احصائيات

الردود
10

المشاهدات
3894
 
محمد الشرادي
من آل منابر ثقافية

محمد الشرادي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
155

+التقييم
0.04

تاريخ التسجيل
Aug 2014

الاقامة

رقم العضوية
13134
09-25-2014, 12:44 AM
المشاركة 1
09-25-2014, 12:44 AM
المشاركة 1
افتراضي دم لم تكتمل حمرته.
اللعنة على هذه الظهيرة الرعناء، نصبت مجانيقها، و طفقت تقصف المدينة بكرات من لهب حارق، تحول المنازل إلى أفران مشتعلة، إذا بقيت في جوف هذا البيت الملعون، سأختنق لا محالة.
ما أن وطئت قدماي الرصيف،حتى وقعت عيناي على المرأة ذاتها، مند ثلاثة أيام، و هي ترصد منزلي، بعينين تختبئان غائرا في محجريهما. في الحقيقة، هي شبح امرأة، استهلكت المآسي جسدها،و امتصت المحن الدم من وجهها، تشرب السجائر بنهم كبير، حتى صارت تشبه فزاعة صفراء. عندما تجاوزتها، أمسكت بقميصي من دبر، و سألتني:
- هل أنت كاتب؟! أخبرني أحد الناس أنك كاتب.
حاولت أن أخلصها من الحزن الذي يحكم قبضته عليها، لكن صرامة وجهها،أخبرتني أن البسمة بارحت ثغرها المتيبس، و نسيت طريق العودة إليه. فشلت محاولتي، و ظل وجهها المتغضن متمسكا بكآبته، و قالت ببطء:
- أريدك أن تكتب قصتي!
اقشعر بدني، لا بد أن هذا الشبح الواقف أمامي، يحمل أوزارا تنوء لحملها الجبال .حاولت أن أتملص من هذه المهمة الصعبة، قائلا:
- أنا لا أعرفك ... لا أعرف قصتك ...لماذا لا تقصينها أنت على الناس؟
لم تعر جوابي أي اهتمام. جذبتني من ذراعي، و أجلستني بجانبها، و شرعت تحكي بحزن عميق. كلما أوغلت في حكيها، إلا و أحسست بالرغبة في الهروب، قبل أن أنهار على الرصيف، أو يتوقف نبض قلبي.
توقفتْ فجأة، و نظرتْ إلي بعينين غارقتين في الدموع،
و قالت بصوت مشروخ:
- احكها للناس أنت، أو كلف أحدا يقوم بسردها.
- سأكتبها بنفسي، و سأهديها لك.
أمسكتْ بيدي، و قالت بحرقة بالغة:
- اهدها إلى كل صبية عاشت، و ستعيش مأساتي، و إلى كل الآباء لعلهم يجدون فيها عبرة.
إهداء
إلى كل بنية عبث الجهل بخميلتها الغضة،
و ساقها العِلج مكرهة، ليسكب دم بكارتها الفتية على مذبح الشهوة المفارقة للطبيعة.
إلى كل أب استرخص لحمه، و رماه كما يرمى سقط المتاع.
****************
كزهرة برية نبتت في المقعد الأخير من الحافلة، تفاديا للأعين المتلصصة، و رغبة في الاختلاء بحسرتها.رغم ملابسها الداكنة الألوان، التي لا تناسب عمرها، لم تستطع إخفاء حداثة سنها. لصدرها المسطح علاقة وطيدة بعالم الأطفال،و ملامح وجهها المتعب، تؤكد أنها مجرد فاكهة امتدت إليها، يد الشهوة المريضة قبل موسم قطافها.مقلتاها المخضلتان بالدموع، جعلتاها هدفا ترميه الأعين بنظرات متسائلة،و أخرى حادة، ذكرتها بنظرات حماتها، تلك الحيزبون المشؤومة.
اغتال أبوها طفولتها، في صفقة عرجاء، أقامت الدليل على أن المرأة هي السلعة المشتهاة في كل المقايضات الكبيرة، و الصغيرة . خلفها وراء ظهره تتجرع مرارة ليلة القطران. بكت بكاء مرا.استنجدت بجدتها.تمسكت بفستان أمها. صارت تطلب الرحمة، كقديسة صغيرة، يجرها مطارنة أجلاف إلى حتفها.
سحبها الشيخ إلى وجاره، رمس طفولتها. لأول مرة يختلي بها رجل غريب. كفنت وجهها المتعب بيديها الصغيرتين . خلع عباءته. استرقت نظرة قصيرة من بين أناملها. لم يسبق لها أن رأت رجلا عاريا. ارتج قلبها. فك الشيخ أزرار قميصها. غشيه وميض جسدها. همس بجلال(سبحان الذي سخر لنا هذا و ما كنا له مقرنين)1. بسمل بصوت مسموع. ركب مطيته الفتية.
أذهلته نعومتها.حين هم بها، جهر بالدعاء:
- بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، و جنب الشيطان ما رزقتنا.2
