احصائيات

الردود
11

المشاهدات
4927
 
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


صبا حبوش is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
397

+التقييم
0.08

تاريخ التسجيل
Mar 2011

الاقامة
الرياض

رقم العضوية
9765
10-21-2017, 03:20 PM
المشاركة 1
10-21-2017, 03:20 PM
المشاركة 1
Smile ولادة شجرة
لم تكن فتاة عادية، منذ أن طالت ضفائرها أدركت أنها مختلفة عن جميع من حولها.
كانت تعيش في عائلة بسيطة مكونة من أربع أخوات كانت خامستهم، حين بلغت الثامنة عشر من عمرها، بدأت تشعر بالوحدة بين أهلها، لم يكن لديها صديقة، وأمها دائمة الانشغال بأعمال البيت و سهرات الليل مع الأصدقاء، حتى أخواتها كنّ بعيدات عنها كل البعد.
أما والدها فكان الأبعد عن الجميع، لم يزل ذلك الرجل الانطوائي الطيب، صاحب الابتسامة الشحيحة و العينين الحانيتين.
في طريقها لأحد الباعة، كانت تحادث نفسها وتسرد تفاصيل كثيرة عن كل شخص عرفته في حياتها، أجمعت أن الإنسان ليس مقدّراً له أن يجد من يفهمه أو يشاركه هواجسه إلا ما ندر، وأن الأشخاص الذين يدخلون حياتنا، كما الأشياء التي نرغبها بعضها نصله بعد تعب، وبعضها الآخر يبقى قيد الأمنيات والبحث دون جدوى.
قررت أن تصادق الأوراق، وتدوّن كل ما يدور في مفكرتها العقلية، و إن لم يكن منطقياً،
لكن انعزالها المفاجئ مع القلم أثار استغراب عائلتها، واستهجان والدها الذي كان مرتاباً من التغيير المفاجئ في حياة ابنته.
-أخشى أنها تكتب الرسائل لأحد الصبية في الحي، هل اطلعت ِعلى تلك الأوراق؟ كان يسأل زوجته بانفعال يحاول كتمه.
- لا, لا أعتقد، صوفيا عاقلة، لم ألحظ أنها تكلم أحداً؛ لذا لم أعر الأمر انتباهاً.
في أحد الأيام كانت الأم تحضّر طعام العشاء، التفّ الجميع حول المائدة إلا صوفيا، تنبّه الأب لغيابها، التفت إلى بناته متذمراً:
- أين صوفيا؟
- في غرفتها يا أبي.
نهض الأب بسرعة متمتماً بعض الشتائم، فتح باب غرفتها بقوة وهو يصرخ: "ما الذي يحدث معك، من هو؟ أخبريني، كيف احتال على عقلك؟" أمسك الدفتر أمامها ومزّقه نصفين، بقيت الفتاة في حالة ذهول لحظات، وقفت دمعتها منتصف العين.
-مَن تقصد يا أبي، مَن؟
-الوغد الذي تكتبين له هذه الرسائل.
- لكني لا أكتب رسائل لأحد، اقرأ، انظر فيما مزّقت.
لكنه لم يطّلع على شيء، خرج بعصبيته وعاد إلى مكانه، مكملاً شتائمه وحنقه عن إنجاب البنات وصعوبة تربيتهم.
حالة الذهول لم تفارقها منذ ذلك الموقف، كلما تذكرته بلّلت وسادتها الدموع، "كيف يرمي عليّ تهمة لم أقترفها"، قضت أربعة أيام في لصق الأوراق، وأخفتها تحت سريرها خوفاً من أن يعاود تمزيقها.
