قديم 06-26-2012, 12:57 PM
المشاركة 21
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
نبوءة الشاعر الجزائري عمر أزراج


في هذا المقال نريد ان نكشف تجليات النبوءة في شعرية عمر أزراج هذا الشاعر الجزائري الذي رسم وهجه العذري بطقس معرفي وجمالي كشف من خلاله على وجه القصيدة الجزائرية وتمثل ذلك في أعماله وحرسني الظل وجميلة تقتل الوحش والعودة الى ثيزي راشد ان مشروع عمر أزراج في الشعر يرتكز على حساسيات الحداثة في كل اشراقاتها على مستوى المضمون والشكل وما يحدث في الواقع الجزائري من تحولات هذا من جهة ومن جهة أخرى سر الرؤيا الذي يبعث التجلي في كل كلمة وعبارة .
القصيدة عند عمر أزراج تحمل سيرة الذات وما ينعكس على مرآتها من ما يحدث وما يشتهي .
القصيدة حالة تجل تبعث براءة الروح حين تلوثها خطيئة الجسد .
القصيدة نص للتجاوز يخترق المجهول المدهش الذي يشتهيه الشاعر حين يتوحد بكل شيء .
القصيدة ارادة الرؤيا بمنطق الجسد رؤيا الارادة بالجسد المنطق .
القصيدة ارادة الاشتهاء حين تضيع جنة الوجود .
القصيدة ارادة الجسد حين تفلت منه الروح في لحظة العدم .
القصيدة عودة الوحي الى نبوءة الذات التائهة في جحيم الأشياء .
عمر أزراج يريد ما يشتهي ويشتهي مايرى وبين الرؤيا والاشتهاء يجيء التجلي محملا باشارات المحو والاثبات وومضات الفناء والبقاء والبهاء ..هي القصيدة شهوة الممكن المستحيل شبق الوجود الأصيل ارادة الحب والعودة الى فردوس البراءة منذ بدء التكوين .
عمر أزراج يفجر الجوهر الفرد في اللغة ويبعثها في نار الجسد لتنصهر من جديد وتبدع كونا شعريا أشبه بالجنة الرومنسية الموشحة بالحور والملائكة هو في قصيدته يعيد للغة دمعة الحلاج حين سكبها في طواسينه وشك الغزالي الذي وشمه في المنقذ من الضلال وطقوس المعري في لزومياته الملونة ببكاء الحمامة انه يبدو في بعض تجلياته بشكل السياب في أنشودة مطره المنهمر على أرض سرابية الوجه انه يشبه خليل حاوي في ثورته على طقس الأشياء وابدال النور الزائف بنار حقيقية رسم وردتها في الناي والريح انه يمزج الوطن بالذات في لحظة توحد تشبه الفناء عبر عنها محمود درويش في عشقه لفلسطين وفي حبه يعيد للغة طفولة النهد البحث في النساء وما قالته السمراء لنزار قباني الواله بجسد ملائكي في عالم شيطاني انه يرسم أشكالا للغة تبعث أغاني مهيار الدمشقي عند أدونيس في ثابته ومتحوله يعيد الوقت لطقسه السرمدي سرمد اللحظة ما أرحبه.عمر أزراج في لغته الشعرية يعادل الفكر الانساني حضورا وابداعا انه شاعر اللحظة / التجاوز الحساسية / الرؤيا والتجلي .
انه يطبخ اللغة بتوابل محمد بنيس وسرديات نحو صوتك العمودي وكتاب الحب .
عمر أزراج شاعر الجزائر أعاد تشكيل أبجديات القصيدة الجزائرية بمنطق الحب والرؤيا والجسد والوجود انه ذلك الفاتح لمدن العشق البعيدة التي بحثنا عنها في فروسية محمد العيد آل خليفة ومفدي زكريا ولم نجدها فان كان كل منها عبر عن قصيدة الهوية الجزائرية فاان عمر أزراج عبر عن قصيدة الحرية الجزائرية
القصيدة الجزائرية حين يشكلها أزراج تجمع بين الحب والفناء والتجلي والتخلي والقبض والبسط والحال والمقام والوجود والمعرفة والمعرفة والآخر والنور والنار انها فراشة على زنابق الكلام مهرة المستحيل التي تطفيء شبق الممكن انها العود الأبدي لشكل الروح في جسد مخضب بغزالة التيه .
وحي / للوردة مقام الشهيد .
تجل / لاشيء بعدي يكون في النور .
وحي في تجل / أعرف كل شيء أنا شهيد النور .
2 نريد في هذا المقام مقام الوصل تفكيك القصيدة الأزراجية وفق الماهيات التالية
1 / ما المعرفة 2 / ما الوجود 3 / ما الجسد 4/ ما الحب 5/ كوجيتو المحبة 6/ شعرية المتخيل
1 - ما الحب الحب توحد بالآخر في ذاته ولذاته أمام مرآته يحس الشاعر أن أفقه يتفتح
الحب مصدر العواطف
الحب ضرورة لكل انسان
الحب أعز شيء
الحب لامنطق له
الحب سره في المرأة
الحب ألم دائم
الحب حلم قائم
الحب مبدأ المعرفة
الحب مبدأ السلام
الحب ايمان
الحب طقس الحرية
2- ما الجسد الجسد ذات تريد تشتهي ترى تكون تتمرد تتجاوز تعرف حكاية الغواية والغواية الحكاية .
الجسد معطى الرؤيا والتجلي والمشاهدة .
الجسد معطى الشك واليقين
الجسد صلاة الروح في نزوة الاشتهاء .
الجسد ارادة البقاء ولافناء الا البقاء .
الجسد رغبة الألم في العلو .
الجسد ثورة النحلة في مقام الوردة .
الجسد في هكذا تكلم زاردشت ليس جملا ولا أسد بل هو الطفل الذي يجمع بين الفوضى والابداع .
حال / أشتهي كل شيء
كل شيء لي
أنا كل شيء
مقام / لاشيء لي
في النور أنا أشبه الفناء .
حال في مقام / حين تشتهي يعود كل شيء الى جنته .
3- ما الوجود الوجود سر الوجود تجل الوجود ارادة الوجود حرية الوجود وجها لوجه مع الموت الوجود يدا بيد مع الحياة .
الوجود ما ترى حين يغمرك طوفان الموت .
الوجود ماتعرف حين تتألم .
الوجود حالة العلو التي تكشف بها وجههك .
الوجود شهوة الآخر الجنة / الجحيم .
الوجود كل شيء أنت فيه .
الوجود أنا حين لا شيء .
الوجود فناء الروح في الجسد .
الوجود وردة التجلي .
سر / هاأنت قمر والوجود ليل
سفر/ تكشف الوجود بمنطق الطير .
4- ما المعرفة ما تشهده بكشفك معرفة / ما تجده بحدسك معرفة / ما تشتهيه بجسدك معرفة / ما تريده بحسك معرفة / ما تجربه بعقلك معرفة / ما تتخيله بقلبك معرفة / ما ترفضه بشكك معرفة /ما تقبله بيقينك معرفة /
المعرفة عتبة الخطر المدهش
المعرفة بدء التكوين لشيء يرحل بنواميسه .
المعرفة عودة للروح بمنطق الجسد .
المعرفة وجه النور في ظلمة كل شيء.
المعرفة مرآة الجسد التي تكشف وجه الروح.
المعرفة غربة العقل في سراب الأشياء .
المعرفة ارادة الوحي يتشظى اليقين .
المعرفة ألم العلو والتوحد بجنة الخلاص.
المعرفة خلاص الروح صلاة الجسد .
باب / حين أعرف أشتهي فاكهة النور .
عين / أنا أعرف اذن النور يمغمرني بطوفان الأشياء .
نظرية المحو / قبل الشكل كان النور ..ثم الزمن ها أنذا أعرف شكل الماء عبر الماء اذن أنا الماء الذي يسري في النور ...
5- شعرية المتخيل فيه نبين صورة الذات لحظة تجلياتها عبر اللغة
6- كوجيتو المحبة فيه نشكل شذرة الجسد لحظة الاشراق .

