احصائيات

الردود
7

المشاهدات
3425
 
مبارك الحمود
من آل منابر ثقافية

مبارك الحمود is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
36

+التقييم
0.01

تاريخ التسجيل
Dec 2008

الاقامة

رقم العضوية
6062
03-26-2011, 05:33 PM
المشاركة 1
03-26-2011, 05:33 PM
المشاركة 1
افتراضي نور
نور


تسلل الغول بخفةٍ من بين الأحراش حتى وقف خلف شجرة متستراً.. حرك عينيه المظلمتين ككهف جزيرة نائية, وهو ينظر لابنة الحطاب الصغيرة التي تلعب أمام البيت القابع وحيدا بقرب الغابة.. كان يشعر بنهم شديد لأكلها!.. "يا نور.." يسمع الصوت الذي يتشتت في الأرجاء, والطفلة ذات السنوات السبع تركض مجيبة باتجاه الباب, فترف أذناه ويتحرك رأسه برعشة سريعة, ويردد ببحة ذبيحة:"نوووور".

مر أسبوع على مراقبته لها.. سمنتها الشديدة تغريه, وبراءتها المتناهية تزيد من ذلك.. من أجمل اللحظات إليه هي تلك اللحظة التي تأتي فيها بردائها المدرسي مع أبيها, وهي تحمل حقيبتها الثقيلة على ظهرها, أو حين تلعب الحجلة, أو تنط من فوق الحبل.. لقد وقع في عشق وجبته!.

في وسط أحشاء الغابة المظلمة, جلس يفكر بعلو من بين الأشجار العقيمة الهرمة التي انحنت منصتة ً لخطته.. سيخطفها ويبدأ بذراعها المكتنزة شحما, سيلتهمها لمدة شهر يقطع منها كل أسبوع جزءاً وهي حية.. فبمحلول سحري أعطته إياه خالته سيبقى جسد الطفلة نديا طوال تلك المدة كما أخبرته.. مازال يتذكر خالته, حينما زارها في الأسبوع الفائت في مسكنها, الذي كان عبارة عن قبر فخم مرصع بالجواهر لملك ظالم, امتلأت جثته المتعفنة بالدود.. يتذكر تلك الوجبة التي قدمتها, و رائحة مقززة شهية تفوح منها.. طرية غضة أذابته لذتها, فأعلمته أنها لحم لقيط وجدته حيا في وادي الغربان.. تقاطر لعابه على الأرض الزلقة المطحلبة, وهو يتخيل جسد الطفلة في صحن دائري بين يديه, فضحك ضحكة منشار يقد حديدا.. نظر لبقعة ماء طينية قد تأطرت فيها السماء, وبدا له أن شعر لحيته الخضراء مرتب بعض الشيء, ففركه بقوة حتى عاد لشعثته المعتادة كما يحب, الحب فَكّرَ, وسأل ما هو؟, خالته أخبرته أنه نقطة ضعف, ودائما ما تقول كل بحب إن كان في قلبك المجازي حب, وتكركر بعدها بتصاعد سريع عصبي يخيفه.. نفض الذكرى لواقعه, وحدّ بصخرة بجانبه مخالبه الصدئة.. نظر للأفق الذي بدأت ثلاث نجمات بالظهور فيه.. شعر أن مساءه سيكون مليئا بالدم.. والحب..

كانت ريح كئيبة تنتشر بهدوء الغابة التي اصطفت أشجارها تراقب عن بعد.. وبدأ الظلام بجر ردائه الثقيل ببطء حينما وقف الغول أمام بيت الحطاب.. يلبس قبعة من الخيش, ويحمل على ظهره كيسا مملوءا ببعض الحلويات, التي قد حشاها بالسم, معتنيا أكثر بأطرافها.. طرق الباب بأدب جم, وبدت من تحت قبعته ابتسامة جاهد ألا تبدو خبيثة.. "شيخ ضرير يرتزق بعرق جبينه".. قالها مأساة للحطاب الذي قام بإدخاله, ووضعت زوجته أمامه قدحا من الأعشاب الزكية.. فرفضه بإصرار فرائحته تزعجه.. اقترب من النار بشوق ثائر, ناثرا بضاعته للحطاب الذي شعر بأن من واجبه ألا يرد العجوز المسكين خائبا.. "تذوق يا ولدي أنت و امرأتك, وإن لم يعجبكما ما خبزته بناتي فأنتما على حق, فنحن لا نملك كل مقادير الروعة".. كانت نور تقف عند الدرج الصغير بفضول, فاقتربت من والدها, وأسرت له أن يشتري لها قطعة.. وحينها مال الغول لا إراديا لها, وكبح نفسه بسرعة متراجعا للخلف.. "خذي هذه القطعة".. ومد يده بقطعة كان قد ملأها مادة سحرية دسمة تزيد من سمنتها:"هذه معدة خصيصا للأطفال الحلوين".. أخذتها بسعادة ونظرت لوالديها الذين بدآ بالشعور بدوار, وهما يتذوقان الحلوى.. "حبيبتي, ألا تريدين اللعب معي, فأبواك كما ترين متعبان ويريدان النوم".. رمت نور القطعة أمامها بخوف, وركضت لخارج البيت حينما رأت والديها يتهاويان على أرضية البيت, وأن الشيخ الذي انبثق جفناه عن خرزتين ليس ضريرا.. خرجت جارية بثقل على الطريق المؤدي إلى المدينة.. في وقت كان الغول يعيد حاجياته إلى الكيس بهدوء.
الطريق الموحش ينبيء بالأسوأ لها, ونعيق غربانه, وخرفشة أجنحتها تخيفها.. همست بنوح:"ماما, بابا".. الغول يتقافز بين منحنيات الطريق بتمهل, يتبع آثارها الغير بعيدة.. وحينها لاح لنور نور على جانب الطريق.. شخص يتدفأ بنار تحتضر.. لم يعرها اهتماما, فاقتربت تصيح وتطلب النجدة.. حتى أصبح بينها وبينه مقدار متر, أو بينها وبين الدمية التي استبانتها متأخرة, لتهوي في حفرة فغرت فاها فجأة.. وقف على طرفها الغول ينظر لها بثقة طاغية, وبابتسامة شرسة واسعة .. "خطتي تمضي كما أريد, وهاهي الفريسة ذهبت برغبتها لفخي.. لم أجبرها.. لم أجبرها".. كانت نور المرعوبة مصدومة لا تستطيع البكاء أو الصراخ.. و لكن ساقها المصابة لا تتوقف عن ذلك.