ما عاد القلم صديقها، بات وقوفها أمام النافذة المطلّة على حديقة الحي مريحاً بالنسبة إليها، تتأمل الأشياء وكأنها تراها للمرة الأولى، لا تلتفت للناس أسفل الطريق، لم يكونوا يعنون لها شيئاً.
في أحد الأيام دخلت أمها الغرفة غاضبة، فبعض نساء الحي نبّهنها بطريقة غير مباشرة لوقوف ابنتها المطوّل أمام النافذة، وتحديقها بالرجال المتواجدين في الحديقة، أغلقت النافذة بأقصى قوتها حتى كادت تتكسر تحت يدها، أسدلت الستائر، وخرجت دون أن تسمع منها كلمة واحدة.
عادت لها حالة الذهول الرهيب، لم تستمع لها، على الأقل تترك لها فرصة الدفاع عن نفسها،
ضاقت الدنيا في عينيها، شعرت أنّ الكون بأكمله ليس سوى غرفة بأربعة جدران، بكت كثيراً قبل أن تذهب وتقدّم اعتذارها لأمها عن فعل لم تقم به.
استنفدت جميع محاولاتها بإيجاد كهف روحي تأوي إليه داخل منزلها، هي مغتربة دون سفر، يضيء داخلها قنديل وحدة متعَب، تتمنى لو بإمكانها إطفاءه، لكن الأمر أكبر من قدراتها، ما تحتاج إليه فقط هو من يشاطرها اهتماماتها، والأفكار التي تلتمع أمام عينيها.
بعد عودتها من المدرسة أصبحت تمرّ على الأرض الزراعية المحاذية للمنزل، تجلس فوق التراب مباشرة، تحت شجرة سنديان كبيرة، تشعر بالارتياح الكبير حين ترى أغصانها تتمايل بخفة، وكأنها ترحّب بها.
رائحة التراب الأحمر تبعث فيها الحياة، وتدفعها للاسترخاء مجدداً، كانت تحادث نفسها بصوت عالٍ، تتساءل عن أبجدية الرغبات في كتب الحياة، كيف تتعامل مع أحاسيسها وسط أصوات مختلفة، كيف يعود صدى الصوت أحياناً من أماكن بعيدة جداً، وكيف يغيب وننتظر عودته دون فائدة من أماكن أكثر قرباً، أسعدتها الأغصان المتمايلة من جديد، وكأنّها تسمع هواجسها وتهزّ برأسها.
أخرجت من حقيبتها أوراقها المضمّدة بشرائط اللاصق، حفرت حفرة صغيرة أمام جذع الشجرة ودفنتها في داخلها، أعادت ردمها، وهمّت بالمغادرة، لكنّ شيئاً خفياً سحبها للأسفل، حتى غاصت ركبتاها بالتراب، لم يكن بإمكانها الخروج، تشبثت أقدامها بجذور تفوح منها رائحة الحبر، وامتدت يداها باتجاه الأفق، كل نقطة حبر علقت فوقها تحولت لغصن غض، تزين نهايته بعض الزهور الصغيرة.
غدت تلك الشجرة الغريبة ملاذ مئات الناس الذين لم يصدقوا أعينهم، شجرة تولد في ليلة وضحاها، حتى تحولت الأرض الزراعية لمزار عجائبي، يقصده الباحثون عن انعكاس أفكارهم؛ السكينة التي تبعثها في نفوسهم تدفعهم للإفضاء، و رمي حمولة كبيرة بين يديها.
توالت الأشجار بعد ذلك، أصبحت تلك الأرض المباركة حديث المدينة الوحيد، عشرات الأشجار تولد فيها بين يوم وآخر، والقاسم الوحيد بينها أغصان لها آذان تصغي، وجذور تنبت فيها أزهار برائحة الحبر.