تحول جسدها إلى قطعة جليد شديدة البرودة،و تصلبت تضاريسه العذراء. همزها بنصله. لم ينل من خميلتها. دافع الجسد عن حرمته، و أغلق كل المداخل في وجه شهوته الرعناء.طعنها مرة ثانية، لم تصطدم طعنته سوى بجسد بارد ، و متحجر. نهرها بحدة...صفعها بقوة. لم يستجب الجسد. نزل من فوقها محرجا. غادر البيت . أغلق عليها الباب بالمفتاح. شعر والداها بالعار. أهانتهما على رؤوس الأشهاد.
كل تلك القرون الطويلة من التقريع،و الثناء، من العقاب و الجزاء، لم تقض على الوحش الثاوي في أعماقنا. تلك السنوات السحيقة من التشذيب المتواصل، لم تجعله سوى وحش غريب الأطوار، شاد في شهوته، مراهق في رغبته.هل تحطمت معاول التطور على الصخرة الصلدة لهذه النسخة الرديئة للإنسان؟ هل فُقد الأمل في ذلك الحيوان المثير للجدل إلى الأبد؟
"إن غدا لناظره قريب"3.إما أن يُبقي الشيخ جذوة الرجاء متوهجة في أعماقنا، أو يلقي بنا في بيداء اليأس. تقلب في سريره الليل برمته. ما نامت عيناه، و ما خاط الكرى جفون شهوته. كيف ينام، و قلبه لم يتوقف عن الدفيف؟
عندما ماتت زوجته الثانية، لم يقو على الانتظار، "فقدم خبز الجنازة ساخنا على موائد العرس"4 في الصباح تأبط شره، و تسلل إلى غرفتها. وجدها تحت السرير تنتحب.لم يداعبها. لم يمنحها فسحة للاستئناس. جردها من ملابسها. صارت ترتجف كعرنوس ذرة أصفر تهزه رياح عاتية. دفع جسده الصلد بين ساقيها النحيلتين ، وطد العزم على اقتحام خميلتها الصغيرة. لم تستطع تحمل همجيته. كثور هائج، مجرد من كل إحساس بالشفقة، دفع بعنف.تغلب الألم على اللذة، و غمرت حمرة فتية ماءه الآسن.
أحست أن مدية حادة شطرتها نصفين،وأن أشياء كثيرة تمزقت بداخلها، وعلى أطراف شهوة غير طبيعية،غير إنسانية،نزف دم لم تكتمل حمرته.
طوبى لك أيها الفارس المغوار...طوبى لنصلك البتار. ها قد جنيت الشهوة من قفير الألم...وغرفت اللذة من بحيرة الدمع.
قبل أن تستلم الصبية إلى غيبوبة طويلة،ندت منها نداءات نجدة مدوية اخترقت جدران الغار. طار الحمام الذي كان فوق السطوح فزعا. صار يحكي في الآفاق، بشجن عميق قصة اغتصاب جماعي، تحت زغاريد أطياف نساء بليذات، و تسوية الرجال لشوارب سوداء كأجنحة غربان تتأهب لنهش جثة تركت لمصيرها المجهول.
خرج الحاج يفيض زهوا، تحت نغمات الطبول، و المزامير. لقد كسر سوار الشك الذي طوق رجولته.
مازال الجلاد يبهر عقولنا بقسوته. مازالت مشاهد الألم فرجتنا المفضلة، و أنين الضحية يريح ضميرنا، و يبعث فينا الفخر بنقاء العرض.
بالأمس فقط كانت صبية تزهو بطفولتها. تلعب كفراشة جذلى مع صديقاتها، تلك الألعاب التي لم يفقدها التكرار نكهتها. صارت سبية في وكر الذئب.كانت صبية تزين العرائس، و توشي أعناقها بقلائد الزهر، و الحلي الذي تشتريه يوم السوق، و تجعلها ترقص تحت طنين دفها،و أهازيج صحيباتها.صارت طفلة تحمل بين ساقيها النحيفتين ندوبا مؤلمة، لازالت آثارها السطحية،و العميقة شاهدة على تواطؤ، لن تنسى الأطراف المشاركة فيه طول عمرها.
كل ذلك الوجع، و التمزق،و الجراح لم تخلف في أعماقها سوى فكرة غامضة، عن دورها في تلك الورطة الخارجة عن إرادتها. كلما لاحقتها النظرات بمشيتها المرتبكة بالألم، تتورد وجنتاها خجلا، فتنزوي في الظلام كئيبة، و تتحاشى الأعين ما استطاعت. أرهقها الوحش. قوض عظامها الفتية.امتص نضارة جسمها.
نظرت عبر الزجاج، كانت الحافلة تلتهم الطريق التهاما. تمنت لو تستمر في السير، كي تأخذها إلى مكان، لا ترى فيه أمها، و أباها، و زوجها، و حماتها.
توقفت الحافلة في المحطة الأخيرة. نزلت و القلق يعلو محياها.
نظرت إلى غابة العمارات الشاهقة. لم تتردد. انطلقت بين أدغال الإسمنت الموحشة نحو مأزقها الجديد.
ـــــــــــــــــــــــــــ
1 – دعاء الركوب
2 – دعاء ليلة الدخلة،أو المعاشرة عموما.
3 – الشطر الثاني من بيت شعري، لقراد بن أجذع الكلبي
4 – الكلام لدوستويسكي، من رواية الإخوة كرامازوف – بتصرف-