قديم 06-26-2012, 12:58 PM
المشاركة 22
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

تابع،،،

وسنقرأ القصيدة الأزراجية في نظريتين الأولى نظرية الصورة رؤيا ونظرية الصورة تجل
1/ الصورة رؤيا حين أرى جسدي أشلاء
نقصد بهذا المفهوم حدس الشيء المرئي في واقعه الآني شكل الأشياء كما يرى الشاعر ويتم ذلك بفعلين فعل التذكر والايحاء في الأول يستعيد الشاعر أشياء ذاكرة الجسد والايحاء يغرس الشاعر روحه الوهاجة في هذه الأشياء فيحدث فيها انزياحا وخلقا فتصير بمعنى جديد وشكل جديد .
وحدك الآن ..هواء الليل ابر
هذا المقطع الوجودي يكشف عن حضور الذات في الوجود ويبين شيئين وحدة الذات عبر الوقت وتشكل الهواء الليلي أبر فهذا الهواء وشمه الشاعر بمنطق الانزياح ابر توخز الجسد فيبدأ الألم في تعريج الذات الى العلو
ولما غزانا جراد الشيب / نمنا في عراء الصدى/وتدثرنا الفراق
هذا المقطع يحد س يه الشاعر التوحد بالآخرثم يعلن عن جراد الشيب الذي يخرب شجر الجسد ثم النوم في عراء الصدى هذا الأفق العدمي الذي يكسر شراع الوجود حين تدرك العدم فأنت حاضر في الوجود .
أيتها المرأة التي أعادت الطير الى رذاذ غنائه
ذلك خطاب للآخر يتجلى في المرأة والطير المرأة التي يناديها الشاعر هي مركز الحب سر الوحي لحظة رؤيا الملائكة فهي غمرته بعودة أبدية لرذاذ الغناء هنا انزياح وجودي يعيد رسم غناء الطير بمنطق المطر .
2/ الصورة تجل لما تجلى صرت كل شيء .
نقصد بهذا المفهوم حدس الشيء اللامرئي في حالة بعده وغيبه شكل النور كا يحس الشاعر لحظة تشظيه وتوهجه ويتم التجلي عند الشاعر بفعلين فعل الفناء والتجاوز فالفناء يتلاشى الشاعر في كل شيء فتصير الأشياء بلون الذات وشكلها والتجاوز هو لحظة الخلاص من كل شيء والخلق الجديد لشيء آخر مختلف .
لايؤنس القلعة الا وحشتها
حالة الأنس التي تحل في نفس الشاعر يسقطها على القلعةفي حالة وحشتها فكأن القلعة هي الجسد في وحدته ولا يؤنسه الا وحشته .
الجمال يوحد العالم
ما هو الجمال الذي يريده الشاعر انه جمال النور جمال البراءة جمال الجنة جمال الوجود جمال الشهود انه يوحد العالم ويصير كل شيء بالجمال أنت الجمال لحظة التجلي الكبرى التي تفتح سدرة المنتهى للروح فترى ما لاعين رأت ولاأذن سمعت .
سائر أنا الى حيث يراني الظلام
طقس السيرورة يبدأ بحركية الذات الخلاقة التي تتجاوز كل شيء انها شطحة الفناء حيث يراه الظلام كما قال أحد المتصوفة خضت بحرا وقف الأنبياء على شاطئه انها الوديان التي تجتازها النفس في منطق الطير لفريد الدين العطار انه الزمن حين تلبسه الظلمة والذات تشتهي النور اغتراب الشاعر في سيره ووحدته جعله يعرف معنى الظلمة بل الظلمة كشفت وجهه المتوهج بكوثر النور .
لا شريك له ..
يسير مع الناس في زمان آخر
يحزم بالنار سجادة
وفي مهب الريح يقيم دولة الناي
هذا سر الشعر الذي هو تأسيس للكينونة يكشفه عمر أزراج بأنه وحده لاشريك له لحضوره في الوجود وتلبسه بالنور يرحل مع الناس في زمن آخر غريب الوجه واليد واللسان كصالح بين ثمود تسري في دمي وردة الوحي والفوضى الخلاقة يحزم بالنار سجادة تشبه بساط الريح أقصد الروح وفي مهب الريح حين لا يبقى شيء يقيم دولة الناي انها مدينة الله وكل شيء فيها يحيا بسر الحب ها أنت أيها الحب شوكة في القلب كما رأى جلال الدين الرومي وهو يخاطب كل شيء بروحه فراشة على وردة .

كوجيتو المحبة / أرني أنظر اليك ...
1
الوطن يوهم بهلال القوافل والآن هلال القوافل يوهمنا بالوطن .
2
أجمل الرجال امراة و أجمل امرأة تخيلتها ولم أجدها .
3
آه ما أشبه المعرفة بالخطر وما أشبه الصمت بالنور حين يتجلى .
4
لن آتي من أقصى المعرفة حتى أحب .
5
يادما ليس دمي لتحترق أنا أعشق وأمسح دجل الغسق .
6
الموت في الحب شهادة والحب في الموت عبادة .
7
يغير الوجود جسد مولع بالخلود .
8
لاشيء لك غير وجه يطفح بالعدم في وقت دجال .
9
كل شيء ملكك حين تحب .
10
لحظة موتي تضيء وجودي وتبعث شهودي .
11
أيها الوطن أنا طير أرحل ووردة تذبل وأنت الوثن الشجن .
12
لاشيء يقهرني حين أكون سيفا أفتح وأغزو وأزرع النور في كل ظلمة .
13
أوقفت القمر ليلة ميلادي فرأيت الرمز تميمة والليل سراب شرس .
14
كفرت بالذي يقيد القمر ويحرر الليل .
15
في الرمل الشرس ينتحر النخل ويختفي الغد الآتي .
16
وجه الوطن البرق حين يخون لا تكون ولن تكون آه لوأكون .
17
أنا طائر الليل من يسقيني بكوثر بلادي .
18
أرى البحار تسير وراء جنازة فأكشف عري الوجود .
19
آخر تعويذة للشجر لم يرتلها المطر في موسم الجسد .
20
أمشي على طرقات الكآبة نخلة يتم أشرب كأسا دهاقا من العدم .
21
قمر أسود أشتهيه من شعرها الفردوسي .
21
شجرة النور لم أقطف منها ثمرة الوجود حتى اللحظة .
22
أعرف شكل السماء حين تؤنسني الريح أعرف الجسد حين تفيض المعرفة بالروح .
23
غزالتي تريد عبادة أخرى والوجود ضرب من الصلاة .
24
أنا سكين البرزخ وما تبقى من التفاحة الخجلة بلاد نائمة في أفق الماء .
25
أبصر الآن سجونا الشمس ورائي ويدي مكبلة في كهف .
26
تراتيل الشهداء قامة للوطن النحيل يا هذا الظل اسقيني بزلزال ظليل

قديم 06-26-2012, 01:00 PM
المشاركة 23
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
نبوءة

ادونيس
للوطن المحفور في حياتِنا كالقَبْر
للوطن المخدّرِ المقتولْ
تَجيءُ من سُباتنا الألفيّ ، من تاريخنا المشلولْ
شمسٌ بلا عبادهْ
تقتلُ شيخَ الرّملِ والجرادَهْ
والزَّمنَ النابتَ في سهوبهِ
اليابس في سهوبهِ
كالفِطرْ
شَمسٌ تُحبُّ الفتكَ والإبادَهْ
تطلعُ من وراء هذ الجسر.

قديم 06-26-2012, 10:30 PM
المشاركة 24
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
فعل الشعر ...

بين الموقف والموقع


عبد اللطيف عقل

رفيقي القارئ..
لا تقرْاني ولكن تقرّاني فإن الزهور على عهدها تمارسُ فعل النمو والطيور فعل الغناء، الزيتون منذ كان الزمن وهو يَفعلُ العطاء تماماً كما تفعل العطاء والبشر النوارس وأقواس قزح.

الأطفال هنا يفعلون الوعود والابتسامات كما يفعلون الدموع والحزن، كل شيء هنا مستغرق في دائرة الفعل، نحن لا نفكر ولا نتأمل ولا نحلل، إننا نفعل كل هذه، وأنا مثل هؤلاء، أمارس فعل الشعر، أنا لا أكتب الشعر ولا أقرأه إنني أفعله تماماً كما يفعل أطفال فلسطين ألعابهم من الطين والحزن....

إنني في موقف الفعل لأنني في موقع التراب الأول.. ولك بعدها أن تحلل فعل الشعر كما تشاء....

أنا لا أنفعل لأنني قد انفعل بدون الفعل، إن التجربة التي تدفعني إلى أحضان الفعل لا أحسبها، واعتقد أنني لست ذكياً، إن الفلاحين هنا لا يعرفون التحليل كما لا يعرفون ظاهرة الضغط الأسموزي، إنهم يفعلون فقط، يحرثون ويجدرون، ويتزاوجون، وفي البيادر يفعلون الحصاد ويزورون المدن ويعودون بالحلوى والملابس والسَام....

إنهم يفعلون الموت كما يفعلون الحياة نصفاً بنصف، يندفعون في المأتم كما تندفع السيول في الجهران أيام المطر، حتى مع الله يفعلون التقوى بالقدر البسيط الذي يفعلون فيه الفسق.

كل شيء هنا بدائي تقريباً، اللغة في بدئها والكتابة كذلك، الموت والحب والشعر كما المطر، أفعال فحسب ما تشوهت بالتحليل المحدد وما تساوقت مع قوالب الفكر والمنطق.

