احصائيات

الردود
6

المشاهدات
713
 
حسام عبدالباسط
من آل منابر ثقافية

حسام عبدالباسط is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
83

+التقييم
0.07

تاريخ التسجيل
Dec 2020

الاقامة

رقم العضوية
16431
05-20-2022, 11:17 AM
المشاركة 1
05-20-2022, 11:17 AM
المشاركة 1
افتراضي وقائع طمس
حين مات قالوا: جُنَّتْ..
لم تصرخ، ولم تبك.. بل مالت على الرأس الذي هشّمته الهراوات، والجسد الذي ثقبته الرصاصات، وجهه المغمور بدماءٍ طازجة، ملامحه المطموسة.. غمغمت للحظاتٍ وكأنها توشوشه، ثم اعتدلت بملامح لم نرها من قبل.. لملمت أطراف ثوبها المترب.. ومضَ في عينيها بريقٌ له ألف لون، وارتسمت على وجهها تعابيرٌ مُحيّرة، ولم نفهم..
في ظهيرة كل يوم، تخرج من بيتها.. تقطع الطريق إلى نهاية البلدة.. تحمل سلّة مغطّاة تفوح منها روائح طيّبة.. تمشي بمحاذاة السور الحجري الأبيض الذي يمتد إلى ما لا نهاية.. تغوص أقدامها في الحشائش الخضراء التي تنبسط مثل سجادة عملاقة.. تسبح في زرقة السماء ونسائم الصيف.. تداعب عصافير الأشجار.. ثم تنحرف فجأة عبر بوابة حديدية مفتوحة إلى طريقٍ ترابي تلوح عبره شواهد القبور.. تدب قدماها النحيلتان، وترتفع سحبٌ من غبارٍ عتيق، يتكاثف لبرهةٍ، ثم ينقشع ببطء..
وكنا نلمحها من بعيد، وحينما نقترب، لا نجدها، ولا نجد الطريق الترابي.. وحينما نبحث نضل الطريق إلى بوابة المقابر.. نتعلل بالنسيان، وعدم الأهمية.. نتشاغل بسرب طيورٍ عابرٍ، وننسى كل شيء..
قبل المغيب بقليل، نراها عائدة.. تجوب الطرقات المعبّقة ببقايا روائح الياسمين ومسك الليل إلى بيتها.. سلّتها فارغة، وثوبها مُغبرّ.. تحمل ابتسامة، ووجهُها يشع سكينة واطمئنانا..
في السماء التي على شفا الظلمة؛ ترفرف أجنحةٌ سوداء عملاقة.. إلى قلوبنا يتسلل خوف، وعلى وجوهنا ينشع قلق، وربما نتشاجر.. فلماذا حين مات قالوا جُنَّتْ؟!..

وقائع لا يعرفها أحد:
(1) – المرأة كانت حينما تلج الطريق الترابي عبر بوابة المقابر، تنظر خلفها.. تتأكد من أن ستائر الغبار قد انفردت، وأن أحدًا لا يراها، ثم تبدأ بالبكاء..
(2) – حينما كانت المرأة تصل إلى قلب المقابر اللانهائية، تجثو على ركبتيها أمام شاهدٍ رخاميٍ أبيض عليه أحرف قاتمة ومطموسة تستند عليه شجيرة صبّار خضراء شاحبة.. تبتسم، وتُفرغ ما في سلّتها: طعام وفاكهة وشاي وماء.. ثمّة أصواتٍ تخرج عبر حناجر خفيّةٍ تبادلها الحديث.. وحيثما تمد يدها بالطعام والفاكهة إلى ما لا يُرى، كان الطعام يذوب في التراب ويختفي..
(3) – حينما تهب نسمات المغيب، كانت المرأة تقوم.. تلملم أشياءها، وتمسك سلّتها الفارغة.. تمسح الدموع الممزوجة بغبار الطريق عن وجنتيها، وتمضي عائدة.. تنسى دائمًا أن تنفض ثوبها المترب.. وكانت تضلّ الطريق كثيرًا..

وقائع لا تعرفها المرأة:
شواهد المقابر كثيرة متشابهة، كلها رخاميةٌ بيضاء.. كلها مطموسة الأحرف.. وكذلك شجيرات الصبّار، كلها خضراء شاحبة.. وكذلك الموتى، متشابهون.. ما زالت رؤوسهم تحمل آثار الهراوات.. ما زالت أبدانهم تحمل ثقوب الرصاصات.. جلودهم محروقة لزجة ودماؤهم طازجة.. المقابر ممتدة.. والريح تهب خفيفة.. وفي السماء تحلّق طيورٌ بيضاء شاردة.. يدهمها الليل في شرودها، يصبغها باللون الأسود، فتبدو عملاقة، مخيفة.. والمرأة كانت تجلس في كل مرة أمام شاهد قبر مختلف وهي تظن أنه هو..