قديم 09-25-2014, 09:56 AM
المشاركة 2
حسام الدين بهي الدين ريشو
مشرف منبر بـــوح المشـاعـر

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
لكل انسان قصته
نظن مع وطأتها أنها لا مثيل لها
بينما هى قصص من رحم الحياة
وسطوة القدر
تأخذ بتلابيبنا نحو المجهول

الاستاذ الفاضل
والقاص الكبير / محمد الشرادي
خالص تقديري
مع مودتى

قديم 09-26-2014, 09:56 AM
المشاركة 3
ابو ساعده الهيومي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
نظرت إلى غابة العمارات الشاهقة. لم تتردد. انطلقت بين أدغال الإسمنت الموحشة نحو مأزقها الجديد.
الاستاذ العزيز محمد الشرادي
رغم ان قصتك جميله ويتجلى فيها ابداعك كعادتك الا ان رسالتها مخيفه ----- لانها قد تقراء بخلاف رسالتك النبيله
فهي تقدم الاعذار لكل من باعت نفسها
وهي اصطوانه مكرره تحكى غالبا ممن سلك هذا الطريق
فالانسان مبتلى والابتلاء يحتاج لصبر و الانحراف ليس هو الحل
وانا اعرف الكثير منمن حصلت معهم مثل هذه القصة واسوء من ذلك ورغم ذلك ضلوا على استقامتهم
والحياة دار ابتلى ان لم يبتلى المرء بهذا ابتلي بشيء اخر
فالصبر رغم الالامه نتائجه طيبه و جزائه عظيم في الدنيا والاخره

قديم 09-26-2014, 01:16 PM
المشاركة 4
عبير هديب
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
جميله
اشكرك

::
قديم 10-01-2014, 02:49 AM
المشاركة 5
زياد القنطار
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
الأستاذ القاص محمد الشراردي .
وقفت على هذه السردية الحوارية القصصية أكثر من مرة , فكانت كل وقفة تحمل شيئاً جديداً يزيد من إعجابي ,بهذا الانفجار الداخلي الذي أخرج هذا العمل المميز .
أولها .مسؤولية الأديب التي اتضحت بالحواارية التي قدمت لموضوع القصة , والتي أظهرت المكان الصحيح لموضع قدم المثقف الملامس للهم العام والموصل له بأمانة الحرف والكلمة .
ثانيها .هو تفنيد مفاعيل الحالة وبواعثها واتكاءتها ,بالإشارة إلى موروث ثقافي واجتماعي وديني منحاز لمجتمع ذكوري ويلبس أفعاله صفة القداسة الزائفة .
في الثالثة لغة سامقة سلسلة وظفت توظيفاً رائعاً لصالح النص والحدث , تضع القارئ أمام استحقاق الإجابة عن أسئلة لايمكن الفرار منه.
نهاية سرّني وأغناني ماقرأت وأسجل إعجابي بمروري الأول على عمل من أعمالك بهذا الحرف الندي المشبع ...راجياً أن تتقبل مروراً متواضعاً لايرقى إلى سمو هذا الحرف ,,,خالص التقدير


