منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الآداب العالمية. (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=38)
-   -   شارل بودلير .. Charles Baudelaire (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=3980)

رقية صالح 03-10-2011 09:07 PM

شارل بودلير .. Charles Baudelaire
 





شارل بودلير .. Charles Baudelaire



(1821ـ 1867)


شارل بودلير Charles Baudelaire شاعر فرنسي، ولد في باريس، وكان في السادسة من العمر حين توفي والده الثري جوزيف فرانسوا الذي كان يمارس الرسم هاوياً، وغالباً بحضور طفله. وتزوجت أمه كارولين، بعد وقت قصير، من ضابط كبير اسمه جاك أوبيك أضحى في ما بعد سفيراً لبلاده. وخلَّف هذا الزواج في نفس الطفل شرخاً عميقاً لم يبرأ منه قط، وظلَّ يعد أوبيك دخيلاً، ولاسيما بعد أن وُضِع في مدرسة داخلية.


ولعل حرمان الطفل المرهف الحس من حدب أمه قد ولَّد عنده تمرداً وعناداً، وانصرافاً إلى المطالعة، فلما أضحى شاباً، مال إلى الشعر وبرّز فيه بين أقرانه، غير أنه كان متلافاً، مسرفاً في عبثه وتبذيره، وحاولت أسرته أن تثنيه عن مغريات باريس، فحملته على الرحيل من دون رغبة منه، في باخرة إلى الهند، ولكن الحنين إلى باريس لجَ بالشاعر، فآب إليها ليستأنف مجونه ولهوه، مما حمل أسرته، بتوجيه من زوج أمه، على أن تحد من استهتاره وتجعل أمر الإنفاق عليه من الثروة الطائلة التي آلت إليه من أبيه منوطاً بموافقة وصي شرعي، وكان هذا بخيلاً لم يهتم بمشاعر الشاب الشاعر الأنيق المعلق القلب بغانية خلاسيةٍ تدعى جان دوفال أرهقته بنزواتها.

وعاش الشاعر حياةً مترعةً بالأسى، فقد أصيب بالزهري، ومني بالحرمان والعسر حتى وفاته.



من هذه الحياة المضطربة بين الحب المشبوب الخائب، والمرض، استوحى بودلير قصائده الرائعة التي تنتظم كّلها في ديوان وحيد، سماه «أزهار الشر» LesFleursduMal أحدث عند نشره في عام 1857 جدلاً عنيفاً بين بعض فئات المجتمع الفرنسي المحافظة، وأقيمت على الشاعر وناشره دعوى، بحجة أن بعض قصائد الديوان تنافي الخلق القويم وتصدمه، بما تضَمنت من جرأة فاضحة في وصف الشهوة ومفاتن الجسد، وحكمت المحكمة على الشاعر بدفع ثلاثمئة فرنك، ودانت ستّ قصائد من الديوان، محرمة إعادة نشرها.


ولئن خلف هذا الحكم في نفس الشاعر خيبة ومرارة من نحو، فلقد عمل من نحو آخر على أن يرفد الديوان بشهرة لم يظفر بها أيّ ديوان شعري في فرنسا. وظل بودلير يتابع نشاطه الأدبي، فنشر مؤلفات في النقد الفني لفتت الأنظار إليه، وفاجأه مرض الفالج في بروكسل وهو بعد كهل، ومنها نقل إلى باريس طريح الفراش، عاجزاً عن الحركة والكلام، حتى قضى نحبه.



إن أبرز ما قدم بودلير، في أدبه وحياته معاً، هو ذلك الصراع القائم بين الخير والشر اللذين كانا يتجاذبانه دوماً، وقد عبر هو نفسه عن طبيعة هذا الصراع بقوله:


«إني أشعر، مذ كنت طفلاً، أن هناك نزعتين، تستبدان بنفسي، لأترجح حائراً، بين كراهية الحياة وبين الشغف بها إلى حد الوجد والنشوة».

وحين كانت كراهية الحياة ترجح على وجدها فقد كان يشعر أنه فريسة للسأم المقيت الذي وصفه جان بول سارتر Sartre في دراسته المستفيضة عن بودلير بأنه لم يكن سأماً فكرياً، بل سأماً حسياً عصبياً.


وكان بودلير يدعو هذا السأم Spleen ويعني به السويداء الكئيبة القاتمة. وكان يلجأ بغية الانعتاق منها، إلى الحشيش والخمرة. وقد عبر عن قلقه المترجح بين الخير والشر، بصيغة أخرى، في قوله:


«إن في قلب الإنسان نزعتين متضادتين، تنحو به أولاهما إلى الله وتنحو به ثانيتهما إلى الشيطان، فالتوجه إلى الله هو الرغبة في السمو درجة نحو المراقي الإنسانية، أما التوجه إلى الشيطان فهو الانحدار درجة نحو قاع الحيوانية».


أراد بودلير أن يراقب دخيلة نفسه، كما لو أنها منفصلة عنه، وكانت حياته كلها سلسلة من الإخفاق المستمر في أن يبصر ذاته على حقيقتها، وكان يكتفي، فيما هو يتأمل فيها، بأن يسبر بمبضعه الخفي الحاد مواضع الجراح ليفتحها ويحركها وينفضها بشعره ونثره.


وتأتى أحداث عام 1848 التي ألهبت أوروبا كلها، وفرنسا خاصة، أن تهب بودلير الفرصة السانحة ليطلق نقمته المكظومة من عقالها، ويفصح عن حماسته لمظاهر التمرد الشعبي العارم إزاء الهيمنة والحواجز الاجتماعية المصطنعة التي كان يكرهها، متنكباً بندقيته خلف المتاريس. وفكر في لجة الثورة أن يمضي إلى زوج أمه ليغتاله ويتخلص منه ـ كما اعترف بذلك في ما بعد ـ بيد أن مشاعره المتجاوبة مع أوار الثورة لم تلبث أن خمدت مع انطفاء تلك الانتفاضة.



إن هذا الموقف السياسي الذي التزمه بودلير، في تلك الحقبة العصيبة، يفسر طرفاً من النقمة التي كانت تمور في عطفيه إزاء مجتمعه الذي حرمه من كل ما كان يتوق إليه ويتمناه: الثروة والمجد والحب والوفاء والحنان الصادق. غير أنه لم يُعرف عن بودلير أي نشاط سياسي أو أي عمل اجتماعي ظاهر، فقد كان يعتقد مخلصاً «أن العمل السياسي والعمل الاجتماعي ينطويان على النفاق والكذب والوهم، أما الدين فلا يتأتى له أن يزجي الحل المرجو، لأن الله ـ في رأيه وعلى الرغم من إيمانه ـ لا يقدم للخاطىء التوبة المجدية المخلصة، بل يضيف إلى عذابه توقاً إلى الطهر، أشبه بالسراب».


ولقد وجد في التأنق المفرط Dandysme ما يميزه من الآخرين، ليشعرهم بتفرده وسمو شخصه، كما ألفى، فيما هو يغالي بشعره ونثره، في الكشف عن خبيئة نفسه ووصمها بكل غميزة ونقيصة تنالان من خلقه، ما يرضي نزعة التحدي لديه ورغبة التمرد على مواضعات مجتمعه الظالم.


كان الفن وحده، شعراً كان أم نثراً، المجلى الوحيد الذي يبث فيه سورة غضبه ونقمته، كما يتألق فيه ويسمو على الآخرين، مؤكداً أن مصور الحياة الحقيقي هو الذي يستطيع أن ينتزع من الواقع جانبه الملحمي والأسطوري. وكانت الحياة الباريسية خصبة متنوعة، فاستوحى منها وسبر خفاياها، وعبر عن ذلك كله في مختلف آثاره:


«الصالونات» LesSalons و«الفراديس المصطنعة» Paradisartificiels و«طرائف جمالية» Curiositésesthétiques وغيرها، وقد برز فيها بودلير ناقداً فنياً تشكيلياً ذا نظرة واعية، تعرف أن تتذوق وتقَوِّم وتبرز مكامن الجمال الحقيقي في الفن.



وقد عُرف عنه أنه كان يحب أن يختلف إلى مراسم الفنانين ليتحدث إليهم، وكان قلمه يعرف كيف يحسر، في نقده، عن جمالية اللوحة وأسرار ألوانها و موسيقى أصباغها (كما كان يحلو له بهذا التعبير أن يضفي الموسيقى على اللون)، هكذا تيسر له أن يقوِّم آثار أنغر وكورو ودي لاكروا الذي كان يصفه بأنه أسمى قمة بين قمم التصوير في جميع العصور، ولم يقتصر نقده على الفنانين المصورين فحسب، بل تجاوزه إلى عمالقة النغم فكتب عن «تانهاوزر» Tannhäuser ومؤلفها الموسيقار الألماني فاغنر Wagner، فكان من أوائل الذين نبهوا إلى عبقريته الموسيقية.



