احصائيات

الردود
1

المشاهدات
2562
 
ياسَمِين الْحُمود
(الواعية الصغيرة)
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي
الحضور المميز الألفية الثانية الإداري المميز الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى وسام الإدارة التكريم الكاتب المميز 
مجموع الاوسمة: 9


ياسَمِين الْحُمود will become famous soon enough

    غير موجود

المشاركات
35,006

+التقييم
5.48

تاريخ التسجيل
Oct 2006

الاقامة
قلب أبي

رقم العضوية
2028
01-17-2021, 09:40 AM
المشاركة 1
01-17-2021, 09:40 AM
المشاركة 1
افتراضي الفائز بالمركز الثاني لمسابقة القصة القصيرة2020
المركز الثاني

الاستاذ القاص حُسام عبد الباسط

التكوّر

كنّا.. وكانت العتمة.. والحر.. والرطوبة..
كانت الزنزانة ضيّقةً تشبه ممرًا مظلمًا في صالة.. وكانت الأنفاس تخرج صهدًا.. خلعنا الملابس الزرقاء الداكنة, وجعلناها وسائد لأدمغتنا وأرائك لمرافقنا, وبقينا بالملابس الداخلية.. بعضنا لم تكن لديه فانلّةٌ داخليةٌ؛ فبقى شبه عارٍ.. وكان العرق المدهون على جلودنا العارية يلمع تحت ضوءٍ فضّيٍ شفيفٍ, يتسرّب من قمرٍ غاب نصفه عبر قضبان النافذة الضيّقة والوحيدة بأعلى الجدار..
قال أحدنا في حيرة: "كان لنبرة صوتها صدى ورنين؛ غابا اليوم.. كان هناك حزنٌ خَبئٌ, لكنّي لمحته.. أعرف أنها تخفي شيئًا, لكنّها لم تبح.."
كان بعضنا يدخّن, وكان الدخّان يصنع سحابةً تربض وسط الهواء الراكد في سماء الزنزانة فتزيد الجو اشتعالاً.. وكان البعض الآخر ينام نصف نومةٍ متكوّرًا على نفسه, حيث يثني الركبتين حتى تكادا تلتصقا بالصدر؛ فيتّسع المكان.. وكنّا نعرف أنهم - إذ ينامون - يسترقون السمع.. هؤلاء الذين لا يأتي أحدٌ لزيارتهم.. دائمًا ما يأتون في الصباحات التالية؛ ويردّدون حكايات الزيارة التي تحدث مرّةً واحدةً في الشهر, وتكون محورًا لأحاديث تاليةٍ ممتدّة.. يجادلون فيها ويدلون برأيهم..
انفلتت نسمةٌ خفيفةٌ من النافذة فساد الصمت للحظات... تلاشت فأكملنا..
صاح آخر وأثر البكاء في صوته: "لم أرهم منذ فترةٍ طويلةٍ, ولا أعرف السبب.. لا أعرف أخبارهم.. لا أحد يبلغني شيئًا.."
لكنّي كنت أعرف.. كلنا كنّا نعرف عداه.. كانت الأخبار تذوب وتتناثر كرمادٍ وسط عاصفةٍ هوجاء قبل أن تصل إليه مباشرة.. الكلّ كان يخشى أن يكون هو صاحب الخبر..
قال ثالثٌ بنبرةٍ مرتبكةٍ وصوتٍ أجش, وهو يسحق حشرةً صغيرةً بقدمٍ عارية: "حاولت إخفاء الكدمات والخطوط الحمراء, لكنّ الأولاد أسئلتهم كثيرة.. البنت الصغرى لمحت الطوق الأحمر الملتهب, وأنا لا أعرف كيف أجيب.."
أما أنا فكان الحر يقتلني..

***

المكان تحت النافذة مباشرةً؛ حيث الجو أقل حرارةٍ بربع درجةٍ أو أقل؛ كان محجوزًا.. كانت الأجساد متلاصقةً بنفورٍ ورضوخ.. حاولت أن أتحرّك في الأركان الأربعة.. أمشي على أطراف أصابعي, فيما تمشي كائناتٌ مجهولةٌ تحت جلدي.. دست بعض الأطراف الجالسة والمفروطة والمتكوّرة, وسمعت بعض السباب المعتاد, ولسعني أحدهم بطرف سيجارةٍ متوهّجةٍ توشك على تمام الاحتراق.. انتحيت في إحدى الزوايا بين أعواد الثقاب, وأعقاب السجائر, وبقايا طعام وجبات اليوم والأمس, وروائح عطنٍ مكتومة.. ورحت أمصّ مكان اللسعة بريقٍ من الحطب, وكنت أشعر أن روحي تنفلت من جسدي..
شربت بعض الماء الساخن من زجاجةٍ بلاستيكيةٍ غطّاها سوادٌ ترابيٌ متراكم.. كانوا مازالوا يتكلمون.. أرواحهم مكسورة, ونبراتهم خافتة, وحواسّهم أصابها الصدأ..
ركنت رأسي على الحائط وأغمضتّ عينيّ.. وكعادتي كل ليلة, رحت أفكر في أشياء أخرى بعيدة.. بعيدة عن تلك الزنزانة القبر, وهذا الحر الخانق.. رحت أطرد من ذهني الصهد والعرق وعمليات التكدير.. انسبت عبر قضبان النافذة مغافلاً الحراس.. عبرت الفناء الخارجي المسوّر بأبراجٍ وكشّافاتٍ بأضواءٍ حادة تُرشق في العيون..