وهكذا أفعل الشعر كما أفعل الموت، وكما أفعل الحب، إن موقعي يفرض هذا الموقف لذلك لا أجد الفواصل بين الموت والحب والشعر، تستطيع أن تراني خلال فعل منها، حللني ان شئت، لكنك لن تكتشف موهبتك في سوء النية، اقرأني، لكنك لن تعجب بلون عينيك، إلا إنني سأمنحك ساعة دفء فأقول إنك قد تراني في درجات الفعل المختلفة، تماماً كما ترى الرسام في لوحته ذات اللون الواحد، وسأقسم لك اللون في درجتين:


أ‌- درجة فِعل القصيدة
هنا يصير الشعرُ فرحا، ونحن هنا نفرح بالمناسبة، يوم تتقاطر الفلاحات في أوائل الزيتون والمطر، يوم تتقاطر الجِمال والأطفال في أواخر الصيف بين حقول القمح والبيادر، يوم تدخل تلميذات المدارس أو يخرجن في جوقة يحرسها اللون الأخضر المخطط بالوعي، يوم ينور اللوز ويحصرم العنب، إنني أفعل القصيدة يوم تفعل طبيعتنا الجمال، واترك الأصوات تندرس في روحي وعلى الورق.

إنني أندمج في فعل شعري بسيط وأصير موسيقى مباشرة كما هو العرس في ساحة القرية، فعل العرس يمتلئ بالضجيج والفرح والنشاز، وهكذا ستقرأني في قصائد (صفحات من يوميات عاشق) وفي ( قصيدة قديمة عن رحيل جديد)..

هنا أفعل الفرح أو الغضب، أو الرفض بالشعر، وأراني وكأنني أطفو على سطح موقعي كما تطفو أوراق الزيتون وأزهار اللوز على صفحة الأفق الزرقاء وارتبط بالأشياء والأحداث بعلاقة الفرح الواعد بالحب، إنني أتوحد بها حقيقةً يفسدها المجاز، وهكذا تتحدد الصورة بتوزيع خفيف للنور والظل وتكون الألوان سابحة فيَّ في مباشرة لا يودُها ساكنو المقاهي ومحترفو اللعب بالأشياء.

لا يُهمّني أنني أتقدم أو أتأخر، أو أنحرف يميناً أو يساراً لأن ممارسة الفعل تفترض الحركة الحرة وأنسى تسميات النقاد.

ففي هذه المجموعة قصائد، كما أنه في ما حول قريتنا زهور وأعشاب....

ب‌- درجة فعل الشعر:
في الطريق إلى القدس، تغيم المرئيات، وتنسد أمامك نوافذ الفرح فتهاجمك إبر الشعر، وتنزلق في روحك أظافر مدببة تستنزف الأعصاب.. فيلد فيك فعل الشعر، وتنصب على الورق، والحب يمطر في أعماقك أحزان الزيتون ...

تتحلق الأطفال في الطرقات المسيجة بأحذية الجنود الثقيلة، ويتوارى اللوز الأخضر من العيون الصغيرة وينشأ فيك فعل تلونه موسيقى الكلمات البدائية، وهنا يعتنق الحب الموت كما تعتنق جذور التين خصور التراب الأحبَل بالخصب.

في درجة فعل الشعر، يندغم التاريخ في لحظة وتصير الأمكنة كلها محشورة في نقطة بين جامع الجزار، وسوق البصل.

وهنا أجدني وكما يؤكد الرفاق في أكثر اللقاءات إنني في الغموض، أو أنني على الحافة، او انني مسور بالحزن حيناً، والخوف أكثر الأحيان، لكنني وكما يندفع الدم الواعد من فتحة الجرح الكبيرة أنفجر في كلماتي، وكان يمكن أن تكون هذه الكلمات مقدمة عن تجربتي الشعرية بعد أربع مجموعات، وهي ليست كذلك، إنها كما تراها إشارة حادة إلى المدخل الشعري، وان أي فنان أصيل لا يستطيع أن يزيف موقفه كفنان لأن قانون موقعه لا يرحم، ولو كنت في بيروت لكان في لغتي طعم أعقاب السجائر ممتزجاً بكل المصطلحات المفرغة الا من الطلاء الخالب.

ولعلهم هناك على حق، ولكنني لست بالقاصر عن الردح والتسكع، إنها الأحزان الجميلة التي تختلط بالطحالب على حيطان سور القدس المنهوب...

إنني أسير الابتسامات العفوية في شفاه الأطفال المنعوفين على الطرقات من رأس الناقورة إلى رفح، هنا يكون لفعل الشعر مذاق الموت، ذلك بالنسبة لي واضح وضوح القتل، ان فعل الشعر هنا معتق وعمره عمر الزمن الساكن في حارات عكا، وهو حدث يومي اتشربه في عيون التلاميذ كل صباح، وقد لا أكون مفهوماً، حسبي أن أكون محسوساً، إن قرنا كاملاً تقريباً من السياسة والظلم يفقدني مقدرتي على استخدام الذاكرة، وان كل الأرقام على ذلك محفوظة في التلافيف فما قيمة أن تكون على الورق، إن هذا التاريخ العاهر يضعني في قلب الشعر فعلاً حزيناً من أفعال الحب، فهل نحن متصوفون؟

وما الضرر في ذلك ما دام فعل الشعر يوحدنا بالأحداث من الطلوع إلى المغيب، ولا يترك لنا فرصة التبويب والتحليل...

نحن هنا خارج اللعبة بعد، لا نتحدث عن البطولة ولكننا نفعلها، كلنا هنا نفعل البطولة، نفعلها كما نفعل التنفس والتدخين، ولا خيار لنا فليس فعل الشعر تطريزاً لثيابنا إنه الذي يسير العودة فينا، وهو ليس الكحل المجمل لعيون التلحميات وبنات حيفا، انه البؤبؤ الذي به الرؤيا .. وأنا لست ادري متى سقطت أريحا وغزة لأنني كنت في السقوط ...

وخير لي ورفاقي القراء هنا وهناك أن أترك أمر السقوط وتحليله إلى أبطال اللعبة في المقاهي، ليعمر شارع الحمرا بالنساء والفكر...

خذوني من هنا، من القلب، فإن الصحف في القاهرة وبيروت وعمان بحاجة إلى مادة نظيفة...

لست شاعراً حديثاً ولا قديماً، لست رومنسياً ولا واقعياً، لست ذاتياً ولست موضوعياً، لأن فعل الشعر يحتوي كل ذلك ويصير البديل ولكن في مناسبة للحديث عن الشعر والتصوير والموسيقى، لكم ان تحبوا أوزان الشعر وقوافيه، ولكم أن تستعرضوا قدرتكم على التأويل ولمس التجربة الشعرية وتحليل عناصرها وابحثوا ما شئتم عن الصورة، والمضمون والأصالة والخيال.. فذلك شأنكم، أما هنا فلا يوجد إلا فعل الشعر في مستوى القصيدة وتحت اعتبار الفرح الواعد، ومستوى فعل الشعر يوم يصير الموت كالحب وأراهما في وضوح القتل.

والآن رفيقي القارئ، تستطيع ان تبدأ القصيدة الأولى من قصائد، "الحب الذي لا يعرف الرحمة"، هذا الحب الذي قال التاريخ وقالت السياسة أنه مات، له قلب كبير، كبير جداً يتأبى على الموت ويرفض الآخرين كما يرفض التراب الأصيل البذور اللقيطة بها.

نابلس

أول أيار 1975

--------------------

قديم 06-26-2012, 10:31 PM
المشاركة 25
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
هل عرف عبد اللطيف عقل السر؟


الموت والحب ولحظة الوجد وفعل الشعر كما يراها عبد اللطيف عقل في مقدمة كتابة " قصائد عن حب لا يعرف الرحمة"

بقلم: أيوب صابر

الذي يعرف عبد اللطيف عقل يعرف انه كان يجيد فن النثر كما كان يجيد نظم الشعر، ولديه القدرة حينما يكتب على التأثير في كل الأشياء الساكنة حوله وضمن دائرة بحجم الكرة الأرضية، لا بل وتحريكها فلا تعود ساكنة و ليست هي، هي، وكأن تغيرا قد طرأ على مكوناتها وجزيئاتها البنيوية... ويمتد اثر ما يقوله إلى مجرات أخرى وعبر الزمن إلى مستقبل بعيد، بعيد جدا...هو يكتب بلغة من زمن آخر، زمن لم يأت بعد ولذلك يجد الدارس والمحلل لما يقوله انه كان يسبق عصره في رؤية الكثير من الأمور المستقبلية بعين ثاقبة، شأنه شأن كل شاعر امتلك تلك الطاقة البوزيترونية المهولة واللامحدودة في قوتها، والتي تدفقت في ثنايا ذهنه كنتيجة لمآسي طفولته المتعددة، فجعلته قادرا على الاستشراف والرؤيا بعين ثاقبة.

