احصائيات

الردود
0

المشاهدات
1636
 
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


ياسر علي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,595

+التقييم
0.38

تاريخ التسجيل
Dec 2012

الاقامة

رقم العضوية
11770
07-29-2013, 03:21 AM
المشاركة 1
07-29-2013, 03:21 AM
المشاركة 1
افتراضي الأبرياء
أثقله الحمل الثقيل الذي أنقض ظهره ، كان ينتقم لأتفه الأسباب ، فتعجب كيف كبل القدر يده الباطشة ، فكم صاعا رده صاعين حتى يتمنى خصومه لو أنهم لم يقدموا على استثارته ، فيفضلون في الأخير مصاحبته فيظهر بعدها اللين من فعاله كأنه ولي حميم . هو غليظ القلب لا تأخذه الرحمة بمن استخف به ، اليوم ينوي على ثأر شنيع ، لم تطمئن نفسه لهذا الانتقام .
سار في خلوة فوجد قبرا مهجورا تحيطه بعض أحجار ، هى كل ما تبقى من سور الضريح . سمع أنه لولي صالح ، جدران الغرفة فيها ثقوب واسعة ، أشعة الشمس الحارقة تتسرب من سقف يتداعى فأصبح الضريح أنقاضا لا تريح ذوي النفوس المهزومة الذين يتبركون بمقامه . في نفسه تختلج فكرة إصلاحه قائلا : " يوما سأرمم هذا القبر على الأقل ليكون سكنا وملاذا آمنا للتائهين أمثالي ، فيه يرتبون أفكارهم "
كان الوقت ظهرا والشمس توسطت السماء و الرياح تحمل هجيرا لافحا يستجيب له جسمه بعرق يرطب صفحته .
غلبه نعاس خفيف و هو مستلق قرب القبر حيث الجزء الظليل تحت قبة هشة تشققت صلابتها ، وتهاوت نقوش قديمة طبعت على خشب مصقول . أعجب بحرفية الأقدمين الذين يتقنون الصنعة حتى في المساكن المهجورة ، سمع هاتفا أيقظه من غفوته و لسانه لا يزال يردد تلك المقولة : " لا تفعل ...لا تفعل ...!"
تعجب من هذا القول ، وهذا الهذيان ، فهو ليس عابدا مخلصا و لا زاهدا و لا حافظا متمرسا ، لا يداوم على فضيلة ، فكيف للهاتف أن يكون من نصيبه و كيف للرؤيا أن تجد إليه سبيلا . تذكر محدثه فوجده مهاب الجانب ، صفي الوجه بلحية بيضاء مهذبة ، قال له : " أول رجل تلقاه فهو من الأخيار ويملك بعضا من السر ".
نهض والتوتر يعلو نفسه التي لا تنكسر بسهولة ، فما جاء إلى هذه البيداء إلا ليعتزل بنفسه و يضع خطة انتقامه من هذا الذي تطاول عليه ، عزم على فعلته وهو يقول : " ألا سحقا للهواتف لا تقدم ولا تؤخر" و مضى حتى وصل عند ينبوع الماء فوجد هناك ضالته ، إنها هي ، بسهولة سيستدرجها و يفعل فعلته ، هو جذاب ماهر ، لن يجد صعوبة في استمالتها و غوايتها ، ومن تم ينفد مأربه ، فاتحها بلطف وسلام ، فردت عليه التحية بأحسن منها ، تأمل جمالها ولطفها و رقتها ، فنقرت شفقة ممزوجة برحمة قلبه المتميز غيظا ، فهوى بعينيه إلى الأرض خجلا من نفسه و رجلاه تبتعدان عن المكان و السيدة تملأ قدرها من الينبوع الصافي البارد ، تمنى شربة ماء ، لكن نفسه انهزمت لأول مرة ، فهو لا ينتقم غدرا و لسانه يردد " ليس هذا أسلوبي ، ليس هذا أسلوبي ...."
لا يزال يمشي حتى أتى على رجل في حقله يسقي الزرع و العرق يتصبب من جبينه فواجهه : "أنت هنا إذن " فرد عليه : " حمدا للسماء فقد أتيت في الوقت المناسب ، أحس بمغص شديد في بطني ، لعل هذه ساعتي ، منذ تناولت غدائي وأنا أحس بحالي تذبل ، وجسدي يهوي و روحي ربما ستغادر ، كنت أنوي إصلاح ذلك الضريح الراقد في الخلاء ، و ربما الأجل لن يؤخرني ، وإني لأراك من الصالحين ." أنهى كلامه فأغمي عليه .
حمل غريمه على ظهره إلى منزله فوجد زوجته تسقي زهورا في حديقة المنزل بقدرها الذي ملأته من الينبوع ، يسترسل الدمع من مقلتيها وهي تشاهد زوجها يشهق آخر أنفاسه .فتحت باب المنزل فوضعه على سريره فزفر زفرته الأخيرة .



مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:23 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.