قديم 05-20-2022, 12:35 PM
المشاركة 2
ياسَمِين الْحُمود
(الواعية الصغيرة)
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي
الحضور المميز الألفية الثانية الإداري المميز الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى وسام الإدارة التكريم الكاتب المميز 
مجموع الاوسمة: 9

  • غير موجود
افتراضي رد: وقائع طمس
جاذبية السرد هنا تتداخل في مسارات الروح
كنتُ هنا أستاذ حسام
مشدوهة حائرة بأسلوب كتابتك لهذه القصة ،
التشويق والأحداث الغريبة والتفاصيل الكثيرة ،
أحداث غير مألوفة على القارئ
فالتشويق هو مفتاح بوابة الدخول إلى الحكاية
كنتُ هنا قلبا وقالبا
والروح تقرؤك
شكرا وليتها تكفي نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

قديم 05-20-2022, 06:25 PM
المشاركة 3
محمد أبو الفضل سحبان
من آل منابر ثقافية

اوسمتي
الوسام الذهبي الألفية الثالثة الألفية الثانية وسام الإبداع الألفية الأولى المشرف المميز الكاتب المميز 
مجموع الاوسمة: 7

  • غير موجود
افتراضي رد: وقائع طمس
نص فريد، تقرأه وكأنك تشاهده .. بناء حكائي محكم، لغة شاعرية غنية بالصور البلاغية والفنية، والاشارات الترميزية العميقة، كل هذه المكونات استطاعت أن تؤدي جميعها دورها في إضفاء الطابع العجائبي على هذه القصة التي تجذب القارئ في متعة وانتشاء مثل المغناطيس ولا تفرج عنه إلا وقد أتمها مع الرغبة في إعادة الكَرَّة ..
إبداع يستحق الإشادة.
تقديري لك أخي الأديب المبدع حسام .
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

قديم 05-21-2022, 01:51 AM
المشاركة 4
عبد الكريم الزين
من آل منابر ثقافية

اوسمتي
الوسام الذهبي الألفية الرابعة الألفية الثالثة وسام الإبداع الألفية الثانية التواصل الحضور المميز الألفية الأولى 
مجموع الاوسمة: 8

  • غير موجود
افتراضي رد: وقائع طمس
قصة محكمة البناء بقلم قاص متمكن
وتقنية فنية متقنة تبحر بالمتلقي في فضاء التشويق والمتعة

كل التقدير لإبداعك المتميز أستاذ حسام
تحياتي

قديم 05-24-2022, 01:55 PM
المشاركة 5
حسام عبدالباسط
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي رد: وقائع طمس
جاذبية السرد هنا تتداخل في مسارات الروح
كنتُ هنا أستاذ حسام
مشدوهة حائرة بأسلوب كتابتك لهذه القصة ،
التشويق والأحداث الغريبة والتفاصيل الكثيرة ،
أحداث غير مألوفة على القارئ
فالتشويق هو مفتاح بوابة الدخول إلى الحكاية
كنتُ هنا قلبا وقالبا
والروح تقرؤك
شكرا وليتها تكفي نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
ممتن لجمال التعقيب..
ألف تحية أستاذة ياسمين..

قديم 05-24-2022, 01:56 PM
المشاركة 6
حسام عبدالباسط
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي رد: وقائع طمس
نص فريد، تقرأه وكأنك تشاهده .. بناء حكائي محكم، لغة شاعرية غنية بالصور البلاغية والفنية، والاشارات الترميزية العميقة، كل هذه المكونات استطاعت أن تؤدي جميعها دورها في إضفاء الطابع العجائبي على هذه القصة التي تجذب القارئ في متعة وانتشاء مثل المغناطيس ولا تفرج عنه إلا وقد أتمها مع الرغبة في إعادة الكَرَّة ..
إبداع يستحق الإشادة.
تقديري لك أخي الأديب المبدع حسام .
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
ذوقك هو الأجمل أستاذ محمد..
تحياتي..

قديم 05-24-2022, 01:58 PM
المشاركة 7
حسام عبدالباسط
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي رد: وقائع طمس
قصة محكمة البناء بقلم قاص متمكن
وتقنية فنية متقنة تبحر بالمتلقي في فضاء التشويق والمتعة

كل التقدير لإبداعك المتميز أستاذ حسام
تحياتي
سعيد بالقراءة والتعقيب..
ألف شكر..


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: وقائع طمس
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من أغرب الكتب في العالم .-10- وقائع من النذائر والنبوءات...!!! محمد أبو الفضل سحبان منبر الآداب العالمية. 2 05-29-2021 07:12 PM
بدائع الزهور فى وقائع الدهور - محمد بن أحمد بن إياس الحنفي د. عبد الفتاح أفكوح منبر رواق الكُتب. 0 06-14-2014 10:57 PM

الساعة الآن 05:04 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.