"لا تخافي من توسخ ملابسك يا صغيرتي, فقد أحضرت لك رداء مدرستك الجميل".. حمل الطفلة الصغيرة, ووضعها في كيسه متجها بها حيث بيته الخرب, الذي يبدو كمكان قضاء حاجة..

نور تشعر بهدهدات الطريق على ظهره المنحني.. أنفاسها تكتمها الروائح المنتنة من كل اتجاه.. تنظر من ثقب صغير لتلك الأشجار الهرمة الصامتة في مشهد الجريمة, وهي تلتفت بجذوعها إليها.. تنصت إلى صوت البومة النائحة, وإلى تلك الريح المولولة التي لم تفتأ عن التحرك في كل اتجاه.. أحست بظلام شديد يطبق خناقة على مكان تنفس ضوئها.. وبالغول اللاهث يرميها على طاولة مائلة.. تدحرجت عليها فأسندها جدار يبدو أنه أكثر ميلاناً منها.. حينما فتح الغول الكيس, وأطل بوجهه العفن, و شد وثاقها أكثر في زاوية البيت, أحست نور أن عذابها اقترب أكثر من نهايتها التي تمنت قربها.. فوسط هذه الغابة البعيدة عن المدينة ليس هناك إمكانية للنجاة, فوالداها الحنونان قتلهما هذا الشيطان, و لا يوجد أي بشري يعرف عن وجودها هاهنا.. نظرت إلى بيته تتفحصه لعل زاوية قريبة تكون مفرا لها.. كان خاويا تماما بلا نوافذ حتى أنها تسمع لكل حركة أو صرير, صدىً يتردد, لو لا أن هناك صوت قرمشة ظهر فجأة لشبح عنزة سوداء.. عيناها في أذنيها هامدة في مكانها تأكل من القذارة التي قدمها لها الغول بلا إدراك..

اقترب منها الغول يتحسس يديها وجسدها بمخلبيه المتسخة.. ويتنفسها بمنخريه بعمق, فسعلت من رائحته النتنة كخنزير فطيس رشه مطر صيف خانق.. تراجع بردة فعل سريعة, وأمال رأسه الدائرية يمينا و شمالا, وسألها محدقا بعينيه المظلمتين:"لماذا تسعلين؟".. زادت نور في سعالها حينما لاحظت تخوفه, لم تعرف فيه كيف واتتها الشجاعة لتقوم بذلك.. "أأنت مريضة؟!".. وتكوم مرعوبا في الزاوية المواجهة وصرخ, وهو يرمي عليها سكينا :"أخرجي.. أخرجي الآن, ولا تتركي السكين خذيه معك.. خذيه", لم تتحرك نور لبرهة, ولكنها بتردد أمسكت السكين, وبدت في محاولة قطع الحبل المتين, ولكن يديها الصغيرتين المليئتين بالكدمات توجعانها.. وهي تحاول فعل ذلك بأسى سمعت ضحكة المنشار ترتفع, ووجه الغول يظهر متمددا من بين الظلام ثم يفحّ:"ممتع, ممتع.. أنتم البشر فعلا مضحكون بغبائكم الذي تعتقدونه ذكاء".. خطف السكين من يدها, والرعب يستبد بها, وشعرت بدوار يأخذها للإغماء, وهي تراه يقترب بسويقتيه المعقوفتين كقوس, واضعا شفرة السكين المبتلة على ذراعها.. وقبل أن يكون ظلام شديد, كان يتهادى إلى مسمعها صوت طرقات صداها ينبض.. ينبض بعد صمت مطبق, ينبض كقلب بركان تحت البحر.



