احصائيات

الردود
6

المشاهدات
3310
 
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


صبا حبوش is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
397

+التقييم
0.08

تاريخ التسجيل
Mar 2011

الاقامة
الرياض

رقم العضوية
9765
07-23-2017, 03:49 PM
المشاركة 1
07-23-2017, 03:49 PM
المشاركة 1
Cool الذاكرة المفقودة ..
هو ...(1)

كانت المرة الأولى التي نصحو فيها سوياً، ويجمعنا مكان ضيق جداً كما حلمنا يوماً، لا أذكر أية تفاصيل أو أحداث، الزمن انطفأ من ذاكرتي وعادت مساحات البياض كيوم انزلاقي من رحم أمي.
كنا أنا وهي ..كلانا بجانب الآخر، جمعنا مكان صغير جداً لا مجال فيه للحركة أو الانزياح؛ لذا كان وجهها الدامي مقابلاً لبقايا وجهي، أصابعها المتكسرة كانت تلف خاصرتي التي اخترقتها رصاصة سوداء، كنت مستسلماً لها و كأني أملك كل الحيوات في هذا الكون.
حين فتحت عينيها تبسمت لي بلهفة، وكذلك أنا، لم نكن نشعر بجراحنا الدامية، الرصاصة داخلي كانت نقشاً وردياً ليس إلا ..والدماء المتيبسة فوق وجنتيها لم تكن سوى أحمر شفاهٍ زاد جمالها جمالاً آخر ..
-كيف وصلنا إلى هنا ؟..لم أعد أذكر شيئاً.
- وأنا مثلكَ تشوشت الصور أمامي، ولا أذكر شيئاً، لكني سعيدة أني لا زلت أذكركَ.
-وأنا أذكركِ.
- كأنّ هذا النهر أجمل الأماكن التي عرفتها في حياتي..أتدري لمَ؟
-لأننا وُضعنا فيه معاً، وكان لنا أكثر مما يرغب عاشقان، يراودني إحساس أنّا التقينا من قبل في السماء، غيوم كثيرة بيضاء كانت تعانق روحك وروحي، في يوم ميلادي طلبت مني العصافير الحائمة أن أضمر أمنية، أغلقت عينيّ وأخذت شهيقاً طويلاً وفي قلبي ذاب اسمك، تمنيت أن يجمعني الله بكِ مجدداً، بحثتُ عنك بين الأرواح المسافرة والضائعة لكني لم أجدك، واليوم بعد رحلة استمرت سنوات أصحو وأراك أمامي، أية أمنيةٍ تلك التي تحققت وقربتنا لدرجة أن يجمعنا متر واحد !
- شعرت بأمنيتكَ تلك الليلة، وصلني صدى قلبك، كان كالنهر الذي يصب في عمق البحر، اختلط صوتك بصوتي، وأحسست بشوقك، فأنا أيضاً كنت غريبة بعدك وتائهة، همتُ في جميع السموات باحثة عنك، واليوم وصلت بعد تعبٍ لأجدك أمامي.
-هل التقيتِ أحداً يعرفنا هناك ؟
- لا، كانت جميعها أرواح غريبة، أتت من أماكن أخرى لا نعرفها أو تعرفنا.
-دعينا إذاً نصلي لله ، لعلّ ذاكرتنا تعود لنا من جديد.
-أنا سأصلي لله كثيراً حتى ترحل عنا الذاكرة إلى غير عودة .
- ماذا تعنين؟
-لا شيء...عانقني..





