احصائيات

الردود
27

المشاهدات
7916
 
رضا الهجرسى
من آل منابر ثقافية

رضا الهجرسى is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
138

+التقييم
0.03

تاريخ التسجيل
Jun 2013

الاقامة
القاهرة ..مصر

رقم العضوية
12158
02-26-2015, 09:32 AM
المشاركة 1
02-26-2015, 09:32 AM
المشاركة 1
افتراضي الهالة و الملعون .. رواية
[tabletext="width:70%;background-color:white;border:7px outset red;"]

الهالة والملعون
رواية فانتازيا (فيما وراء الطبيعة )
رضا الهجرسى

[tabletext="width:70%;background-color:white;border:8px groove firebrick;"]

مقدمة
_____


هل تؤمن بعالم ما وراء الطبيعة؟
أم تؤمن أن عصر المعجزات قد انتهى..
أكد لى أحد أصدقائي المقربين -وهو إنسان مثقف وواعٍ-
أنه يؤمن إيمانا قطعيا ويقينيا بوجود عالم ما وراء الطبيعة.
كان دليله على ذلك ما ذُكر من آيات في القرآن الكريم عن قصة عصيان إبليس لأمر الله بالسجود لآدم.. والملائكة.. والجنة والنار..
وطرحت هذا السؤال على نفسي، وأطرحه عليكم..
- هل تؤمن بعالم ما وراء الطبيعة ؟
بالطبع هناك من هو على يقين وإيمان كامل بوجود هذا العالم..
أخذت أفكر كثيرا..
- ما هو الإيمان؟ ومن أين يأتي هذا اليقين والإيمان القاطع بوجود هذا العالم لبعض منا؛ أو إنكار البعض الآخر لوجوده؟..
حاولت أن أجيب بقدر علمي القليل، ورؤيتي الخاصة على السؤال..
الإيمان نوعان..
أولا: إيمان الرؤية والمخابرة...
ثانيا: إيمان التصديق بالمصدر..
فأما إيمان الرؤية، فهو إيمان الأنبياء والعلماء. فالأنبياء هم من خبروا المعجزات، وتلقوا آيات الله مباشرة.. فإيمانهم إذًا هو إيمان قطعي يقيني، لا يشوبه شك. أما كافة الخلق، الذين سمعوا عن هذه المعجزات، فإيمانهم إيمان تصديق للنبي ورسالته.
كذلك العالم، الذي يقوم بالتجارب في معمله، ويصل لنتائج ثابتة، فإيمانه إيمان رؤية ويقين بالنتائج التي توصل إليها من خلال تجاربه.
أما كافة الناس، فإيمانهم إيمان تصديق له وبتجاربه ونتائجها.. ولهم أيضا حق التشكك في هذه النتائج، التي لم يخبروها بأنفسهم.
أما عن إيماني بظواهر ما وراء الطبيعة والأرواح ، فإجابتي هي: نعم أؤمن إيمانا راسخا ويقينيا بكل ما ذكر في كتاب الله الكريم..
وهذه قصة الهالة.. مستوحاة من قرآننا الشريف وآياته، التي لا تشوبها شائبة..
من وسوسات شيطان رجيم..
أو شطحات إبداع كاتب..
والله أعلم ورسوله والمؤمنون..

المؤلف
رضا الهجرسي
[/tabletext]