أثار ديوان «أزهار الشر» جدلاً وتطلعاً وإعجاباً ظل يتسع حتى عصرنا الحاضر، وقد لخص فيكتور هوغو رائد الإبداعية (الرومنسية) ـ وكان من المعجبين به ـ الشعور السائد نحو هذا الديوان بقوله: «لقد خلق في الشعر الفرنسي رعشة جديدة».


وتنتظم معظم قصائد الديوان تحت عنوان «سويداء ومثل أعلى» Spleen et Ideal ويعني به سأم الشاعر وسويداءه من نحو، وظفره بمتع الحياة ولذاتها التي تأتى له أن يتذوقها من نحو آخر، فهناك أشياء شتى في ميسورها أن تخلق فكرة المثل الأعلى المنشود، على تناقض موضوعات Thèmes هذا المثل، كالدين والخطيئة والرذيلة وسراب الفراديس المتوهمة المصطنعة.







رقية صالح 03-10-2011 09:12 PM






وقد جاء كتابه «قصائد من نثر» Poèmesenprose كما لو أنه تتمة لديوان «أزهار الشر»، متناغماً معه في النسق نفسه الذي أملته روح بودلير القلقة، ضمن رؤية مستجدة، تهمس فيها الأصوات وتتكلم الألوان وتتحدث الروائح، لتخلق الرعشة العجيبة، الحلوة، مفسحة آفاقاً رحيبة من الأفكار والخواطر الشفافة، وعلى نحو تلمح فيه وتوحي أكثر مما توضح وتفسر، إنها تلك الرعشة التي عناها هوغو، والتي عرف بودلير جيداً كيف يريقها في شرايين كلماته.



وقد كشف بودلير، مصادفة، بعض مؤلفات إدغار آلِن بو Edgar A . Poe رائد الحداثة الأمريكي، في القصة والشعر، وكان لاطلاعه عليها أثر كبير في منحى شعره نفسه، وعكف على نقل أقاصيصه الخارقة، وبعض قصائده إلى اللغة الفرنسية.



كان موقف بودلير من الإبداعية (الرومنسية) السائدة في عصره، يماثل موقف رائد البرناسية تيوفيل غوتييه Théophile Gautier ـ حتى لقد أهدى إليه ديوانه عاداً إياه معلمه الأول ـ وذلك برفضه العاطفة النَواحة، المتدفقة في الإبداعية.



وقد مال بودلير، في البدء، إلى مفهوم الفن من أجل الفن الذي رفعه البرناسيون، لأنه كان يميل إلى الأسلوب المحكم المصفى، مؤمناً بأن الشعر الحقيقي يتجلى بصياغته وموسيقاه اللفظية، وأن الجملة الشعرية تستطيع أن تنفض الإحساس بالرأفة أو المرارة أو الرهبة وغيرها، بإيرادها الألفاظ والمترادفات والحروف الملائمة في النسق المناسب، مما يخلق جو الإيحاء المبتغى المطلوب، وعلى نحو قد يتجاوز في دلالته المعاني التي تتضمنها الألفاظ وتحتويها. بيد أن بودلير ألفى، فيما بعد، أن مفهوم الفن من أجل الفن عقيم، جاف، خال من الحياة.



رأى بودلير أنه ينبغي للشاعر الملهم أن ينفذ إلى جميع العلاقات القائمة ما بين الإنسان والطبيعة، وأن عليه أن يضرب في غابات من الرموز الطيعة المنسجمة التي تفتح له آفاقاً من المعرفة لأسرار الكون، فيضحي شعره كما الموسيقى الهامسة قادراً على الإيحاء والإيماء، كما يتاح له أن يستجلي كل ما يتسق بين حواسه من تطابق وتراسل، فيما هو يرى إلى الأنغام والألوان والعطور تترقرق متناغمة متجاوبة بعضها يفضي إلى بعض متآلفاً منسجماً، وقد لخص نظريته الطريفة في قصيدته «التراسل» Correspondance. وعدّ كثير من النقاد هذه القصيدة مدخلاً إلى فهم شعر بودلير وتذوق جماله الآسر.



كان ديوان «أزهار الشر» تعبيراً عن ثورة في الشعر الفرنسي، بل في الشعر الأوربي كله، بعد أن ترجم إلى معظم اللغات، وقد أضحى عام 1857 استهلالاً لعصر جديد في الشعر، فقد تأثر به رائد الرمزية مالارميه في قصائده الأولى، كما تأثر به رامبو عاداً بودلير، الشاعر الأعظم والمتنبىء الملهم، وأشار فيرلين إلى بودلير أنه أول من استنزل لعنة الشعر، وذاق حلوه ومره.



أما بول فاليري فقد عدَه سيداً من سادة الكلمة التي تمتلك سيرورتها وتتضمن بقاءها دوماً، واعترف أندريه بروتون بأن السريالية، إنما تمتح من منهله السخيَ الثر. فقد تسنى لديوان «أزهار الشر»، أن يفرع الحدود ويتأثر بصوره الرائعة المستجدة الشائقة الفريدة جميع الشعراء الذين لمسوا ما فيه من جدة وسحر، وما تزال الدراسات النقدية تتوق حاسرة عما في شعر بودلير من رونق وأسر، وما تزال آثاره في النقد الفني، منفسحاً لكثير من الآراء والخواطر التي تفصح عن ذائقته الفنية الناضجة، الواعية، في استجلاء روائع اللوحات، وأطايب اللحن والنغم.




بديع حقي



- - - - - - -


مراجع:


ـ باسكال بيا، بودلير، ترجمة صلاح الدين برمدا (وزارة الثقافة، دمشق 1985).

ـ لوك ديكون، بودلير، ترجمة كميل داغر (المؤسسة العربية للدراسات والنشر1985).



-CHARLES BAUDELAIRE, Oeuvres Complètes, bibliothèque de la Pléiade, NRF (Gallimard, 1954).
- JEAN PAUL SARTRE, Baudelaire (Edition Gallimard, Paris 1947).
- PASCAL PIA, Baudelaire par lui-mème (Edition du Seuil, Paris 1954).



الموسوعة العربية




رقية صالح 03-10-2011 09:17 PM



عدد القصائد(89)






البجعة


le cygne



مهداة إلى الشاعر فيكتور هوغو



أفكر بك يا أندروماك


هذا النهر الصغير الفقير


الذي كان المرآة الكئيبة


التي تألق عليها في الماضي


جلال آلام ترمُّلك


وهذا (السيموا) الكذاب


الذي كبّرته دموعك


كل ذلك أخصب فجأة ذاكرتي المبدعة


وأنا أجتاز (الكارّوزيل) الجديد


باريس القدية لم يعد لها وجود


فشكل المدينة يتبدّل


واأسفاه بأسرع مما يتبدّل قلب الإنسان


إني أرى وبعين الخيال فقط


معسكر الأكواخ وخيام السّيرك


والبراميل والأعشاب والكتل الصمّاء


التي لوّنها ماء الحضر بالأخضر


والأشياء التافهة المتنوعة


التي تلتمع في النوافذ


هناك كانت تنتشر قديماً


حيوانات العرض


وهناك رأيت ذات صباح


في تلك الساعة


التي يهب فيها العمال من نومهم


تحت السماء الصافية الباردة


وتطلق الدِّمن فيها زوبعة قاتمة


في الهواء الساكن


بجعة هاربة من قفصها


تضرب الأرض بقائمتيها


وتجرجر ريشها الناصع


على الأرض الوعرة


وتفتح منقارها عند ساقية جافة


وتعَفِّر جناحيها بالتراب


والحنين يشدّها


إلى جمال بحيرة موطنها


ولسان حالها يقول:


أيتها المياه متى تنهالين أمطاراً


ويا أيتها الصاعقة متى تنقضّين


فتراءى لي الطائر الخرافيّ العجيب


التاعس كأنسان (أوفيد)


وهو يتجه نحو السماء الداكنة الزرقة


الساخرة القاسية


وقد مدّ رأسه المتلهِّف


فوق عنق متشنج


كأنه ينحي باللائمة على الله


باريس تتبدل لكن شيئاً واحداً


في نفسي الكئيبة لم يتبدل


فالقصور الجديدة والمنشآت


والأكوام والضواحي القديمة


كلها أصبحت في نظري منحوتة رمزية


وأعز ذكرياتي أصبحت أثقل


من كتل الصخور


وأمام هذا (اللوفر)


