منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   قراءة نقدية معمقة لقصص مبارك الحمود (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=4825)

ايوب صابر 06-02-2011 08:59 AM

قراءة نقدية معمقة لقصص مبارك الحمود
 
قراءة نقدية معمقة ومغايرة لقصص مبارك الحمود

فيما يلي قراءة نقدية معمقة ومغايرة لقصص القاص مبارك الحمود احاول فيها فكفكة رمزية وغموض هذه النصوص العبقرية وابراز مكامن الجمال فيها- عسى ان يدور نقاش حول هذه الدراسة والقراءة المعمقة:

اولا : "قصة الظل"

بسم الله الرحمن الرحيم

عندما يكون الماضي ليس سوى ظل يلاحقك أينما تذهب بدون أن يلمسك, تبحث عنه بين طيات جسدك, و تفكر:" يا ترى أين هو مربوط!؟, أهنا أم هناك؟!", و حينما تذهب إلى فراشك وتُطفئ الأنوار يتبدد إليك الخوف, فكل ما حولك صار ظلا يلتهم جسدك المتكور المنهك حتى يختفى وسط أحشائه, ولكنك رغم ذلك تصحو بأمان.. إلى ظلي ذاك, الذي ظل نعم الرفيق بدون تذمر, وحتى في صحاري الشموس, أهدي هذه القصة.

الظل
انشغل أهل المدينة الصغيرة بذلك الظل الذي يظهر كثيرا في حفلاتهم, قادما من المجهول, ومستترا بأماكن الظلام, أو بظلال السمينين, والمسنين منهم.. كان الجميع يتحدث عنه ما بين متخوفٍ منه و مستهترٍ به, بين من يرى أنه خطر يحدق بهم كرئيس الشرطة سعيد الرافلي الذي أكد أنه قد رأى زحف ظلاله على بساط غرفة نوم أبناءه السابقة, وتسلله هاربا من جنبات النافذة وحوافها.. ومن يرى أنه ليس سوى أسطورة أو خرافة متخيلة أو في أقل الأحوال شخصية عادية, لص أو متشرد, بالغ الجميع واستمتع بنسجها ليملأ أوقات فراغه بها, وذلك كان رأي الدكتور وليد .. وهناك منهم من أقسم على رؤيته بوضوح, و كان من بينهم شيخ المسجد منصور سالم الذي قال أنه استطاع أن يرى عيناه المثقوبتين, وأن يرى فيهما دمعتان تلمعان كماستين معلقتين في يوم الهزيمة الكبرى.. والبعض الآخر منهم من قلل من أهميته, وأنه لن يضرهم بشيء, وخاصة أنه يخافهم, ودائما ما يولي هاربا عنهم, وكان ذلك رأي شباب المدينة ومنهم ماجد المازني, الفتى اليتيم.

كان الصغار هم أكثر من رآه عن قرب, فقد رآه أحد أبناء الرافلي على مقربة 5 أقدام منه, بملامحه الشديدة القتامة, و حاول وقتها أن يحضر الكرة التي سقطت على مقربة من الظل الذي ظهر فجأة, ونظر له مرعوبا, فولى الظل هاربا من أمامه عندما بدأ بالبكاء, قال الصغير أنه سمع همهمة الظل الغير واضحة, رغم أن فمه كان مقفل بغراء, وأنه مد يده لخطفه فبكى.. لقد كان أطول منه بقليل, يبدو شعره القصير مسترسلا, وبقية ملامحه غير واضحة أبدا, لقد كان ظلا فعلا, و انتشر بين الكل أنه كان بذلك يحاول سحرَ الصبي, ولكنه خاب.. وغلّق أهل المدينة على صغارهم الأبواب, و أصبحوا بسبب ذلك يبكرون في الانتهاء من أعمالهم.

و ذلك ما جعل ماجد زيد المازني يتحدى الجميع على أن يعرف مكان سكنه, وأن يجلبه لهم بين يديهم في وضح النهار, بشرط أن تكون له مكافاة مالية على ذلك قدرها ثلاثة أكياس من الدقيق الأبيض.. كان ماجد مشهور بين أهل المدينة بنشاطه وجده, و لذلك حين اشترط عليهم تلك الشروط وافقوا فورا.. فراقبه ساعات طويلة, وكان وقت المغرب حين رآه فجأة.. كان الظل ينظر لعائلة النجار من خلال نافذتهم المفتوحة, والشاب يراقبه بحذر و خوف.. أحس الشاب بملامح حزن تبدو على الظل, هناك ألم خفي يشعُره بذلك السواد الفاحم.. و مرت الأيام و هو على هذه الحالة, و لكن لم يستطع أن يعرف مكانه, فالظل خفيف المسير وسريع الخطى, وسرعان ما يختفي في وسط أحشاء الغابة كالشبح.

و لحل معضلة ذلك قرر الشاب مد خط طويل عريض من دهان أبيض على ما يستطيع على طول الغابة من الجهة المقابلة لمدينتهم, وفعلا نجحت خطته فقد بدت خطوات الظل المؤدية للغابة واضحة, رغم أنها تبدو متباعدة قليلا.. وصل فعلا لنهايتها, وقف عند شجرة عملاقة تبدو مخضرة الجوانب بشكل عجيب توجد فيها فتحة تكفي لدخوله, قد انتهت عندها الأقدام.. أدخل رأسه الخشنة الشعر, و إذا به أمام غابة أخرى, كأنه أخرج رأسه من الجهة الأخرى للشجرة لو لا أنه لاحظ الاختلاف بينها و بين ما ورائها, تجرأ رغم ارتعابه وخطا خطوات مترددة حتى لاحظ نورا شديدا يتفجر من بين الأحراش.. وقف على طرف مدينة تملؤها الأضواء الشديدة, حاول معها استكهان كنهها و لكنها كالحلم.. شعر بالرهبة, وهو يراقب من بعيد أهل هذه المدينة.

بدوا له كالملائكة و لكن بدون أجنحة, وهو يراقبهم من بعيد, وفي ظل اندهاشه نسي أن يبحث عن ذلك الظل, لقد كان منبهرا بسعادة و متوجسا بفضول, وهو يرى تلك المدينة الأسطورية, بسكانها المبهرين, وبدا ذلك الإبهار بالتشتت قليلا, عندما شعر أهل المدينة بوجود غريب عنهم يتلصص عليهم, فالتفتوا بوجوههم المبهمة, وتجيشوا على بعضهم كأنهم يتأهبون للهجوم عليه, أحس بسريان رعب شديد في نفسه, جعله يهيم على نفسه هاربا إلى تلك الشجرة, ليعود من خلالها إلى مدينته, يعيش حياته التي لم يعد يرى فيها الظل.


قرءاه نقدية مغايرة ومعمقة لقصة "الظل" لكاتبها مبارك الحمود ومحاولة لفكفكة الغموض في القصة واستخراج عناصر الجمال منها

لا شك أن ابرز ما يميز هذه القصة هو الغموض في طبيعة الشخصية الرئيسة التي اختار مبارك الحمود أن يجعلها محورا للحدث وهي شخصية (الظل)، والذي يخطف انتباه المتلقي ويظل يشغل باله فور ولوجه إلى القصة، كما كان يشغل بال أهل تلك المدينة المتخيلة التي تمثل الفضاء المكاني للقصة.
وعلى الرغم من محاولة مبارك الحمود مساعدة المتلقي في فهم طبيعة تلك الشخصية، وذلك من خلال توفيره تقديم يحاول من خلاله رسم ملامح تلك الشخصية، وتوضيح ماهيتها، لكنها تظل عصية، ولا يستطيع المتلقي تحديد طبيعة هذا الظل حتى بعد انتهائه من قراءة القصة.

وما يزيد الغموض في طبيعة تلك الشخصية هو ما ورد في التقديم الذي جاء به مبارك الحمود ليوضح طبيعة تلك الشخصية على ما يبدو... فعلى الرغم أننا نجد مبارك الحمود يصف الظل على انه الماضي الذي يتحول إلى ظل، ويصبح يلاحق صاحبه، وبالتالي يصبح مصدرا للخوف الذي يتبدد إلى صاحب الظل عندما يذهب إلى فراشه ويطفيء الأنوار، حيث يصبح كل ما حوله ظلا يلتهم الجسد المتكور المنهك... فكيف نفهم إذا إهداء مبارك الحمود القصة إلى ظله والذي يقول عنه انه " إلى ظلي ذاك, الذي ظل نعم الرفيق بدون تذمر, وحتى في صحاري الشموس, أهدي هذه القصة.


- فمن الذي يجب أن يتذمر: اهو الظل أم صاحب الظل؟ ما دام أن الظل هو السبب في كل ذلك الخوف؟
- وهل هناك سر خلف هذا الإهداء؟
- وهل فعلا أن الظل مشكل، ومكون من تراكمت الماضي؟
- أم أن فهم القصة يتطلب معرفة كنه ذلك الظل؟
- ثم هل كتب مبارك الحمود هذه القصة بعد تخطيط مسبق لطبيعة هذه الشخصية? أم انه ترك المجال لخياله ليرسمها كيف يشاء؟
- وهل تمثل الشخصية هنا بعدا واحدا رسم بوعي (تراكمات الماضي)، أم أنها يمكن أن تمثل أكثر من بعد في نفس الوقت، وربما تكون قد خرجت من ذهن مبارك الحمود دون وعي منه؟ اليس ذلك ما يحدث عادة عندما يتولى العقل الباطن توليد النص الابداعي؟


يتبع،،،


نعود لنغوص في ثنايا هذه القصة وأعماقها التي أبدعها خيال مبارك الحمود فجاء النص المتولد عبقريا فذا يملؤه الغموض، والإدهاش، والشد، والكثير من الفنيات التي تجعله ينبض بالحيوية والحياة، والجمال.


وكما هي عادته نجد أن مبارك الحمود قد اختار كلمة واحدة ( الظل ) لتكون عنوانا لقصته هذه، وهي حتما كلمة تختزن في ثناياها ويرتبط بها الكثير من الغموض، والرهبة، وما يثر الخوف والتوجس، وربما الكثير من الأسئلة، وبالتالي فهي تمثل ثقبا اسودا يشد المتلقي لباقي النص فما يلبث أن يندفع ليتابع القراءة ليتعرف على قصة ذلك (الظل) محاولا كشف سره وفهم ابعاده وما يمثله.

ونجد إذ نبحر في النص أن مبارك الحمود قد قسمه إلى خمسة أجزاء( فقرات)، لكنه وعلى غير عادته لم يرقم هذه الفقرات أو لم يفصل بينها بحروف أو أي رموز كودية أخرى على شاكلة ما فعل في قصة (عاطل) وقصة (انتقام).


وربما أن السر في ذلك يعود لقناعته أن النص بحد ذاته غامض وكودي ورمزي بما فيه الكفاية، ولا يحتاج إلى المزيد من الرموز الكودية التي قد تجعله أكثر غموضا. حتى أننا نجده قد اضطر لوضع ما يشبه المقدمة التفسيرية للنص، آخذنا بيد المتلقي ليساعده على الولوج إلى القصة وفهم طبيعة تلك الشخصية المثيرة، ولم يكتف بما ورد على السنة الشخوص الذين قدموا وصفا لشخصية الظل المحورية في جسم النص، وهي حتما مقدمة غير ضرورية لأنها، وربما عن غير قصد، قللت من حجم الصورة الذهنية الغنية للشخصية المحورية في القصة، وهي شخصية الظل، وقللت من شأنها، وذلك من خلال حصرها بالإيحاء على أنها تمثل (تراكمات الماضي)، وكان الأجدر بالقاص أن يترك الأمر لمخيلة المتلقي ليستنبط طبيعة تلك الشخصية ويرسم أبعادها في ذهنه من خلال ما يقدمه القاص من وصف وأحداث.



ونجد أن الفقرة الأولى من النص غنية بالحيوية والحركة والنشاط، إضافة إلى شمولها على الكثير من الجوانب الجمالية، والكلمات الدالة، واستثمارا للنقائض، وهو العامل الأعظم أثرا على الدماغ. وكذلك كلمات تستثير في المتلقي الحواس، والمشاعر، والمخاوف، وهي في مجموعها عناصر جمالية، جعلت نص هذه الفقرة بالغ الأثر، خاصة أنها جاءت في بداية النص، فعمقت اثر الثقب الأسود والمتمثل في العنوان، والذي استخدمه القاص لجذب انتباه واهتمام المتلقي لمتابعة القراءة ... وكل هذه العناصر الجمالية سوف نستكشفها هنا تباعا " انشغل أهل المدينة الصغيرة بذلك الظل الذي يظهر كثيرا في حفلاتهم, قادما من المجهول, ومستترا بأماكن الظلام, أو بظلال السمينين, والمسنين منهم.. كان الجميع يتحدث عنه ما بين متخوفٍ منه و مستهترٍ به, بين من يرى أنه خطر يحدق بهم كرئيس الشرطة سعيد الرافلي الذي أكد أنه قد رأى زحف ظلاله على بساط غرفة نوم أبناءه السابقة, وتسلله هاربا من جنبات النافذة وحوافها.. ومن يرى أنه ليس سوى أسطورة أوخرافة متخيلة أو في أقل الأحوال شخصية عادية, لص أو متشرد, بالغ الجميع واستمتع بنسجها ليملأ أوقات فراغه بها, وذلك كان رأي الدكتور وليد .. وهناك منهم من أقسم على رؤيته بوضوح, و كان من بينهم شيخ المسجد منصور سالم الذي قال أنه استطاع أن يرى عيناه المثقوبتين, وأن يرى فيهما دمعتان تلمعان كماستين معلقتين في يوم الهزيمةالكبرى.. والبعض الآخر منهم من قلل من أهميته, وأنه لن يضرهم بشيء, وخاصة أنه يخافهم, ودائما ما يولي هاربا عنهم, وكان ذلك رأي شباب المدينة ومنهم ماجد المازني, الفتى اليتيم".



فكلمة ( انشغل ) وهي أول كلمة في النص، تشير إلى الحركة والانشغال والنشاط، خاصة أنها تصف حال أهل تلك المدينة الصغيرة، والتي تمثل المشهد للقصة، الذي يظهر فيها الظل. وباستخدام كلمة ( يظهر كثيرا) في وصف للظل مزيدا من الحركة والنشاط، وكلمات ( في حفلاتهم) تعنى أيضا جو صاخب مليء بالحركة والنشاط، وكلمة (قادما) تعني حركة أيضا، وكذلك كلمة (مستترا) فيها حركة أيضا، وفيها استثمار للنقائض مع كلمة (يظهر+ يستتر).



وفي هذا السطر الأول الكثير من الإثارة والشد الصاعد المتطور، كون القصة تتحدث عن (ظل) يظهر كثيرا في حفلات أهل مدينة صغيرة، فيشغل أهلها، خاصة انه قادم من المجهول، ويستتر في أماكن الظلام، أو في ظلال السمينين، والمسنين منهم. ونجد أن كلمات مثل ( مجهول+ مستتر+ ظلام+ ظلال+ سمينين+ مسنين) تشتمل على دلالة تساهم في بناء مشهد وجو مخيف اقرب إلى أجواء أفلام الرعب، ذلك الذي يظهر فيه الظل.



ونجد أن القاص يستخدم في هذه الفقرة هنا، عددا كبيرا من الكلمات التي تشتمل على حرف السين أو الشين، وهي أحرف الهمس التي تساهم في بناء ذلك الجو المخيف الذي غالبا من يبدع القاص مبارك الحمود في بناؤه، ويخدم كعنصر مهم من عناصر الشد، والإدهاش، والتشويق، والإثارة.



وفي كلمات ( يتحدث عنه + يرى ) استثارة لحواس المتلقي. وفي وصف الحالة التي ينظر فيها الناس إلى ذلك الظل حيث ينقسمون إلى أقسام منهم من هو (متخوف منه) ومنهم من هو (مستهتر به)، ومنهم من يراه خطرا محدقا بهم، خاصة أن من بينهم رئيس الشرطة كونه خطر عليهم...ما يساهم في تعقيد وتطوير جو النص المخيف الذي يسعى القاص لوضع المتلقي فيه بإضافة عنصر الصراع المؤثر.



وفي تسمية رئيس الشرطة (سعيد الرافيلي)، وتأكيده بأنه (رأى) زحف ظلاله على بساط غرفة أبناؤه السابقة، ما يدفع المتلقي إلى الشعور بدفق هائل من مشاعر الخوف والرهبة، أولا لان المتحدث يبدو شخصيا حقيقيا من مشهد واقعي، جرى في المدينة الصغيرة المجاورة، وهو حتما ليس شخصا عاديا كونه رئيس الشرطة، وهو يؤكد بأنه رأى الظل شخصيا وبأم عينه، ورآه وهو يزحف على بساط غرفة نوم أبناءه (السابقة)، وتسلله هاربا من جنبات النافذة وحوافها، وفي ذلك ما يضخم مصداقية الحديث عما حصل لما يمثله الشرطي من هالة وقوة ومصداقية، ويجعل ما حصل اقرب إلي التصديق كون المتحدث شرطي يروي ما شاهد بأم عينه. لكنه في نفس الوقت يشير أيضا إلى أن الشرطي كان قد انتقل من البيت (السابق) هربا وخوفا من الظل...وفي ذلك ما يزيد في دفق مشاعر الخوف في نفس المتلقي. ولا يفوتنا أن نشير بان كلمة (زحف) تعني الكثير من الحركة، وبالتالي تضيف الكثير من الحيوية للنص النابض بالحيوية أصلا نظرا لتكرار كلمات تشير إلى الحركة والنشاط.



وفي تسمية الدكتور وليد كممثل لفئة أخرى من الناس من بين سكان تلك المدينة الصغيرة، والذين يعتقدون هذه المرة أن ( الظل- مجرد أسطورة أو خرافة متخيلة أو في اقل الأحوال شخصية عادية، أو لص متشرد، بالغ الجميع في نسجها ليملأ أوقات فراغه)، ما يزيد من مصداقية الحدث وواقعيته، ونجد في هذا الموقف إبراز لصراع بين فئات مختلفة من الناس، فئة يقودها شرطي وتتعامل مع الأمور من منطلق الأمن، والاحتمالات الواردة، ويتصرف بناء على ذلك، وفئة أخرى يقودها دكتور أي إنسان متعلم فهو بذلك يمثل العقلانية والشريحة المتعلمة، ولذلك نجدها تشكك في كل ما يقال دون دليل مادي ملموس. ونجد هنا أيضا استثارة للحواس من خلال استخدام كلمة (يرى)، وفي استخدام كلمة (نسجها) ما يشير إلى مزيد من الحركة والنشاط.



ولكن الصراع يزداد حده عندما يُدخل القاص شخصية جديدة إلى النص تقود فئة ثالثة من جمهور المدينة الصغيرة تلك، يقودها هذه المرة رجل دين هو شيخ المسجد منصور سالم، حيث نجد أن القاص يجعله يقسم على رؤية الظل بوضوح، وهو أمر لم يفعله الدكتور وليد مثلا، وفي ذلك مغزى مهم كونه رجل دين، لا بل وان يقدم وصفا هو اقرب إلى وصف لشخصية من عالم الجن (وكان من بينهم شيخ المسجد منصور سالم الذي قال أنه استطاع أن يرى عيناه المثقوبتين, وأن يرى فيهما دمعتان تلمعان كماستين معلقتين في يوم الهزيمة الكبرى..) أي أنها فئة تؤمن بالغيبيات وبوجود عوالم أخرى غير العالم المادي الذي نعيش فيه ولا بد ان ليوم الهزيمة الكبرى رمزية ما لها علاقة بهذا الايمان الغيبي؟. وهنا نجد مزيد من الكلمات التي تستثير في المتلقي حاسة البصر حيث تم تكرار حاسة الرؤيا أكثر من مرة ( رؤيته+ يرى + عيناه + يرى+ دمعتان ) وكلها كلمات تشير إلى حاسة البصر، وتخدم في زيادة مصداقية الرواية التي تتبناها هذه الفئة من جمهور المدينة، مما يجعل الحدث اقرب إلى الواقعية، والشخوص اقرب إلى الناس العادين الذين يمكن أن نلتقي بهم في الأسواق أو في الحي المجاور للذي نسكنه.



ولكن الصراع لا ينتهي هناك، فنجد القاص يدخل فئة رابعة من سكان تلك المدينة وهم شباب المدينة، ويقودهم هذه المرة فتى (يتيم) اسمه ماجد المازني... وهذه الفئة تقلل من أهمية الظل وتعتقد حتى لو انه كان موجودا كما يقول الشيخ والشرطي فهو لن يضرهم بشيء، وليس ذلك فقط بل هو يخافهم ودائما ما يولي هاربا عنهم. وفي كلمة (يولي هاربا) مزيدا من الحركة والنشاط. وفي إلصاق صفة (اليتم) في هذه الشخصية التي تقود فئة الشباب ما يوحي بالكثير...وكأن القاص يريد أن يقول بأن ما يصيب اليتيم من فجيعة يجعله صلبا، قويا، جسورا، شجاعا، وأكثر إخافة من الظل المخيف للكثير من أفراد الشعب. وفي منحه اسم (ماجد المازني) ما يجعله شخصية اقرب إلى الواقعية...ونجد هنا ان هذه الشخصية تدخل في صراع مع شخصيةالظل فيما تبقى من النص وهو ما يزيد من حدة الصراع في النص ويضاعف الاثر...وهي شخصية يكررها القاص ويجعل لها دورا محوريا في الكثير من قصصه مثل قصة المريض.



وكأن القاص هنا ومن خلال رسمه بإتقان وحرفية للشخصيات الأربعة، ( الشرطي سعد الرافلي، والدكتور وليد، والشيخ منصور سالم، واليتيم ماجد المازني) والتي تقود الفئات الأربعة من جمهور المدينة تلك، يريد أن يقول بأن ما تؤمن به كل فئة من فئات تلك المدينة ممثله بهذه الشخصيات، هو في الواقع نتاج لذلك الرصيد من الأفكار والمعلومات والمثل العليا والتجربة المتراكمة في (الأنا العليا) حسب تقسيمات فرويد للشخصية... فوصف الشيخ لشخصية (الظل) لم يأت من الفراغ، وإنما من تراكمات ما يؤمن به في (أناه العليا)، والذي هو حتما مشبع في الغالب بقصص الجن وعوالم ما وراء الطبيعة ولذلك نجده الوحيد الذي يقسم على ما شاهد. أما الدكتور وليد فيقف على نقيض الشيخ ولا يؤمن بوجود (الظل) بل يعتبره من نسج الخيال، وأسطورة وهو اذ شخصية دارونيه. وبينما نجد أن الشرطي تصرف بحسه الأمني، بأن قام على تغيير مكان سكنه بعد أن استشعر بالخطر لمشاهدتة الظل يزحف في غرفة نوم اولاده، نجد أن الشاب (اليتيم) ماجد المازني يمثل موقف صلب ليس فيه أي خوف بل هو يعتقد بأن الظل هو الذي يخاف فيولي هاربا منه ومن جمهور الشباب الذي يمثله.




وظني ان القاص قد لجأ الى ابراز مثل هذه الصراع ومن ثم الاشارة الى دور الانا العليا فيه بهدف التمهيد لما سيأتي لاحقا؟؟؟!!!

ولا شك أن القاص قد ابدع في رسم شخوص القصة وجعلها تبدو حقيقة، وتتمايز عن بعضها البعض لا بل وتتصارع في مواقفها...مما جعل النص ينبض بالحيوية والشد والادهاش..


يتبع،،،

احمد ماضي 06-02-2011 05:55 PM

التألق الاستاذ ايوب صابر

تحية من القلب لك

دائما تأتي بالجديد المفيد

سأكون بالقرب تقبل تواجدي حيث جمالك وجودك

لك الود

ايوب صابر 06-03-2011 06:38 PM

اشكرك استاذ احمد

لقد وجدت ان قصص مبارك الحمود تعالج قضايا النفس البشرية باقتدار، ووجدت ان عقله يعمل بطاقة البوزيترون، والعملية الابداعية عنده بركانية متفجرة في طبيعتها، لذلك نجد نصوصه رمزية، كودية، غامضة وعميقه وتشتمل على الكثير من عناصر الجمال والشد والادهاش مثل تسخيره المكثف والدائم للحركة والصراع والتضاد والالوان والارقام وهي اللغة الكودية الاكثر تأثيرا على عقل المتلقي.

