مهمته الجليلة، وهبة ربه له بزينة الحياة الدنيا من المال والزوجة الجميلة، التي تسر نظره وتبهج قلبه، وتكون الأم الصالحة لأولاده.
عندما رأت أمه اصفرار وجهه، والفزع والخوف ورعشة يديه وارتعاد جسده..
على الرغم من محاولته إخفاء ذلك بابتسامة بشوشة على وجهه
هم بأن يفتح فمه ليقص عليها ما مر به من أحداث جسام، فأوقفته إشارة من يدها إلى غرفة الهالة.
استجاب لإشارتها على الفور دون اعتراض، ودخل الغرفة مستنجدا بها، لتعيد لروحه السكينة. لفحت وجهه نسمة عطرة، استنشقها بعمق، لتختلط بدمه المعكر فتنقيه.. سمع ترنيمات ملائكية، انسابت إلى روحه وكيانه ونفسه الفزعة.. قام إلي سجادة الصلاة، وأخذ يصلي شاكرا ربه على نعمه الكثيرة، التي أنعم بها عليه.
ردت إليه نفسه، وشعر براحة روحية غمرته، واختفت تماما من عقله تلك الصور المفزعة للفتاة. خرج إلى أمه متورد الوجه، يبتسم لها في بشاشة وود. ردت عليه أمه ابتسامته، وهي تشير بيدها إلى منضدة الطعام، وقد وضعت عليها كل ما تشتهيه نفسه. جلس إلى طعامه بشهية مفتوحة ورغبة في الحياة، وأخذ يقص عليها أول مواجهة له مع الملعون ابن الملعون والقضاء عليه، وعثور دليله عليه، وهبات الله التي غمره بها، والمرأة الجميلة الصالحة التي سلبت عقله وقلبه.. وهي تستمع له دون أدنى تعليق!
حتي دق جرس الباب..
ابتسمت له ابتسامة ودودة، وتركته يكمل طعامه، وقامت لترى من بالباب. سمع عبد الباسط عبارات الترحيب من أمه بالزائر القادم، فانتابه الفضول، فليست هذه عادة أمه. وفاجأ أذنيه صوت الدكتور البنهاوي يسأل عنه..
سمحت له أمه بالدخول مع عبارات الترحيب، ودخل البنهاوي بخطواته البطيئة، وهو في حالة إعياء شديد. وقف عبد الباسط فزعا صارخا في أمه..
- كيف تسمحين لهذا الملعون ابن الملعون بالدخول؟
في ابتسامة مطمئنة..
- اجلس واهدأ يا بني..واعلم إن هذا البيت مرصود، لا يدخله شيطان ولا جان، وإلا احترق قبل أن تطأ قدماه بابه. تمالك نفسك، واستمع إليه.. تذكر كلمات أبيك لك بالمقبرة.. اسمعه وأطعه.
التفتت للبنهاوي في بشاشة وود..
- كيف هي قهوتك يا دكتور ..
بهت عبد الباسط من تصرفات أمه، بينما ابتسم البنهاوي في ود واقترب منه، محاولا أن يطمئنه، واضعا يده على كتفه في حنان. ابتعد عبدالباسط فزعا، مبعدا يديه خوفا من سابق تجربته المفزعة.. ابتسم الدكتور في ود قائلا:
- استمع لي أولا يا بني، ثم حكم عقلك وضميرك..
- أحكم عقلي وضميري فيم؟..ما رأيته كافٍ لأعرف من أنت
- لا تتعجل وتحكم على الأمور بظواهرها، فأنت ستواجه سيدًا من أسياد الشر الأسود، والذي لن تنتهي ألاعيبه الخبيثة لأقصائك عن مهمتك. ما انتقل إليك من ذاكرة هالتي صحيح ولا أنكره. حدث ذلك في مواجهتي الفاشلة له. دعني أقص عليك كل ما حدث بتفاصيله، حتى تتعلم كيف تواجهه، ولا يتمكن من خداعك كما فعل معي.
دخلت الأم، ووضعت القهوة أمام البنهاوي. مسحت على رأس عبد الباسط في حنان، وبصوت حنون قالت..
- اسمع منه يا بني بقلب مفتوح، وتذكر ما أوصاك به أبوك.
قبل يد أمه رادا على كلامها:
- سمعا وطاعة يا أمي.. وأنا كلي آذان صاغية لسماع ما سيقول.
شهق البنهاوي نفسا عميقا، وارتد بظهره، واضعا يده على جبهته في تفكير عميق، كمن يسترجع ذكريات من زمن سحيق. وفي صوت مرتعش ضعيف، بدأ يسرد قصته مع الملعون..