وهو هنا، في مقدمة كتابة" قصائد عن حب لا يعرف الرحمة"، يقول للمتلقي الكثير، سواء بوعي أو من غير وعي. والصحيح أن الكثير مما يقوله المبدع، وعبد اللطيف عقل ليس استثناءا، يصدر عن عقله الباطن، ويكون مفاجئ للمبدع نفسه في أحيان كثيرة.
فمن ناحية نجد عبد اللطيف عقل في هذا النص يربط بين الموت والحب والشعر، ويكرر ذكر الموت في أكثر من موقع، ويصوره كقوة فاعلة ومحركة، وكأنه يعرف أو ربما انه كان يستشعر بأن الموت الذي حرمه الأب، ومن ثم الأخت الكبرى، لا بد انه كان سببا في قدرته على النظم المهول، والكتابة الفذة المزلزلة، والتي تشتمل على الكثير من التجليات والرؤيا الثاقبة، وحتى لحظات الوجد التي جعلته ينظر إلى نفسه بأنه صوفي ربما. ومثال ذلك يقول:
" إنهم يفعلون الموت كما يفعلون الحياة نصفا بنصف"
" الموت والحب والشعر كما المطر أفعال فحسب "
" وهكذا افعل الشعر كما افعل الموت والحب والشعر"
" إن موقعي يفرض هذا الموقف لذلك لا أجد الفواصل في بين الموت والحب والشعر".
" وهنا يعتنق الحب الموت كما تعتنق جذور التين خصور التراب الاحبل بالخصب"
" هنا يكون لفعل الشعر مذاق الموت"
ومن ناحية أخرى، يبدو عبد اللطيف عقل بأنه يصف لنا هنا لحظة ولادة القصيدة وما يعتمل في ذهن الشاعر في مثل تلك اللحظة، وكأنه يستشعر لحظة الوجد تلك، التي يتحدث عنها الشاعر الأمير عبد الله الفيصل أيضا في أكثر من موقع، والتي تشابه لحظة الوجد عند الصوفية. وفي ذلك ما يشير إلى ويفسر طبيعة الطاقة التي تكمن وراء الإبداع حيث يقول" هنا أفعل الفرح أو الغضب، أو الرفض بالشعر، وأراني وكأنني أطفو على سطح موقعي كما تطفو اوراق الزيتون وأزهار اللوز على صفحة الأفق الزرقاء وارتبط بالأشياء والأحداث بعلاقة الفرح الواعد بالحب، إنني أتوحد بها حقيقةً يفسدها المجاز، وهكذا تتحدد الصورة بتوزيع خفيف للنور والظل وتكون الألوان سابحة فيَّ في مباشرة لا يودُها ساكنو المقاهي ومحترفو اللعب بالأشياء. لا يُهمّني أنني أتقدم أو أتأخر، أو أنحرف يميناً أو يساراً لأن ممارسة الفعل تفترض الحركة الحرة وأنسى تسميات النقاد. "
ويقول بهذا الخصوص أيضا:
" في درجة فعل الشعر ينعدم التاريخ في لحظة وتصير الأمكنة كلها محشورة في نقطة ".

ويقول :
" وهنا اجدني وكما يؤكد الرفاق في أكثر اللقاءات إنني في الغموض، أو أنني على الحافة، أو أنني مسور بالحزن حيناً، والخوف أكثر الأحيان، لكنني وكما يندفع الدم الواعد من فتحة الجرح الكبيرة أنفجر في كلماتي".

ويقول:
"إن هذا التاريخ العاهر يضعني في قلب الشعر فعلاً حزيناً من أفعال الحب، فهل نحن متصوفون؟"
وهنا نجده يصف لحظات ولادة القصيدة فهو يرى نفسه وكأنه يطفو على سطح موقعه ويرتفع إلى صفحة الأفق الزرقاء، وهو يشعر في تلك اللحظة وكأنه يرتبط بالأشياء والأحداث بعلاقة الفرح الواعد بالحب، ويتوحد بها ولا يُهمّه وهو في مثل تلك الحالة أن يتقدم أو يتأخر، أو ينحرف يميناً أو يساراً وهو ما يشير أن طاقة مهولة قد أصبحت المسيطرة على كيانه ربما كنتيجة لتغير كيماوي حدث في دماغه جعله أشبه ما يكون بكائن ما ورائي له قدرات خارقه تجعله قادرا على التحليق وربما الطيران خارج نواميس الطبيعة. ولذلك ينعدم التاريخ والزمن ويصبح كله في لحظة واحدة كما تصير الأمكنة كلها محشورة في نقطة واحدة وهو ما يشير إلى انتفاء المكان أيضا".
ومن الطبيعي إذا والحال كذلك أن يأتي كل فعل يحصل أثناء سيطرة مثل تلك الحالة الماورائية مهولا، وأن يكون عبقريا، مدهشا، وأحيانا غارقا في الغموض والغرابة والرمزية، وربما النبوءات التي تظهر على شكل كتابات كودية. كيف لا وقد انعدم الزمن وأصبح كله في لحظة واحدة، كما انعدمت الأمكنة وأصبحت في نقطة واحدة.
ومن الطبيعي إذا أن يشعر الشخص الذي يمر في مثل تلك الحالة انه على الحافة، أو أنه مسور بالحزن والخوف في أكثر الأحيان، كما يقول عبد اللطيف عقل، وقد تحول فجأة إلى كائن بقوة ما ورائية لا محدودة. ومن الطبيعي أيضا أن تنفجر الكلمات كما يندفع الدم من فتحة الجرح الكبيرة ".

ومن ناحية ثالثة نجد عبد اللطيف عقل يقدم لنا نصا هو اقرب إلى أن يسمى " مدخل إلى فن الشعر"، حيث يشرح فيه سيكولوجية أو ربما الأصح أن نقول فسيولوجية ولادة القصيدة ومن أين تأتي، والسر الكامن وراء ولادة الشعر، إذ يقول:
" الموت والحب والشعر كما المطر".
ويقول :
" حين تتحلق الأطفال في الطرقات المسيجة بأحذية الجنود الثقيلة، ويتوارى اللوز الأخضر من العيون الصغيرة وينشأ فيك فعل تلونه موسيقى الكلمات البدائية"
ويقول:
" في الطريق إلى القدس، تغيم المرئيات، وتنسد أمامك نوافذ الفرح فتهاجمك إبر الشعر، وتنزلق في روحك أظافر مدببة تستنزف الأعصاب.. فيلد فيك فعل الشعر".
وكأنه يقول إن في ذهن الشاعر وكيانه فتيلة هي مصدر الطاقة اللامحدودة ، والتي أسميتها (طاقة البوزيترون)، وتتشكل تلك الفتيلة على اثر صدمة اليتم، والفجائع، والمآسي، أو ما يشبهها من أحداث وصدمات لا بد أنها تترك أثرا في ثنايا الدماغ، وتكون هذه الفتيلة مصدرا لا محدودا للطاقة الماورائية (البوزيترونية)، وهي النبع المتجدد الذي تنبجس منه القصيدة وكل عمل إبداعي قطعا وعلى الإطلاق.


تخبو هذه الفتيلة أحيانا في ذهن الشاعر اليتيم لكنها تظل في حالة جهوزية تامة للاشتعال المتجدد... ذلك الاشتعال الذي يشبه الوميض، والوهج العظيم، وكأنها من كون آخر سماوي، وهو يُوَلّدْ طاقة لا محدودة في قوتها، كما تم شرحه في نظريتي لتفسير الطاقة الإبداعية، فهو أشبه بلحظة الوجد التي ينعدم فيها المكان والزمان ويصبحا في لحظة ونقطة واحدة، كما يقول عبد اللطيف عقل:
"في درجة فعل الشعر ينعدم التاريخ في لحظة وتصير الأمكنة كلها محشورة في نقطة" فيكون الشاعر عبقريا، فذا، ومبدعا، وكرزميا، وغامضا أحيانا لان كلامه يحتوى على كودات تحمل على لغة مستقبلية، لغة هي أشبه بلغة الرمز. ويظن نفسه ويظنه الآخرون على الحافة لأنه يتحدث بلغة أخرى من عالم ما ورائي، عالم انتفى المكان والزمان فيه وأصبحا في لحظة ونقطة واحدة فتكون كلماته ليست كالكلمات. وهذا تحديدا ما يفسر أيضا القدرة على الاستشراف، والرؤيا الثاقبة، أو ما يطلق عليه البعض نبوءات الشعراء، حيث تتجلي الكثير من الأمور المستقبلية للشاعر فينطق بها، فتحتويها نصوصه وتظل كامنة هناك إلى أن يتبدل الزمان ويصبح المستقبل حاضرا، فيأتي من يفتش قصائد ذلك الشاعر المبدع الفذ اليتيم فيجده قد تحدث في أشياء قبل وقوعها بزمن بعيد، وأحيانا بعيد جدا، ولكن في الغالب بلغة رمزية تحتوي على كودات غير مفهومة إلا في الزمان الذي تتحقق فيه الرؤيا أو النبوءة وتصبح واقعا.


