![]() |
فـــروغ فرخــزاد Forugh Farrokhzad
فروغ فرخزاد Forugh Farrokhzad نبذة حول الشاعر: فروغ فرخزاد: Forugh Farrokhzad - 1935 – 1967 ولدت فروغ فرخزاد سنة 1935 في طهران، وتزوجت في السابعة عشرة من عمرها، من رسام الكاريكاتير الإيراني برويزشابور وأنجبت منه ابنها الأوحد كاميار، لتنصرف إلى الشعر، وإلى علاقة عمرها الحميمة مع القاص الإيراني الشهير إبراهيم كلستاني بعد طلاقها من زوجها. أول دواوينها الشعرية كان بعنوان(أسير) ثم(حائط) ثم(عصيان) و(ولادة أخرى) كما صدر كتاب احتوى مختارات من شعرها. عملت فروغ إلى جانب ضخ الشعر، في إعداد وتصوير وتمثيل الأفلام منها(البحر) و(الخطوبة) و(الماء والحرارة) و(البيت الأسود) وسواها. كما عاشت حياتها القصيرة توفيت في عمر الثانية والثلاثين إثر حادث سير سفراً وشعراً وأفلاماً، وكرّمها المخرج الإيطالي (برناردو برتولوجي) حين أنجز فيلماً عنها مدته ربع ساعة. لها (25) قصيدة. المصدر: الموسوعة الشعرية للآداب العالمية |
قلبي يحترق على الحديقة (ج 1) لا أحد يفكر بالأزهار لا أحد يفكر بالأسماك لا أحد يريد تصديق أن الحديقة تحتضر أن قلب الحديقة متورم تحت الشمس وأن ذهن الحديقة ينزف، بهدوء، ذكرياتٍ خضراء وحس الحديقة كأنه شيء مجرّد يتفسخ في انزواء الحديقة باحة بيتنا منعزلة باحة بيتنا تتثاءب في انتظار هطول غيمة غريبة حوض البيت فارغ والنجوم الصغيرة عديمة التجربة يتساقطن من شاهقات الأشجار على التراب وبين النوافذ الباهتة لبيوت الأسماك يأتي، في الليالي، صوت سعال باحة بيتنا منعزلة الأب يقول: فات أواني فات أواني لقد حملت أوزاري وأتممت عملي وفي غرفته، من الصبح حتى الغروب هو إما يقرأ الشاهنامه (*) أو ناسخ التواريخ(**) الأب يقول للأم: اللعنة على كل سمكة وكل طير ما همني، إذا مِتُّ أكانت الحديقةُ أمْ لمْ تكنْ يكفيني راتب التقاعد الأم كل حياتها سجادة مفروشة على عتبة رعب جهنم الأم تقتفي آثار أقدام خطيئة في أعماق كل شيء وتظن أن الحديثة ملوثة بسبب كفر شجرة الأم مذنبة بالفطرة الأم كل يوم تقرأ الدعاء وتعزّم على كلَّ الأزهار وتعزّم على كلَّ الأسماك وتعزّم على نفسها الأم في انتظار يوم الظهور وحلول المغفرة أخي يسمي الحديقة مقبرة أخي يسخر من شغب الحشائش ويعدُّ جثث السمكات المتعفنة تحت جلد الماء المريض أخي مدمن فلسفة أخي يرى شفاء الحديقة في انهدامها إنه يسكر يضرب بقبضته الحائط والباب يريد أن يقول: أنا متوجع، تعب، يائس يأسه مثل بطاقته الشخصية وتقويمه ومنديله وقداحته وقلمه يأخذه معه إلى الزقاق والسوق يأسه من الضآلة بحيث يضيع كلَّ ليلة في زحام الحانة - - - - - - - (*) الشاهنامه: كتاب سير الملوك الفرس، ألفه الفردوسي سنة 300 هـ، يحكي فيه تاريخ وأساطير الفرس حتى دخول العرب بلاد فارس. (**) ناسخ التواريخ: كتاب تاريخي لمؤلفه لسان الملك الميرزا محمد تقي سبهر - الذي عاش في زمن الدولة القاجارية. يتبع . . |
قلبي يحترق على الحديقة (ج 2) وأختي التي كانت صديقة الزهور وكلمات قلبها الساذجة عندما تضربها أمي تأخذ الزهور إلى محفلها العطوف الصامت أحياناً تستضيف عائلة الأسماك إلى الشمس والحلوى بيتها في الجانب الآخر من المدينة هي داخل بيتها الاصطناعي مع أسماكها الحمر الاصطناعية وفي حماية حب زوجها الاصطناعي وتحت أغصان أشجار تفاحها الاصطناعية تغني أغاني اصطناعية وتصنع أطفالاً طبيعيين كلما جاءت تزورنا تتوسخ أذيال تنورتها من فقر الحديقة تستحم بالكولونيا هي كلما جاءتنا تكون حبلى باحة بيتنا منعزلة باحة بيتنا منعزلة في كل يوم يأتي من وراء الباب صوت انفجار جميع جيراننا يزرعون في تراب حديقتهم القذائفَ والبنادقَ بدلَ الزهور جيراننا يغطّون أحواضهم المبلّطة الأحواض، رغماً عنها صارتْ مخازن سرية للبارود وأطفال زقاقنا ملأوا حقائبهم المدرسية قنابلَ صغيرة باحة بيتنا دائخة أخاف الزمن الذي أضاع قلبه أخاف التصور العبثيِّ لكل هذه الأيدي أخاف من تجسّم غرابة كل الوجوه أنا وحيدة مثل تلميذة تعشق درس الهندسة بجنون وأعتقد أن من الممكن أخذ الحديقة إلى المستشفى أعتقد أعتقد أعتقد قلب الحديقة تورم تحت الشمس قلب الحديقة ينزف، بهدوء، ذكرياتٍ خضراء ترجمة: ناطق عزيز - أحمد عبد الحسين مخـتارات من كتاب: عمدني بنبيذ الأمواج الناشر: (اتحاد الكتاب العرب)2000 |
بأي شيء؟* نوم نوم نوم هو النوم فوق حبات الرمل الحارة تحت أشعة الشمس الحادة *** من بين الجفون النصف المفتوحة ينظر المهموم إلى: غزارة مياه ظفائري المبللة تجري فوق صدره ورائحة عطر خمرة جسده قد هبت في جسدي *** انظر إلى المهموم: مالت السماء نحو وجهه ويده في حبات الرمل الحارة وبه قطع مسكورة من الصدف قد خط خطاً مضيئ غير واضح *** أحبها كالبذرة للنور كالحقل للرياح كالزروق للموج أو طائراً في العلالي أحبها *** من بين الجفون النصف المفتوحة انظر إلى المهموم: ليت مع هذا الهدوء ومع هذا الصفاء وبين سواعدي أن تصبح تراباً مع هذا الهدوء ومع هذا الصفاء وبين سواعدي تحت ظل ضفائري لحظة تذوقك الخمر ناحية عطش جسدي الشاب كهطول المطر الناعم كالقمر المدلل ليتك تصبح تراباً ليتك تصبح تراباً *** حتى آخر جسد في حملة الأيام البعيدة لم يأخذ من لون ورائحة جسدك ولم تتطبع مع جسدك حتى آخر امرأة لا تنم في منخفض صدرك لا تغفو بجانب بيتك لا تجري صوب بيتك لا تسمعك نغمة القلب *** * باكدام است؟ معناها (بأي شيء) وهي قصيدة من ديوان أسير. يتبع . . . |
بأي شيء؟* (ج 2 ) من بين الجفون النصف المفتوحة انظر إلى المهموم: كالأمواج أنت من ساحلي تبتعد وكذلك تبتعد نحو الأفق اللامحدود كنور ثاقب *** بأي شي تستطيع أن تبقي هذا الحب السرمدي؟ بأي قبلة؟ بأي شفة؟ في أي لحظة، في أي ليلة؟ *** ليس مثلي أنا اصبحت مثل الأيام مثل الفصول مثل عش الطيور كالثلج على سطوح المنازل هذه النهاية أصبحت غباراً في وسط الظلال مثل صورة قديمة تمزقت إرباً إرباً *** بأي فكر تستطيع أن تهرب من زوال الأيام والآلام ! بأي دمعة تستطيع أن ترفع الحجاب عن رؤية حيرة الزمان بأي يداً تستطيع أن تبقي هذا الحب السرمدي؟ بأي يد؟ *** نوم.. نوم .. نوم هو النوم فوق حبات الرمل الحارة تحت أشعة الشمس الحادة - - - - - - ترجمة: إيفان كريم |