- حضر إليّ زوج الفتاة وأبوها وهما في انهيار وفزع شديدين، بعد أن ظهرت عليها ظواهرالتلبس، وما كانت تفعله من حرق للأثاث والستائر، وتبدل ملامح وجهها، وانتشار شرها إلى خارج البيت، وانتشار حرق الزراعات المحيطة بالبيت. ذهبت وأنا أظن أنها مجرد روح شريرة تلبستها أو مس من الجن، وأنني سأطرده بسهولة، كما طردت من قبله أرواحا شريرة كثيرة..
قاطعه عبدالباسط صارخا في غضب..
- ولكنك كنت تمزق جسدها بالسوط بقسوة ووحشية..
- لم أكن أدري يا بني أني أواجه أمير من أمراء الظلام الأسود.
نحن في العادة نهدد الروح لطردها بالسوط، لتخرج من الجسد.
ومن المؤكد أن أباك علمك ذلك.
- أبي لم يعلمني شيئا، فالموت لم يمهله ليعلمني.. ولكني قرأت هذا في كتاب طرد الأرواح، إرثى وإرث هالتي.. أكمل يا سيدي..
- هناك أيضا من يستخدم خيزرانة رفيعة للضرب ليهدد بها..
- لكنك لم تكن تهدد؛ بل كنت تمزق جسد المرأة المسكينة..
- أنا لم أكن أمزق جسد المرأة؛ بل جسد الملعون ابن الملعون..
- ولكني رأيتك تمزق جسدها..
- نعم.. نعم أنا لا أنكر ذلك.. لقد تلاعب بي الملعون بخبثه وشره. رأيته يهتك عرض أمي أمام عيني، فجن جنوني، وأخذت أضربه وأمزق ظهره ليتوقف عن هتك عرض أمي.. تدخل زوج المرأة وأبوها وأنقذوها من بين يدي، ولولا تدخلهم لقتلتها ضربا بالسوط، وأنا أظن أني أضرب الملعون ابن الملعون.
تأكدت ساعتها أنني لست الند لهذا الملعون، عندما رأيت هالته السوداء القوية. وعندما رأيت هالتك، عند أنقطاع الإضاءة في قاعة المحاضرات، ووجدتها لا تقل قوة عن هالته، بل قد تفوقه قوة، أيقنت أنك من اختاره الله لهذه المهمة الجليلة. وعند مصافحتي لك، أنتقلت ذكريات هالتك إلي عقلي.. رأيتك مع أبيك بالمقبرة، وعلمت تفاصيل ما دار بينكما من حديث، وتأكدت ساعتها أني دليلك..
وها أنا ذا يا بني رهن إشارة من بنانك.. دليلك ومعاونك.
في تردد وارتباك رد عليه..
- دليلي! كيف هذا وقد وجدنى دليلي بالفعل، وبشرنى بالقضاء على الملعون، وأبلغنى رضاء الله عني، بأن أرسل لي عطاياه وهباته مكافأة لي على إتمام مهمتي؟!..
اعتدل البنهاوي في انتباه، وهو يحدق في وجهه قلقا..
- كيف حدث هذا؟.. ومتى أتممت مهمتك، وأنا أمامك سليما معافىً
أكلمك وتكلمني؟
- لا أعلم.. عقلي يكاد أن يجن..
- اهدأ، وقص عليّ ما حدث بكامل تفاصيله.. ولا تهمل شيئا
سرد عبد الباسط ما حدث له بتفاصيله، والبنهاوي يسأله ويراجعه في أدق التفاصيل حتى أجهده، وسمع القصة كاملة دون لبس..
ارتد بظهره ليلتقط أنفاسه المتلاحقة، وفي صوت ضعيف مجهد..
- هذا ما كنت أخشاه.. بدأ الملعون في مراوغتك، وعرف كيف يدخل إليك من خلال فتوة شبابك وقلة خبرتك..
فزعا صرخ:
- أتعنى أنني قابلت الملعون وجها لوجه..
- أو أرسل لك أحد معاونيه، فهو لا يغادر مكمنه..
- لما؟
- خوفا من مواجهتك.. فهو يعلم كل شيءعنك، ومدى قوة هالتك..
هو يخشاك، وحاول أن يستخدم ألاعيبه وخبثه في إقناعك بأنك
أتممت مهمتك، وأراد أن يضعف هالتك بوضع تلك المرأة في
طريقك، ليثير شهوتك لرغبات جسدك، التي حرمت منها من أجل هالتك. أزاغ بصرك ولهاك، ووضع أمامك المال والسلطان والجاه.. تلك الثلاثية التي يقتل الأخ أخاه من أجلها، ناسيا شريعة الله التي شرعها لبني آدم.. فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وثق في الله أكثر وأكثر، حتى لا تُهزم في مواجهته.. واحمد الله أن هالتك حمتك من تعويذاته التي ألقاها عليك.
- أعوذ بالله وأستغفر الله من غفلتي.. دعني الآن يا سيدي أدخل خلوتي، فأنا في أشد الاحتياج إليها..

