قديم 07-17-2013, 06:50 PM
المشاركة 31
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي


استيقظت كعادتي متأخرا ، عابس الوجه منتفخ العينين ، لا يطيب لي كلام ، الشمس ابتعدت عن الجبل مقدار نخلة سحوق ، ذهبت صوب المطبخ سكبت ماء ساخنا كان على الموقد الطيني الذي تحيط به جدران مكسوة سوادا ، القدر أيضا أصبح مصبوغا بالكامل بالسواد وكذا سقف المطبخ ، حملت الماء جهة الحمام و في يدي بقية مسحوق أسود علق بيدي عندما هممت بملء آنية بمياه القدر الساخنة . غسلت وجهي و وفمي وخللت شعري بالماء ، مسحت بفوطة متهرئة مكشوفة باهتة بدأت خيوط نسيجها تغادر مواقعها ، ألقيت نظرة على وجهي في مرآة متواضعة تحتل موقعا على الحائط الجانبي للحمام . سمعت صوت أمي وقد اقتحمت المطبخ ، يداها مخضرتان بفعل الأعشاب ، كانت في الحقل وحشت كومة أعشاب لبقرتها الحلوب و الأغنام السمينة الرابضة بالحظيرة خلف المنزل ، قبلت جبهتها و سمعتها تتمتم رضوان الله عيك يا صغيري . غسلت أمي يديها وقدمت لي الفطور ، و بدأت في إعداد الغذاء .
فتحت باب المنزل و قدماي تسابقان الريح نحو الشجرة الحتاضنة للتبغ ، سيارة كبيرة بيضاء كتلك التي يمتلكما تجار الملابس المتجولون بالأسواق الأسبوعية ، سيارة ودكان ومنزل ، ، تمعنت في السيارة تبدو نظيفة جدا ، إلا من بعض غبار عالق بعجلاتها ، زجاج نوافذها يعكس الشمس المحرقة فتؤذي عينيّ ، أكملت طريقي وبين الفينة والفينة أستكشف لغز السيارة ، ، لعلها سيارة خال ليلى ، أبو عائشة ، نعم أرقام السيارة و الحروف المنقوشة كل شيء فيها يؤكد أنها تحمل الحبيبة ، أحسست ارتباك من طال انتظاره ، وقفت ، سرت ، أدخلت أصابعي في شعري ، سيجارة واحدة صباحية كافية لتهدئة روحي وأعصابي . غسلت وجهي عند الساقية و قمت راجعا إلى بيتي .
عند دخولي سمعت صوت ليلى في المطبخ وهي تحدث أمي ، سمعت صوتا شجيا ، صوتا يخرج من حنجرة كما تتسلل الأنغام من أوتار العود ، هذا الصوت نقش وطبع في قلبي قبل أذناي ، لغة ركيكة و ضحكة مرحة أسمعها ، قاومت ارتباكي و دخلت فناء المنزل و كلي همة و إقدام ، في زي تقليدي محلي ، قفطان يغطي سائر جسدها ، عنقها مزدان بعقد متلألئ ، يداها وضعتا على ركبتيها ، حذاؤها ذو العقب الطويل ، شعرها الأشقر كشلال منسكب من الأعالي ، عيناعها الزرقاوان ، بشرتها الملائكية ، ازداد طولها بعض الشيء ، عرضها أيضا ، لكنها لا تزال تحافظ على رشاقة خيالية .



قديم 07-19-2013, 08:02 PM
المشاركة 32
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي


