احصائيات

الردود
28

المشاهدات
10887
 
طارق الأحمدي
أديــب وقاص تونسي

طارق الأحمدي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
853

+التقييم
0.14

تاريخ التسجيل
Apr 2007

الاقامة

رقم العضوية
3325
11-25-2011, 01:19 AM
المشاركة 1
11-25-2011, 01:19 AM
المشاركة 1
افتراضي بقايا رجل رحل ( رواية )
- 1 -



أنا الحزين الآن.

أعتصر ضلوعي انكسارا, فيتقاطر قلبي بكاء صامتا مكتوما. أقلّب وجهي عكس عقارب الساعة ومعها فلا أحصل له على ملامح, وإن تمثّلت فهي غصّة وبقية تنهيدة أطلقتها روحي.

أنا الحزين.

بعض حلم كان, وصرخة ألم في قلب الساعات. يكبر حزني, يتعاظم حتى يصير غيمة تحجب شمسا تغيب. عاصفة تقتلع شجرة الصبار الوحيدة الصامدة في صحرائي نفسي الممتدّة.

أنا...

نقطة سوداء الآن تغلّفني, تحيطني بليل ممتدّ, منغرس ما بين القلب والروح. مصلوب على خشبة الإنكسار..ضيّعت كل شيء, وأضعت حتى خطواتي, ونسيت تاريخ ميلادي, مزّقت جميع دفاتري واغتلت عصفور الفرح النائم في صدري, بعد أن عشّشت فيه نسور الحزن.

أنا..قلب ضمىء, وعلى هذا القلب تركن بعض حجارة وأمنية مكتومة, وعصفور فزع.

داخل هذا الصدر تُطوى مسافات, ويسيل حبر قاتم, وتتمزّق كثير من الأوراق... بين هذه الضلوع تجمدت كثير من الأحلام وذبلت وردة قدمت يوما من وراء السنون.

وإني أتيه في ساعاتي المشوشة, تشدّني خطاي, تكبّلني, تجرّني إلى بقايا ذاكرة مشروخة سال منها كثير من فرح الطفولة وحلم ظلّ يراودني, ولم يبق غير هذا الحزن الذي أرسمه الآن على جنبات هذه النفس المثقلة بجراح الأمس, بخناجر اليوم, وببقاياي الآن.

تتوجّع ذاكرتي, تتألم, تتقيّأ على هذه الصفحات خطّا رديئا, شائكا يرسمك حروفا كانت لهبا اشتعلت زمنا في صدري المنهك.

" زهرين..!"
اليوم أخطك كما أنت مشوّهة, طيّبة وكريهة, أتفلك في شراييني ألف مرّة.



- يتبـــع -









قديم 11-25-2011, 01:22 AM
المشاركة 2
طارق الأحمدي
أديــب وقاص تونسي
  • غير موجود
افتراضي

ألف مرة يا زهرين أحبك, أبغضك. ألف مرة تمرقين في ذاكرتي, من بين طفولتي, وذكرى أمي التي خلّفتها ورائي. تعبرين على الشريط واضحة, ناصعة وصغيرة, حزينة, بيضاء, شهباء. والجبال من جهاتك الثلاث تحرسك, تلفّك, تمشّط حزنك الأبدي, وفقرك الأبدي.

زهرين...!

هذه القرية الفاجرة, ممتدة, منبطحة دوما وعارية, إلا من ديار مستطيلة, مربعة, ولا شكل لها. بيضاء كالكفن, صفراء كالمرض, رُمِيت هنا وهناك دون نظام أو تخطيط.

زهرين..غاصت في أعماقي المتعبة, وغصت في متناقضاتها بكل اندفاع بدائي. حضنتني لعدة سنين, وشردتني في دواخلي, قذفتني يوما في أحشائها لأكون فرعا منها, غصنا يحتمي بجذعها, شجرة تشدّ حزامها. فما كنت الفرع ولا الغصن ولا الشجرة, بل طائر مهاجر دوما, يموت لو نبت في مكان واحد, مسافر جلس يتلمّظ قطرة أمل, ويرحل.