ويبدو أن فعل الشعر أو ولادته يتكرر في كل مرة تتسبب شرارة ما، أو كما يصفها عبد اللطيف عقل أعلاه بإبر الشعر واظافره، في إشعال هذا الفتيل ولو للحظات، فتتشكل تلك الطاقة المهولة فتولد القصيدة...بل يندفع الشعر كما يندفع الدم الواعد من فتحة الجرح الكبيرة وتكون أشبه ما تكون بفعل انفجار، كما يصفها عبد اللطيف عقل أيضا، كونها آتية من مصدر طاقة لا محدودة حيث يقول:
" وهنا اجدني ...في الغموض، أو أنني على الحافة، أو أنني مسور بالحزن حينا، والخوف أكثر الأحيان، لكنني وكما يندفع الدم الواعد من فتحة الجرح الكبيرة أنفجر في كلماتي".
ويذهب عبد اللطيف عقل بعيدا هنا إذ يذكر لنا بعض مثل تلك اللحظات التي تقوم مقام فعل الشرارة والتي تتسبب في اشتعال ذلك الفتيل الكامن في ثنايا الدماغ فتتولد تلك الطاقة المهولة التي تقف وراء ولادة القصائد ومنها كما يقول"
" إنني في موقف الفعل الشعري ...لأنني في موقع التراب الأول"
ولا بد أن التراب الأول هنا يعنى الأرض المحتلة وذلك يعني أن كل ما يصدر عن الاحتلال من قهر ووجع وسجن وألم وحزن الخ...هو شرارة متجددة يمكن أن تجعل ذلك الفتيل يشتعل من جديد.

وأحيانا أخرى تكون لحظات الفرح والجمال عند عبد اللطيف عقل هي تلك الشرارة التي تشعل فتيل الطاقة اللامحدودة كما يقول:
" هنا يصير الشعرُ فرحا، ونحن هنا نفرح بالمناسبة، يوم تتقاطر الفلاحات في أوائل الزيتون والمطر، يوم تتقاطر الجمال والأطفال في أواخر الصيف بين حقول القمح والبيادر، يوم تدخل تلميذات المدارس أو يخرجن في جوقة يحرسها اللون الأخضر المخطط بالوعي، يوم ينور اللوز ويحصرم العنب، إنني أفعل القصيدة يوم تفعل طبيعتنا الجمال، واترك الأصوات تندرس في روحي وعلى الورق.
وهو في هذا النص يصف لنا أيضا لحظات فعل القصيدة أي ولادتها، ففي مثل تلك اللحظة يترك عبد اللطيف عقل "الأصوات تندرس في روحه وعلى الورق"...ولا بد أن تلك الأصوات التي يتحدث عنها عبد اللطيف عقل هي حالة نفسية أو ربما فسيولوجية أو كهرومغناطيسية تنتج عن لحظة الوجد التي هي لحظة اشتعال الفتيل، فتتولد تلك الطاقة اللامحدودة، فيلتقي الزمان والمكان في لحظة ونقطة واحدة... فيتحول الشاعر إلى كائن ما ورائي خارق يتقمصه وحي الشعر، وهي لحظة أشبه ما تكون بلحظات الوجد التي يتحدث عنها الصوفيون ويفسرونها على أنها ذوبان نقطة الماء بماء المحيط وفعل من أفعال الحب والتوحد. تلك الحالة أجاد الشاعر الفذ عبد اللطيف عقل في تصويرها ووصفها حيث قال:
" وأراني وكأنني أطفو على سطح موقعي كما تطفو أوراق الزيتون وأزهار اللوز على صفحة الأفق الزرقاء ....لا يُهمّني أنني أتقدم أو أتأخر، أو أنحرف يميناً أو يساراً لأن ممارسة الفعل تفترض الحركة الحرة ".


ولا شك أن عبد اللطيف عقل وكونه صاحب طفولة مأساوية وقد مر فعلا بفجائع وصدمات عظيمة مزلزلة وهي موت الأب في الطفولة المبكرة ثم موت الأخت ثم زواج ألام والسجن اضافة الى سلسلة هائلة من العذابات المصاحبة لمثل ذلك اليتم المكثف...وعليه نجده قد امتلك فتيل عظيم كان مصدر طاقة هائلة، لا متناهية، وظل في حالة اشتعال دائمة، فتارة بسبب جمال الطبيعة في فلسطين، وتارة أخرى بسبب كثرة ابر الشعر كما يقول هو وأظافره، في ظل فقر وبيوت صفيح ونكبات وهزائم وبسبب الجراد الذي تسبب في الكثير من الأحزان، والمآسي، والأوجاع التي كان يراها عبد اللطيف عقل في عيون الأطفال الذين كان يعلمهم في المدارس الابتدائية، ولذلك نجده عاش الكثير من لحظات الوجد والانفجارات الشعرية والنثرية بلغة رمزية اشتملت على استشرافات ونبوءات والكثير من التجليات المستقبلية والنبوءات التي تزخر بها كتاباته.

فنجده مثلا في هذه المقدمة والتي كتبت في العام 1975 يتحدث عن سقوط غزة وأريحا حيث يقول :
"...ليس فعل الشعر تطريزاً لثيابنا إنه الذي يسير العودة فينا... انه البؤبؤ الذي به الرؤيا .. وأنا لست ادري متى سقطت أريحا وغزة لأنني كنت في السقوطوكأنه كان يشير هنا وبقدراته الماورائية البوزيترونية الخارقة إلى اتفاق غزة - أريحا أولا، والذي تم توقيعه بعد تاريخ تلك الكتابة بسنوات عديدة، ويبدو انه كان يعتبره فعل من أفعال السقوط.

ربما كان عبد اللطيف عقل يعرف سر ولادة القصيدة ويعرف سر الوجد... وان لم يكن يعرف فلا شك انه في شرحه اللاواعي عن فعل الشعر فتح لنا أبواب المجهول لنتعرف نحن على السر.. وكل ما قيل هنا يؤكد على انه شاعر مبدع، وفذ، وعبقري، ذو رؤية ثاقبة وبعد نظر، وكرزما طاغية، وله قدرة على الاستشراف والرؤية المستقبلية، وانه قد امتلك طاقات ذهنية لا محدودة جعلته يعيش لحظات من الوجد انتفى فيها الزمان والمكان فانكشف له الزمن القادم وانفجرت الكلمات على شكل قصائد مزلزلة...ولا شك إننا سنحتاج لسنوات عديدة قادمة حتى نتمكن من فكفكة لغة قصائده الغارقة في الرمزية احيانا، وسبر أغوار نصوصه والنفاذ إلى أعماق ما سطره شعرا ونثرا.

قديم 06-30-2012, 04:21 PM
المشاركة 26
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ساهم في بناء الصرح الثقافي الاهم " موسوعة منابر ثقافية" وذلك من خلال ادراج سيرتك الذاتية التفصيلية مع التركيز على احداث الطفولة.
ويمكنك إن شئت اتخاذ الصياغة العامة لسيرة حياة الروائية ريم بدر الدين المنشورة هناك نموذجا:

http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=8425

قديم 06-30-2012, 10:59 PM
المشاركة 27
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تنبؤات الشاعر الكبير معروف الرصافي

