احصائيات

الردود
2

المشاهدات
1698
 
ماجد جابر
مشرف منابر علوم اللغة العربية

اوسمتي


ماجد جابر is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
3,699

+التقييم
0.77

تاريخ التسجيل
Feb 2011

الاقامة

رقم العضوية
9742
01-31-2021, 09:40 PM
المشاركة 1
01-31-2021, 09:40 PM
المشاركة 1
افتراضي التحليل الأدبي لقصيدة الشاعرة فتحيه عصفور ترثي فيها معلمة قتلها جنون ولدها، بقلم د. ع

التحليل الأدبي لقصيدة الشاعرة فتحيه عصفور ترثي فيها معلمة قتلها جنون ولدها، بقلم د. عبد المجيد جابر.

القصيدة
"وا أسفاه أنجبت قاتلي"
بُنيَّ تَرَيّثْ تَفَكّرْ تَذّكَرْ...أنا الأمُّ التي أرْضَعَتْكَ
تَمدُّ مِداكَ بِوجهي وتمضي...وعَيْني أمدُّ إلى ناظِرَيْكَ
فهلْ ضَنَّ حُضني عليكَ بِدِفءٍ!؟....وهلْ ذا جزاءُ الّتي أنْجَبَتْكَ!؟
أأنتَ الّذي كنتُ يوماً هواهُ!....وكنتَ الملاكَ لِمنْ مَلَّكَتْكَ
رَياشاً وروحاً وقلباً رَؤوماً....وَكَفَّ العطاءِ السّخي أجْزَلَتْكَ!؟
فَيا أسَفي كيفَ بَدّدْتَ حُلمي...وكنتَ رجاءَ التي احتضَنَتْكَ
وَياما غفوْتَ بِحضني ولمّا....كبرتَ خذَلْتَ التي أكرَمَتْكَ
وَفي وحدتي كنتَ أنتَ الخَليلُ...لِأمٍّ بِطَوْعِكَ قد فارَقَتْكَ
بِطَعناتِ جَحْدِكَ ودّعْتَها ...وشَهْقَةِ موتٍ بها ودّعَتْكَ
وهَبتُكَ روحي وَجودَ يدَيَّ....فأرْدَيْتَ روحي بِكَفِّ يديْكَ
فأينَ الحُنُوُّ خَبا واضْمَحَلَّ... وكيفَ حَنايا الحَشا ما ثَنَتْكَ!؟
إذا السّمعُ فيكَ نأى حينَ أنّي....فَصَرخاتُ عَيني أما أيْقَظَتْكَ!؟
لَكمْ فَتَكَتْ بي نِصالُ الليالي....وكانت نِصالُكَ أكثرَ فتْكا
وما كنتُ أدري أحُلمٌ أراهُ... أمِ الكونُ مِن فزَعي دُكَّ دَكّا
.................................................. .....
وَها قد رحلتُ ولكنْ أنيني...ضَجيجاً سيبقى في مَسمَعيْكَ
سيبقى عذابُ المَلامِ ودوْماً...يَقُضُّ منامَ كِلا جانِبيْكَ
فويْلٌ لِحالِكَ بعدي وآهٍ...إذا ما طُيوفي غداً راوَدَتْكَ
ستبكي وتبكي وتبكي التعاجاً...فواحسرتاهُ نَأتْ مَن رَعَتْكَ
لِفقدي القلوبُ رَثَتْني ولكنْ...لِفَقْدِكَ حضني الشّغافُ رَثَتْكَ
عيونُ الوَرى قد بكتْني ولكنْ...لِما بِكَ حَلَّ السّماءُ بَكتْكَ
لَكَ الوَعيُ إن عادَ يا ويْحَ قلبي...ستلقى العيونَ بِجاني دَعَتْكَ
وَيا وَجَعي في ثَرايَ ستلقى...بَنانَ الأنامِ تُشيرُ إليكَ
بَغَتْ بي السّنونُ ودون انكِفاءٍ...فلا أنْصَفَتني ولا أنْصَفَتْكَ
وِداعاً وِداعاً بُنيَّ افتَرَقْنا ... وَقلبي مُدَمّى الجُروحِ عليْكَ
أيا روحُ روحي إليهِ وَنوحي...وَرُشّي حَواليْهِ عطراً وَمِسْكا
فَويلٌ لِوُغْدٍ دمُ الغدرِ فيهم...وأيدٍ بِكأسِ الشّقا أثْمَلَتْكَ
التحليل الأدبي
جو النص:
