احصائيات

الردود
6

المشاهدات
976
 
عبد الكريم الزين
من آل منابر ثقافية

اوسمتي
الوسام الذهبي الألفية الرابعة الألفية الثالثة وسام الإبداع الألفية الثانية التواصل الحضور المميز الألفية الأولى 
مجموع الاوسمة: 8


عبد الكريم الزين is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
14,144

+التقييم
11.72

تاريخ التسجيل
Dec 2020

الاقامة
المغرب

رقم العضوية
16516
11-30-2021, 05:13 PM
المشاركة 1
11-30-2021, 05:13 PM
المشاركة 1
افتراضي الاختبار ق.ق
الاختبار


ثبت زياد ربطة العنق بإحكام، ثم عاد يتطلع مرة أخرى إلى حلته في المرآة. بدا راضيا عن بذلته الزرقاء السماوية فوق قميصه الأبيض الناصع، و عن حذائه البني الملمع حديثا. تناول ملفا ثم تفحص الأوراق التي بداخله ورتبها من جديد محدثا نفسه :" كلها موجودة : طلب العمل ، السيرة الذاتية ، الشواهد".
غادر مسكنه مسرعا وعيناه ما انفكتا تراقبان عقارب ساعته اليدوية. مازالت أمامه عشر دقائق قبل الوصول إلى محطة الحافلات، ثم نصف ساعة بالحافلة إلى مقر شركة الخير الدولية للخدمات. ابتعد عن عربة خضار احتلت أكثر من نصف زقاق ضيق. واقترب من المحطة المسقفة ببلاستيك شفاف في آخر الشارع المقفر.

أثار انتباهه كهل يتصبب عرقا، وهو يحاول دفع سيارته المعطلة. راقب بإشفاق تقطع أنفاسه والتصاقه ببابها المنفرج. تردد في التوقف لمساعدته، ثم نظرإلى ساعته. وتذكر مقولة أمه التي كانت تعيدها على مسامعه دوما " خير الناس أنفعهم للناس ". مازال لديه قليل من الوقت قبل قدوم الحافلة.
حياه مبتسما وقال : " أظن أنك تحتاج إلى مساعدة" ووضع يديه على مؤخرة السيارة المتوقفة.
أجاب الكهل : " أجل ، فرغت بطارية السيارة وليس لدي وقت لاستدعاء الميكانيكي، وعمل مهم لا أستطيع تأجيله ينتظرني اليوم "
ثم أضاف :" لا أريد أن أشق عليك، فالسيارة ثقيلة "
رد زياد بطريقة عفوية، متمعنا في وجه الرجل المتعرق، الشاحب الطويل، وفي نظاراته السوداء السميكة :" خير الناس أنفعهم للناس، اصعد إلى السيارة، سأدفعها بقوة من الخلف حتى يمكنك تشغيل المحرك ".
حاول الكهل الاعتراض والمساعدة على الأقل في دفع السيارة، لكنه ركبها بعد إصرار زياد .
تحركت العجلات العريضة وازدادت سرعتها، ثم شغل السائق المحرك فدوى صوته خارقا سكون الشارع، وثبت السيارة إلى الأمام بسرعة أفقدت زياد اللاهث خلفها توازنه فسقط في بقايا بركة ماء.
وقف ونظر منذهلا إلى بذلته المبللة وقميصه الملطخ ببقع الوحل. نزل الكهل من السيارة مسرعا نحوه قائلا: " هل أنت بخير؟"
-" الحمد لله. لم أصب. مجرد سقطة في بركة ماء "
-"أنا آسف لما حدث، هل أقلك لأي مكان ؟"
-" لا. شكرا " رد زياد متصنعا ابتسامة تلاشت بسرعة، وابتعد مفكرا في العودة إلى بيته .