أغرقتني فيها, فصرت ككلّ غريب يبحث عن جنون يرفعه عن خطاه, يسلّمه إلى المطلق.
زهرين.. بئر عميقة سقطت فيها, فغصت في أوحالها, شربت من قذاراتها, واحترقت بنارها. فمن ينقذني الآن؟! من يمدّني قشّة أتعلّق بها؟ من يطهّرني من نفسي؟






قديم 11-25-2011, 01:27 AM
المشاركة 3
طارق الأحمدي
أديــب وقاص تونسي
  • غير موجود
افتراضي

رمى فتحي منوّر القلم بين الأوراق المنتشرة أمامه فوق الطاولة بعصبية واضحة. تعطّل فكره, اغتالت عصبيته بنات صدره.

فوضى..كل شيء حوله يسير إلى الهاوية, يتحطّم على رهافة ضلوعه وتفاهة وجوده.

هذا المعلم الآتي من وراء أحلامه, من خلف الساعات. القادم من وسط خريف أكل جميع الأوراق والكلمات. خطّته الأقدار على صفحات زهرين.

قضى فيها بضع سنوات, كان فيها لحظة صمت, ثم صرخة في أعماق العاصفة التي تسكنه.

وكفى..!

بضع سنوات مرّت يحاول جمع شتاتها ويجد لها مكانا بين سطور أوراقه. ولكن الإعصار الذي يطوّح بأفكاره, الفوضى التي سكنت دواخله, وتسكن الآن غرفته, لم تسعفه ذلك.

حاول أكثر من مرة أن ينقل وحل زهرين وأثقالها إلى أوراقه, لكن الذكرى تبقى حبيسة صدره, كنبيذ سيّء غير مركّز. تقلقه, تسعد, تفرحه..فالأيام الحلوة الملائكيّة, والأيام العاصفة الحزينة تزعزعه في كيانه وتخنقه ألما, ترتجف في أعماقه, تحرقه, تزيد في ألمه, تؤلمه, تبعثره. نار تلهبه.

فتحي منوّر جرّب كل شيء في زهرين, وعرف كل شيء. نبش في كل ما صافه ومالم يصادفه. خبر ناسها المتناقضين, المتشابهين كرمال الصحراء, كحلمهم, السائرون دوما في صمت جنائزي. الضاحكين, الباكين, الرّاوين حكايات بعضهم لبعض. المتحدثين عن العمل والبطالة والجنس والمال وبنات ما وراء البحر.

وانتفضت الذكريات في نفسه.

وضاع معها.


يتبـــع












قديم 11-25-2011, 10:31 PM
المشاركة 4
أحمد فؤاد صوفي
كاتب وأديـب

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
عزيزي . .

إني هنا معك وأتابع . .
أعزك الله ورفعك . .

تقبل تحيتي وسلامي . .

** أحمد فؤاد صوفي **

قديم 11-25-2011, 11:03 PM
المشاركة 5
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
سعيدة أنك تعيد نشرها ثانية يا طارق
رواية من أجمل ما قرأت
تحيتي لك

قديم 11-25-2011, 11:09 PM
المشاركة 6
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
~ أ. طارق

بداية مشوّقة متمكـّنة

سـ أكون بالقرب مـُتابـِعة

لك َ التحيّة ~

قديم 11-25-2011, 11:45 PM
المشاركة 7
طارق الأحمدي
أديــب وقاص تونسي
  • غير موجود
افتراضي
عزيزي . .

إني هنا معك وأتابع . .
أعزك الله ورفعك . .

تقبل تحيتي وسلامي . .

** أحمد فؤاد صوفي **

ونعم الصديق أنت يا أحمد

رعاك الله وحفظك من كل سوء ..

وأتمنى أن أكون عند حسن ظنك بي دائما ..

ودمت بود .


قديم 11-25-2011, 11:51 PM
المشاركة 8
طارق الأحمدي
أديــب وقاص تونسي
  • غير موجود
افتراضي
سعيدة أنك تعيد نشرها ثانية يا طارق
رواية من أجمل ما قرأت
تحيتي لك

مرحبا بـــريم صاحبة القلم الرائع ..