وهنا احاول تقديم تطبيق عملي على طرحي المغاير بأن دور الناقد فكفكة النص واستخراج عناصر الجمال والادهاش منه وفهم لغة الكودية وليس محاكمة النص وصاحبه.. لان النقد يجب ان يكون اشبه برحلة استكشافية لمعطيات ومخرجات عقل المبدع والذي قد يكون يعمل بطاقة البوزيترون فتكون مخرجاته الابداعية غاية في العمق والرمزية المعبرة.

يسعدني ان اسمع رأيك فيما اقدمه من قراءة نقدية ورأي من يهمه فن النقد وفن كتابة القصة القصيرة كوني انوي اصدار هذه القراءات في كتاب...هذا هو محتواه:

مشروع كتاب:

قراءة نقدية مغايره لابداعات
مبارك الحمود القصصة

--------
المحتوى،،

1- لحظة فعل الكتابة الابداعية القصصية عند مبارك الحمود .....مبارك الحمود.
2- الابداع واللحظة البوزيترونية....ايوب صابر.
3- دور الناقد الغوص وليس القنص....ايوب صابر.
4- قراءة نقدية لقصة " عاطل "...ايوب صابر
5- قراءة نقدية لقصة " نور"....ايوب صابر.
6- قراءة نقدية لقصة " المريض"...ايوب صابر
7- قراءة نقدية لقصة " المهلهل"....ايوب صابر.
8- قراءة نقدية لقصة "انتقام".....ايوب صابر
9- قراءة نقدية لقصة " الظل ".....ايوب صابر.
10- قراءة نقدية لقصة رجل الظل.
11 - الابعاد المغايرة وعناصر الجمال والتأثير في قصص مبارك الحمود...ايوب صابر.

ايوب صابر 06-03-2011 06:49 PM

قرءاه نقدية مغايرة ومعمقة لقصة "الظل" لكاتبها مباركالحمود ومحاولة لفكفكة الغموض في القصة واستخراج عناصر الجمالمنها

يعود القاص مبارك الحمود في الفقرة الثانية ليتحدث عن (الظل) الذي يجعله شخصية محورية في القصة، ولذلك نجده وهو يصفه على السنة الشخصيات الثانوية ويرسم ملامحه لاستكمال بناء صورة تلك الشخصية في ذهن المتلقي. ونجد كما في الكثير من قصص مبارك الحمود انه وعلى الرغم من وجود حبكة فيها أحداث صاعدة تساند بعضها بعضا، أي انها قصة سردية، لكننا نجد هذه القصة تتمحور حول شخصية الظل التي تكاد تصبح حية مع تطور الحدث، ونحن نراها تتحرك ونسمعها وهي تهمهم، وهي حتما شخصية ديناميكية متطورة، لنجد أنها وفي نهاية النص أصبحت شخصية مستديرة round character ، وهي حتما مصدر للأحداث في القصة ككل.

ونجد في هذه الفقرة أيضا الكثير من عناصر الجمال التي تجعل النص مؤثرا:

كان الصغار هم أكثر من رآه عن قرب, فقد رآه أحد أبناء الرافلي على مقربة 5 أقدام منه, بملامحه الشديدة القتامة, و حاول وقتها أن يحضر الكرة التي سقطت علىمقربة من الظل الذي ظهر فجأة, ونظر له مرعوبا, فولى الظل هاربا من أمامه عندما بدأ بالبكاء, قال الصغير أنه سمع همهمة الظل الغير واضحة, رغم أن فمه كان مقفل بغراء, وأنه مد يده لخطفه فبكى.. لقد كان أطول منه بقليل, يبدو شعره القصير مسترسلا, وبقية ملامحه غير واضحة أبدا, لقد كان ظلا فعلا, و انتشر بين الكل أنه كان بذلك يحاولسحرَ الصبي, ولكنه خاب.. وغلّق أهل المدينة على صغارهم الأبواب, و أصبحوا بسبب ذلك يبكرون في الانتهاء من أعمالهم.

ونجد أن القاص يستثير في المتلقي حواسه من خلال حشده عدد كبير من الكلمات الدالة على الحواس أو المرتبطة معها فنجده يكرر حاسة البصر في أكثر من 5 مواقع ( رآه + رآه+ ونظر+بكاء+ فبكى) كما ذكر حاسة السمع ( سمع همهمة الظل) وذكر الفم أيضا ( رغم أن فمه كان مقفل بغراء) وحاسة اللمس ( وانه مد يده ).

ونجد في الفقرة استخدام للأرقام، والأرقام لغة كودية لها سحر خاص( على مقربة 5 أقدام منه). وهي حتما مليئة بالحركة والنشاط ( حاول وقتها أن يحضر الكرة+ التي سقطت على مقربة من الظل+ ظهر فجأة+ فولى هاربا + مدي يده + وغلق). كذلك هناك تسخير للتضاد من خلال استخدام كلمات ( أطول + القصير). وقد أجاد القاص إذ اختار شخصية طفل ليعرفنا على ملامح الظل المخيفة التي هي أشبه بصفات الشخصية الأسطورية للغول ثالث المستحيلات، وذلك في تسخير حاد للتضاد ( طفل+ الظل) مما ضاعف من هالة، ووقع ملامح الظل المخيفة أصلا في نفس المتلقي.

والقاص بوصفه التفصيلي لشخصية الظل يكاد يجعلنا نراه، حيث أتقن رسم ملامحه، وقدم شخصنه وجعله اقرب إلى شخصية إنسان عادي، رغم اختلاف وغرابة ملامحه... فهو ذو ملامح قاتمة، وقد ولى هاربا عندما أحس بالخطر كنتيجة لبكاء الطفل، ابن الرافلي، ورغم أن فمه مقفل بما يشبه الغراء، لكنه يصدر همهمة غير واضحة، كما أن له يد مدها ليخطف الطفل، وهو يقوم بأعمال ما؟ أشبه ما تكون بعمل السحر كما أن بقية ملامحه غير واضحة (ملامحه شديدة القتامه+ يظهر فجأة+ ولى هاربا+ وله همهمة غير واضحة+ فمه كان مقفل بغراء+ مد يده+ حاول سحر الصبي_ بقية ملامحه غير واضحة). ونجد أن هذا الوصف يكون له بالغ الأثر على مشاعر المتلقي، لأنها تستثير فيه مخاوفه.

كما نجد أن القاص يلمح في هذه الفقرة إلى قانون السببية وذلك من خلال وصفه لما أصبح الناس يقومون به من حيث غلق الأبواب، ويبكرون في الانتهاء من أعمالهم كنتيجة لوجود الظل.

يتبع،،

ايوب صابر 06-03-2011 06:56 PM

قرءاه نقدية مغايرة ومعمقة لقصة "الظل" لكاتبها مبارك الحمود ومحاولة لفكفكة الغموض في القصة واستخراج عناصر الجمال منها :

في الفقرة الثالثة من القصة نجد أن القاص مبارك الحمود يستمر في تصعيد حدة التشويق، والإثارة والشد في القصة، من خلال استخدام كلمات تثير في نفس المتلقي مثل هذا الشعور. حتى أننا نجد بأن القاص يزيد على اسم البطل اليتيم، وهو الشخصية المحورية الثانية في القصة (نقيض البطل) كلمة (زيد) ففي المرة الأولى اسماه ماجد المازني فقط، وهنا اسماه ماجد زيد المازني، وبما يوحي بالزيادة في حدة التشويق حتى من خلال الإضافة على الاسم باستخدام كلمة توحي بالزيادة. لكننا نجد بأن هذه الفقرة تشتمل على عدد بارز من عناصر الجمال التي تجعلها ذات اثر كبير ووقع مهول:


و ذلك ما جعل ماجد زيد المازني يتحدى الجميع على أن يعرف مكان سكنه, وأن يجلبه لهم بين يديهم في وضح النهار, بشرط أن تكون له مكافاة مالية على ذلك قدرها ثلاثة أكياس من الدقيق الأبيض.. كان ماجد مشهور بين أهل المدينة بنشاطه وجده, و لذلك حين اشترط عليهم تلك الشروط وافقوا فورا.. فراقبه ساعات طويلة, وكان وقت المغرب حين رآه فجأة.. كان الظل ينظر لعائلة النجار من خلال نافذتهم المفتوحة, والشاب يراقبه بحذر و خوف.. أحس الشاب بملامح حزن تبدو على الظل, هناك ألم خفي يشعُره بذلك السواد الفاحم.. ومرت الأيام وهو على هذه الحالة, و لكن لم يستطع أن يعرف مكانه, فالظل خفيف المسير وسريع الخطى, وسرعان ما يختفي في وسط أحشاء الغابة كالشبح.


ونجد أن القاص في هذه الفقرة يبرز الصراع من جديد بين شخصية الفتى اليتيم ( ماجد زيد المازني ) وشخصية الظل الأسطورية، وذلك من خلال جعل ماجد (يتحدى) الجميع على انه يعرف مكان سكنه، وانه سيكون قادر على أن يجلبه بين يديهم في وضح النهار، وفي ذلك قمة التحدي، والشجاعة التي يمكن أن يتصف بها شخص يواجه شخصية أسطورية، خرافية ذات صفات مخيفة وملامح مرعبة كتلك التي يتصف بها (الظل)...ولذلك ونظرا لصعوبة المهمة لم يتردد سكان تلك المدينة الصغيرة في تخصيص مكافأة له عبارة عن ثلاث أكياس طحين ابيض إن هو فعل.

ونجد أن القاص يستخدم في هذه الفقرة الألوان أو كلمات توحي بالألوان وبما يضفي على الفقرة ملامح فنية جمالية غنية بالألوان، وكأنها لوحة فنية، مثل كلمات ( في وضح النهار + الطحين الأبيض+ وكان وقت المغرب+ السواد الفاحم)، كما انه يستخدم الأرقام (ثلاثة أكياس) والأرقام كما نعرف هي لغة كودية لها سحرها الخاص، وقد جاء استخدامه للرقم ثلاثة في الفقرة الثالثة...مما يضخم من المعنى الكودي فلماذا لم يقل خمسة أو أربعة أو اثنان من أكياس الطحين مثلا؟

والفقرة غنية بالحركة والنشاط من خلال استخدام كلمات توحي بذلك، مثل وصف نقيض البطل وهو الفتي اليتم ماجد وهو الشخصية المقابلة لشخصية البطل Antagonist ( كان ماجد مشهور بنشاطه وجده)، وأيضا من خلال وصف حركة البطل Protagonistthe (الظل) وبما يضفي مزيد من الحركة والنشاط على النص (فالظل خفيف المسير وسريع الخطى وسرعان ما يختفي). وهو ما يجعل النص حيويا يضج بالحياة.

وفي استخدام كلمات مثل (راقبه ساعات طويلة + رآه فجأة+ كان الظل ينظر لعائلة النجار من خلال نافذتهم المفتوحة) تشويق وإثارة وحركة ونشاط، وما يشير إلى حدة الصراع بين البطل ونقيضه. ونجد في النص الكثير من الكلمات التي تستثير في المتلقي الحواس، ويصبح المتلقي مُستنفر وكأنه يسمع ويرى مع البطل أو نقيض البطل أو سكان المدينة، ومن ذلك كلمات ( فراقبه+ رآه فجأة+ كان الظل ينظر+ والشاب يراقبه). ونجد في الفقرة أيضا استثمار للتضاد (النهار+المغرب، خفيف المسير+ سريع الخطى)، وفيها أيضا حشد من الكلمات التي تستثير في المتلقي المشاعر (يتحدى+ حذر + وخوف+ أحس+ ملامح حزن+ هناك الم خفي + يشعره بذلك السواد الفاحم) . وفي السطر الأخير تشخيص للغابة إذ يجعل القاص الظل يختفي في وسط أحشائها وفيه تشبيه، إذ يقارن الظل بالشبح....وفي ذلك مزيد من الرتوش التي يضيفها القاص لرسم الصورة الذهنية لشخصية البطل (الظل) في القصة، فهو إضافة إلى ما سبق من وصف، نتعرف هنا على انه (يظهر في الليل+ يظهر فجأة + كان ينظر من خلال نافذة مفتوحة + مخيف + فيه ملامح حزن + يبدو وكأنه يشعر بألم خفي + لونه يميل إلى السواد الفاحم + خفيف المسير+ سريع الخطى+ سرعان ما يختفي+ مثل الشبح)، وذلك لا شك وصف تصويري، تفصيلي جميل للغاية يساهم في بناء شخصية البطل ويجعله حيا يسمع ويرى ويحزن ويتألم فينعكس ألمه على وجهه سواد فاحم، وكأنه شخص عادي رغم غرابة تلك الملامح. وقد أجاد القاص في رسم الصورة الذهنية لنقيض البطل ( الفتى اليتيم) إذ جعله يُبدي تعاطفه مع البطل ( الظل ) رغم انه كان يراقبه بخوف وحذر؟!

يتبع،،،

ايوب صابر 06-04-2011 12:40 PM

قرءاه نقدية مغايرة ومعمقة لقصة "الظل" لكاتبها مبارك الحمود ومحاولة لفكفكة الغموض في القصة واستخراج عناصر الجمال منها:

يبدأ القاص الفقرة الرابعة بذكر صراع آخر ثانوي هذه المرة، ويشير إلى ذلك في حديثه عن مشكلة بحاجة إلى حل وهي مشكلة اختفاء الظل بين أحشاء الغابة (لحل معضلة ذلك)، وهذا الصراع يضاف إلى الصراع الرئيسي بين البطل ونقيضه، وصراع أهل المدينة ككل مع الظل. والمعروف أن مثل هذه الصراعات الرئيسية والثانوية هي التي تصنع الحبكة، وتكون بمثابة الرابط بين الأحداث.

والفقرة غنية بالحركة وعناصر الجمال الأخرى، ولكن العنصر الأهم في هذه الفقرة هو شمولها على لحظة كشف وانقلاب حادة تقدم إضاءة مهمة لفهم القصة على مستوى آخر عميق وغير ذلك المستوى الظاهر الكلاسيكي الذي يتمثل في ملاحقة الفتى اليتيم للظل ليمسك به مقابل حصوله على مكافأة هي عبارة عن ثلاث أكياس طحين:

و لحل معضلة ذلك قرر الشاب مد خط طويل عريض من دهان أبيض على ما يستطيع علىطول الغابة من الجهة المقابلة لمدينتهم, وفعلا نجحت خطته فقد بدت خطوات الظلال مؤدية للغابة واضحة, رغم أنها تبدو متباعدة قليلا.. وصل فعلا لنهايتها, وقف عند شجرة عملاقة تبدو مخضرة الجوانب بشكل عجيب توجد فيها فتحة تكفي لدخوله, قد انتهت عندها الأقدام.. أدخل رأسه الخشنة الشعر, و إذا به أمام غابة أخرى, كأنه أخرج رأسه من الجهة الأخرى للشجرة لو لا أنه لاحظ الاختلاف بينها و بين ما ورائها, تجرأ رغم ارتعابه وخطا خطوات مترددة حتى لاحظ نورا شديدا يتفجر من بين الأحراش.. وقف على طرف مدينة تملؤها الأضواء الشديدة, حاول معها استكهان كنهها و لكنها كالحلم.. شعربالرهبة, وهو يراقب من بعيد أهل هذه المدينة.


فبالإضافة إلى تضمين النص مزيد من الصراع بين شخصيتين جعلهما القاص تبدوان متكافئتين في القوة على الرغم أن واحدة منهما عادية لكنها تمتلك شجاعة أسطورية وهي شخصية الفتى اليتيم، والأخرى فوق عادية لما تمتلك من ملامح أسطورية مخيفة لكنها تتألم ويبدو عليها الحزن كشخصية عادية، نجد أن القاص يحشد محسنات فنية ذات اثر بالغ مثل تسخير التضاد في أكثر من موقع في النص مثل (خططويل + عريض ، المدينة + والجهة المقابلة لها، ادخل رأسه الخشنة الشعر+ اخرج رأسه ، ظل + واضحة ، الاختلاف بينها وبين ما ورائها ، تجرأ + ارتعابه، خطى + وقف ).

وهو يذكر مزيد من الألوان (دهان ابيض + تبدو مخضرة بشكل عجيب + نورا شديدا+ الأضواء الشديدة)، فيجعل النص مزدهر بهذه الأنوار.

أما الكلمات التي توحي بالحركة والتي جعلت النص ممتلئ بالحيوية والنشاط فهي كثيرة أيضا مثل ( قرر الشاب مد خط طويل عريض+ بدت خطوات الظل المؤدية للغابة واضحة+ وصل فعلا لنهايتها+ تكفي لدخوله+ انتهت عندها الأقدام+ ادخل رأسه + أخرج + تجرأ وخطى خطوات مترددة ).

ولكن الأهم في هذه الفقرة، وكما قلت سابقا، هو ما يمثله ويرمز إليه إدخال الفتى اليتيم رأسه الخشنة في فتحة الشجرة التي تبدو مخضرة الجوانب بشكل عجيب، ليجد نفسه أمام غابة أخرى تشبه كثيرا الغابة التي كان يسير فيها متتبعا خطوات الظل، لذلك ظن وكأنه اخرج رأسه من الجهة الأخرى للشجرة (كأنه اخرج رأسه من الجهة الأخرى) ليرى الجزء الآخر للغابة التي كان فيها، لكنه لاحظ الاختلاف بينها وبين ما ورائها، وذلك الاختلاف يتمثل في تفاصيل ما شاهده في الغابة الجديدة والتي بدت مرعبة ولذلك خطى خطوات مترددة إذ لاحظ نورا شديدا يتفجر من بين الأحراش، ثم شاهد مدينة تملؤها الأضواء الشديدة، وهو أمر لم يشاهد مثله من قبل ولذلك حاول استكهان كنهها أي الغابة وما فيها ووجد أنها اقرب إلى الحلم...

وهذا الوصف وخاصة تشبيه ما شاهده في تلك الغابة بالحلم يشير إلى أن القاص لا يتحدث هنا عن غابة واقعية، وهو في الواقع لا يعبر عبر فتحة في شجرة في غابة، وإنما المقصود هو دخول من العقل الواعي إلى العقل الباطن... حيث يشبه القاص العقل الواعي بغابة تسكنها الأفكار الواعية والمواقف التي برزت نحو ( الظل ) منها ما هو على شاكلة ما يفكر فيه الشرطي ومنها ما هو على شاكلة ما يفكر فيه الدكتور ومنها ما هو على شاكلة ما يفكر فيه الشيخ ومنها ما هو على شاكلة ما يفكر فيه الفتى اليتيم الذي قرر أن يلاحق الظل ليعرف من أين يأتي فوجد انه يأتي من أعماق العقل الباطن حيث شبهه القاص بغابة مرعبة وكل ما فيها كالحلم....

وفي ذلك إشارة تؤكد أن الرحلة هي إلى العقل الباطن. وكأن القاص أراد القول من خلال هذه اللغة السردية الجميلة والبليغة والتي يشخص فيها العقل الظاهر وكأنه غابة والعقل الباطن وكأنه غابة تشبه الأخرى في الظاهر لكنها في أعماقها عالم آخر أشبه بالحلم... يفصل بينهما برزخ لا يمكن العبور من خلاله إلا لمن امتلك جرأة زائدة أو تلقى مساعدة من طبيب نفسي كما هو الحال عند فرويد ... ونجده أيضا يشخصن الأفكار وما إلى ذلك من محتويات العقل الباطن في الفقرة التالية ويرسمها على شكل شخوص لكن دون ملامح واضحة...وهو ما يؤكد من جديد قصده بأن الرحلة هي عبور إلى عالم العقل الباطن الذي هو مكان سكن (الظل)... ومن هنا نفهم تفسير القاص في المقدمة بأن الظل هو عبارة عن تراكمات الماضي.

وكأن القاص أراد القول بأن الطريقة الوحيدة للتخلص مما تمثله تراكمات الماضي من مخاوف يمكن أن تتجسد على شكل ظل مخيف للكثير من الناس هو جلسة مصارحة فرويدة مع النفس وعبور إلى أعماق النفس للتصالح معها حيث يختفي ( الظل ) إذا ما حصل ذلك العبور وتم التعامل مع مكبوتات النفس. وهذا ما حصل مع الفتى اليتيم الذي تجرأ كونه يتيم وشاب في مقتبل العمر، وقرر أن يعبر إلى أعماق عقله الباطن الذي شبهه القاص بالغابة السحرية المخيفة، ومجرد أن فعل حصل التصالح مع النفس فلم يعد ماجد المازني يشاهد الظل بعد ذلك ويبدو ان القاص يرمز إلى فعل التصالح بتلك الأضواء التي تتفجر في ثنايا العقل الباطن. فهذه الاضواء هي التي تجعل الظل يختفي.

وهذا هو ملخص علم النفس التحليلي عند فرويد والذي يقوم على دفع المريض النفسي الذي تتملكه تصورات معينه ومخيفة أو جنونية قد يكون من بينها مشاهدة ظل أو ظلال، بأن يتحدث عن تجارب الماضي وتراكماته المكبوتة في عقله الباطن، حيث يقول فرويد بأن التجارب الأكثر مأساوية وألم هي التي نعمل لا إراديا على كبتها في عقلنا الباطن، وهي التي تكون مصدر للجنون أو المرض النفسي أو التخيلات الأسطورية حينما تتفلت تلك المكبوتات وتحاول الخروج لاحقا فتظهر على عدة أشكال منها شكل ( الظل ).

ومن هنا نفهم مواقف الفئات المختلفة من سكان المدينة تجاه الظل ومنهم الشرطي، والدكتور، والشيخ، واليتيم الذي وكنتيجة لحياته المأساوية كان الأكثر حاجة للتصالح مع ماضيه... ونجد أن اليتيم كان الأكثر جرأة في التصرف للتوصل إلى المكان الذي يأتي منه الظل ربما لأنه كان الأكثر تألما.

ولا شك أن القاص قد أجاد هنا حيث تمكن من تفسير نظرية التحليل النفسي من خلال هذا التصوير السردي القصصي الجميل والتشخيص التصويري الاستثنائي الذي بسط فيه فكرة علمية نفسية مهمة ومعقدة للغاية تعالج موضوع الصحة النفسية والعلاقة بين عالمي العقل الواعي والعقل الباطن... وقد تمكن في هذه الفقرة من إحداث نقله نوعية تتمثل في لحظة العبور عبر فتحة الشجرة فكانت هي لحظة الكشف والانقلاب الحادة التي قدمت الإضاءة المهمة لفهم القصة على هذا المستوى العميق... وهو ما يشير إلى أن القاص لديه دراية واسعة في علم النفس التحليلي وان لم يكن فلا شك أن عقله يعمل بطاقة بوزوترونية تجعله قادر على تصور وتخيل وتصوير مثل هذه العمليات النفسية وتبسيطها لتخرج بطريقة سردية جميلة على شاكلة ما حصل هنا.

يتبع،

ايوب صابر 06-08-2011 10:42 AM

قرءاه نقدية مغايرة ومعمقة لقصة "الظل" لكاتبها مبارك الحمود ومحاولة لفكفكة الغموض في القصة واستخراج عناصر الجمال منها:

في الفقرة الخامسة وبعد أن قدم القاص لنا إضاءة في الفقرة السابقة تشير إلى انه يتحدث عن عبور إلى العقل الباطن، عبر تلك الفتحة في الشجرة والذي جعلها القاص مثل الفتحة في البرزخ الذي يفصل بين الوعي واللاوعي أو العقل الباطن، نجده هنا يصف سكان تلك المدينة التي وصفها بالأسطورية، وفي ذلك ما يدلل ويؤكد على أن القاص يتحدث عن تجربة الغوص في ثنايا العقل الباطن والذي هو مخزن المكبوتات من ناحية والأفكار والخيال والقدرات التي لا حدود لها ولا يمكن تصورها بشكل واعي.
"بدوا له كالملائكة و لكن بدون أجنحة, وهو يراقبهم من بعيد, وفي ظل اندهاشه نسي أن يبحث عن ذلك الظل, لقد كان منبهرا بسعادة و متوجسا بفضول, وهو يرى تلك المدينة الأسطورية, بسكانها المبهرين, وبدا ذلك الإبهار بالتشتت قليلا, عندما شعر أهل المدينة بوجود غريب عنهم يتلصص عليهم, فالتفتوا بوجوههم المبهمة, وتجيشوا على بعضهم كأنهم يتأهبون للهجوم عليه, أحس بسريان رعب شديد في نفسه, جعله يهيم على نفسه هاربا إلى تلك الشجرة, ليعود من خلالها إلى مدينته, يعيش حياته التي لم يعد يرى فيها الظل".

