*وإن من شيء إلا يسبح لله العلي العظيم*
نقرأ في قرآننا العظيم من كلمات الله رب العزة أن كل شيء يسبح لله، وهو جل وعلا، لم يقل كل إنسان، أو كل مخلوق ممن له روح، أو له حياة، بل جاء التسبيح مرتبطاً بـ"ما" ومرتبطاً بـ"الشيء"، والشيء بالنسبة لنا، هو أي شيء في الكون، وبدون تحديد.
﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ 44الاسراء.
﴿ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾(24) الحشر.
﴿ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ (1)الجمعة.
ومعنى التَّسبيح: تنزيه الله، أي الشَّهادة لله بأنه المنعم، وبأنه ربّ العالمين، فالتَّسبيح هو التنزيه والتَّقديس، وقد يكون التسبيح بلسان المتكلم، وقد يكون بلسان الحال، وقد يكون بطرقٍ أخرى لا نعلمها، ولكن الله أعلم بها.
الله سبحانه، فطر الإنسان على الخير، وأعطاه حرية الاختيار، وهو سبحانه، لم يفطر الإنسان ككل فقط، بل فطر كل أعضائه ، وكل أجزائه، وكل خلاياه، ومعنى ذلك، عندما يشذ شخص ما عن الطريق القويم، ثم يكفر أو يلحد، فأعضاؤه وأجزاؤه وخلاياه لن تكفر معه، ولن تستطيع أن تكفر معه، فهي لا تملك حرية الاختيار، بل عليها، كما فطرها الله، أن تستمر بالتسبيح لله وتنزيهه.
ولكن لنتفكر قليلاً، جذع الشجرة تكلم مع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو عبارة عن جذع ميت، وكذلك النخلة تهزهزت وطرحت ثمرها، عندما لامستها يد السيدة مريم العذراء عليها السلام، ويوم القيامة، يسأل المولى عز وجل أعضاء الإنسان، كيف كان يفعل بها، فهو سبحانه يسأل العين ماذا كانت ترى، ويسأل الأرجل إلى أين كانت تأخذ صاحبها، ويسأل اليد ماذا فعلت، وهذه الأعضاء لا تملك يوم القيامة إلا الصدق فيما رأت، وفيما فعلت، فبالأصل هي لا تملك الخيار.
نصل من ذلك، أن فكر الاختيار في الإنسان، هو الذي بإمكانه الزيغ عن الحق والكفر بآيات الله، فقد منحه الله الحق في أن يختار بين طريق الخير وطريق الشر، أما الأعضاء والخلايا، فهي باقية على الإيمان، حسبما فطرها الله تعالى في أصل الخلق، أما عن لغة الأعضاء أو الأشجار أو الجمادات، فنحن لا نفهمها، ولكن الله يعلمها ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ الملك(14).
يأخذنا هذا الحديث إلى تفكّر أعمّ، أننا لا يمكننا ولن يمكننا القول، إن الأجزاء الصغرى في الأعضاء لا تسبح، فإذا كانت اليد تسبح وحدها، وإذا كان جذع النخلة يسبح وحده، وإذا كانت الشجرة الحية أو الميتة تسبح لخالقها، فإن الأجزاء الأصغر داخل كل منها، تسبح وحدها أيضاً، فالجذع ليس له عقل أو فم، فمن المنطقي للتفكير، أن ذات الجذع كلها تسبح لله، وهكذا.
ولكن، ماهي هذه الأجزاء الأصغر أو الصغرى!؟
إنها الجزيئات، ومن بعدها الذرات، لا شك في ذلك، ويحاول الإنسان أن يكتشف الذرة ويراها، ولكنه لن يستطيع أبداً، وحتى لو تمكن من تكبير الذرة ملايين المرات فهو لن يستطيع كشف كنهها، وكل ما وصل العلم إليه حالياً، إن هي إلا نظريات عن بعض المزايا القليلة في الذرة، ولا أكثر من ذلك.
لنتكلم عن ذاكرة الذرة، نحن نجد قطة تربت لفترة من حياتها في بيت ما، ثم عاشت باقي حياتها في الشارع، فاكتسبت الخوف من البشر والسيارات .. وهكذا، عندما تلد هذه القطة، نجد أولادها، حديثي الولادة، يخافون فوراً من الناس، ومن الشارع، وهم لا يزالون رضعاً، هكذا تنتقل ذاكرة الذرة.
تتميز الذرة، بأنها العنصر الموجود في كل الكون، وفي كل مكوناته، وبالطبع فالعقل المؤمن لن يستقيم، إلا عند قناعته أن هذه الذرة مفطورة على التسبيح، وهي تقع تحت الآية الكريمة ﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ 44 الاسراء ، لا شك في ذلك، ولنتذكر أيضاً بأن هذه الذرة هي العنصر الوحيد المتواجد في الإنسان والحيوان والنبات والجماد، والذرة إن لم تسبّح، لما استطاع الجزيء أن يسبح، ولما استطاعت الأعضاء أو الأشياء أن تسبح أبداً.
ربنا، جل وعلا، يريد أن يقول لبني آدم: يا بني آدم، انظر هذه الذرة الصغيرة جداً، التي لم ولن تستطيع رؤيتها، ولا كشف غوامضها أبداً، إنها هي أساس تكوين الكون كله.
وحتى نتخيل عدد الذرات حولنا، فلو أخذنا جرثومة بكتيرية مثل (E. coli)، (حجمها تقريبًا 1 ميكرومتر في الطول و 0.5 ميكرومتر في العرض)، فإن عدد ذراتها بالتقريب، للبكتيريا الواحدة يبلغ10,000,000,000,0 ذرة.
لذا، فعندما يقول ربنا جل وعلا، ﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ 44 الاسراء ، فذلك ينطبق على الكون كله، مخلوقاته وجماداته، كل سائل فيه وكل غاز أثيري، كل مجرة وكل شمس وكل كوكب وكل شهاب، وكل ثقب أسود وكل مادة معتمة، لا يخرج شيء عن طاعته جل وعلا، وطالما أن الإنسان موجود في الدنيا، فسيكتشف يوماً إثر يوم، معلومات جديدة وعجيبة عن هذه الذرة، ولكنه لن يتمكن أبداً أن يكشف أسرارها، أو أن يرى تفاصيل داخلها، مهما حاول ومهما تقدم في علومه واختراعاته يوماً بعد يوم.
لا نقول إلا، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو خالقنا، وهو رازقنا، توكلنا عليه، وعودتنا لا تكون إلا له جل وعلا، وصلى الله على نبينا وحبيبنا محمد، وعلى آله وصحبه وذريته، وسلم تسليماً كثيرا.
---------------------------------
تقبلوا مني صالح الدعاء بالخير ،،،