تعذبني صورة معينة


إني أفكر ببجعتي الكبيرة


بحركاتها القلقة


المضحكة السامية كحركات المنفيين


والتي تغذيها رغبة سامية


وأفكر بك با أندروماك


وأنت ترتمين


بين ذراعي زوج عظيم


كالحيوان العاجز بين يدي


بيريس الرائع


وتنحنين مسلوبة الفكر


بجانب قبر فارغ


يا أرملة (هكتور)


وزوجة (هيلينوس)


وأيضاً أفكر بالزنجية المسلولة المعروقة


تدوس في الوحل مُفتشة


عن ثمار جوز الهند الإفريقية


بعينين زائفتين وراء أسوار الضباب


وأفكر بكل من فقد شيئاً


لا يمكنه تعويضه


بالذين يشربون دموعهم


ويمتصون آلامهم


كيتامى الذئبة الطيبة الناحلين


الذابلين كالأزهار


أفكر بالغابة التي أصبحت


منفى لعقلي


فتدق في صدري


ذكرى قديمة كما يدق البوق


أفكر بالبحارة المنسيين


فوق جزيرة ضائعة


بالأسرى والمغلوبين


وبكثيرين غيرهم






ترجمها عن الفرنسية


حنّا الطيّار - جورجيت الطيّار


رقية صالح 03-10-2011 09:23 PM





المنارات



ريبنز Rubens



يا نهراً للنسيان


وبستاناً للكسل


ووسادة من لحم غضّ


لا للغزل


ولكن لتزدحم عليها الحياة


وتضطرب بغير انقطاع


كما يضطرب الهواء


في الفضاء والموج في البحر



ليونارد دي فنشي Leonard de Vinci


يا مرآة عميقة فاتحة تلوح فيها فاتنات الملائكة


بابتساماتهن الغامضة من خلال جبال الجليد


وأشجار الصنوبر التي تحاصر بلادهم


رامبراندت Rembrandt


أيها المشفى الحزين


المملوء بالهمسات


المزين بصليب ضخم تفوح منه الصلوات


من بين الأقذار ممزوجة بالدموع


لم يظفر من الشتاء إلا بشعاع مفاجئ


مايكل أنج Miehel Ange


أيها المكان الغامض الذي تختلط فيه


العمالقة بالمصلوبين


وتنتصب الأشباح الجبارة


ممزّقة أكفانها عند الشفق ممدودة الأصابع


بيجي Puget


أيها الإمبراطور الحزين


للمحكومين بالأشغال الشاقة


أيها القلب المملوء كبراً


والرجل الشاحب الكئيب


يا من عرفت كيف تلملم


الجمال من ملامح الأوغاد


ويا غضب الملاكمين وقحة الحيوان


واتو Watteau


أيها الكرنفال الذي تهيم


فيه القلوب الكبيرة مضيئة كالفراش


والزخرف الغض المجنّح


الذي يغمره نور الثريات


فيسكب الجنون


على هذا المرقص الصاخب


غويا Goya


أيها الكابوس المملوء


بالأسرار المجهولة والأجنة


التي تطهى في اجتماع السّحرة والأطفال


والعجائز بأيديهن المرايا عاريات


يسوين من جواربهن لإغواء الشياطين


دي لاكروا De lacroix


يا بحيرة من دم


يسكنها ملائكة أشرار


تظللها غابة من أشجار الصنوبر


الدائمة الخضرة تمر بها


تحت سماء حزينة أنغام غريبة


كأنها زفرة مجنونة


من زفرات الموسيقي


ويبير Weber


هذه الشتائم واللعنات والشكاوى


والنشوات والعويل والدموع والصلوات


كل ذلك ليس سوى صدىً تردده المتاهات


وأفيون إلهيّ للقلوب الفانية


والصرخة التي يرددها آلاف الحراس


والإيعاز الذي ترجّع آلاف الأبواق صداه


والمنارات التي تضيء فوق القلاع


ونداء الصيادين التائهين في الغابات


حقاً يا مولاي إن خير شهادة نرفعها إليك


هي هذه الزفرة الحارة


التي تنتقل من جيل إلى جيل


لتموت على شاطئ أبديتك




ترجمها عن الفرنسية


حنّا الطيّار - جورجيت الطيّار






رقية صالح 03-10-2011 09:27 PM




كآبة (1)


spleen




يصبّ شهر الأمطار الغاضب


على المدينة كلها


من قربته المفعمة بالأمواج المتدفقة


برداً مظلماً على السكان الشاحبين


القاطنين إلى جوار المقبرة


وموتاً على الضواحي المغلفة بالضباب


يفتش هرّي عن مرقد فوق البلاط


وهو يحرك جسده الهزيل الأجرب دون كلل


في حين تهيم روح شاعر عجوز


في الميازيب بصوت حزين


كصوت شبح أنهكه البرد


الناقوس ينتحب والحطبة المشتعلة


ترافق بصوت حاد صوت الرقاص المبحوح


أما أعرج (الكبّة) ونبت (البستوني)


الإرث المشؤوم لعجوز مصابة بالاستسقاء


فقد جلسا يتحدثان بحزن


عن حبهما الراحل


في لعبة مليئة بالروائح الكريهة




ترجمها عن الفرنسية


حنّا الطيّار - جورجيت الطيّار



- - - - -





كآبة(2)


spleen




كثيرة هي ذكرياتي كأني عشت ألف عام


إنها خزانة ضخمة مزدحمة الأدراج


بأوراق الجرد والأشعار


والبطاقات الرقيقة


والدّعاوى والأغاني العاطفية


وخصلات الشعر الكثيفة


الملفوفة بالبراءات


إن ما تخفيه من الأسرار


أقل مما يخفيه وجداني الحزين


إنها كهف وهرم واسع يحوي من الجثث


فوق ما تحويه الحفرة الجماعية


أنا مقبرة عافها القمر, يسعى فيها


كما يسعى الندم


دود طويل ينقضّ دائماً بنهم


على الأعزاء من أمواتي


أنا بهو قديم تملؤه الزهور الذابلة


تسكنه أكداس من الأزياء


التي فات زمانها


وتستنشق فيه عبير حق مفتوح


رسوم الباستيل الشاكية


ولوحات (بوشيه) الشاحبة


لا شيء يعادل في الطول


الأيام المتعثرة


عندما يرزح تحت ركام ثقيل


من ثلوج السنين


الضجر تلك الثمرة المُرّة


لللامبالاة الكئيبة


ليأخذ أبعاداً تجعله أبدياً


فيا أيتها المادة الحية لم تعودي


سوى صخرة يحيطها رُعب غامض


تنام في قلب صحراء مغبرّة


كأبي هول تجاهله عالم غافل


وأزيل عن الخريطة


فبات مزاجه سوداوياً


ولم يعد يغني إلا على الضوء الشاحب


لأشعة الشمس الغاربة




ترجمها عن الفرنسية


حنّا الطيّار- جورجيت الطيّار






رقية صالح 03-10-2011 09:31 PM




كآبة(3)


spleen




ما أشبهني بملك لبلاد أمطارها كثيرة


غني ولكن عاجز


شاب ولكن عجوز مهدم


يكره انحناءات مؤدبيه


ويشعر بالملل من كلابه


كما من بقية الحيوانات


فلا الطريدة تستطيع أن تدخل إلى نفسه


المرح ولا العُقاب


ولا شعبه الذي يسقط ميتاً أمام شرفته


وحتى قصائد مهرّجه المفضل المضحكة


لم تعد قادرة على تسلية هذا المريض القاسي


فقد تحوّل سريره الموشّى إلى قبر


وسيدات الحاشية اللواتي يجدن كل لأمير جميلاً


لم يعدن قادرات على ابتداع زينة فاجرة


تنتزع الابتسامة من هذا الهيكل العظمي


والعالِم الذي يصنع له الذهب


عجز عن أن ينتزع من كيانه


هذا العنصر المتهدم


وحتى حمامات الدم التي انتقلت إلينا من الرومان


والتي يتذكرها الجبابرة في أواخر أيامهم


لم تستطع أن تعيد الدفء


إلى هذه الجثة الحمقاء


التي يسيل في شرايينها


بدلاً من الدم


ماء نهر النسيان العَفِن




ترجمها عن الفرنسية


حنّا الطيّار - جورجيت الطيّار


- - - - - -






كآبة(4)