وهو يصف تلك التجربة على أنها مبهره ومصدر للسعادة لأنها تمثل عبور إلى عالم آخر أسطوري في صفاته، لكنها مصدر للخوف والتوجس أيضا ، نظرا لهول المشهد الذي حاول القاص هنا أن يصوره للمتلقي على انه مدينة يقطنها سكان مبهرين، هم مثل الملائكة لكنهم بدون أجنحة، مما يؤكد بأنه لا يتحدث عن عالم ما ورائي، ولهم وجوه مبهمة، ولا شك أن في مثل تلك التجربة، وهي العبث في المكبوت والغوص في ثنايا النفس والعقل الباطن الذي لا حدود لقوته، مما يبعث على الخوف، وهو أمر غالبا ما يكون شديد الألم عند من يعمل على استحضار تجارب الماضي المؤلمة أو يُدفع لاستحضار الماضي في جلسة تحليل نفسي لما يمثله الماضي من تجارب مؤلمه مكبوته هناك في ثنايا العقل الباطن عند البعض كما يقول فرويد.

ولذلك نجد القاص يصف لنا بأن الفتى ماجد المازني قد شعر برعب شديد في نفسه عند عبوره إلى ثنايا العقل الباطن، ربما لأنه في ذلك العبور استعادة لمشاعر الألم التي أصابته حينما فقد والده، كونه يتيم، من بين أشياء أخرى كثيرة تراكمت عبر الزمن لتشكل ظل مخيف، ولذلك عاد هائما على نفسه إلى حيث أتى... أي إلى تلك الفتحة من الشجرة ليعود من خلالها إلى مدينته، أي العودة إلى الواقع الواعي، ويبتعد عن مكنونات النفس ومكبوتاتها، وحيث أنه قام بالعبور وكشف المستور حصل الشفاء كما يقول فرويد، فاختفى الظل بفعل تلك الأضواء الكاشفة التي شاهدها في المدينة الأسطورية، وفي ذلك كناية عن حصول الشفاء الذي حصل لمجرد الخوض في تجارب الماضي، ودون البحث عن الظل، وهو ما يؤكد خبرة، وقدرة، القاص على التصوير مكنونات النفس البشرية، ولتجربة التخلص من تبعات مكبوتات العقل الباطن.

ونجد أن الفقرة غنية كسابقاتها بعناصر الجمال: فهي تبدأ بكلمة تدل على حاسة البصر ( بدوا له)، يتبعها تشبيه وتجسيد، حيث شبة الأفكار وما إلى ذلك من مكنونات النفس البشرية أي العقل الباطن، بالملائكة لكن دون أجنحة، وفي ذلك تشخيص للأفكار وتجسيد لها. ثم يلي ذلك استثارة لحاسة البصر من جديد ( وهو يراقبهم )، ثم يسخر حاسة البصر من جديد ( وهو يرى تلك المدينة )، ثم مرة أخرى ( وبدا ذلك الإبهار)، ثم مرة أخرى باستخدام كلمة تدل على الرؤيا ( يتلصص عليهم) ، وأيضا باستخدام كلمة (فالتفوا بوجوههم) ، ومرة أخرى ( لم يعد يرى فيها الظل)، وهو ما يشير إلى أن القاص قد استخدم هنا حاسة البصر أو ما يدل عليها في أكثر من موقع ( سبع مرات ) مما كان له بالغ الأثر على المتلقي، وكأنه يشاهد بأم بعينه وقد استنفرت حاسة البصر لديه لرؤية ما يجري في تلك المدينة الأسطورية.

كذلك نجد أن الكاتب قد حشد عدد من الكلمات الدالة على الإحساس والمشاعر، وذلك في تصعيد مستمر للإدهاش والتشويق والإثارة مثل ( يراقبهم+ اندهاشه+ نسي+ منبهرا+ سعادة+ متوجس+ فضول+ المبهرين+ الإبهار+ شعر+ تجيشوا+ يتأهبون للهجوم+ أحس سريان رعب شديد+ يهيم على نفسه هاربا).

ونجد أن القاص قدم نهاية غير متوقعة فقد اختفى الظل عند نقيض البطل ( ماجد المازني) رغم كل تلك الصفات الأسطورية التي يملكها البطل (الظل)، وبذلك يكون نقيض البطل قد حقق انتصارا لم يكن متوقعا عند المتلقي....وربما هذا ما قصده القاص حيث سعى بأن يوصل لنا فكرة القصة والتي تمثل دعوة للتصالح مع الماضي، والتعامل مع مكنونات النفس، من خلال التعامل مع مكبوتاتها ليحدث الشفاء وتختفي الظلال المخيفة من حياتنا.

وهو لا شك قد أبدع في تصوير مخاوفنا المتمثلة في الظلال وما يلزم للتخلص منها ممثله في ما يلزم القيام به من إجراء للحصول على الشفاء.

يتبع،،

ايوب صابر 06-14-2011 09:04 AM


والان الى :
قراءة نقدية معمقة لقصة انتقام للقاص مبارك الحمود

ايوب صابر 06-14-2011 09:08 AM

انتقام

-1-

مئتان وتسعة وسبعون كيلو هي ما تبقى على قتلها, على نشرها وهي حيةٌ بهذا المنشار الكهربائي.. هذه المسافة البعيدة التي أمامي.. المسافة التي تخضع للقوانين الفيزيائية بخنوعٍ وخضوع, الشيء الجميل والرائع فيها أنها آخذةٌ في الاقتراب.

-2-

اعتقدت أني لن أعرف مكانها, وأن بعدها سيجنبها القتل على يدي, اعتقدت ذلك بسذاجة غريبة.. دوسي يا أقدامي بقوة, فالفارق بيني و بينها خطوة واحدة على دواسة الوقود.. ما أجمل الانتصار الذي يطول, فالاستمتاع فيه لذيذ.. آآآه الغبية ظنت أنها من فعلتها ستنجو.. ويحها! كيف تجرأت وتسلل إليها هذا التفكير, ألا تعرفني؟؟!.. سأجعلها تدرك ذلك كله, فكما يبدو أنها طالبة بليدة لم تستوعب الدروس التي قدمتُها لها في السابق.

-3-

ها هي المسافة تنقسم نصفين, إني أتحرق شوقاً لرؤية وجهها المتفاجئ برؤيتي, المرتعب و الخائف, وشحوبه الذي يزداد شحوبا.. اهدئي يا طبيعة المسافة ولا تستعجلي, دعيني أستمتع أكثر وأكثر بلحظاتي هذه.. سأقف لأخذ وجبة صغيرة, لا أشعر بالجوع و لكنها المتعة, إني أعشق الانتقام و خصوصا إذا كان شديدا, وأتى بعد ألم.. كيف تجرأت أن تفعل ذلك!, إنه شيء لم أعهده منها, الجرأة في فعل شيء يغضبني, قد يكون حبي ودلالي المبالغ لها هو السبب!.

-4-

لم يكن شكي بها ليتحول ليقين لولا إني رأيتها بنفسي, لقد خرجت بذلك الفستان الأحمر الذي أعشقه, وعطرها الثمين الذي أهديته لها بمناسبة ولادتها لطفلتنا الثالثة يلاحقها كشبح.. خرَجَتْ في منتصف الليل بعد أن اطمأنت أنني أصبحت في مدينة أخرى, تتلفت يمينا و شمالا بخوف و حذر, وقعقعة كعبها العالي على الرصيف تدوي في أرجاء الحي الفارغ.. أوقفتْ أول سيارة أجرة في طريقها, واستقلتها بعجلة و بدون تفكير.

تابعتها حتى وقفت عند تلك المستشفى, و خرجت بعد نصف ساعة, أنا متأكد أنها قامت بذلك رغم إنكارها, والدليل على ذلك أنها هربت مني بعد مكاشفتها بذلك, ويحها كيف تعرفت عليه, بدون شك إنه طبيب ولادتها, شكرا لله أنني قمت بقتله, بيدي هاتين اللتين ترقصان طربا الآن, ولم أرسل أحدا ليقوم بذلك عني, آآآآآه ما ألذها من متعة, إنه بالتأكيد الانتصار.

-5-

وها أنا في الطريق لانتصار آخر, كما عادتي.. قهقهاتي المصطنعة لا تتوقف, إني أقترب أكثر وأكثر من ذلك.. يا ترى ماذا تفعل الآن؟, بالتأكيد إنها تقف باطمئنان أمام نافذة بيت مزرعة والدها التي ورثتها منه, تتخيل مستقبلها بدوني, ولم تدر أنها ستراه واقعا أقرب مما تتوقع.. الطريق الذي يبدو كشعرة متقصفة مسافته تقصر, ونصري يقترب.. قلبي يخفق كطبول حرب, وهاهو.. هاهو البيت, يقبع بكل براءته على مقربة من الشعرة المتقصفة, وقدماي.. قدماي تتبادلان المقدمة باندفاع وحماس.

-6-

السكون يعم المكان, ورائحة القش المبتل مسترخية.. الباب أمامي.. أطرق بقوة, ولكن العنيدة لا ترد, تتظاهر بعدم وجود أحد, إني أشم رائحة عطرها تعربد حولي بإصرار, وأنا لا أخطئه, وصرختُ.. إني أدفع الباب وأهشمه, لا أرى أحدا, بالتأكيد إنها تختبئ في زاوية من زوايا البيت, تندس كالفأر.. جبانة كعادتها.. إني أحب ذلك, متعتي بدأت تزداد.. هل هي هنا تختبئ وراء ستائر الحمام؟, "هاهاي كلا", عيناي تتابعان و تترقبان, أوووه بالتأكيد إنها هنا تحت الكنبة.. أيضا لا, يا إلهي إنها تجيد الاختباء ولكن تحت قوانين أرضي التي أحكمها بإحكام.. لم يتبق سوى غرفة النوم في العلية, بالتأكيد إنها هناك.

-7-

اصدح أيها المنشار وغني.. هاهي الدرجات.. 1, 2, 3,..., 13, هيلا هوب, لقد وصلت.. "أتسمعينني أيتها الصماء البكماء, لقد أتيت", وقفت أمام الباب, وأنا أشعر بقلبي يخفق بشدة, الفضول الشديد ذلك ما أشعر به, أريد أن أرى ردة فعلها, أوووه قد يكون حبيب آخر معها الآن وهي خجلة مني, تخجل أن أراها مع شخص آخر.. قبضت على المقبض بقوة, وأدرته إلى اليمين.. إني أفتح الباب وأنا أضحك بأعلى صوتي.. صدمة, صدمة, ذلك ما أصابني, وجعلني أشعر بضيقة تخنقني, وكأن مشنقة من الشوك تحاول جز رقبتي.

-8-
المنشار يسقط من يدي, ويبتر قدمي اليمنى.. أزحف إليها باكيا لا أشعر بألم ساقي التي ينفجر منها نهر أحمر. ممدة وجدتها على السرير الذي تيبس من دمائها.. حبيبتي ميتة, لا نبض فيها, تبدو هادئة كعروس نائمة لولا الدماء التي تغطيها.. ضممتها بقوة فسقطت ورقة بقربها, يبدو أن شيئا مكتوب عليها, كان خطا متعرجا مرتعشا.. "هذا ما جنته يداي", ذلك ما كان مكتوبا. أمسكت الورقة بين أصابعي وعصرتها, ووضعتها في جيبي وأنا أكاد أن أختنق بدموعي .. حملت المنشار وتمددت بجانبها, فاصطبغت الغرفة باللون الأحمر القاني إلى الأبد.

ايوب صابر 06-14-2011 09:17 AM

قرءاه نقدية مغايرة لقصة "انتقام" لكاتبها مبارك الحمود

محاولة لفكفكة لغة القصة الكودية واستخراج عناصر الجمال منها:

حينما نتعمق في دراسة النصوص القصصيه لـلقاص مبارك الحمود نجد أن عقل القاص هنا يعمل خارج اطر السائد والمألوف وهو يرفض الخضوع للأطر والقوالب الجاهزة...فعلى الرغم انه يكتب قصة قصيرة باحتراف، ونجده يسخر لذلك كل عناصر القصة القصيرة، لكننا نجد في نصوصه ما يجعلها مميزه دائما وخارج الأطر التقليدية المعهودة...فهو مثلا يُقدم في كل مرة على تقسيم نصه إلى وحدات أو فقرات غالبا ما يفصل بينها بأرقام أو أحرف أو إشارات، رغم درايته بأن ذلك أمر غير مألوف في كتابة القصة، كما أننا لا نجد أن مثل هذا التقسيم يؤثر على وحدة النص أو استمرارية السرد، وهو ما يشير إلى أن الإضافة غير التقليدية، إما أن تكون مقصودة بهدف التدليل على محاولة القاص الخروج على الأطر السائدة، أو ربما أن مبارك الحمود يحتفظ لنفسه بما يبرر وجودها ... أو أنها تأتي كجزء من نشاط ذهنه الاستثنائي اثناء الكتابة الابداعية فتشكل جزء من اللغة الكودية التي يبدو أن نصوص مبارك الحمود تمتاز بها.

ونجد مبارك الحمود يتقن دائما اختيار العناوين لنصوصه، وغالبا ما يقتصر العنوان عنده على كلمة واحدة تكون غاية في الدلالة مثل ( عاطل ، المهلهل، المريض الخ..)، وهي هنا كلمة "انتقام"... وهي أشبه ما تكون بقنبلة ذهنية موقوتة تتفجر في ذهن المتلقي فور أن تقع عيونه عليها، فتثير في ذهنه الكثير من الدهشة والشد والاهتمام والصدمة والأسئلة وتخلق الاندفاع نحو الاستمرار في القراءة، فيندفع المتلقي لمتابعة القراءة لمعرفة محتوى النص التالي، ولعله يحصل على إجابات لتلك الأسئلة الكثيرة التي يجدها قد تدفقت فجأة في ذهنه مثل: من الذي سينتقم؟ ولماذا؟ وما سبب الرغبة في الانتقام؟ وكيف سينتقم؟ وهل سينتقم؟ وكيف سيحدث ذلك؟ وهل سينجح في مسعاه؟ فيندفع في متابعة القراءة ليجد بأن النص ليس بأقل اثراً من العنوان المشوق.

أما السمة الأخرى التي تمتاز بها نصوص مبارك الحمود فهي قدرته على رسم شخوصه باقتدار وبصورة تكاد تجعلهم أحياء... يطلون برؤؤسهم من بين السطور...هو لا شك قادر على معالجة البعد النفسي لشخوصه بحرفية...فيجد المتلقي انه مشدود للنص بصورة مهولة، يتابع تسلسل الحدث الذي يظل صاعدا في قوته وشده... وحينما نقترب من النهاية التي نتشوق لمعرفتها ونكاد نقفز لمعرفتها لنستريح او ندهش اكثر...نجده وقد فاجأنا بنهاية ملتوية غير متوقعه تترك أثرا مهولا ومزلزلا وغاية في الادهاش.

يتبع،،،

ايوب صابر 06-14-2011 09:20 AM

تابع ،،

قرءاه نقدية مغايرة لقصة "انتقام" لكاتبها مبارك الحمود
محاولة لفكفكة لغة القصة الكودية واستخراج عناصر الجمال منها:

دعونا نغوص في أعماق هذا النص نحاول سبر أغواره وتحديد بواطن الجمال والغموض والتأثير فيه، إضافة إلى محاولة فهم الرسالة أو الفكرة الخفية إن كان في النص رسالة؟ ومن ثم المغزى إن كانت القصة قد كتبت بلغة كودية رمزية وهي اللغة التي تمتاز بها نصوص مبارك الحمود:

اقتباس "انتقام

-1-
مئتان وتسعة وسبعون كيلو هي ما تبقى على قتلها, على نشرها وهي حيةٌ بهذا المنشار الكهربائي.. هذه المسافة البعيدة التي أمامي.. المسافة التي تخضع للقوانين الفيزيائية بخنوعٍ وخضوع, الشيء الجميل والرائع فيها أنها آخذةٌ في الاقتراب".

ها نحن نجد مبارك الحمود يقسم قصته إلى فقرات يفصل بينها بأرقام من ( 1-8 ) وها هو يبدأ قصته بأرقام أيضا مما يضفي سحرا مبهرا على مطلع النص فالأرقام لغة كودية كونية وهي لغة الكون، ومن هنا يكون لها ذلك السحر على المتلقي.

والمَطلع يشتمل ضمنيا على حركة وصراع، وهما من العناصر بالغة التأثير في المتلقي، فنجد أن القاص لم يحدد طبيعة الرقم الذي أورده في بداية القصة ( مئتان وتسعة وسبعون ) فهل هو مسافة أم وزن؟ وذلك ربما يكون عن قصد ليفسح المجال للاستنباط بأن البطل المتحدث يحتاج أن يقطع تلك المسافة ( حركة ) ليصل إلى مراده والذي هو ( قتلها ) وفي القتل ما يشير إلى صراع ربما مع أطراف أخرى وربما صراع نفسي داخلي.

كما أن استخدام الأرقام هنا يجعل القصة تبدو وكأنها تصوير لحدث واقعي فالفضاء المكاني الذي يهدف البطل المتكلم في القصة للوصول إليه يقع على بعد 279 كيلوا من نقطة تواجده.

وفي استخدام كلمة ( نشرها، ومنشار ) ما يشير إلى مزيد من الحركة... ثم نجد القاص يستخدم النقائض أيضا فكلمة ( قتلها عكس كلمة حية ) ، ثم يعزز القاص حديثه ليجعله أكثر حيوية، كونه مشبع بالحركة، فنجده يعود ليشير إلى أن الأرقام هي في الواقع مسافة لا بد له أن يقطعها ليصل إلى مبتغاه، وحيث تتواجد تلك المرأة التي أراد أن يقطعها باستخدام المنشار الكهربائي...ثم يعود لاستخدام النقائض فنجده يصف المسافة بكلمة ( البعيدة لكنها آخذه في الاقتراب )، وفي ذلك تشخيص للمسافة.

ولا شك أن القاص لا يترك مجال لأي تراخي عند ذهن المتلقي، فالشد والتشويق وحتى الترويع المقصود والمزلزل واضح وعلى أشده ويبدأ من مطلع القصة...فالبطل المتكلم في طريقة ليس فقط لقتل تلك الأنثى، وإنما يسعى لتقطيعها وهي حية بمنشار كهربائي، حتى انه يستعجل الوصول إلى حيث هي، ويتمنى لو أن المسافة لم تكن خاضعة لقوانين الفيزياء كي يصل في أسرع وقت ممكن لانجاز مهمة القتل تلك.

ومع انتهاء نص الفقرة الأولى يجد المتلقي نفسه وقد اقترب أكثر نحو مشهد القتل وذلك باقتراب المسافة وهو الأمر الذي يصفه الكاتب بأنه جميل! ليصبح المتلقي قاب قوسين أو ادني من مكان الحدث وهو المكان الذي يبدو انه سيشهد عملية قتل مريعة باستخدام المنشار الكهربائي، وهو المشهد الذي يبرع القاص مبارك الحمود في رسمه من خلال تسخير عناصر عدة اهمها توظيف التفاصيل والالوان.

ومع انتهاء الفقرة يجد المتلقي في ذهنه طوفان من الأسئلة: لماذا يريد قتلها؟ وماذا فعلت لتستحق ليس فقط القتل لا بل التقطيع في منشار كهربائي؟ ثم من هي تلك المرأة؟ وما الذي يدفع البطل لارتكاب ذلك الفعل؟ وهل سيقوم على قتلها وتقطيعها فعلا؟

وفي خضم هذا المشهد المريع والبشع الذي يستحضره القاص في ذهن المتلقي دون سابق إنذار أو مقدمات، يندفع المتلقي لاستكمال قراءة النص محاولا العثور على إجابات لكل تلك الأسئلة التي يثيرها النص...ولمعرفة كيف سيتطور الحدث فعليا وقد تورط فيه؟ وهل سينفذ المتكلم في النص تهديده ووعيده؟

ونجد أن القاص قد تمكن وببراعة ورغم قلة عدد الكلمات الواردة في هذه الفقرة من رسم وتشكيل صورة ذهنية تكاد تكون وافيه عن شخصية البطل المتكلم المحورية في القصة: فهو رجل غاضب حد الجنون، في طريقة لتنفيذ عميلة قتل بشعة، يستعجل المسافة، وهو يبدو مثقف فهي يرى بأن المسافة تخضع لقوانين الفيزياء، لكنه ربما يكون مجروح الكبرياء او يعاني اضطراب عقلي؟ او ربما هو شكاك أو أن الغضب لأمر ما قد جعله يفكر بطريقة خالية من أي رحمة وربما بجنون وقد حركه هذا الغضب او الجنون ليندفع على تلك الشاكلة لارتكاب ذلك الفعل المزلزل. فنجد ان مبارك الحمود يبرع في رسم شخوصه ليس من خلال معالجة المظهر الخارجي لهم.. وانما من خلال تصوير البعد النفسي لتلك الشخوص.

يتبع ،،

ايوب صابر 06-20-2011 11:42 PM

تابع ،،


قرءاه نقدية مغايرة لقصة "انتقام" لكاتبها مبارك الحمود
محاولة لفكفكة لغة القصة الكودية واستخراج عناصر الجمال منها:

اقتباس "
-2-
اعتقدت أني لن أعرف مكانها, وأن بعدها سيجنبها القتل على يدي, اعتقدت ذلك بسذاجة غريبة.. دوسي يا أقدامي بقوة, فالفارق بيني و بينها خطوة واحدة على دواسة الوقود.. ما أجمل الانتصارالذي يطول, فالاستمتاع فيه لذيذ.. آآآه الغبية ظنت أنها من فعلتها ستنجو.. ويحها! كيف تجرأت وتسلل إليها هذا التفكير, ألا تعرفني؟؟!.. سأجعلها تدرك ذلك كله, فكما يبدو أنها طالبة بليدة لم تستوعب الدروس التي قدمتُها لها في السابق.

في هذه الفقرة والتي يبدأها القاص برقم ( 2 ) مسخرا بذلك من جديد سحر الأرقام، نجده يقدم لنا بعض من ملامح شخصية البطلة فيجعلها وكأنها اختارت أن تختفي عن ناظري البطل عن قصد، وكنتيجة لما اقترفت هي من فعل، وفي ذلك ما يعزز حالة الصراع بين ندين متناظرين في القوة والذكاء والخبث والقدرة، وفي ذلك إبراز لحالة الصراع في النص، وهو عامل في غاية التأثير لان في ذلك محاكاة للحياة التي تقوم على الصراع في كل جوانبها، فالرجل البطل في القصة يسعى لقتل وتقطيع امرأة ذكية وقادرة وماكرة، حتى ولو أن البطل ظن أن في تصرفها ذلك سذاجة كونه اقدر منها.

ونجد أن البطل يستعجل الوصول إلى مكان تواجد تلك المرأة فباستخدام كلمة ( دوسي يا أقدامي بقوة ) تشخيص للأقدام، وكأنها كائن حيّ قادرة على الفعل بذاتها، وفي ذلك تعزيز مهول للحركة التي تجعل النص اكثر حيوية، وتسريع لها، لا بل ودفع صاروخي باتجاه الهدف، وهو ما يترك أثرا مهولا على ذهن المتلقي...ثم يعود القاص لتسخير سحر الأرقام من جديد بقوله (بيني وبينها خطوة واحدة) لكنه يُسخر التناقض أيضا، فعلى الرغم أن المسافة بين البطل والبطلة (تسعة وسبعون كيلو ) لكن البطل يراها ( خطوة واحدة على دواسة الوقود) وفي نفس الوقت يرى أن المسافة طويلة، مما يتيح له أن يستمتع بفعل الانتصار الذي هو قتلها، والذي يصوره القاص بأنه أمر قد حسم في عقل البطل، لا بل قد أنجز على اعتبار ما سيكون، وما تبقى التنفيذ فقط.

