المفقود من شعر علي بن محمد السنوسي
دراسة تحليلية لشخصيته
و توتثيقية لبعض قصائده
مؤلف الكتاب : الدكتور/ عبد الله بن محمد بن حسين أبو داهش
ملخص الكتاب: عبده فايز الزبيدي
مقدمة المؤلف:
الحمد الله رب العالمين و الصلاة و السلام على نبيه الأمين محمدٍ و على آله و صحبه أجمعين, أما بعد:
فإن الناظر في تاريخ الفكر و الأدب بتهامة في أواخر النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري يدرك بواعث النهضة الفكرية الجديدة الناشئة بتلك الأنحاء و بخاصة حينما بدأت بعض بلدان تهامة عندئذِ تشهد واقعاً سياسياً جديداً و عندما أخذت تفيد من أسباب الثقافة القائمة حينذاك في مراكز الفكر المجاورة فلقد ضُمت تلك الأنحاء إلي بقية أجزاء البلاد السعودية عام 1349 هجري/ 1930 ميلادي . و كانت من قبل خاضعة للأدارسة في غضون الربع الثاني من القرن الرابع عشر الهجري نفسه , و لقد تيسر لتهامة في هذه الأثناء شيء من أسباب الثقافة و الفكر , مما ساعد على نهضة التعليم و اتساع ميدانه و ازدهار الأدب و انتعاشه. ناهيك عن قيام شعار الدين و استقامة جانبه. و كان حال تهامة في هذه الآونة خيراً من حالها في الربع الأول من هذا القرن و ما بعده بقليل, إذ أثرت حينذاك الأوضاع: السياسية و الاجتماعية و المذهبية في توجيه الفكر و بخاصة التصوف التي اتسعت في هذه الفترة من تاريخ تهامة.
و إذا كان السيد محمد ين علي الإدريسي (1326 – 1342 للهجرة) قد نهض بجانب التعليم و شجع العلماء و الأدباء فإن عهده اصطبغ بصبغة صوفية غالية و أن الأدباء و العلماء عندئذٍ لم يسلموا من آثار ذلك الاتجاه بل تلون نتاجهم بشيء من سماته و انصرفوا في أقوالهم عندئذ إلي شيء من المبالغة الممقوتة و الغلو الواضح مما أوهن الفكر وزاده ترهلاً و حينما أصبحت تهامة من أجزاء البلاد السعودية في عهد الملك عبدا لعزيز بن عبد الرحمن آل سعود (1349-1373) للهجرة عرفت بلدانه الاتجاه السلفي الجاد الذي غير مسار الحياة الفكرية بهذه الأجزاء من جزيرة العرب حيث اخذ المفكرون من أبنائها يدركون أهمية هذا الاتجاه و يبتعدون عما كان قد أصاب فكرهم من الغلو و المبالغة فسلم الشعر من تلك الآثار و أخذ العلماء ينهضون بجانب : التعليم و التأليف و الحسبة و القضاء و ازداد حال تهامة الفكري تقدماً إذ وفد إليها القضاة و الدعاة و المصلحون و أخذوا يؤثرون بقدرٍ في فكرها فقد إليها – على سبيل المثال –الشيخ عبدا لله بن محمد القرعاوي في أواخر العقد السادس من هذا القرن نفسه فكان لوفادته الأثر الكبير حيث انتعش التعليم و دُفعت البدع و المعتقدات الباطلة و نشأ في هذا الميدان و في غيره شيء من النقاش الفكري المذهبي و بخاصة بين الحنابلة و الشوافع. و لم يكن أثر هذه اليقظة ببعيد من انتعاش الأدب و ازدهاره و إنما نشأ في ميدانه اتجاه سلفي قوي يمثله نفر من شعراء تهامة العلماء من أمثال الشيخ: حافظ بن أحمد الحكمي (1342-1377 هجرية) إلي جانب الاتجاه الأدبي الجديد الذي نشأ بين صفوف الشعراء المعاصرين من أمثال:علي بن محمد السنوسي(1315-1363 هجرية) و محمد بن أحمد العقيلي (1336- 000) و محمد بن علي السنوسي (1343- 000) و أحمد عبد