spleen




عندما تنطبق السماء المكفهرّة


الثقيلة كالغطاء


على النفس الحزينة


فريسة السأم الطويل


وتل كلّ دائرة الأفق بذراعيها


وتصب عليها نهاراً قاتماً


أشد حزناً من الليالي


وعندما تتحول الأرض إلى سجن عَفِن


ويغدو الأمل وطواطاً


يضرب الجدران بجناحيه


ورأسه بالسقوف المتداعية


وعندما يرسل المطر خيوطه الهائلة


مقلداً بها قضبان سجن واسع


وينسج شعب أخرس


من العناكب الدنيئة


شباكه في تلافيف أدمغتنا


تفاجئنا دقات أجراس غاضبة


وتطلق نحو السماء عويلاً مخيفاً


عويل النفوس الهائمة بلا وطن


عندما تلجّ بالنواح والشكوى


وعندها تتتابع في نفسي أرتال متباطئة


من العربات الجنائزية


لا يتقدمها طبل ولا موسيقا


فالأمل يبكي مقهوراً


والقلق الفظيع المتجبّر


ينحني فوق رأسي ليغرس فيه


عَلمه الأسود





ترجمها عن الفرنسية


حنّا الطيّار - جورجيت الطيّار







رقية صالح 03-10-2011 09:34 PM





موت الفقراء


la mort des pauvres




إنه الموت الذي يعزّي واحسرتاه


وهو الذي يحملنا على الحياة


إنه غاية الحياة والأمل الوحيد


الذي يرفعنا ويبعث كالإكسير النشوة في نفوسنا


ويزوّدنا بالجرأة التي تجعلنا نتابع الطريق إلى النهاية


عبر الإعصار والثلج والجليد


هو الضوء المتموّج في آفاقنا السّود


إنه الفندق الذائع الصيت


الذي يوفر الطعام والراحة والنوم


إنه الملاك الذي يحمل بين أصابعه السحرية


الرقاد ونعمة الأحلام السعيدة


ويسوي مضاجع الفقراء والعراة


هو مجد الآلهة ومخزن الغلال الرمزي


وكيس نقود الفقراء وموطنهم القديم


إنه الرواق المفتوح

على الآفاق المجهولة




ترجمها عن الفرنسية


حنّا الطيّار - جورجيت الطيّار






رقية صالح 03-10-2011 09:36 PM





موت العشاق


lamortdesamants




سيكون لنا مضاجع مفعمة بالعطور الناعمة


وأرائك عميقة بعمق القبور


وزهور غريبة على الرفوف تتفتح لأجلنا


تحت سموات لا أحلى ولا أجمل


وسوف يكون قلبانا مصباحين كبيرين


يستنفدان متنافسين البقية الباقية من حبهما


ويعكسان أنوارهما المضاعفة


على روحينا: المرآتين التوأمين


وفي مساء وردي اللون رمزي الزرقة


سنتبادل وميض الحب الوحيد


كزفير طويل مثقل بحرارة الوداع


وسيأتي ملاك مخلص فَرحْ


ليفتح الأبواب


فيبعث الحياة في المرايا الخامدة


واللهب المنطفئ




ترجمها عن الفرنسية


حنّا الطيّار - جورجيت الطيّار






رقية صالح 03-10-2011 09:39 PM




العطر


le parfum




أيها القارئ هل استنشقت مرة


في نشوة وشره بطيئين


رائحة هذه الحبة من البخور


الذي يملأ أرجاء كنيسة


أو هل شممت حقّ مِسك فتيق


يا لها من فتنة عميقة ساحرة


يسكرنا فيها الماضي المتجدد في الحاضر


هكذا العاشق على صدر معبود


يجني من الذكريات زهرتها الشهية


فمن شعرها الكث المطواع


هذا الحق الحي وهذه المبخرة للمخدع


يتصاعد عبير وحشي أشقر


ومن ثيابها الحريرية المخملية


المشبعة بشبابها الطاهر


يتصاعد عبق الفراء





ترجمها عن الفرنسية


حنّا الطيّار - جورجيت الطيّار







رقية صالح 03-10-2011 09:41 PM





إيقاع المساء


harmoniedusoir




ها قد جاء الوقت الذي فيه تهتزّ


كل زهرة على ساقها وتفوح كالمبخرة


فالألحان والعطور تدور في نسيم المساء


كما تدور الرقصة الكئيبة والنشوة الفاترة


كل زهرة تفوح كمبخرة


والكمان يرتعش كالقلب المعذب


أيتها الرقصة الكئيبة والنشوة الفاترة


السماء حزينة جميلة كمذبح كنيسة واسع


الكمان يرتعش كالقلب المعذب


قلب رقيق يكره العدم الأسود الفسيح


وسماء حزينة جميلة كمذبح كنيسة واسع


والشمس تغرق في دمها المتجمد


قلب رقيق يكره العدم الأسود الفسيح


يلتقط كل بقية من ماضيه المضيء


والشمس تغرق في دمها المتجمد


وذكراك في نفسي تتألق


كواجهة مذبح مقدس





ترجمها عن الفرنسية


حنّا الطيّار - جورجيت الطيّار






رقية صالح 03-10-2011 09:43 PM




بكاملها


toutentiere




زارني الشيطان يوماً في غرفتي العالية


محاولاً أن يضبطني متلبساً بالخطيئة


فقال: أتوق أن تخبرني عن أحلى ما فيها


فبين كل المفاتن التي تصنع سحرها


ومن الأشياء الوردية والسوداء


التي تكوّن جسدها الفاتن


أى شيء هو الأجمل


أراكِ يا نفسي تجيبين كارهة


لا سبيل إلى المفاضلة فكل ما فيها بلسم


فعندما يلفني بسحره كل شيء فيها


أجدني أجهل الشيء الذي سحرني


إنها كالفجر تبهرني وكالليل تعزيني


والإنسجام الذي يلف كل جسدها


بلغ من روعته أن عجز التحليل وقصَّر


عن تعداد توافقاتها العديدة


فيا تغيُّر حواسي كلها الذائبة في واحدة


إن أنفاسها تصنع الموسيقى


وإن صوتها يصنع العطور







ترجمها عن الفرنسية


حنّا الطيّار - جورجيت الطيّار






رقية صالح 03-10-2011 09:46 PM




أغنية الخريف




قريباً سنغرق في عَتمة متجمِّدة

وَداعاً، يا صفاءَ صيفنا القصير جدّاً

قبل الآن سمعتُ الخريفَ بأسىً

على الغابة متساقطاً على فناء الدار المرصوف


....


الشتاء سيجتاح وجودي: غضب

شنآن، برد، رعب، وعمل قسريّ

وكالشمس في جحيمها الثلجيّ

قلبي ليس سوى قطعةِ جليدٍ حمراءَ طافيةٍ


....


أحِسُّ برعشةٍ عندما أسمع غصناً واهناً يسقط

ليس للمشنقة صدى أكثر صخباً

إنَّ روحي مثلُ برجٍ يستسلم

لضربة المنجنيق الثقيلة غير الكليلة


....


هادئاً هنيهة بهذا الصوت الرتيب

ربّما تابوتٍ، في مكان ما، سُمِّرَ على عجل

لمن؟ الصيف أمسِ، الخريف الآن

هذه الضوضاء الغاضة تُسمع كوداع




2



أعشق الضِّياء المُخضَرَّ في عينيك الواسعتين

أيها الجمال الهادئ
ولكنْ كلُّ شيء مُرّ ٌ هذا اليوم

لا شيءَ، لا حبَّ، المخدع أو الموقد

أعزّ من شروق الشمس على البحر


....


أحبِبْنِ دوماً، أيها القلب الحنون! كُنْ أمّاً

حتى لناكر الجميل، للشرّير

حبيباً، أختاً، حلاوةً سريعةَ الزوال

لبهاء الخريف أو للشمس الغاربة


....