ترثي الشاعرة معلمة مغدورة قتلها جنون ولدها، والرثاء من أهم الأغراض الشعرية وأكثرها صلة بالنفس البشرية والتصاقاً بالوجدان الإنساني، وهذه القصيدة العمودية تتسم بالتعبير الصادق عن الخوالج النفسية والنوازع الذاتية التي تمثل واقع دنيانا وما يحيطها من أكدار وما يكتنفها من مصائب ومنغصات، وإنها إذا حملت المسرات حيناً أعقبتها حسرات في أكثر الأحيان، فالشاعرة فتحيه عصفور تتحلى في هذه القصيدة بأروع المشاعر، فتعبّر عن مهجة محترقة وحزن عميق وحنين لا ينفد رصيده، في رثاء أم فجعها فلذة كبدها، واستهلتها بقولها:
العنوان
"وا أسفاه أنجبت قاتلي"
والشاعرة بعد أن غدر من أنجبت، والتي بذلت كل جهد ومعاناة ولادة وتربية طفلا ويافعا وطالبا حتى نال علي يديها ومن عرق جبينها شهادة العلم الجامعية، وقد نجحت الشاعرة في اختيارها لعنوانها هذا، فهو يمثل محورية النص وعتبة من عتباته.
و"يمثل العنوان العبارة المفتاحية للنص، مهما كان النوع الأدبي، سواء كان قصة أو شعراً أو رواية أو مقالة، فالعنوان هو أول ما يفاجئ القارئ، وعليه فإما أن يجذب القارئ أو يبعده، أو يبقيه على الحياد مع نص قد يكون غنياً أو عادياً، إضافة لما في العنوان من دلالات معرفية ذات أبعاد مختلفة الأطياف، تكشف عن ثقافة صاحب النص، وغوصه في المكنون الفكري الذي يستلهمه أو يعيشه أو ينتظره، من الماضي والمعاش إلى الحالة المستقبلية، لذا أولى النقاد مسألة العنوان أهمية كبرى، وكانت له مكانته في الدراسات النقدية النصية.(1)
وقد اعتنى علماء السيمياء عناية خاصة بالعنوان، كما اهتمت به شاعرتنا هنا، فيعتبر ذا أبعاد دلالية وأخرى رمزية تغري الباحث بتتبع دلالاته ومحاولة فك شفرته الرامزة، وهو العلامة التي تطبع معنى النص وتبيان سمته وتميزه عن غيره، وهو كذلك من العناصر المجاورة والمحيطة بالنص الرئيس . :
الأفكار الرئيسة :
1.تعدد الشاعرة معاناة الأم في تربية ولدها الغادر، وتوفيرها له كل سبل التربية السليمة والحميمة في مختلف مراحل حياته.
2. تبيان المفارقة بين ما قدّمته الأم للغادر طيلة حياته من تربية وتعليم وما كان من فعله الذميم في قتل والدته.
3. تصور الشاعرة حالة الابن النفسية السيئة التي ستخيم على قلبه وحاله ووجدانه حالما يعود لرشده ولعقله.
4. تبين الشاعرة حالة الضياع النفسي للغادر عندما أقدم على شنيع فعلته.
العاطفة :
1.عاطفة الألم والتحسر والتفجع لمقتل أم بريئة على يد ولدها فاقد الحس والعقل والاحساس.
2.عاطفة الكره للغدر وللعمل الشنيع.
3.عاطفة ألم الغادر وتحسّره عندما يعود لرشده.
ومساحة الحزن حين تبسط ظلالها الكثيفة على روح الشاعرة فإنها تنسج من هذه الكثافة المعتمة صورة حزينة لقلب جريح بفقد عزيز عليها، فهي عاطفة في ظاهرها فردية لكنها في عمقها إنسانية، فكيف إذا كانت هذه العزيزة قد لقيت مصرعها على يد غادر وهو الابن، وتزداد الفجوة اتساعاً برحيل الفقيدة وعدم ملئها لقلبها المحزون بما يخفف لواعج الحزن ويأسو جراح الألم، فإذا كانت الشاعر