الفتاح الحازمي (1333- 00000) و غيرهم من شعراء تهامة المتأخرين , إذ نشأ هذا الاتجاه بسبب انفتاح هذه البلاد على أسباب الثقافة الجديدة في الحجاز و بقية البلدان العربية مثل: مصر و الشام . كما زاد في يقظة هذا الأدب و سموه شيوع: الدوريات و الصحف و بخاصة مجلة المنهل التي بدأت تنتشر في بلدان تهامة في وقت مبكر من النصف الثاني من القرن الرابع عشر الهجري إذ كان لتوجيه صاحبها و رعايته للناشئة من أدباء جازان الأثر المحمود في انتعاش الأدب و يقظته و لا يمكن للباحث في أدب هذه الفترة أن يهمل الدور الذي اضطلع به الأمراء السعوديون القائمون في تهامة من رعاية للأدب , و تشجيع له فلقد اعتادوا في العقد السادس و ما بعده بقليل عقد: المناظرات و الاحتفالات في محيط إماراتهم و سنوا فتح باب الخطابة و إلقاء القصائد الشعرية في مواسم الأعياد المعهودة و في شهر رمضان و نحو ذلك و كل هذا جميعه زاد في يقظة الفكر و الأدب و ساعد على انتعاشه و نهضته.
و في هذا العهد عاش علي بن محمد السنوسي حياته الفكرية, إذ شهد عهد الأدارسة في تهامة و أدرك العهد السعودي الحاضر و كان في كلا العهدين من كبار أدباء تهامة و قُضاتها.
و لكن مما يؤسف له حقاً أن شعر السنوسي الذي قيل في عهد العهد الإدريسي لا يزال مجهولاً و مفقوداً فالواقع أن شعره الذي بين يدينا الآن لا يمثلُ سوى بعض شعره الذي قيل في العهد السعودي و حسب.
· علي بن محمد السنوسي:
1.نسبه و مولده:
هو: علي بن محمد بن يوسف بن أبي بكر بن يوسف بن محمد السنوسي يعود نسبه في الأسرة السنوسية المعروفة ببلاد المغرب العربي و التي وصفها محمد بن علي السنوسي بقوله: السنوسيون أسرة كبيرة معروفة في الغرب العربي يتصل نسبها بإدريسالأكبر ..............) أما مولده فتكاد المصادر التي بين أيدينا الآن تتفق على أن ولادته كانت بمكة المكرمة في سنة 1315 هجرية/1897 م
2.نشاته:
نشأ علي بن محمد السنوسي في مكة المكرمة في حجر أبيه محمد بن يوسف السنوسي و لما توفي أبوه توجه تلقاء جازان إلي صديق والده السيد محمد بن علي الإدريسي و كان عمره عندئذٍ ثلاث عشرة سنة إذ وصله في سنة 1328 هجرة /1910 م و لم يلبث السنوسي طويلاًًًً بجازان و إنما تركها في سنة وصوله إليها متجهاً إلي زبيد و قد ناله بر الإدريسي و عطفه حيث ذكر السنوسي أن صديق أبيه السيد محمد بن علي الإدريسي قد قام برعايته و رعاية أخيه عند وصولهما إليه و انه زودهما في سفرهما بمائتي ريال و استوصى بهما خيراً عند أصحابه بتهامة اليمن .
3.تعليمه الأولي و رحلته في سبيل العلم:
يبدو أن علي بن محمد السنوسي قرأ القرآن الكريم و تعلمه بمكة المكرمة قبل خروجه منها و لو لم تتم له هذه القراءة الأولية للقرآن الكريم لما تسنى له الخروج في سبيل العلم من جازان إلي زبيد بتهامة اليمن في العام الذي وصل فيه .
و يفرض المنهج العلمي التقليد المألوف عند العلماء في تهامة الذين يرون أن الطالب من بينهم أو ذويهم لا ينال مكانة علمية تبلغ بها إلا إذا هاجر في سبيل العلم إلي مراكز الفكر الشهيرة مثل : الحرمين الشريفين و اليمن. و قد لبث السنوسي في زبيد حوالي سبع سنوات قضاها في الدروس و التحصيل .