رضا الهجرسى 03-10-2015 10:27 PM

الفصل العاشر
__________

تركه البنهاوي في خلوته دون إلحاح عليه، حتى يستعيد قوة هالته، ويرد نفسه، ويتخلص من آثارالصراعات التي واجهها في أول مرة له. ثم رتب البنهاوي مع عميد الكلية إجازة مفتوحة له ولعبد الباسط، وذهب إليه حيث أبلغه أنه جاهز لبدء مهمته. بادره بطرق الموضوع مباشرة..
- دعنا الآن لا نضيع الوقت، فالشر ينتشر ويجب مواجهته
والسيطرة عليه..
- وكيف؟..
- ألم يقل لك أبيك كيف؟..
- سبق وقلت إنه لم تمهله ساعته وقضاء الله وقدره..
- يا الله..وكيف سيواجه فتي غر مثلك أمير من أمراء الظلام الأسود؟!..
- ثق بالله.. هذا ما قاله لى أبي..وكرره على مسامعي..
- ونعم بالله نصيرا.. قل لي، ماذا أنت حافظ من القرآن؟
- كله..
- فليكن سلاحك هو القرآن.. وستقرأ سورة الأعراف والكرسي..
- بل سورة البقرة.
- ولما سورة البقرة، وليست سورة الأعراف، والتي ذكر فيها الله قصة إبليس ورفضه أن يسجد لآدم، عندما أمره الله..
بسم الله الرحمن الرحيم..
"وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ"
صدق الله العظيم..
هذه الآيات يذكر فيها كفره وعصيانه لأمر الله، وغضب الله عليه، وطرده من جنته..
- نعم، ولكني سمعت من أبي هذا الحديث عن أشرف الخلق..
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( لَا تَجعَلُوا بُيُوتَكُم مَقَابِرَ ، إِنَّ الشَّيطَانَ يَنفِرُ مِنَ البَيتِ الذِي تُقرَأُ فِيهِ سُورَةُ البَقَرَةِ )
- فتح الله عليك يا بني..إذًا هيا بنا، فأمامنا سفر طويل..
- سفر!.. إلى أين؟
- إلى بطن الصعيد، في وادٍ يسمى وادي الجن. فقد وجد غايته في جسد هذه المرأة المسكينة، التي تحملت تلبسه لقوة جسدها. إنه يحتاج لاتصال مادي حتى يستطيع أن يحرك الأشياء ويحرق ويدمر.. مهمتك أن تطرده من جسد تلك المرأة كي يغادر الأرض.
دخلت أمه حاملة بيدها حقيبة جلدية، وضعت بها بعض ملابسه..
وبدأت رحلتهم ومهمتهم المقدسة..



رضا الهجرسى 03-10-2015 10:32 PM

الفصل الحادى عشر
_____________

توقع البنهاوي العراقيل التي سيضعها الملعون وهم في طريقهم إليه، عن طريق مريديه من الجن والأنس.. بالفعل بدأت بتعطل سيارتهما، وعدم استجابة جميع سيارات الأجرة لتوصيلهما لمحطة القطار.
لكن الله لم يتخل عنهما، وسخر لهم عبدًا من عبيده ليعاونهم، فوقفت لهما سيارة ملاكي، دعاهما صاحبها لتوصيلهما. في الطريق إلى محطة القطار، سأله عبد الباسط..
- أشكرك سيدي، ولكن.. ما الذي جعلك تتوقف وتضيع وقتك لتوصيلنا، وأنت لا تعرفنا؟
صمت الرجل قليلا وكالمغيب..
- لا أدري.. هذا ليس بطريق عودتي للمنزل، وهذه أول مرة أصطحب فيها غرباء لا أعرفهم في سيارتي
هتف البنهاوي في وجه عبدالباسط عاليا، فارتعد جسده..
- الله أكبر..إن كيد الشيطان كان ضعيفا.. ألم أقل لك ثق بالله.
خلال سفرهم الطويل بالقطار، سرد البنهاوي قصته مع الملعون وما فعله من طرق لطرده، من ترديد الأذان في أذن الفتاة، لأن الشيطان إذا سمع الآذان خرج إلى العراء.. ومن رش مياه على فتاة سبق قراءة القرآن عليها..وخنقها وضربها ودهن ثلاثة وثلاثين موضعا من جسدها بالمسك.. حتى جلدها بالسوط.. كل هذه الوسائل فشلت في إخراجه وطرده، رغم تجربتها على الجن والأرواح الشريرة، وقدرتها المذهلة على طردهم. لكن هذا الملعون تحميه هالته السوداء القوية، فهالته السوداء تلك التي ورثها عن أبيه الملعون إبليس، من القوة لكيلا تتأثر بمثل هذه الطرق المعتادة.
- لذلك يا بني وهبك الله هذه الهالة، لتستطيع مواجهته، وطرده من أرض الله التى عاث فيها فسادا وفجرا وفسوقا..
في تردد، كشف عبدالباسط ما داخله من خوف، بعد ما سمعه منه
- لقد فعلت يا سيدي كل شيء كنت أنوي فعله في مواجهته وفشلت؛ فكيف أنجح أنا؟
قبل جبهته في تقدير واحترام..
- يجب أن تعلم يا بني أن الشيطان مثل الكلب، يهاجمك حين يشعر بخوفك.. فثق بالله واقتل الخوف بداخلك..


زياد القنطار 03-11-2015 03:50 AM

على موعد مع القادم .وننتظر بشغف ...سلم اليراع وسلمت قادحاً زناد الإبداع ......
مودتي

رضا الهجرسى 03-11-2015 09:19 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زياد القنطار (المشاركة 188897)
على موعد مع القادم .وننتظر بشغف ...سلم اليراع وسلمت قادحاً زناد الإبداع ......
مودتي

المبدع المثابر .. زياد القنطار
لن أتركك تنتظر كثيرا يا صديقى ..ولك أهدى حلقتين
وودى وتقديرى