***

بعد مرور كل تلك السنوات, وقفت نور تتذكر تلك الحادثة, وهي بالكاد تستطيع أن ترى من بين جفنيها المرتخيين في ذلك الوقت رأس الغول المقطوع يتدحرج ككرة أمامها, وهي تحمل إلى هناك حيث الأمان.. وقفت أمام ماتبقى من بيت والديها تخبره بذلك, تخبر بابه المزخرف بصدأ أحمر, وبمقبضه الذي افتقد منذ أزمان بعيدة لمسة يد حانية.. تخبرهما عن كل ألمها في تلك الساعة الكريهة لتلتفت بعدها لولديها الصغيرين وهما يناديانها, ويشيران إلى تلك الغابة التي ازدانت أشجارها بالورود, ليفتر ثغرها عن ابتسامة لطيفة زينت وجهها الصباحي.


قديم 03-27-2011, 11:51 AM
المشاركة 2
أحمد فؤاد صوفي
كاتب وأديـب

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الأديب الكريم مبارك الحمود المحترم

أرحب بك في منابر الخير . .
راجياً أن تجد معنا الثقافة والاستمتاع . .


قصتك هنا من أمتع القصص التي قرأتها منذ زمن طويل . .
أما لماذا وما هي الميزة التي ميزت هذه القصة . .
فسأقول باختصار . .

*إنها قصة أصلية لاتشبه تقليداً ما .
*الموضوع جديد .
*الأسلوب جديد.
*الوصف تفصيلي فائق الحساسية متناسب مع الأحداث.
*كما أن الدخول في القص والمقدمة ثم السرد ثم قفلة النهاية . . كان كل شيء في مكانه .

عزيزي . .

أبارك لك هذه الموهبة المبدعة . . التي تناثرت علينا بفرحة غامرة . .
تقبل تحيتي واحترامي . .
دمت بصحة وخير . .


** أحمد فؤاد صوفي **

قديم 03-27-2011, 01:53 PM
المشاركة 3
مطر ابراهيم
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
ممتع جداً يا أستاذ مبارك، القصة رائعة وفكرتها جديدة ومثيرة، لقد أمتعني النصّ كثيراً..!
شكراً لك
مطر

قديم 03-27-2011, 08:55 PM
المشاركة 4
محمد محضار
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
أستاذ مبارك أغبطك على هذه الموهبة الفذة ، نصك ممتع وجميل ، توفقت إلى أبعد حد في حبك فصوله

قديم 03-28-2011, 09:51 PM
المشاركة 5
مبارك الحمود
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
الأديب الكريم مبارك الحمود المحترم

أرحب بك في منابر الخير . .
راجياً أن تجد معنا الثقافة والاستمتاع . .


قصتك هنا من أمتع القصص التي قرأتها منذ زمن طويل . .
أما لماذا وما هي الميزة التي ميزت هذه القصة . .
فسأقول باختصار . .

*إنها قصة أصلية لاتشبه تقليداً ما .
*الموضوع جديد .
*الأسلوب جديد.
*الوصف تفصيلي فائق الحساسية متناسب مع الأحداث.
*كما أن الدخول في القص والمقدمة ثم السرد ثم قفلة النهاية . . كان كل شيء في مكانه .

عزيزي . .

أبارك لك هذه الموهبة المبدعة . . التي تناثرت علينا بفرحة غامرة . .
تقبل تحيتي واحترامي . .
دمت بصحة وخير . .


** أحمد فؤاد صوفي **

أستاذ احمد..
أشكرك على الترحيب,
قولك أن قصتي من أمتع القصص التي قرأتها منذ زمن طويل هو وسام أعتز وأسعد به, وخصوصا أنك ألحقت بها الأسباب..
وأنا فرح بتواجدي في المنابر, الذي أعتبر نفسي عضوا لست جديدا عليه, ولكن لا أدري ماالذي حدث فاختفت مشاركاتي, ولعل في ذلك خيرة من الله.
سلامي لك أيها النبيل.

قديم 03-28-2011, 09:54 PM
المشاركة 6
مبارك الحمود
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
ممتع جداً يا أستاذ مبارك، القصة رائعة وفكرتها جديدة ومثيرة، لقد أمتعني النصّ كثيراً..!
شكراً لك
مطر
أهلا بك ومرحبا أستاذ مطر..
الجديد والمثير, هذا ما أريده..
أتمنى أن أكون وفقت.

قديم 03-28-2011, 09:56 PM
المشاركة 7
مبارك الحمود
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
أستاذ مبارك أغبطك على هذه الموهبة الفذة ، نصك ممتع وجميل ، توفقت إلى أبعد حد في حبك فصوله
التوفيق من الله..
أيها الطيب محمد.
سعدت بحضورك.

قديم 05-11-2013, 12:34 PM
المشاركة 8
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ولا شك انني افتقد بشدة قصص الاستاذ مبارك الحمود ولا اعرف سر قلة انتاجه؟ فهو كاتب مذهل. ولديه قدرة استثنائية لتسخير عناصر التأثير في قصصه.



مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:09 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.