الذي لا يشبه أحداً (ج 1) إني رأيت حلماً: أحدهم سيأتي إني رأيت حلمَ نجمة قرمزية أهدابي ترفّ وأحذيتي تتراكب لأكنْ عمياء إذا كذبتُ أنا رأيت تلك النجمة القرمزية عندما لم أكن نائمة أحد ما يأتي أحد ما يأتي أحد أجمل لا يشبه أحداً، ليس مثل أبي، ليس مثل أنسي ليس مثل يحيى، ليس مثل أمي إنه مثل الذي يجب أن يكون وطوله، أطول من أشجار بيت البنّاء ووجهه أكثر إشعاعاً من وجه صاحب الزمان ومن شقيق سيد جواد.. الذي رحل إنه يرتدي زيّ الحارس، لا يخاف ولا يخاف حتى من سيد جواد- الذي يملك كل غرف بيتنا واسمة مثل الذي تناديه أمي في أول الصلاة وآخرها: يا قاضي القضاة يا صاحب الحاجات بمقدوره أن يقرأ بعين مغمضة كل كلمات كتاب الصف الثالث الصعبة وبمقدوره طرح الألف من العشرين مليوناً بلا تخاذل يستطيع أن يستلف ما يحتاج من بضائع من دكان سيد جواد يستطيع، مرة أخرى، أن يجعل مصباح الله الذي كان أخضرـ كان مثل صبيحة السحر أخضرـ يجعله يضيء على سماء مسجد مفتاحيان-(1) آخ.. كم هو الضياء جميل كم الضياء جميل وكم يتمنى قلبي أن يمتلك يحيى عربة وسراجاً وكم يتمنى قلبي أن أجلس على عربة يحيى بين البطيخ والرقي وأدور حول ساحة محمدية - (2) آخ.. كم هو ممتع الدوران حول الساحة كم هو ممتع النوم فوق السطح كم هو ممتع الذهاب إلى حديقة ملي - (3) كم هو لذيذ طعم البيبسي كم هو ممتعة سينما فردين - (4) (1) مسجد في طهران. (2) ساحة في جنوب طهران. (3) ملّي: متنزه كبير وسط طهران. (4) سينما فردين: سينما في جنوب طهران. يتبع . . |
الذي لا يشبه أحداً (ج 2) وأنا كم أحب هذه الأشياء الممتعة وكم يتمنى قلبي أن أشدّ ضفيرة بنت سيد جواد لم أنا صغيرة إلى هذا الحدّ حيث أضيع في الشوارع؟ ولماذا أبي ليس صغيراً ولا يضيع في الشوارع لم لا يفعل شيئاً لتقريب يوم مجيء هذا الذي يأتي في منامي؟ وأهل محلة المسلخة الذين تراب حدائقهم أيضاً ملطخ بدم وماء أحواضهم ملطخ بدم ورف أحذيتهم ملطخ بدم لم لا يفعلون شيئاً لم لا يفعلون شيئاً؟ كم هي كسولة شمس الشتاء أنا كنست درجات عتبة البيت وغسلت زجاج النوافذ أيضاً لماذا أبي في النوم فقط يرى الحلم؟ أنا كنست درجات عتبة البيت وغسلت زجاج النوافذ أيضاً أحد ما يأتي أحد ما يأتي أحد ما، معنا بقلبه، معنا بنفسه، معنا بصوته لا يستطيع الإمساك بقدومه وتكبيله وزجّه في السجن هو الذي تطفل تحت أشجار يحيى القديمة ويوماً إثر يوم يكبر.... يكبر هو الآتي من المطر، من صوت هدير المطر من بين همس ورود الأطلس من فوق سماء توبخانة - (5) في ليل الألعاب النارية يبسط المائدة ويقسّم الخبز ويقسم البيبسي ويقسم حديقة ملي ويقسم شراب السعال ويقسم يوم التسجيل ويقسم غرف المستشفى ويقسم أحذية البلاستيك ويقسم سينما فردين ويقسم أشجار بنت سيد جواد ويقسم كل ما عملته الريح ويعطيني نصيبي لقد رأيت حلماً.. ___________ (5) التوبخانة: ساحة في جنوب طهران، ومعناها ساحة المدفع. ترجمة: ناطق عزيز - أحمد عبد الحسين مخـتارات من كتاب: - عمدني بنبيذ الأمواج - الناشر: (اتحاد الكتاب العرب)2000 |
فلنؤمنْ بحلول الفصل البارد (ج 1) وهذه أنا امرأة وحيدة على عتبة الفصل البارد في بدء إدراك الوجود الملوث بالأرض ويأس السماء البسيط الحزين وعجز تلك الأيدي الإسمنتية مضى الزمن مضى الزمن ودقّت الساعة أربع مرات دقت أربع مرات اليوم أول شهر دي- (1) أنا أعرف سرّ الفصول وأفهم كلام اللحظات المنقذ يرقد في لحده والتراب، التراب المضياف علامة السكينة مضى الزمن ودقت الساعة أربع مرات تأتي الريح في الزقاق تأتي الريح في الزقاق وأنا أفكر باقتران الزهور وبالبراعم ذات السيقان النحيلة، فقيرة الدم وبهذا الزمن المتعب المسلول والرجل العابر من جنب الأشجار الرطبة الرجل الذي حبال شرايينه الزرق كالأفاعي الميتة، تزحف من طَرَفِيْ حلقومه إلى الأعلى، وبصدغيه الهائجين يكرّر ذلك اللفظَ المدمى: ـ سلاماً ـ سلاماً وأنا أفكر باقتران الزهور على عتبة الفصل البارد في محفل عزاء المرايا والحشد المعزي للتجارب باهتة اللون وهذا الغروب اليانع بحكمة الصمت وهذا الذي يعبر هكذا صبوراً وقوراً حائراً كيف يؤمر بالوقوف؟ كيف يقال له: أنت لست حياً؟ إنه لم يكن حياً أبداً تأتي الريح في الزقاق غربان العزلة، وحيدة تدور في الحدائق الشائخة الكسلى والسلّم... يا لارتفاعه الحقير لقد أخذوا معهم كلَّ صفاء القلب إلى قصر الحكايات والآن، مرة أخرى مرة أخرى كيف ينهض شخص إلى الرقص ويحلّ ضفائر طفولته في الماء الجاري والتفاحة التي اقتُطِفَتْ في النهاية وشُمّتْ ستدحرجها الأقدام (1) ذي: الشهر العاشر في السنة الإيرانية ويقابله الكانونان من السنة الميلادية. يتبع . . |
فلنؤمنْ بحلول الفصل البارد (ج 2) حبيبي يا حبيبي الأوحد كم من غمامة سوداء تنتظر يوم ضيافة الشمس كأنها في مسير على هيئة التحليق يومَ تجلّى ذلك الطائر كما لو من الخطوط الخضراء للتخيّل هذه المستنقعات الجديدة التي تستنشق شهوةَ النسيم كأنما الشعلة الشعلة البنفسجية التي تلتهب في ذهن النوافذ الطاهر لم تكن سوى صورة بريئة للمصباح تأتي الريح في الزقاق هذا أول الانهدام يومها أيضاً عندما انهدمتْ يداك، هبّت الريح أيتها النجوم العزيزة أيتها النجوم الورقية العزيزة عندما يعصف الكذبُ بالسماء كيف اللجوء إلى سُوَر الأنبياء الخجلين؟ نحن مثل موتى آلاف آلاف السنين سنلتقي وعندها ستحكم الشمس على أجسادنا بالفساد بردانة أنا وكأني لن أدفأ أبداً حبيبي، يا حبيبي الأوحد كم هو عمر هذا النبيذ أنظرْ فهنا ما أثقل الزمن وكيف الأسماك تمضغ لحمنا لمَ، دائماً، تتركني في قعر البحر؟ بردانة أنا وبي ضيق من الأقراط الصدفية بردانة وأعرف أن من بين كل الأوهام الحمر الوحشية للشقائق لن يتبقّى سوى بضع قطرات من الدم سأهجر الخطوط سأهجر عدّ الأرقام ومن الأشكال الهندسية الضيقة سألجأ لمساحة الحس الواسعة أنا عارية، عارية، عارية عارية كالصمت بين كلامي عن الحب وجروحي كلها بسبب الحب الحب، الحب، الحب أنا التي أنقذتُ تلك الجزيرة من انقلاب المحيط وانفجار الجبل ومن فناء سرّ ذلك الوجود المتحد الذي وُلدت الشمس من أحقر ذراته يتبع . . |