الفصل الأول
_________

سار عبد الباسط في مقدمة المشيعين لجنازة أبيه، قدماه لا تكادا تحملانه، كأنهما عودان من الخوص المفرغ. داخله إحساس مريع بالضياع ، فلم يكن أبوه مجرد أبٍ لابن؛ بل كان المعلم والموجه في أمور دنياه، وشيخه وإمامه في أمور دينه.. أدخله المدارس الأزهرية منذ طفولته المبكرة، حتي حصوله علي الثانوية الأزهرية بتفوق، ومن الأوائل..
ترك له حرية اختيار نوعية الدراسة التي يرغبها، دون فرض منه أو أي محاولة للتوجيه.. وكانت المرة الأولى لعبد الباسط، التى يتركه فيها أباه ليختار. كل ما بداخله صرخ في إلحاح أن يصارح أباه برغبته في دراسة العلوم.. فقوانين الكون وأسراره تجذبه جذبا شديدا ممتعا.. يشعر بذاته مع قوانين الجاذبية، ونسبية أينشتين، وعلوم الفلك والمجرات والشمس والقمر وحركة النجوم.. وظواهر الطبيعة من رياح وبرق ورعد وقوس قزح.
لكنه كان يشعر أن أباه يرغب في إكماله دراسته بكلية الشريعة، فتردد في مصارحته برغبته تلك التي تسيطر عليه بجنون العالم بداخله. لم يكن يدري وهو في دوامة تفكيره تلك أن أباه يحدق في وجهه مبتسما، حتى ربت على كتفيه بحنان، ليخرجه من دوامته، وتنبه على صوته وهو يقول له..
- إذًا هي كلية العلوم..علي بركة الله، والخيرة فيما اختاره الله..
نظر عبد الباسط إلي أبيه مذهولا، وهو يحدث نفسه..
- كيف علم أبي برغبتي تلك؟.. وأنا لم أصرح له بهاّ..
انتابه الذهول ثانية، وأبوه يجيب علي سؤاله مبتسما..
- علمت برغبتك عندما وضعت يدي علي كتفك، فحدث الاتصال بيننا.
ارتبك عبد الباسط من كلام أبيه العجيب، وهمس لنفسه..
- أي اتصال هذا الذي حدث بيننا؟!..
ابتسم أباه، وبنبرة عطوفة، وهو يضع يده على كتفه..
- اهدأ يا بني، واسمعني جيدا.. لقد تخطيت الآن الثامنة عشرة، وحان الوقت لتعرف كل شيء عن نفسك..
- أعرف ماذا عن نفسي؟!..
- ما حباك الله به من نعمته ورضاه.. لقد وهبك الله قدرة وقوة روحية، لتساعد بها البشر، وتجابه بها شياطين الجن والإنس، وإبليس وأتباعه ومريديه من الإنس، الذين يعيثون في الأرض فسادا..
- لم أفهم شيئا يا أبي.. أي قدرة وأي قوة روحية تلك؟
- اهدأ واستمع لي جيدا.. أنا أعلم أن ما ستسمعه سيقاومه عقلك؛ ولكن اسمعنى بقلبك الطاهر، التي لم تدنسه خطيئة ولا ذنب يغضب ربك، فتضيع منك هبته التي وهبها لك.
لقد قمت بواجبي نحوك ونحو هبتك، وحافظت عليها وعليك طوال تلك السنوات الماضية من الدنس والرجس، وحرصت على ألا تُزل قدمك للخطيئة أو يجرك إبليس الملعون لطريقه، وأنت ما زلت في عمر المراهقة، التي تضعف فيها النفس، ويزين فيها إبليس طريق الخطيئة والرذيلة للإنسان، فيجعلك تخسرتلك الهبة، التي حباك بها الله، أو تضعف..
تنهد وأكمل:
- وأحمد الله علي إتمام مهمتي.. والآن جاء دورك يا بني..
مذهولا، وعلامات التعجب تغرق وجهه..
- دوري! في أي شيء يا أبي؟ أنا لم أفهم منك شيئا..
فابتسم في ود وحب..
- ستفهم كل شيء في آوانه.. دعني أولا أطمئن عليها..
ارتبك عبد الباسط، عندما وجد أباه يحاول أن يخلع عنه ملابسه..
- تطمئن على ماذا يا أبي؟
- الهالة..
- الهالة! أي هالة؟
- هالتك.. اخلع ملابسك، وسأخلع أنا الآخر ملابسي، واطفئ الأنوار..
كالمنوم، انصاع عبد الباسط لأوامر أبيه.. أطفأ أنوار الغرفة، وخلع ملابسه.. زاد إرتباكه، عندما رأى أبوه يخلع ملابسه أيضا..
وفي ظلام الغرفة، سمع أباه وهو يحمد الله، ويردد في سعادة وفرح..
- حمدا لله.. مازالت هالتك قوية كما هي.. حافظ عليها حفظك للقرآن الكريم وصلاتك وصيامك وبعدك عن طريق الرذيلة وغوايات الشيطان الرجيم.. روحك الطاهرة صانتها، بل قوتها.. حمدا لله..
حدق عبد الباسط في أبيه مذهولا، وارتجف قلبه خوفا ورعبا، عندما وجد جسد أبيه تحيط به هالة مضيئة ضعيفة، تختفي وتعود. صرخ في فزع..
- ما هذا الضوء الذي ينبعث من جسدك يا أبي..
حاول أبوه أن يهدئ من روعه، فعانقه في ود..
- تماسك يا بني ولا تخف. فهالتي ضَعُفت من كثرة مواجهتي مع إبليس وزبانيته ومريديه، عندما حاول الملعون أن يفقدك هبة الله التي حباك بها.. لقد واجهته لحمايتك وحماية هبة الله لك.. هالتك..
أضاء أبيه الغرفة، وطلب منه أن يرتدي ملابسه، للتوجة للجامعة فورا، لتقديم أوراقه لكلية العلوم، ووعده عند عودتهم أن يفسر له كل ما غمض عليه..

ولقاءنا قريبا مع الفصل الثانى
[/tabletext]


قديم 02-26-2015, 11:09 PM
المشاركة 2
رضا الهجرسى
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
[tabletext="width:70%;background-color:silver;border:8px groove firebrick;"]

