احصائيات

الردود
1

المشاهدات
969
 
رشيد عانين
من آل منابر ثقافية

رشيد عانين is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
47

+التقييم
0.03

تاريخ التسجيل
Jun 2020

الاقامة
المغرب

رقم العضوية
16150
05-15-2021, 11:44 PM
المشاركة 1
05-15-2021, 11:44 PM
المشاركة 1
افتراضي ماسينيسا طفل الجبل
ماسينيسا طفل الجبل
ما تكاد شمس اليوم تغيب إلا والطفل على أعتاب المدينة التي كان يحلم بزيارتها، زيارة طبعا ليست كهذه التي يعتبر فيها هاربا بجسمه النحيل، وما كساه من ملابس أشبه ما تكون بالخرق البالية، تقيه زمهرير الشتاء الجاف... بعد لحظات لاحت أمامه على بعد كيلومترات قليلة أنوار معشوقته كما كان يصورها خياله البريء؛ المدينة التي خطط للهروب إليها مرات عديدة، وفي كل مرة يعترض سبيله عارض، فيعدل عن المغامرة إلى أن جاءت الليلة الحاسمة، الليلة التي ودّع فيها منامه وأحلامه، فبقي ساهرا يترقب بزوغ الفجر ليرتحل بين سواده وبياضه، تاركا وراءه قلبين يتقطعان حسرة وأسى.
كان خيال حمزة يصور له المدينة المكان الوحيد الكفيل بإنقاذه من الويل الذي يصبح ويمسي عليه؛ مشادات لا تنتهي بين الأب والأم، وغالبا ما يكون الموضوع هو حمزة، مما جعله يكره حياته وعيشته تلك، على حداثة سنه. فها هو أخيرا يتحقق حلمه الذي آمن به وخطط له، تستقبله المدينة بأنوارها وضجيجها، باستواء ليلها ونهارها في عينه.
يدخلها وهو يتحسس بطنه الخاوية أمام تطاير ألسنة دخان الشواء هنا وهناك، فيجدها قد التصقت بظهره من شدة الجوع، يسيل لعابه أمام موائد اللحوم الحمراء المعروضة على أنظار الزبائن، وما من حيلة أمامه لإسكات عويل أمعائه إلا من استعطاف عميق ينبعث من ثنايا جفنيه يسائل البائع والمبتاع، عله يرق قلب أحدهم لحاله فيتصدق عليه بكسرة خبز محشوة بقليل من دخان الشواء. فهذا أقصى ما كان يتمناه بطن ماسينيسا، وهو يتلوى تحت ضربات الجوع المؤلمة. لكن من ينتبه له والمدينة تنشر غسيلها أشكالا وألوانا، ففي الساحة فقر وعجز ونصب واحتيال، فالتعاسة التي فر منها، تصنع هنا صناعة.
يتفقد الأب سرواله الوحيد، يلبسه على عجل، يفرك عينيه على نسمات صباح أسود، هكذا هو الأب المسكين كل صباح. هام على وجهه في الجبل مدفوعا بصراخ زوجته يبحث عن حمزة كما يسميه هو، وعن ماسينيسا كما تسميه الأم، والأب في حيرة من أمره، هل يناديه حمزة أم ماسينيسا. بيد أن المهم الآن أن يجد فلذة كبده. أخذ الأب يصرخ بأعلى صوته والصدى يردد وكأنه يعزف قطعة موسيقية حزينة أشرف على تنسيق مقاطعها الجبل، وكلما تردد الصدى؛ صدى الصراخ، ازداد إصرار الأب على البحث والصراخ معا، ومع الوقت تحول الصراخ إلى بكاء، حينما تسرب إلى كيان الأب الإحساس الذي لطالما قاومه، ابنك قد خطف. انهار مغشيا عليه ومصدقا إحساس الأم حينما ادعت دون دليل أن ماسينيسا قد خطف.
أسئلة كثيرة تنتاب ذاكرة المغشي عليه وهو يرقد في غيبوبة تامة. من يا ترى يخطف حمزة؟ ولماذا هو دون أطفال الجبل؟ الموقف بحق محير، ذلك أن حمزة هو مجرد طفل عادي ينتمي إلى قرية عادية تسكن في أعماق جبال الأطلس... استدارت الشمس على جبهة الأب المسكين ولسعته بألسنتها الحارقة فاستفاق وفي فمه أين حمزة. ومع الأسف لا يجد إلا صدى يرتجع من أعماق الجبل. يتحامل على نفسه وينهض كالسكران وهو الذي ظل هائما على وجهه بين مسارب الجبل، يتبين الطريق الذي يرجعه إلى البيت على أمل أن يجد من خبر لابنه الوحيد فلذة كبده.
حمزة كما يسميه هو ثمرة طيبة نبتت على غير أصولها القانونية، فالأب تزوج وليس بينه وبين الأم من وثيقة غير اعتراف من أهل القرية أن فلانا قد تزوج فلانة. والابن الآن قد جاوز عشر سنوات وليس من وثيقة تثبت لا نسبه ولا حتى اسمه الذي هو في الحقيقة موضع خلاف بين الأب والأم.
يمتلك ماسينيسا ذكاء حادا جعله يتفطن لعدم دخوله إلى المدرسة رفقة أقرانه حينما أكمل السنة السابعة، مما أجبر والديه تحت ضغط أسئلة البراءة أن يشرحا له الأمر بتفاصيله، استوعب فكره الصغير ما ينتظره من مستقبل مجهول قاتم مظلم وسوداوي، كإحساسه كل صباح وهو ينهض على مشادات تجري فصولها بين الأب والأم، فتتأزم روحه الصغيرة البريئة، ويمضي يومه متأثرا بكلام السباب الذي تلحقه الأم بزوجها، وهو النائم الكسلان المتخاذل الذي لا يتحمل مسؤولية أعباء البيت. فالأم هي التي تحرث وتزرع وتحصد، وتقوم بشؤون البيت، أما الأب فلا شغل له يذكر، بل تجده نادما متأففا من زواجه على حد تعبيره، ورطة يدفع ثمنها ماسينيسا يكابد الأمرين على صغر سنه.
دمعت عيناه من شدة التجاهل، وهو الذي قضى أزيد من ساعتين كاملتين يستعطف فيهما المارة، وما التفت إليه أحد. سقط على الأرض مغشيا عليه من شدة الجوع، وما عادت رجلاه قادرتان على حمله. غاب فكره في ديجور الماضي يقلب أحلامه فيجدها أجمل مما اعتقده، فما ناده جوع من قبل وعجز عن اسكاته مثلما حصل معه اليوم، وكأن الحلم يدير له ظهره من أول لحظة، أيتخلى أم يتماسك ويصبر لعل المعشوقة تسفر عن وجهها الجميل وتلملم جراح الماضي والحاضر معا بلا رجعة؟ تلك أمنية يتمنى ألا تخطئه، لأنه ببساطة لا يريد العودة إلى الوراء، ولا يريد الرجوع حيث كان، وإن تجرع عذاب الجوع جرعة جرعة، فالحزن البادي وراء عينيه من جراء سنين الطفولة المعذبة قد خفف عنه آثار الجوع، فألم دون ألم، ولكن ما اعتقد في يوم من الأيام أن تكون المدينة بهذا الوجه القبيح.


