منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر النصوص الفلسفية والمقالة الأدبية (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=9)
-   -   هوى كل نفس حيث كان حبيبها (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=2310)

سليمان المهدي 11-21-2010 07:20 AM

هوى كل نفس حيث كان حبيبها
 
لَئِن حالَ رَسمُ الدارِ عَمّا عَهِدتُهُ فَعَهدُ الهَوى في القَلبِ غَيرُ مُحيلِ
يولّد المكان شعريّة خاصّة به ، قد تأتي من الحبّ بقدر ما قد تأتي من المقت ، ولا ريب أن المكان يبدو في الإبداع الشعري أروع مما هو في الحقيقة ذلك ، أن الشاعر يصور الجمال في المكان وينظر له بنظرة شاعرية متميزة عن النظرة العادية ، وهنا تظهر مقدرة الشاعر الخيالية والتصويرية حيث يبدع صوراً لا يتخيلها غيره من الناس ، فنجد بعض الشعراء يفضل أماكن مخصوصة لأن له عاقة ما بها أو لأنه يحبذ فيها نمط من العيش محدّد نتأمل في بيت رائع لأحمد شوقي ( شاعر الأمراء )
خيمةٌ في البيد خيرٌ من قصور تبخلُ الشمسُ علَيها بِالمرور
هنا يفضل الخيمة على القصر لأن الخيمة تزدهي بمرور الشمس عليها بينما القصر تحجب أسواره مرور الشمس فهو لا يحسن أن يعيش المكان بلا شمس .
طالما أحببنا مكاناً ما لأن له في مخيلتنا تذكار نقشناه بحروف الهوى أو بدموع الجوى ، ومن يبتعد أو يهجر يشعر بمدى تعلقه بأماكنه التي عاش فيها من طفولته إلى شبيبته ويدرك قدر الذكرى التي مرت به في هذا المكان أو ذاك خاصة الذكرى المتعلقة بالأهل والأحباب فلها في النفس وقع يكون بمثابة الوشم في التصور والشعور .
نرى شاعر البادية عمر الفرا في قصيدة الغربة كيف يصور ارتباطه بالمكان وتفاصيله ويتمنى أن يحمل إلى ذلك المكان
( فمن لي للهوى العذري يحملني
إلى صحرائنا الحلوة
إلى لحنٍ إلى غنوة
إلى جملٍ إلى هودج
لزهر الشيح والعوسج
إلى القيصوم والحرمل
إلى ظبيٍ نجفّله فلا يجفل
إلى بدويةٍ نسيت نسيم الليل
يعبث في ضفيرتها ولا يخجل
وضوءُ البدر طرّز ثوبها المخمل
هو الثاني يداعبها ولا يخجل )
هنا نرى شاعرية فذة تتخيل المكان بتفاصيل جمالية فيها الزهور والألحان والنسيم وضوء البدر والثياب المخملية والضفائر الناعمة ، وهكذا يخيل لنا الجمال من منابعه التي يستقيها الشاعر من المكان الذي ارتبط به وتوثق بعراه .
ودوماً يكون ( هوى كلّ نفس حيث كان حبيبها ) وحيث هذه توحي هنا فقط بالمكان ، فحيث كان الحبيب يكون الهوى ويكون الخيال والشعور ويبنى ويهيأ الرسم الأمثل لهذا المكان أو الدار فيأتي الحس يصوّر مواطن الجمال وتفاصيله وأثره في النفس .
في وحل الاغتراب يتهم المرؤ نفسه بالتنكر للمكان وفي هذا تجني وظلم ، فالنفس تحاول أن تبدي تجلداً أمام العوائق التي يسببها الرحيل والغربة ، ولو نستدرج أهواءنا كلما نبتعد عمن نحب وننزع إلى أوطاننا بقدر اللهفة الأولى لذهبت أنفسنا في هوى حب المكان وساكنيه .