وباستخدام كلمات ( آآآه الغبية ظنت أنها من فعلتها ستنجو.. ويحها! كيف تجرأت وتسلل إليها هذا التفكير, ألا تعرفني؟؟!..) تعزيز للصراع بين البطل والبطلة في القصة ومزيد من التشويق حول ما سيحدث وشد المتلقي بمتابعة الحدث. وفي كلمات ( التفكير + الإدراك + والاستيعاب ) تسخير للتناقض مع كلمة ( طالبة بليدة ) وهي الصفة الأخرى التي يقدمها القاص هنا لوصف تلك المرأة التي عقد البطل العزم على قلتها. وفي كلمات ( لم تستوعب الدروس التي قدمتها لها في السابق) تعزيز للصراع من جديد حيث يقدم القاص فعل القتل الذي سيقوم به على انه حلقة من حلقات مسلسل مرعب من التصرفات العنيفة التي ارتكبها بحق تلك المرأة.

ولا شك أن القاص ينجح في هذه الفقرة من شد المتلقي وتوريطه في الحدث بصورة أعمق، وعلى الرغم انه يقدم لنا بعض ملامح البطلة وكأنها امرأة ماكرة وذكية وقادرة وجريئة وذلك بهدف تضخيم الصراع وجعله بين ندين، مما يستدعي من البطل أن يجيش له كل قواه ويحتفل بالنصر المستحق، نجد أن القاص يقدم لنا في هذه الفقرة المزيد من الملامح التي تساهم في استكمال الصورة الذهنية لشخصية البطل...والذي يبدو هنا سادي الطبع في تعامله مع تلك المرأة، وهو يتلذذ في شعوره بالنصر الذي يراه يطول وهو في الواقع فعل القتل.

ولا شك أن القاص ينجح في جعل البطل قادر على استعطاف المتلقي ويدفعه للاصطفاف إلى جانبه، وذلك على الرغم من ساديته وبشاعة ما ينوي القيام به من فعل قتل بواسطة المنشار، ذلك لان القاص ينجح أيضا في بث الشك في نفس المتلقي حول شخصية تلك المرأة وما اقترفته من ذنب، والذي يبدو ورغم عدم التصريح به حتى هذه اللحظة من تطور الحدث انه فعل خيانة، فيدفع القاص المتلقي إلى الاصطفاف إلى جانب البطل في سعيه للانتقام كونه مبرر وكنتيجة لتعرضه للخيانة...وفي ذلك تسخير واستحضار ذكي للتراث الشعبي والذاكرة الشعبية في المجتمعات الشرقية، التي غالبا ما تبرر جرائم الشرف وتخفف العقوبة على من يقترفها حتى ولو كانت بتلك البشاعة والعنف، وحتى لو أن الجريمة ارتكبت على أساس ظني...أو ربما كنتيجة لأوهام دارت في مخيلة البطل.

يتبع،،

ايوب صابر 06-23-2011 03:18 PM

تابع ،،

قرءاه نقدية مغايرة لقصة "انتقام" لكاتبها مبارك الحمود
محاولة لفكفكة لغة القصة الكودية واستخراج عناصر الجمال منها:

اقتباس "

-3-

ها هي المسافة تنقسم نصفين, إني أتحرق شوقاً لرؤية وجهها المتفاجئ برؤيتي, المرتعب و الخائف, وشحوبه الذي يزداد شحوبا.. اهدئي يا طبيعة المسافة ولا تستعجلي, دعيني أستمتع أكثر وأكثر بلحظاتي هذه.. سأقف لأخذ وجبة صغيرة, لا أشعر بالجوع و لكنها المتعة, إني أعشق الانتقام و خصوصا إذا كان شديدا, وأتى بعد ألم.. كيف تجرأت أن تفعل ذلك!, إنه شيء لم أعهده منها, الجرأة في فعل شيء يغضبني, قد يكون حبي ودلالي المبالغ لها هوالسبب!.

يبدأ القاص الفقرة الجديدة بالرقم (3) وهي لغة كودية كونيه، ويستهل حديثه فيها بما يشير إلى فعل الحركة أيضا من خلال ذكره للمسافة التي تنقسم إلى قسمين وفي ذلك تشخيص للمسافة، وكأنها أصبحت شيء قابل للقسمة إلى نصفين، وهو لا شك تعبير جميل وبليغ يصف القاص فيه وصول البطل إلى منتصف الطريق الذي يبلغ طوله كما أعلمنا في بداية القصة 279 كيلومتر ليتوقف هناك ( عكس الحركة).

وهناك وعند تلك النقطة نجد القاص وعلى لسان بطل القصة يستنفر في المتلقي حواسه، فيكاد يشعر بلهيب الحريق الذي هو في الواقع شوق البطل لرؤية وجه تلك المرأة وقد تفاجأ برؤيته هو، وفي ذلك أيضا استنفار لحاسة البصر عند المتلقي وعند بطلي القصة حينما تتقابل عيونهما (إني أتحرق شوقاً لرؤية وجهها المتفاجئ برؤيتي)، ثم نجد القاص قد استخدم كم كبير من الكلمات الدالة لرسم وجه تلك المرأة في خيال المتلقي بحرفية كبيرة، وذلك من خلال تسخير الوصف التفصيلي وكأنه يستخدم ريشة فنان ..فوجهها مرتعب، وخائف، وشاحب، لكنه يزداد شحوبا..وفي ذلك تصعيد مقصود للحدث بهدف شد المتلقي وتشويقه وتوريطه أكثر فأكثر فيما يدور، وفي نفس الوقت تصوير وتهيئة المشهد بما يتناسب مع عملية القتل المرعبة بالمنشار الكهربائي.

ثم نجد القاص يُسَخّر التناقض والتضاد من جديد، وذلك بطلبه من طبيعة المسافة، والتي يخاطبها وكأنها شخص يدرك لما يقول، بأن تهدأ ولا تستعجل رغم حالة الاستعجال التي أبرزها القاص عند البطل في بداية القصة فيما يتعلق بالمسافة، حتى انه يكاد يتمنى لو أن بإمكانه التحكم في قوانين الفيزياء لتقريب المسافة، فها هو يطلب من المسافة أن تهدأ ولا تستعجل ولكننا مع تطور الحدث ندرك سبب طلب البطل ذلك من طبيعة المسافة؟ فهو يريد أن يستمتع بالوقت (دعيني أستمتع أكثر وأكثر بلحظاتي هذه) وفي ذلك مزيد من الرتوش التفصيلية التي تساهم في استكمال بناء شخصية البطل، وفي هذه التفاصيل ما يؤكد على إننا بصدد بطل سادي الطبع والمزاج فهو يريد من المسافة أن تطول لأنه يشعر بلذة الموقف لا بل يريد أن يستمتع أكثر وأكثر باللحظات التي هي في الواقع لحظات قتل ورعب، ثم نجده يتوقف في ظل تلك الظروف لتناول وجبه صغيرة! رغم انه لا يشعر بالجوع، وفي ذلك تسخير للتضاد، لكننا نعرف أن سر توقفه لتناول الوجبة هو المتعة أيضا، وهو مؤشر تفصيلي آخر على سادية البطل، والذي يبدو بأنه عبد لغرائزه ( الغريزة العدوانية وغريزة الجوع ) فنجده وعلى الرغم من هول الموقف وكأنه يحتفل بالقتل ويستمتع في كل لحظة من اللحظات لا بل هو يقيم احتفال ليطيل المسافة رغم إدراكه بأنها تخضع لقوانين الفيزياء، ويطيل الزمن ليشعر بمزيد من اللذة والانتصار.

ولا يتوقف القاص عند ذلك بل هو يصعد في وصف سادية البطل أيضا، كما يصعد من بناء الحدث بجعله أكثر شدا وتشويقا من خلال استخدام صيغة المبالغة (أكثر وأكثر). ونجد القاص يقول على لسان البطل (إني أعشق الانتقام و خصوصا إذا كان شديدا, وأتى بعد ألم)، وهي عبارة مباشرة ومعبرة للغاية عن سادية البطل المفرطة، فهو لا يصرح بأنه يعشق الانتقام فقط ولكنه يضيف على ذلك (إذا كان شديدا واتى بعد الم)، ولا شك أن القاص قد أجاد في رسم شخصية البطل بشكل كبير، وأتقن تحديدا تصوير ورسم الجانب النفسي من الشخصية فها نحن بصدد شخص سادي يتلذذ بالقتل ...يحمل في يده منشار كهربائي ويستعجل المسافة، لكنه يطلب منها أن تهدأ ولا تستعجل لتطول لحظات متعته واحتفاله بالانتصار. وباستخدام كلمتي تجرأت والجرأة في فعل شيء ...( كيف تجرأت أن تفعل ذلك!, إنهشيء لم أعهده منها, الجرأة في فعل شيء يغضبني) نجد تفاصيل إضافية يستخدمها القاص لاستكمال بناء شخصية البطلة بقصد منحها صفة الندية، وبهدف تضخيم حدث القتل الذي سيقوم به البطل.. ذلك لان البطل سيقوم على قتل امرأة قوية وقادرة وجريئة لابد أنها خانته مع سبق الإصرار والترصد وعن وعي وإدراك وتخطيط فاستحقت القتل، وليست امرأة مسكينة ضعيفة لا حول لها ولا قوة.

وفي العبارة الأخيرة من هذه الفقرة يعود القاص ليخبرنا بأننا بصدد بطل مثقف، فهو يورد لنا قانون آخر من قوانين الفيزياء وهو قانون السببية (قد يكون حبي ودلالي المبالغ لها هوالسبب!)، فهو يعرف أن وراء كل نتيجة سبب. ولا شك أن ذلك جاء عن دراية وقصد من قبل القاص ويهدف إلى إبراز صراع من نوع آخر، كون الصراع هذه المرة داخلي في نفس بطل القصة، ويتمثل في الصراع بين الإدراك والعلم والثقافة والوعي من ناحية والغزيرة أو ربما الطبع السادي الذي يسيطر على البطل من ناحية أخرى.

لا شك أن القاص نجح من خلال هذه الفقرة في تصعيد البناء في حبكة القصة وقد جاء هذا الحدث مساند لما قبله ومطورا له، كما انه وباستخدام كلمات ذات دلالة جعل الحدث صاعدا، وجعله أكثر تشويقا وشدا...كما نجح القاص في استكمال رسم شخصية البطل المحورية وهو ما يتقنه مبارك الحمود جدا، لكنه لم يغفل أن يضيف بعض الروتوش على الصورة الذهنية لشخصية البطلة التي تظل ثانوية لتصبح بارزة من حيث صفاتها وبما يخدم تطور الحدث وجعله مهولا مزلزلا كونه يمثل صراع بين ندين في القدرة.

يتبع،،

ايوب صابر 06-24-2011 10:07 PM

تابع ،،

قرءاه نقدية مغايرة لقصة "انتقام" لكاتبها مبارك الحمود
محاولة لفكفكة لغة القصة الكودية واستخراج عناصر الجمال منها:

اقتباس "

-4-

لم يكن شكي بها ليتحول ليقين لولا إني رأيتها بنفسي, لقد خرجت بذلك الفستان الأحمر الذي أعشقه, وعطرها الثمين الذي أهديته لها بمناسبة ولادتها لطفلتنا الثالثة يلاحقها كشبح.. خرَجَتْ في منتصف الليل بعد أن اطمأنت أنني أصبحت في مدينة أخرى, تتلفت يمينا وشمالا بخوف و حذر, وقعقعة كعبها العالي على الرصيف تدوي في أرجاء الحي الفارغ.. أوقفتْ أول سيارة أجرة في طريقها, واستقلتها بعجلة و بدونتفكير.

تابعتها حتى وقفت عند تلك المستشفى, و خرجت بعد نصف ساعة, أنا متأكد أنها قامت بذلك رغم إنكارها, والدليل على ذلك أنها هربت مني بعد مكاشفتها بذلك, ويحها كيف تعرفت عليه, بدون شك إنه طبيب ولادتها, شكرا لله أنني قمت بقتله, بيدي هاتين اللتين ترقصان طربا الآن, ولم أرسل أحدا ليقوم بذلك عني, آآآآآه ما ألذها من متعة, إنه بالتأكيد الانتصار.

كما هي عادته يبدأ القاص مبارك الحمود هذه الفقرة بالرقم الكودي (4)، ونجده في هذه الفقرة يحشد كم هائل من المحسنات اللغوية واللفظية والكودية ، والجمالية، لإيقاع ابلغ الأثر على ذهن المتلقي. فهو يُسَخّر من بداية الفقرة التضاد، وذلك من خلال استخدام كلمتي ( شكي + يقين ) ثم يستنفر الحواس باستخدام كلمة (رأيتها)، ثم الألوان باستخدام كلمة (الفستان الأحمر)، والتشخيص، من خلال جعل العطر وكأنه شبح يلاحق تلك المرأة، وهو لا شك تشبيه جميل للغاية، ويساهم في رسم صورة ذهنية صارخة في ذهن المتلقي، مشبعة بالألوان الحارة والتفاصيل الدقيقة المهمة في بناء المشهد وجو النص والشخصية، فلا يفوت القاص أن يصف العطر الذي يلاحق تلك المرأة كالشبح بأنه (ثمين) ورغم أنها كلمة واحدة لكنها توحي بالكثير، وكأن المتكلم بطل القصة يمارس عملية تضليل للمتلقي بهدف أقناعه بما يبرر فعل القتل لتلك المرأة، وما استخدامها للفستان الأحمر والعطر الثمين إلا أدله على خيانتها.

ثم يعود القاص لاستخدام التضاد بالحديث عن الولادة (ولادتها لطفلتها الثالثة) في جو مشبع برائحة القتل، ثم نجد القاص يستخدم كلمات لها دلالة كودية من ناحية ( طفلتها الثالثة ) وكلمات تضيف تصعيدا جديدا على جو النص وتطور الحدث، فتجعل الشد والتشويق صاعدا وبعيدا عن أي تراخي، فتلك المرأة خرجت (في منتصف الليل)، وفي ذلك تشويق وإثارة وتحفيز لحواس المتلقي، وغرائزه، واللعب على مخاوفه، لكن القاص لا يتوقف عن تقديم مزيد من الإثارة والتشويق، حيث يصف حركة المرأة وهي خارجة من المنزل بلغة تصويرية تفصيلية جميلة بالغة التأثير، وباستخدام كلمات ذات دلالة وصفيه مهولة وبالغة الأثر، تنجح في تجسيد مشهد وكأنه جزء من سيناريو لفلم سينمائي من أفلام الرعب، والمشهد يتمثل في ( امرأة تسير+ تخرج من منزل على وجه السرعة+ في منتصف الليل+ تتحرك بحذر+ وخوف+ تتلفت يمينا وشمالا + وكعبها العالي يصدر صوت قعقعة + وذلك الصوت يدوي على الرصيف + في إرجاء حي فارغ + توقف أول سيارة أجرة + تستقلها بعجلة وبدون تفكير)، وحتى هذه الكلمات ذات الدلالة نجدها تشتمل على التضاد في كلمات ( يمينا وشمالا ) و (اطمأنت + خوف وحذر) و (قعقعة + حي فارغ)، وهذا التضاد كما نعرف له بالغ الأثر على ذهن المتلقي.
كما أن الفقرة تحتوي على الكثير من الكلمات الدالة على الحركة (خرجت+ تتلفت+ قعقعة كعبها العالي+ بعجلة+ أوقفت)، وهو ما يساهم في جعل النص مشبع بالحيوية والحياة. ونجد أن القاص يستثير الحواس هنا أيضا، وهذه المرة حاسة السمع باستخدام كلمات (قعقعة + تدوي) ولا شك أن هذه الأصوات لها وقع هائل على أذن المتلقي كونها تقع في حي فارغ مما يضاعف من قوة القعقعة.

ثم يستمر القاص في تطوير الحدث وتضمينه عناصر الإدهاش والتشويق، وكأن سيناريو الفلم المرعب ما يزال مستمرا... فالبطل يتابع تلك المرأة بعد أن ركبت السيارة إلى أن وقفت عند المستشفى، ونجد هنا أن القاص يعود لاستخدام كلمات تدل على الحركة، وكلمات تساهم في زيادة حدة التشويق والإثارة ( مستشفى )، والتضاد ( دخول المستشفى ثم الخروج+ متأكد ومكاشفة و إنكار)، وكودات رقمية اضافية ( نصف ساعة).

ثم يستمر القاص في عملية خداعه للمتلقي في محاولة لجعله يصطف إلى جانب البطل، فهو يقدم مزيد من الأدلة لهذا الغرض ( والدليل على ذلك أنها هربت مني بعد مكاشفتها بذلك)، وفي السؤال الذي يطرحه القاص (ويحها كيف تعرفت عليه؟) ما يساهم في زيادة حدة الإثارة والتشويق، ثم استخدام للتضاد من جديد( متأكد + بدون شك، والولادة والقتل)، ثم نجد أن القاص يفجر ومن دون سابق إنذار أو تلميح قنبلة ذهنية جديدة مزلزلة، تتمثل هذه المرة في التصريح بأن البطل كان لتوه قد انتهى من قتل الطبيب الذي يظن بأنه يقيم علاقة مع زوجته، دون أن يقدم أي معلومات تفصيلية عن شخصية الطبيب، وذلك بهدف عدم تشتيت انتباه المتلقي وجعل الأضواء في كليتها تتمحور حول شخصية البطل فقط، لذلك نجد أن القاص قد عاد ليقدم للمتلقي المزيد من المعلومات عن شخصية البطل تلك، والتي تخدم في تعزيز الصورة الذهنية التي سبق ونجح في رسمها وبلورتها في ذهن المتلقي، فيقدم مزيد من الإشارات التي تؤكد سادية البطل فها هي يداه ترقصان( طربا ) لقتل الطبيب، وهي كلمة مرادفة للذة، وفي ذلك تشخيص لليدين وكأنها تقوم بفعل الرقص بذاتها، ثم يعود القاص ليصف ما يشعر به البطل على اثر قلته للطبيب بيدية (باللذة والمتعة والانتصار)، وهي كلمات تدلل على ساديته المفرطة.

وهنا نجد أن القاص قد نجح فعلا في تطوير الحبكة وجعلها أكثر تعقيدا وإدهاشا، كما احدث تطويرا على الشخصية الرئيسية، فظلت دينامكية نامية متطورة ولو من ناحية الحديث عن ساديه البطل التي برزت بشكل واضح بقتله للطبيب بتلك الطريقة البشعة وتلذذه بذلك القتل.

كما أننا نجد بأن القاص نجح في المحافظة على أسلوب غاية في الشد والإدهاش والتشويق فلا تراخي أبدا في الحبكة أو الوصف أو بناء الشخصية حتى أننا نلمس ذلك الشد في كل جانب من جوانب النص، وبما في ذلك تكرار حرف الألف في كلمة ( آآآآآه ) خمسة مرات بينما اكتفى بتكرار الحرف في الفقرة الثانية (آآآه) ثلاثة مرات فقط.


وفي ذلك ما يشير إلى أن القاص مبارك الحمود يعي تماما أهمية جعل الحدث في القصة القصيرة صاعدا، متطورا، محبوكا بحرفية، وتكثيف، ودون تراخ، أو حشو، أو تفصيل، أو تشتيت. والكتابة عنده تشبه تسلق صخرة كما يقال...وهو على ما يبدو يخطط لذلك قبل البدء في الكتابة، وهو حتما ينجح بشكل كبير في تحقيق مبتغاة في إبداع قصة فذة، مدهشة، ومكثفة، وغاية في التأثير والادهاش...أو ربما انه وحينما يبدأ في الكتابة يتولى عقلة الباطن بقواه البوزيترونية المذهلة السيطرة على العملية الإبداعية لديه، فتخرج نصوصه بهذا العمق والتعقيد الفني المدهش، والذي هو في غاية الجمال والإبداع والتأثير.

يتبع ،،

ايوب صابر 06-26-2011 10:40 AM

تابع ،،

قرءاه نقدية مغايرة لقصة "انتقام" لكاتبها مبارك الحمود


محاولة لفكفكة لغة القصة الكودية واستخراج عناصر الجمال منها:

اقتباس "

-5-


وها أنا في الطريق لانتصار آخر, كما عادتي.. قهقهاتي المصطنعة لا تتوقف, إني أقترب أكثر وأكثر منذلك.. يا ترى ماذا تفعل الآن؟, بالتأكيد إنها تقف باطمئنان أمام نافذة بيت مزرعة والدها التي ورثتها منه, تتخيل مستقبلها بدوني, ولم تدر أنها ستراه واقعا أقرب مما تتوقع.. الطريق الذي يبدو كشعرة متقصفة مسافته تقصر, ونصري يقترب.. قلبي يخفق كطبول حرب, وها هو.. ها هو البيت, يقبع بكل براءته على مقربة من الشعرة المتقصفة, وقدماي.. قدماي تتبادلان المقدمة باندفاع وحماس.


تبدأ الفقرة الخامسة برقم كودي ( 5 ) ثم بما يدل على الحركة ( ها أنا في الطريق لانتصار آخر)، ثم مزيد من الوصف والتوصيف لشخصية البطل ( قهقهاتي المصطنعة )، هنا يُدخل القاص عنصر إضافي وجديد على شخصية البطل في حرص منه على إبقاء هذه الشخصية في حالة دينامكية متطورة، وكأن في ذلك ما يشير إلى انه غير سوي، فعلى الرغم من هول الموقف نجده يقهقه قهقهات مصطنعة كما هي عادته، وهو ما يشير إلى انه شخصية مريضه، شخص واهم، يُهذي ويتصرف بتصنع فيقهقه في احلك الاوقات، وهو ما ينسجم مع طبيعة الشخصية السادية للبطل، أو انه ربما يحترف القتل الذي يتلذذ به ويعتبره انتصار يتبعه بقهقهات وتلذذ في كل مرة، وفي ذلك مزيد من التصعيد في الحدث، وفي كلمات (لا تتوقف) مزيد من الحركة والحيوية ايضا.

وبهدف مزيد من التشويق يطرح القاص سؤال استنكاري ( يا ترى ماذا تفعل الآن؟ )، ثم مؤشر آخر على أن البطل غير سوي، فباستخدام القاص لكلمة (أمامالنافذة)، وليس خلف النافذة يُظهر أن البطل يفكر بطريقة مختلفة، وربما غير سوية. وفي إشارة القاص إلى أن تلك المرأة تقف أمام مزرعة (والدها ألتي ورثتها منه) ما يثير استعطاف المتلقي، ويحرك مشاعره حول وضع تلك المرأة كونها يتيمة ايضا.

ونجد أن القاص يظل قادر على استثمار التضاد هنا أيضا فبينما يصف القهقهات بأنها لا تتوقف، نجده يصف المرأة بأنها تقف ( لا تتوقف + توقف ). وبهدف التشويق واستحضار النهاية المروعة في ذهن المتلقي، والتي يصورها القاص انتصار في ذهن البطل، يكرر القاص كلمات (اقترب أكثر وأكثر+ أقرب مما تتوقع+ ونصري يقترب+ مسافته تقصر+ مقربة). ونجد هنا استثمار للتضاد من جديد ( بالتأكيد + تتوقع ).

ثم يعود القاص لتقديم وصف تفصيلي غاية في الجمال لجوانب أخرى من المشهد الذي يتقن رسمه، فنجده يصف الطريق بشعرة متقصفة وربما يقصد في ذلك طريق زراعي ترابي متعرج، ويصف خفقان قلب البطل بصوت طبول الحرب، وفي ذلك استثمار للتضاد من جديد وتشبيه بليغ، فبينما (تقف هي باطمئنان + يتحرك هو تجاهها وقلبه يخفق كطبول الحرب)، وفي استخدام كلمة (براءته) استثمار للتضاد، فالبيت بريء بينما هي خائنة.

وفي استخدام (صوت طبول الحرب) استنفار لحاسة السمع، وفي الإشارة إلى مكان البيت الذي (يقبع ببراءة إلى جانب الشعرة المتقصفة)، وصف تفصيلي مغاير وغاية في الجمال. كما أن وصف حركة القدمين (وقدماي.. قدماي تتبادلان المقدمة باندفاع وحماس( التي شخصها الكاتب وكأنها تتحرك بذاتها، وتتدافع نحو الهدف بحماس واندفاع، ما يجعل النص أكثر حيوية، فيندفع المتلقي هو أيضا بحماس واندفاع لمعرفة ما ستؤول إليه الأمور، ومعرفة النهاية التي قربها القاص في ذهن المتلقي بتكراره لكلمة (اقرب) أكثر من مرة.