مهمَة قصيرة الأجل
القبر ينتظر بلا رحمة

آه! دعْني
دعْ رأسي يستريح على ركبتيك

مستمتعاً.. نادماً
على ذهاب الصَّيف الأبيض الحارّ

بأشعّة الخريف الأخيرة، صُفراً ولِطافاً





ترجمها عن الإنكليزية


بهجت عباس





رقية صالح 03-10-2011 09:50 PM






صلوات للشيطان


les litanies de satan




أنت يا أجمل وأبرع ملك بين الملائكة


يا إلهاً خانه الحظ وحُرم من المديح


أيها الشيطان ارحم بؤسي الطويل


يا أمير الغربة يا مظلوماً


يا من إذا قهِر نهض دائماً أقوى وأصلب


أنت يا من تعرف كل شيء


يا ملكاً عظيماً للخفايا


وشافي الإنسانية من قلقها وحيرتها


أنت يا من تعلّم حتى للبُرص

والمنبوذين الملعونين


تذوّق طعم الفردوس عن طريق الحُب


أنت يا مَنْ مِنَ المنيّة عشيقة العجوز القوية


أنجبت الأمل الفاتن المجنون


أنت يا من تمنح المحكوم بالإعدام


النظرة الهادئة المتعالية


التي تدين شعباً كاملاً يلتف حول مشنقته


أنت يا من يعرف

في أي ركن من الأرض المشتهاة


يخبئ الله الغيور الأحجار الكريمة


أنت يا من تعرف عينك المضيئة


الخبايا العميقة


التي ينام فيها مدفوناً عالم المعادن


أنت يا من بيدك الكبيرة تستر الهاوية


التي يطوف حولها السائر في نومه


أنت يا من تعيد العظام المحطمة


لسكّير عجوز داسته سنابك الخيل لينة


أنت يا من علمتنا

كيف نخلط ملح البارود بالكبريت


لتدخل العزاء إلى قلب الإنسان الضعيف


الذي يعتصره الألم


أنت أيها الشريك البارع تضع ميسمك


على جبهة قارون الدنيء القاسي


أنت يا من تودع عيون وقلوب الفتيات


عبادة الجُرح وحب الأسمال


يا عكّاز المنفيين ومصباح المخترعين


والكاهن الذي يتلقى اعتراف

المشنوقين والمتآمرين


أيها الأب الذي تبنّى

كل الذين طردهم الله الآب


بغضبه الأسود من جنة الفردوس


أيها الشيطان ارحم بؤسي الطويل


المجد والمديح لك أيها الشيطان


في أعالي السماء حيث كنت تسود


وفي أعماق جهنم


حيث تحلم بصمت بعد هزيمتك


دع نفسي تسترح يوماً بقربك


تحت شجرة المعرفة


في الساعة التي تنتشر فيها أغصانها


كأنها هيكل جديد







ترجمها عن الفرنسية


حنّا الطيّار- جورجيت الطيّار





رقية صالح 03-10-2011 09:52 PM




السُّم


lepoison




يعرف الخمر كيف يضفي


حتى على أحقر الأكواخ


وأقذرها بذخاً خارقاً


ويفجر أكثر من رواق خرافي


في ذهب بخاره الأحمر


كشمس غاربة في سماء غائمة


الأفيون يزيد اتساع ما ليس له حدود


يطيل اللامتناهي يعمّق الزمن


يكشف عن أعماق اللذة


ويملأ النفس فوق ما تسع


بلذائذ قاتمة سوداء


كل هذا لا يضاهي هذا السُّم


المنسكب من عينيك الخضراوين


بحيرتين ترتجف أمامها نفسي


فترى نفسها في وضع مقلوب


وتَفِدُ إليها أحلامي زمراً


لترتوي من أعماقها المُرّة


كل هذا لا يضاهي أعجوبة لعابك الرهيب


الذي يشدّ على قلبي


ويغرق في النسيان نفسي بلا نَدَم


ويجرف معه دوارها


ويتركها خائرة على شواطئ الموت






ترجمها عن الفرنسية


حنّا الطيّار - جورجيت الطيّار






رقية صالح 03-10-2011 09:54 PM




السماء الغائمة


cielbrouille




كأني بنظراتك يجللها الضباب


وعيناك الغامضتان أهما


زرقاوان خضراوان أم رماديتان؟


وعندما يتعاقب عليهما

الحلم والقسوة والحنان


تعكسان اللامبالاة وشحوب السماء


تذكّرين بالأيام البيض الغائمة الفاترة


التي تجعل القلوب المسحورة

تذوب دموعاً


عندها تهزأ الأعصاب


وهي في ذروة انفعالها بالنعاس


تلك الأعصاب التي روّعها


وعصرها ألم مجهول


تشبهين أحياناً تلك الآفاق الساحرة


التي تضيئها شموس الفصول


الغارقة في الضباب


فما أشد تألقك أيها المنظر المخضل


الذي تضيئه أشعة سماء غائمة


أيتها المرأة الخطرة


والمناخات الفاتنة المُغرية


أيتاح لي أن أعبد صقيعك وثلوجك


وهل سأعرف كيف أجني


من الشتاء الذي لا يرحم


متعاً أكثر حدة وقسوة


من الجليد والحديد





ترجمها عن الفرنسية


حنّا الطيّار - جورجيت الطيّار





رقية صالح 03-10-2011 09:57 PM




دعوة إلى السفر


l'invitationau voyge




بنيتي شقيقتي تأملي ما أحلى الذهاب


إلى هناك لنعيش معاً


نحب على مهل نحب ونموت


في البلد الذي يشبهك


فشموس السموات المبتلة الغائمة


هي روحي هذا السحر الغامض


لعينيك الغادرتين


المتلألئتين من خلال الدموع


فكل شيء هناك سيكون


نظاماً وجمالاً وترفاً


وهدوءاً ومتعة


فالأثاث اللامع


الذي صقلته السنون


سيزين غرفتنا


وأندر الأزهار


سيختلط عبيرها بالعنبر


والسقوف المزخرفة والمرايا


العميقة والترف الشرقي


كل ذلك سيكلم النفس سراً


بحلاوة لغة موطنها


كل شيء هناك سيكون


نظاماً وجمالاً


وترفاً وسكينة ومتعة


انظري إلى السفن الغافية فوق القنوات


كيف تأتي من آخر الدنيا


لتروي ظمأ أتفه رغباتك


والشموس الغاربة تكسو الحقول


والقنوات والمدينة بكاملها


بالذهب والياقوت


ويغفو العالم في النور الدافئ


كل شيء هناك سيكون نظاماً وجمالاً


وترفاً وسكينة ومتعة





ترجمها عن الفرنسية


حنّا الطيّار - جورجيت الطيّار


رقية صالح 03-10-2011 09:59 PM




محادثة


causerie




أيتها السماء الخريفية الجميلة الصافية الوردية


إن الحزن في نفسي يتصاعد كمدّ البحر


ويترك عند انحساره على شفتيّ المرّتين


ذكرى مُحرقة لطعم وحله المرّ


عبثاً تنزلق يدكعلى صدري المبتهج


فما تبحث عنه يا صديقي هو مكان خرب


دمره ظفر وناب امرأة متوحشة


فلا تبحثي عن قلبي: لقد التهمته الوحوش


قلبي عبثت به الغوغاء


فيه يسكرون ويتذابحون


يأخذ بعضهم بنواصي بعض


في حين يطوف

حول عنقك العاري عبير منعش


أيتها الحسناء


يا مصيبة قاسية على النفوس


هذه هي إرادتك


وبعينيك الناريتين


المضيئتين كالأعياد


احرقي هذه المِزَق


التي عفّت عنها الوحوش






ترجمها عن الفرنسية


حنّا الطيّار - جورجيت الطيّار









رقية صالح 03-10-2011 10:02 PM





نشيد خريفي


chant d'automne






سنغوص قريباً في الظلمات الباردة


فوداعاً يا تلألؤ أضواء


أيام الصيف القصيرة


إني لأسمع من الآن


سقوط الحطب على البلاط


كأنه إيقاع أنغام جنائزية


سيتغلغل الشتاء كله في كياني


غضب, حقد, هول, أشغال شاقة


وكالشمس في جحيمها القطبي


سيكون قلبي كتلة حمراء من جليد


صوت كل حطبة تسقط


يشعرني بقشعريرة


وصدى بناء المشنقة


لن يكون أقوى


فكري يشبه البرج الذي ينهار


تحت ضربات قرون تيس هائل