انا بالحكومة والسياسة جاهــــــلُ عما يدور من المكائد ِ غافـــــــل ُ

لكنني هيهات افـْقــــــــــهُ كوننا شعبــــا ً يتامى جـُلـّه ُ، وأرامل ُ

في كل ّ يوم ٍ فتنة ٌ ودسيســــــة حربٌ يفجّرُها زعيـــــــــــم ٌ قاتل ُ

هذا العراقُ سفينة ٌ مســـــروقة حاقت براكيـــــنٌ بهــــــا وزلازل ُ

هو منذ تموز المشاعل ظلمــــة سوداءُ ، ليل ٌ دامس ٌ متواصلُ

شعبٌ اذا حَدّقـْتَ ، كلّ ُ جـــذوره اقتـُلِعـَتْ ، وان دققتَ شعبٌ راحلُ

اما قتيـــــــلٌ شعبـُنا او هــــاربٌ متشـــــــردٌ او ارملٌ او ثاكــــلُ

هذا هو الأمل المرجى صفقــــة ٌ أثرى بها الوغدُ العميلُ الســـافل ُ

هذي شعارات الطوائف كلهــــــا وهم ٌ ، سراب ٌ ، بل جديب ٌ قاحل ُ

القادةالأفذاذ سرب ٌ خائــــــــب هم في الجهالةِ لو نظرتَ فطاحل ُ

هذا هو الوطنُ الجميلُ مسالــخ ومدافن ٌ وخراــئب ٌ ومزابـــــــل ُ

في الثأر أوطانُ التطرفّ مسلخ ٌ متوارث ٌ او مذبــــــح ٌ متبـــادلُ

في كلِّ حزبٍ للنواح منــــــــابرٌ وبكل قبو ٍ للسلاح معامـــــــــــلُ

ولدق رأس العبقريّ ِ مطــــارقٌ ولقطع عنق اللوذعي ّ و مناجــلُ

انتم بديباج الكــلام أماجـــــــــدٌ وبنكث آصــرةِ الوفـــــــاء أراذل ُ

هجرت عباقرة ٌ مساقط َ رأسِها وخلافها ، لم يبق الأ الجـــــــاهل ُ

لم يبق الا الجرح ُ قد خدعوه اذ قالــــوا لنزفه انت جــرحٌ باســـلُ

لا ياعراقُ ثراك نهـــــرٌ للدمــــا وعلى ضفافِه للدموع خمـــــــائلُ

الارض كل الارض من دم شعبنا اتقـّدَتْ مصابيح ٌ بها ومشاعــــــلُ

الارض نبع الحــُبّ لولا شـــلـــة ٌ هي حابلٌ للاجـــــنبيّ ونابـــــــــلُ

يتآمرون على العراق وأهلِــــــهِ زمرٌ على وطن الإبا تتـــــطاولُ

فهنا عميـــــلٌ ضالــع ٌ متآمــــر وهناك وغد ٌحاقـــــدٌ مُتحامـــــلُ

شايلـــــــوك فيها مآس ٍ جمة ٌ ومهـــــــــــازلُ "جذلانٌ بكون بلاده

ومتى العراقُ مضى ليرفعَ رأسَـــهُ دارت فؤوسٌ فوقـَهُ ومعـــــــاولُ

تـُجـّارنا اوطانـُهُــــمْ صفقاتـُهــــــُمْ هم فـــي الخيانة والريـــــــاء اوائل ُ

لكن برغم صليبنا ونجيعنــــــــــــــا فيسوع جلجلة العذاب يواصــــــــل

يحيــا العراق برغم شائكة الدمــــا للنور نبعٌ للحيـــــاة مناهـــــــــــلُ

لاتبك و قافلة ً تمـــوت ، فإثرهــــــا ازدحمت على درب الفداء قوافل ُ

ما أعظم الوطن الفخــــور بحتفـــــــه ِ متشائم ٌ بحياتـــه ، وبموته متـفائل

قديم 07-01-2012, 01:00 PM
المشاركة 28
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
قراءة المستقبل في شعر البردوني