وفي هذه الفقرة ما يشير إلى أن القاص مبارك الحمود يتقن رسم المشهد بنفس الطريقة التي يتقن فيها بناء الشخصية، لكن تظل قصصه في معظمها تتمحور حول شخصيات دينامكية، لها وضع نفسي معين، وهي حتما مثيرة للجدل. وهو قادر على تركيز الحبكة حول حدث رئيسي واحد متطور، وهنا وفي هذه الفقرة نجد بأنه تمكن من المحافظة على نفس الاسلوب من الشد والتشويق والادهاش.

يتبع،،

ايوب صابر 06-27-2011 08:33 AM

تابع ،،

قرءاه نقدية مغايرة لقصة "انتقام" لكاتبها مبارك الحمود
محاولة لفكفكة لغة القصة الكودية واستخراج عناصر الجمال منها:

اقتباس "

-6-

السكون يعم المكان, ورائحة القش المبتل مسترخية.. الباب أمامي.. أطرق بقوة, ولكن العنيدة لا ترد, تتظاهر بعدم وجود أحد, إني أشم رائحة عطرها تعربد حولي بإصرار, وأنا لا أخطئه, وصرختُ.. إني أدفع الباب وأهشمه, لا أرى أحدا, بالتأكيد إنها تختبئ في زاوية من زوايا البيت, تندس كالفأر.. جبانة كعادتها.. إني أحب ذلك, متعتي بدأت تزداد.. هل هيهنا تختبئ وراء ستائر الحمام؟, "هاهاي كلا", عيناي تتابعان و تترقبان, أوووه بالتأكيد إنها هنا تحت الكنبة.. أيضا لا, يا إلهي إنها تجيد الاختباء ولكن تحتقوانين أرضي التي أحكمها بإحكام.. لم يتبق سوى غرفة النوم في العلية, بالتأكيد إنهاهناك.

يستهل القاص مبارك الحمود هذه الفقرة بالرقم الكودي (6) ويتبع ذلك مباشرة بالحديث عن (سكون يعم المكان) وهو سكون له وقع شديد واثر ملموس، كونه يأتي بعد حديث القاص عن أصوات قعقعة، وقهقهات مصطنعة، ودقات قلب أشبه بطبول حرب، وفي ذلك تشخيص للسكون وكأنه غيم أو دخان. كما أننا نجد القاص يستثير حاسة الشم لدى المتلقي بحديثه عن رائحة القش المبتل (ورائحة القش المبتل مسترخية)، ونجده يشخصن الرائحة ويصفها بأنها مسترخية وكأنها ناقة أو أغصان شجرة أو ما إلى ذلك. وفي جو السكون ذلك نكاد نسمع طرق الباب الذي يقوم به البطل (اطرق بقوة)، وفي عدم الرد استثمار للتضاد، ثم يستثير القاص من جديد حاسة الشم عند المتلقي في حديثه عن (إني أشم رائحة عطرها تعربد حولي بإصرار)، وفي العبارة تشخيص لرائحة العطر فقد جعلها الكاتب هنا (تعربد بإصرار) وفي استخدام وصف تعربد وقع قوي للغاية، ففي الفقرة السابقة يصف القاص رائحة العطر وكأنها شبح يلحق بتلك المرأة، وهنا نجده يصف الرائحة وكأنها تعربد حوله، ويا له من وصف لقوة رائحة العطر، وفي ذلك تصوير للبطل وكأن انفه قد تحول إلى انف حيوان كاسح مفترس، يبحث عن فريسته من خلال تتبع أثرها وشم عطرها، وفي ذلك تصعيد في الإثارة والتشويق، وتهيئة لمشهد القتل بالمنشار الكهربائي.
وتأتي صرخة البطل ومن ثم دفعة للباب وتهشيمه وبما في ذلك من حركة وحيوية، واستثارة لحاسة السمع، لتعطي مزيدا من الإثارة، والتهيئة لمزيد من التصعيد في الحدث الصاعد المتطور، ولنجد القاص يستثير فينا حاسة البصر من جديد، بقوله على لسان البطل (لا أرى أحدا). ويأتي الوصف كله منذ لحظة (أطرق الباب إلى .......جبانة كعادتها) وكأنه مشهد آخر من مشاهد فلم الرعب الذي نحن بصدده هنا، وكأن القاص قد تحول فيه فجأة إلى مصور سينمائي يحمل كاميرا ويدور بها في المكان، وينقل لنا المشهد بتفاصيله الدقيقة، لا بل ويتعدى ذلك لينقلنا إلى جو النص باستثارة حواسنا وما يسود من روائح في المشهد. ويعود القاص ليشير إلى سادية البطل من خلال الإشارة إلى متعته وهو يبحث عن تلك المرأة ( إني أحب ذلك, متعتي بدأت تزداد)، فهو لا يريد صيدا سهلا، ولكنه يريد أن يلاحق ضحيته كما تلاحق الحيوانات المفترسة فرسيتها ليتلذذ في تعذيبها، وفي سؤاله الاستنكاري (هل هيهنا تختبئ وراء ستائر الحمام؟) مزيد من الإثارة والتشويق والشد،واستمرار للتسجيل التصويري، ومزيد من الاستثارة لحاسة البصر،( عيناي تتابعان و تترقبان)، حيث يجد المتلقي نفسه وكأنه ينظر مع البطل خلف ستارة الحمام، وينتقل معه لينظر تحت الكنبة أيضا، وفي عدم العثور عليها مزيد من التشويق والشد والإثارة، وفي الإشارة إلى أنها تجيد الاختباء مزيد من الإثارة والتشويق وكأننا في لعبة الغماية، لكن لا يفوت القاص بأن يعود للتذكير بأن بطل القصة يظل قادر على الوصول إليها مهما حاولت الهروب والاختفاء ومهما فعلت ستظل في متناول يديه كونها تظل خاضعة لــ (قوانين ارضي التي أحكمها بإحكام)، ثم ينقلنا القاص وراءه إلى غرفة النوم في العلية وقد تمكن من استثارة جهازنا العصبي بشكل حاد واستنفار كافة حواسنا وغرائزنا، كوننا أصبحنا على شفى مشاهدة عملية القتل بعد كل تلك الاستثارة والتشويق.

ونجد أن أهم ما يميز هذه الفقرة هو التصعيد الحاد في التشويق من خلال جعل البطل يبحث بعينين تتابعان وتترقبان عن تلك المرأة، وكأنه وحش ادمي مفترس، ومتحفز بكل غرائزه وحواسه، وحيوانيته الدفينة للعثور عليها، لكنها هي تختبئ وتندس كالفأر، وذلك ما يزيد من متعة بطل القصة، كون أن الصيد ليس سهلا، وفي ذلك ما يغذي ساديته، ويرفع نسبة التشويق عند المتلقي.
وفي استخدام القاص لبعض الالفاظ والكلمات وقع شديد في زيادة حدة التشويق مثل (أطرق بقوة + العنيدة+ أشم + تعربد + بإصرار+وصرختُ + إني أدفع الباب وأهشمه+ تندس كالفأر+ جبانة + متعتي + بدأت تزداد.. + تختبئ وراء ستائر الحمام؟+ "هاهاي كلا"+, عيناي تتابعان وتترقبان+, أوووه + تجيد الاختباء +تحت قوانين أرضي+ التي أحكمها بإحكام) ، وفي كلمة ( أوووه) والتي استبدل القاص فيها حرف الألف في كلمة ( آآآه) والتي وردت في فقرة سابقة بحرف الواو، ما يشير إلى زيادة مضطردة في رغبة بطل القصة في القتل، وقلة الصبر، وتغير صاعد في المزاج عند البطل، وفي ذلك ما يشير إلى تطور إضافي في شخصية البطل التي تظل ديناميكية متطورة. ولكن الغموض في مكان تواجد المرأة وبالتالي التشويق لا ينتهي مع انتهاء الفقرة هذه، فينشد المتلقي ليتابع مع البطل بحثه عنها في العلية ليعرف ما سيحدث هناك. ولا شك أن القاص ينجح في هذه الفقرة في جعل الحدث صاعدا متطورا من خلال وصف المشهد بتفاصيل دقيقة وببراعة عالية، ومن خلال إدخال عنصر الغموض في مكان وجود المرأة، ومن ثم شد المتلقي في رحلة البحث تلك، وكأنه أصبح جزء من القصة.. يشارك البطل في بحثه خلف الستائر وتحت الكنبة، وهو في حالة استنفار كاملة لما سيحدث تباعا.

يتبع،،

ايوب صابر 06-29-2011 11:18 AM

تابع ،،

قرءاه نقدية مغايرة لقصة "انتقام" لكاتبها مبارك الحمود
محاولة لفكفكة لغة القصة الكودية واستخراج عناصر الجمال منها:

اقتباس "

-7-

اصدح أيها المنشار وغني.. ها هي الدرجات.. 1, 2, 3,..., 13, هيلا هوب, لقد وصلت.. "أتسمعينني أيتها الصماء البكماء, لقد أتيت", وقفت أمام الباب, وأنا أشعر بقلبي يخفق بشدة, الفضول الشديد ذلك ما أشعر به, أريد أن أرى ردة فعلها, أوووه قد يكون حبيب آخر معها الآن وهي خجلة مني, تخجل أن أراها مع شخص آخر.. قبضت على المقبض بقوة, وأدرته إلى اليمين.. إني أفتح الباب وأنا أضحك بأعلى صوتي.. صدمة, صدمة, ذلك ما أصابني, وجعلني أشعر بضيقة تخنقني, وكأن مشنقة من الشوك تحاول جزرقبتي.

هذه الفقرة تبدأ بالرقم الكودي ( 7 )، يليه مباشرة شخصنة المنشار، فالقاص يجعله قادر على الصدح، والغناء، وكأنه بلبل أو طائر يجيد الغناء، وفي ذلك تذكير بالمهمة التي أصبح بطل القصة على وشك تنفيذها وهي القتل بالمنشار، ولذلك جاء الطلب من المنشار بأن يصدح ويغني منسجم مع طبيعة البطل السادية وكأنه على وشك الاحتفال بالقتل.

والمشهد هنا يأتي مكملا للمشهد السابق الذي أتقن القاص تصويره بكاميرا المصور الخبير الذي يهتم بالتفاصيل ذات الأثر المهول، فيشعر المتلقي وكأنه يسير في صحبة بطل القصة ويجاوره في صعوده على الدرج، إلى غرفة النوم... وان ذلك الصعود يتم تدريجيا، ودرجة، درجة، وهنا يستثمر القاص سحر الأرقام (1،2 ،3... 13)، ويتوقف عند الرقم (13) في استحضار لما يرتبط بهذا الرقم في الذاكرة الشعبية من شؤم ونفور، وذلك بهدف مزيد من التشويق والشد وتطوير جو النص. ثم يأتي الإعلان عن وصول البطل إلى تلك الغرفة، وفي ذلك إشارة إلى الحركة التي تحافظ على حيوية النص، ثم يستثير القاص في المتلقي حاسة السمع بقوله (أتسمعينني أيتها الصماء البكماء, لقد أتيت)، وفي نفس الجملة نجد استثمار للتضاد...فكيف لها أن تكون صماء وبكماء وأن يسألها إن كانت تسمع؟ لكن الهدف هو التشويق، والإثارة، والشد، وفي عبارة ( لقد أتيت) ما يشير إلى مزيد من الحركة ، وفي الوقوف (وقفت أمام الباب) استثمار للتضاد فالوقوف هو عكس الحركة، وفي وصف حالة البطل عند الباب ما يستثير مشاعر المتلقي (اشعر بقلبي يخفق بشدة )، ويحرك حاسة السمع لديه، ثم من جديد محاولة لاستثارة مشاعر المتلقي من خلال حديث القاص عن فضول البطل (الفضولالشديد ذلك ما أشعر به) وكأنه الشيء الوحيد الذي يشعر به، ثم استثارة الحواس بقوله (أريد أن أرى ردة فعلها)، ثم مزيد من التهويل باستخدام كلمة (أوووه)، وفي التشكيك بوجود حبيب آخر معها (قد يكون حبيب آخر معها الآنمزيد من الإثارة والتشويق، ثم تحريك للمشاعر من خلال حديث القاص عن خجل المرأة في كلمتين متتاليتين (وهي خجلة مني, تخجل أن أراها)، وفي كلمة (أراها )، استنفار لحواس المتلقي، وفي وصف الطريقة التي يفتح فيها بطل القصة الباب (قبضت على المقبض بقوة, وأدرته إلىاليمين)، تشويق وإثارة، وفي تصرفه (وأنا أضحك بأعلى صوتي)، ما يشير إلى سادية البطل كونه يضحك بأعلى صوته بينما هو على وشك تنفيذ عملية قتل بشعة بالمنشار الكهربائي. ثم نجد القاص يفجر من جديد قنبلة ذهنية في ذهن المتلقي، هي أشبه ما تكون بالصدمة الكهربائية التي تصيب المتلقي باستخدام القاص لعبارة ( صدمة, صدمة, ذلك ما أصابني)، وهنا تصل الإثارة إلى ذروتها، وفي العبارة (وجعلنيأشعر بضيقة تخنقني) نجد مزيد من الاستثارة لمشاعر المتلقي، بحديث القاص عن الشعور، والضيقة التي تكاد تخنق البطل، وهذه اللحظة تمثل لحظة انقلاب حادة وغير متوقعة، نظرا لطبيعة وسمات شخصية بطل القصة التي رسمها القاص في ذهن المتلقي فذلك المفترس الشرس، الذي يتلذذ بالقتل ويحتفي به، ويدق قلبه كطبول حرب فرحا وطربا، ونجده منذ لحظة يقهقه ويضحك بأعلى صوته، ويطلب من المنشار أن يصدح في تعبير عن فرحه السادي، نظرا لاقتراب لحظة الانتقام الذي يدور حوله الحدث في القصة، لكننا نجده فجأة قد أصيب بصدمة مروعة (صدمة، صدمةذلك ما أصابني)، جعلته يشعر وكأنه يختنق، ولا يكتفي القاص في وصف السبب بشعور البطل بالاختناق بقوله مثلا وكأن حبل مشنقة قد التف حول عنقه، بل نجده يصف ما جرى له بـ (وكأن مشنقة من الشوك تحاول جزرقبتي)، وفي ذلك وصف بليغ للغاية وتصوير غاية في الجمال والألم، إذ يشخصن القاص المشنقة وكأنها لوحدها تحاول جز رقبة البطل، وهو الأمر الذي يكاد يدفع المتلقي ليتحسس عنقه من شدة الألم الذي يستشعره من خلال الوصف للألم الواقع على عنق البطل بينما يذهب عقله بعيدا وهو يصوره ذلك الموقف وتلك المشنقة من الشوك، والتي تحاول جز رقبة البطل كما يصفها القاص.

ويظل الغموض والإثارة سيد الموقف... وتتدفق الأسئلة في ذهن المتلقي بغزاره عن سبب تلك الصدمة المروعة؟ التي جعلت ذلك البطل الهمام يشعر وكأن مشنقة من الشوك قد التفت حول عنقه فجأة؟ فيندفع المتلقي لمتابعة القراءة عله يكتشف الغموض والسر في ذلك الانقلاب الحاد والمزلزل في شخصية البطل والحدث؟! وقد إصابته هو بدوره صدمة كنتيجة لذلك الانقلاب الحاد في الحدث وشخصية البطل...ولا شك أن القاص نجح في إيصال المتلقي إلى ذروة الشد والتشويق من خلال تضمين نصه لمثل لحظة الانقلاب الحادة تلك، والتي تمثل احد العناصر المهمة للبناء القصصي الناجح والمؤثر.

يتبع،،

ايوب صابر 06-30-2011 10:31 PM

تابع ،،
قرءاه نقدية مغايرة لقصة "انتقام" لكاتبها مبارك الحمود

محاولة لفكفكة لغة القصة الكودية واستخراج عناصر الجمال منها:

اقتباس "

-8-

المنشار يسقط منيدي, ويبتر قدمي اليمنى.. أزحف إليها باكيا لا أشعر بألم ساقي التي ينفجر منها نهرأحمر. ممدة وجدتها على السرير الذي تيبس من دمائها.. حبيبتي ميتة, لا نبض فيها, تبدو هادئة كعروس نائمة لولا الدماء التي تغطيها.. ضممتها بقوة فسقطت ورقة بقربها, يبدو أن شيئا مكتوب عليها, كان خطا متعرجا مرتعشا.. "هذا ما جنته يداي", ذلك ما كانمكتوبا. أمسكت الورقة بين أصابعي وعصرتها, ووضعتها في جيبي وأنا أكاد أن أختنقبدموعي .. حملت المنشار وتمددت بجانبها, فاصطبغت الغرفة باللون الأحمر القاني إلىالأبد.

يبدأ القاص الفقرة الأخيرة من القصة بالرقم الكودي (8)، واقل ما يقال عن هذه الفقرة الأخيرة أنها تمثل سلسلة من القنابل الذهنية المتفجرة. فبعد أن أوصلنا القاص إلى ذروة الشد والإثارة بالصعود إلى العلية درجة، درجة، ومن ثم فتح البطل لباب الغرفة بإدارة المقبض إلى اليمين على تلك الشاكلة، لتصيب البطل صدمة جعلته يكاد يختنق بمشنقة من الشوك، وهو ما مثل انقلابا حادا في الحدث وشخصية البطل، وشكل أيضا صدمة للمتلقي الذي يتفاجأ بهذا الانقلاب الحاد، وحيث نظن والحال كذلك بأن القاص قد افرغ جعبته من كافة عناصر الشد والإثارة والإدهاش، نكتشف بأن الحدث في هذه الفقرة يتطور بصورة درامية مزلزلة، وغاية في التأثير والشد والادهاش وبشكل مغاير وغير ومتوقع.
فقد راع البطل الشرس المفترس، ما رأى في تلك الغرفة، فيسقط المنشار من يديه (المنشار يسقط منيدي)، وفي حدث السقوط حركة وحيوية، ويبتر المنشار قدم البطل اليمنى، وفي ذكر اليمنى استحضار للتراث الشعبي والديني المرتبط بالرجل اليمنى، وقد يكون من الرموز الكودية التي حرص القاص على تضمينها لتضيف بعدا جديدا لشخصية البطل، فهو يدخل البيوت برجله اليمين. وربما أراد القاص أن يلمح هنا بأن ما أوصل البطل إلى كل ذلك الشك القاتل هو في الواقع تلك التراكمات الثقافية التي شكلت وضعه النفسي، وقد تكون هذه هي الفكرة الدفينة للنص.
ولا بد أن هذا التطور الفجائي غير المتوقع في الحدث، بل والمستبعد يشكل صدمة مروعة ويزلزل المتلقي، وفي زحف البطل باكيا نحو تلك المرأة بعد أن قُطعت ساقه بالمنشار الذي كان يحمله لقتلها تطور آخر متلاحق، وفيه مزيد من الحركة، وفيه استثارة لمشاعر المتلقي، وذلك من خلال ذكر البكاء من ناحية، وذكر كلمة اشعر من ناحية أخرى (أزحف إليها باكيا لا أشعر بألم ساقي). وفي وصف نزف الدم من ساق البطل (التي ينفجر منها نهرأحمر) ما يزلزل المتلقي حيث يشبه القاص ذلك النزف بالنهر، فيستثمر القاص بذلك مزيد من الحركة، ولكن في أقصى حالاتها هذه المرة، فالحركة هنا جريان دم كما يجري النهر، كما ويسخر القاص هنا اللون الأحمر ليضيف بذلك إلى المشهد مزيدا من الرتوش المهمة، ونلاحظ هنا بان القاص يذكر ثلاثة أعضاء من جسد البطل وهي ( الأيدي من حيث يسقط المنشار, والعيون حيث يبكي، والساق التي يبترها المنشار)، وكأن القاص يمنح بذلك بطل القصة الحياة، فلا يملك المتلقي إلا أن يتزلزل لهول الموقف وفداحة المشهد وقد اصطبغ بالدم الأحمر النازف من ساق البطل الذي صار اقرب إلى الحياة منه بطل في قصة من خلال ذلك التصوير الدقيق لما حصل له.
وما يلبث القاص أن يفجر قنبلة ذهنية أخرى اشد وقعا، فها هي تلك المرأة ممدة على السرير الذي تيبس من دمائها (ممدة وجدتها على السرير الذي تيبس من دمائها)، ويا لهول المشهد! فان كان الرجل (بطل القصة) قد قطعت ساقه، فانفجر منها نهر من الدم، ها هي تلك المرأة تسبح في بحر من الدماء، ولا يتوقف الشد عند القاص هنا، فنجده يفجر قنبلة أخرى في ذهن المتلقي وذلك بالإخبار عن موت تلك المرأة، وبالتأكيد على موتها بقوله أن لا نبض فيها، فلا مجال للشك أنها ميتة، ويكرر ذكر الدماء لمزيد من الشد والتصعيد في المشهد، ونجده يستثمر التضاد والألوان بحديثه عنها نائمة وهادئة كعروس لولا الدماء التي تغطيتها. فمن ناحية نجد أنفسنا ننظر إلى امرأة نائمة هادئة كعروس تلبس فستانها الأبيض، لكن نومها يأتي في جو مرعب وهي تغرق في الدماء الحمراء.
ثم نجد بأن القاص قد ادخل تحولا جديدا على شخصية البطل التي ظلت دينامكية عبر النص, وتحولا آخر في تطور الحدث، فبعد أن تم تهيئة المتلقي لمشاهدة مشهد قتل بالمنشار، نجد بطل القصة، منكسرا، زاحفا، باكيا نحو جثة زوجته الغارقة في بحر من الدماء، ونهر من الدم يتفجر من ساقه، وينقلب مشهد القتل الذي كان المتلقي قد تهيأ لحصوله إلى مشهد يضم فيه البطل زوجته الميتة بقوة وهو يعبر عن حبه لها...وكما سقط المنشار من يده، تسقط ورقة من يدها، كتب عليها بخط متعرج ومرتعش (هذا ما جنته يداي)، في قنبلة جديدة يعلن فيها القاص بأن تلك المرأة إنما قتلت نفسها بيديها (ماتت منتحرة)، وربما في ذلك إعلان بأنها قد قررت الخلاص من جحيم ذلك الزوج السادي الشكاك.
ولكن المشهد لا ينتهي هنا، فنجد القاص يجعل بطل القصة يقوم على عصر الورقة ألتي كتبت عليها تلك العبارة، ويضعها في جيبه؟! ومن ثم ينتحر هو بدوره، وبنفس أداة القتل التي كان ينوي قتل زوجته فيها (المنشار)...ويبدو أن وضعه لتلك الورقة في جيبه، كان عملا واعيا مقصودا، فقد أراد أن يعلن ومن خلال من سيعثر على تلك الورقة في جيبه، بأنه المسئول عن كل ما جرى في تلك الغرفة...فهو يعترف بأن كل ما جرى هناك في تلك الغرفة إنما هو من ثمرة يداه (هذا ما جنته يداي)، ولذلك كان حريصا على أن يحمل المنشار قبل أن يتمدد إلى جوار الزوجة لتشير أداة القتل والورقة التي وضعها في جيبه بأنه هو القاتل... ونجد أن في ذلك تحول آخر أحدثه القاص على شخصية البطل هنا...فها هو يتخذ موقف مغاير في آخر لحظة من حياته، مفاده اعترافه بأنه قد تسبب في انتحارها...وان كانت قد قتلت نفسها، وقتل نفسه بدليل المنشار الذي كان يحمله.
ولا شك أن النهاية جاءت ملتوية ومغايرة لكل المقدمات التي ساقها القاص...فالحدث لم ينته بقتل الزوجة كما كان متوقعا, وإنما بغرفة تصطبغ باللون الأحمر القاني إلى الأبد...كنتيجة لانتحار الاثنين، ونجد أن سقوط البطل بتلك الطريقة المدوية هو الذي يترك أثرا عظيما في نفس المتلقي، خاصة بعد أن تمكن القاص من رسم صورة ذهنية له فجعله شخص مفترس، شرير، قاتل، تحركه نيران الغيرة، يتلذذ بالقتل، يستعجله أحيانا، ويريد إطالة لحظات الانتصار تارة أخرى...ليهوي في المشهد الأخير معترفا بأنه يتحمل مسؤولية ما حصل في كليته.