لا يعرف التعب


يخيل لي وهذا القرع الرتيب يهدهدني


أنهم يغلقون مسرعين بالمسامير


نعشاً في مكان ما لمن؟


بالأمس كان الصيف


واليوم جاء الخريف


هذه الضجة الخفية


تدق كأجراس الرحيل


أحب في عينيك الواسعتين


أيتها الجميلة


هذا النور المخضوضر


لكن كل شيء في فمي


مرّ المذاق


لا شيء! لا حبّك

ولا غرفتك لا موقدك


كلها لا تساوي في نظري


الشمس المتلألئة على البحر


ورغم ذلك أحبيني


يا ذات القلب الحنون


كوني لي أماً


على الرغم من خبثي وعقوقي


وسواء كنت عشيقة أم شقيقة


كوني الحلاوة السريعة الزوال


لخريف مجيد وشمس غاربة


المهمة قصيرة الأمد


فالقبر ينتظرني شَرِهاً


آه دعيني ألقي بجبهتي


على ركبتيك


لأتذوق الشعاع الشاحب


الناعم لآخر الخريف


وأنا أتحرق ندماً على الصيف


الناصع المحرق






ترجمها عن الفرنسية


حنّا الطيّار- جورجيت الطيّار





رقية صالح 03-10-2011 10:05 PM




الهر


lechat




هرّ جميلٌ قويٌ ناعمٌ يجوس في دماغي


كما يجوس في شقته


وعندما يموء تكاد لا تسمعه


فلرنين صوته رقة ورصانة


وسواء زمجر أم لان


فهو دائماً عميق الصوت غني النبرات


وهنا يكمن سرّ فتنته


صوته الذي يقطر ويتسرب إلى أعماقي


يملؤني كالشِّعر ويُسكرني كالرحيق


يسكِّن في نفسي أقسى الآلام


ويحتوي على كل النشوات


ولكي يعبّر عن أطول الجمل


لا يحتاج مطلقاً إلى كلمات


وما من وتر يستطيع أن يعزف


على أوتار قلبي هذه الآلة المتقنة


وينتزع منه أشجى النغمات


سوى صوتك أيها الهر


الغامض الملائكي العجيب


هذا الذي يحوي


كل ما في صوت الملائكة


من رقة وانسجام


فمن شُقرة فروته وسمرتها


انطلق عبير بلغ من النعومة


أنه غمرني بالعطر ذات مساء


لمجرد أني لامسته مرة واحدة


إنه روح البيت الأليف


يقضي ويرأس ويلهم


كل شيء في امبراطوريته


أفيمكن أن يكون جناً؟


أفيمكن أن يكون إلهاً؟


وعندما تشَدّ عيناي نحو هذا الهر


الذي أحبه كأنما جذبهما مغناطيس


ترتدان طائعتين لتتأملا داخلي


فأرى وأنا مأخوذ


أنوار حدقتيه الشاحبتين


تتأملني محدّقة


كأنها السُرُج المضيئة


واللآلئ المتألقة




ترجمها عن الفرنسية


حنّا الطيّار - جورجيت الطيّار








رقية صالح 03-10-2011 10:08 PM




أغنية لبعد الظهر


chansond'apres-midi




أيتها الساحرة ذات العيون الفاتنة


أيتها العبثة يا ولعي الرهيب


أعبدك كما يعبد الراهب صنمه


برغم ما يُضيفه حاجباك


الماكرين عليك


من سحنة غريبة لاتنتمي لملاك


الغابة والصحراء


تعطران جدائلك المفتولة


فمحياك لغز وغموض


يطوف العطر على بشرتك


كما يطوف حول مجمرة


وكالسماء تسحرين


أيتها الربة السوداء الدافئة


واهاً لك! إن أقوى رحيق


لا يفعل ما يفعله فتورك


وتعرفين المداعبة


التي تبعث الحياة في الأموات


وركاك يعشقان منك الظهر والصدر


وتبهرين الوسائد بفتور حركاتك


وحتى يسكن فيك الغضب الخفي


تسرفين أحياناً في منح القبل والعضّ


وبضحكة ساخرة تمزقينني يا سمراء


ثم تضعين على قلبي عيناً كالقمر حلاوة


فتحت حذائيك الحريريين وقدميك الفاتنتين


أضع فرحي الأكبر وعبقريتي وقدري


فيك شفاء نفسي أيتها الأنوار والألوان


أنت انفجار الدفء


في صقيع صحرائي السوداء





ترجمها عن الفرنسية


حنّا الطيّار- جورجيت الطيّار








رقية صالح 03-10-2011 10:10 PM




إلى سيدة خلاسية


aunedamecreole




في بلد معطر الأجواء تداعبه الشمس


تعرفت تحت قبة من الأشجار


الأرجوانية والنخيل


الذي يتساقط منه الكسل فوق العيون


على سيدة خلاسية مجهول المفاتن


لونها شاحب دافئ


تلك السمراء الساحرة


وعلى جيدها يبدو تكلف مترفع


هيفاء فارعة القوام تخطر كقناصة


في عينيها اطمئنان


وفي ابتسامتها هدوء


لو أنك سيدتي تذهبين


إلى بلاد المجد العريق


على ضفاف السين


أو اللوار الأخضر


لكنت جديرة أن تكوني


زينة القصور القديمة


وفي الخلوات الظليلة ستكونين


الوحي الذي ينبت في قلوب الشعراء


آلاف القصائد


وعيناك الواسعتان ستجعلان منهم


أتباعاً أكثر خضوعاً


من عبيدك السود





ترجمها عن الفرنسية


حنّا الطيّار - جورجيت الطيّار






رقية صالح 03-10-2011 10:12 PM




الشبح


lerevenant




كالملائكة ذات العيون الوحشية


سأعود إلى مخدعك


وأتسلل إليك بغير جلبة مع ظلام الليل


وسأمنحك يا سمرائي


قبلاً باردة كالقمر


ومداعبات أفعوان يسعى حول وكره


وعندما يعود الصباح الكئيب


ستجدين مكاني فارغاً


وسيستمر بارداً حتى المساء


وكما يحب بعضهم أن يسيطروا


بالحب على حياتك وشبابك


أنا أريد أن أسيطر بالرعب




ترجمها عن الفرنسية


حنّا الطيّار - جورجيت الطيّار







رقية صالح 03-10-2011 10:15 PM




الملاح المحنك




يا موت !.. أيها الملاح المحنك


الموكل بسفر الأرواح


آن الأوان فأرفع المراسي


وهيئ لنا الرحيل


مللنا المقام هنا – يا موت


فعجل الرواح


وإن يكن .. أيها الملاح


قد أدلهم


أمامك البحر والسماء


فإن نفوسنا التي ألمت بها


يشع منها الضياء


- - - - -






الباطروس




لكي يزجون أوقات فراغهم


يتلهى رجال البحر


بطيور الباطروس


تلك المخلوقات البحرية الضخمة


المرافقة الكسولة لجوابي البحار


حينما تشق سفنهم


عباب البحر وأجاج الملح


وما أن تحط قدميها على سطح سفينة


حتى تجر ملوك للآفاق هذى


في رعونة تدعو للرثاء


أجنحتها الضخمة البيضاء


كما تنجر المجاذيف على جانبي قارب


....


يا له من أخرق وضعيف


هذا المسافر المجنح


لقد كان قبل وقت وجيز يكسوه البهاء


وهو الآن قبيح ومثير للضحك وللرثاء


أحدهم يمعن في مضايقته


بمداعباته السخيفة المؤذية


والآخر يومىء إليه ويتبعه


هازئاً من عجزه المهيض


....


إن الشاعر شبيه بأمير الآفاق هذا


يرتاد العواصف

ويهزأ من نبل الصياد


منفي في الأرض


وبين الساخرين الأوغاد


يعوق خطاه ثقل جناحيه


الضخمين المجرورين





ترجمة: الدكتور عمر عبد الماجد








رقية صالح 03-10-2011 10:18 PM




إلى عابرة




الشارع الصاخب كان من حولي يعوي


وعبرت امرأة، طويلة، نحيلة


ترفل في الحداد، والألم المهيب


وبيد باذخة ترفع


وتوازن الأكليل والهدب


....


رشيقة ونبيلة، لها ساق تمثال


وأنا، في عينيها في السماء الداكنة


حيث هب الإعصار


كنت أشرب متشنّجاً كممسوس


العذوبة التي تفتن


واللذة التي تقتل


....


وميض... ثم الليل!