اختفت السيارة وبقي متسمرا، تتنازعه رغبة العودة لتبديل ملابسه، والخشية من أن يفوت مرور الحافلة، التي ظهرت بعد مدة قصيرة متهادية من بعيد. قطعت سيل أفكاره، فلم يعد لديه وقت للعودة ولا خيار.
صعد إليها وجلس على مقعد خلفي، مدد بيده سترته لكنها ازدادت انكماشا، تركها وأخفض بصره إلى الأرض. لم يعرف إن كان بسبب تفحص حذائه الذي اختفى لمعانه وكسته بقع باهتة بيضاء أم بسبب الخجل من أعين الراكبين التي شعر أنها ستلاحقه حتما.
أما كان يجدر به أن يدع الكهل وسيارته، خصوصا في هذا اليوم بالذات. تنتظره مقابلة عمل لمنصب مسؤول مبيعات في شركة دولية كبيرة. سيكون هناك المئات من الشبان المتأنقين ذوي الشهادات العليا و الخبرات المتعددة. يعرف أن حظوظه قليلة إن لم تكن منعدمة أمامهم. الأمل هو ما يدفعه باستمرار إلى التشبت بمنافسة تضيق كلما تقدمت به سنوات العمر بدون عمل.

توقفت الحافلة فترجل منها وقصد مقر الشركة. دخل متمهلا إلى قاعة فسيحة غصت بشبان وشابات ينتظرون ببدلاتهم الأنيقة جلوسا على كراسي معدنية متلاصقة. تأبط بعضهم ملفات ومحافظ ثقيلة، ونظر آخرون إلى ملابسه بتعجب مشوب بالاستهزاء. سكرتيرة الشركة الصهباء تنادي بنبرة متصنعة على أسماء المتقدمين، وتدخل واحدا تلو الآخر لقاعة مجاورة.
شعر زياد أن لا فرصة لديه بشهادته المتواضعة ومنظره المتسخ البائس. الخارجون من المقابلة كانوا يتحدثون عن صرامة رئيس لجنة الاختبار وتدقيقه في شكلهم وملابسهم قبل فحص الشهادات. صديقه محمود أكد أيضا نفس الأمر.

فكر في العودة والانسحاب. لم يعرض نفسه للإحراج والسخرية بدون جدوى. خطا خطوتين نحو باب القاعة وسمع السكرتيرة تصيح باسمه. أحس به غريبا ينبعث من فمها. كما لو أنها كانت تنادي شخصا آخر غيره. تجاهلها مبتعدا. أسرع نحوه محمود وربت على ذراعه قائلا :" إنه دورك يا زياد" فتوجهت إليه أعين كل الحاضرين. تمنى أن ينشق بلاط القاعة الرخامي الصقيل ويبتلعه في أقل من رمشة عين. مشى نحو السكرتيرة بقدمين مثقلتين. رسمت هي، على وجهها نفس الابتسامة المشجعة التي ما فتئت توزعها على المتبارين منذ الصباح .

أدخلته مطرق الرأس إلى قاعة مفروشة بسجاد أخضر غامق. لم يحاول رفع بصره إلى الشخص الذي توسط مكتب خشب السنديان اللامع ولا إلى الشخصين الجالسين بجانبه. سمعهم يتهامسون بينهم، فتشاغل بالنظر إلى أسفل المكتب منتظرا سيلا من تعليقاتهم الساخرة من ملابسه المتسخة قبل أن يصرفوه سريعا، ولن يكلفوا أنفسهم حتى عناء الاطلاع على ملفه .

صوت الشخص الجالس في الوسط بدد سكون القاعة: " مبروك عليك . لقد اجتزت الاختبار وقبلت في الوظيفة . أليس خير أناس أنفعهم للناس "
رفع بصره غير مصدق إلى الشخص الذي يتحدث، فأبصر الوجه الشاحب الطويل والنظارات السوداء السميكة.


قديم 11-30-2021, 08:52 PM
المشاركة 2
ياسَمِين الْحُمود
(الواعية الصغيرة)
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي
الحضور المميز الألفية الثانية الإداري المميز الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى وسام الإدارة التكريم الكاتب المميز 
مجموع الاوسمة: 9

  • غير موجود
افتراضي رد: الاختبار ق.ق
"أما كان يجدر به أن يدع الكهل وسيارته، خصوصا في هذا اليوم بالذات. تنتظره مقابلة عمل لمنصب مسؤول مبيعات في شركة دولية كبيرة. "



عندما وصلت هنا بالتحديد توقفت ،
قلت لنفسي ربما يكون الكهل الذي قابله هو نفسه من سيقابله
وصدق حدسي ..