الفصل الثانى
_________

بالفعل كان من نصيب عبد الباسط مقعده بكلية العلوم،حيث اشتهر بين أساتذته وأترابه بتفوقه العلمي والأخلاقي على مدار سنوات دراسته، مثلجا صدر أبيه وأمه. وكشىء متوقع مع ظهور نتيجة السنة النهائية وحصوله على الامتياز مع مرتبة الشرف أول على دفعته، أبلغه عميد الكلية ببشرى تعيينه معيدا لإكمال دراساته العليا على حساب الجامعة.
فرحا سعيدا لا تلامس قدماه الأرض، كان يجرى مسابقا للريح، مهرولا إلى البيت ليفرح أباه وأمه بنجاحه. لكنه فجأة توقف، لا يدري ما أرسل إلى ذاكرته كل ما حدث بينه وبين أبيه منذ خمس سنوات،
يوم كشف له أبيه سر الهالة.
- كيف نسيت أن أسأله طوال تلك السنوات الطوال، وكيف نسي هو أن يفسر لي سر هذه الهالة؟ كيف أصلا تمر خمس سنوات ولا أتذكر ما حدث إلا اليوم؟!
لم تعد قضيته الآن نجاحه الباهر، وكل هذا التفوق، وتعيينه بالجامعة.. سيطرت الهالة وسرها على جميع مداركه، وسؤاله يلح على عقله، حتى فتحت له أمه باب البيت، بابتسامتها الودودة وحضنها. لم تهنئه بنجاحه الدراسي، بل فوجئ بها تقول:
- اليوم هو يوم مولدك الحقيقي بتذكرك..
وقف أمامها مستغربا مذهولا، قلبه يتسارع، ولسان حاله يسأل..
- كيف علمتِ يا أم أنني تذكرت؟!..
ابتسمت وهي تشير إلى غرفة أبيه..
- أبوك في انتظارك..
اتجه إلى الباب كالمنوم، ودق عليه مستئذنا للدخول.. ثم فتحه ليجد أباه جالسا على سريره، مرتديا عباءته، ممسكا سبحته العاجية، وأمامه المصحف الشريف، يقرأ من آياته بصوت مجود:
"قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ** قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ"
صدق الله العظيم
اغلق أبيه الكتاب الكريم ..ونظر إليه فاتحا ذراعيه ..ارتمى عبد الباسط فى حضن أبيه وأخذ يقبل يديه وجبهته فى اجلال ربت أبيه على ظهره بحنان بالغ ..قائلا ..
-أعلم يا بنى أنك تذكرت هبتك .
- نعم يا أبى .ولا أعلم كيف نسيتها طوال تلك السنوات الخمس ..
-إنها أرادة الله يا بنى ومشيئته..وكل شئ بأوانه
جعلك تنسى لتكمل علمك بعد أن أكتمل دينك ..ثم أعاد لك ذكراتك
-نعم يا أبى تذكرت يوم أن كشفت لى عنها ..ولا أعرف كيف
نسيتها ثم عادت لذاكرتى وكأنها حدثت بالأمس فقط..
هز رأسه مبتسما فى ود، فلحقه بالسؤال:
- وما فائدة تلك الهبة يا أبي؟ وكيف ومتى وفيما يمكنني استخدامها؟
رد أبيه بإبتسامة واثقة يطمئنه:
- سيهديك الله سواء السبيل..لا تخف، فأنت من جند الله على الأرض، وعندك علم الكتاب لمواجهه إبليس وزبانيته وأتباعه ومريديه من الأنس والجن.
قطع الرجل كلامه فجأة، ووضع يده على صدره وعلامات الألم تتعاظم على وجهه، قبل أن تحل محلها علامات الأعياء الشديد..
وأصفر وجهه.. وانكفأ مفارقا الحياة!..
[/tabletext]

قديم 02-27-2015, 03:17 PM
المشاركة 3
رضا الهجرسى
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
[tabletext="width:70%;background-color:silver;border:5px solid firebrick;"]