أيها الجمال الهارب


بنظرته التي جعلتني أولد من جديد


هل أراك بعدُ إلا في الأبدية؟


في مكان آخر، بعيداً جدّاً


بعد فوات الأوان


وربما أبداً


فأنا لا أدري أين هربت


وأنت تجهل أين مضت بي قدماي


أنت الذي أحببته


وكنت تعرف هذا





ترجمة: أحمد عبد المعطي حجازي


منشورات الخازندر




رقية صالح 03-10-2011 10:21 PM




الإنسان والبحر




أيها الإنسان الحرّ


سيظلّ البحر عزيزاً على قلبك


البحر مرآتك


تتأمّل بإعجاب روحك

في تموّجاته الأبدية


ونفسك ليست أقلّ عمقاً من أغواره


يحلو لك أن تغوص

في أحضان صورتك


وتعانقها بعينيك وبذراعيك


بينما يلهو قلبك


أحياناً عن أهوائه


بالاستماع إلى صخب


وهدير أمواج البحر، العاتية


أنتما الاثنين، غامضان ومتكتّمان


أيها الإنسان


لم يستطع أحد سبر خفايا نفسك


أيها البحر


لا يعرف أحد كنوزك الخفيّة


لشدة حرصكما، على كتمان أسراركما


ومع ذلك، فقد مرّت قرون لا تحصى


وأنتما تتصارعان، دون ندم ولا شفقة


لفرط ما تحبّان المجازر والموت


فيا لكما من متصارعين أبديين


أيها الأخوان المصرّان

على الشراسة والعناد




موسوعة الآداب العالمية






رقية صالح 03-10-2011 10:23 PM




تواصل




الطبيعة معبد يزخر بالأعمدة الحيّة


التي تطلق أحياناً كلاماً مبهما


والإنسان يمرّ عبر غابات من الرموز


التي تراقبه بنظرات أليفة


وكالأصداء البعيدة التي تختلط ببعضها


عبر وحدة غامضة وعميقة


واسعة الأرجاء كالليل وكالضياء


تتجاوب العطور، الألوان والأصوات


هنالك عطور ناعمة كبشرة الأطفال


عذبة كألحان المزامير


خضراء كالبراري في الربيع


وهنالك عطور أخرى


فاسدة، قويّة وغالبة


تشبه بانتشارها ما هو لا نهائي


كالمسك والعنبر


عطر الشّرق والبخّور


التي تنشد تحليق الأرواح والحواسّ





موسوعة الآداب العالمية








رقية صالح 03-10-2011 10:26 PM

الشاعر والطائر





كثيراً ما يمسك بحّارة السّفن


وهم يلهون


بعض طيور "القوطرس"


تلك الطيور البحرية الضخمة


التي تتبع السفن ماخرة العباب


وترافقها محلّقة بخمول


ولا يكاد البحّارة يضعونها


على ظهر السفينة


حتّى تترك هذه الطيور


التي كانت ملوك الأجواء


أجنحتها الكبيرة تتدلى


كالمجاذيف وتزحف على جانبيها


هذه الطيور المهاجرة


كم تبدو عند ذلك


ضعيفة وفاقدة الحيلة


هي التي كانت في الجوّ


ساحرة الجمال


لكم أصبحت مضحكة وقبيحة


يلهو بها البحّارة


هذا بمشربه


وذاك بتقليده الطائر العاجز عن الطيران


وأنت، أيها الشّاعر


مثلك في ذلك مثل أمير الأجواء


هذا الذي يتحدّى العاصفة في الجوّ


ويهزأ بالصيّاد


ولكنّه عندما يقع على الأرض


منفيّاً تعيق ذلك العملاق


أجنحته الضخمة


وتمنعه من المشي





موسوعة الآداب العالمية

رقية صالح 03-10-2011 10:30 PM





القارورة




ظلت تنام


ألف بنات أفكار


في خدر حزين


ترتعش بهدوء


في الظلمات الكثيفة


التي تنفض جناحها وتنطلق


مموهة باللازورد


مصقولة بالورد


مزركشة بالذهب


ها هي الذكرى النشوى التي تختلج


في الهواء المضطرب


تنغلق عيناي


يأخذ الدوار نفسي المنهزمة


ويدفعها بيدين اثنتين


عبر هوة مظلمة


من الأبخرة الإنسانية العفنة


....


كذلك عندما أصبح تائها في الذاكرة


عندما أُرى مرمياً في زاوية مرآة مشؤومة


هناك رجال


أيتها القارورة الشائخة المحزونة


الفانية المغبرة، القذرة


الخسيسة، اللزجة، المشقوقة


....


سأصبح نعشك أيتها النتانة الودود


شاهد قوتك وشدتك


عزيزي السم الذي يضنيني


يا حياة وموت قلبي



- - - - - -



(القارورة) "أزهار الشر" شارل بودلير




ترجمة محمد الإحساين








رقية صالح 03-10-2011 10:33 PM




الدعوة إلى السفر



القصيدة*



ولدي، أختي


أحلمْ بطريقة لطيفة


أحلْم بأن نذهب إلى هناك


لنعيش جميعاً


أرغب في الراحة


أحب ومْت


في البلد الذي يشبهك


شموُسه المبللة


من هذي السماوات الملبدة


من أجل روحي لها المفاتنُ


المكتنفة كثيرا بالأسرار


مفاتن عينيك الخائنتين


تلمعان عبر دموعهما


هناك.. كل شيء ليس إلا نظاماً وجمالاً


فخامة، هدوءاً، واشتهاء حسياً


....


سوف يزين غرفتنا


أثاث متوهج


صقلته السنون


الزهور النادرة جداً


تمتزج أرائجها


بروائح العنبر الملتبسة


[وإذا لقيت، هناك، لقيت]


السقوف الباذخة


والمرايا العميقة


والتألق الشرقي


كل شيء سوف يتحدث هناك


إلى النفس سراً


لغة مسقط رأسه العذبة


....


هناك .. كل شيء ليس إلا نظاماً وجمالاً


فخامة، هدوءاً واشتهاء حسياً


أطلي على هذه القنوات


حيث تنام هذه البوارج


مزاجها شارد


ومهما تبحر من أقصى العالم


فلكي تشبع أقل رغبتك


الشموس الراقدة


تكسو الحقول


والقنوات، والمدينة كاملة


بالياقوت الأحمر وبالذهب


وينام العالم


في ضوء ساخن


هناك .. كل شيء ليس إلا نظاماً وجمالاً


فخامة، هدوءاً واشتهاءً حسياً




ترجمة : محمد الإحساين


- - - - - -

نشر بودلير، "الدعوة إلى السفر"، ثلاث مرات (1857، 1861، 1862) وهنا القصيدة.