قديم 05-16-2021, 01:05 AM
المشاركة 2
عبد الكريم الزين
من آل منابر ثقافية

اوسمتي
الوسام الذهبي الألفية الرابعة الألفية الثالثة وسام الإبداع الألفية الثانية التواصل الحضور المميز الألفية الأولى 
مجموع الاوسمة: 8

  • غير موجود
افتراضي رد: ماسينيسا طفل الجبل
قصة جميلة وسرد متقن لمعاناة متعددة الأوجه.
وصراع هوية يتداخل فيه الاسم العربي حمزة والأمازيغي ماسينيسا*
دمت ودام إبداعك.
تحياتي.

* ماسينيسا ملك مغاربي أمازيغي ومؤسس مملكة نوميديا ، كان له الفضل في انتصار روما على هانيبال في معركة زاما، ويعتبر من أهم الرموز التاريخية الأمازيغية قبل الإسلام.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: ماسينيسا طفل الجبل
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
جانجشار بونسوم : الجبل المُحرّم تركي خلف منبر ذاكرة الأمكنة والحضارات والأساطير 14 09-11-2019 12:13 AM
الجبل... ابراهيم امين مؤمن منبر الشعر العمودي 5 06-07-2019 08:03 PM
.. أشياء من رحم الجبل .. سلمى الغانمي منبر البوح الهادئ 13 05-24-2012 06:04 PM
كينيث كوك - الجبل عادل صالح الزبيدي منبر الآداب العالمية. 5 03-07-2012 01:22 PM
وانقطع الحبل نهاد رجوب منبر البوح الهادئ 8 01-18-2011 06:30 PM

الساعة الآن 10:40 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.