يتبع،،،


ايوب صابر 07-04-2011 08:37 AM

تابع ،،

قرءاه نقدية مغايرة لقصة "انتقام" لكاتبها مبارك الحمود
محاولة لفكفكة لغة القصة الكودية واستخراج عناصر الجمال منها:


بشكل عام أقول بأن القاص مبارك الحمود قد نجح هنا في إبداع قصة قصيرة فذة، فبالإضافة إلى ما تم شرحه وإظهاره من لمسات وأبعاد فنية جميلة للغاية، جعلت النص بالغ التأثير والشد والإدهاش من خلال ذلك الحشد الهائل من التعابير والجمل والكلمات واللغة الكودية ذات الدلالة، والتي تستثير في المتلقي حواسه وأحاسيسه ودهشته ومخاوفه، ومن خلال ذلك الأسلوب القوي، والمكثف، والذي لا تراخي فيه، نجد أيضا بأن القاص قد كتب قصته ضمن الإطار العام لمقومات القصة القصيرة المتعارف عليها.
فمن ناحية نجد أن النص قصير، وان أحداث القصة محصورة في فضائين، زماني ومكاني، محدودين ومناسبين. وفي القصة وحدة زمنية واضحة، كما أنها تمتاز بوحدة الموضوع فكل العناصر وظفت لغرض واحد.
ولا شك أن القاص اقتصر على عدد مناسب من الشخوص وبما يخدم الغرض من القصة، وجعل شخصية البطل هي الشخصية المحورية، وقد أبدع القاص في جعلها شخصية ديناميكية متطورة، ذات جاذبية عظيمة للمتلقي، وقد وظف لهذا الغرض صراع درامي حاد دار في عقل البطل من ناحية وصراع آخر دار بين البطل وأعداءه المتخيلين.
كما أن النص مبني بصرامة واضحة فالإحداث صاعدة وتساند بعضها بعضا، بلا زوائد ولا إطالة، مع نجاح في توظيف التفاصيل أحيانا لرسم مشهد جميل له اثر عظيم.
ولا شك أن كل العناصر متماسكة ومترابطة، وقد ساهمت في بناء القصة وجعلت منها وحدة درامية واحدة، رغم أنها مقسمة إلى فقرات تفصل بينها أرقام.
كما مثلت النهاية انقلابا حادا غير متوقع مما ساعد على تعميق الإحساس بالنهاية، وفَرَضَ على المتلقي بديل غير منتظر.
ولا شك أن القاص قد نجح في معالجة مادة وإحداث القصة معالجة فنية جيده، مما جعل القصة ذات تأثير كبيرة على المتلقي.
هذه القصة مكتوبة بأسلوب قوي هو اقرب إلى أسلوب ادجر الن بو في قصصه المرعبه "القلب الواشي، والقط الاسود". وأنا اصفق لمبارك الحمود على هذا الانجاز المميز.

مبارك الحمود 07-05-2011 06:42 AM

أستاذ أيوب..
أنا محظوظ بك وبقراءاتك الذكية..
يعجبني فيك مثابرتك, وملاحظاتك التي تدل على ناقد يقرأ بحرص, وبعقل يقظ.
من القلب شكرا لهذا الجمال.

ايوب صابر 07-07-2011 07:56 PM

والان ننتقل الى قصة " عاطل" لكاتبها القاص مبارك الحمود

ايوب صابر 07-07-2011 07:56 PM

بسم الله



عاطل

ل
مشيت قليلا على الطريق, وأنا أشعر بتلك النوافذ الصفراء التي تراقبني, وبوجوه المحلات المعتمة التي للتو استيقظ أصحابها.. سألت نفسي: هل هناك بمؤخرة رأسي شعرات بيضاء.. وأكملت طريقي.
ل
هذه القطة التي تحتك بقدمي ماذا تريد؟!.. ليس ذنبي أنها وحيدة, وليس ذنبي أن قدمي تركلها إلى مكان معاكس لي, أبعد مني.
ط
كم أكره هذا الجو الفجري.. قبل الذروة وقبل النشاط الذي يصبح عليه العالم حولي إلا أنا.. بعد قليل ستشرق الشمس ليشتد ضوؤها النحاسي أكثر وسأشعر بالوحشة.. كم أكره النهار.. النهار الشتوي ذي السماء العارية.. برياح متدلية تستمر حتى العصر.. أشعر به قاسيا كشفرات حلاقة لامعة, خصوصا إن لازمه انفلونزا كالعادة.. بدأت أشعر بذلك منذ تخرجي من الثانوية, وشعوري بالفراغ القاتل.. لقد تحولت لثقبٍ أسود للهموم.
ا
ها أنا أقف عند المطعم.. "بيض بالجبن وكوب حليب لو سمحت".. لا أدري لماذا أشعر بالخجل وأنا آمره بذلك, لقد وضع شطة, حسنا لا بأس.. أحب الحليب بالشاي جدا, وخصوصا إن كان سكره زيادة.. أتخيل وأنا أرتشفه أني ممثل كلاسيكي في فيلم أربعيني بالأبيض والأسود, تنقصني سيجارة فقط..
ا
أفكر بشطيرة أخرى ولكني أحجم عن ذلك.. الفتاة التي أراها كل يوم تقف عند الباب بعباءتها الفضفاضة, ومعها أختها ذات السبع سنوات.. طريقة شربي للحليب تتغير, ونسيت بأي طريقة كنت أشرب..
طلبت شطيرة أخرى.. أشعر بتصنعي..
ا
"سته ساندوتش, 3فلافل بطاطس بدون سلطة, وكثر الكاتشب, ووحدة بدون كاتشب" بالكاد يسمع صوت الفتاة.. "أبي ببسي معاها" تقولها الصغيرة بعد فترة من الوقت, "ببسي على الصبح, سوينا حليب بالبيت يكفي" تهمس أختها كاظمة غضبها, وهي تشد مريول الطفلة من الكم.. أفكر أن أدفع عنهم لكني خائف من ردة الفعل..
ع
أكمل طريقي بعد دفعي لحسابي متأخراً بعد خروج الفتاة.. أصل البيت وأدخل المفتاح بثقل لأتفاجأ بالخادم يسبقني بفتح الباب لي, ولأجد أبي يستعد للخروج, والخادمة تقدم له فنجان القهوة السوداء الثقيلة.. يشير إلي والفنجان في فمه, ويقول بعد رشفة سريعة: (جهز نفسك ستذهب معي الليلة لعشاء وزير العمل).. زوجة أبي الثالثة تجلس على الأريكة, تبتسم باتجاهي كقطة فارسية سمينة.. قدمي تحكني.. سحقا ً.

ايوب صابر 07-07-2011 07:58 PM

محاولة لفكفكة الغموض في القصة هنا وسبر أغوارها والإشارة إلى عناصر الجمال والتأثير فيها ومعرفة المغزى :


في الواقع هذه القصة لا تختلف كثير عن قصص مبارك الحمود من حيث كونها قصة عميقة تمتلئ بالعناصر الجمالية التي تجعل النص مدهشا وجذابا ومشوقا وعميقا. وهي تعالج قضية نفسية أيضا كباقي قصص مبارك الحمود التي قرأتها .


بداية من العنوان ( عاطل ) ورغم انه يشتمل على كلمة واحدة لكنها كلمة تقول الكثير وحتما تثير في نفس المتلقي الكثير من الأسئلة : فما قصة هذا الـ عاطل؟ ولماذا هو عاطل؟ ثم ماذا إن كان عاطل؟ وهكذا؟


ويلاحظ من البداية أن حروف كلمة عاطل مقلوبة قد استخدمت للفصل بين الفقرات، ويلاحظ أيضا ان الكاتب قد كرر حرف الألف 3 مرات بينما كرر حرفي الـ اللام مرتين بينما استخدم حرف العين و الطاء مرة واحدة فجاءت الحروف كما يلي ( ل ل ط أ أ أع )، وهي عكس كلمة عاطل مع مد الألف واللام وتكررهما؟!.


ننتقل الآن للحديث عن الفقرة الأولى والتي جاءت على الشكل التالي واستبقت بحرف ( ل ) وهو الحرف الأخير من كلمة العنوان:




مشيت قليلا على الطريق, وأنا أشعر بتلك النوافذ الصفراء التي تراقبني, وبوجوه المحلات المعتمة التي للتو استيقظ أصحابها.. سألت نفسي: هل هناك بمؤخرة رأسي شعرات بيضاء.. وأكملت طريقي".


لقد استخدم القاص مبارك الحمود ضمير المتكلم وهو ما يعطي النص حميمية. وهو من أول كلمة يستخدم كلمة ( مشيت ) وهي تدل على الحركة، والحركة كما هو معروف تجعل النص حيويا.
ثم نجده يستخدم كلمة ( اشعر ) وهو تكتيك يريد به إقحام المتلقي بالنص أكثر من خلال استثارة حواسه ومشاعره. ونجده يصف النوافذ باللون (الأصفر ) ولا شك أن لاستخدام الألوان سحر خاص يجعل النص اقرب إلى اللوحة الفنية.


ونجده يشخصن النوافذ وكأنها عيون تراقبه، كما انه يشخصن واجهات المحلات وكأنها وجوه تراقب أيضا. تلك المحلات التي يصفها بالعتمة ليوحي بالظلمة ويهيئ المتلقي إلى جو النص الذي أراده كئيبا حتما بما انه استخدم اللون الأصفر في وصف النوافذ والمحلات بالعتمة.


تلك المحلات التي استيقظ أصحابها للتو مما يشير إلى الليل والعتمة أيضا، وهو ما يضفي مزيد من اللون القاتم على اللوحة التي أراد الكاتب أن يرسمها لنا، فيضعنا في جو النص الذي يبدو انه أراده جو من الكآبة المظلمة الممزوجة باللون الأصفر الذي هو لون الموت والكآبة. وفي كلمة المراقبة ووجوه استخدام للحواس ( حاسة النظر ) وهو أمر له وقع خاص على المتلقي حيث يجد أن حواسه قد استفزت بدورها.


ثم ينتقل بنا الكاتب لنجده يسأل نفسه سؤال ( هل هناك بمؤخرة رأسي شعرات بيضاء؟ ) وهو سؤال لا يبدو أن له علاقة بالسياق وفيه غموض وربما رمزية مقصوده؟ فما مغزى هذا السؤال؟ ثم لماذا يكون في رأسه شعرات بيضاء؟ ثم لماذا بيضاء؟ وهل استخدامه للون الأبيض هنا محاولة واعية منه لإضافة مزيد من اللون؟ واستخدام وحشد النقائض والتي يكون لها قوة جذب مهولة لذهن المتلقي؟ اليس الأبيض هو نقيض العتمة والليل؟ ثم ماذا قصد القاص بذكر مؤخرة الرأس تحديدا؟ لماذا لم يشر إلى رأسه ككل أو مقدمة رأسه؟
بعد ذلك نجده يخبرنا بأنه أكمل طريقه... وفي ذلك مزيد من الحركة التي تجعل المتلقي ينشد للنص اكثر فأكثر وقد تولد في ذهنه عدد كبير من الأسئلة التي يريد أن يستكمل القراءة لعله يجد لها تفسير واجابات في ظل مشهد رسم بريشة فنان استخدم فيها عدة الوان فكانت في غاية التعبير والتأثير والجذب لما سيلي من النص.

يتبع،،



ايوب صابر 07-10-2011 11:46 AM

تابع ،،
محاولة لفكفكة الغموض في القصة هنا وسبر أغوارها والإشارة إلى عناصر الجمال والتأثير فيها ومعرفة المغزى :
------
في الفقرة الثانية من القصة والتي هي عبارة عن سطرين فقط وتبدأ كسابقتها بحرف اللام ( ل) أيضا والتي تنص على: "


ل

هذه القطة التي تحتك بقدمي ماذا تريد؟!.. ليس ذنبي أنها وحيدة, وليس ذنبي أن قدمي تركلها إلى مكان معاكس لي, أبعد مني.

نجد القاص قد انتقل بنا ليعرفنا بالشخصية الثانية في القصة، والشخصية هذه المرة قطة إذ يصفها القاص على لسان بطل القصة بأنها تحتك بقدمه وفي ذلك طبعا حركة تحافظ على حيوية النص لا بل تزيده حيوية وهو سمة تمتاز بها نصوص مبارك الحمود. وفي تعريفه للقطة يطرح الكاتب سؤال ماذا تريد تلك القطة ؟ وفي ذلك مزيد من التشويق للمتلقي إذ يتابع القراءة وفي نيته معرفة ما تريده تلك القطة. ونجد مبارك الحمود يبدع في رسم شخوصه فعلى الرغم من قلة الكلمات التي يصف بها القاص الشخصية الثانية ( القطة ) نجده وكما فعل مع شخص بطل القصة يرسم لنا ملاحم شخصية القطة فهي ( وحيدة ) كما هو بطل القصة وحيد وكئيب يشعر وكأن النوافذ وواجهات المحلات تراقبه. وفي وصفه لحال القطة يستثير في المتلقي عاطفة الشفقة. ثم يخبرنا بأنه قام على ركلها وفي ذلك مزيد من الحركة وركلها جاء باتجاه (معاكس) له وفي ذلك استثمار للنقائض ذات الوقع السحري على دماغ المتلقي.

طبعا على الرغم من الوضوح الظاهر للنص لكنه يشتمل على الكثير من الغموض، بداية من استخدام حرف ( ل) يفتتح في الفقرة الثانية، وكأنه كود يحمل على لغة مجهولة ربما مستقبلية وربما أن الكاتب نفسه ( اي كاتب) لا يعرف معناها أو رمزيتها ودلالتها الكودية. فعلى الرغم أن فعل الكتابة يبدأ عملا واعيا مسيطرا عليه لكن سرعان ما يتحول الى فعل غير واعي بحيث يتولى العقل الباطن السيطرة على العملية الإبداعية وتبدأ اللغة تتدفق من خبايا الدماغ وثناياه وغالبا ما تحمل الكلمات مثل هذه الكودات التي يكون لها أحيانا دلالات عميقة ومستقبلية لا تفهم إلا بعد أجيال. ولا شك أن وجود مثل هذه الكودات هو مؤشر على عمق النص وعبقريته حتى ولو ظن الكاتب نفسه بأنه مجرد كلمات واضحة ودلالتها مقتصرة على ما يقصده هو بعقله الواعي.

والغموض لا يقتصر على استخدام حرف اللام كفاصل في مقدمة الفقرة بل يتعداه إلى النص نفسه. فهو مثلا يتحدث عن (قطة) تحتك بقدمه فما سبب ذلك؟ هل السبب شعورها بالوحدة هي أيضا حيث يصفها بالوحيدة؟ أم لأنها أحست بكآبته فكانت وحدته بمثابة مغناطيس جذبت القطة له؟ وهل يمكن أن تُقْدِمْ قطة على الاحتكاك بقدم عابر سبيل دون أن يكون هناك نوع من الإلفة بينهما؟ ام ان الطيور على اشكالها تقع؟ وهل يتحدث الكاتب هنا عن قطة؟ أم هي لغة كودية يقصد بها امرأة مثلا؟ ثم لماذا يركلها بمثل تلك الطريقة؟ ولماذا يبرر لنفسه ولنا بأنه لا يتحمل ذنب ركلها باتجاه معاكس! كما لا يتحمل ذنب وحدتها؟ حيث نجده يشخصن القدم وكأنها هي لوحدها التي قامت بفعل الركل! وما مغزى أن يقول بأن الركل كان إلى مكان -ابعد مني-؟ وهل هناك ركل باتجاه الداخل؟
وعليه ما مغزى هذه الفقرة القصيرة والمكثفة والمعدودة الكلمات؟
هل هي لوحة مكملة للمشهد الكئيب الذي رسمه القاص ببراعة لنا في الفقرة الاولى؟ ام ان للقطة دور رئيسي في تطور الحدث؟
والى أين يتجه بنا الحدث؟؟؟؟

يتبع،،

ايوب صابر 07-13-2011 08:42 AM


تعالوا معي الآن نستكشف خفايا وأعماق الفقرة الثالثة والتي تنص على "


كم أكره هذا الجو الفجري.. قبل الذروة وقبل النشاط الذي يصبح عليه العالم حولي إلا أنا.. بعد قليل ستشرق الشمس ليشتد ضوؤها النحاسي أكثر وسأشعر بالوحشة.. كم أكره النهار.. النهار الشتوي ذي السماء العارية.. برياح متدلية تستمر حتى العصر.. أشعر به قاسيا كشفرات حلاقة لامعة, خصوصا إن لازمه انفلونزا كالعادة.. بدأت أشعر بذلك منذ تخرجي من الثانوية, وشعوري بالفراغ القاتل.. لقد تحولت لثقبٍ أسود للهموم".

طبعا نجد القاص يبدأ الفقرة برمز كودي آخر، الله فقط يعلم مغزاه أو معناه الكودي، وهو حرف الطاء هذه المرة، وهو الحرف الثاني من كلمة عاطل عند كتابتها بالمقلوب (ل ط أ ع ).

ونجد القاص في هذه الفقرة والتي تحتوي على 65 كلمة يكرر كلمات لها علاقة بالمشاعر والأحاسيس احد عشر مرة ( اكره، سأشعر، وحشه، أكره، اشعر، قاسيا، أشعر، وشعوري، فراغ، قاتل، للهموم) وهو أمر له وقع مهول على مشاعر المتلقي فيجد نفسه وكأنه يعيش الحدث.

ونجد القاص يوظف النقائض من جديد فهو من ناحية يتحدث عن العتمة واللون الأصفر وجو الكآبة ومن ناحية أخرى يتحدث عن ذلك الجو ألفجري. جو النشاط الذي يصبح عليه العالم ونقيضه جو الكسل والفراغ القاتل الذي يصبح عليه هو. ثم ذكر والشمس والفجر وفي المقابل ذكر نقضها الثقب الأسود وتوظيف هذه المتناقضات له سحر على عقل المتلقي.

كما أن القاص في هذه الفقرة يستمر في تصوير جو النص ورسم المشهد ببراعة وجمال فني خلاب وبديع بريشة الفنان المرهف الإحساس والقادر على توظيف الألوان، لتكتمل في ذهن المتلقي صورة مشهد الحدث، وجو النص الذي يكاد يتجسد في النص لشدة براعة القاص على الوصف الجميل وبناء المشهد. فهو هنا يضيف للصورة التي بدأ في رسمها في الفقرة الأولى مزيدا من الألوان فالجو من ناحية، فجري، فيه الشمس على وشك أن تشرق، لتلقي بضوئها النحاسي، في ذلك اليوم الشتوي، شديد البرودة، كون أن السماء عارية، وتسافر عبرها رياح متدلية.

وكل ذلك يوظف من قبل القاص ببراعة ليعكس حالة البطل النفسية، لا بل ليعمق وصف حالة الكآبة التي يعاني منها البطل، تلك الحالة النفسية التي من ناحية تملؤها مشاعر الكره لذلك الجو ألفجري على الرغم من جماله الخلاب وأضواءه النحاسية، وعلى الرغم انه يمثل ولادة للنشاط والذروة، ومن ناحية أخرى تشعر البطل بالوحشة والإحساس بالبرودة القارصة لرياح الشتاء المتدلية من سماء عارية، والتي لها على البطل وقع مهول أشبه ما يكون بشفرات حلاقة لامعة، مما يزيد من شعور البطل بالفراغ القاتل، فيتحول ذلك البطل ليس فقط إلى إنسان كئيب وإنما إلى ثقب اسود يبتلع كل هموم الدنيا فهو ليس كئيب فقط بل الكآبة السوداء بعينها.

ونجد في النص مزيد من الكلمات التي تدل على الحركة ( النشاط )، وذلك من العناصر الجمالية التي لها اثر مهول على المتلقي.

وفيها أيضا مزيد من الألوان (ضوء نحاسي، اسود) وهي أيضا عناصر جمال بالغة التأثير. وفيه وصف غاية في الجمال (فالجو فجري، سماء عارية، ورياح متدلية، ونهار كشفرات حلاقة لامعة، وفراغ قاتل، وثقب اسود).

وفي الفقرة تشخيص إذ صور القاص السماء وكأنها امرأة عارية، ونهار قاطع مثل شفرات الحلاقة، والفراغ وكأنه إنسان قادر على القتل.

وهنا نجد القاص يستكمل بناء الشخصية ببراعة أيضا، ويدفعنا للإحساس بهموم البطل ووحشته وكآبته، ونكاد نستشعر ذلك الجو الكئيب، وتلك الرياح الباردة المتدلية من تلك السماء العارية التي تعصف بالبطل، ونكاد نستشعر بألم تلك الشفرات اللامعة التي يحس بها البطل تقطع اوصاله، كل ذلك على الرغم من جمال تلك اللحظة الصباحية التي تسبق شروق الشمس بقليل، فيعزز صفة الكآبة التي رسمها في الفقرة الأولى لا بل يبدع في رسم الشخصية إلى حد أن شخصية البطل تتحول إلى ثقب اسود فيجذب المتلقي ليتعاطف معه أو ربما يكرهه بل يمقته على تلك الكآبة والوحشة والفراغ القاتل.

وفي ذلك ما يشير إلى قدرة الكاتب على رسم شخوصه ببراعة مهولة وكأن البطل تحول إلى كائن حي وليس شخصية في قصة.
يتبع،،



ايوب صابر 07-14-2011 09:00 AM

تابع ،،محاولة لفكفكة الغموض في القصة هنا وسبر أغوارها والإشارة إلى عناصر الجمال والتأثير فيها ومعرفة المغزى :

ويستمر القاص مبارك الحمود في الفقرة الرابعة في سرد الحدث الذي يتمحور في مجمله حول شخصية بطل القصة، بنفس البراعة والقوة والتكثيف والجمال الفني المعبر والمؤثر إذ يقول:

" أ

ها أنا أقف عند المطعم.. "بيض بالجبن وكوب حليب لو سمحت".. لا أدري لماذا أشعر بالخجل وأنا آمره بذلك, لقد وضع شطة, حسنا لا بأس.. أحب الحليب بالشاي جدا, وخصوصا إن كان سكره زيادة.. أتخيل وأنا أرتشفه أني ممثل كلاسيكي في فيلم أربعيني بالأبيض والأسود, تنقصني سيجارة فقط.."

ونجده في هذه الفقرة الرابعة (والتي تتكون من 49 كلمة ) يبدأ برمز كودي جديد هو حرف الألف (أ) هذه المرة، وهو الحرف الثالث من كلمة عاطل عند كتابتها بالمقلوب (ل ط أ ع ).

ونجد أن مبارك الحمود ولأسباب غير معروفة، يكرر في مطلع الفقرتين التاليتين هذا الحرف (أ)، وعلى غير ما فعل بالحروف الأخرى ( ل+ ط )، ولاشك أن لذلك رمزية ما؟! وهي حتما لغة كودية تلد في لحظة الوجد، في الغالب لا يدرك مغزاها حتى الكاتب المبدع نفسه ولو ظن عكس ذلك.

والسبب لا شك يعود إلى أن عقل المبدع يعمل وخلال لحظة ( الوجد ) أي لحظة الاشتعال الإبداعي أو لحظة ولادة النص الإبداعي بقوة بوزيترونية ما ورائية لا محدودة في قوتها، تلتقي فيها الأمكنة جميعها في نقطة واحدة، وكذلك تلتقي فيها الأزمنة جميعها في لحظة واحدة، وتتناسب قوة لحظة الوجد هذه طرديا مع الوتيرة التي يعمل بها دماغ الشخص المبدع، تلك الوتيرة المرتبطة بدورها بكيمياء الدماغ، وقوة الدفق في كيمياء الدماغ مرتبط بدوره في المآسي والفجائع والصدمات التي يمر فيها المبدع خاصة في طفولته المبكرة، وأعظمها تأثيرا هو اليتم. وعليه قد تحمل مثل هذه اللغة الكودية دلالات ومعاني وأعماق وأبعاد لا يمكن فهمها أو استيعابها في زمن ولادة النص، أو من خلال القراءة الواعية لها، وعلى الأغلب أن اللغة التي يخرج فيها النص الإبداعي تمثل رموز كودية تحمل على معاني ودلالات مستقبلية ما ورائية الأبعاد والأعماق ، والزمن فقط هو الكفيل بفكفكة وكشف أسرارها ورمزيتها وفهمها بشكل كامل، وتظل أي قراءة لها اجتهاد قد لا يصل إلى أعماقها الحقيقية.