ريم بدر الدين 11-24-2010 12:39 PM

الاماكن ...كلمة مهمة جدا في اعتقادي
كثيرا ما ترتبط ذواكرنا بالمكان الذي اقترف فيه الحدث ، أي حدث مهما كان صغيرا او كبيرا حزينا او سارا ... لكن ما ننزع دوما للحنين اليه هو ذاك المكان الذي احتوى اجمل الذاكرة و اجمل الذاكرة ليس بالضرورة متعلق بمقدار السرور الذي يحققه بل بمقدار الوشيجة الانسانية التي بنيت في مكان ما في وقت محدد و هذا ما يجعلنا دوما على بوابة الحنين لذاك المكان
ذاك المكان الذي نحن له اكثر ربما يكون بسيطا و اقل ترفا مما نحن عليه في وقتنا الراهن لكن دوما تحيط به هالة من جمال ندفع عمرنا لكي نعيد لحظة مرت هناك
أ. سليمان مهدي
ثرثرت كثيرا هذا الصباح لكن الموضوع استثارني بفكرته الرائعة و طريقة عرضه المميزة
تحيتي لك

سليمان المهدي 11-24-2010 07:45 PM

أهلاً بهذا الهطول
ريم سيدتي
سأفتخر هنا بإضافتك التي أنارت صفحتي
وزادت فكرتي تألقاً
دمت سادنة للحرف الشريف
لك الف تحية من صغير تلاميذك

سليمان المهدي 12-01-2010 11:01 AM

سأبقى وفياً لأي رمل يحتويني

عمر مسلط 12-01-2010 11:58 AM

... أخي / سليمان المهدي

... ما يربطنا بالمكان ، هو " علاقة " وليست "جغرافيا " ...

... فكل ما ذكرته ، سببه هذه العلاقة الحميمة بين الإنسان والمكان ...


... لغة المقال الهادئة ، تناسبت مع جمالية المضمون ...

... أتمنى لك الخير ...

سليمان المهدي 12-01-2010 09:23 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عمر مسلط (المشاركة 44191)
... أخي / سليمان المهدي

... ما يربطنا بالمكان ، هو " علاقة " وليست "جغرافيا " ...

... فكل ما ذكرته ، سببه هذه العلاقة الحميمة بين الإنسان والمكان ...


... لغة المقال الهادئة ، تناسبت مع جمالية المضمون ...

... أتمنى لك الخير ...

أستاذي العزيز
أشكرك على تفاعلك مع حرفي العزيل
لك ألف تحية على شرف الحرف الشريف

جيداء عبد الرحمن 12-01-2010 11:08 PM

الاستاذ سليمان

الشاعر يملك أدواته التي تجعله يرى ما لا يرى غيره من الناس فيرسم بقلمه نبضات القلب ورؤى العين

والاماكن تحفر داخلنا بنصل والذكريات تجعلنا نتلمس الحنين إليها مهما اغتربنا

مقالك رائع بما يحتويه من اسلوب جميل للعرض و إثراء في المحتوى

لك كل الاحترام والتقدير

ناريمان الشريف 12-02-2010 08:22 PM

أخي سليمان
سلام الله عليك
استمتعت جداً بمقالتك ..
عادة المقالات تبدو جافة على الأسماع
ولكن مقالتك مطربة للآذان .. فكأنها جاءت قراءة في قصائد بينت فيها مواضع الجمال
في الحقيقة ..
المكان يترك فينا الكثير عندما نرحل عنه
وكل منا يحن إلى أيام الطفولة .. فهذا شارع لعبنا فيه مع أترابنا
وهذا الحي تسامرنا فيه مع أصدقائنا
وهذا المكان التقينا فيه مع الأحبة ..
وكل مدينة عبر التاريخ تركت في شاعر أثراً جعله ينظم القصائد والدواوين يتغنى بالمكان الذي جمعه بمحبوبته
وشعراء العصر الجاهلي أبدعوا أيما ابداع حين كانت مطالع قصائدهم في معظمها وقوفاً على أطلال الحبيبة
أو دوراً درستها الأزمان ..

أشكرك أخي سليمان مقالتك رائعة وهادئة



تحية ... ناريمان

سليمان المهدي 12-02-2010 09:36 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جيداء عبد الرحمن (المشاركة 44322)
الاستاذ سليمان

الشاعر يملك أدواته التي تجعله يرى ما لا يرى غيره من الناس فيرسم بقلمه نبضات القلب ورؤى العين

والاماكن تحفر داخلنا بنصل والذكريات تجعلنا نتلمس الحنين إليها مهما اغتربنا

مقالك رائع بما يحتويه من اسلوب جميل للعرض و إثراء في المحتوى

لك كل الاحترام والتقدير

غاليتي
الروعة في ذوقك الفذ وقريحتك المتقدة
أرجو أن استمتعت بما قرأت
وأن أكون عن حسن ظنك بصغير تلاميذك


الساعة الآن 05:47 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team