سلمت على حبيبتي بيد تبتغي تأكيد صلابتها فتلين مرتعشة مستجيبة خافقة لملمسها العذب ، وهي جالسة على كرسي خشبي كان قبل لحظات يحتويني عند تناول الفطور .، كل ما فيها لا يلائم المكان الذي تجلس فيه ،سلمت على ليلى وتقدمت طابعا قبلة على رأس أمي ثم رجعت إلى عائشة ، فسألتها عن أبيها وأمها وأخيها و عطلتها وختمت كلامي بمقولة بلدتي للزوار : " مرحبا بك ، نزلت أهلا و سهلا ، والبيت بيتك و أهله أهلك . فردت : بمجاملة شخص لا يعرفك عن قرب : شكرا لكم .
دخلت غرفتي ، تخيلت عائشة تشاركني حياتي البئيسة ، سألت لأول مرة نفسي بجدية ، هل أستحقها فعلا ؟ هل أنا في مستواها ، هل أستطيع أن ألبي شيئا من حاجاتها ، مخجل أن تحس نقصا أمام من تحب ، ما أصعب القلب حين يختار أن يسكن الأعالي ، لكن ما العمل ؟ لندع الزمان يتصرف ، ولو أن المفعولية لم تكن يوما من خياراتي . أعود متصفحا غرفتي المتواضعة ، حصير يستر وجهها الاسمنتي ، زربية هي سرير نومي ، مخدة وبطانية و إزار ، خزانة خشبية صغيرة تحتوي بعض روايات غرامية صافية ، روايات تحكي واقعا لا يرحم ، واقع يزيده أهله تعقيدا ، مذياع يبحر بعيدا عن الوطن يمتعني بما تجود به حضارة هؤلاء من موسيقى وبرامج تملأ الدنيا ألوانا زاهية ، أشرطة موسيقية مما تناثر من شذرات تقاوم أخطبوط الفنون الغربية و صناعته التي تحتل الوجدان مفرغة إياه من مخزونه الثقافي و هويته و موروثه . ألقيت نظرة على المرآة وجهي لا يزال يحتفظ بإشراقته ، خرجت جهة البئر عند الزريبة ، بالقرب من خزان مائي تضخ فيه مضخة مياها تجلبها من البئر على إيقاع محرك يدوي بعنف ، صعدت حائط الخزان معانقا أنبوب الماء البارد الصافي الآتي من أعماق الأرض ، أثلجت صدري و أخمدت لهيب حلقي و ترجلت من على الخزان و أنا أسير بين أشجار البرتقال المحادية له و هي تحمل كريات خضراء في حجم بيض الحمام .بعضها ساقط عند قدم الشجرة ، انحنيت لأخذ واحدة منها عندما سمعت نداء عائشة الركيك : أيها الهاارييييب ماذا تفعل ؟ استدرت لأجدها قرب الخزان و ليلى بجانبها .
ـ لعلك تريدين شربة ماء
ـ ماء نقي أريد كأسا منه .
ـ اشربي من الأنبوب .
ـ أخاف أن أسقطك في الصهريج
ـ ألا تحسنين العوم
ـ بل أحب السباحة كثيرا
ـ اصعدي واشربي






قديم 07-20-2013, 09:43 PM
المشاركة 33
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

شمرت عائشة على قفطانها و تسلقت الخزان لتمد شفتيها إلى الأنبوب الذي يقذف مياها غزيرة نحو مركز الخزان كشلال هادر ، كريات ماء تعبر عنقها الطويل الشفاف ، قامت وهي تلهث كمن تخلص من عدو بعد عدو ، غسلت يديها ، تسمرت ليلى و لم تبح بكلمة واحدة ، إنها الغيرة ، الفتيات يكرهن الجميلات منهن ، رمتني عائشة بمد ماء بارد على وجهي وهي تقول : أظنك لا تزال نائما ، استيقظ أنا بجانبك ؟ سرت رعشة جسدي فقلت لها : لست هاربا ولا نائما بل خدر خفيف و سكر بسيط و أيضا دهشة ما تغمرني .
ـ لهذا إذن تركتنا في المنزل .
ـ خرجت لتخرجي إلى هذا الفضاء الفسيح لتستمتعي بأريج المروج المزهرة تحت ظلال هذه الأشجار السامقة ، و ترشي لهفتك بهذه المياه الدافقة .
ـ كفى ، أنت تزيد بعض الشيء ،
ـ لو قالها أحد غيرك لقلت له ، أنت لا تكاد تفقه في المشاعر شيئا .
ـ أعرفك حبيبي جيدا فأنت رقيق ، صفي ، قلبك مشاعره عذراء .
ـ أعلم أنك تفهمينني ، و أنا أيضا أعرفك يا عمري .
حنحن أبي بشدة وصاح و هو يقترب منا بخطى ثابثة :" سدّ الخزان يا خالد " أدرت الصنبور فتوقف خروج الماء إلى الساقية التي توزعه على حقول الذرة و سمعت أبي يقول : " أهلا ليلى ، كيف حالك ومن تكون صاحبتك هذه ؟
ـ معذرة عمي ، إنها ابنة خالي المهاجر .
ـ حسنا مرحبا بك با ابنتي في بلادك .
ـ شكرا لك عمي هكذا ردت عائشة
قالت ليلى موضحة :
ـ جئت لأملأ هذا القدر بالماء الشروب يا عمي
ـ هيا إذن ، فخالد سيوقف المحرك الآن
توجه والدي الحازم لجلبابه عند بطنه منتعلا حذاء يصل إلى الركبة جهة المنزل حاملا معولا ثقيلا على كتفه ، لحيته يكتسحها البياض ، لكن نبرته لا تزال صلبة كهيكله الشامخ و رجولته الطافحة .
سكن المحرك تاركا العصافير تغني أنشودة الحياة على إيقاع ينذر بيوم شديد الحرارة .
ـ موعدنا بعد الغداء على ضفة الوادي .
ـ إلى الملتقى حبيبتي .