الفصل الثالث
_________

تنبة عبد الباسط، عندما طلب منه أحد المشيعين ألا يدخل القبر.
نظر إلى أمه، فأشارت له بيدها أن ينزل مع أبيه.
ساعده نفر من المحيطين على نزول سلالم المقبرة، وهو إذ ذاك في انهيار تام، وقد بدأت قدماه تخوران وترتعشان من رهبة القبر..
لم تستطع قدماه أن تحملاه، فأجلسوه في ركن ممدا ساقيه، وراح يبكي بكاءا مرا يمزق القلوب.. وكاد أن يغيب عن الوعي..
نزل، وفي قلبه وجل، وأغرورقت عيناه بالدموع، وهو ينظر للجثمان وهو يُحمل من النعش إلى أرضية قبره ببصر مائع، وقد قهره كم بدا أباه في كفنه هزيلا خفيفا..
فجأة، وقف على قدميه متهلل الوجه، يمسح دموعه بكلتي يديه وهو يحدق أمامه..ويحدث نفسه..فكر جميع من بالمقبرة أن عبد الباسط قد جُن حزنا على أبيه، وحاولوا أن يقتربوا منه ليهدئوا من روعه، لكنه أمرهم بصرامة أن يغادروا المقبرة جميعهم، فاستجابوا على الفور وتركوه ينفرد بأبيه، ظنا منهم أنه يريد أن يَختلي به قبل أن يُغلق عليه قبره..
ما لم يَخطر علي بال أحد منهم، أنه أراد أن يَختلي بروح أبيه.. استرد عبد الباسط كامل عافيته، ووقف مبهورا، مذهولا، سعيدا وهو يرى أباه واقفا أمامه في كفنه، في كامل عافيته، متورد الوجه، مبتسما له في بشاشة. همَّ ناحيته في لهفة، فاتحا ذراعيه ليحتضنه، فأوقفته إشارة من يد أبيه..
سمع صوت أبيه يتردد بداخله بوضوح، دون أن يحرك شفتيه..
- استمع لي يا بني، ولا تقاطعني، فوقتي قليل.. بموتي بدأت مهمتك..
وجد عبد الباسط نفسه يرد على أبيه دون أن يحرك شفتيه هو الآخر..
- أي مهمة تلك يا أبي؟..
- مواجهة الملعون ابن الملعون..والقضاء عليه وعلى شره، وإفساد مهمته اللعينة على الأرض..
- ومن هذا الملعون ابن الملعون، وما مهمته علي الأرض..
- الابن الأكبر لإبليس الملعون.. وهو أشر وأشرس أبنائه.. أرسله أبوه في مهمة نشر الفساد والفسق والفجور، وسفك الدماء وتحليل الحرمات.. وقتل الابن لأبيه وأمه، حتي ينتهوا وتذهب ريحهم..
وحباك الله بهذه المنحة الآلهية، لمواجهته وإفساد مهمته على الأرض..
- وكيف؟ وأين أجده؟
- سيدلك دليلك..
- ومن دليلي هذا، وكيف أعرفه، وأين أعثر عليه؟!
- سيعثر عليك هو، فاستمع له وأطعه.
بدأت روح الأب تختفي تدريجيا هاتفة:
- لا تنسى كلماتي الأخيرة تلك.. احفظها عن ظهر قلب.. سيجدك دليلك؛ وهذه آخر مرة تراني فيها.
سيجدك دليلك..وهذه آخر مرة تراني فيها..
وقف الفتى مذهولا، وهو يحدق في المكان حيث كانت روح
أبيه، وكلمات أبيه ترن في أذنيه، وتخترق روحه وكيانه..
نادى عليه من الخارج حارس القبر، طالبا منه الصعود والمغادرة، ليغلقه، فقد تململ كل المشيعين في ضيق، في انتظار خروجه.
وأخيرا، خرج عبد الباسط، وسط ذهول الجميع، وهم يرونه منبسط الأسارير، يبحث عن أمه وسط النساء، فيحتضنها في سعادة وحنان.
إبتسمت له الأم وأشارت له ألا يتكلم.
حين تفرق الناس عنهما، اقتربت من أذنه وسألته..
- هل قابلت أباك؟
- نعم يا أم.. قابلته، وتكلمت معه..
- هل حدثك عن مهمتك؟
- نعم.. نعم يا أمي.. حدثني عن مهمتي الجليلة..
- إذًا هيا بنا إلي المنزل، لتتسلم ميراث هالتك، فأولئك المشيعون سيضربون كفا بكف، استياء من ابتسامتك وتهللي لك.
بالفعل، فالناس آنذاك قد أجمعوا على أن الابن وأمه قد فقدا عقليهما وجُنا، وهم يرونهما يتركان رجلهما الذي لم تبرد جثته بعد في قبره،
ويهرولان مغادرين، وعلامات السعادة تغمر وجوهيهما، بمجرد إغلاق القبر على فقيدهما..



[/tabletext]

قديم 02-27-2015, 03:21 PM
المشاركة 4
رضا الهجرسى
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
[tabletext="width:70%;background-color:silver;border:5px solid firebrick;"]


الفصل الرابــــــع
_________

فتحت أمه الباب، وولجت مسرعة، وهي ممسكة بيد عبد الباسط
بقوة آلمته.. دفعته ليجلس، وطلبت منه ألا يتحرك من مكانه، حتى تسلمه أمانته، وتزيح عبء تلك الأمانة الجليلة من على كاهلها. استسلم لرغبتها دون كلمة، وهو في ترقب مذهول لتصرفاتها، وتركته هي على حالته تلك، واتجهت إلى غرفة أبيه، حيث غابت برهة من الزمن، ثم عادت وهي تحمل صندوقا عتيقا في يدها.
ناولته الصندوق، وارتمت على أقرب كرسي، وهي تأخذ نفسا عميقا،
وكأنها تخلصت من حجر ثقيل كان رابضا على قلبها.
أخذ عبد الباسط يقلب الصندوق في يده باستغراب وفضول شديدين، وهو يتفحصه سائلا أمه..
- ما هذا؟..
ردت على الفور..
- لا أعلم..
- ماذا بداخله إذًا؟..
- لا أعلم..
- وماذا أفعل به؟..
- لا أعلم يا بني أي شيء، فقد حملني أبوك تلك الأمانة، لأسلمها لك بعد الانتهاء من دفنه، دون تلكؤ أوتأجيل، وها أنا ذي قمت بتوصيل الأمانة واسترحت.
- ألم يقل لكِ أي شيءعن هذا الصندوق؟..
- لم يقل لى إلا شيء واحد عنه
تنهد قائلا..
- أريحيني يا أمي، وقولي، فالفضول يكاد يقتلني.
- هذا ميراث الهالة..هذا ما قاله أبوك.
- هذا ميراث الهالة!..أي هالة..
- هالتك يا بني..ولا تسألني المزيد، فأنا لا أعلم أي شيء أكثر مما ذكرت لك..
صرخت فجأة..
- نعم.. نعم تذكرت شيئا..
في لهفة سألها..
- قولي يا أمي..ماذا تذكرتِ؟..
- قال أبوك سيتكشف لك كل شيء عن طريق هالتك.. فسينير الله بصيرتك، وتعرف طريق ميراثك..
نظرت إليه بما يشبه العتاب..
- لا تسألني المزيد، فقد سلمتك أمانتك وانتهت مهمتي،
وبدأت مهمتك الجليلة..
[/tabletext]