***

أنسلّ بين المارة وأقطع شوارع تغرق في الدخّان والزحام.. ناسٌ كثيرون.. يأتون ويروحون عبر الأزقّة والحواري المفضية إلى الشوارع الرئيسية, والميادين المصلوبة تحت صهد شمس العصاري.. أنفلت بين ضيق الممرّات وصخب الأسواق ونداءاتٍ ضجرةٍ لباعةٍ ملولين وأبواق عربات الأجرة والملاكي.. أحاذي محطة بسورٍ حجريٍ ممتدٍ لا يرمي ظلاً للعابرين.. تلاميذ بحقائب جلديّة ثقيلة وملابس تحاول أن تبدو موحّدة, ينسلّون من مدرسة معلّقة على بوابتها لوحةٌ تعريفيةٌ بكتابة ممسوحة.. أذكر.. طفلةُ في التاسعة لها ضفيرةٌ سوداء تمسح الأرض.. ولها خدّان ورديّان تغور فيهما نغزتان كهفيّتان يختبئ فيهما سر الكون.. تلوح من بعيد بخطواتٍ توجف القلب وتصيبه بشيءٍ مثل الصقيع.. تفتح حضنها للريح, وتركض وسط الشوارع والمروج.. وكانت تضحك؛ فتضحك البيوت والناس والعربات المارقة وأعمدة الإنارة ولافتات المحلات.. وكنّا معها.. أنا ببشرتي السمراء الطينية, وهو ببشرته البيضاء الشاحبة, وشعره الناعم فاحم السواد.. كانت تمسك بيده وهي تركض ولا تمسك بيدي.. وكنّا نلعب.. أُعصب عينيّ, ويختبئان.. وأظلّ أبحث وأنادي وأجري, وأتعثّر في طرف جلبابي الممزّق, وتخدش الأشياء المدبّبة جلدي الرهيف, ولا مجيب.. ثم أفكّ العصبة القماشيّة المتّسخة, وأعرف أنّهما تركاني.. وأبكي.. تركاني, وذهب كلًا منهما لبيته.. وفي اليوم التالي ونحن نذهب ثلاثتنا للمدرسة في ذاك الصباح البارد بحقائب قماشيّةٍ باليةٍ وثقيلة, يعايرني صاحبي بصوتٍ لا تسمعه, وإشاراتٍ لا تفهمها, ويدها تستقر في يده.. ولمّا تنظر عيناي البنيّتان الطفلتان إلي عينيها الباذختين؛ أراها تضحك له..

***

بيوتٌ لها جدرانٌ شاحبةٌ ونوافذ مغلقة.. مطعمٌ شعبيٌ تفوح روائح أطعمته ويتزاحم حوله بشرٌ من أعمارٍ مختلفة.. مقاهي ممتلئةٌ عن آخرها برجالٍ يشبهون بعضهم البعض, رغم ذلك كل واحدٍ يجلس بمفرده.. خبطات النرد وفيش الطاولة وقرقرة الشيشة وسحب الدخان, وتلفاز يعرض مبارة كرة لا تشغل بال أحد.. أصواتٌ زاعقةٌ متنافرة.. صافرةٌ لقطارٍ مغادر.. رائحةٌ غائمةٌ تشبه رائحة الدم.. أنوارٌ خضراء وراياتٌ ملوّنةٌ تلوح من بعيد.. أذكر.. يدي الصغيرة تستقر في يدٍ دافئةٍ كبيرةٍ وهي تسحبني عبر سرادق المولد.. لمبات نيون معلّقةٌ وسط ضباب الليل على عرباتٍ خشبيةٍ تبيع الحمّص والطواقي وعرائس الحلوى.. صرير مراجيحٍ وشهقات الأولاد في الريح.. بائعو البخت.. الأراجوز.. بنات بزينةٍ فاقعةٍ يحملن بنادق ويقفن على نصبات النيشان.. الوشّامون.. ضريحٌ قديمٌ لوليٍّ مجهول.. ولائم لأهل الله في آخر الساحة.. دفوفٌ ومعازف.. رجالٌ يتطوّحون بأفواهٍ مفتوحةٍ وعقولٍ غائبةٍ في ملكوت حلقة الذكر.. دراويش ومجاذيب وعواقر ونساءٌ ملبوسةٌ بأصناف الجن.. دوي الإنشاد, وابتغاء السر والمدد في مواجيد العارفين والراغبين في الوصول.. مراجل تغلي وروائح طبيخٍ وقطع لحمٍ يتصاعد بخارها فتخفق القلوب.. ألسنة النار ولوازم الشاي والقهوة وأدخنة الحشيش والبخور؛ ونباح كلابٍ خجولٍ يأتي من خلاء الأرض المجاورة المكسوّة بالظلام.. تلك الظلمة الصمّاء والتي يبدو فيها الليل وكأنه لم يهبط من السماء؛ وإنما نشع من سواد الأرض العجفاء وفاض حتى بلغ رغم الأنوار بالجوار مآقي العيون..