فلنؤمنْ بحلول الفصل البارد (ج 3) سلاماً أيها الليل المعصوم سلاماً أيها الليل، يا من تستبدل عيون ذئاب الصحراء بحُفَر من عظام الإيمان والثقة وعلى ضفاف أنهارك، ثمة أرواح الصفصاف تشمُّ أرواح الفأس الرؤوم أنا آتية من عالم تستوي فيه الأفكار والكلام والأصوات عالم مثل جحر الأفاعي عالم مليء بأصوات أقدام أناس في لحظة تقبيلهم إيّاك ينسجون في أذهانهم حبل إعدامك سلاماً أيها الليل المعصوم بين النوافذ والرؤية دائماً ثمة فاصلة لِمَ لمْ أنظرْ؟ مثل الزمن الذي عبر فيه رجل من جنب الأشجار الرطبة لِمَ لمْ أنظر؟ كأن أمي بكت تلك الليلة تلك الليلة التي بلغت فيها وجعي وانعقدت النطفة تلك الليلة غدوت عروس عناقيد الأكاسيا تلك الليلة كانت أصفهان ملأى بإيقاع البلاط الأزرق وهذا الذي كان نصفي عاد إلى نطفتي وأنا أراه في المرآة كالمرآة طاهراً ومضيئاً ناداني فصرت عروس عناقيد الأكاسيا كأن أمي بكت تلك الليلة ياللضياء العبثي المتلصص في تلك الكوّة الموصدة لِمَ لمْ أنظر؟ كلّ لحظات السعادة تعرف أن يديك ستنهدمان وأنا لمْ أنظر إلى أن انفتحتْ نافذة الساعة وغرّد الكناري الحزين أربع مرات غرد أربع مرات والتقيتُ بتلك المرأة الصغيرة التي كانت عيناها مثل عشين خاويين من السيمرغ - (2) وكانت تروح هازّةً فخذيها كأنها تقود بكارة أحلامي العظيمة إلى سرير الليل ترى هل سأمشط ضفائري في الهواء ثانية؟ ترى هل سأزرع البنفسج في الحدائق ثانية؟ وهل سأضع الشمعدانات في المساء وراء النافذة؟ هل سأرقص فوق الكؤوس ثانية؟ وهل سيأخذني جرس الباب ـ مرة أخرى ـ إلى انتظار الصوت (2) السيمرغ: طائر أسطوري معناه بالفارسية الثلاثين طائراً، استخدمه الصوفية رمزاً دالاً على الذات الإلهية، كما (في كتاب منطق الطير) لفريد الدين العطار. يتبع . . |
فلنؤمنْ بحلول الفصل البارد (ج 4) قلت لأمي: أخيراً انتهى قلت: دائماً قبل أن تفكري يقع الحادث. يجب أن نبعث التعازي إلى الصحيفة الإنسان الأجوف الإنسان الأجوف ممتلئ بالثقة أنظرْ، كيف، عند المضغ، أسنانه تقرأ النشيد وعيناه، حين يحدّق تمزّقان أما ذلك، فهو يعبر من جنب الأشجار صبوراً وقوراً حيران في الساعة الرابعة في اللحظة التي كانت حبال شرايينه كالأفاعي الميتة من طرفي حلقومه إلى الأعلى وبصدغيه الهائجين يكرر ذلك اللفظ المدمى: ـ سلاماً ـ سلاماً وأنت... ترى هل شممتَ يوماً الشقائق الأربع الزرقاء...؟ مضى الزمن مضى الزمن وأرخى الليل سدوله على أغصانِ الأكاسيا العارية الليل يتزحلق على زجاج النافذة وبلسانه البارد يمتص إلى داخله ما تبقى من اليوم الذاهب من أين أتيت أنا؟ من أين أتيت أنا؟ هكذا مدهونة برائحة الليل؟ لمْ يزلْ تراب ضريحه طريّاً أعني ضريح تينك اليدين الخضراوين الفتيتين كم كنتَ رحيماً أيها الحبيب ـ يا حبيبي الأوحد كم كنتَ رحيماً عندما تكذب كم كنتَ رحيماً عندما تغلق جفون المرايا وتقتلع القناديل من سيقانها السلكية وفي الظلام الظالم تأخذني إلى مراتع الحب إلى أن يجلس ذلك البخار الدائخ من حريق العطش على مرج النوم تلك النجوم الورقية تدور على اللامنتهى لماذا قالوا الكلام بالصوت؟ لماذا استظافوا النظر ببيت الملتقى؟ لماذا أخذوا الرغبة إلى حياء الضفائر العذرية؟ انظرْ كيف يحيا ذلك الشخص الذي يتكلم بالكلام ويعزف بالنظر وبرغبة الرهبة نام مصلوباً على أعمدة الوهم وكيف بقي على خدّه أثر أغصان أناملك الخمس التي تشبه الحروف الخمسة للحقيقة يتبع . . |
فلنؤمنْ بحلول الفصل البارد (ج 5) ما هو الصمت، ما هو، ما هو يا حبيبي الأوحد؟ ما الصمت سوى كلام لم يُتَكلّمْ به أنا أتأخر عن الكلام، لكنْ لغة العصافير لغة الحياة، جُمَل فرح الطبيعة الجارية لغة العصافير، تعني: الربيع، الأوراق، الربيع لغة العصافير، تعني: النسيم، العطر، النسيم لغة العصافير، تموت في المصنع مَنْ هذا، هذا السائر على جادّة الأبدية نحو لحظة التوحيد يوقّتُ ساعة الأزلية مع منطق رياضيات التكامل والتفاضل؟ مَنْ هذا هذا الذي لا يرى في صياح الديكة بداية قلب اليوم بل بداية رائحة الإفطار؟ من هذا الذي على رأس تاج الحب يتفسخ في ثياب الزفاف؟ وأخيراً لم تشرق الشمس على القطبين اليائسيين في زمن واحد أنت خلوتَ من إيقاع البلاط الأزرق وأنا ـ لفرط امتلائي ـ على صوتي يصلّون الجنائز السعيدة الجنائز الملول الجنائز الصامتة المتأملة الجنائز المرخيِّة، الأنيقة الأكولة في محطات الأوقات المحددة وفي قاع الأنوار المقرَّرة الضبابية وشهوة شراء فاكهة اللاجدوى العفنة آه.... كمْ من الناس في تقاطعات الطرق تقلقهم الحوادث وأصوات صفارات الوقوف في اللحظـة الـتي يجب يجب يجب أن يُسحق رجل تحت عجلات الزمن ذلك الرجل العابر من جنب الأشجار الرطبة من أين أتيتُ أنا؟ يتبع . . |
فلنؤمنْ بحلول الفصل البارد (ج 6) قلتُ لأمي: لقد انتهى قلت: دائماً قبل أن تفكري، يقع الحادث يجب أن نبعث التعازي إلى الصحيفة سلاماً يا غرابة العزلة أستودعك الغرفةَ لأن الغمام القاتم رسول آيات التطهير الجديدة وفي استشهاد الشمعة سرٌّ مضيء يعرف أنها آخر وأطول شعلة بعدك التجأنا إلى المقابر والموت يتشمم تحت عباءة جدتي الموت ـ هذه الشجرة العظيمة الأحياء ـ في المبتدأ- يستغيثون بأغصانها الملولة والأموات ـ في المنتهى ـ يتشبثون بجذورها الفسفورية والموت جالس على الضريح المقدس في زواياه الأربع، وفي لحظة واحدة أضاءت أربع شقائق زرق... فلنؤمنْ فلنؤمنْ بحلول الفصل البارد فلنؤمنْ بحطام حدائق التخيّل وبالمناجل المقلوبة العاطلة والبذور السجينة أنظر... يا للثلج الهاطل لعلّ الحقيقة كانت تينك اليدين الفتيتين تينك اليدين الفتيتين اللتين دُفنتا تحت هطول الثلج المديد في العام القادم حين يضاجع الربيعُ السماءَ وراء النافذة ويغليان ملتحمين النوافير الخضر ـ السيقان الخفيفة سوف تزهر يا حبيبي يا حبيبي الأوحد فلنؤمن بحلول الفصل البارد ________ ترجمة: ناطق عزيز - أحمد عبد الحسين مخـتارات من كتاب: - عمدني بنبيذ الأمواج الناشر: (اتحاد الكتاب العرب)2000 |