عاد السنوسي إلي جازان سنة 1334 للهجرة/ 1915 للميلاد و قد أثرت تلك الرحلة في تكوين شخصية السنوسي العلمية و مكنته بعد عودته لتهامة من تولي أمور : القضاء و التعليم و الخطابة .
4.زواجه:
تزوج عام 1337 هجريه/ 1918 و دفع عنه المهر السيد محمد بن علي الإدريسي أربعمائة ريال.
5.مشايخه:
في زبيد:
الشيخ سليمان الأهدل و أحمد بن أدريس .
في جازان:
من أبرزهم: السيد محمد بن علي الإدريسي و الشيخ محمد صالح عبد الحق .
6.تلاميذه:
تدل المصادر على وفرة الدارسين الذين تخرجوا في حلقة الشيخ علي بن محمد السنوسي
و لعل من أشهرهم: علي بن محمد عيسى و علي بن بن محمد بن صالح عبد الحق و محمد بن أحمد بن عيسى العقيلي و محمد زارع عقيل و عبد القادر علاقي و محمد بن علي السنوسي.
7.مؤلفاته:
لعل أشهر مؤلفاته المطبوعة المنشورة تلك الرسالة الموسومة ب السماط الممدود في رباط المحبة و العهود ما بين الأدارسة و آل سعود ) و قد نشرت لأول مرة في مجلة المنهل.
8.صفاته و مكانته:
أفاض محمد بن علي السنوسي في الحديث عن أبيه سواء في الصحف و الدوريات أم في المقابلات الشخصية و الأحاديث الشفهية.
فقد قال عنه: ( فقد كان طيب القلب دمث الخلق جوادا ليس للمال عنده قيمة)
و قال في صفاته الجسمية: ( كان رجلاً طويلاً متين العضلات سبط الأنامل مستدير الوجه آدم اللون له لحية خفيفة)
و لم يهمل محمد السنوسي هيئة أبيه و ملبسه إذ قال : ( و كان في العهد الإدريسي يلبس ثوباً و جبة و عمامة ألفية . و في العهد السعودي لبس : المشلح و العقال و تنطق بجنبية مذهبة و تلد سيفاً . و كان يركب الفرس و يسابق في حلبات الطراد)
و أضاف محمد السنوسي إلي ذلك قوله: ) و من أبرز الظواهر فيه أنه كان يتكلم العربية الفصحى في حديثه العادي و في حديثه الجاد و في مجالسه الخاصة و الرسمية )
و قال عنه: ( يجمع إلي رصانة العلماء ظرف الشعراء فهو عالم ديني إلي جانب كونه شاعراً أديباً )
و من الواضح أن علي بن محمد السنوسي كان يحتل منزلة اجتماعية مناسبة فقد كان يؤثر في مشاعر الناس بشعره و يلفت إليه انتباههم حينما كان يلقي قصائده الحولية في مواسم الأعياد و نحوها فكان يضيف إلي جمال العيد الاجتماعي جمالاً أدبياً خاصاً يظل المجتمع الجازاني يتحدث عنه طيلة أيام العيد في أنديته و سماره . ناهيك عن المنزلة التي كان يحتلها علي السنوسي بحكم عمله في القضاء ة مكانته العلمية إلي جانب الحظوة التي كان يوليه إياها الإدريسي ثم و ولاة الأمر السعوديون من بعد.
9.وفاته:
اتفقت المصادر التي تحدثت عن الشيخ علي بن محمد السنوسي على تحديد زمن وفاته إذ ذهبت جميعها إلي أن سنة 1363 للهجرة / 1943 للميلاد هي سنة وفاته .
فقد قيل في مجموع : ( شعراء الجنوب ) : إنه : ( توفي رحمه الله تعالى عام 1363 هجريه)
و قال عنه ابنه محمد بن علي السنوسي : ( توفي والدي عام 1363 هجرية و كان عمره 48 سنة لأن ميلاده عام 1315 للهجرة) و لكن هذين المصديرن رغم الثقة بهما لم تحددا الشهر و لا اليوم اللذين مات فيهما السنوسي .
و قد رثاه ابنه محمد بن علي السنوسي بقصيدة مطلعها:
كلنا رائح على الموت غادٍ= و عيون القضاء بالمرصاد .