هي....(2)


اسمي زينب ، لم أفقد الذاكرة يوماً، بل على العكس كل يوم تزيد الصور داخل مفكرتي، وتكبر الأحداث أكثر فأكثر، أقرّ أن هذا الأمر لا يسعدني، لكن لا مفر من ماضٍ عشته و لا يزال يتربص بي كلما تلمست دمائي وشاهدت تلك الرصاصة تستقر في خاصرة خالد ...حبيبي..
نعم حبيبي..كان ابن حارتي، بيته قريب من بيتي، يكبرني ببضعة أعوام، وأصغره بنظرة واحدة من عينيه السوداوين ...كنا صغاراً ، لم تعنينا التفاصيل كثيراً، قرّبتنا مشاعر بريئة لا تحمل أي صوت أو لون، كنا قلبين فقط..
كبرتُ وأصبح باستطاعتي قطف أزهار الخوخ والمحلب، وإهداءها إلى خالد كل صباح، إلا ذلك اليوم؛ كنت في طريق عودتي من المدرسة، لمحني أبي من بعيد أحدّثه أمام باب منزله، حين وصلت إلى البيت، اختلطت عليّ الألوان، بين أزرق وأحمر وربما أبيض أو أسود، ضربني بقسوة ورماني أرضاً، ظننت أنّ خوفه عليّ كان سبباً لفعلته، لكن بعد أيام أخبرتني أمي أن خالداً لا ينتمي إلى طائفتي، رغم أننا مسلمون جميعاً، لكن كل منا له معتقداته وأفكاره الموروثة.
في البداية لم يكن باستطاعتي تقبّل الفكرة كواقع غريب مرّ بي للمرة الأولى، حتى أصبح طريقي بعيداً عن منزل خالد، لم نعد نهدي الورود، باتت طرقاتنا قصيرة، لم نعد نسلك تلك الدروب الطويلة لنسرق المزيد من الوقت سوياً.
كنت ألمحه، فأغيّر وجهتي، لكن قلبي كان عنيداً؛ يركض خلف خطواته، يقتفي آثاره في دعسات طبعها الحنين، وبات زهر المحلب رائحتي؛ لأنها رائحته المفضلة.. هذا السر الجميل رغم شقائه ، كان سعادتي ، ولا سيّما حين تلتقي عيناي بعينيه أحياناً، وأرى الحب لم يمت فيهما، لازال التماعهما ذاته واللهفة ذاتها.
وقع الأحصنة الغريبة ذلك اليوم كان مهيباً على مسامعنا، لا نعلم من أين جاؤوا ، وكيف وصلوا إلى أعتاب بيوتنا، لم يفتحوا أفواههم، ولم ينطقوا بكلمة ولو عبثاً، اكتفوا بنثر بعض الصدأ فوق حانات عقولنا، وتركوا قرب كل بئر كأساُ من فخار وأخرى من زجاج، وما لبثوا أن اختفوا خلف ضباب غبارهم.
لم ندرك أنّ تلك الكؤوس كانت تعاويذ شرر، فشربنا منها الكثير حتى امتلأت قلوب أهل الحي بالأحقاد، جفّت مياه آبارنا، وترنحت أعناق الزهور، انمحت الألوان وغطى الرماد حدائقنا وقرعت طبول الموت بلا سابق إنذار.
رجال تركض وسهام تطير بيننا، ولا نعرف السبب، أطفال تسقط بين الأقدام، ودماء تغسل الأرض لكنها لم تطهّر الجراح بل زادتها وجعاً.
لم أصدّق عينيّ، عندما رأيت أهل حيّنا يذبحون بعضهم، أبي وأخوتي وخالد وعمومته، جيراننا، بائعو الحي، و جدران البيوت، كلهم شربوا من تعاويذ الحقد، أشلاء، أصوات، وجثث، واقع لم يكن حلماً ، بل حقيقة ..النساء خلف الأبواب غدت أبواباً، والشرر لم يميز بين طفل أو امرأة ، قطع جميع المسافات ورمى بفتائل الزيت وسط اللهب.
شعرت بتلك الطعنة في صدر أمي، وصراخ أختي لايزال يدوي في أذني، تلك الرصاصة التي أطلقها أبي استقرت في خاصرتي قبل أن يضمّها جسد خالد، غدونا حجارة تحت ركام منازلنا، وبين الأحياء هدأت الحياة ..متنا جميعاً ..حجراً وبشراً ..
عادت الخيول من جديد، ترجّل الملثمون وانتشروا بين أشلائنا، هناك في العراء حفروا حفراً كثيرة ، لكن أعدادنا كانت أكبر من حفرهم، أرادوا التخلص منا بوقت وجيز، فاقترح بعضهم رمي باقي الجثث في نهر المدينة .. وكان خالد قربي..
رموه بقسوة فارتطم رأسه بحجارة رمادية، وفارقته الذاكرة لكنها لم تفارقني؛ لأني ارتميت على جسده، صعدت أرواحنا إلى السماء، والتقينا من جديد، افتعلت المصادفة لألتقيه، وأحبه من جديد بعيداً عن أية ذاكرة، لكن ما كنت أجهله أن رائحة المحلب العالقة على أصابعي لم تخطئ طريقها إليه، وكانت الذاكرة المفقودة كذبة بيضاء أحبّها كلانا إلى الأبد.