رضا الهجرسى 03-11-2015 09:22 PM

الفصل الثاني عشر
_____________

وقف عبدالباسط مبهوتا، وهو يقلب بصره من حوله، بعد أن وصلوا إلى أطراف القرية الواقعة في أطراف إسنا، وفي بطن جبل يسمى بوادي الجن. شاهد الأراضي المحروق بها الأخضر واليابس، ولون السماء الأسود، ورائحة الهواء اللاذعة التي تحرق الأنوف والصدور..
وجد عبد الباسط والدكتور البنهاوي نفسيهما محاطين برجال ملثمين،
يحملون بأيديهم أسلحة نارية يهددونهم بها، اقتادوهم إلي خيامهم المنصوبة حول بئر مياة خارج حدود القرية المنكوبة.
حين وقع بصرشيخهم الكبير على الدكتور البنهاوي، تهلل وجهه في بشر مرحبا بالدكتور، وعادت الطمأنينة إلى وجه عبدالباسط، بعد اصفراره وهروب الدم منه ظنا منه أن هؤلاء من أعوان الملعون..
احتضن كل منهما الآخر في ود، وبادره الشيخ بالسؤال..
- ما الذي عاد بك يا شيخنا، بعد أن كدت تفقد حياتك..
أومأ البنهاوي برأسه في تجاه عبد الباسط، مجيبا..
- لقد حلت رحمة الله عليكم، وأرسل لكم جندي من جنوده المخلصين ليخلصكم من الملعون..
التفت الشيخ إلى عبدالباسط، محدقا به في تعجب ودهشة..
- أهذا الفتى الغر هو من سيخلصنا من هذا الملعون؟!..
فى صوت ملأه الحزن واليأس ..
- انظر جيدا يا سيدي إلى القرية والخراب الذي حل بها.. استمع إلى أصوات الفاسقين الفاجرين الذين تبعوا الملعون وآمنوا به.. انظر إلينا نحن الذين رفضنا اتباعه، تركنا القرية..
هنا، علا صوت عبد الباسط في نبرة قوية إيمانية رجت أركان المكان..


بسم الله الرحمن الرحيم..
قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ. قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ. إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ
صدق الله العظيم..
ثم التفت إليهم مشيرا بكلتا يديه للجميع ..
-إذن أنتم عباد الله المخلصون، وليس له من سلطان عليكم، فثقوا بالله، وواجهوا الملعون بقلوب ثابتة وإيمان راسخ، فسيظل الشر إلى قيام الساعة، وسيدحره الحق ويهزمه في كل مكان وزمان.
هذا وعد الله لعباده المخلصين، وسيظل الله معهم وناصرهم..
صرخ الشيخ من قلبه مرددا..
- الله..الله.. يا شيخنا.. نحن معك وكلنا ثقة في الله. هيا يا رجال اذبحوا الذبائح، واقضوا واجب الضيافة لضيوفنا المباركين ببركة الله..
التفت إليهما:
- ضيافتكم عندي بداري بالقرية طوال إقامتكم، مهما طالت..
وغدا، تتقدمنا يا شيخنا لدخول القرية لتطهير أرض الله من نجاسة الملعون، وكلنا من ورائك..


رضا الهجرسى 03-11-2015 09:27 PM

الفصل الثالث عشر
_____________

تقدم عبد الباسط، وعلى يمينه البنهاوي، وعلي يساره الشيخ، وخلفهم باقي الرجال يتقدمون في تردد وخوف.. الجميع في رهبة ينظرون إلى عبدالباسط ليستلهموا منه القوة والعزم. عندما وصلوا إلى أطراف القرية، سمع الجميع أصوات الكلاب تنبح عاليا من جميع أرجاء القرية، متجهة نحوهم، مقتربة من مكانهم..
برزت الكلاب من كل صوب، نابحة بنباح ليس كالكلاب، بل نباح يزرع الخوف والرعب في قلوب أعتى الرجال وأشجعهم، وبصورة ليست كصورة الكلاب، بل كأقبح الوحوش وأشرسها، يخرج الزبد الأخضر من بين أنيابها البارزة،عيونها الحمراء بلون الدم يتطاير منها الشرر..
تجمعت هذه الوحوش الشيطانية أمامهم، تكشر عن أنيابها استعدادا لنهش أجسادهم.. تراجع الرجال مهرولين فارين فزعا وخوفا؛ إلا عبد الباسط والبنهاوي والشيخ، الذين أغمضوا أعينهم، وأخذوا في قراءة الشهادتين..
رجلان وقفا خلفهما في تردد.. يتقدمان خطوة ويتقهقران خطوة..
نظر عبد الباسط إليهما في اندهاش، فأخرجه من دهشته رد الشيخ..
- هذان زوج الفتاة وأبوها..
ابتسم لهما عبدالباسط في بشاشة وود..
- أطمئنا وثقا في الله.. وبإذن الله سترد إليكما وديعتكم..
استدار عبد الباسط مواجها لزبانية الملعون.. حدق في عيون الوحوش الحمراء بلون الدم.. قلب بناظريه فيها، محدقا في عيونها بثبات وحدة وغضب.. رأي الهالة السوداء المحيطة بأجسادها، فتذكر كلام أبيه، وأخذ يردده..
"سيهديك الله سواء السبيل، فثق بالله، فأنت من جند الله وستحميك هالتك"..
تقدم بخطوات واثقة ثابتة نحوها، محدقا في عيونها.. وكلما اقترب منها ازداد نباحها شراسة، وبرزت أنيابها وازداد الزبد الأخضر اندفاعا من أفواهها، متحفزة لنهشه ..
والبنهاوي والشيخ والرجلان ينظرون إليه في ذهول، تسمرت أقدامهم بالأرض، والرعب يكسوا وجوههم. ركع عبدالباسط على ركبتيه، ملأ كفيه بحفنة من تراب الأرض، ووقف وهو يطوح كلتا يديه في الهواء، ناثرا التراب على وجوهها، صارخا من شغاف قلبه، وبصوت قوي كلة ثقة وإيمان..
"وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ"..
بُهت الجميع، عندما رأوا الكلاب وقد عادت إلى هيئتها، وتسمرت في مكانها دون حراك، وتوقفت عن النباح المسعور.. وصمت المكان كصمت القبور في الليل البهيم..
مر عبدالباسط بينها، وهو يربت على رؤؤسها في حنان، والكلاب تقبل بلسانها يديه وقدميه، حتي تخطاها ووقف خلفها..والتفت إليهم مبتسما ليدخل الطمأنينة إلى قلوبهم ثم أشار إليهم أن يتقدموا،
فتقدم البنهاوي والشيخ والرجلان، وهم في حالة ذهول بما رأوه، أقدامهم تصطك بعضها ببعض.. وعلامات الفزع والرهبة بادية علي وجوههم وهم يمرون وسط هذه الوحوش الشيطانية، دون أن تراهم أو تلتفت إليهم..
وواصلوا المسير خلال طرقات القرية، متجهين إلى دار الشيخ..