قصة رائعة ومميزة حبكتها وجميلة قفلتها
والأجمل نهايتها…
فعلا " خير الناس أنفعهم للناس""
تسرني متابعتك دومًانقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

قديم 12-02-2021, 03:24 AM
المشاركة 3
محمد أبو الفضل سحبان
من آل منابر ثقافية

اوسمتي
الوسام الذهبي الألفية الثالثة الألفية الثانية وسام الإبداع الألفية الأولى المشرف المميز الكاتب المميز 
مجموع الاوسمة: 7

  • غير موجود
افتراضي رد: الاختبار ق.ق
نفس سردي لا يدع لك فرصة للتنفس حتى تكمل الجملة الأخيرة ... قصة هادفة ومشوقة تمضي بنا في سلاسة لأخذ العبرة وتعلم الدروس ... نعم الخير لا يضيع ... بل هو معك تجده في لحظات العسر والشدة ..دام ابداعك أخي الأستاذ القاص المبدع ..
تقديري

قديم 12-02-2021, 11:36 PM
المشاركة 4
عبد الكريم الزين
من آل منابر ثقافية

اوسمتي
الوسام الذهبي الألفية الرابعة الألفية الثالثة وسام الإبداع الألفية الثانية التواصل الحضور المميز الألفية الأولى 
مجموع الاوسمة: 8

  • غير موجود
افتراضي رد: الاختبار ق.ق
"أما كان يجدر به أن يدع الكهل وسيارته، خصوصا في هذا اليوم بالذات. تنتظره مقابلة عمل لمنصب مسؤول مبيعات في شركة دولية كبيرة. "



عندما وصلت هنا بالتحديد توقفت ،
قلت لنفسي ربما يكون الكهل الذي قابله هو نفسه من سيقابله
وصدق حدسي ..

قصة رائعة ومميزة حبكتها وجميلة قفلتها
والأجمل نهايتها…
فعلا " خير الناس أنفعهم للناس""
تسرني متابعتك دومًانقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
أعتز دائما بقراءتك أستاذتنا العزيزة ياسمين
كل التقدير والودنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

قديم 12-03-2021, 07:34 PM
المشاركة 5
حمزه حسين
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: الاختبار ق.ق
نص محلق بلغته وسبكه
ومحتواه الانساني

وكما عوَّدتنا

أحسنت أستاذ عبد الكريم

تحياتي الكثيرة

قديم 12-04-2021, 02:35 PM
المشاركة 6
عبد الكريم الزين
من آل منابر ثقافية

اوسمتي
الوسام الذهبي الألفية الرابعة الألفية الثالثة وسام الإبداع الألفية الثانية التواصل الحضور المميز الألفية الأولى 
مجموع الاوسمة: 8

  • غير موجود
افتراضي رد: الاختبار ق.ق
نفس سردي لا يدع لك فرصة للتنفس حتى تكمل الجملة الأخيرة ... قصة هادفة ومشوقة تمضي بنا في سلاسة لأخذ العبرة وتعلم الدروس ... نعم الخير لا يضيع ... بل هو معك تجده في لحظات العسر والشدة ..دام ابداعك أخي الأستاذ القاص المبدع ..
تقديري
أخي الأديب المبدع محمد يسرني حضورك ورأيك السديد
تحياتي وتقديري

قديم 02-19-2022, 03:48 PM
المشاركة 7
منى الحريزي
القادم أجمل بإذن الله

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: الاختبار ق.ق
مايقوم به المرء من خير يعود إليه
تلك دائرة قديمة قدم البشرية على هذه الأرض
ماتقدمه بيد سيعود لك بيد أخرى .

قصة تبث في الاجواء الأمل ...
بورك قلمك أخي الأستاذ عبد الكريم الزين

دعاء سيد الاستغفار
قال رسول الله ﷺ: ( اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت،
أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت
)
من قالها حين يمسي فمات من ليلته دخل الجنة، ومن قالها حين يصبح فمات من يومه دخل الجنة

مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:37 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.