قديم 02-27-2015, 08:41 PM
المشاركة 5
فاطمة جلال
مراقبة سابقة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
كاتبا وأديبنا القدير رضا الهجرسي
رواية رائعة تحمل في مضمونها الكثير من الحكايا
لتطعلنا على الكثير

ونحن في انتظار المزيد

مع التقدير

تَعَـالَ ...
نَعْـجِن مِـن الحِـرَفِ رَغِيفًـا عَـلَى مَوَائِـدِ الـكَلَامِ ...
وَنَـكْتُب رَسَائِـلَ الحَـنِينِ إِلَى اليَـاسمِينِ ....

تعـالَ...
فمن تشتاق الـروحُ اليـهم ؛ قـــد أوغلـوا فـي الغيـاب !

فاطمة جلال

.....
قديم 02-28-2015, 02:59 AM
المشاركة 6
زياد القنطار
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
تكمل ونكمل ولنا لقاء ...بداية غيث مبشرة سنكون على موعد مع جناه.
أستاذ رضا كل التقدير ..مرور فقط لتسجيل حضور ,وعودة إن شاء الله . كل التقدير

هبْني نقداً أهبك حرفاً
قديم 02-28-2015, 02:27 PM
المشاركة 7
رضا الهجرسى
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
كاتبا وأديبنا القدير رضا الهجرسي
رواية رائعة تحمل في مضمونها الكثير من الحكايا
لتطعلنا على الكثير

ونحن في انتظار المزيد

مع التقدير
المبدعة الواعية .. فاطمة جلال
سعيد جدا بمتابعتك لأصعب رواية قمت بكتابتها
وفى انتظار نقدك الصريح لها
وودى وتقديرى

قديم 02-28-2015, 02:30 PM
المشاركة 8
رضا الهجرسى
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
تكمل ونكمل ولنا لقاء ...بداية غيث مبشرة سنكون على موعد مع جناه.
أستاذ رضا كل التقدير ..مرور فقط لتسجيل حضور ,وعودة إن شاء الله . كل التقدير
المبدع الرائع .. زياد القنطار
يهمنى مرورك جدا لأعرف نقدك الصريح لأى هفوات أو زلات وقعت بها فى أحداث الرواية ..
وودى وتقديرى

قديم 02-28-2015, 02:33 PM
المشاركة 9
رضا الهجرسى
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
الفصل الخامس
__________