رضا الهجرسى 03-13-2015 06:22 PM

الفصل الرابع عشر
____________

ثلاثة أيام قضاهم عبدالباسط في ضيافة الشيخ، تفقد خلالها ما آلت
إليه القرية من دمار وبؤس، وخراب في الذمم والضمائر.. ما هاله وأثار غضبه هذا الفُجر الفاضح، ففتيات القرية الصغيرات تقفن شبه عاريات أمام دورهن يعرضن أنفسهن لمن يدفع الثمن.. الغش في البيع والشراء.. جحود الأبناء لآبائهم.. السرقة وبلطجة القوي على الضعيف..
رأى بأم عينه ما فعله الملعون في أرض الله، وما عاثه من فساد.. التفت للبنهاوي والشيخ وقد تبدلت ملامح وجهه..
- لقد ضاق صدري بما رأيت.. دلني يا دليلي على مكمن الملعون.. الآن..
في رجاء رد عليه البنهاوي..
- أصبر يا بني حتى تسترد كامل قوتك..
- لم يعد في قوس الصبر من منزع.. الملعون نازع الله في ملكه وعاث فيه فسادا..
أما سمعتم الحديث القدسي عن رب العزة:
"العزة ردائي والكبرياء لساني.. من نازعني فيهما قطمته ولا أبالي"..
في هذه اللحظة، فوجئ الجميع بأهل القرية يحيطون بهم في دائرة، وبوادر الشر على وجوههم. تقدم نفر منهم، وأبعدوا الشيخ والبنهاوي وزوج الفتاة وأباها. وأصبح عبدالباسط وحيدا محاطا بزبانية ومريدي الملعون ومن اتبعوه. تقدم رجل منهم، وحاول أن يضع ابتسامة ودودة على وجهه قائلا:
- ماذا تريد يا بني من سيدنا؟ وما الفائدة التي ستعود عليك؟ إذا كنت تريد مالا، جمعنا لك من المال ما أغناك عمرك.. أما إذا كنت تروم جاها وسلطان، حكمناك علينا وأصبحت الآمرالناهي فينا..
أومأ الرجل برأسه لبعض الفتيات الجميلات الصغيرات، فأحطن بعبدالباسط وهن شبه عاريات في محاولة لإغرائه، فدفعهن في غضب وقوة، غاضا لبصره عنهن، فصاح الجمع المحتشد من حوله في غضب، وضاقت الدائرة عليه..
فجأة.. برز رجال ملثمون يطلقون الرصاص في الهواء، يقتحمون الدائرة، ويحيطون به لحمايته، ففر جميع من كان يحيط به في خوف ورعب.. أرادوا اللحاق والفتك بهم ولكن منعهم عبدالباسط وشكرهم ، وهنأهم على ثقتهم بالله واقتحامهم القرية وعودتهم لإيمانهم وقتل الخوف بنفوسهم من الملعون وأتباعه،
وأخذ يخطب فيهم بأن هؤلاء العصاة ما هم ألا أهلهم وعشيرتهم الذين ضلوا عن طريق الحق وغواهم الملعون، ويجب أرشادهم إلى طريق الهداية والتوبة، وأن الله ما أرسله فى مهمته تلك،ألا لينقذ أرواحهم التى ضللها الملعون بوسوسته وغوايته .. وإخراجهم من غيهم وضلالهم الذى وقعوا فيه ،
وعودتهم لطريق الحق ،وأن الله سوف يغفر لمن تكون توبته نصوحة ،
بعدها اتجه الجمع إلى البيت الذي يقبع فيه الملعون ابن الملعون، ينشر منه شره وخرابه ويعيث فسادا في أرض الله ،يتبعه أهل القرية جميعا
سار عبدالباسط في طريقه في عزم وإصرار.. لكن فجأة، انتابته قشعريرة ورعدة في جسده، وكأنها ذبذبات تستقبلها هالته! رفع عينيه،
فوقع بصره علي بيت يحوطه ضباب أسود اللون، يكاد أن يخفيه، تعلوه سحابة سوداء داكنة كسواد الليل البهيم ..
وقف في صمت يحدق في البيت.. التفت للحشد وراءه قائلا..
- انتظروني هنا، فسأدخل وحدي..
تقدم منه البنهاوي، وفي عزم..
- أنا لا أستطيع تركك تدخل وحدك، فأنا دليلك حتى تتم مهمتك.. وهذه مهمتي.
طلبا من الشيخ أن ينتظر في الخارج، فتناول الشيخ يد عبد الباسط في رجاء وتوسل..
- أُقَبل يدك يا شيخنا ألا تحرمني من أكون من جند الله المخلصين
- حتى لوكانت حياتك هي الثمن؟
- حتى لو كانت حياتي هي الثمن..
- شريطة ألا تتدخل بشيء، وتثبت قلبك وإيمانك وتثق في الله.. توكلنا علي الله القادر الجبار على كل جبار..
أحاط أهل القرية جميعا بالبيت، حتى أتباع الملعون، ينتظرون في شوق ولهفة نتيجة المواجهة الحاسمة..
بين أمير الشر الأسود ..وابن إبليس اللعين ..
وبين جند من جنود الله ..