لكننا نجد في نص هذه الفقرة أيضا الكثير من عناصر الجمال المؤثرة في المتلقي. فالقاص وهو يتحدث على لسان البطل يخبرنا انه يقف عند المطعم في مثل ذلك الجو ألفجري نحاسي الضوء والذي أبدع القاص في رسمه بريشة الفنان الذي يتقن استخدام الألوان والتفاصيل. والوقوف يعني عكس الحركة. فالقاص يُسَخرْ هنا عنصرين مهمين من عناصر الجمال في كلمة واحدة وهما ( الحركة ) والنقيض وفي ذلك اثر مهول على ذهن المتلقي.
ونجده يدخل إلى لوحته مزيدا من الألوان (الأبيض) وهو يذكره بصورة مباشرة مرة واحده عندما يتحدث عن فيلم أربعيني ( بالأبيض والأسود ) و هو هنا يسخر النقائض أيضا فيرمي عصفورين في حجر واحد كما يقال فيكون للعبارة وقع مكثف بدرجة التكثيف في النص.

ولكنه يستحضر اللون الأبيض بصورة غير مباشرة من خلال ذكره كلمات توحي وترتبط ذهنيا بشكل وثيق باللون الأبيض مثل ( البيض، والجبن، والحليب، ثم الحليب مرة أخرى، والسكر). كما انه يذكر اللون الأحمر بنفس الأسلوب حينما يذكر ( ألشطه، والشاي ).

ونجد القاص في هذه الفقرة أيضا يكرر كلمات لها علاقة بالمشاعر والأحاسيس مرة بصورة مباشرة مثل ( اشعر بالخجل، و أحب) ومرة أخرى بصورة غير مباشرة حين يذكر كلمات لها علاقة بحاسة الذوق مثل ( شطة، وسكر، و ارتشف) وهو ما يجعل للنص وقع إضافي مهول على مشاعر المتلقي.

وفي هذه الفقرة نجد أن القاص قد ادخل شخصية ثانوية جديدة، وهي شخصية السفرجي في المطعم، وهي الشخصية الثالثة في القصة، وواضح أنها هذه الشخصية قد سخرها القاص لاستكمال رسم صورة بطل القصة، والتي هي الشخصية الرئيسية في النص، وذلك ما يشير إلى دراية الكاتب بفنيات الكتابة القصصية المؤثرة...فقد محور قصته حول شخصية محورية واحدة أتقن القاص وصف حالته النفسية، وكأنه طبيب نفسي يكتب تقرير وصفي عن حالة البطل النفسية، ويضمن ذلك كل جوانب ما يحب ويكره ذلك البطل.

يتبع،،

ايوب صابر 07-18-2011 09:29 PM

تابع ،،
محاولة لفكفكة الغموض في القصة هنا وسبر أغوارها والإشارة إلى عناصر الجمال والتأثير فيها ومعرفة المغزى :


الفقرة الخامسة تبدأ بكود مكرر وهو حرف الألف (أ) وفيها يستكمل القاص بناء الحدث بنفس الأسلوب من الجمال والتكثيف والاهتمام بالتفاصيل وحشد الألوان واستنفار الحواس والأحاسيس والنقائض ويضيف عليها استخدام الأرقام واستثارة المخيلة. ونحن نجد أن كل كلمة من كلمات الفقرة تكتنز في داخلها عنصر من عناصر الجمال المؤثرة. وهي تنص على ما يلي:
" ا
أفكر بشطيرة أخرى ولكني أحجم عن ذلك.. الفتاة التي أراها كل يوم تقف عند الباب بعباءتها الفضفاضة, ومعها أختها ذات السبع سنوات.. طريقة شربي للحليب تتغير, ونسيت بأي طريقة كنت أشرب..
طلبت شطيرة أخرى.. أشعر بتصنعي.."

وها هو القاص يضيف في مطلع هذه الفقرة إلى صفات شخصية البطل صفة التردد فهو يفكر (استخدام التفكير والمخيلة) في شطيرة أخرى لكنه يحجم عن ذلك.

وفجأة تظهر فتاة في الحدث وهي شخصية ثانوية جديدة تقف على باب المطعم (يراها البطل) وفي ذلك استنفار لحاسة البصر، ترتدي (عباءة فضفاضة)، وفي ذلك استثمار للنقائض و (تقف عند الباب) وفي ذلك نقيض للحركة، أي أن فيها استثمار للحركة والنقائض من جديد. ومع تلك الفتاة أختها ذات (السبع) سنوات ولا شك أن للأرقام سحر مهول في النص القصصي وهي تزيد اثر اللغة الكودية حدة ورمزية وغموض ودلالات فالأرقام هي لغة الكون...فلماذا (سبع سنوات) مثلا؟

ويكون لبروز تلك الفتاة ذات العباءة الفضفاضة اثر مهول ووقع مباشر على بطل القصة رغم انه يراها كل يوم كما يقول، فتتغير طريقته (في شرب الحليب) وهو مؤشر على حالة الانفعال التي أصابته، وفي ذلك استنفار لحاسة الذوق، بينما يُذَكّر الحليب باللون الأبيض من جديد، (فينسى) البطل وفي النسيان استحضار للذاكرة والمخيلة والفكر، (بأي طريقة كان يشرب ) وفي الشرب تكرار يستنفر حاسة الذوق وله اثر بالغ على المتلقي.

ولكن التغير لا يقتصر على طريقة بطل القصة في شرب الحليب فهو يعود ليغير رأيه بخصوص طلب شطيرة أخرى، فيقرر طلب واحدة أخرى بعد أن كان قد أحجم عن ذلك..فيشعر هو بتصنعه (وفي ذلك حشد للمشاعر والأحاسيس من جديد)، ونشعر نحن بالتغير الذي يحصل في شخصية بطل القصة على اثر رؤية تلك الفتاة.

وهنا نلاحظ أن القاص تمكن من إحداث تطوير على شخصية بطل القصة فجعلها وفي نقلة نوعية حيوية ديناميكية، نامية ومتغيرة، وليست شخصية جامدة، وهو مؤشر على دراية القاص بأهمية بناء الشخصية في القصة حيث تجعلها تلك الحيوية والدينامكية اقرب إلى الحياة عند المتلقي واقدر على الجذب، ويكون لذلك وقع شديد واثر بالغ على المتلقي، ويدفع المتلقي لاتخاذ موقف من تلك الشخصية.

وهو في نفس الوقت لا يكاد يقول لنا شيء عن شخصية الفتاة وأختها ذات السبع سنوات فتظل هذه الشخصيات سطحية غير معقدة التركيب والبناء، فينجح القاص بذلك في تسخير هذه الشخصيات الإضافية لخدمة التطور والتغير في مسلكية ونفسية وشخصية بطل القصة الرئيسي.

ولكن الغموض يظل هو سيد الموقف حول تطور الحدث حتى هذه اللحظة، ولا نعرف تحديدا أين يتجه بنا القاص؟ وما لدينا حتى الآن يمكن تلخيصه في قصة شاب يمشي على الطريق في مشهد يراه كئيبا رغم انه وقت الفجر، يشعر بفراغ قاتل رغم انه وقت النشاط، يسير في ذلك الطريق على غير هدى في يوم شتوي يشعر به قارص البرودة ، ويصاحب تلك الكآبة والفراغ أنفلونزا. تحتك بقدمه قطه لكنه يركلها بعيدا عنه. يصل ذلك الشاب إلى مطعم حيث يطلب شطيرة , وكوب حليب وفجأة تظهر فتاة ويكون لظهورها وقع شديد عليه يجعله يغير من طريقة شربه للحليب رغم انه يراها كل يوم كما يقول فيتصنع في تصرفه وسلوكه.

طبعا كل هذا التطور في الحدث يتم في فضاء مكاني وزماني محدودين ، ومحدودية الفضائيين المكاني وألزماني من خواص القصة القصيرة المؤثرة، وفي ذلك مؤشر إضافي بأن القاص يحرص على البناء القصصي الجميل والمؤثر.

ولكن يظل السؤال إلى أين يتجه بنا القاص في هذا الحدث؟ وكيف ستكون عليه لحظة الكشف؟ ثم ما هي الرسالة في هذه القصة إن كان يوجد رسالة أصلا؟

ايوب صابر 07-21-2011 08:38 AM

تابع ،،
محاولة لفكفكة الغموض في القصة هنا وسبر أغوارها والإشارة إلى عناصر الجمال والتأثير فيها :

وهذه الفقرة السادسة وقبل الاخيرة تبدأ بنفس الكود المكرر في الفقرتين السابقتين وهو حرف الألف (أ) وفيها يدرج القاص مزيد من الأرقام ويا لسحر الأرقام هذه اللغة الكودية التي تزيد النص رمزية وغموض ودلالات كونها لغة الكون... هذه الفقرة تتكون من 51 كلمة وتنص على ما يلي:
" أ
سته ساندوتش, 3فلافل بطاطس بدون سلطة, وكثر الكاتشب, ووحدة بدون كاتشب" بالكاد يسمع صوت الفتاة.. "أبي ببسي معاها" تقولها الصغيرة بعد فترة من الوقت, "ببسي على الصبح, سوينا حليب بالبيت يكفي" تهمس أختها كاظمة غضبها, وهي تشد مريول الطفلة من الكم.. أفكر أن أدفع عنهم لكني خائف من ردة الفعل..

ويبدو أن أهم عنصر من عناصر الجمال في هذه الفقرة هو إدراج مزيد من الأرقام فيها، فبالإضافة إلى الرقم 7 الذي ذكره القاص في الفقرة السابقة نجده هنا يذكر الأرقام (6 ، و3 و 1)، لكن الفقرة لا تقتصر على ذلك، بل فيها حشد من الكلمات ذات الدلالة، فكلمات (يسمع، صوت ، وتقولها ، وتهمس، وتشد)، فيها استثارة لحاسة السمع واللمس لدى المتلقي. أما كلمات ( غضبها ، وخائف ) ففيها استثارة للمشاعر والأحاسيس. كذلك نجد أن القاص يسخر النقائض (بدون + كثر ، تشد + أدفع ، الفعل + ردة الفعل). كما نجد القاص قد حشد عدد من الكلمات التي ترتبط بألوان متعددة ( سلطة، كاتشب، ببسي، حليب، مريول، الصبح بلونه ألفجري ) وكأنه يستحضر الألوان الأخضر والأحمر والأبيض، والنحاسي. وهو ما أضفى على النص مزيد من الجمال والسحر وكأن الكاتب لا يكتب قصة وإنما يرسم لوحة فنية تملؤها الالوان.

لكن عنصر الجمال الأهم في الفقرة فهو تكرار حرف السين ومشتقاته الشين والصاد 15 مرة في هذه الفقرة التي تحتوي على 51 كلمة ، (لاحظ العلاقة الكودية بين الرقمين 15 + 51 ) وهذه الكلمات ( سته ، ساندوتش, بطاطس ، سلطة، الكاتشب,كاتشب، يسمع، صوت، ببسي، الصغيرة، ببسي، الصبح, سوينا ، تهمس ، تشد )، والمعروف أن حرف السين بموسيقاه الساحرة هو من أحرف الهمس "سيناً أو شيناً أو صادا" ، وقد استخدمه البحتري، كما يقول الشاعر عمر أبو غريبة ،"حين دخل إيوان كسرى طريدا، خائفا، خاشعا، معتبرا"، والمعروف أيضا أن من صفات حرف الشين ( التفشي)أي هو انتثار الهواء عند خروجه من الفم وهو غالبا ما يستخدم بهدف التعبير عن الحسرة والحزن والكآبة، واستخدام هذه الحروف له وقع مهول على أذن السامع حيث يتأثر المتلقي لحال قائل هذه الحروف وهو هنا بطل القصة .

وذلك يتناسب حتما مع حالة البطل النفسية، والتي يغلب عليها الكآبة والحزن والتردد والشعور بالفراغ، ولكننا هنا نكتشف انه يتحسر أيضا لرؤية تلك الفتاة التي يحبها لكنه لا يجرؤ ( يخاف ) على مخاطبتها أو التحدث معها، ربما لأنه عاطل، رغم أن هناك ما يشير إلى أن ذلك الشعور ( الحب) متبادل، والدليل أنها مثل البطل تشرب الحليب صباحا، وتهمس حين تتكلم وتتصرف بخجل ودلال.
والدليل الآخر هو ما حل به ( البطل ) من اضطراب عندما رآها ثم طلبه لشطيرة ثانية بعد أن قرر العزوف عن ذلك، بهدف إطالة مكوثه في حضرتها، ثم تفكيره في أن يدفع عنها الحساب لكنه لم يفعل لخوفه من ردة الفعل.

وعليه فإننا نجد أن هذه الفقرة جاءت متناسبة مع الحالة النفسية لبطل القصة، وقد سخرها القاص أيضا بهدف استكمال بناء شخصية البطل باحتراف وفنية مشهودة، رغم انه تحدث بتفاصيل دقيقة جدا عن تلك الفتاة وعن المشهد، ولا ننسى أن الاهتمام بالتفاصيل الوصفية دون التأثير السلبي على التكثيف في القصة له سحر مهول أيضا وهذه الخاصية تحديدا هي ما جعل همنجوي كاتبا عظيما، ويتضح لنا أن وجود الفتاة في المطعم كان يهدف إلى مزيد من التعريف بشخصية البطل وبما يدور في نفسه من مشاعر وأحاسيس ومخاوف، ولا شك أن ذلك مؤشر على براعة القاص وقدرته على البناء الفني الجميل والبليغ والمؤثر.

يتبع ،،

ايوب صابر 07-23-2011 07:57 PM

تابع ،،
محاولة لفكفكة الغموض في القصة هنا (عاطل) وسبر أغوارها والإشارة إلى عناصر الجمال والتأثير فيها :

وهذه هي الفقرة السابعة ( 7 ) والأخيرة في القصة ( فهل يا ترى هناك علاقة كودية بين سن الفتاة الصغيرة في المطعم والتي عمرها ( 7 ) سنوات و عدد فقرات القصة السبعة؟ أم هي مجرد صدفة؟ أم أن العقل الباطن إذا ما عمل بطاقات البوزيترون يكون له قدرات مهولة على توليد نصوص كودية مهولة لا يمكن إدراكها بالعقل الواعي ؟ وهذا هو نص الفقرة السابعة:

ع


أكمل طريقي بعد دفعي لحسابي متأخراً بعد خروج الفتاة.. أصل البيت وأدخل المفتاح بثقل لأتفاجأ بالخادم يسبقني بفتح الباب لي, ولأجد أبي يستعد للخروج, والخادمة تقدم له فنجان القهوة السوداء الثقيلة.. يشير إلي والفنجان في فمه, ويقول بعد رشفة سريعة: (جهز نفسك ستذهب معي الليلة لعشاء وزير العمل).. زوجة أبي الثالثة تجلس على الأريكة, تبتسم باتجاهي كقطة فارسية سمينة.. قدمي تحكني.. سحقا ً.


ويلاحظ أن هذه الفقرة تبدأ بحرف كودي آخر هو حرف العين (ع) وهو غير مكرر مثل حرف الطاء، وهو الحرف الأخير من كلمة (عاطل) إذا ما كتبت بالمقلوب.
وهنا يتطور الحدث باتجاه آخر ويتغير المشهد فجأة فنجد القاص قد حشد سبع (7) شخصيات دفعة واحدة ( الفتاة، الخادم، الخادمة، والأب ، وزوجة الأب، ووزير العمل ، والقطة الفارسية، والبطل نفسه)، رغم أن البطل يظل هو الشخصية الرئيسة ومحور الحدث.
كما أننا نجد أن المشهد هنا يعج بالحركة والحيوية على عكس حالة البطل المتثاقلة، ونجد القاص يكرر كلمات توحي بالحركة 17 مرة، وهي (أكمل طريقي، دفعي، خروج ، أصل، وادخل، يسبقني، فتح، للخروج، تقدم، يشير، رشفة، سريعة، جهز، ستذهب، العمل، تجلس، تحكني). وهو عدد هائل من الكلمات في فقرة تحتوي على 62 كلمة فقط.
ولكن هذه الحيوية التي تضفيها كلمات تنم عن الحركة ليست عنصر الجمال الوحيد في النص، فالقاص يكرر هنا ذكر الألوان أيضا ( القهوة السوداء ، الليلة)، ويحشد عدد من الكلمات التي توقظ الحواس وترتبط بها ( فمه ، يقول، رشفة، تبتسم)، وفيها استخدام للأرقام ( حسابي ، الثالثة)، والنقائض ( خروج + دخول، يثقل+ يسبق، ثقل+ سريعة، العمل + عاطل ). ونجد أيضا أن الفقرة تشتمل على كلمات عديدة تحتوي على حرف السين ومشتقاته الصاد والشين حيث تتكرر هذه الحروف 16 مرة ليظل سحر موسيقى حروف الهمس هذه هى المسيطرة ويستمر وقعها المؤثر في نفس المتلقي بنفس الحدة والقوة.

ونلاحظ أن البطل عندما يعود إلي البيت يحاول إدخال المفتاح بتثاقل ربما لما يعاني به من إحباط وكآبه وظنا منه أن من في البيت لا بد أنهم نيام، لكنه يجد أن الخادم يسبقه في فتح الباب ليدخل فجأة إلى حيز ملئ بالنشاط والحركة، ( فالخادم يسبقه في فتح الباب، والخادمة تقدم لوالده فنجان قهوة، ووالده يرتشف منه رشفه سريعة ويتحدث عن لقاء ليلي مع من؟ مع وزير العمل...وهنا لحظة الانقلاب فهذا الـ (عاطل ) ذاهب إلى لقاء وزير العمل على العشاء..ولا شك أن في ذلك سخرية مقصودة من قبل القاص أراد بها أن يسلط الضوء بكثافة وقوة على حال هذا العاطل من خلال تسخير النقائض وهذه المرة وزير العمل!
ولكن الحدث لا ينتهي هنا فبطل القصة والذي اخبرنا أن قطة لم يعرف ماذا تريد ، كانت قد اقتربت منه واحتكت بقدمه وهو يسير في بداية الطريق في ذلك الصباح، واخبرنا انه قد ركلها في اتجاه معاكس له، نجده هنا في مواجهه مع زوجة والده الثالثة والتي كانت تجلس على الأريكة وتبتسم باتجاهه كقطة فارسية سمينة فيشعر بقدمه تحكه...فيردد كلمة (سحقا).. لكننا لا نعرف على وجه التحديد ما هو التصرف التالي حيث ترك القاص النهاية مفتوحة ليترك المجال للمتلقي أن يتصور لنفسه كيف سارت الأحداث بعد ذلك. ولا شك أن النهاية المفتوحة يكون لها وقع مؤثر على مخيلة المتلقي فتترك القصة أثرا يدوم بعد الانتهاء من قراءتها. وعدد هائل من الأسئلة التي تظل تحوم في فضاء الدماغ للمتلقي!! مثلا :
- ما مغزى استخدام حروف العنوان (عاطل) مقلوبة للفصل بين الفقرات؟ ولماذا كرر الكاتب بعض حروف الكلمة (ل مرتين +أ ثلاث مرات) ولم يكرر الأخرى (ع + ط)؟ وما دلالة ذلك؟
- ما دلالة الشعرات البيضاء التي ظن بطل القصة أنها موجودة في رأسه؟
- ما دلالة مشهد احتكاك القطة بقدم بطل القصة في الفقرة الثانية ؟
- هل قصد الكاتب أن يقول لنا بأن مصير الزوجة الثالثة عند البطل سيكون مثل مصير تلك القطة وهو الركل طبعا باتجاه بعيد عنه؟
- ما الغرض من إدخال شخصية الفتاة التي تلبس عباءة فضفاضة؟
- ما دلالة تفكير بطل القصة في أن يدفع حساب الفتاة؟ وهل يكون الـ عاطل قادر على الدفع إذا لم يكن ميسور الحال؟
- ما دلالة العشاء مع وزير العمل سوى انه سخرية أراد القاص بها أن يبرز المعنى بتسخير النقائض ( عاطل + عمل )؟
- لماذا تفاجأ البطل عندما سبقه الخادم في فتح الباب؟
- ما سر الرشفة السريعة لوالد البطل في القصة؟ وهل لها دلالة تشير إلى طبيعة العلاقة بين الولد وأبيه؟ وان سر عطل الولد يكمن في انشغال أبيه الذي لا يملك الوقت لشرب القوة على روية؟
- هل يعالج القاص في القصة مرضا اجتماعيا وهو -معاناة الشباب في ظل مجتمع من الرفاه والوفرة المادية- وكأنه أراد القول "الوفرة مفسده
- أم هل أراد القاص أن يوصل لنا الرسالة التالية:" البطالة مرض ...توصل إلى الكآبة والانتحار ربما

أخيرا، ربما يكون القاص مبارك الحمود قد كتب قصته ( عاطل ) بوعي وتخطيط مسبق وهدف ورسالة معينة، وعرف مسبقا أين يريد أن يصل بنا. وهو حتما نجح في جعل القصة تنبض بالحيوية والجمال والألوان، من خلال تسخير فنيات الكتابة المبدعة والبليغة، وتمكن من رسم مشهد يتناسب مع طبيعة الشخصية.
كما انه تمكن من بناء قصة مكتملة العناصر من الناحية الفنية ( مدخل بليغ ينم عن حركة، حبكة تساند الأحداث فيها بعضها بعضا، وفضاء زماني ومكاني محدودين ومناسبين، وشخصية رئيسية واحدة مكتملة البناء وقد بُنيتْ بأحتراف، وشخصيات ثانوية مساندة، جو النص يتناسب مع طبيعة الشخصية، التكثيف، تسخير التفاصيل، اللغة المتناسبة مع الحالة النفسية للشخصية الرئيسية، لحظة الانقلاب، والنهاية المفتوحة ) .

لكن الأهم من ذلك كله هو تلك السمة والرموز الكودية التي امتلأت بها القصة من مطلعها إلى آخرها، وفي ذلك ما يشير إلى أن لحظة ولادة النص عند الكاتب مبارك الحمود هي أشبه ما تكون بلحظة الوجد حيث يتولى العقل الباطن بقوته اللامحدودة وطاقاته البوزيترونية العمل فيخرج النص ويولد بتلك الصورة الفذة وتلك الصفة الكودية التي تحمل على معاني مستقبلية، رغم أنها تعالج موضوعا آنيا.

يتبع،،

ايوب صابر 08-17-2011 12:19 AM

والان مع القراءة النقدية لقصة المهلهل

مباركٌ, رزقت بمولود كالقمر..
قالتها الممرضة ذات يوم لوالدي..

- ماذا أفعل به, خذيه أنت, اعتبريه هدية, ولتغني للقمر..

هكذا بدأت حياتي, كنت الطفل الخامس, لعائلة أصبح مالكها الفقر منذ أزمانٍ بعيدة.

كنت أصيح أحياناً من جفاف ثدي أمي النادر التقامي له, وأحياناً أخرى من جفاف فمي..
- يا للسخرية بدأ يتذمر منذ الآن..
يقولها والدي لترد عليه أمي:
- إنه يخبرك مقدار تذمري..
وكانت تلك آخر جملة تنطقها أمي قبل موتها كما يقول أبي, كان يضع اللوم علي, ويسألني "لماذا أتيت؟", وأقول:"اسأل روحك!؟."

لم يكن أبي الوحيد الذي كان يعاملني هكذا, فهناك الكثير من الناس, أقارب وأغراب, ومازلت أتذكر تهكم مدير المدرسة وقوله لي يوما -وهو يقرب شفاهه الثخينة اللزجة من ميكرفون الإذاعة- قبل قراءتي لفقرتي: يجب أن تغير ثوبك المهلهل القذر هذا, النظافة من الإيمان أليس كذلك يا أبنائي الصغار؟, لينظر لي بعدها مبتسما بأسنانه الصفراء المبقعة التي يغطيها العفن.
لم أجبه, فلم أعرف معنى مهلهل, ولكني ضحكت كثيرا على ذلك التعبير, وكان ضحكي يتردد صداه في مكبرات الصوت, فقد تخيلت نفسي ألبس ثوبا من الهللات الحديدية.. أمشي به بثقل وجسدي الضامر يبدو من خلال شقوق التقاء الهللات, سآخذ في كل يوم أجوع به بعضا منها حتى تكتمل الصورة بفقدها من على جسمي جميعا, ضحكت على تلك الكلمة, وتركت المدير جامدا بابتسامته تلك التي استمر عصب فمه مشدودا بها طوال اليوم.