ولادة أخــرى وجودي كلّه آية مظلمة تكررك دائماً في نفسها ستأخذك إلى سَحَر الدهشة والعود الأبدي أنا تأوهتك في هذه الآية: آه... أنا، بهذه الأية، ربطتك بالشجر والماء والنار لعلّ الحياة شارع طويل تجتازه امرأة كل يوم بزنبيل لعلّ الحياة حبل يعلّق به رجل نفسه من غصن لعلّ الحياة طفل يعود من المدرسة لعلّ الحياة إشعال سيجارة في برهة ارتخاء متعانقين أو مرور عابر سبيل دائخ يرفع قبعة عن رأسه قائلاً لعابر آخر بابتسامة فارغة: صباح الخير لعلّ الحياة تلك اللحظة المغلقة التي تحطم نظرتي نفسها في امتناع عينيك وفي هذا الشعور الذي سأمزجه بفهم القمر وإدراك الظلام في غرفة بحجم عزلة قلبي الذي بحجم الحب ينظر لأعذار السعادة البسيطة لزوال جمال الزهور في المزهرية للشتلة التي غرستها أنت في حديقة بيتنا ولغناء الكناري المغرد بحجم نافذة آه... هذا نصيبي هذا نصيبي نصيبي سماء أخذت مني إسدال ستارتها نصيبي نزول من سلّم مهجور والوصول إلى شيء في التفسخ والغربة نصيبي نزهة ملوثة حزناً في حديقة الذكريات وفي حزن صوت محتضر يقول لي: "أحب يديك" أغرس يدي في الحديقة أخضر، أعرف، أعرف، أعرف بأن السنونوات ستضع بيضها وفي خُفَر أناملي المصبوغة بالحبر أعلّق على أذنيّ قرطين من كرزتين حمراوين توأمين وألصق على أظافري أوراق زهرة داليا ثمة زقاق صبيانه هناك كانوا مغرمين بي ما زالوا بالشعر المشعث ذاته والأعناق النحيفة والأرجل العجفاء يفكرون بابتسامات الفتاة البريئة التي، في ليلة ما، أخذتها الريح معها ثمة زقاق سرقه قلبي من حارات طفولتي سفرُ حجم من خط الزمان وبالحجم الذي لّقح خطَّ الزمان الجاف حجم من صورة عارفة ترجع من ضيافة المرآة وعلى هذا النحو أحدٌ ما يموت أحدٌ ما يبقى ليس هنالك صياد يصطاد اللؤلؤ من جدول صغير يصب في حفرة أنا أعرف ملاكاً صغيراً حزيناً مسكنه المحيط وقلبه يعزف بهدوء... بهدوء وفي ناي صغير ملاك صغير حزين يموت بسبب قبلة في الليل ويولد، بقبلة، وقت السحر ترجمة: ناطق عزيز - أحمد عبد الحسين مخـتارات من كتاب: - عمدني بنبيذ الأمواج الناشر: (اتحاد الكتاب العرب)2000 |
الطائر كان طائراً فقط الطائر قال: يا للعطر، يا للشمس آه... لقد أتى الربيع وأنا ذاهب لأبحث عن زوجتي على شفا الإيوان طار الطائر قفز كالرسالة وغادر كان الطائر صغيراً الطائر لا يفكر الطائر لا يقرأ الجريدة الطائر ليس عليه ديون الطائر لا يعرف الناس الطائر على الهواء يحلّق فوق إشارات الخطر الضوئية يسأل عن ارتفاع المجهول ويجرّب اللحظات الزرقاء بجنون الطائر، آه، كان طائراً.. فقط ترجمة: ناطق عزيز - أحمد عبد الحسين مخـتارات من كتاب: -عمدني بنبيذ الأمواج الناشر: (اتحاد الكتاب العرب)2000 |
هديــة أنا أتكلم عن نهاية الليل أتكلم عن نهاية الظلام وعن نهاية الليل أتكلم إذا ما جئت إلى بيتي أيها العطوف فهات مصباحاً ونافذة لأرى ازدحام الزقاق السعيد _________ وضعت القصيدة بعد وفاة الشاعرة على شاهدها قبرها ترجمة: ناطق عزيز - أحمد عبد الحسين مخـتارات من كتاب: - عمدني بنبيذ الأمواج - الناشر: (اتحاد الكتاب العرب)2000 |
غروب أبدي (ج 1) ـ نهار أم ليل؟ ـ لا يا صديقي، أنه الغروب الأبدي مع عبور طائرين كتابوتين أبيضين أصوات بعيدة من هذا السهل الغريب قلقة وتائهة مثل دوران الريح يجب أن نقول شيئاً يجب أن نقول شيئاً قلبي يريد أن يقترن بالظلام يجب أن نتكلم كم هو ثقيل هذا النسيان تفاحة تسقط من الغصن بذور الكتان الصفراء تتكسر تحت مناقير الكناري التي تحبني زهرة الباقلاء أعصابها اللازوردية في سكر النسيم دعها تتحرر من القلق الأخرس المتغير وهنا في في رأسي... آه لا شيء في رأسي سوى دورة الكريات الحمر الغليظة ونظرتي، مثل حرف كاذب تنحني خجلاً ـ أنا أفكر بقمر ـ وأنا بحرف في قصيدة ـ أنا أفكر بينبوع ـ وأنا بوهم في الأرض ـ أنا أفكر برائحة الحنطة الوفيرة ـ وأنا بأسطورة الخبز ـ أنا أفكر ببراءة اللعب وبذلك الزقاق الطويل المليء بأشجار الأكاسيا ـ وأنا بمرارة الاستيقاظ من اللعب وبالفجاءة في نهاية الزقاق وبالفراغ الطويل بعد انقضاء عطر الأكاسيا يتبع . . |
غروب أبدي (ج 2) ـ بطولات؟؟ ـ آه.. لقد هرمت الخيول ـ حب؟؟ ـ وحيداً، من خلال نافذة صغير يرنو إلى صحارى بلا مجنون (*) وإلى ممرّ مع ذكرى مضببة من تبختر الساق النحيلة بالخلخال ـ أمنيات؟؟ ـ خسرت نفسها في مؤامرة آلاف الأبواب الظالمة ـ موصدة؟؟ ـ نعم...، بامتداد، مغلقة... مغلقة سوف تتعب أنا أفكر ببيت فيه أنفاس لبلاب مرتخية مصابيحه مضاءة أبداً مثل ناي العين مع راعيها وبمفكر كسول، بدون ضوضاء وبطفل مع ابتسامته اللانهائية مثل دائرة تتسع على الماء وبجسد مترع بالدم كعنقود عنب أنا أفكر بالهجرة وبهجمة الريح السوداء وبالضياء المشكوك به الذي يتجسس في الليالي من النافذة وبقبر صغير صغير مثل جسد الوليد ـ العمل.. العمل؟؟ ـ نعم لكن على تلك الطاولة الكبيرة تسكن البغضاء الخفية التي تمضغك بهدوء.. بهدوء مثلك مثل الخشب والدفتر وآلاف الأشياء التافهة الأخرى ثم أخيراً ستغرق في فنجان شاي كزورق في سورة الماء وفي أعماق الأفق لن ترى شيئاً سوى دخان السيجارة الغليظ وخطوط مبهمة ـ نجمة واحدة؟؟ ـ بل المئات.. المئات، ولكن كلهن مركونات في تلك الزاوية من الليل ـ طائر واحد؟؟ ـ بل المئات.. المئات، ولكن كلهن مع الغرور العابث يخبطن بأجنحتهن في الذكريات البعيدة ـ أنا أفكر بصراخ في زقاق ـ وأنا بفأر لا يؤذي يعبر من الحائط، أحياناً يجب أن نقول شيئاً يجب أن نتكلم في ساعة السحر في لحظة ترتجف فضاؤها ـ مثل الإحساس بالبلوغ ـ يختلط، فجأة، مع شيء غامض ـ أنا قلبي يريد أن أستسلم للطغيان ـ أنا قلبي يريد أن أمطر من هذه الغيمة ـ أنا قلبي يريدني أن أقول لا، لا، لا، لا ـ فلنذهب يجب أن نقول شيئاً ـ كأس، أم فراش، أم عزلة أم حلم ـ فلنذهب __________ (*) مجنون: كذا وردت في النص، والمقصود هنا قيس، مجنون ليلى. ترجمة: ناطق عزيز - أحمد عبد الحسين مخـتارات من كتاب: عمدني بنبيذ الأمواج الناشر: (اتحاد الكتاب العرب)2000 |