لقاؤنا القادم مع الفصل الأخير ..

رضا الهجرسى 03-15-2015 10:33 AM

الفصل الخامس عشر
______________

تقدمهم عبد الباسط بخطوات ثابتة، يتبعونه بخطوات مرتعشة ووجوه مصفرة.. تنافر من حول جسده الضباب الأسود، عندما لامس جسده وهالته، وفتح ممرا ممتدا حتى باب الدار.. دخل إلى صحن الدار، يتبعه الشيخ والبنهاوي، ووقف يقلب بصره في أرجاء المكان الصامت صمت القبور ..
رأى أمامه ثلاثة أبواب، فالتفت إليهم متسائلا عن أي الأبواب يكمن خلفه الملعون.. أشار البنهاوي إلى الغرفة المكبلة بها الفتاة في سريرها.. هنا، واجههم في حزم، وصوت لا يقبل الرفض..
- هنا انتهت مهمتكم..
توجه عبد الباسط إلى الغرفة بخطوات ثابتة.. فتح باب الغرفة، وأغلقه وراءه.. أخذ يقلب بصره في الغرفة، باحثا عن الفتاة المكبلة بسريرها..
بُهِتَ عندما لم يجد الفتاة على سريرها، بل وجد بدلا عنها أباه.. تهلل وجهه في فرحة غامرة، حين رأى أباه جالسا على السرير، مرتديا عباءته، ماسكا سبحته العاجية يسبح عليها، كما كان يراه في غرفته ببيتهم.. جري عليه فرحا، فأوقفته إشارة من يده قائلا..
- قف مكانك واسمعني جيدا، وأطعني دون جدال.. وقتي قليل معك..
في حبور وسرور رد:
- كلى آذان صاغية..السمع والطاعة لك يا أبي..
- لقد أعفاك الله من مهمتك وهو راضٍ عنك، وجعلني أقوم أنا بها بدلا منك، وبعون الله وأمره طردت الملعون ابن الملعون من هذه الأرض، فعد من فورك إلى أمك وأبلغها سلامي.. الآن دون تباطؤ..
- سمعا وطاعة يا أبي..شكرا لله على أن جعلني أراك، وأتم المهمة على يديك..
تراجع عبد الباسط بظهره ليغادر الغرفة، وهو يحدق في أبيه في حب، والفرحة تغمر وجهه بإتمام المهمة علي يد أبيه، وهو على قناعة أن أباه فعل ذلك حبا له وخوفا على حياته.. اقتحم البنهاوي الغرفة صارخا..
- اهزمهم وانصرنا عليهم يا الله.. اهزمهم وانصرنا عليهم يا مالك يوم الدين.. لا يخدعنك هذا الملعون.. تذكر كلام أبيك لك بالمقبرة، سيدلك دليلك.. وهذه آخرمرة تراني فيها. هذا ليس بأبيك، بل هذا من كيد الملعون ابن الملعون، وإن كيد الشيطان كان ضعيفا..
انغلق باب الغرفة بقوة، محدثا دويا هائلا، واختفى الأب، وظهرت الفتاة المكبله بالسلاسل، وهي تزوم بأصوات مخيفة، والزبد الأخضر يخرج من فمها بغزارة. نظرت إلى البنهاوي بعينين يتطاير منهما الشرر الأحمر الناري، وحركت أصبعها إلى أعلى، فطار البنهاوي في فضاء الغرفة، ثم حركتها بسرعة في اتجاه الحائط، فأرتطم جسده بشدة في الجدار، ثم حركتها في اتجاه الحائط المقابل، فطار جسده وارتطم به.. تهشم رأس البنهاوي تماما، وانفجر الدم من رأسه، وتناثر في أرجاء الغرفة، وسقط جسده على الأرض مفارقا الحياة..
تنبة عبدالباسط، واستعاد رباطة جأشه التي فقدها للحظات.. ركع علي ركبتيه صارخا في قوة وإيمان..
- اهزمهم وانصرنا عليهم يا الله..اهزمهم وانصرنا عليهم يا مالك يوم الدين..
صرخت الفتاة صرخة مدوية، اهتزت لها أركان المكان.. سرت صرختها في جميع أرجاء القرية، تحطم على أثرها زجاج نوافذ الغرفة وتطاير في أرجائها.. كان الزجاج يتساقط أمامه دون أن يمسه.. رفعت الفتاة أصابع يدها لأعلى، فطار أثاث الغرفة في الهواء، وأخذ يحوم حوله دون أن يمسه.. أشار بيده إلى الفتاة، وفي صوت قوي:
- أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.. بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله.. بسم الله توكلت على الله واستعنت بالله واعتصمت بالله واستدفعت الشر بلا حول ولا قوة إلا بالله.. وحسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير..
حسبنا الخالق من المخلوق.. حسبنا الرازق من المرزوق.. حسبنا الرب من العباد..
ثابت هو، دون توقف، في عزم وأصرار، والفتاة تصرخ عاليا لتغطي على صوته. مواصلا في إصرار:
- حسبنا الله وكفى.. سمع الله لمن وعى.. يا ودود يا ودود.. يا ذا العرش المديد.. يا فعال لما تريد.. نسألك بعزك الذي لا يرام..وملكك الذي لا يضام..وبنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك..
هنا ارتفع صوته وهز أركان المكان..
- أن ترد أذى الشياطين.. اهزمهم وانصرنا عليهم..اهزمهم وانصرنا عليهم.. شاهت الوجوه فانصرنا عليهم..
ارتفع السرير في فراغ الغرفة، واعتدل على حده، مقتربا منه..
رفعت الفتاة رأسها إلى أعلى..
بدأت رقبتها تطول وتطول، ثم تلف في نصف دائرة، مقتربة من وجه عبد الباسط، وهو علي حاله، و قد بدأ صوته يعلو على صوتها..
عندما تقابل وجه الفتاة ووجهه، صرخ فيها:
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ
شاهت الوجوة فاهزمهم وانصرنا عليهم..
فتح عينيه، وأخذ يحدق في عينيها في قوة و ثبات، فوجد في كل جفن من جفنيها عينين،عين عسلية اللون، والأخرى حمراء بلون النار..
بدأ الضعف والوهن يسري في جسد عبد الباسط، ودقات قلبه تتسارع.
شعربجدران الغرفة تدور من حوله من التعب والإرهاق والضغط العصبي الذي تعرض له.. هنا سمع صوت الملعون في عقله يخاطبه..
- ألا تعرف أنك بمواصلة تلاوتك للقرآن تحرقني، وتخالف بهذا عهد الله لأبي إبليس بإمهاله ليوم النفخة العظمى ويوم تبعثون، وهذا العهد له ولذريته؟..
استجمع قواه رادا عليه..
- بل أنت وأبوك من خالفتم العهد بوجودك المادي على أرض الله، فمهمتك أن توسوس لضعاف النفوس وقليلي الإيمان.. تزين لهم سبيل الشر بالوسوسة إليهم وتدعهم هم من يخربون ويعيثون فسادا في الأرض، وحسابهم عند الله في يوم البعث العظيم، والذي سيكون نهاية شر إبليس وشرك ومن اتبعوك من العاصين، و قد كان هذا عهد الله مع الملعون أبيك إبليس.. ولكن بمخالفتك للعهد، حق عليك الحرق، ومهمتي إخراجك وطردك من أرض الله، وليس حرقك، فأخرج من فورك وإلا أحرقتك..
- إذًا دعني أخرج من رأسها..
- لا تخرج من رأسها..
- سأخرج من عينيها..
- لا تخرج من عينيها..
- سأخرج من رحمها..
- لا تخرج من رحمها، فتنجسها بنجاستك..
- من أين إذًا تريدني أن أخرج..
- اخرج من إصبع قدمها الأصغر لقدمها اليسرى، وغادر الأرض ولا تعد مرة أخرى، وألا ستُحرق..
وانفجر إصبع الفتاة الأصغر لقدمها اليسرى..
بعد أن عادت رقبتها لمكانها، عاد أثاث الغرفة كل في مكانه..
وعندما طرق أذنه صوت بكاء الفتاة. نظر إليها، ورأى توقف خروج الزبد الأخضر من فمها..
عندها شعر بالغرفة تدور به، واستسلم جسده، وسقط مغشيا عليه..