جزء من حياتي تلك بدأتُ بفقده كتلك الهللات, وأعتقد أن الصورة حان اكتمالها, ولذلك لم أوفر الفرصة حينما أتت.. قررت التطوع لمساعدة غرقى أحد السيول حين رأيت تراجع الجموع المراقبة, وادعيت كاذبا خبرة كبيرة بالسباحة.. نزعت ثوبي المهلهل عني, وقفزت..
أناس كثر على معرفة كبيرة بهم كانوا يشاهدون غرقي, ونظرت من بينهم إلى ثوبي.. شعرت به يلوح لي مودعا.
ضمني السيل بين أحضانه, وجرفني معه كفرع شجرة مقطوع.. تلك كانت المرة الوحيدة التي أشعر بها بذلك الشعور.. كان مخيفاً, مخيفاً فعلاَ.. أن يحضنك ذو وجوه متعددة الأحضان, يقلبك على كل الجهات متى يريد, ولكني قلت في نفسي, وأنا مطمئن:كل الطرق تؤدي إلى القبر.
قلت تلك العبارة, وأنا أرى من خلف تيارات المياه الطينية ثوبي المهلهل يهبُّ واقفاً, ويقفز خلفي, ليغطي ما تعرى من جسدي.

ايوب صابر 08-17-2011 12:20 AM


قراءة نقدية معمقة لقصة " المهلهل" لكاتبها القاص مبارك الحمود:


كما هي عادته ، لا شك أن القاص مبارك الحمود قد أحسن اختيار الاسم لهذه القصة، والذي جاء على شكل كلمة واحدة " المهلهل" وهي حتما كلمة غنية تعني الكثير، وتثير في ذهن المتلقي الكثير من الأسئلة، والفضول، الذي يدفعه ليتابع القراءة...كما أننا نجد بأن البداية جاءت غاية في الشد والجذب، كونها تتحدث عن حدث غاية في الأهمية والحيوية والحركة، وهو "ولادة مولود كالقمر" مما أضفى على القصة حيوية مهولة من بدايتها.

وتزداد أهمية حدث الولادة هنا عندما نجد القاص في فقرة لاحقة وبعد اسطر قليلة، يتحدث عن نقيض الولادة في استثمار ذكي للتضاد، الذي يترك أثرا مهولا على عقل المتلقي، وذلك حينما يتحدث عن موت الأم التي أنجبت ذلك المولود.

وبذلك نجد أن القاص مبارك الحمود قد محور قصته هذه أيضا حول، ثنائية الموت والحياة، وهي من أهم الأفكار التي تجعل النص عالمي كونه يعالج قضية إنسانية وجودية لها تأثيرها السحري على عقل كل متلقي.

ونجد أيضا أن القاص قد استخدم ومن مطلع القصة لغة الحوار الذي دار بين الأب والممرضة يوم ولادة بطل القصة، وهو عامل آخر إضافي، يدفع المتلقي لان يتورط في الحدث بسلاسة وانجذاب.

كما أن القاص قد اختار هنا أن يسرد القصة علينا باستخدام ضمير المتكلم "هكذا بدأت حياتي" وهو الأسلوب الذي يمنح القصة مصداقية ويجعل الحدث قويا مؤثرا كون أن الراوي عالم بما يقول.

يتبع،

ايوب صابر 08-17-2011 12:20 AM

تابع،،

قراءة نقدية معمقة لقصة " المهلهل" لكاتبها القاص مبارك الحمود:

عندما نبحر في هذه قصة ( المهلهل ) للقاص مبارك الحمود، نجد بأنه قد اختار أسلوب الاسترجاع في سرد قصته، حيث نجد بطل القصة يعود بنا إلى يوم مولده ليصف لنا باستخدام ضمير المتكلم الظروف التي ولد فيها، وكيف كانت ردة الفعل على وصوله خاصة من قبل والده.
ونجد أن القاص قد بدأ قصته بحوار بين الأب والممرضة، ومثل هذا الحوار يدفع المتلقي للتورط في الحدث بسرعة كبيرة. ونجد أن موقف الأب من ولادة ابنه قد جاء مفاجئا، فبينما نجد الناس يرقصون فرحا وطربا لولادة ابن، خاصة إذا كان صبيا، نجد هذا الأب يعرض التخلي عنه للممرضة متسائلا ماذا يفعل به؟ وهذه البداية المغايرة والصادمة تحسب للكاتب، وتعتبر من أهم عناصر الشد للمتلقي..فلا بد أن وراء هذا الموقف قصة تستحق أن تروى.
اقتباس: " مباركٌ, رزقت بمولودكالقمر..قالتهاالممرضة ذات يوم لوالدي..
- ماذا أفعل به, خذيه أنت, اعتبريه هدية, ولتغنيللقمر..
هكذا بدأتحياتي, كنت الطفل الخامس, لعائلة أصبح مالكها الفقر منذ أزمانٍبعيدة. كنت أصيحأحياناً من جفاف ثدي أمي النادر التقامي له, وأحياناً أخرى من جفاففمي..
- يا للسخريةبدأ يتذمر منذ الآن..
يقولها والدي لترد عليه أمي:
- إنه يخبرك مقدارتذمري..
وكانت تلك آخرجملة تنطقها أمي قبل موتها كما يقول أبي, كان يضع اللوم علي, ويسألني "لماذاأتيت؟", وأقول:"اسأل روحك!؟."


ونجد أيضا بأن القصة ككل تبدأ بحدث (الولادة)، ولادة البطل، وتنتهي بحدث (الموت) موت البطل...وفي ذلك استثمار ذكي للتضاد من ناحية وتسخير لثنائية الموت والحياة كفكرة مسيطرة على الحدث في القصة ككل..وهي من أهم الأفكار والأكثر جذبا وأثرا على المتلقي.
ونجد أن القاص بدأ قصته بذكر الرقم خمسة (ألطفل الخامس) في تسخير للغة الأرقام هذه اللغة الكودية الأهم كونها لغة الكون. وفورا يتحدث عن صراع تلك العائلة مع الفقر الذي يمتد لازمان طويلة حتى أن الطفل الوليد كان هو أيضا يصارع من اجل البقاء والحياة كنتيجة لجفاف ثدي أمه، وأحيانا من جفاف فمه هو.
والصراع في القصة عنصر مهم للغاية من عناصر الشد والجذب، كونه يعكس الحياة التي تقوم في كل جوانبها على الصراع، وهو ما يجعل القصة هنا غاية في الحيوية...والذي يزيد حيوية القصة تلك الصورة المهولة التي رسمها قلم القاص لطفل يحاول الرضاعة من ثدي أمه لكنه يصرخ لجفاف ذلك الثدي..ولا شك أنها صورة غاية في التأثير على المتلقي، وهي تورطه عاطفيا مع ذلك الطفل الصغير (بطل القصة) الذي نجد بأن الحدث يتمحور حول حياته من الولادة حتى الممات...هذه الشخصية التي تظل نامية متطورة ديناميكية خلال الحبكة، وهو الأمر الذي يتقنه مبارك الحمود حيث دائما ما نجده يتقن بناء شخصيات قصصه بصورة فذة مما يدفع المتلقي إلى أن يتخذ موقف منها.
ثم نجد القاص يعود للغة الحوار من جديد في الأسطر التالية، وهذه المرة يسرد لنا ذلك الحوار القصير الذي دار بين الأب وألام، فكان دفاعها عن ابنها (المهلهل) آخر ما نطقت به من كلمات قبل موتها، لكن موت الأم لم يحل العقدة التي تشكلت بولادة الطفل، ولم يغير موقف الأب من الطفل، حتى انه صار يعتبر الابن السبب في موت الأم في قصة ظل يرددها الأب للابن طوال حياته مما أسس لصراع آخر في نفس الطفل.
ونجد أن القاص قد شخصن الفقر في هذه الفقرة من القصة وجعله وكأنه يملك العائلة كناية عن تلك الحالة الرهيبة من العوز التي كانت تعاني منها العائلة، كما انه استخدم كلمات تدل على الحواس، وكرر لذلك الغرض كلمة الفم (حاسة التذوق). لكن العناصر الأبرز هنا تظل محورة السرد حول ثنائية الموت والحياة، واستثمار التضاد بين الولادة والموت، إضافة إلى الصراع الرهيب المتعدد الجوانب،.بما في ذلك الصراع الفرويدي الخفي بين الأب والابن حول الأم، والذي ربما يكون احد الغايات من كتابة هذه القصة، حيث نجد الأب يرفض ولادة ذلك الابن الخامس منذ لحظة وصوله.
يتبع،،،

ايوب صابر 08-17-2011 12:21 AM

قراءة نقدية معمقة لقصة " المهلهل" لكاتبها القاص مبارك الحمود:

اقتباس من قصة المهلهل :
لم يكن أبي الوحيد الذي كان يعاملني هكذا, فهناك الكثير من الناس, أقارب وأغراب, ومازلت أتذكر تهكم مدير المدرسة وقوله لي يوما -وهو يقرب شفاهه الثخينة اللزجة من ميكرفون الإذاعة- قبل قراءتي لفقرتي: يجب أن تغير ثوبك المهلهل القذر هذا, النظافة من الإيمان أليس كذلك يا أبنائي الصغار؟, لينظر لي بعدها مبتسما بأسنانه الصفراء المبقعة التي يغطيها العفن.
لم أجبه, فلم أعرف معنى مهلهل, ولكني ضحكت كثيرا على ذلك التعبير, وكان ضحكي يتردد صداه في مكبرات الصوت, فقد تخيلت نفسي ألبس ثوبا من الهللات الحديدية.. أمشي به بثقل وجسدي الضامر يبدو من خلال شقوق التقاء الهللات, سآخذ في كل يوم أجوع به بعضا منها حتى تكتمل الصورة بفقدها من على جسمي جميعا, ضحكت على تلك الكلمة, وتركت المدير جامدا بابتسامته تلك التي استمر عصب فمه مشدودا بها طوال اليوم.

في هذا الجزء من القصة يبدو أن القاص مبارك الحمود يؤكد على الأحداث التي صبغت وشكلت حياة الطفل الراوي في القصة، والتي جاءت في مجملها مسيئة له، فلم يقتصر الأمر على والد بطل القصة، وإنما امتد سوء المعاملة ليشمل أقارب وإغراب.
وهنا نجد مبارك الحمود يستثمر التضاد والذي له اثر كبير على عقل المتلقي. ومن بين الأمور التي شكلت وصاغت شخصية بطل القصة، وكان لها تأثير كبير عليه وعلى تركيبته النفسية اللاحقة، ذلك الموقف الذي تهكم فيه مدير المدرسة على الطفل (المهلهل) وإحراجه أمام أقرانه من الطلاب بطلبه منه ضرورة تغير ثوبه المهلهل، والقذر.
ونجد في هذا الفقرة استثارة لحاستي الذوق والسمع، وذلك من خلال ذكر ( شفاهه وميكرفون وقراءة )، ثم نجد تسخير للتضاد من جديد بذكر (القذر والنظافة)، ثم نجد ذكر للون الأصفر، ومرة أخرى تذكير بالشفاه والأسنان وحاسة الذوق.
ثم من جديد في السطر التالي تسخير للتضاد ( الضحك والصدى) واستثارة لحاسة السمع من خلال ذكر مكبرات الصوت من جديد، واستثارة للمخيلة ( تخيلت )، ثم نجد ذكر للحركة (امشي)، ونجد هنا تصوير جميل وكأن القاص يرسم ذلك الطفل بحاله البائس وثوبه القذر والذي تخيله مكسو بهلالات حديدية، يبدأ في تناولها بدل الأكل أذا ما جاع، لحين أن تنتهي فتكتمل الصورة، وهو حتما وصف مؤثر للغاية تمكن القاص من خلاله من أن ينقل إلينا حالة البؤس والجوع التي كان يعاني منها الطفل والتي أحسن القاص تصويرها.
والضحك والابتسامة والفم كلها تذكر بحاسة التذوق، وهنا ما يشير إلى نقيض الحركة ( جامدا ) وكل ذلك يجعل هذه الفقرة تنبض بالحياة.
وهذه الفقرة هي مؤشر آخر أن القاص مبارك الحمود على دراية حتما بنظرية فرويد والتي تنص أن أحداث الطفولة المبكرة هي التي تصنع شخصية الطفل، ونجد أن مصير هذا الطفل (بطل القصة) قد رسم وحسم من خلال مجموع هذه المآسي التي أصابته منذ يوم مولده.

يتبع،،

ايوب صابر 08-17-2011 12:22 AM

تابع ،،

قراءة نقدية معمقة لقصة " المهلهل" لكاتبها القاص مبارك الحمود:

في هذا الجزء من القصة يصور لنا القاص مبارك الحمود اثر تلك الغربة والاغتراب، التي ألمت ببطل القصة كنتيجة لما لقيه من معاملة ورفض من الأقارب والإغراب، وخاصة ذلك الموقف المزلزل الذي أصابه من مدير المدرسة، فبدأ يشعر ان حياته تنهار، وزاد اغترابه وذلك بتأثير تراكمات ما اصابه منذ مولده، بحيث تساوت لديه قيمة الحياة بالموت، بل بدا له أن الانتحار ارحم من تلك الحياة التعيسة لتكتمل الصورة، صورة حياته التي كانت من بدايتها تعيسة، شديدة الالم.

جزء منحياتي تلك بدأتُ بفقده كتلك الهللات, وأعتقد أن الصورة حان اكتمالها, ولذلك لم أوفرالفرصة حينما أتت.. قررت التطوع لمساعدة غرقى أحد السيول حين رأيت تراجع الجموع المراقبة, وادعيت كاذبا خبرة كبيرة بالسباحة.. نزعت ثوبي المهلهل عني, وقفزت..أناس كثر علىمعرفة كبيرة بهم كانوا يشاهدون غرقي, ونظرت من بينهم إلى ثوبي.. شعرت به يلوح لي مودعا.

وهنا نجد القاص مبارك الحمود وكأنه يصور ولا يكتب، فهو ينقل لنا حالة ذلك البطل من خلال الصورة التي آلت إليه حياته...ولذلك نجد أنفسنا وكأننا نشاهد فلم أو منظر ذلك البطل وهو ينزع ثوبه ويندفع لمساعدة غرقى احد السيول. تلك اللحظة التي تمثل زمن القصة ومكانها ونجد أن كل الأزمان السابقة كانت تهدف إلى خدمة هذه اللحظة من الحدث.

ونجد أن مبارك الحمود يستثير في المتلقي حاسة البصر من خلال استخدامه لكلمة ( رأيت + المراقبة) ، وفي استخدامه لكلمات (نزعت + قفزت ) ما يشير إلى الحركة التي تعطى الحدث حيوية وحياة، ثم يعود لاستثارة الحواس من جديد باستخدام كلمات ( يشاهدون + ونظرت ). ثم نجده يشخص الثوب وكأنه يمنحه الحياة في مقارنة مع الناس الكثيرين الذي كانوا يعرفونه، ولكنهم لم يحركوا ساكنا، لكن ثوبه الوحيد هو الذي بدا له وكأنه يلوح له مودعا، وفي ذلك كناية عن الاغتراب الذي أصاب بطل القصة ودفعه إلى ذلك المصير وهو الارتماء في أحضان الموت ليتخلص من المه، ونجد أن القاص قد استخدم كلمة ( شعرت ) في محاولة منه لاستثارة مشاعر المتلقي أيضا.

ضمني السيل بين أحضانه, وجرفني معه كفرع شجرة مقطوع.. تلك كانت المرة الوحيدة التي أشعر بها بذلكالشعور.. كان مخيفاً, مخيفاً فعلاَ.. أن يحضنك ذو وجوه متعددة الأحضان, يقلبك على كل الجهات متى يريد, ولكني قلت في نفسي, وأنا مطمئن:كل الطرق تؤدي إلىالقبر.
قلت تلك العبارة, وأنا أرى من خلف تيارات المياه الطينية ثوبي المهلهل يهبُّ واقفاً, ويقفز خلفي, ليغطي ما تعرى من جسدي.

ثم نجد أن القاص عمل في بداية هذه الفقرة الأخيرة على شخصنة السيل أيضا وجعله وكأنه شخص يضم البطل بين أحضانه المتعددة... وفي استخدام كلمة ( جرفني ) ما يشير إلى مزيد من الحركة والتشخيص وكأن السيل يقوم بالجرف المقصود ، وفي الفقرة تصوير جميل ومشوق. ثم نجد القاص يحاول استثارة مشاعر المتلقي من جديد باستخدامه وتكراره لكلمات تدل على المشاعر (اشعر + بذلك الشعور + مخيفا فعلا)، وفي وصفه للسيل هنا تصوير جميل حيث يجعله القاص وكأنه كائن أسطوري له عدة وجوه وعدة أحضان وفي ذلك وصف لسطوة الموت وجبروته.

وفي استخدام كلمة ( يحضنك + يقلبك ) مزيد من الكلمات الدالة على الحركة وما يعطي النص مزيد من الحيوية. ونجد أيضا بأن القاص هنا يسخر التضاد لإيقاع مزيد من التأثير على المتلقي فرغم ذلك الجو الرهيب الذي تمكن القاص من رسمه وتصويره ونقله لنا لكننا نجد البطل (مطمئن) لان كل الطرق تؤدي إلى القبر.

وفي السطر الأخير نجد القاص يسخر الحواس باستخدامه كملة ( أرى )، وفي كلمات (تيارات المياه الطينية) ما يشير إلى مزيد من الحركة. وفي هبة الثوب المهلهل مزيد من التشخيص حيث يجعل القاص ذلك الثوب قادر على الوقوف والقفز وفي ذلك مزيد من الحركة وبالتالي الحيوية خاصة ان هبته تأتي في تضاد مع وقوف كل الذين كان يعرفهم دون حراك لنجدته..وهي الإشارة الأخيرة التي تؤكد اغتراب البطل وانفصاله عن المحيط البشري حوله. وفي ذلك تبرير لهذه النهاية التعيسة ( الانتحار ) التي اخذ البطل فيها حياته بيده حيث القي بنفسه إلى أحضان الموت، الذي اطمئن له البطل وقد وجد أن الموت قد أصبح أهون من تلك الحياة.

وهنا تتجلى الفكرة والتي ربما أراد القاص مبارك الحمود إيصالها للمتلقي من وراء هذا النص، وهي إن الانتحار ما هو إلا نتاج سوء المعاملة في المجتمع، وتراكمات هذه المعاملة السيئة، هي التي تدفع الإنسان للانتحار بعد أن يجد نفسه في حالة اغتراب عن المجتمع وانفصال تام عنه.

وكأن هذه القصة دعوة للانتباه لما يشكل نفس الإنسان ويحرك لوعجها، ويدفعه لذلك الشعور بأن لا قيمة له، فتصبح الحياة لا قيمة لها..والموت ارحم.

ولا شك أنها قصة عميقة جدا كونها تعالج البعد النفس لبطل القصة، والذي يظهر واضحا انه ضحية مآسي حياته وما أصابه من سوء معاملة ممن حوله من الناس...

ولا شك أن الأستاذ مبارك الحمود قد نجح هنا أيضا في معالجة جانب من جوانب قضايا النفس البشرية باحتراف شديد، وقد أتقن بناء شخصية بطل القصة، هذا الطفل اليتيم، فجعلها شخصية، متطورة، ودينامكية، وتعمل مثل القطب المغناطيسي في توريط المتلقي ليتعاطف معها، ليوصل لنا الفكرة بطريقة مؤثره.

وفي الغالب إن هذه القصة تدعو للحياة من خلال تصوير الم النقيض، وهو - الموت - أي الانتحار بأسلوب غاية في التأثير. وتوضيح لدور المجتمع في رسم حياة الاخرين.

ايوب صابر 09-26-2012 03:15 PM

تعالوا نجتهد في فكفكة طلاسم قصة مبارك الحمود العجيبية على الرابط:


http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=5210

ايوب صابر 05-14-2013 10:41 AM

قصة نور في منبر القصص :

http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=4176

ايوب صابر 08-27-2014 02:01 PM

لطالما وجدت قصص الاستاذ مبارك الحمود رائعة في حبكها عميقة في رمزيتها وجميلة في بناءها وصورها.
علنا نقوم بمزيد من القراءات لمجموعة قصص الاستاذ مبارك .

ايوب صابر 09-14-2014 12:56 PM

ما نزال بحاجة لقراءة نقدية لقصص
- نور
- المريض
- رجل الظل

الدعوة عامة للمشاركة في هذه القراءة النقدية لقصص مبارك الحمود

ايوب صابر 09-14-2014 01:57 PM

قصية اخرى للكاتب للقاص مبارك الحمود:

المبعثر
بقلم : مبارك الحمود

حينما استيقظت وجدتني مبعثرا في غرفة الفندق.. أعضائي متناثرة في كل مكان - يبدو أني انفجرت كالفشار فجأة, بالتأكيد أن ذلك ما حدث - حاولت أن أنادي على لساني بغباء فلم أستطع, شعرت به يتحرك كدودة, يحني وسطه للأعلى ويزحف... عيني الوحيدتان القابعتان على السرير أدرتهما لأنظر من خلف النافذة ومن تحت الباب, ولكنهما تدحرجتا بالقرب من حواف السرير.. أحسست بالرعب, "رباه هل سأصاب بالعمى".. قطة الجيران العدوة قفزت فجأة على النافذة.. ربضت بخبث و ماءت, خفت وأنا بالكاد أستطيع التحكم بأعضائي, وكأنها مربوطة فيما يبنها بخيط مطاطي, أتتني رغبة بالصراخ, ولكن لم أقدر فوضعي لا يساعد على ذلك, تمنيت أني أستطيع قرص نفسي..

ألقت القطة نظرة عامة على الغرفة.. يبدو أنها محتارة في اختيار عضو من أعضائي لأكله, اعتقدت بأنها ستختار قلبي الذي يتسارع نبضة الآن.. تقترب من شيء, أعتقد أنه أنفي فرائحتها النتنة تزيد قربا, يا إلهي لقد وثبت على السرير, تشتمم أعضائي فتخطف عينا من عيني, وتولي هاربة بها من النافذة ..مارة بأزقة حارتنا الضيقة, فأصبحت أرى مشهدين, مشهد داخلي هاديء للغرفة مع شاشة تلفاز لبرنامج صباحي, ومشهد آخر خارجي يتغير.. رأيت بداية جدران ملآ بالكتابة من فوق أحدها ظهر شابين يتناقشان ثم يتشاجران, ويجتمع جمع غفير حولهما.. انطلقت القطة بعدها وعرجت على حي فقير, وجوه العابرين فيه تبعث على البؤس, وعجائز بائعات متلفعات بالسواد يتحدثن.. ما الذي حدث لي, كل ما أذكره البارحة أني تناولت عشاءً خفيفا, وشاهدت نشرة أخبار التاسعة, فقط لا غير.

أصبح نظري بين ذلك البرنامج الذي يقدم أغنية وطنية وبين صبية يلاحقونني أقصد يلاحقون القطة, ويرمونها بالأحجار والعلب الفارغة, ثم مشاهد صامتة وصوت المغني بالغرفة يصدح لمحلات وسيارات وحفر ومطبات, ومباني عملاقة بجانب صغيرة, وشوارع وأحياء لم أتوقع يوما أن أمر منها.. مررت بذلك كله حتى دخلت إلى قصر كبير به حديقة لحيوانات, حيث وجدت أسدا هرما يقف أمامي وحيدا, قبل أن يبتلع المشهد ظلام شديد, وحينها وجدت أعضائي في غرفتي تلتحم معا.. تحسست مكان عيني اليمنى الذي أصبح فارغا ككهف, وبقي أمامي مشهد واحد بعيني الأخرى, حيث الجمهور الغفير, يقابل المغني الكبير بعاصفة من التصفير والتصفيق.

ايوب صابر 12-09-2015 01:19 PM

نفتقد الاستاذ مبارك الحمود ؟ هل له من جديد؟


الساعة الآن 03:01 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team