عن الموقع الإخباري اليومي : سبتمبر نت.
بقلم رئيس التحرير : بحيى عبدالله السلقدي

صحيفة 26سبتمبر
عاش البردوني صدراً مفتوحاً لكل الناس لم يغلق في وجه أحد
تنبؤات البردوني تندرج تحت بند الاستقراء مع شيء من رهافة الإحساس وشفافية الروح
> لقد ظل القلق والخوف من المستقبل ملازماً لحياة الامة العربية والاسلامية منذ ان قطع التمزق والتشرذم أوصالها وأصابها تسلل الوهن والجهل الى مكامن القوة من كيانها ومن ثم جادت قرائح مبدعيها بكل صور الثبات وأوغلو في قراءة الكف الزمني حتى خيل للمتتبع أساليب تنبؤاتهم أن الأمة قابعة في كهوف الظلام الدامس لا تعي ولا تسمع لذلك ظل المبدعون يدقون نواقيس الخطر ويحذرون من القادم المخيف لكن صرخاتهم وتحذيراتهم ذهبت سدىً وكانوا كمن يحرث في البحر ويبني قصوراً في الهواء حتى إذا ما هبت العاصفة جاء من يقول لقد قال لنا فلان ان هذا سيحدث فما أدراه؟!
لينهض المعنى بين انقاض الخرائب الآدمية بعد فوات الأوان ليعزي الأمة في مصابها الذي هي فيه وفي عدم تفاعلها من التحذير والإنذار المبكر الآتي من ثنايا الأفق للمبدع عبر تجليات الإحساس المرهف.
وها نحن اليوم نستخرج من تحت ركام الثورة العربية معاني كان حقها ان تدرك مبكراً وتستوعب وتبني على أثرها خطط المستقبل لكن طغيان الهواء الاستبدادي مستمر في طغيانه، مفتوناً بثناء الخانعين عليه واستعطافهم لجنابه حتى إذا ما قادنا الطغيان إلى الغرق هلك الجميع دون استثناء.
أ/ علي حسن وهبان
لقد كانت هزيمة 1967م نقطة تحول في القصيدة العربية حتى وجدنا نزار قباني يترك مغازلة ومداعبة الخدود والنهود والشفاة النسائية ويطالع الساحة بقصيدته الشهيرة هوامش على دفتر النكسة التي بدأها بنعي اللغة القديمة والكتب القديمة وأساليب الحياة السائدة ليلاقي من العنت والانتقاد ما كان المفترض ان يوجه الى المتسببين في النكسة.
إن الداخل الى بساتين البردوني يجد نفسه بين مروج الإبداع الانساني وحدائق الوجدان الفني محاطاً بنجوم الشعر وآلهة الجمال وأنوار الروح المشرقة بقبسات الإلهام المحلق في سماء الخيال الملائكي فلا يساعفه التمني إلا أن يكون نحلة ترتشف من رحيق الأزاهير البردونية ما يكفيها لتعود الى الخلية موفورة الحظ فتبتكر الشهد من الزهر والعسل من الرحيق شراباً سائغاً فيه شفاء للناس ولا تهتم بعد ذلك بمن سيكون آكله أو المستفيد منه وتظل المروج زاهرة ويظل الزهر ندياً جواداً بالرحيق العذب مهما كثرت النحل الواردة اليه وتعددت مناحلها ووجهاتها ولم يسمع الناس بزهرة تسأل نحلة من أين أنت وما مذهبك ولماذا تأخذين رحيقي؟ وإلى أين تسوقينه؟ وماذا تفعلين به؟ الى آخر الاسئلة التي تلازم البشر دون سواهم غير أننا قد نجد نحلة تقاتل نحلة اخرى إذ أن الصراع بين الآخذين ناموس من نواميس وجود الجنس الواحد للكائن الحيواني باعتبار التنافس أصل الابداع والتطور.
ولقد عاش البردوني صدراً مفتوحاً لكل الناس لم يغلق في وجه احد وقد خلف الباب مفتوحاً الى قلبه البشري النابض بحب الآدمية السوية والحياة الطاهرة النقية تاركاً ثروة لا تقدر بثمن مشاعة لمن شاء من بني الانسان الاستفادة والإفادة منها او التمتع بجمالها لأنه كان يعتبر الجمال ملكاً للجميع لا فرق بين إنسان وآخر الا بمقدار القدرة على اكتشاف الاجمل، فالأجمل والترقي في معارج الاكتشاف والاستكشاف وها أنا واحد من الوافدين الى جنة البردوني الوارفة مشتاقاً الى التمر واللبن والى استراحة العاشق في جمال معشوقه.
لست اكاديمياً وما كان البردوني كذلك لذلك أطلقت لسجيتي العنان كما علمني استاذي البردوني وتركت مناهج الدارسين رغبة في البقاء على الفطرة التي لازمت الشاعر الفطري عبدالله البردوني.
قال الاستاذ خالد عبدالله الرويشان في مقدمة ديوان البردوني (الأعمال الشعرية الكاملة) لم يكن البردوني مجرد عابر سبيل في حياتناولن يكون أوبالنسبة لليمن فإنه شاعر كل العصور إنه شاعر الألف عام الماضية على الأقل وأحسب أن زمناً طويلاً سيمر قبل أن تعرف اليمن شاعراً آخر يمكن ان يرتقي هذه الذرى التي حلق البردوني في اجوائها وقد كانت ذرىً صعبة مستحيلة على المستويين الابداعي والانساني وإنما يحزن حقاً أن الضوء لم يلق بما فيه الكفاية على تجربته الإبداعية والاكثر مدعاة للحزن أن الاهتمام ينصب في العادة وفي اليمن على وجه التحديد على تأويلات مباشرة وربما لأبيات ومواقف او حتى لرأي عابر في ظرف عابر، وأقول للسيد الوزير هذه هي عظمة الابداع البردونية، وقال الدكتور عبدالعزيز المقالح في تقديمه لأحد الدواوين هل تستطيع الساقية أن تقدم النهر وهل يستطيع النهر أن يقدم البحر.
وأنا إنما أردت الخوض في هذا البحر الخضم فهو البحر بكل ما تعنيه الكلمة وقد قال عن نفسه ذلك:
وحدي نعم كالبحر وحدي *** مني ولي جزري ومدي
وحدي وآلاف الرؤى فوقي *** وكل الدهر عنــــــــــــــــدي
لست إذاً بصدد التعريف بالبردوني ومن اكون حتى انتحل ما عجز عنه المقالح وغيره؟ كل ما أردته هو نيل وسام شرف الكتابة الأدبية من خلال هذا البحر والدخول خلسة الى الحدائق الوارفة في غفلة الرقباء لعلي أحصل على جائزة ثمينة من ملك البحر وسيد الحدائق.
ولم أعد الى مراجع كثيرة وإنما اكتفيت بما لديَّ من تراث البردوني وأطلقت ذائقتي البسيطة في فهم النصوص لأصل الى غرضي من قراءة المستقبل في شعر البردوني.
لكي نحدد ما هية التنبؤات المستقبلية في شعر البردوني علينا أولاً البحث عن فلسفة الشاعر نفسه ومعرفة ينابيع ثقافته ومصادر معرفته ومدى علاقته بالقوى الميتافيزيقية لأن الذين يتنبأون بالمستقبل لابد ان يتمتعوا بقوى روحية تخترق العادات وتتجاوز حدود المعقول الزمني الملازم للحظة التنبؤ ويكون التنبؤ أو النبوة كذلك لسببين الاول أن يكون صاحبها قد وهب من الإدراك ما لم توهب لأبناء جنسه في مختلف الأزمنة والعصور، والثاني أن يكون عالماً فاهماً مطلعاً ومن حوله خلاف ذلك فيرون في توقعاته المنطقة نبوة وليست كذلك، أما بالنسبة للشاعر فإن حظه من التنبؤات هي التي جعلت العرب ينسبون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى الشعر فرد عليهم الله جل وعلا في كثير من سور القرآن أنه ليس كذلك وحتى سميت احدى سور القرآن سورة الشعراء.
ذلك ان شفافية الروح ورقة العاطفة وسمو المشاعر ترتقي بصاحبها الى معارف عليا مما يجعلها خارج إطار القدرة الجسدية للفهم والاستيعاب وبذلك سمي أبو الطيب (بالمتنبي) ليس لما قيل من انه أدعى النبوة، ولكن لأن في شعره تنبؤات مستقبلية والمتنبين بالاحداث المستقبلية كثيرون كالمنجمين والبعض من المتصوفة وأهل العرفان والزاعمين الاتصال بالجن والمتمكنين من معرفة جوهر الأعداد وهناك اصحاب البصر الخارق والبصيرة الخارقة والفكر الخارق وهناك في العصر الحديث النبواءات الاستخباراتية التي تمهد لأغراض سياسية معينة وتجعلها مقبولة للعوام والخواص وخلاصة القول في هذا الموضوع من وجهة نظري الآتي:
1- إنما نجهله نحن ويعلمه واحد او اكثر من واحد من بني البشر ثم يثبت وجوده فيما بعد قد كان موجوداً غير مدرك للإدراك العادي.
2- أن طبيعة الابداع الانساني باحثة عن الجوهر ومبتكرة لوجود موجودات لم تكن ظاهرة للعيان ولا سهلة المنال.
3- ان التفكر في الاسباب والنتائج بتجرد وحرية تمكن صاحبها من الإخبار عن نتيجة عمل ما (قبل حصولها).
4- إن التحليق بأجنحة الخيال سياحة تفضي عن الإحساس شفافية الشعور بالحدث قبل وقوعه.
5- هناك فرق بين التنبؤ والنبوءة من حيث المعنى وإن كان الاشتقاق واحداً.
6- كلمة نبوءة لا تمس جوهر الدين الا حين تتعارض مع ما جاء به الدين كأن تحلل حراماً او تحرم حلالاً أو تنفي أمراً واضحاً من الدين.
7- هناك فرق بين الإلهام والإيحاء بين تلقي الوحي مباشرة من السماء او عن الملائكة الذي هو خاص بالانبياء والمرسلين ولا حظ لغيرهم فيه.
8- إن السياسة قد تضفي على التوقعات او التنبؤات حالة توصلها الى مرتبة القداسة لخدمة مصالح قوى معينة وكثيراً ما تقوم بذلك اجهزة الاستخبارات وتروج له عبر وسائل الاعلام أو من خلال كتيبات الفلكيين والمنجمين والعرافين.
9- إن تنبؤات البردوني تندرج تحت بند الاستقراء مع شيء من رهافة الاحساس وشفافية الروح والأهم عندي من التسمية يكمن في التنبه الى ما قلته في أكثر من موضع في هذه الورقة من أن البردوني كان حاد البصيرة، ينظر الى المستقبل من خلال التاريخ بأزمنته الماضي، والحاضر، والمستقبل، ويقارن مقارنة فكرية بين الفعل المستمر ونتائجه والزرع وثمرته ويشارك الآتي مشاركة وجدانية تحقق له معايشة الحدث نفسه او رؤيته رأي العين وإن الغالب على قراءة المستقبل في شعر البردوني التصوير الواقعي للحدث، إلا أن ذلك لا يمنع من عدم إتيان بعض القراءات او التنبؤات كفلق الصبح لأن البردوني بشر أولاً وأخيراً وقد يأتي من يستغل نص ما في زمن ما وفق هواه ليحقق غرضاً ما في نفسه وتحديد قراءة البردوني في المستقبل تعود الى البردوني نفسه وعبقريته الابادعية وحقيقته الروحية إذ إن البساطة في حد ذاتها رياضة روحية والعبقرية نبوغ فكري معرفي يحدث مفارقات كثيرة بين الانسان وعصره وثقافة البردوني المعرفية تشتمل على كل الاتجاهات الفكرية والتوجهات الماورائية والمذاهب الفلسفية والعرفانية عقيدته الدينية هي العقيدة التي ترفع الانسان الى درجة الملائكة إضافة الى فقدانه للبصر والتعويض عنه بالبصيرة على اننا نجازف لو اغفلنا السائد في المجتمع العربي عامة واليمني خاصة من التمسك بالتنبؤات المستقبلية وما تعكسه على شخصية الابداع الادبي والانساني على مر العصور يقول في ديوان (زمن بلا نوعية) في قصيدة بعنوان (الحقل العقيم):
قيل جاءوا وغيرهم جاء حينا*** جد شيء فما الذي جد فينا
السراب القديم صار جديداً*** الخواء البديد أمسى مشينا
الجــــــلود التي عليــــــنا طـلاء*** كاذب يركب الفراق الحزينا
إلى أن يقول:
أي فرق مــــــا بين ذاك وهــــــــــــذا*** ذا هزيل وذاك يبدو سمينا
والذي كان كالذي أمتد منـــــــــــه *** نزع الورد شـــــوكه يجتثينا
كيف شئنا زهراً فأعشب شوكاً*** كأن فينا غش البذور دفينا
ويقول في قصيدة أغنيات المغني عام 1977م مخاطباً أم كلثوم:
ألا تنـــــظرين زحوف الصــــليب*** أتوا ثانياً كإنقضاض السباع
يسوسون من نصبوهم رؤوساً*** يدوسون من لقــــــبوهم رعـــاع
هي الخطوة الخطوة استوطنت*** الى الداخل اجتازت المستطاع
فحلت عن الخط أعلى القصور*** ومــددت على كل شبرين بـــاع
ولايترك اليأس يفعل فينا ما يشاء فسرعان مايقفز بنا قفزة واحدة بتساءلاته يقول في نفس القصيدة:
أكل النجوم أنطفأت ربما*** تنحت لأخرى أجد التـماع
فما بين ظاهر هذا الرماد*** وبين طواياه أعلى نـــــــزاع
أما تحت كل خمود بريق*** يدل على مبعث الإندفاع
إن البردوني كاللغوي الذي أدرك المبتدأ ويبحث عن خبره في جمل الاحداث واسمائها وظروفها ثم رحل عن الدنيا وفي قلبه شيء من حتى ولم يرحل الا وقد امطر السين وسوف بأوفر ما في التنبؤات الشعرية من وقائع واحداث يستقبلها المضارع المستمر الى ما شاء الله.
وفي المحاضرة أوراق أخرى مازالت تحت الطبع.
قد لا استطيع تحديد بداية معينة للبردوني في قراءة الكف الزمني او التنبؤ بما سيحدث في الآتي من الزمان ، فالزمان عند البردوني حركة ثورية مستمرة باعتبارها اللفظي والمعنوي ومرد ذلك بتصوري يعود الى ثقافة البردوني الدينية وفهمه لما تحتويه الافعال الثلاثة من الإيحاء الدلالي الذي يمنح المعاني حركة مستمرة وأمثال ذلك في كتاب الله أكثر من ان تحصى ، وعلى سبيل المثال نجد الامر المستمر في قوله تعالى «قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق ، وقل أعوذ برب الناس ، وقل يأيها الكافرون، وقل لعبادي» ومما يجمع الامر مع المضارع (قل لا يعبأ بكم ربي)، وكثير هو هذا الضرب من الافعال.
وأما للماضي فمثل قوله «خلق كل شيء وقدره تقديراً» وقوله «خلق الإنسان علمه البيان» أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين، وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم»، أما السين وسوف فقد أضفيتا الى المضارع لزيادة الاستقبال وبذلك يصبح المضارع الاكثر استمرارية واستقبالاً للأزمنة ومن ذلك قوله تعالى «سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم » وقوله «ولسوف يعطيك ربك فترضى» وحتى لا أخوض فيما ليس لي به علم أكتفي بالإشارة العابرة حتى أصل الى غرضي من كيفية فهم قراءة المستقبل عند الشاعر البردوني.
ربما أن تحديد البداية متعذر على اللحظة على الاقل ومع تعذره فلابد لي من الاخذ بطرف الموضوع وتحديداً أبدأ من قصيدة بعنوان (عتاب ووعيد) والتي يرجع تاريخها الى 1/ جماد الآخر سنة 1380هـ إذ نجد ان تاريخ هذه القصيدة أقدم من القصيدة التي أخذت المكان الاشهر بين قصائد ديوانه (في طريق الفجر) ونجد فيها قراءة للمستقبل توحي بأن الثورة على وشك القيام.. يقول البردوني:
غداً سوف تعرفني من أنـــــــــــــا*** ويسلبك النبل من نــــــــبـــــلك
ففي أضلعي في دمي غضبة*** إذا عصفت أطفأت مشعلك
غداً تلعنك الذكريــــــــــــات*** ويلعن ماضيك مستقـبـــــــــلك
ويرتد آخرك المستكــــــــين*** بآثامه يزدري أولــــــــــــــــــــــــــك
ويستفسر الآثم أين الأثيـــــم*** وكيف انتهى؟ أي درب سلك
غداً لا تقل تبت لا تعتــــــــذر*** تحسر وكفن هنا مأمـــــــــــــــلك
ولا لا تقل أين مني غـــــــــداً*** فلم لم تسمر يداك الفــــــــــــلك
غداً لن أصفق لركب الظلام *** سأهتف يا فجر ما أجمـــــــــلك
هذا الفجر هو الذي تغنى به بعد سنة واحدة في قصيدته التي اخذت عنوان الديوان (في طريق الفجر):
أسفر الفجر فانهضي ياصديقة*** نقتطف سحره وفيض بريقه
كم حننا اليــــه وهو شجونـــا*** في حنايا الظلام حيرى غريقه
وتباشيره خيـــــــــالات كــــأس*** في شفاه الرؤى ونجوى عميقة
وظــــمئنا اليــــــــه وهو حنـين*** ظامئ يرعش الخفوق شهيـقه
وليس مهماً الآن تحديد بداية التنبؤ أو قراءة الكف الزمني في شعر البردوني إنما المهم حقاً أن نقف طويلاً على قدرة البردوني على القفز فوق اسوار الزمان ومعايشته الآتي لعشرات السنين وأظن أن أكثر القصائد شهرة في الوقت الحالي وأصدق صورة صورتها قراءة البردوني الوجدانية للمستقبل هي قصيدة (أبو تمام عروبة اليوم) قد تجاوز عمرها الثلاثين عاماً منذ إلقائه لها في أرض الرافدين عام 1971م.
إن في هذه القصيدة من الاكتشاف المستقبلي الحدثي ما جعلها اليوم اغنية الشارع العربي من المحيط الى الخليج حتى ان الانسان يقف حائراً أمام هذا الاعجاز البلاغي المحمول على أجنحة الرؤيا البعيدة لأحداث ما وراء الزمن لعشرات السنوات، بل ان التوافق العجيب بين الالفاظ والشعارات التي استخدمت في الحرب على العراق من قبل المهاجم والمدافع يجعل الفكر بين أمرين:
الاول أن يجزم بأن البردوني عاش الحدث كما هو قبل حدوثه.
والثاني: أن يكون الفريقان المتحاربان قد اتفقا على الأخذ (بالعبارات البردونية) مثل قوله:
اليوم عادت علوج الروم فاتحة وموطن العرب المسلوب والسلب
فكلمة علوج استخدمها وزير الاعلام العراقي (محمد سعيد الصحاف) وكلمة فتح وتحرير استخدمتها قوات الحلفاء او المعتدين على الأرض العربية والعجيب أن يكون موطن إلقاء القصيدة هو المستهدف.
وبالعودة الى النص يتضح لنا دقة في التصوير ولنعيد ما حدث في العراق من خلال النص صورة صورة وحدثاً بحدث وموقفاً بموقف ليتضح لنا بجلاء ما في شعر الراحل (عبدالله البردوني) من قراءة مستقبلية، فالقصيدة والعودة اليها ستحقق العائد اليها صورة المأساة كاملة في رحلة درامية شعرية فريدة ومتجددة يخاطب فيها البطل ماضي أمته العربية العريقة عن طريق مخاطبة الشاعر الأكثر شهرة في ذلك الماضي المجيد ويخوض اليه البحر الذي خاضه شاعر الرشيد (ابو تمام حبيب ابن فراس الطائي) ثم مايلبث الا لحظات حتى يعاجل الماضي بوصف الحاضر المزري وكأن الماضي هو السائل عن الحال.
ماذا جرى يا أبا تمام تسـألني
عفواً سأروي ولا تسأل ماالســبب
يدمي السؤال حياء حين نسأله
كيف احتفت بالعدا حيفا او النقب
عروبة اليوم أخرى لا ينــم على
وجودها اسم ولا لــــــون ولا لقـــــب
ومن أروع صور البلاغة في قراءة المستقبل في هذه القصيدة أنه يحدث الماضي بالحاضر ولا يفصل بين الحاضر والمستقبل كأن الحدث الآتي قد وقع فعلاً
اليوم عادت علوج الروم فاتحة
وموطن العرب المسلوب والسلب
وليس الامر عجيباً فهذا البيت مسبوق بسببه.
من ذا يلبي أمام إصرار معتصم
كلا وأخزى من الأفشين ما صلبوا
وبعد هذه النتيجة الحتمية يصور الموقف العربي برمته أدق تصوير.
ماذا فعلنا غضبنا كالرجال ولم
نصدق وقد صدق التنجيم والكتب
وبإمكان من اراد تتبع قراءة المستقبل في شعر البردوني ومقارنة التنبؤات البردونية بالواقع الذي اعقب ولادة القصيدة أن يرجع إلى دواوينه فمعظم القصائد تحمل هذا النوع بأسلوب واضح ومباشر كما هو في القصائد التالية:
1- عتاب ووعيد.
2- أسمار أم ميمون
3- أبو تمام وعروبة اليوم.
4- أولاد عرفجة الغبشي.
5- يقظة الصحراء.
6- أغنيات في انتظار المغني.
7- وفي رجعة الحكيم.
8- صنعاء والموت والميلاد.
ابن زايد وهو من اشعار التسعينات، نستطيع استخلاص فلسفة البردوني في قراءة الازمنة الثلاثة وبالعودة الى الديوان تتجلى عبقرية البردوني وشفافيته واستطاعته القفز على أسوار الزمن، وليعذرني الجميع إذا لم استطع أن أفي الموضوع حقه.
وأخيراً أجد نفسي حاولت ان استخرج مقتطفات تدل على شفافية القراءة البردونية للأزمنة الثلاثة (الماضي، الحاضر، المستقبل)، ومن أراد المزيد عليه بالرجوع الى دواونه فإنها مليئة بكل ما لذ وطاب، وليعذرني الجميع في قصوري عن بلوغ المرام

