احصائيات

الردود
4

المشاهدات
961
 
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


ياسر علي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,595

+التقييم
0.39

تاريخ التسجيل
Dec 2012

الاقامة

رقم العضوية
11770
05-07-2021, 06:53 PM
المشاركة 1
05-07-2021, 06:53 PM
المشاركة 1
افتراضي شهوة الانتقام
شهوة الانتقام





جلس بجانب أمه المتمددة أمامه يتأمل فصول العجز التي أجهزت على كيانها، يتذكر والده في أيامه الأخيرة حين صعقه النبأ، نبأ استيلاء الخصم على بستانه، استيقظت هذه اللعنة في جوفه فبدأ مواله المعتاد كورد يومي لا يهنأ باله إلا بذكره، يستحق ذلك المغرور تلك النهاية الساحقة، ما رقب فينا إلا ولا ذمة ، لم يرف له جفن وقد سحق فينا ما تبقى من كرامة خادعة ظللنا بها متمسكين ونحن تحت أقدام جبروته نحاول أن نبقى أحياء، هزمنا بحيل فصلها على مقاس العدالة أوهم بها الناس فصاروا وراءه، يستحق ذلك الوغد الحقير ما ناله من سياط العدل لأنه ما فكر يوما في جبر خاطرنا من جراء وابل مصائبه التي أكتوينا بلهيبها، أخي الصغير ذات يوم تسلل إلى البستان وقطف منه بضع مشمشات، أمسك به وقدمه لأصحاب الحال، فأغرمنا غرامة إضافية جائرة، وضمت مساحات أخرى من أملاكنا إلى أملاكه. لم أجد بدا من الرحيل وقد توالت هزائمي واحدة بعد الأخرى وبات وجهي لا يستطيع الإفصاح عن نفسه ومواجهة الوجوه التي تصب عليه عيونها مزيدا من الإذلال. طأطأت الانكسارات رأسي فلم أعد قادرا على رفعه في حضور رؤوس تتلذذ بانكساري. غادرت موطني مغادرة من يفر من زحف لايقوى على الصمود في وجهه فلعنتني الألسن وأصبحت مضرب الأمثال في الهوان. "لمن تتركنا يا ولدي؟" كانت هذه طعنة من لسان أمي أدمت قلبي لأعوام. كنت سأجيبها بصراحة لكنني لا أريد تجريدها من بقية باقية من الآمال تحجبها الخيبات، كنت سأقول بملء فمي، ما جدوى البقاء يا أماه إن كنت لا أستطيع صد العدوان؟ ألا ترين يا حبيبتي أنني حائط قصير يركبه الصغار قبل الكبار، لكنني لا أريد لها أن تطلع على جبني واستسلامي، أريد أن أرفع سقف أمانيها وهي المسكينة التي لم تقو على مجابهة الخيبة والاستسلام لها كما تحني الدفلة رأسها لمياه الوادي الهادرة، يا أمي وقوفي أمامهم يجعلهم يتمرنون على التصويب وطلقة وراء طلقة قد تصيبني بالفناء، سأرحل يا أمي ولن أعود إلا وأنا قادر على النصر.