قديم 08-18-2013, 03:40 PM
المشاركة 34
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي


المكان ظليل ، سدلت عليه ستائر القصب الكثيفة الطويلة المخضرة أوراقه ، عائشة جالسة بجانبي على تربة رملية ، صعدت الدماء وجهها بفعل حرارة الشمس على طول الطريق إلى الوادي .
ـ يا ليتنا كنا وحيدين في هذا الكون .
ـ يموت الجميع لنحظى نحن بالحياة ، تأملي هذه الطبيعة ، تلك الحشرات هي أيضا تعانق الحياة بحبور .
ـ كل شيء في الدنيا دون الحب لا يساوي شيئا بل هو هباء ، هباء !
ـ مليح هو إن تحقق ، و كتب له البقاء ، وتمتع بعمر مديد .
ـ هل أنت راض عن حبنا ؟
ـ مرة أقول هو فعلا حب من قلب لقلب ، روح لروح ، إحساس مليء عذوبة ، شعور جميل يملأ قلبين ولدا ليتآلفا و يتواءما و يتعانقا . لكن أحيانا أخاف عليه من تقلبات الزمان ، و عواصف الحياة ، و تموجات الأعاصير .
ـ لا تكثر من مخاوفي هذه اللحظة أكبر عندي من كل أحلام الدنيا ، يكفيني قربك مني ، تعلم افتقدتك كثيرا ، شهور هي بل أعوام ، لقد اشتد عودك و ازدادت ملاحتك و كبرت يا حبيبي .
ـ أنت أيضا ازدادت فتنتك و سحرك ، بهاء ، صفاء ، حسن ، أي النعوت تليق بملاك في صورة أنثى .
ـ في المدينة سأقضي معك أياما جميلة ، أياما لن تنساها ما حييت ، تعرف تلك المدينة الجميلة الشائطية الساحرة ، رمال مذهبة ، شمسها الربيعية ، ليلها ما أبهاه ، سهرات حفلات ، ، جنة هي حبيبي ما بعدها جنة .
ـ سمعت عنها الكثير ، رأيت بعض صورها ، لكن ما أعلمه هو أنني عاجز عن تسديد مصاريف ليلة واحدة من لياليها ، إنها باهضة ، مدينة غالية و مكلفة .
ـ لا عليك رتبت كل شيء ، كنت أظنك ستتحمس للفكرة أكثر مني .
ـ نعم أنا متحمس ومستعد إلى الذهاب إلى أقاصي الأرض من أجلك و من أجل حبنا ، لكن لا أحب أن أعد بما لا أستطيع .
ـ كان عليك تغيير هذه النظرة للحياة ، ليست الحياة دائما هكذا ، أحيانا علينا أن نبادر ، افتح عينا واسعة كلها أمل ، لماذا لاتكون تلك الرحلة فاتحة يمن عليك ، بداية لشق طريق جديدة ، لا أريدك أن تستسلم للظروف والأحوال ، تمتع و اترك تلك المخاوف بعيدا .
ـ ليتني أستطيع أن أكون حرا طليقا سعيدا حقا .
ـ هذه فرصة البداية ، لا تستسلم بدون محاولات ، هل تذهب معي ؟
أومأت بالإيجاب فتهلل وجهها بشاشة وإشراقا وأمسى كبدر ليلة اكتماله ، منير مشع يضيء حياتي حبا وأملا ...