شديدة الحساسية متوتّرة الأعصاب فان تجسيد المصيبة يكون أبلغ وأعمق، فهذه الشاعرة الموهوبة تصوّر بالكلمة ما لا تستطيع تصويره الآلة المصوّرة، وتجسد الواقعة بكل أبعادها الحسية والمعنوية ومن جميع جنباتها في أبيات ملتاعة، ولذلك نجد العاطفة عند الشاعرة قد جاشت أحاسيسها بالأحزان؛ فاستنفرت شاعريتها الخصبة؛ فكان أن ترجمت مشاعرها في قصيدة تنزف أبياتها بالدمع كما كان الدم ينساب من المغدورة.
ويمكن تقسيم القصيدة إلى محورين:
1. المحور الأول: تتعجب المغدورة من صنيع ابنها الغادر، وتعدد ما بعض ما قدمته له من رعاية وحنان في مراحل حياته.
2. المحور الثاني: تذْكر الأم معاناة ابنها وما سيلاقيه عندما يفيق ويعود لرشده .
المحور الأول:
بُنيَّ تَرَيّثْ تَفَكّرْ تَذّكَرْ...أنا الأمُّ التي أرْضَعَتْكَ
تَمدُّ مِداكَ بِوجهي وتمضي...وعَيْني أمدُّ إلى ناظِرَيْكَ
وهنا تخاطب المغدورة ابنها وتطلب منه التريث والتفكير وان يتذكر فضائلها عليه، وتعاتبه بمده الحراب في وجهها، وهي التي كان دوما هدفها في الحياة تربيته، وقد وظّفت الشاعرة أفعال المضارعة:
تَرَيّثْ، تَفَكّرْ، تَذّكَرْ، تَمدُّ، تمضي: وأفعال المضارعة تفيد الاستمرارية وبث الحيوية في تصوير المشهد المؤلم، كما كررت صوت التاء الصامت أربعة مرات أيضا، والتكرار يخلق إيقاعا داخليا حزينا في جسد النص. ولعل تكرار حرف التاء قد أضفى على الروي جرسا موسيقيا وحقق إيقاعا وتلوينا صوتيا خاصا .وليس هذا وحسب, بل إن التاء الانفجارية الشديدة تلائم بصوتها وتكرارها الهادر ما يعتور النفس من معاني الغضب والشدة, وتضفي جوّا من الإيقاعات الصوتية الملائمة للنفس البشرية الهائجة . "2"
كما وظفت الشاعرة الانزياح بالحذف في بداية القصيدة، حيث قالت: بني والتقدير: يا بني.
وتستمر الشاعرة في النص وتروي على لسان الأم المغدورة عتابها لولدها الغادر وتُذكِّره بما قدمت له بعضا من خدمات:
فهلْ ضَنَّ حُضني عليكَ بِدِفءٍ!؟....وهلْ ذا جزاءُ الّتي أنْجَبَتْكَ!؟
أأنتَ الّذي كنتُ يوماً هواهُ!....وكنتَ الملاكَ لِمنْ مَلَّكَتْكَ
رَياشاً وروحاً وقلباً رَؤوماً....وَكَفَّ العطاءِ السّخي أجْزَلَتْكَ!؟
وهنا تنتقل الشاعرة لأسلوب الإنشاء، والاستفهام هنا يفيد التعجب والاستنكار، فتتعجب الأم من فعلة ولدها الغادر وتستنكره، فهي لم تبخل على ولدها بدفء العواطف وما كانت تقدمه له من كل أنواع الرعاية النفسية والمادية، والاستفهام أيضا يفيد التعجب والاستنكار أيضاً في البيت الثاني...وتهتم الشاعرة بالصور الفنية، فللعطاء كف سخي، والحضن لا يضن ولا يبخل، والحب هوى وعشق وهواء، والابن كان ملاكها...
فَيا أسَفي كيفَ بَدّدْتَ حُلمي...وكنتَ رجاءَ التي احتضَنَتْكَ
وَياما غفوْتَ بِحضني ولمّا....كبرتَ خذَلْتَ التي أكرَمَتْكَ
وَفي وحدتي كنتَ أنتَ الخَليلُ...لِأمٍّ بِطَوْعِكَ قد فارَقَتْكَ