هكذا وضعت بيض الأمل في سلال أمي التي لم تعد واثقة من شيء، نعم هربت إلى حيث لا أحد يسأل عن فصلي وأصلي، هناك نزلت بكبريائي إلى الصفر فامتهنت التشرد والتسول وخضت مع الخائضين في الممنوعات وتعلمت فنون الكيد والخداع وبدأت أتسلق سلالم المجتمع المبنية على كثير من التزلف والنفاق، لم أكن أحسب أن الرقي سهل إلى تلك الدرجة، صاحبت أصحاب الحال فعلموني كيف أصطاد في المياه العكرة، تمضي السنوات تلو السنوات، وتمساحيتي تتضخم في جوفي، أعددت العدة للعودة وجئت القرية ليلا، وجدت أمي كما كان والدي مفترشة بساط العجز وحفنة روح تهز صدرها المنهك. إخوتي الذين تركتهم صغارا كبروا على لبن الفاقة وتقبلوا واقعهم البئيس وفي رحابه يناوشون أمنياتهم الهزيلة، يمضون نهاراتهم يطوفون على مزارع أسيادهم يسقونها من عرقهم لعلهم يكسبون مابه يطعمون أفواه صغارهم، ويمسحون ملامح الشقاء عن زوجاتهم."أنا عدت يا أمي" هكذا تفوهت على مقربة من أذنها ففتحت عيناها بكثير من التكلف، ثم عادت إلى طبعتها الأولى، يا لخسارتك يا ابن الأكارم، من المؤلم أن لا تكون العودة مدعاة فرح وأن يتساوى الحضور والغياب، كبحت تسلل الضعف إلى قلاعي وقسوت على روحي مجبرا عيناي على الإمساك، لا أريد لغضبي أن يتنفس، فأنا بحاجة لكل شعلة منه وبها سأضرم النيران في هذه البلدة الغافية عن ثأري، استحليتم الراحة وبسطتم أفرشة الود على أنين أوجاعي فنسيتم، لكن جاءت لحظة الذكرى الموجعة التي ستندمون على كل بسمة وشحت وجوهكم، جئتكم من دهليز الماضي المؤلم أحمل وقود الأحقاد ونيران الأحزان التي ستوقظ عيونكم من سكرة النسيان.

لم ينم صالح تلك الليلة، بل كان يراجع خطته التي بدأها ومطلع الشمس، استرجع الأراضي التي ارتهنتها أمه في غيابه ولم يمض اليوم الأول حتى قذف الذهول في قلوب القرويين، قبل أن يستفيق خصمه من هول الصدمة كانت مكيدته ضد واحد من أبنائه قد استحكمت وبات أولى لياليه عند أصحاب الحال متهما بل متلبسا بالسرقة. وفي اليوم التالي وضع يده على البستان معيدا حربه إلى المربع الأول، كان يصطاد خصومه واحدا واحدا مفصلا مكائده على مقاس العدالة ولم تمر إلا أيام معدودات حتى ضم جميع أملاك غريمه إلى أملاكه، بدأ القرويون يحصون أنفاسهم وجاؤوه لابسين ثوب الاستسلام، قبل من بعضهم صغارهم وتوعد الآخرين بويلات لا أول لها ولا آخر. كنس آثار غريمه في القرية ولم ترض نفسه إلا بنصر حقيقي، نصر لا يجد من يجاحده، ولا من يدعو لاسترداده.

يحكي لأمه صولاته وغاراته على الخصوم المدحورين، كانت الأم غائبة وما استطاعت سماع تلك البشائر، بل تنتظر روحها سراحا من سجن هذا الجسد الذي لا يريد مفارقتها، تسللت روحها من شباك الوعي،لكن لا تزال أمامها عقبة الحياة هذه العصية على الاستسلام، إيقاع الهواء الصاعد الهابط كصدرها يمده بكثير من الأمل أنها قد تستفيق فيبشرها بأنه أنجز المهمة كاملة، يريد أن يسمع من لسانها كلمة واحدة تمده بطاقة يهزم بها إحساسه بالذنب وقد شرد الكثير من الأطفال الأبرياء والكثير من النساء اللائي وإن حضر بعضهن هزيمته الأولى فهن لا يملكن من القرار شيئا، يريد أن يتخلص من هذا الضمير المنحوس الذي ظن أنه أقبره في رحلته عبر المدائن، إصرار القرويين على الاستسلام والخنوع كان ضربة قاصمة لظهره، فنفسه المنتقمة بحاجة إلى مقاومة تجعلها تستعذب المطاردة. وكل سكون يجعل دماغه يغرق في التفاصيل، فيخوض حربا داخلية ضارية، كم من الدلائل يقدم كل يوم لنفسه يبين لها أن ما عمله هو الصواب بعينه، لكنه لابد يكرر لها ذلك غدا كما فعل بالأمس. شيء يكرره ويعيد تكراره كأن شيئا بداخله يأبى تصديقه.