الطائر ميت لا محالة قلبي منقبض قلبي منقبض أذهبُ إلى الإيوان وبأناملي أمسح بشرة الليل المديد مصابيح العلاقات مطفأة مصابيح العلاقات مطفأة لا أحد سَيُعِّرِفَني على الشمس لا أحد سيأخذني إلى ضيافة العصافير ضع الطيران في خاطرك فالطائر ميت لا محالة ترجمة: ناطق عزيز - أحمد عبد الحسين مخـتارات من كتاب: عمدني بنبيذ الأمواج الناشر: (اتحاد الكتاب العرب)2000 |
الجمعة الجمعة الصامتة الجمعة المتروكة الجمعة ـ كالأزقة العتيقة ـ حزينة الجمعة أفكار كسلى مريضة الجمعة تثاؤبات مؤذية ومديدة الجمعة ـ لا انتظار الجمعة استسلام البيت خال البيت موحش البيت بابه موصد على هجوم الفتوة بيت الظلام وفكرة الشمس بيت العزلة والتفاؤل والترديد البيت: ستارة، كتاب، صندوق، صور آه...، كم هو هادئ، عَبَرَ ممتلئاً بالغرور عمري مثل ساقية غريبة في قلب هذه الجُمَع الصامتة المتروكة في قلب هذه البيوت الخالية الموحشة آه، كم هو هادئ عَبَرَ ممتلئاً بالغرور ترجمة: ناطق عزيز - أحمد عبد الحسين مخـتارات من كتاب: عمدني بنبيذ الأمواج الناشر: (اتحاد الكتاب العرب)2000 |
بين الظلام بين الظلام ناديتك أنت كان السكون والنسيم يلاعبان الستارة في السماء الملول نجمة تحترق نجمة تذهب نجمة تموت ناديتك أنت ناديتك أنت كان وجودي كله مثل قدح حليب بين يدي نظرة القمر الزرقاء ارتطمت بالزجاج أغنية حزينة تصاعدت من مدينة السلاسل كالدخان وكالدخان تتزحلق على النوافذ طوال الليل ثمة بين نهدي أحد ما يلهث يائساً نفَسَاً نفسَاً أحد ما ينهض أحد ما يريدك أحد ما يناديك مرة أخرى سوف يسحب يديه الباردتين طوال الليل، هناك يتساقط الحزن من الغصون السوداء أحد ما متأخر عن نفسه أحد ما يناديك والهواء يتساقط عليه كالحطام شجرتي الصغيرة تتعشق الريح الريح التي لا قرار لها أين بيت الريح؟ أين بيت الريح؟ ترجمة: ناطق عزيز - أحمد عبد الحسين مخـتارات من كتاب: عمدني بنبيذ الأمواج الناشر: (اتحاد الكتاب العرب)2000 |
آيات أرضية (ج 1) عندها.. بردت الشمس وارتفعت البركة من الأرض عندها، الأرض الخضراء يبست كالصحراء جفّت الأسماك في البحر والتراب لم يعد يتقبل الموتى من بعدُ الليل في كل النوافذ الشاحبة مثل خيال مرتبك كان يتراكم ويطغى والطرقات أطلقت نهاياتها في الظلمة لم يعد أحد يفكر بالحب لم يعد أحد يفكر بالفتح لم يعد أحد أبداً يفكر بأي شيء في كهوف العزلة ولد العبث ومن الدم انبعثت روائح الأفيون والحشيش النساء الحوامل وضعن أطفالاً بلا رؤوس والمهود ـ لفرط حيائها ـ لاذت بالمقابر كم هي أيام مرة وسوداء لقد قهر الخبزُ قوّة النبوة العجيبة وها أن الأنبياء ـ جوعى ومساكين ـ يفرون من أرض الميعاد حملان المسيح الضالة لم تعد تسمع في عمق الوديان صوتَ الراعي هاتفاً:هَيْ... هَيْ كأنما الحركات، الألوان والصور انعكست مقلوبة في عيون المرايا وفوق رؤوس المهرجين السفلة وعلى سحنات العواهر الوقحة ثمة هالة نورانية مقدسة مثل مظلة تحترق مستنقعات الخمر، ببخارها المزّ السامّ استدرجتْ حشد المثقفين الساكن إلى أعماقها والجرذان المؤذية أكلت صفحات الكتب المذهّبة في المكتبات العتيقة ماتت الشمس ماتت الشمس، وغداً سيكون لها في ذهن الأطفال معنى أبكم وضائع إنهم لغرابة هذا اللفظ القديم في واجباتهم المدرسية سيرسمونها بقعة سوداء غليظة يتبع . . |
آيات أرضية (ج 2) الناس الجمع المتهالك من الناس ميتو القلوب المتكئون المنذهلون في ظل وطأة أجسادهم المشؤومة يرتحلون من غربة إلى غربة الشهوة المؤلمة للجريمة تتورم على أيديهم أحياناً شرارة، شرارة بسيطة تجعل هذا الحشد الساكت الفاني يتلاشى بلمح البصر إنهم يهجمون بعضهم على بعض الرجال بعضهم يقطع بالسكين حلقوم الآخر وعلى أسرّة من دم يغتصبون العذارى إنهم غرقى وحشيتهم إحساسهم بالإثم شلّ أرواحهم العمياء الغبية وَ دائماً في مراسم الإعدام عندما يضعون حبلاً في عنق المحكوم وتقفز عيناه المتشنجتان من محجريهما تراهم منزوين في أعماقهم ومن التخيل الشهواني تصعق أعصابهم الشائخة التعبى ودائماً في أطراف الساحات العامة ترى هؤلاء المجرمين الصغار يقفون وكلهم دهشة من الانسكاب الأبدي لماء النوافير ربما لم يزل وراء العيون المسحوقة في عُمقِ الانجماد ثمة من هو نصف ميت على وشك موت كاذب وهو في سعيه المحتضر يريد أن يؤمن بنقاء صوت الماء ربما لكنْ كم هو فراغ لا نهائي هذا لقد ماتت الشمس وما من أحد عرف بأن تلك الحمامة الحزينة التي فرّت من القلوب اسمها: الإيمان آه أيها الصوت الحبيس ترى، هل أن عظمة يأسك من لا اتجاه في هذا الليل الضجر سوف تفتح ثقباً إلى النور؟ آه أيها الصوت الحبيس يا صوت الأصوات الأخير ترجمة: ناطق عزيز - أحمد عبد الحسين مخـتارات من كتاب: عمدني بنبيذ الأمواج الناشر: (اتحاد الكتاب العرب)2000 |