https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..
قديم 10-22-2017, 01:26 PM
المشاركة 2
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
لا لست تلميذة
بل أستاذة بحقّ
من مثل هذا الجمال نتعلّم، وستتعلّم أجيال وراء أجيال
هذا الانتقال السلس من الواقعية وما يحاصر الفرد والبحث عن صيغة مبتكرة ومقبولة للنفس لتؤانس اغترابها، هذه القفزة نحو الغائب و جعله مركز حضور ولّد لنا شجرة فغابة، هذه القراءة الجديدة للطبيعة و انفتاحها على عالم الإنسان
هذه العوالم المبتكرة لا ينتجها إلاّ ذهن ولاّد ورشيق ، له خبرة ذاتية مع الأشياء والأشخاص.

كوني معلّمة مرفوعة الرأس

تقديري

قديم 10-22-2017, 08:35 PM
المشاركة 3
أميمة محمد
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
امتزاج الخيال بالواقع في القصص يولّد أدبا رفيعا
راقتني، وإنْ شعرت أن الوصف طال في بدايتها خاصة السطرين الثاني والثالث. ربما هي ذائقتي تبحث عن قلب القصة مباشرة.. نهايتها شاعرية بددت ذلك الواقع الكئيب الذي غشي القصة خاصة باستسلام البطلة
أحسنت صبا حبوش

قديم 10-23-2017, 11:35 AM
المشاركة 4
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

مرحبا
استاذة صبا
استاذ ياسر
استاذة اميمية
اقتباس من القصة " بعد عودتها من المدرسة أصبحت تمرّ على الأرض الزراعية المحاذية للمنزل، تجلس فوق التراب مباشرة، تحت شجرة سنديان كبيرة، تشعر بالارتياح الكبير حين ترى أغصانها تتمايل بخفة، وكأنها ترحّب بها.
رائحة التراب الأحمر تبعث فيها الحياة، وتدفعها للاسترخاء مجدداً، كانت تحادث نفسها بصوت عالٍ، تتساءل عن أبجدية الرغبات في كتب الحياة، كيف تتعامل مع أحاسيسها وسط أصوات مختلفة، كيف يعود صدى الصوت أحياناً من أماكن بعيدة جداً، وكيف يغيب وننتظر عودته دون فائدة من أماكن أكثر قرباً، أسعدتها الأغصان المتمايلة من جديد، وكأنّها تسمع هواجسها وتهزّ برأسها.
أخرجت من حقيبتها أوراقها المضمّدة بشرائط اللاصق، حفرت حفرة صغيرة أمام جذع الشجرة ودفنتها في داخلها، أعادت ردمها، وهمّت بالمغادرة، لكنّ شيئاً خفياً سحبها للأسفل، حتى غاصت ركبتاها بالتراب، لم يكن بإمكانها الخروج، تشبثت أقدامها بجذور تفوح منها رائحة الحبر، وامتدت يداها باتجاه الأفق، كل نقطة حبر علقت فوقها تحولت لغصن غض، تزين نهايته بعض الزهور الصغيرة.
غدت تلك الشجرة الغريبة ملاذ مئات الناس الذين لم يصدقوا أعينهم، شجرة تولد في ليلة وضحاها، حتى تحولت الأرض الزراعية لمزار عجائبي، يقصده الباحثون عن انعكاس أفكارهم؛ السكينة التي تبعثها في نفوسهم تدفعهم للإفضاء، و رمي حمولة كبيرة بين يديها.
توالت الأشجار بعد ذلك، أصبحت تلك الأرض المباركة حديث المدينة الوحيد، عشرات الأشجار تولد فيها بين يوم وآخر، والقاسم الوحيد بينها أغصان لها آذان تصغي، وجذور تنبت فيها أزهار برائحة الحبر."

- جميلة هذه القصة وبالغة التأثير حتى في الشق الاول منها الذي يغلب عليه الوصف الواقعي وكأن بطلة النص واحدة من بنات الحي الذي نسكن فيه. لكن من هذه النقطة في الفقرة اعلاه اصبح السرد سحريا وغاية في الجمال يأسر المتلقي بهذا الخيال العجائبي الذي حول فتاة الى شجرة.
ذلك على الرغم ان هناك بعض الغموض في سبب غوصها في التراب فهل هو الحبر؟ ولماذا لم يتحول ما كتبته الى شجرة بدلا من ان تتحول هي الى شجرة؟

وهذا المشهد هو مشهد تصويري وكأن النص تحول الى سيناريو من فلم سينمائي ويتحول المتلقي الى مشاهد لما يجري تحت شجرة السنديان تلك...

وفي هذه الفقرة ايضا نجد القاصة قد سخرت الحواس لزيادة اثر السرد فتحدثت عن روائح وآذان تسمع لاشجار يبدو انها استمرت تتوالد بعد ان انغرست تلك الفتاة في التراب لتنمو بين لحظة واخرى كشجرة لها اغصان وأزهار برائحة الحبر ...