قديم 10-01-2013, 07:45 PM
المشاركة 35
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي


لمتتبعي رياح الخريف انتظروا حلقات الجزء الثاني قريبا .
ولكم كل الشكر



قديم 12-23-2013, 06:47 PM
المشاركة 36
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي



المدينة فضاء أرحب ، بنايات شاهقة باسقة ، شوارع عريضة ، ساحات ممتدة ، حدائق مخضرة تزينها زهور متفتحة ، أفواج متلاطمة من الناس من كل الألوان والطبقات ، سلع مكدسة في المتاجر ، ألبسة ، أجهزة ، مواد لمختلف الاستعمالات ، كل الحرف ، كل المهن ، منذ ترجلي من الحافلة و أنا أتجول في هذا العالم المختلف ، كل الأحياء متشابهة ، قد لا أستطيع العودة إلى المحطة ، لا يهم فقط أود التآلف و هذا الكون الفسيح ، فسيارة أجرة كفيلة بإرشادي إلى حيث مقصدي ، حيث يسكن رمضان ، شاب قد يكبروني بعامين ، وسيم ، متفهم صديق سهام أو حبيبها هكذا قالت عائشة . تذكرتها فتأملت المشهد أمامي ، عدد وافر من هؤلاء الشقراوات يشبهنها ، كل فتيات المدينة جميلات أنيقات فاتنات رشيقات ضاحكات ، أحسست التعب ينتابني فتتكاسل يقضتي ، الليل كله أشرب الدخان عند استسلام الركاب للنوم ، لم يغمض لي جفن ، كيف للنوم أن يتجرأ علي و أنا أسافر لأول مرة ، و سحر عائشة يجذبني إلى حيث تمضي عطلتها . استويت على كرسي خشبي طويل في مقهى شعبي ، مائدة طولة أمامي ، طلبت من النادل فنجان قهوة و قطعة حلوى أجهل اسمها ، من نظرته تيقنت أنه أحس بغربتي ، فمحفظتي الظهرية معي ، وملابسي تقادمت طبعتها ، عندما كنت في القرية كنت أكثرهم أناقة ، وعند رسوي بالمدينة رأيتني كقادم من أعماق التاريخ ، فأزياء المدينة براقة شفافة ملساء ، تكاد تختفي الفوارق بين ملبس الذكر والأنثى ، حتى بشرة المدنيين لينة رطبة مشعة ، و بشرتي برية جافة . ارتميت في جوف سيارة صغيرة ، سلمت العنوان للسائق ، الذي كثرت صولاته وجولاته ، سمعت سابقا بخبثهم ومكرهم ، اليوم جاء دوري لأكون الضحية ، كلما استكشفوا جهل الزبون بمتاهات المدينة ، طافوا به الأحياء سبعة أشواط . توقفت السيارة أخيرا أمام منزل بحديقة وباب حديدي ، سور المسكن يعلوه شباك حديدي ، دفعت ورقات قدر ما دفعت لتذكرة الحافلة ، تقدمت نحو الباب طرقته طرقا لطيفا ولا من مجيب ، تفطنت إلى زر الجرس ، فضغطت عليه ضغطات متوالية يزداد استرسالها مع كل ضغطة ، فتحت فتاة في مقبل العمر الباب متسائلة : " ماذا تريد أوجعت آذاننا " ، اعتذرت وحمرة الخجل تعتري ملامحي ، فتمتمت : " هل أخوك رضوان في المنزل ؟ " ردت بشيء من التعالي و ببرودة مصحوبة ببعض لامبلاة :" انتظر فهو لا يزال نائما . "
كانت الساعة تقترب من منتصف النهار ، رمضان أيضا مثلي يستيقظ متؤخرا ، كل الشباب يملأ جوفهم الكسل ، حياتهم تمضي بين نوم وتجوال ، قليلون هم الذين يستقبلون يومهم بجد وترحاب ، جلهم يمعنون سهرا ليلا و يتوغلون نوما نهارا .






مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: صفحتي الهادئة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
في صفحتي بالفيس أشرف حشيش منبر الشعر العمودي 2 04-17-2015 09:31 PM

الساعة الآن 01:16 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.