في شوارع الليل الباردة أنا لست نادمة أنا أفكر بهذا الاستسلام هذا الاستسلام المعفّر بالألم أني قَبَّلتُ صليب قدري على مرتفع تلال مقتلي في شوارع الليل الباردة الأزواج دائماً يهجرون بعضهم مترددين في شوارع الليل الباردة لا صوت سوى: الوداع...الوداع أنا لست نادمة كأنما قلبي يجري في تلك الجهة من الزمن الحياة ستكرر قلبي وزهرة القاصد التي تجري على بحيرات الريح هي التي ستكررني آه، هل ترى كيف يتمزق جلدي؟ وكيف حليب نهدي الباردين يتجمّد في عروقي المزرقة؟ والدم كيف يبدأ نموّه الغضروفي في معصمي الصبور؟ إنك، أنا، أنت والذي أحبه وكنتَ الذي يجد فجأة في داخله مرة أخرى اتصالاً أبكم مع آلاف الأشياء المحملة بغرابة مجهولة وكل شهوة الأرض الحادة التي تمتص كل المياه في داخلها لتحبل كل السهول اسمعْ إلى صوتي بعيد المدى في ضباب التهجّد الكثيف للقائمين في السَحَرْ وأبصرْني في صمت المرايا كيف ألمس بما تبقى من يدي مرة أخرى، العمقَ المظلمَ لكل الأحلام وأَوشمُ قلبي كالبقع الدامية على سعادات الوجود البريئة أنا لست نادمة مني أنا، يا حبيبي تكلّمْ مع الأنا الأخرى التي ستجدها أنت مرة أخرى بهاتين العينين العاشقتين في شوارع الليل الباردة واذكرني في قبلتها الحزينة على الغضون التي تحت عينيك الرحيمتين ترجمة: ناطق عزيز - أحمد عبد الحسين مخـتارات من كتاب: عمدني بنبيذ الأمواج الناشر: (اتحاد الكتاب العرب)2000 |
عبـــور حتامَ عليَّ الذهاب من ديار إلى ديار؟ لا أستطيع، لم يعد بمقدوري البحث كل الزمن حب وحبيب آخر تمنينا أن نكون هاتين السنونوتين المسافرتين طوال عمريهما من ربيع إلى ربيع آه، لقد تأخر الآن تهدّم في ورأيتُ امتزاج قبلتك على شفتيّ كما لو قطعة مظلمة نازحة من غيمة ـ كنزٍ أزهقت روحها المعطرة في عبورها كم هو ملوث بخوف الزوال حبي الحزين حياتي كلها ترتعد لأني أراك كأني أرى، من النافذة إلى شجرتي الوحيدة المورقة في المهبِّ الأصفر المحموم كأني أنظر إلى صورة تنكسر في جريان الماء الشبحي ليلة ويوم ليلة ويوم ليلة ويوم دعني أنس ما أنت سوى لحظة لحظة واحدة تفتح عيني على برهوت المعرفة دعني أنس ترجمة: ناطق عزيز - أحمد عبد الحسين مخـتارات من كتاب: عمدني بنبيذ الأمواج الناشر: (اتحاد الكتاب العرب)2000 |
تلك الأيام (ج 1) ذهبت تلك الأيام تلك الأيام الجيدة الأيام الممتلئة والنزيهة تلك السماوات المغطاة بالبلك * تلك الأغصان المثقلة بالكرز تلك البيوت المتكئة معاً على غلاف اللبلاب الأخضر سطوح البالونات اللعوبة تلك تلك الأزقة السكرى من عطر الأكاسيا ذهبت تلك الأيام حيث من بين شقوق أجفاني يتصاعد غنائي مثلما فقاعة تغلي مترعة بالهواء وحيث تنعكس عيني على كل الأشياء وتشربها كحليب طازج كأنما في بؤبؤيَّ أرنب قلق وسعيد يسافر كل صباح مع الشمس العجوز إلى حقول مجهولة وفي الليالي يغوص في غابات العتمة ذهبت تلك الأيام الأيام الثلجية الآفلة عندما من وراء الزجاج في الغرفة الدافئة دائماً أتأمل في الخارج ثلجي الطاهرَ كيف يتساقط مثل زغب ناعم بهدوء على السلم الخشبي القديم على حبال الغسيل المرتخية على ضفائر الصنو برات العجائز وأفكر بالغد... آه الغد: حجم أبيض صقيل يبدأ مع حفيف عباءة جدتي؟ مع بزوغ ظلّها الشبحي في إطار الباب وهو يطلق نفسه في إحساس النور البارد وفكرة التحليق الحائر للطيور في كؤوس الزجاج الملونة الغد... دفء الكرسي يجلب لي النوم عجولة أنا وغير خائفة أبتعد عن أنظار أمي لأمسح خطوط الباطل من مسوداتي العتيقة عندما ينام الثلج أتجول قلقة في الحديقة وتحت أصّ شجرة الآس اليابسة أدفن عصافيري الميتة ذهبت تلك الأيام أيام الانجذاب والحيرة أيام النوم والصحو أيامَ كل ظل له سر وكل علبة مغلقة تخفي كنزاً وكل زاوية من الصندوق في سكوت الظهيرة كأنها العالم وكل من لا يخاف من الظلمة كان في عيني هو البطل ذهبت تلك الأيام أيام العيد انتظار الشمس والوردة ارتعاشات العطر في اجتماع صامت وعفّة النرجس الصحراوي الذي يزور المدينة آخر صباحات الشتاء * البلك: نوع من الشذر الصغير الملون تزين به الثياب يتبع . . |
تلك الأيام (ج 2) أغاني البائع المتجول في الشارع الطويل المبقع بالأخضر السوق وهي تطوف في روائح هائمة ـ الرائحة القوية للقهوة والسمك ـ السوق تمتد تحت الأقدام تمتزج بكل لحظات الطريق وتدور في قعر أعماق عيون الدمى السوق كانت أمّاً تذهب مسرعة إلى أحجام ملوّنة وسيالة ثم تأتي مع علب الهدايا في الزنابيل الملأى السوق كانت مطراً ينهمر ينهمر ينهمر ذهبت تلك الأيام أيام التأمل في أسرار الجسد أيام التعارف الحذر مع جمال الشرايين الزرق: ـ يد من وراء الحائط تناديني بوردة ـ واليد الأخرى بقعُ حبرٍ على تلك اليد المرتبكة المضطربة الخائفة والحب يكرّر نفسه بتحية خجلى في الظهيرات الحارة الملوثة بالدخان نادينا حبنا في غبار الزقاق وعرفنا اللغة البسيطة لأزهار الـقاصد نحن أخذنا قلوبنا إلى بستان الرحمات المعصومة وأقرضنا الأشجار والمدفع، مع رسائل القبلات كان يدور في أيدينا وكان الحب ذلك الحس الشبحي في الظلمة الثامنة حاصرنا فجأة وجذبنا في زحام الأنفاس الملتهبة الحرى والابتسامات المسروقة ذهبت تلك الأيام تلك الأيام مثلما نباتات تفسخت في الشمس من أشعة الشمس تفسخت وضاعت تلك الأزقة التي كانت سكرى من عطر الأكاسيا ضاعت في شوارع اللاعودة المليئة بالصخب والبنت التي لونت خديها يوماً بأوراق الشمعدان الآن امرأة وحيدة الآن امرأة وحيدة ترجمة: ناطق عزيز - أحمد عبد الحسين مخـتارات من كتاب: عمدني بنبيذ الأمواج الناشر: (اتحاد الكتاب العرب)2000 |
قمر... أيها القمر الكبير طوال الظلام المتخمون الممتلؤون هتفوا: قمر..أيها القمر الكبير طوال الظلام المتخمون الممتلئون هتفوا: قمر: أيها القمر الكبير طوال الظلام الأغصان مع الأيدي الطويلة تنبعث منها آه الشهوة وهي تمضي إلى الأفق ونسيم التسليم وفقاً لأوامر آلهة مجهولة ومرموزة وآلاف الأنفاس السرية في حياة الأرض المختبئة وفي هذه الدائرة النورانية السيارة التي تضيء الليل طَرَقات على السقف الخشبي ليلى خلف الستارة الضفادع في المستنقع وفي تلك الحديقة السوداء غراب كلهم معاً وبإيقاع واحد صرخوا حتى الفجر: قمر... أيها القمر الكبير قمر.. ولكن في كل الظلام الطويل بعيداً عن هذه الهمهمة ثمة صراخ في قمة أخرى: القمر، قلب ليلته الوحيدة كان يتفجر بحسرته الذهبية ترجمة: ناطق عزيز - أحمد عبد الحسين مخـتارات من كتاب: عمدني بنبيذ الأمواج الناشر: (اتحاد الكتاب العرب)2000 |