قديم 07-09-2012, 03:28 PM
المشاركة 29
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
شيء من النثروكثير من النبوءات

في كتابه زمن الشعر يرى ادونيس ان الشعر رؤيا, والرؤيا قفز خارج حدود الزمان والمكان.

فهل قفز ادونيس خارج حدود الزمان والمكان ليأتي لنا بقصيدته ( نبؤة ) وعن اي جسر يتحدث ادونيس في تلك القصيدة ؟ هل هي جسر الشغور؟

قديم 11-04-2016, 03:21 PM
المشاركة 30
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
هذه دعوة متجددة للمساهمة في محاولة رصد كل ما له علاقة بقدرة الشعراء على التنبؤ والاستشراف والتوقع.

اهلا وسهلا بمشاركاتكم في اضافة كل ما يتلعق بنبوءة الشعراء..هنا


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: نبوءات الشعراء والأدباء : دراسة معمقة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
معلقة عمرو بن كلثوم أسامة المهدي منبر ديوان العرب 7 12-30-2019 11:23 AM
شرح معلقة زهير بن أبي سلمى كاملة ناريمان الشريف منبر ديوان العرب 17 12-05-2019 10:49 PM
ظلم الأدب والأدباء سليّم السوطاني منبر النصوص الفلسفية والمقالة الأدبية 1 01-02-2016 05:51 PM
فضآءآت معلقة علي مشارف النبض محمد الشيخ مرغني محمد منبر البوح الهادئ 4 09-01-2015 09:11 PM
سألت سائلة من هو عمر في معلقة عنترة؟ ماجد جابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2 03-20-2013 02:19 AM

الساعة الآن 08:44 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.