جالسا على سريره، غارقا في أفكاره، واضعا الصندوق أمامه،
يقلبه بين حين وآخر بيديه، باحثا عن كيفية فتحه، ليرى ما بداخله..
حتى داعبه النوم، وقد بدأ يشعر بالإجهاد، بعد هذا اليوم الطويل الحزين، والذي انتهى بهذا الصندوق العجيب.. وتملكه اليأس من فتحه، سمع آذان الفجر..
شعر برغبة شديدة تتملكه أن يصلي بالجامع القريب، كعادته مع أبيه. تحامل على نفسه، وارتدى ملابسه، وتوكل على الله..
وهناك.. بعد أن انتهى من صلاته وراء الأمام، وسلم عليه، فوجئ بالإمام يشده بقوة وعنف، وهو ينهره بغضب:
- لماذا لم تسم بالرحمن الرحيم؟.. قل: بسم الله الرحمن الرحيم
بُهت عبد الباسط من غضب الإمام وصرخته.. وزاد تعجبه، عندما وجده يعود ويسلم عليه، مع ابتسامة ودودة ووجه بشوش، ويعزيه في أبيه، ثم يتركه ويذهب وكأن شيئا لم يحدث!..
لكأنه كان مغيبا لينطق هذه الكلمات، ثم عاد له وعيه!..
مذهولا، أخذ يتابع الإمام ببصره، حتى تذكر فجأة، وصرخ معاتبا نفسه..
- نعم..نعم.. أنا لم أقرأ البسملة قبل فتح الصندوق..
لك كل الحق يا أمامنا؛ لقد أنرت بصيرتي وأخرجتني من
غفلتي..جازاك الله عني كل خير..
عاد مسرعا يسابق الريح إلى المنزل، فوجد أمه في انتظاره، بعد أن
انتهت من صلاة الفجر. لكنه تركها، مهرولا إلى ميراث هالته، وأغلق غرفته عليه.
قفز على سريره، وأمسك بالصندوق بيديه بجلال ورهبة قائلا:
- بسم الله الرحمن الرحيم.. افتح واعطني ميراث هالتي..
ارتد بظهره مذعورا، حين وجد الصندوق يُفتح، وتغمر الغرفة رائحة
لم تشمها أنفه من قبل.. وكأنها من روائح الجنة.
شعر براحة نفسية، وقوة روحية غمرت كامل كيانه، زالت بعدها كل ظواهر للتعب والأجهاد. في حرص و بطء شديدين، مع فضول قاتل..
أعتدل ومد بصره داخل الصندوق، ليرى ما بداخله، فوجد ثلاثة مفاتيح كبيرة الحجم.. لونها أبيض ناصع كلون السحاب، تبرق ببريق محبب للنفس مريح للبصر. مد يده المرتعشة داخل الصندوق، وتناول الثلاثة مفاتيح في رهبة وجلال.. ولاذ بالصمت وهو يحدق بها مليا، ثم تمتم بهدوء..
- أهذا ميراث هالتي؟..مفاتيح متلألئة عجيبة الشكل، ذات جمال محبب ومبهر!.. لكن ما فائدتها لهالتي؟ وأي شيء يُفتح بها؟..
فكر لحظة..
- أمي!..من المؤكد أن أمي تعلم..
قفز من الفراش مغادرا غرفته، وهو يمني نفسه أن يجدها ما زالت مستيقظة. وتهللت أساريره حين وجدها جالسة، شاخصة بنظرها في تجاه غرفته في انتظار خروجه..
قبل رأسها ويديها في ود، ووضع أمامها المفاتيح الثلاثة.. صمتت برهة، ثم سألته في تعجب:
- أهذا ميراث هالتك؟..ثلاثة مفاتيح!..
- نعم.. هذا ما وجدته بالصندوق..
- وأي شيء تفتح..
- ألا تعلمين؟..ألم يخبرك أبي؟..
- لا يا بني.. لم يخبرني أبوك سوى ما ذكرته لك..
أغمض عينيه، وشهق نفسا عميقا، ليفرغ شحنة اليأس التي انتابته وأدخلته في تيه جم. شعر كأنه وقع في جب مظلم سحيق، لا يستطيع الخروج منه..
وأحست الأم بما ينتاب ولدها من قنوط، فأخذته في حضنها، وأخذت تقرأ آيات من القرآن، وهي تمسح على رأسه. فشعر برغبة شديدة في النعاس على صدر أمه الحنون..
وبالفعل نام نوما عميقا.. ورأى أباه في منامه، مرتديا عباءته، ويسبح على سبحته العاج.. فتح أبوه باب الغرفة، التي كان يقيم بها في خلوته، ثم التفت إليه وأشار له ليدخل الغرفة.