وتأسف الشاعرة، من سوء تصرف ولدها، حيث بدد أحلامها وآمالها ورجاها، ونلحظ في القصيدة العاطفة الصارخة المشبوبة، والخيال المحلِّق في فضاء عريض، والوجدان النابض بكل ما يمثله الشعور والفكر معًا، في نسيج شعري مرهف، ولغة طيِّعة محكمة، وتعبير عن الذات المتحكمة في الموقف الشعري رؤية ومعايشةً وتأملاً ورهافة. وتستخدم الشاعرة الانزياحات وتهتم بالصور الشعرية: فالأحلام تتبدد، والرجاء يُتضن، والابن خليل...
وصنع جميل المغدورة وما تقدمه للغادر يقابل بالنكران والخسة:
بِطَعناتِ جَحْدِكَ ودّعْتَها ...وشَهْقَةِ موتٍ بها ودّعَتْكَ
وهَبتُكَ روحي وَجودَ يدَيَّ....فأرْدَيْتَ روحي بِكَفِّ يديْكَ
فأينَ الحُنُوُّ خَبا واضْمَحَلَّ... وكيفَ حَنايا الحَشا ما ثَنَتْكَ!؟
إذا السّمعُ فيكَ نأى حينَ أنّي....فَصَرخاتُ عَيني أما أيْقَظَتْكَ!؟
لَكمْ فَتَكَتْ بي نِصالُ الليالي....وكانت نِصالُكَ أكثرَ فتْكا
وما كنتُ أدري أحُلمٌ أراهُ... أمِ الكونُ مِن فزَعي دُكَّ دَكّا
ففي البت الأول في هذه المجموعة تقابل الشاعرة بين توديع العاق لطعناته لأمه وبين توديع الأم صاحبة الفضل عليه للحياة، وفي البيت الثاني مفارقة أيضا بين جود الأم المغدورة ونكران جميل الغادر، وبين الأم التي وهبت الروح لولدها وبين من قتل روح أمه، وفي البيت الثالث تنتقل الشاعرة للأسلوب الإنشائي، والاستفهامان في البيت يفيدان التعجب، التعجب والاستنكار من فعلة الغادر الذي نسي حنان الأم في طفولته وشبابه وحمْلها له في بطنها، وتقابل الشاعرة بين عدم سمع الغادر وأمه تئنُّ من نصاله، وعدم سماعه لصرخات عينيها وهو يفعل فعلته، وفي البيت الأخير تقابل الشاعرة بين ما عانته في حياتها وهي تربي الغادر وبين نصال طعنات الغادر التي هي أشد فتكا...وهنا تتوالى الصور الشعرية والانزياحات التي تثير روع المتلقي: فالحنان يخبو ويضمحل، وحنايا الحشا تمنع وتثني، والسمع يبعد وينأى، وللعينين صرخات توقظ، ولليالي نصال وسيوف..
وعلى هذا المنوال تتوالى أبيات القصيدة التي تفيض بلوعة الحزن الملتهب وتدل على أنها صادرة عن شاعرية قادرة على تصوير الأحزان وتجسيد المآسي، إلى جانب رسم المشاهد وفق نمط يجعلها ناطقة بالحدث مستوفية لمعالم الصورة، ففتحية عصفور الشاعرة مصورة بارعة في تصوير فكر المغدورة وما سيعانيه الابن بعد إفاقته في رسم الوقائع وتلوين الأحداث وتجسيم المعاني وتجسيدها بخيالها الخصب، بحيث تبدو كما لو كانت مرسومة بريشة رسام لا بقلم شاعرة، فهو تفيض على الألفاظ من حسها ومهارتها وإبداعها ما يجعلها شاخصة كما لو كانت قد رُسمت بالفرشاة أو نُحتت بالأزميل.
1. المحور الثاني تذكِّر الأم معاناة ابنها وما سيلاقيه عندما يفيق ويعود لرشده ، فتقول:
وَها قد رحلتُ ولكنْ أنيني...ضَجيجاً سيبقى في مَسمَعيْكَ
سيبقى عذابُ المَلامِ ودوْماً...يَقُضُّ منامَ كِلا جانِبيْكَ