Baudelaire les Fleurs du Mal. Spleen de Paris et Idéal*

(l’Invitation au voyage- p.p 136, 138




رقية صالح 03-10-2011 10:37 PM




نشيد الخريف


sonnetd'automne




عيناك الصافيتان كالكريستال تقولان لي


أيها العاشق الغريب الأطوار


ما هي مزيتي في نظرك؟


كوني فاتنة والزمي الصمت


فقلبي الذي يثيره كل شيء


ما خلا براءة الوحش القديم


لا يود إطلاعك على سرّه الجهنمي


ولا على أسطورته السوداء المكتوبة باللهب


أيتها المرأة التي تدعوني


يداها المهدهدتان للنوم


إني أكره الوجد ويوجعني الفكر


دعينا نتحاب في هدوء


فالحب في كوخه المظلم الآمن


يوتر قوسه المشؤومة


وأنا عليم بذخائر مسالحه القديمة


إنها الجريمة والعرب والجنون


يا زهرتي الشاحبة


ألست مثلي شمساً خريفية


يا لؤلؤتي التي لا أبرد


ولا أشدّ منها بياضاً





ترجمها عن الفرنسية


حنّا الطيّار - جورجيت الطيّار






رقية صالح 03-10-2011 10:39 PM





أحزان القمر


tristessesdelalune




يحلم القمر بمزيد من الاسترخاء هذا المساء


كأنه حسناء تتكئ على وسائدها


تداعب بيد ذاهلة خفيفة حوافّ نهديها


قبل أن يستولي عليها النوم


وتستسلم متهالكة لانتشاءات طويلة


كأنها على متن حريري لركام ثلجي هشّ


وعيناها تجولان على الرُّؤى البيض


التي تتصاعد كأنها الأزهار في زرقة السماء


وعندما تدع دمعة خفيفة تسقط أحياناً


على هذا المصباح وهي في مللها الكسول


يتناولها شاعر تقي عدوّ للرقاد


في راحة يده.. هذه الدمعة الشاحبة


ذات الانعكاسات القزحية


كأنها قطعة من حجر كريم


ويخفيها في قلبه بعيداً

عن عيون الشمس





ترجمها عن الفرنسية


حنّا الطيّار - جورجيت الطيّار







رقية صالح 03-10-2011 10:41 PM





البوم


les hiboux




تحت الأشجار السود تجثم طيور البوم


مختبئات في صفوف منتظمة


شاخصات بعيونهن الحُمر


كأنها آلهة غريبة


إنهن يتأملن


وبلا حراك يمكثن


حتى الساعة الكئيبة


التي يوطد فيها الظلام سيطرته


طارداً أشعة الشمس المنحرفة


موقفهنّ هذا يعلم الحكيم أن يخشى


في هذا العالم


الحركة والزحام


فالإنسان الذي يسكره خيال عابر


يحمل معه دائماً عقابه


الذي يكمن في إرادة تغيير مكانه





ترجمها عن الفرنسية


حنّا الطيّار - جورجيت الطيّار







رقية صالح 03-10-2011 10:42 PM




الغليون


lapipe




أنا غليون لأحد الكتّاب


فمن يتأمل سحنتي الحبشية


يدرك أن صاحبي مُكثرٌ من التدخين


فعندما يغمره الألم


يطلق الدخان كمدخنة كوخ


يُعَدّ في مطبخه الطعام


انتظاراً لعودة صاحبه الفلاح


إني أعانق وأهدهد روحه


في شبكة من الدخان الأزرق


الذي يطلقه فمي الملتهب


وأصنع بلسماً قوياً يسحر قلبه


ويشفي فكره من التعب






ترجمها عن الفرنسية


حنّا الطيّار- جورجيت الطيّار







رقية صالح 03-10-2011 10:44 PM




الموسيقا


lamusique




غالباً ما تحملني الموسيقا


كما يحملني موج البحر


نحو نجمي الشاحب


وتحت سقف من الضباب


أو في أثير واسع


أبحر


فأتسلق متن الأمواج المتراكمة


التي يحجبها عني الليل


وصدري إلى الأمام ورئتاي منفوختان


كأنهما من قماش


إني لأشعر في داخلي بكل انفعالات


مركب مشرف على الغرق


وأشعر بالريح المواتية


وبالعاصفة واختلاجاتها


تهدهدني فوق اللجة المترامية


وأحياناً أخرى أسمعها هادئة ملساء


كأنها مرآة يأسي الكبيرة





ترجمها عن الفرنسية


حنّا الطيّار - جورجيت الطيّار







رقية صالح 03-10-2011 10:47 PM





الميت الفَرِحْ


lemortjoyeux




في أرضٍ خصبة مملوءة بالحلزون


أريد أن أحفر بنفسي حفرة عميقة


أدفن فيها على مهلٍ عظامي البالية


وأنام في النسيان


كما ينام الحوت في أعماق البحار


إني أكره الوصايا وأمقت القبور


وأفضل وأنا بعد حيّ أن أدعو الغربان


لتمتص الدم من أطراف هيكلي القذر


على أن أستجدي دمعة من دموع البشر


أيتها الديدان السوداء


يا رافقاً لا يرون ولا يسمعون


انظروا إلى هذا الميت الفرِح


الآتي إليكم بحرّية


يا فلاسفة يحبون الحياة ويا أبناء العفونة


أوغلوا في هيكلي دون ندم وقولوا لي


إن كان لا يزال يوجد أيضاً


لهذا الجسد الفاني الخالي من الروح


والميّت بين الأموات


مزيد من العذاب




ترجمها عن الفرنسية


حنّا الطيّار - جورجيت الطيّار









ماجد جابر 03-10-2011 10:49 PM

تحيّاتي
ما من يوم يمر علينا في الأدب العالمي
إلا ويظهر لنا معدن الألماس النفيس ، دبّجته يد فنانة رائعة ، وأضفت عليه الأستاذة رقيّة مسحة من عصارة فكرها ، ونبض يراعها ، ودفقة من شراينها ؛ ليصبح أدباً خالداً ، والكلمات لا تؤاتيني... لعلّّه الرهبة..
بوركتِ وبورك المداد
والحرف .
تحية وتقدير وإعجاب...


تعذبني صورة معينة


إني أفكر ببجعتي الكبيرة


بحركاتها القلقة


المضحكة السامية كحركات المنفيين


والتي تغذيها رغبة سامية


وأفكر بك با أندروماك

رقية صالح 03-10-2011 10:49 PM




برميل الحقد


letonneaude la haine




الحقد برميل بنات دنائيد* الشاحبات


والانتقام يصبّ مهتاجاً


بذراعين أحمرين قويين


في فراغه المظلم الهائل


دِلاء مملوءة بدماء الأموات ودموعهم


والشيطان يحفر في هذه الأعماق ثقوباً سريّة


منها يتسرب ما جمعه ألف عام من جهد وعرق


ومع ذلك فإن الحقد يعرف كيف يبعث الحياة


في ضحاياه ليعتصرها من أجسادهم من جديد


الحقد سكّير قابع في جوف حانة


يشعر بالظمأ الدائم وكلما أكثر من الشرب


تجدّد كما تتجدد رؤوس ثعبان (الإيدز)


كلما قطع منها رأس


لكن السكارى السعداء يعرفون قاهرهم


أما الحقد فتنتظره هذه الخاتمة المحزنة


بألا يستطيع أبداً أن يسعد


بالسقوط صريعاً تحت الموائد



__________________

* اسم يطلق على الفتيات الخمسين اللواتي قتلن أزواجهن ليلة زفافهن.


ترجمها عن الفرنسية


حنّا الطيّار - جورجيت الطيّار





رقية صالح 03-10-2011 10:57 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ماجد جابر (المشاركة 64834)
تحيّاتي
ما من يوم يمر علينا في الأدب العالمي
إلا ويظهر لنا معدن الألماس النفيس ، دبّجته يد فنانة رائعة ، وأضفت عليه الأستاذة رقيّة مسحة من عصارة فكرها ، ونبض يراعها ، ودفقة من شراينها ؛ ليصبح أدباً خالداً ، والكلمات لا تؤاتيني... لعلّّه الرهبة..
بوركتِ وبورك المداد
والحرف .
تحية وتقدير وإعجاب...


تعذبني صورة معينة


إني أفكر ببجعتي الكبيرة


بحركاتها القلقة


المضحكة السامية كحركات المنفيين


والتي تغذيها رغبة سامية


وأفكر بك با أندروماك








سلام الله على الأديب الغالي
المربي الفاضل أ. عبد المجيد جابر


وما من يوم يمر عليّ
إلاّ ويظهر حضورك العاجي
وحروفك اللازوردية
تبحر في بحيرة البجعة
ينهال على الآداب بأمطار زاخرة
بالوفرة والجمال
شكري لعبورك بحجم السماء
تحية وتقدير
وود لا ينتهي

رقية صالح 03-10-2011 10:59 PM




الجرس المصدوم


la cloche felee




ما أمرَّ وما أحلى


أن تصغي في ليالي الشتاء


وأنت جالس قرب المدفأة


التي تختلج وتطلق الدخان


إلى الذكريات البعيدة


التي تستيقظ على مهل


على صوت النواقيس


التي تصدح في الضباب


طوبى لك أيها الجرس


القوي الحنجرة


إنك لا تزال موفور النشاط والعافية


برغم بلوغك غاية الكبر


فلا تزال قادراً على أن تطلق بأمانة


نداءك الديني كأنك جندي عجوز


يقضي الليل حارساً تحت خيمته


إن نفسي المتصدعة


عندما تريد من خلال سأمها


أن تملأ بغنائها جو الليالي الباردة


فإن صوتها غالباً ما ينطلق ضعيفاً


كحشرجة جريح منسيّ


على حافة بحيرة من دم


تحت أكداس الجثث


وهو يعالج سكرات الموت


دون حراك بجهد عظيم





ترجمها عن الفرنسية


حنّا الطيّار - جورجيت الطيّار







رقية صالح 03-10-2011 11:03 PM



معذب نفسه







سأضربك يا نفسي دون حقد ولا غضب


كما يضرب الجزار


وكما ضرب موسى الصخرة


وسأجعل جفنيك يتفجران بماء العذاب


لأروي صحرائي


وستسبح رغبتي المفعمة بالرجاء


في لجة دموعك المالحة


كما تسبح السفينة في عرض البحر


ونحيبك الغالي الذي أسكر قلبي


سيدوّي فيه كالطبل يدق دقات الهجوم


ألسْتُ اللحن الناشز


في السيمفونية الإلهية


بفضل السخرية النهمة


التي تهزني وتنهشني


أنا الصرخة الحادة في صوتي


والسُّم الأسود في دمي


أنا المرآة المشؤومة التي تتملى


فيها المرأة الشرسة وجهها


أنا الجرح والسكين أنا الخدُّ والصّفعة


أنا الجسد ودولاب التعذيب


أنا الجلاد والضحية


أنا مصاص دماء قلبي


وأحد هؤلاء المنبوذين العظام


الذين حُكم عليهم بالضحك المؤبد


ولكن امتنع عليهم الابتسام




ترجمها عن الفرنسية


حنّا الطيّار - جورجيت الطيّار









الساعة الآن 07:14 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team