https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..
قديم 07-23-2017, 06:55 PM
المشاركة 2
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أهلا بالمبدعة صبا حبوش

ارتقاء مطّرد يصاحب كاتباتك، لا أقصد الأسلوب فقط بل الفكرة و المدخل و النهاية، لك قدرة هائلة على مزاوجة الفصل والربط و كذا التسريع والنتبطيء و أيضا على رش النصّ بجاذية حقيقية.

يوما كنّا نتساءل ماذا نفعل هنا؟
هل كلنا نستحق أن نصبح كتّابا، لو كان الأمر كذلك لجاز القول أن يصبح أطفال المدارس نسخة واحدة وهم يتلقون التعليم ذاته، إذن نحن هنا لنحضر ميلاد كاتب حقيقي، ليس الأمر متعلقا بقصّة نيتشه بالتحديد، بل بخاطر يسود ثقافتنا العادية.
من سار على الدرب وصل، لم تكن كلمة الدّرب هنا طريقا واضح المعالم مفروشا بالورود تسير عليه بسلاسة بل الدّرب عند هايدغر يحمل حمولة أعمق لأنك أنت من تشقه بنفسك قد يكون ملتويا وعسيرا لكنه غدا سيصبح طريقا أخرى قد يسلكها السالكون.

استمتعت و تكفي هذه المفردة.

تقديري

قديم 07-26-2017, 11:57 PM
المشاركة 3
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أشكرك من القلب أستاذ ياسر ، أتمنى أن أكون عند حسن الظن ، و يكون كل أعضاء منابر يوماً ما في مكان يليق بالمكان وأساتذته... أشكر بهاء حضورك ..

https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..
قديم 08-06-2017, 04:11 PM
المشاركة 4
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
مضامين رائعة طرحها هذا العمل القصي بلغة متميزة و شاعرية عالية
صبا حبوش قلم لا يمكن أن تخطىء بصمته

قديم 08-15-2017, 01:38 AM
المشاركة 5
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أستاذة ريم شكراً على جرعة الأمل ...أسعدتني تلك البصمة
شكراً لمرور الياسمين ..

https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..
قديم 08-17-2017, 12:06 AM
المشاركة 6
حنان عرفه
الحـلــــــم

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
كم احب القراءة لك صبا
لك كل التقدير

قديم 08-20-2017, 05:00 AM
المشاركة 7
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وكم أحب تعليقاتك و أشعة الأمل والحب بين حروفك..
تقديري لك عزيزتي حنان ..


https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..

مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: الذاكرة المفقودة ..
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
حملة فرانكلين المفقودة أ محمد احمد منبر ذاكرة الأمكنة والحضارات والأساطير 2 10-04-2022 06:16 AM
أطلانتس القارة المفقودة عبد الكريم الزين منبر ذاكرة الأمكنة والحضارات والأساطير 7 05-18-2021 12:42 AM
مدينة الشمس المفقودة تركي خلف منبر ذاكرة الأمكنة والحضارات والأساطير 17 02-29-2020 02:37 AM
الدنيــــــــــا المفقودة سرالختم ميرغنى منبر مختارات من الشتات. 6 08-18-2019 12:28 AM
الحلقة المفقودة! سرالختم ميرغنى منبر النصوص الفلسفية والمقالة الأدبية 3 11-06-2016 01:55 AM

الساعة الآن 05:36 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.