فويْلٌ لِحالِكَ بعدي وآهٍ...إذا ما طُيوفي غداً راوَدَتْكَ
ستبكي وتبكي وتبكي التعاجاً...فواحسرتاهُ نَأتْ مَن رَعَتْكَ
لِفقدي القلوبُ رَثَتْني ولكنْ...لِفَقْدِكَ حضني الشّغافُ رَثَتْكَ
عيونُ الوَرى قد بكتْني ولكنْ...لِما بِكَ حَلَّ السّماءُ بَكتْكَ
لَكَ الوَعيُ إن عادَ يا ويْحَ قلبي...ستلقى العيونَ بِجاني دَعَتْكَ
وَيا وَجَعي في ثَرايَ ستلقى...بَنانَ الأنامِ تُشيرُ إليكَ
بَغَتْ بي السّنونُ ودون انكِفاءٍ...فلا أنْصَفَتني ولا أنْصَفَتْكَ
وِداعاً وِداعاً بُنيَّ افتَرَقْنا ... وَقلبي مُدَمّى الجُروحِ عليْكَ
أيا روحُ روحي إليهِ وَنوحي...وَرُشّي حَواليْهِ عطراً وَمِسْكا
فَويلٌ لِوُغْدٍ دمُ الغدرِ فيهم...وأيدٍ بِكأسِ الشّقا أثْمَلَتْكَ
ففي الأبيات السابقة ترحل الشاعرة عن الدنيا، ولكن تأنيب الضمير كما تراه المغدورة الأم سيلاحق الغادر أينما حلَّ ورحل، وسيبكي طيلة حياته جراء فعلته الشنيعة، وتكِّر الشاعرة بأن الويلات ستلاحقه بفقده لها، وأن الناس لن يرحموه، والحياة لم تنصف الأم بسبب جحود ابنها لها، ولم تنصف الابن بسبب فعلته وضياع بوصلته وشقوته، وتتوالى الصور الشعرية والانزياحات المثيرة بمختلف أصنافها: فالطيف يراود، وللحال ويل، والموت ينآى.
الانزياح وأنواعه في القسم الثاني:
الانزياح الدلالي
ومن الانزياح الدلالي:
ا. الكناية والمجاز المرسل:
وتذكر الشاعرة "القلوب" كناية عن الرحمة، و"عيون الورى" كناية عن الناس وأحاديثهم، و"العيون" مجاز مرسل علاقته الجزئية، و"ثراي" كناية عن القبر، و"بنان الأنام" كناية عن حديث الناس عن فعلته الحمقاء، و"روح روحي" كناية عن حب الأم وتعلقها به، و"وأيد بكأس الشقاء قد أثملتك": كناية عن ضياع عقل الابن وهو يقوم بجريمته.
ب. الاستعارة
ومن الاستعارات: "بعت بي السنون": شبهت الشاعرة السنون بسلعة تُباع وتشترى... استعارة مكنية، حذفت المشبه به وهي السلعة وأبقىت على شيء من صفاته وهو البيع. ..ما سبق يندرج تحت الانزياح الدلالي.
ويعد الانزياح ظاهرة أسلوبية ترتبط بخصائص اللغة الشعرية المتميزة بطبيعتها عن لغة النثر، وهو في أبسط تعاريفه خروج عن المألوف أو النمط اللغوي لغاية فنية (3). وقد نجحت الشاعرة في توظيفه.
وثمة معيار يحدده الاستعمال الفعلي للغة. ذلك لأن اللغة نظام، وإن تقيد الأداء بهذا النظام هو الذي يجعل النظام معيارا ويعطيه مصداقية الحكم على صحة الإنتاج اللغوي وقبوله. وأما الانزياح "فيظهر إزاء هذا على نوعين: إنه إما خروج على الاستعمال المألوف للغة، وإما خروج على النظام اللغوي نفسه، أي خروج على جملة القواعد التي يصير بها الأداء إلى وجوده، وهو يبدو في كلا الحالين، كما يمكن أن نلاحظ، وكأنه كسر للمعيار. غير أنه لا يتم إلا بقصد من الكاتب أو المتكلم. و هذا ما يعطي لوقوعه قيمة لغوية وجمالية ترقى به إلى رتبة الحدث الأسلوبي. (4)