في مياه الصيف الخضراء أكثر عزلة من ورقة الشجرة مع حمل سعاداتي المهجورة أبحر بهدوء في مياه الصيف الخضراء إلى أرض الموت إلى شاطئ أحزان الخريف تركت نفسي في الظل في ظل عشق لا يبالي في ظل هروب السعادة في ظل عدم التوازن الليالي حيث يطوف النسيم السكران في السماء الواطئة المشتاقة الليالي إذ يعصف ضباب دموي في أزقة الشرايين الزرق الليالي حيث وحدتي وحيدة مع رعشات روحينا في ضربات النبض يغلي إحساس الوجود الوجود المريض في انتظار الأدوية سر هذا ما حفروه في الصخور القاسية على قمم الجبال هؤلاء الذين في خط سقوطهم لوثوا -بالرجاء المرّ- ليلةَ صمت الجبليين في اضطراب الأيدي الممتلئة لا هدوء للأيدي الفارغة ظلام الأنقاض جميل" هذا ما غنته امرأة في المياه في مياه الصيف الخضراء كأنها تسكن في الحطام نحن، بأنفاسنا، يلوث أحدنا الآخر وها، ملوثين بتقوى الفرح نخاف صوت الريح وسطوة ظلال الشك في غابات قبلاتنا نفقد ألواننا نحن في كل ضيافات قصر النور نرتجف من وحشة الضياع الآن أنت هنا تنبسط كعطر الأكاسيا في أزقة الصباح ثقيل على صدري حار في يدي سكران في ضفائري محترق .. مندهش أنت الآن هنا شيء ما واسع قاتم ومديد شيء مضبب مثل صوت يوم بعيد يدور ويبسط نفسه على أجفاني القلقة لعلهم يغترفونني من الينبوع لعلهم يقطفونني من الغصن لعلهم، كالباب، يغلقونني على اللحظات القادمة لعلي لا أرى مرة أخرى نحن نمونا على أرض يباب نحن أمطرنا على أرض يباب نحن رأينا اللاشيء بحصانه الأصفر المجنح على الطرقات يشق طريقه كملك يا للحسرة، نحن سعداء وهادئون يا للحسرة، نحن ملتاعون وآفلون سعداء لأننا نحب ملتاعون لأن الحب لعنة ترجمة: ناطق عزيز - أحمد عبد الحسين مخـتارات من كتاب: عمدني بنبيذ الأمواج الناشر: (اتحاد الكتاب العرب)2000 |
ستأخذنا الريح في ليلي الصغير، يا للحسرة للريح ميعاد مع ورقة الشجر في ليلي الصغير القلق يتهشم اسمعْ هل تسمع هبوب الظلام؟ أنا، يا للغرابة، انظر إلى هذه السعادة أنا مدمنة يأسي اسمع هل تسمع هبوب الظلام؟ الآن، في الليل، شيء ما يحدث القمر أحمر ومرتبك وعلى هذا السطح الذي كل لحظة فيه هي خوف من التحطم الغيوم، كأنها حشود المعزين تنتظر لحظة هطول المطر لحظة وبعدها لا شيء وراء تلك النافذة يرتجف الليل والأرض تكف عن الدوران وراء تلك النافذة شيء ما غامض: قلق لي ولك يا من كله أخضر يداك اللتان مثل ذكرى ملتهبة ضعهما بين يدي العاشقتين وشفتاك كأنهما إحساس دافئ بالوجود ضعهما برفق على شفتي العاشقتين ستأخذنا الريح معها ستأخذنا الريح ترجمة: ناطق عزيز - أحمد عبد الحسين مخـتارات من كتاب: عمدني بنبيذ الأمواج الناشر: (اتحاد الكتاب العرب)2000 |
قصيدة سفر طوال الليل ثمة أحد ما في قلبي يقول: منفعلة بقوة من لقائه سيذهب، أول الفجر مع النجوم البيض ليذهبْ سالماً أنا مع عطرك الراحل عن الدنيا غير عارفة ماذا ينسج لي الغد عيناك مثل غبار ذهبي ينسكب على أهدابي الغضة جسدي محموم من ملامسة يديك ضفيرتي تنحل بأنفاسك أزهر من الحب وأقول: كل من يمنح حبيب قلبه لا يجلس قاصداً تعذيبه فليذهبْ، عيني تتبعه فليذهبْ محفوظاً بحبي آه لقد ذهبت أنت الآن والغروب يمدّ ظلاً على صدر الطريق إله الحزن القاتم خفيفاً، يضع قدمه على معبد ناظري ويكتب على الجدران آيات كلها سوداء ترجمة: ناطق عزيز - أحمد عبد الحسين مخـتارات من كتاب: عمدني بنبيذ الأمواج الناشر: (اتحاد الكتاب العرب)2000 |
على التراب أبداً ما تمنيت أن أكون نجمة في سراب السماء ولا شبيهة بأرواح المصطفين أو جليسة للملائكة المظلمة أبداً، لم أكن منفصلة عن الأرض لم أتعرف إلى النجمة على التراب وقفت بقامتي مثل ساق نبتة تمتص الهواء والشمس والماء لتحيا حبلى من الرغبات حبلى من الألم أقف على الأرض لأمتدح النجوم وأربّت على النسائم أنظرُ من كوّتي: أنا لست سوى إيقاع أغنية لست خالدة ولا أبحث سوى عن إيقاع أغنية في صراخ اللذة الأكثر عفة من سكوت الحزن البسيط لم أفتش عن عشّ في جسد قطرة الندى التي على زنبقة جسدي على جدار كوخي -الحياة عابرو سبيل رسموا ذكرياتهم: قلباً مطعوناً بسهم شمعة ساقطة نقاطاً صامتة مخطوفة اللون على حروف مجنونة ببعضها كلما وصلت شفة إلى شفتيَّ انعقدت نطفة في إحدى النجوم لماذا أرغب بنجمة عندما تجلس في ليلي على ضفة الذكريات؟ هذه أغنيتي من القلب إلى القلب قبل هذا، لم تكن أكثر من ذلك ترجمة: ناطق عزيز - أحمد عبد الحسين مخـتارات من كتاب: عمدني بنبيذ الأمواج الناشر: (اتحاد الكتاب العرب)2000 |
تـتـشـَمـْـسـن * انظرْ كيف أرى كآبة أعماقي قطرةً قطرةً تذوب كيف ظلي الأسود المتمرد أصبح أسيراً في يد الشمس انظرْ وجودي كلّه تهدّم ابتلعَ شراراتي خذني إلى القمة وإلى الهاوية جرجرني انظرْ سمائي كلّها مليئة بالشهب أنتَ جئت من البعيد البعيد من أرض العطور والأنوار أجلستني في زورق من عاج من غيوم، بلّور خذني، أملي، سلواي إلى مدينة قلبي إلى مدينة الشعر واللوعة إلى طريق محفوفة بالنجوم اقتدتني وأجلستني وراء نجمة انظرْ أنا محترقة بالنجوم صرت طافحة بالنجوم ومحمومة زرعت النجوم في برك الليل كسمكات حمر بسيطة القلب كم كانت أرضنا من قبلُ بعيدة في حجرات السماء الآن، مرة أخرى يصل صوتك إلى مسامعي صوت الجناح الثلجي للملائكة انظرْ إلى أين وصلت أنا إلى المجرة إلى قبة السماء إلى الخلود الآن وقد بلغنا القمة عمدني بنبيذ الأمواج لفّني بحرير قبلاتك نادِ عليَّ في آخر الليل لا تهجرني ثانية لئلا أنفصل عن هذه النجوم. انظر كيف شمع الليل على طريقنا قطرة قطرة يذوب إلى طياتك الدافئة التي على مهود شعري تنام مترعة بالنبيذ انظرْ أنت تتنفس وتتشمسن __________ * أي تصبح شمساً ترجمة: ناطق عزيز - أحمد عبد الحسين مخـتارات من كتاب: عمدني بنبيذ الأمواج الناشر: (اتحاد الكتاب العرب)2000 |