قديم 10-23-2017, 02:55 PM
المشاركة 5
منى شوقى غنيم
انتقلت إلى أرحم الراحمين إن شاء الله
  • غير موجود
افتراضي
في الكثير من القصص التي قرأتها كنت اصل للنهاية التي توقعتها من قبل و احيان اترك القصة في المنتصف لاصل للنهاية لكن هنا من أول سطر لم استطع الوصول للسطر الاخير قبل أن تنهي كل السطور اقول لكي سرا استاذة صبا بقصتك الكثير من طفولتي حتى تقطيع الدفتر فعله ابي كي اترك الكتابة و اهتم بالمذاكرة لدرجة انني غضبت منه و كتبت في دفتر اخر لكن على صفحته الاولى كتبت رسالة لابي اقول فيها يومًا ما ستراني يا أبي بأعين الناس و مازل لدي حتى الأن و ما زلت أتعلم أكثر لأنفذ وعدي ...
تحيتي و تقديري لسردك الرائع




هنا بين الحروف أسكن
http://monaaya7.blogspot.com/
من القلب سلامًٌ لمن زارني
قديم 10-23-2017, 03:12 PM
المشاركة 6
طارق أحمد
شاعر و قاص و ناقد سوداني

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
و يا لها من شجرة استطالت و عم نشرها .. لله درك أستاذه صبا حبوش .. فكم ادهشتنا باسلوبك المطبوع المدهش

و الادهاش اهم العناصر التي تبني عليها القصة القصيرة ..

القصة في مجملها تتحدث عن فتاةٍ في طور المراهقة تبحث عن صديق فلا تجده إلا في الكتابة الادبية .. و الوحدة

احدي سمات الكتابة .. و لكن الاهل يفجعونها فيها شفققة عليها و خوفا من ان يكون احد الشباب غرر بها ..

فتلجأ للوحدة .. و ممارسة الكتابة سراً ..

حتي تنمو موهبتها و تشتد و تنشر ما تكتب و يذاع صيتها و يستطيل كما الشجرة و يعم كما نشر الشجرة ..

و تنهج بنات جنسها نهجها .. ( توالت الأشجار بعد ذلك، أصبحت تلك الأرض المباركة حديث المدينة الوحيد، عشرات الأشجار تولد فيها بين يوم وآخر، والقاسم الوحيد بينها أغصان لها آذان تصغي، وجذور تنبت فيها أزهار برائحة الحبر.)

مرحي أستاذه صبا بكِ و بقلمك الرائع و الي المزيد من الإبداع المتفرد ..

أحمل قطراتٍ من ماء .. أجوب بها الصحراء ..
لا بيت يظلني و لا نماء .. و أظل في شوقٍ و شقاء ..
أظل في شوقٍ للماء .. و أظل من نفاده في شقاء ..
قديم 10-26-2017, 05:07 PM
المشاركة 7
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أسعدني مرورك أستاذ ياسر ، إن شاء الله أكون عند حسن الظن دائماً .. نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..
قديم 10-26-2017, 05:08 PM
المشاركة 8
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أستاذة أميمة شكراً لرأيك ومرورك البهي ..أنرتِ

https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..
قديم 10-26-2017, 05:11 PM
المشاركة 9
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تحياتي أستاذ أيوب ، لا معنى للمشاركات دون مرورك وقراءاتك ، شكراً لسطورك ومرورك العطر ..

https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..
قديم 10-26-2017, 05:16 PM
المشاركة 10
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أستاذة منى ، ربما سرك هو سر أغلب الشجيرات التي نمت في تلك الغابة ، ومن الجميل أنك لازلت على وثاق مع عهدك ، أسعدني تعليقك و أرى أنّ الخيال في القصة ليس إلا واقعاً نعيشه ، وأنت خير شجرة تزهو بأغصانها بيننا..

https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..

مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: ولادة شجرة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
إمبراطورية ( ولادة أفواه ) نبيل أحمد زيدان منبر الشعر العمودي 2 01-27-2016 01:44 AM
أجمل ولادة في زمن عاقر فجرالوائلي منبر البوح الهادئ 8 11-17-2012 04:10 PM
>> ولادة الفجر والشروق >> ساره الودعاني منبر الفنون. 14 03-03-2012 11:39 AM
كلكامش يتأمل في ولادة الفجر الأخير الشاعر مروان الهيتي منبر قصيدة النثر 2 03-31-2011 08:16 AM

الساعة الآن 08:31 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.