الانزياح التركيبي
ومنه الانزياحات الإضافية:
"عذاب الملام":
ففي هذه العبارة انزياح إضافي، فالمتلقي عندما يسمع كلمة "عذاب" يتوقع أن يليها مضافاً إليه مناسباً ككلمة "القبر" مثلاً، لكنه يتفاجأ بمضاف إليه "الملام" .
دمُ الغدرِ
ففي هذه العبارة انزياح إضافي، فالمتلقي عندما يسمع كلمة "دم" يتوقع أن يليها مضافاً إليه مناسباً ككلمة "المجروح" مثلاً، لكنه يتفاجأ بمضاف إليه "الملام" .
بِكأسِ الشّقا
ففي هذه العبارة أيضاً انزياح إضافي، فالمتلقي عندما يسمع كلمة "بكأس" يتوقع أن يليها مضافاً إليه مناسباً ككلمة "الماء" مثلاً، لكنه يتفاجأ بمضاف إليه "الشقا" .

الانزياح التركيبي
ا.التكرار
ومن التكرار: وداعا وداعا
وتركيب العبارة الأدبية عامة والشعرية منها خاصة يختلف عن تركيبها في الكلام العادي أو في النثر العلمي، وعلى هذا تكاد تخلو كلمات الكلام العادي والنثر العلمي إفراداً وتركيباً من كل ميزة أو قيمة جمالية، فالمبدع هو من يمتلك القدرة على تشكيل اللغة جمالياً. "5"
ويعد التكرار واحدا من أهم بواعث الموسيقى الداخلي في الشعر، ومن ابرز الفنون البديعية التي يلجأ إليه الشعراء، وقد وفقت الشاعرة في توظيفه ، ويعني "تناوب الألفاظ وإعادتها في سياق التعبير بحيـث تـشكل نغمـا موسـيقيا يقـصده الناظم، وهو "الإتيان بعناصر مماثلة في العمل الأدبي " وهو يعد عنصرا من العناصر التي تتـألف منهـا موسيقى القصيدة لدى الشاعر، والتكرار مهما يكن نوعه يستفيد منه في زيادة النغم وتقوية الجـرس، تـضاف آلية" الدلالة المعنوية، فاللفظة المكررة تحمل معنى، والتكرار يؤثر في هذا المعنى في زيادة إفادته ."6"
ويلعب التكرار دورا مهما في بعث الموسيقى الداخلية، وهو موائم للفطرة، كما أن له وظيفة مزدوجة الأداء "تحمـ ل مع التوثيق للمعنى، ودفع المساهلة في القصد إليه قيمة صوتية وفنية تزيد قبولا، والوجدان به تعلقا، ويلعب التكرار في توليد والموسيقى الداخلية وهو أقوى وسائل الايحـاء."7"
التقديم والتأخير:
ومثاله في النص:
ولكنْ أنيني...ضَجيجاً سيبقى في مَسمَعيْكَ.
انزياح تركيبي يتمثل في التقديم والتأخير، فقد قدّمت الشاعرة ما حقّه التأخير الحال "ضجيجاً" " على ما حقه التقديم، وهو الفعل والفاعل وهو خبر لكن"سيبقى" .
وكذلك الحال في قول الشاعرة: "بَغَتْ بي السّنونُ ودون انكِفاءٍ"
، فقد قدّمت الشاعرة ما حقّه التأخير شبه الجملة "بي" على ما حقه التقديم، وهو الفاعل "السنون" . وهناك أمثلة كثيرة في النص.
.. و"يمثل عنصر التقديم والتأخير عاملاً مهماً في إثراء اللغة الشعرية وإغناء التحولات الإسنادية التركيبية في النص الشعري، مما يجعله أكثر حيوية، ويبعث في نفس القارئ الحرص على مداومة النظر في التركيب؛ بغية الوصول إلى الدلالة بل الدلالات. خاصة، إذا علمنا أن الكامنة وراء هذا الاختلاف أو الانتهاك والشذوذ الشعر المعاصر. (9)
والانحراف أو الانزياح تكمن قيمته في الألفاظ والتعابير التي تصور حركات النفس الباطنة ومشاعرها وظلالها، وانطلاقاً من ذلك أصبح من الممكن بناء نظريّة نموذج منطقي لأشكال اللغة الشعريّة.‏
والشِّعر الحقيقي ما كان نتيجة لِتَجربة شعوريَّة صادِقة، يحركها تَوَتُّر نفسي مُتَأجج وخلجات نفس متوهجة، وانفعالها ينهض بِمَشهد معين، ولَعَلَّ هذا التَّوَتُّر النفسي أضحى في زماننا أكثر وهجًا، فالشاعرة يؤلِمها ما تراه غياب المحبوب وتغيّبه ومن سُلُوكه أخيرا وهذا يتنافى مع شريعة المتحابين ومبادئهم، فتراها غير راضية ورافضة لهذا الواقع المُؤْلِم والتغيّر الحاصل، من هنا لجأت إلى لغة الانزياح والخرق.
و"إن حداثة النص تتطلب حداثة في التلقي، تماماً مثلما أن حداثة الوعي تتطلب حداثة النص. ."(10)
والخلاصة فإننا نرى أن الشاعرة نجحت في توليد العاطفة وتبيان الفكرة، وتوظيف الأساليب الفنية من انزياخات متنوعة تثير روعة المتلقي وفي بث الموسيقى الداخلية إلى جانب موسيقى البحر تحر المتقارب في القصيدة العمودية التي لا يتقن نسجها إلا من ملك موهبة عالية وثقافة واسعة كشاعرتنا، و في توظيف لغة سهلة موحية تخاطب عقول الناس، وقد جاءت ألفاظ معجمها الشعري مناسبة ومعانيها مطابقة للأفكار، فاختارت كلماتها من معجم يوحي بالألم والحزن والفجيعة والحكمة.
.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
