نعم إني أحاول أن أعيد نشرها بعد الهجوم البربري على منابر ..

سعدت جدا بوجودك ..

أنتظرك لتتوجي الرواية بقراءتك النقدية المتميزة ..

ودمت رائعة دوما .




قديم 11-25-2011, 11:53 PM
المشاركة 9
طارق الأحمدي
أديــب وقاص تونسي
  • غير موجود
افتراضي
~ أ. طارق

بداية مشوّقة متمكـّنة

سـ أكون بالقرب مـُتابـِعة

لك َ التحيّة ~

أ . أمـــل

من القلب شكرا لتواجدك في متصفحي ..

تسعدني متابعتك ويهمني رأيك ..

تحية لروحك السمحة ..

ودمت بود .



قديم 11-26-2011, 12:01 AM
المشاركة 10
طارق الأحمدي
أديــب وقاص تونسي
  • غير موجود
افتراضي



كلّ شيء هنا في زهرين قابل للتفريخ. الحزن والفرح, الشرف والفضيحة, الحلم والألم.. وكل شيء هنا يتبع نفسه, فالرجال – برغم كل شيء- يبكون كثيرا. مرات على صدور نسائهم المترهّلة, ومرة حين يلدن ثمرة شهوتهم المنتصبة دوما. حتى كلاب زهرين رأوها مرة مجتمعة وهي تعوي عواء يشبه البكاء!!.

قيل:

- رفع واحد منها إحدى قائمتيه الخلفيتين وبال, فشمّت البقيّة بوله وتراجعت إلى الوراء وعلا عواؤها..!!

وقد قال - وقتئذ - بعض من رووا الواقعة أن الكلاب فعلت ذلك بتحريض من النوري.

- إنه يتصل بالشياطين ويحرضها على إفناء زهرين.

- سمعه " السيد العربي" مرة يهدد بإفناء القرية, وأظن أن الكلاب قد سكنها سحره, أو أنها تحذرنا من شياطينه. فالحيوانات ترى ما لانستطيع نحن رؤيته.

أهل زهرين يخافون من النوري ويقرؤون له ألف حساب. وفي مرات عديدة يخافونه أكثر من الله. تجدهم حين يمرّ صامتين مثل أصنام أسطورية, ينكمش كل واحد في مكانه, يلتفّ بالخوف وبكثير من الحزن. ويصمت.

يذكرني خوفكم يا رجال زهرين بأمي – تلك البعيدة عني الآن – وخوفها علينا حين يقتحم الشتاء بيتنا الصغير- حينها- ينبت الخوف بين جفونها وتتشعّب فروعه وتمتدّ حتى تصل إليَّ فترتسم دمامل رعب على قلبي. فألتصق بها لمّا يهبط الليل, فتخفض لي جناحيها, وتضمّني إليها بعد أن تغلق الباب وتضع وراءه بعض ما يصادفها من أشياء ثقيلة تزيد بها اطمئنانها.
وكنت أرهف معها السمع لنباح الريح, لوقع المطر.

وفي بعض الأحيان, لما ينطّ قطّ فوق سقف الغرفة تقفز مرعوبة من مكانها, تتثبّت من غلق الباب. وتدعو الله أن يرحمنا. وأكون لفعلها ذلك أعجز حتى عن الوقوف. تتملكني رعدة وتصطكّ أسناني. ولما تكتشف مصدر الصوت أكون قد أحسست بشيء ساخن يسيل بين فخذيّ, فيزيد خوفي ويزيد التصاقي.

فتحكي.





مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: بقايا رجل رحل ( رواية )
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
بقايا صمت شوق سالم منبر البوح الهادئ 50 02-18-2022 11:37 AM
بقايا ... عبد القادر منبر البوح الهادئ 0 08-17-2021 10:04 PM
بقايا العشق فكري محمد منبر البوح الهادئ 2 03-12-2012 12:00 AM
بقايا هواك هشام زيد منبر البوح الهادئ 10 05-20-2011 03:09 AM

الساعة الآن 06:24 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.