قديم 05-07-2021, 08:09 PM
المشاركة 2
عبد الكريم الزين
من آل منابر ثقافية

اوسمتي
الوسام الذهبي الألفية الرابعة الألفية الثالثة وسام الإبداع الألفية الثانية التواصل الحضور المميز الألفية الأولى 
مجموع الاوسمة: 8

  • غير موجود
افتراضي رد: شهوة الانتقام
انتصار بطعم الهزيمة، وانتقام بلا لذة.
أبدعت وأجدت أستاذ ياسر.
تحياتي وتقديري

قديم 05-08-2021, 12:21 AM
المشاركة 3
ياسَمِين الْحُمود
(الواعية الصغيرة)
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي
الحضور المميز الألفية الثانية الإداري المميز الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى وسام الإدارة التكريم الكاتب المميز 
مجموع الاوسمة: 9

  • غير موجود
افتراضي رد: شهوة الانتقام
دفع للظلم يريح الإنسان الذي ظُلِم ويرد لنفسيته كرامتها المفقودة
ويدفع عنها ما اكتوت به من مهانة..
ويظن كثيرون أن نتيجة الانتقام هى الراحة النفسية للمنتقم..
وحتى الذين لا ينتقمون بأيديهم يدعون الله لينتقم لهم
حزن كان يتكاثف هنا ..
ليسقط في النهاية ..
قطرات تميّز واضح ..نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

قديم 05-08-2021, 01:05 AM
المشاركة 4
محمد أبو الفضل سحبان
من آل منابر ثقافية

اوسمتي
الوسام الذهبي الألفية الثالثة الألفية الثانية وسام الإبداع الألفية الأولى المشرف المميز الكاتب المميز 
مجموع الاوسمة: 7

  • غير موجود
افتراضي رد: شهوة الانتقام
الإقتصاص من الظلمة حق مشروع، إلا أن لذة الانتقام لا تدوم إلا لحظة ، أما الرضى الذي يوفره العفو فيدوم إلى الأبد كما يقول المثل الإسباني الشهير..
قصة مرفهة بالمعاني والعبر..
دام لك المداد أ. ياسر
تقديري

قديم 05-09-2021, 09:07 AM
المشاركة 5
منى الحريزي
القادم أجمل بإذن الله

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: شهوة الانتقام
نص متين ولغة قوية وأسلوب ذكي
رغم أنني أشعر بالنعاس هذه اللحظات لكن أبقت قوة وحركة القصة ذهني متيقظاً حتى نهاية القصة ...
النص إبداع ولعله أحد أفضل أعمالك منذ فترة أستاذ ياسر


ذلك الإنتقام كان مشوهاً لدرجة إني لم أقتنع إن البطل يستحق تلك البطولة التي وصل إليها بمكر وحيلة وخداع ...

آمل أن أن تكون أعمالك القادمة بذات القوة والإبداع ...
دمت في رقي وازدهار ...

دعاء سيد الاستغفار
قال رسول الله ﷺ: ( اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت،
أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت
)
من قالها حين يمسي فمات من ليلته دخل الجنة، ومن قالها حين يصبح فمات من يومه دخل الجنة

مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: شهوة الانتقام
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
شهوة قلم رصاص عمر عبدالله منبر النصوص الفلسفية والمقالة الأدبية 0 12-28-2020 12:49 PM
صهوة ! بوشعيب الدكالي منبر القصص والروايات والمسرح . 4 04-17-2015 06:18 PM
صهوة الفجر فكري محمد منبر البوح الهادئ 5 03-08-2014 08:50 AM
* ... شهوة الغياب...* سعيد العواجي منبر شعر التفعيلة 7 01-19-2011 02:35 AM
صهوة المحال عبدالسلام حمزة منبر البوح الهادئ 10 10-09-2010 08:07 PM

الساعة الآن 03:40 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.