***

ويصك أذني من خارج الزنزانة صوت الضابط النوبتجي آمرًا بالصمت ومذكّرًا بموعد النوم.. وأفكّر في حتمية بشرتة البيضاء الشاحبة, وشعره الناعم فاحم السواد.. وأفتح عينيّ بصعوبة.. وأشعر بقطرات العرق تحرقهما, والعتمة تجثم عليهما.. وينشب الصهد مخالبه في رأسي.. وأراهم جميعًا عبر الظلام أجسادًا عاريةً في وضع التكوّر المعتاد, وقد أنهوا حكاياتهم وبدءوا الصمت المقدّس استعدادًا لنومٍ خالٍ من الأحلام.. فأتحسّس مكانًا خاليًا وأتكوّر مثلهم..


قديم 01-17-2021, 09:41 AM
المشاركة 2
ياسَمِين الْحُمود
(الواعية الصغيرة)
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي
الحضور المميز الألفية الثانية الإداري المميز الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى وسام الإدارة التكريم الكاتب المميز 
مجموع الاوسمة: 9

  • غير موجود
افتراضي رد: الفائز بالمركز الثاني لمسابقة القصة القصيرة2020
تقرير عضو لجنة التحكيم الدكتور موسى عباس
عندما تُسْحَقُ الروح!

ثيمة فقدان الحرية وتحطيم كينونة البشر موضوعٌ مُوجِعٌ يثير الألم في أنظمة شمولية سحقت الإنسان، وحولته لمجرد رقم في زنزانة، أو في سجل المغيبين قسريا أو المعتقلين، هذا ما تناوله كاتب / كاتبة قصة " التكور" وللتكور في علم النفس دلالات لا تخفى على دارس، حيث يطلق عليه " النوم الجنيني " أي النوم بطريقة الجنين في رحم الأم ، يقارب بين ركبتيه وصدره بطريقة منحنية متكورا على نفسه، وهذه الطريقة في النوم تخفي رغبة لا شعورية في الهروب ورفض الحياة والقلق من المصير، أما في الزنزانة يضاف لما ذكرت الضيق والتكدس الذي لايراعي إنسانية هؤلاء الذين قضت أقدارهم أن يولدوا في بلاد تضيق بالحرية، اللغة العذبة السلسة أعطت قيمة مضافة للقصة، كما تدل " التكنيكات" المستخدمة على خبرة الكاتب/ الكاتبة وإتقان فن السرد، دون ترهل أو لغة زائدة، المعالجة جيدة، جلبت لنا المتعة وأشركتنا في رؤية الكاتب/ الكاتبة، الأخطاء الصغيرة في اللغة وهي نادرة، لا تجعلنا نتراجع عن الولوج في عالم القص الممتع والجميل، كنت أتمنى أن يضيء الكاتب/ الكاتبة جانبا من أسباب اعتقال الناس وحجز حرياتهم وامتهان كرامتهم لمجرد اختلاف رأيهم عن القطيع؛ لمزيد من التكامل في الطرح والمعالجة.

تقرير عضو لجنة التحكيم الأستاذ محمد علي هادي المدخلي
تطرح القصة نفسها بحدة من خلال عنوان به انكسار دلاليا وإنسانيا.
بدأت القصة بكشف دقيق لحالة التردي والخنوع وكبت الحرية وتكميم الأفواه لشخوص النص.
تتجلى القصة في بناء موقف إنساني تجاه حق الفرد في العيش بكرامة.
إن هذه الرؤية الثائرة للشخوص اصطدمت بحائط" اللا".
جاءت القصة نموذجا لانكسار عام لأن الوعي العام ظل مسكوتا عنه في النص.
جاءت القصة نموذجا للنص الدائري من حيث استمرار أزمة البطل وتكوره مع البقية.

تذكرت فيلم " نحن بتوع الأتوبيس".


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: الفائز بالمركز الثاني لمسابقة القصة القصيرة2020
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الفائز بالمركز الرابع بمسابقة القصة القصيرة2020 ياسَمِين الْحُمود منبر القصص والروايات والمسرح . 11 01-29-2021 12:46 AM
الفائز بالمركز الثاني لمسابقة القصة القصيرة2020 ياسَمِين الْحُمود منبر القصص والروايات والمسرح . 18 01-21-2021 01:13 PM
الفائز بالمركز الخامس لمسابقة القصة القصيرة2020 ياسَمِين الْحُمود منبر القصص والروايات والمسرح . 16 01-20-2021 03:46 PM

الساعة الآن 10:16 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.