مقدمة

عندما نتخيل الفضاء، يتبادر إلى أذهاننا السكون التام، لأن الصوت كما نعرفه لا ينتقل في الفراغ. ومع ذلك، فالكواكب والنجوم والأجرام السماوية “تتحدث” بلغة خاصة بها، لغة ليست كلمات ولا نغمات بشرية، بل اهتزازات كهرومغناطيسية يمكن تحويلها إلى أصوات مسموعة. هذه الظاهرة المدهشة تُعرف باسم سونيفيكيشن (Sonification)، وهي جسر بين العلوم والفن، بين الفيزياء والموسيقى.

⸻

1. كيف تُولد أصوات الكواكب؟
• لا هواء، لا صوت تقليدي: في الفضاء، لا توجد جزيئات كافية لانتقال الموجات الصوتية، لكن الأجرام تصدر أنواعًا أخرى من الموجات.
• المصادر الحقيقية للأصوات:
1. الموجات الراديوية: تنتجها المجالات المغناطيسية للكواكب، خاصة عند تفاعلها مع الرياح الشمسية.
2. موجات البلازما: اهتزازات في الجسيمات المشحونة حول الكواكب.
3. الاهتزازات السطحية: على الكواكب أو الأقمار ذات الغلاف الجوي أو الزلازل الداخلية.
• التحويل إلى صوت: هذه الموجات تُسجَّل بواسطة مركبات فضائية مثل Voyager أو Cassini، ثم يتم ضغطها أو إبطاؤها وتحويلها إلى ترددات في نطاق السمع البشري (20–20,000 هرتز).

⸻

2. تقنيات التسجيل والتحويل
1. أجهزة قياس موجات البلازما: تلتقط اهتزازات الجسيمات المشحونة.
2. هوائيات الموجات الراديوية: تترجم التداخلات الكهرومغناطيسية إلى بيانات رقمية.
3. المعالجة الرقمية:
• ضغط الزمن (تصغير ساعات من البيانات إلى ثوانٍ)
• تعديل التردد ليتناسب مع قدرة الأذن البشرية
• تنقية الضوضاء لإبراز الأنماط المهمة

⸻

3. أمثلة مشهورة لأصوات الكواكب
• المشتري: صوت عميق ومتذبذب يشبه العواصف الرعدية، نتيجة التفاعل القوي بين مجاله المغناطيسي والرياح الشمسية.
• زحل: “أغنية” حلقاته التي التقطتها مركبة Cassini، تبدو كوشوشات معدنية.
• أورانوس ونبتون: أصوات منخفضة وهادئة أشبه بهمسات، بسبب بعدهما وضعف التفاعل مع الشمس.
• المريخ: عبر مركبة Perseverance، سُمعت أصوات الرياح الحقيقية على الكوكب الأحمر، وهي أول مرة نسجل فيها صوتًا مباشرًا في كوكب آخر.
• الأرض: حتى كوكبنا يصدر “أغنية مغناطيسية” مسموعة عند تحويلها من الموجات الكهرومغناطيسية.

4 . الفلسفة القديمة والبعد الإنساني
• منذ آلاف السنين، تخيل الفيلسوف اليوناني فيثاغورس أن الكواكب تتحرك بتناغم موسيقي سماه موسيقى الأفلاك (Musica Universalis).
• اليوم، بفضل العلم، نعرف أن الكواكب فعلًا تملك “تواقيع صوتية” خاصة بها، وإن كانت بلغة الموجات لا الألحان البشرية