احصائيات

الردود
2

المشاهدات
745
 
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


ياسر علي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,595

+التقييم
0.38

تاريخ التسجيل
Dec 2012

الاقامة

رقم العضوية
11770
02-15-2021, 02:25 PM
المشاركة 1
02-15-2021, 02:25 PM
المشاركة 1
افتراضي معزوفة
معزوفة


أستاذها ألحت عليه أن يحضر الأمسية التي ستقيمها على شرف ضيوفها، منذ فترة ليست بالقصيرة تفكر في تنظيمها، لكن حبيبها لا يحب الأضواء كثيرا، راودته شيئا فشيئا حتى أفرح قلبها بالقبول. هي مضيافة وتحس نشوة في استقبال معارفها وتزدهي فخرا كلما شرفوا بيتها بقدومهم وأكلوا من زادها وشاركوها الاستمتاع بمعزوفات قريبة من قلبها تتفنن في نقرها على العود، تقاسيم تتموج على إيقاعات نفسها صعودا وهبوطا، تتسارع مع نبضات فؤادها المندفعة لقطف نشوة تغمرها كلما احتدمت زفرات الأوتار فتتوهج عيناها بريقا، ترخي قبضتها لتستعيد النفوس هدوءها فتتلاقى أهداب جفنيها، تومئ إيماءة خفيفة برأسها، ويقف الحاضرون إكبارا لتلك التقاطيع الآسرة التي طافت بأرواحهم جنان النغم.

أستاذها الذي علمها العزف تصيب ذاكرته نوبات نسيان تفقده رتق الماضي بحاضره، *لكنها تريده أن يكون هنا ولماذا لا يلقي قصيدة من قصائده التي ما استطاع النسيان حجبها عن عينيه اللتين ما صدع العمر براءتهما، وما استسلمتا للتيه الذي يتفنن في قصم ظهره. الكل جاهز اللحظة للسماع، شادية تشكر حبيبها الذي قدم لها الآلة الوترية بعد أن استوت على كرسيها، كادت تعلن في الملأ أن هذا الرجل اختاره قلبها ليكون رفيق حياتها، لكنها أجلت المفاجأة إلى حين، بدأت جولتها عبر المقامات تهيئ القوم لوجبة منعشة للروح تعيد لها رشاقة عطلتها وجبة العشاء الدسمة. نظر الأستاذ نحو ذلك الشاب ببعض فضول، أعاد بصره كرتين فانقلب خائبا، لكن صورة ابنته أشرقت أمام عينيه، كانت ضاحكة تحمل حقيبتها، تقبل جبينه، تعانقه، حرك رأسه، رمش بعينيه، لكن الصورة تعود من جديد معاتبة: سئمت مني يا أبي، لا أصدقك، أم أخذت العازفة مكاني. ثم ضحكت مقهقهة وارتد الصدى مزلزلا القاعة بينما الأوتار ترتج وصيحاتها تتناطح في ذهنه فتعود ابنته تجر حبلا يلف رقبتها المكسورة، تنهدت رافعة رأسها بيدها: لا تخف يا حبيبي فالموت لا ينسينا الأحبة. كاد ينهرها أو يلعنها لولا أن تداركه وقوف المدعوين تقديرا لهذه السيدة النبيلة التي أطربت النفوس التواقة لاقتناص فرص تلفظ فيها ما خبأته من آلام وجراح. عادت العازفة من جديد تقتفي أثر النغمات الهاربة فوقعت على معروفتها الجديدة، والأستاذ يتفرس ملامح الشاب، فجأة التقت عيناهما، أبرق اللهب فكاد يحرق مقلتيه، تراءى له وحش فتاك فتح فمه المكتظ بالأنياب، ابنته تجري من هناك: انظر إلي أبي، لا تنظر نحوه أبدا، إنه الشيطان. وضعت يدها على عينه تغلقهما، تعانقه باكية: ليتني سمعتك أبي، ليتني ما ذهبت إليه، إنه غدار يا أبي، إنه لا يشبع، أخذ مني كل شيء، أخذت منك كل شيء، تركتك عاريا وتركني بائسة، ألم تقرأ رسالتي، لم أغنم منه إلا معزوفة، عزفتها لك، ألم تسمعها، أنصت أبي، شادية ترقصها، هل علمتها معزوفتي؟ أحبك أبي.

حرك رأسه، وقف مع الواقفين يصفق وشادية تحييهم بحرارة. تتقدم خطواته يصل إليها، يهمس في أذنها، من أين جئت بهذا اللحن. قالت: آه أستاذي هذه المعروفة قصتها جميلة، أرأيت ذلك الشاب؟ عذرا، ربما خرج، إنه يتجنب الأضواء. رد عليها الأستاذ: أعرف يا بنيتي، منذ التقينا وأنت تلحين علي أن تعرفي قصة هجرتي اليوم سأحكيها لك، وسألقي الآن باكورة قصائدي.


قديم 02-15-2021, 08:03 PM
المشاركة 2
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: معزوفة
قصصك دوماً تأخذ القارئ للبعيد بأفكارها غير المسبوقة
بسيطة المعاني وجميلة السرد وصورها محكمة

ذكرتني بشي كنت أقرؤه عن زرياب قبل أيام
الذي كان يطرب الأسماع حد الهوس
بورك قلمك أخي ياسر
كنت هنا مع وافر الاحترام

قديم 02-20-2021, 09:21 PM
المشاركة 3
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: معزوفة
نعم أستاذة ناريمان الشريف زرياب وقدومه إلى الأندلس وقصة إضافة وتر للعود من بين النصوص المدرسية العالقة بالذاكرة
دون نسيان الموصلي رموز لزمن كان الإبداع فيه يقتحم كل المجالات والأمصار.

تحية لحضورك الكريم


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: معزوفة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
معزوفة قديمة مسعدة مسفر منبر القصص والروايات والمسرح . 4 03-06-2021 09:51 PM
معزوفة الجماجم مشعل بن عبدالله منبر البوح الهادئ 4 02-08-2013 10:04 AM

الساعة الآن 03:13 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.