قديم 02-01-2021, 12:03 PM
المشاركة 2
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: التحليل الأدبي لقصيدة الشاعرة فتحيه عصفور ترثي فيها معلمة قتلها جنون ولدها، بقلم
وَها قد رحلتُ ولكنْ أنيني...ضَجيجاً سيبقى في مَسمَعيْكَ
سيبقى عذابُ المَلامِ ودوْماً...يَقُضُّ منامَ كِلا جانِبيْكَ
فويْلٌ لِحالِكَ بعدي وآهٍ...إذا ما طُيوفي غداً راوَدَتْكَ
ستبكي وتبكي وتبكي التعاجاً...فواحسرتاهُ نَأتْ مَن رَعَتْكَ
لِفقدي القلوبُ رَثَتْني ولكنْ...لِفَقْدِكَ حضني الشّغافُ رَثَتْكَ

أستاذ ماجد
سلام عليك
شدتني القصيدة إليها ، ولفتت نظري عاطفتها الصادقة المتألمة والمتحسرة
وهذه الأبيات التي انتقيتها رأيتها الأجمل
ف تحية للشاعرة / فتحية عصفور

أشكرك جزيلاً على نقله لنا
وطابت أوقاتك أستاذي
وتحية كبيرة للدكتور عبد المجيد جابر
فلا شك أن هذه القراءة النقدية تؤكد براعته في النقد
وهذا التحليل الدقيق لنص القصيدة جاء شاملاً وافياً ورائعاً
ولكنني أريد أن أسأل // من أين هي تلك الشاعرة ؟؟!
وإن كانت من فلسطين فسأحاول البحث عنها والتعرف عليها
تحية ... ناريمان