لنؤمن ببداية فصل البرد (ج 1) من أين آتية أنا من أين آتية أنا مضمخة هكذا برائحة الليل ما زال تراب مثواها طرياً أقصد مزار اليدين الخضراوين الشابتين كم كنتَ عطوفاً يا صاحبي يا صاحبي الأوحد كم كنتَ حينما كنتَ تكذب حينما كنت تغلق أحداق المرايا وحينما تقتطف الثريات من السيقان النحاسية وكنتَ تصطحبني في الظلمة المستبدة إلى مرتع الحب ليستقر ذاك البخار الدائخ المكمّل للهيب الظمأ على أحراش النوم وتلك النجوم الورقية كانت تطوف حول اللانهايات لماذا قالوا للصوت، كلاماً لماذا استضافوا النظر في بيت اللقاء لماذا اقتادوا الحنان لحجب ضفائر البكارة؟ انظر! كيف صلبتْ، هنا على أعمدة الوهم روح من نطقت بالكلام وعزفت بالنظر وتخلّصت بالرأفة من شغب الموت وكيف بقي على خدّها أثر أغصان كفك، الخمسة الشبيهة بأحرف الحقيقة الخمسة ما الصمت.. ما الصمت.. ما الصمت يا صاحبي الأوحد؟ ما الصمت إلا أحاديث لم تقل عاجزة أنا عن الكلام لكن لغة العصافير لغة حياة الجُمل السارية لاحتفاء الطبيعة لغة العصافير تعني: الربيع.. الأوراق.. الربيع لغة العصافير تعني: النسيم.. الذي.. النسيم لغة العصافير تموت في المصانع مَن هذه.. مَن هذه السائرة على مسير الأبدية صوب لحظة توحدٍ يتبع . . |
لنؤمن ببداية فصل البرد (ج 2) من هذه التي تُملي ساعتها الأبدية بمنطق الرياضيات ذي التفرقة والتفريق من هذه التي لا تعتبر صياح الديكة بداية قلب النهار إنما بدء رائحة الإفطار من هذه المتوجة بالعشق المتفسخة بين فساتين العرائس؟ لم تسطع الشمس، إذن، في آن واحد على قُطبي اليأس لقد فرغتَ من نداء البلاط الأزرق ولكثر ما مفعمة به أنا تراهم يصلون على صوتي جثث سعيدة جثث ضجرة جثث صامتة متأصلة جثث لطيفة، أنيقة، حسنة المأكل في محطات الأوقات المقررة في المدار القلق للأنوار المؤقتة وشهوة شراء فواكه العبث الفاسدة آه يا للأناس القلقين من الحوادث في التقاطعات وهذا صوت صافرات الوقوف في اللحظة التي يجب، يجب، يجب رجلٌ يدهس تحت عجلات الزمن رجلٌ يدهس تحت عجلات الزمن رجل، كان يمر من جنب الأشجار المبتلة من أين آتية أنا؟ قلتُ لأمي: لقد انتهى قلتُ: يحدث دوماً قبيل أن تفكري علينا أن نرسل التعازي للصحف سلاماً يا غربة العزلة أسلمُكَ الغرفة لان السحب الداكنة هي دائماً رسلُ آيات الطهارة الطرية وفي استشهاد شمعةٍ ثمة سرّ منوّرٍ تعرفه جيداً أطول وآخر شعلة لنؤمن! لنؤمن ببداية فصل البرد لنؤمن بخرائب بساتين التخيّل بالمناجل المقلوبة العاطلة وبالبذور الحبيسة انظر، يا له من ثلج يهطل الحقيقة ربما، تلك اليدان اللتان دفنتا تحت الهطول المتواصل للثلج وفي سنة قادمة أخرى حين يضطجع الربيع مع السماء وراء النافذة سيفوران في جسدها ستخضوضر النافورات الخضر للسيقان الرشيقة يا صاحبي.. يا صاحبي الأوحد لنؤمن ببداية فصل البرد ________ مقطع من قصيدة مطولة بنفس العنوان. المصدر كزينه إشعار فروغ فرخزاد مختارات من قصائد فروغ فرخزاد انتشارات مرواريد ـ طهران 1996. ترجمة : محمد الأمين |
أسجل إعجابي الشديد بهذا النسيج الذي يذوب رقةً وأناقة .
بورك رمز العطاء أديبتنا رقيّة على إختياركِ للادب الراقي. . تقبلي ؛ تحيّاتي وتقديري . http://odaba2.blogspot.com |
لا يبقى إلا الصوت لمَ أتوقف، لِمَ؟ الطيور رحلتْ للبحثِ عن الجهة الزرقاء الأفق عموديّ الأفق عموديّ والحركة تشبه النافورة والكواكب تدور نورانيةً في تخوم البصر وتصلُ الأرض ُ التكرارَ في العلوّ وتتحولُ الحفرُ الهوائيةُ إلى مجازات الصِلات النهار اتساع لا تسعه مخيلةٌ ضيقةٌ لِدودِ الروزنامة لم َ أتوقف؟ الدروب تمرّ خلال شرايين الحياة ونوعية البيئة في سفينة زهّاد القمر ستقتل الخلايا الفاسدة وما من شئ سوى الصوت في الفضاء الكيمياوي بعد الشروق الصوت الذي ينجذب إلى ذرات الزمان لمَ أتوقف؟ فماذا يمكن للمستنقع أن يكون سوى مكان تضع فيه حشرات الفساد بيوضَها؟ الجثث المنتفخة تخربش أفكار المبرِّدة يُخفي الئيم في السواد فقدانَ كرامته و الخنفساء! آه حين تتكلم الخنفساء! لمَ أتوقف؟ فلا طائل من تواطؤ الحروف الرصاصية إنّ تواطؤ الحروف الرصاصية لا يُنقذ الهواجس الحقيرة أنا سليل الشجر وتنفُّس الهواء البائت يوقع الكآبة في نفسي طائر مات علّمني أن أتذكر الطيران الاتحاد هو أقصى القدرات الاتحاد بأصل الشمس المضيء الانسكابُ في شعور النور ومن الطبيعي أن تتهرأ طواحينُ الهواء لمَ أتوقف ُ؟ أنا أحتضن سنابل الحنطة غير الناضجة تحت ثُديّ وأرضعها الصوت الصوت فحسب الصوت صوت التمنّي الشفاف للماء أن يتدفق صوت اندياح نور النجوم على جدار أمومة التراب صوت اندماج نطفة المعنى وتوسع الذهن المقسوم للعشق إنه الصوت والصوت والصوت باق في أرض الأقزام وإن المعايير مسافرة دوماً إلى المدار رقم صفر لمَ أتوقف؟ أنا أطيع العناصر الأربعة وأنّ عمل تدوين دستور قلبي ليس عمل الحكومة المحلية للعميان فما لي بضجيج التوحش المديد في عضو الحيوان الجنسي وما لي بالحركة الحقيرة للدود في الخلاء اللحمي؟ لقد أودعني العِرقُ الدموي للورد بالحياة فهل تعرف العرقَ الدموي للورد؟ ترجمة: حميد كشكولي |
أديبتنا رقية المحترمة
تحية كبيرة لشخصك الكريم على هذا الجهد المبارك . . والحقيقة أننا بحاجة دوماً إلى الاطلاع على ثقافات أخرى . . لنتمتع ونرقى وكذلك لنقارن . . الشاعرة هنا عاشت حياة قصيرة وتمكنت من الابداع بشكل كبير جداً . . قصائدها كأنها قصائد نثر حديثة . . وتحوي الجمالية والإنسانية والفلسفة . . وقد راقني أن أقرأها . . تقبلي مني تحيتي واحترامي . . دمت بصحة وخير . . ** أحمد فؤاد صوفي ** |
اقتباس:
الأديب المتميز والأخ الغالي أ. أحمد صوفي من القلب أشكر قرائتك الجميلة دوماً لتحليلك العميق ورقي ثقافتك واللغة بصدرك الرحب دام قلمك رائعاً واسمك لامع معطر بالجوري والياسمين دمتَ وعائلتك ومحبيك بألف خير تقديري وود لا ينتهي |
الساعة الآن 09:09 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.