الفصل الأخير
_________

كَبر أهل القرية جميعا من مؤمنين وعصاة..
الله أكبر..الله أكبر..
ومن شغاف قلوبهم المكلومة، بعد أن انزاح من على صدورهم هذا الشر الأسود، انقشع الضباب الأسود، واختفت السحابة السوداء من فوق الدار المنكوبة.. تبدل الهواء الذي كان يحرق الأنوف والصدور إلى هواء ريفي عليل، واقتحموا البيت مُكبرين مهللين..
كان أول من اقتحم البيت هو زوج الفتاة وأبوها، فحطما باب الغرفة، وحررا الفتاة من قيودها ..
جلس الشيخ إلي جانب عبد الباسط الفاقد للوعي، واضعا رأسه على حجره، وبكى بحرارة محتضنا إياه، وهو يمر بيده على شعره، الذي ابيضت خصلاته.
دخل بعض عجائز القرية، وستروا جثة البنهاوي برداء أبيض ، وقرر أهالي القرية بناء ضريح للبنهاوي، جعلوه مقاما ومزارا ليتباركوا به..

وسيظل الصراع بين جند الله وإبليس وذريته إلى أن يرث الله الأرض
وما عليها..

تمت بحمد الله

زياد القنطار 03-16-2015 04:39 AM

مبارك لحرفك إنجازه أستاذ رضا ,سررنا برفقته ,وأرجو له مزيداً من الألق والإبداع ,هذا مرور للتحية والمباركة .ولي عودة إن شاء الله إلى روض حرفك ,لمناقشة تفاصيل العمل .
مبارك مرة أخرى ,,خالص الود

زياد القنطار 03-18-2015 01:09 AM

الأستاذ رضا الهجرسي.
عمل أدبي يستحق التقدير ,ومفردة سردية وافية ألبست الفكرة ثوباً ضافياً ,ولغة سلسلة استعذبتها الذائقة خلت من التقعير والإبهام ,في الفكرة اشتغال على الإرث العقيدي للمتلقي بمسوغات الإيمان والغيبية المساندة التي تدخل في عمق إيديولوحية البناء النفسي والعقائدي والتي لاتحتمل إلا التسليم ,وهذا ماجعل من وجهة نظري سير العمل الروائي ضمن المتوقع والتسليم بالنهاية التي لا يمكن إلا أن تكون كما كانت في نهاية العمل , وهذا أيضاَ جعل التشويق رغم الحرص على نهايات للمقاطع فعلت فعلها في شد القارئ للمتابعه لكن على خلفية تفاصيل الأحداث وليس الخاتمة المسلم بها منذ الحرف الأول لهذا العمل ,وبهذه أيضاً مساحة ضيقة لحالة الترقب في ذهن القارئ ,حيث أن العمل طعّم بآيات من الذكر الحكيم أخذت القارئ إلى حيث انتصار لايمكن أن يساوره الشك به .
في العمق .
شخصيات العمل بدت غير مؤثرة وإنما تعمل بدافع التأثير الذي لا خيار آخر لها فيه ,ومحاولات الشيطان على الطرف الآخر المتجسد في شخصيات ثانوية لم يكن دورها باعثاً لقلق يعتري المتلقي ,فكان التدخل على الجهة الأخرى سريعاً خاطفاً وكأني بمن تابع بمأمن ألا يحييد البطل عن مهمته لأسباب تتعلق بحتمية انتصار الخير , واكتفى بأن يجلس منتظراً حلاً سريعاً بتدخل البنهاوي لحل المعضلة ,ووجهة نظر في شخصية البنهاوي كان يمكن أن يؤخر انكشافها ,بتوقع أن تأخير انكشافه كلن سيخلق الكثير من التساؤلات في ذهن المتلقي بحثاً عنه وعن مهمته ..
نهاية .
أنا لا أدعي الوقوف ناقداً على هذا العمل الرائع ,وإنما أسجل ملاحظات بوجهة نظر قارئ ربما كان يبحث عن دهشة وافية ,استطاع غيره تلمسها بقراءة أخرى وزاوية رؤية مغايره ,,لك دائماَ خالص التقدير وكم يسعدني تتبع هذا الحرف وإبداعه والذي سأبقى حريصاً أن أترع كأس الذائقة من نضحه العذب ..خالص ودي وتقديري

رضا الهجرسى 03-19-2015 04:19 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زياد القنطار (المشاركة 189118)
الأستاذ رضا الهجرسي.
عمل أدبي يستحق التقدير ,ومفردة سردية وافية ألبست الفكرة ثوباً ضافياً ,ولغة سلسلة استعذبتها الذائقة خلت من التقعير والإبهام ,في الفكرة اشتغال على الإرث العقيدي للمتلقي بمسوغات الإيمان والغيبية المساندة التي تدخل في عمق إيديولوحية البناء النفسي والعقائدي والتي لاتحتمل إلا التسليم ,وهذا ماجعل من وجهة نظري سير العمل الروائي ضمن المتوقع والتسليم بالنهاية التي لا يمكن إلا أن تكون كما كانت في نهاية العمل , وهذا أيضاَ جعل التشويق رغم الحرص على نهايات للمقاطع فعلت فعلها في شد القارئ للمتابعه لكن على خلفية تفاصيل الأحداث وليس الخاتمة المسلم بها منذ الحرف الأول لهذا العمل ,وبهذه أيضاً مساحة ضيقة لحالة الترقب في ذهن القارئ ,حيث أن العمل طعّم بآيات من الذكر الحكيم أخذت القارئ إلى حيث انتصار لايمكن أن يساوره الشك به .
في العمق .
شخصيات العمل بدت غير مؤثرة وإنما تعمل بدافع التأثير الذي لا خيار آخر لها فيه ,ومحاولات الشيطان على الطرف الآخر المتجسد في شخصيات ثانوية لم يكن دورها باعثاً لقلق يعتري المتلقي ,فكان التدخل على الجهة الأخرى سريعاً خاطفاً وكأني بمن تابع بمأمن ألا يحييد البطل عن مهمته لأسباب تتعلق بحتمية انتصار الخير , واكتفى بأن يجلس منتظراً حلاً سريعاً بتدخل البنهاوي لحل المعضلة ,ووجهة نظر في شخصية البنهاوي كان يمكن أن يؤخر انكشافها ,بتوقع أن تأخير انكشافه كلن سيخلق الكثير من التساؤلات في ذهن المتلقي بحثاً عنه وعن مهمته ..
نهاية .
أنا لا أدعي الوقوف ناقداً على هذا العمل الرائع ,وإنما أسجل ملاحظات بوجهة نظر قارئ ربما كان يبحث عن دهشة وافية ,استطاع غيره تلمسها بقراءة أخرى وزاوية رؤية مغايره ,,لك دائماَ خالص التقدير وكم يسعدني تتبع هذا الحرف وإبداعه والذي سأبقى حريصاً أن أترع كأس الذائقة من نضحه العذب ..خالص ودي وتقديري

المبدع الواعى .. زياد القنطار ..
سعدت جدا بتحليلك وقراءتك العميقة للرواية ..
وودى وتقديرى لعقليتك المتفتحة لأننى كنت مترددا جدا لعرضها لصعوبة الموضوع ..


الساعة الآن 10:56 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team