وانتبه عبد الباسط من نومه فجأة، فقص على أمه ما فعله أبوه من فتح غرفة الخلوة له، فقامت الأم، ووقفت أمام باب الخلوة، وأشارت له بيدها ناحية الباب كما فعل أبوه، قائلة في حنان:
- المفاتيح الثلاثة هي ورث هالتك، أما غرفة أبيك وخلوته فهي ميراثك الشرعي من أبيك، فتوكل على الله، وضع مفاتيحك واستلم ميراثك وميراث هالتك..
أولج عبد الباسط أحد المفاتيح بباب الغرفة، وهو يسمي بالرحمن..
وفتح الباب.. أشار إلى أمه لتدخل معه، فردته في رقة.
- غير مسموح لي يا بني دخول هذه الغرفة.. اغلقها عليك وعلى ميراثك..
قبل يدها، وسمى بالرحمن.. أغلق باب الغرفة، وأسند ظهره إلى بابها متجولا بنظره في أرجائها. تعجب من تلك الرائحة العطرة التي تغمر الغرفة.. هي ذاتها الرائحة التي استنشقها حين فتح صندوق المفاتيح..
ازداد عجبه ودهشته حين لم يجد بالغرفة منفذا أو نافذة لدخول الهواء.. جال بنظره بأرجاء الغرفة ، فلفت نظره صندوقان خشبييان كبيران، مغلقان بأقفال حديدية كبيرة، ووقع بصره على خطاب مغلق فوق أحد الصندوقين.
تناول الخطاب، فوجد اسمه مكتوبا عليه.. فتحه، وأخذ في قراءته بصوت مرتعش..
"ولدي عبدالباسط.. أنا أعلم أن المهمة التي ألقيت على كاهلك تنوء الجبال بحملها، ولقد حاولت أن أحملها عنك، وواجهت ابن الملعون مرتين، وكدت أفقد حياتي في مواجهته، حتي ضعفت هالتي ووهنت قوتي. ولكن الله العلي القديروهبك هالة قوية، تفوق قدرات كل من سبقوك، لا يستطيع الملعون معها مجابهتك وجها لوجه. سيحاول إضعاف هالتك بطرقة الخبيثة الملتوية، بإيقاعك في الرذيلة والفسق والمحرمات..فاحذر بني. ابتعد عن كل ما حرمه الله، حتى لا تضعف هالتك ولا تستطيع مواجهة الملعون.. ثق في الله وأنه دائما معك".
انتهت الكلمات، وأغرورقت عيناه بالدموع، وأخذ يشم رائحة أبيه في الخطاب..
فتح عبد الباسط الصندوق الأول، فوجد بداخله مجلدات كبيرة، ذات أوراق صفراء ثقيلة الوزن، أخذ في تصفح أوراقها، فوجد شجرة عائلته من الجد الأكبر، حتي وصلت آخر فروعها إلى أبيه ، مكتوبا بها أعمال كل منهم في مواجهة الشر، وفي كيفية إخراج التلبس الشرير من أرواح وجان وشياطين، من الأجساد التي تلبستها، والسبل التي كانوا يتبعونها في طردها دون الأضرار بمن تلبستهم..
عندما فتح عبد الباسط الصندوق الثاني، وجد به ما انقبض له قلبه، وتسلل الخوف إلى روحه، عندما قرأ عما فعله إبليس وذريته من شر مستطير أسود.. خراب ودمار وحروب على الأرض.. سفك للدماء.. نشر الرذيلة والفساد.. فرقة وكراهية..
بدأ الخوف، من هول ما قرأ، يدب في أوصاله، وعزيمته تضعف، ويقينه يهتز.. وشعر بهول المهمة الملقاة على عاتقه..
لكن فجأة، شعر بنسمة رقيقة تلفح وجهه، ورائحة انسلت إلى روحه. وأصوات كأنها أصوات الملائكة، تغني له بصوت رخيم رقيق، ينسل إلي القلب فيقويه.. أعادت تلك الرائحة العبقة التي ملأت صدره، وهذا الغناء الملائكي الراحة والسكينة إلى نفسه وروحه. استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن الله قوى جبار علي كل جبار.
ظل في خلوته تلك لأكثر من شهرين، يقرأ في كتاب طرد الأرواح والمس الشيطانى ومعالجة الحسد، حتى حفظه عن ظهر قلب بإيمان راسخ..
أصبحت ثقته في الله غائرة في أعماق ضميره وكيانه، إلى أن أرسلت له الجامعة خطابا بتعيينه بالجامعة.