قديم 05-27-2021, 12:23 AM
المشاركة 3
ماجد جابر
مشرف منابر علوم اللغة العربية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: التحليل الأدبي لقصيدة الشاعرة فتحيه عصفور ترثي فيها معلمة قتلها جنون ولدها، بقلم
وَها قد رحلتُ ولكنْ أنيني...ضَجيجاً سيبقى في مَسمَعيْكَ
سيبقى عذابُ المَلامِ ودوْماً...يَقُضُّ منامَ كِلا جانِبيْكَ
فويْلٌ لِحالِكَ بعدي وآهٍ...إذا ما طُيوفي غداً راوَدَتْكَ
ستبكي وتبكي وتبكي التعاجاً...فواحسرتاهُ نَأتْ مَن رَعَتْكَ
لِفقدي القلوبُ رَثَتْني ولكنْ...لِفَقْدِكَ حضني الشّغافُ رَثَتْكَ

أستاذ ماجد
سلام عليك
شدتني القصيدة إليها ، ولفتت نظري عاطفتها الصادقة المتألمة والمتحسرة
وهذه الأبيات التي انتقيتها رأيتها الأجمل
ف تحية للشاعرة / فتحية عصفور

أشكرك جزيلاً على نقله لنا
وطابت أوقاتك أستاذي
وتحية كبيرة للدكتور عبد المجيد جابر
فلا شك أن هذه القراءة النقدية تؤكد براعته في النقد
وهذا التحليل الدقيق لنص القصيدة جاء شاملاً وافياً ورائعاً
ولكنني أريد أن أسأل // من أين هي تلك الشاعرة ؟؟!
وإن كانت من فلسطين فسأحاول البحث عنها والتعرف عليها
تحية ... ناريمان
أشكر لك أديبتنا المتألقة الأستاذة ناريمان الشريف مرورك الكريم وتعليقك الجميل، ومنابر علوم اللغة ترحب بك وبقلمك الماتع أجمل ترحيب. وجدير بالذكر أن الشاعرة والشهيدة الاثنتان من فلسطين ومن مدينة جنين.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: التحليل الأدبي لقصيدة الشاعرة فتحيه عصفور ترثي فيها معلمة قتلها جنون ولدها، بقلم د. ع
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
التحليل الأدبي لقصيدة "السعادة" للشاعر سعيد يعقوب، بقلم الناقد :عبد المجيد جابر ماجد جابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2 04-26-2013 08:49 PM
التحليل الأدبي لقصيدة" سر عمري "لليلى يوسف:بقلم ماجد جابر ماجد جابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 5 05-02-2012 01:22 PM
التحليل الأدبي لقصيدة" كأن القلوب إذا هوت"لهاجر شرواني: بقلم عبد المجيد جابر ماجد جابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 7 04-26-2012 09:13 AM
التحليل الأدبي لقصيدة" الجرة " لمويسات علي: بقلم ماجد جابر ماجد جابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2 04-03-2012 08:44 PM
التحليل الأدبي لقصيدة محمد ضمرة : بقلم ماجد جابر ماجد جابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 3 02-25-2012 09:57 AM

الساعة الآن 11:26 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.