هبْني نقداً أهبك حرفاً
قديم 10-06-2014, 11:56 PM
المشاركة 6
محمد الشرادي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
لكل انسان قصته
نظن مع وطأتها أنها لا مثيل لها
بينما هى قصص من رحم الحياة
وسطوة القدر
تأخذ بتلابيبنا نحو المجهول

الاستاذ الفاضل
والقاص الكبير / محمد الشرادي
خالص تقديري
مع مودتى
أهلا اخي حسام الدين
شكرا على مرورك الجميل.
تحياتي

قديم 10-06-2014, 11:58 PM
المشاركة 7
محمد الشرادي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
نظرت إلى غابة العمارات الشاهقة. لم تتردد. انطلقت بين أدغال الإسمنت الموحشة نحو مأزقها الجديد.
الاستاذ العزيز محمد الشرادي
رغم ان قصتك جميله ويتجلى فيها ابداعك كعادتك الا ان رسالتها مخيفه ----- لانها قد تقراء بخلاف رسالتك النبيله
فهي تقدم الاعذار لكل من باعت نفسها
وهي اصطوانه مكرره تحكى غالبا ممن سلك هذا الطريق
فالانسان مبتلى والابتلاء يحتاج لصبر و الانحراف ليس هو الحل
وانا اعرف الكثير منمن حصلت معهم مثل هذه القصة واسوء من ذلك ورغم ذلك ضلوا على استقامتهم
والحياة دار ابتلى ان لم يبتلى المرء بهذا ابتلي بشيء اخر
فالصبر رغم الالامه نتائجه طيبه و جزائه عظيم في الدنيا والاخره
أهلا أخي أبو ساعدة
تخوفك في محله. لكننا نكتب من أجل غاية نرسمها في ذهننا، و عندما يستقل النص عن كاتبه تصبح له عدة تأويلات و هذا من جمالية الكتابة و من مزالقها الخطرة.
تحياتي

قديم 10-17-2014, 12:26 AM
المشاركة 8
محمد الشرادي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
أهلا اختي عبير
شكرا على مرورك الخفيف الظل.
تحياتي

قديم 10-19-2014, 07:24 AM
المشاركة 9
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
نفس القصة التي مازالت تحدث كل يوم
العنوان اختزل الكثير من المعاني في طياته
ا. محمد الشرادي
صباح الورد

قديم 10-29-2014, 04:05 PM
المشاركة 10
محمد الشرادي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
الأستاذ القاص محمد الشراردي .
وقفت على هذه السردية الحوارية القصصية أكثر من مرة , فكانت كل وقفة تحمل شيئاً جديداً يزيد من إعجابي ,بهذا الانفجار الداخلي الذي أخرج هذا العمل المميز .
أولها .مسؤولية الأديب التي اتضحت بالحواارية التي قدمت لموضوع القصة , والتي أظهرت المكان الصحيح لموضع قدم المثقف الملامس للهم العام والموصل له بأمانة الحرف والكلمة .
ثانيها .هو تفنيد مفاعيل الحالة وبواعثها واتكاءتها ,بالإشارة إلى موروث ثقافي واجتماعي وديني منحاز لمجتمع ذكوري ويلبس أفعاله صفة القداسة الزائفة .
في الثالثة لغة سامقة سلسلة وظفت توظيفاً رائعاً لصالح النص والحدث , تضع القارئ أمام استحقاق الإجابة عن أسئلة لايمكن الفرار منه.
نهاية سرّني وأغناني ماقرأت وأسجل إعجابي بمروري الأول على عمل من أعمالك بهذا الحرف الندي المشبع ...راجياً أن تتقبل مروراً متواضعاً لايرقى إلى سمو هذا الحرف ,,,خالص التقدير

أهلا أخي زياد
شكرا على هذه الإضاء الجميلة التي أضأت بها النص. و شكرا على التحفيز المستمر.
تحياتي


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: دم لم تكتمل حمرته.
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
قصيدة لم تكتمل بسام العمر منبر البوح الهادئ 4 04-18-2014 01:46 PM
نقاط لم تكتمل ( ق.ق.ج )... فاطمة جلال منبر القصص والروايات والمسرح . 9 09-28-2013 06:04 PM
نشوة لم تكتمل ... إبراهيم الثقفي منبر القصص والروايات والمسرح . 1 09-23-2013 12:18 AM

الساعة الآن 04:12 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.