قديم 03-01-2015, 08:10 PM
المشاركة 10
رضا الهجرسى
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
الفصل السادس
_________

سعيدا فرحا، وأمه تلف المبخرة حول رأسه، وتدعو له، وتستعيذ
من الشيطان الرجيم، ومن كل عين رأته ولم تصل على النبي، وهي ترافقه حتى باب البيت. قفزت كلمات أبيه ووصية روحه الأخيرة في المقبرة إلى عقله: "سيجدك دليلك..وهذه آخر مرة تراني فيها" وهو في طريقه إلى الجامعة في أول أيام العمل، غير صافي الفرحة بسيارته الجديدة، قلقا من إلحاح الكلمات على عقله، يحاول أن ينساها أو يتناساها. حضر أول اجتماع له مع عميد الكلية، جالسا وسط طاقم التدريس، والذين كانوا بالأمس القريب أساتذته، وبعد انتهاء الاجتماع، نادى عليه عميد الكلية..
- تعالى يا عبقري..أهنئك ونهنئ أنفسنا بانضمامك إلى طاقم التدريس،
هذا أولا.. ثانيا لدي بشرى لك ستسعدك..
- أشكرك يا سيدي، وأرجو أن أكون عند حسن ظن سيادتك..
- اسمع بشراي أولا، ثم اشكرني كما شئت.. أتعرف الدكتور على البنهاوي؟..
- للأسف يا سيدي، لم أسمع عنه..
- نعم.. نعم لك كل الحق.. فقد ترك الجامعة فجأة؛ بل ترك البلد
كلها، وعمل في جامعة في إحدى دول الخليج، في ذات العام الذي بدأت أنت عام دراستك الأول، وهذا عذرك.. فالدكتور البنهاوي عالم جليل، له من الأبحاث ما جعله كبيرا ومشهورا في جميع أرجاء المعمورة.
- للأسف يا سيدي أني لم أتشرف بمقابلته.
- أبشر، ستقابله وتجلس معه.. فقد وافق أن يكون المشرف على رسالتك في تحضير الماجستير..
- هذا خبر سعيد يا سيدي..
- العجيب، أنه قبلك دون أن يراك، وهذه ليست عادته.. قبلا، كان يرفض الإشراف على رسائل الماجستير.. ويقبل فقط رسائل الدكتوراة ومن ثبت تفوقهم العلمي.. جهز نفسك يا فتى لمقابلة عالمنا الجليل..
- متى يا سيدي؟..
- اليوم..
- اليوم!..
- نعم اليوم، فهو سيلقي أولى محاضراته اليوم في المدرج الرئيسي، وسيحضرها جميع الأساتذة -وأنا أولهم-.
واذهب الآن لتجد لك مكانا، قبل ازدحام المدرج، ثم بعد ذلك
تأتي إلى غرفتي لأعرفك به..هيا يا عبقري اسرع..
هرول عبد الباسط فرحا ليلحق مكانا بالمدرج الكبير، وليرى أستاذه
والمشرف على رسالته، الدكتور علي البنهاوي.
دخل الدكتورعلي المدرج، واستقبله الحشد بتصفيق وقور، فرد عليهم تحيتهم بوقار العالم، وبابتسامة خفيفة مع رفع يديه..
علي البنهاوي رجل يقترب من الستين، نحيل، واهن القوة، يكاد العظم يبرز من تحت جلده.. يتحرك في بطء، ويتنفس بصعوبة. صمت الجميع، وأخذ الدكتور يتفرس في وجوة الجالسين مبتسما، وبصوت هادئ رزين تحدث..
- أشكركم على هذا الأستقبال الحافل بشخصي المتواضع،
واسمحوا لي ألا نضيع وقتنا في المجاملات..
لقد أحضرت معي فيلما تسجيليا عن آخر أبحاثي، وأيضا عن آخر الاكتشافات والنظريات الجديدة في عالم العلوم.فلنشاهد الفيلم، ثم نكمل محاضراتنا.
وقف العميد طالبا الكلمة، فابتسم له البنهاوي في ود، مستمعا له..
- أرحب أولا بعالمنا الجليل الدكتور علي البنهاوي، وعودته إلى
داره، التي تخرج منها وقام بالتدريس بها، وتخرج على يديه أنجب العلماء والباحثين. ولكن هل يسمح لي أستاذنا بسؤال كزميل وصديق عمر؟..
- تفضل سيادة العميد..
- ما سبب تركك المفاجئ لكليتك، والعمل بالخليج لأكثر من خمس سنوات، ومعروف عنك أنك لست من المهتمين بجمع المال؟
والأعجب يا صديقي، هو رجوعك المفاجئ أيضا، دون أي مقدمات!..هذا ما يدور بخلد الجميع، وأردت أن أكون مندوبا عنهم؛ وأكرر ترحيبي وسعادتي بعودتك الميمونة إلى جامعتك..
ابتسم البنهاوي في ود مجيبا..
- أرجو من صديقي وزميلي العزيز ألا نضيع وقتنا في أمور
شخصية، فنحن علماء.. فدعونا نبدأ محاضرتنا.
التفت يطلب من أحد مساعديه أن يبدأ في تشغيل آلة عرض، ليعرض آخر اكتشافاته وأبحاثه، التى نشرت في جميع أنحاء المعمورة. أطفأ مساعده الأنوار بالقاعة، ليبدأ عرض الفيلم.
بعد دقائق معدودة، فوجئ الجميع بالدكتور البنهاوي يجرى بطريقة غريبة على مفاتيح الإضاءة، ويضئ المدرج، وهو ينظر في حدة في المكان الجالس به عبد الباسط.
بُهت الجميع عندما شاهدوه يجرى إلى حيث يجلس عبد الباسط، ويتفرس في الطلبة الذين يجلسون عن يمينه ويساره، ثم أشار لهم أن يقفوا جميعا، بما فيهم عبد الباسط، واصطحبهم إلى مكتبه، وسط ذهول الجميع.
وهناك، أغلق الباب عليهم، وعبد الباسط والذين معه يتساءلون فيما بينهم عما أغضب الدكتور ليستدعيهم بهذه الطريقة الغريبة..
قرأ البنهاوي ما يدور بخلدهم، فطمأنهم مبتسما، وطلب منهم الجلوس.. ثم طلب من الساعي أن يحضر لهم مشروبات باردة تبرد قلوبهم..
جلس إلى مكتبه، ونظر أمامه إلى اللاشيء، ثم بدأ يفسر لهم سبب وجودهم هنا.. ببساطة.. ليتعرف إليهم!
لم يقتنع أي منهم بالطبع. وظل التوجس بداخلهم، وهو يحدثهم في ود، حتي اطمأنت قلوبهم شيئا فشيئا بالحديث العادي، ثم وقف مادا يده لمصافحتهم مودعا إياهم.
صافحه الجميع، وهو يشد على أيديهم بقوة. وعندما مد عبد الباسط يده ليسلم على الدكتور البنهاوي، تلكأ في مد يده حتى خرج آخر الموجودين، ثم مد يده إليه. تشابكت يداهما، فصرخا معا من المفاجأة، وارتعد جسداهما برعشات متواصلة في هذه اللحظات التي مرت وكأنها دهر من الزمان، قفزت فيها إلى عقل عبد الباسط صور انخلع لها قلبه رعبا وفزعا.. كانت فتاة مكبلة في سريرها بسلاسل حديدية من يديها وقدميها.. جسدها عارٍ وممزق من آثار جلدها بسوط ، ورجل هناك يضربها بعنف، والدم ينزف من التشققات التي يحدثها السوط الوحشي في جلدها. وجهها مشوه أيضا بتشققات تملأه في جميع جنباته، يخرج من فمها زبد أخضر اللون.
استدار الرجل فجأة، ولتظهر ملامح وجهه واضحة جلية في عقل عبد الباسط، وليزداد رعبه وفزعه فقد كان هو نفسه الدكتور البنهاوي!..




مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: الهالة و الملعون .. رواية
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فضاءات المكان في رواية الملعون المقدس، بقلم: محمد فتحي المقداد محمد فتحي المقداد منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 5 12-18-2023 07:58 AM
رواية رديئة محمد عبدالرازق عمران منبر مختارات من الشتات. 4 02-24-2012 05:49 PM

الساعة الآن 03:04 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.