احصائيات

الردود
4

المشاهدات
1691
 
ثريا نبوي
المراقب اللغوي العام
الشعراء العرب

اوسمتي
الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الثانية التميز الألفية الأولى القسم المميز شاعر مميز المشرف المميز 
مجموع الاوسمة: 8


ثريا نبوي will become famous soon enough

    موجود

المشاركات
6,105

+التقييم
4.90

تاريخ التسجيل
Oct 2020

الاقامة

رقم العضوية
16283
10-09-2021, 03:12 AM
المشاركة 1
10-09-2021, 03:12 AM
المشاركة 1
افتراضي البلاغة في شِعر: علاء نعيم الغول قراءة في ديوان: قلب المُسافر - ثريا نبوي
البلاغة في شِعر: علاء نعيم الغول قراءة في ديوان: قلب المُسافر- ثريا نبوي
الحوار المتمدن-العدد: 5908 - 2018 / 6 / 19 - 23:56
المحور: الأدب والفن

www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=602875

[نُشِرَت أيضًا في موقع الإمبراطور- رابطة أدباء الشام- دنيا الوطن- مدونة الشاعر]


البلاغة في شِعر: علاء الغول
قراءة في ديوان: "قلب المُسافر"
بقلم: ثريا نبوي

قبلَ الإبحارِ في الديوان:
___________________
يقولُ هيجِل: "إنّ للفنِّ هدفيْن: أوّلُهما أساسيٌّ، يَتمثّلُ في كسرِ حِدّةِ الهمجيّةِ بوجهٍ عامٍّ، وصولًا إلى تهذيبِ الأخلاق، والثاني نهائيٌّ، وهو كشفُ الحقيقةِ، وتمثيلُ ما يَجيشُ في النّفسِ البّشريّة"
ويقولُ في موضِعٍ آخر: " إن الفنون تُساعِدُ الإنسان على تحقيقِ إنسانيّته"
وأحسَبُ -اتِّكاءً على سُمُوِّ الأهداف- أنّ إبداعاتِ الشاعرِ الفلسطينيّ د. علاء الغول، فَنٌّ راقٍ وأدبٌ إنسانيٌّ جديرٌ بالعالميةِ والخلودِ، يَرفضُ الظّلمَ بكل أشكالِهِ على المُستويَينِ: الفرديّ والجَمعيّ، ويرتقي بالذَّائقةِ المُحلِّقةِ في آفاقِ شاعريّتِه إلى مَدارِجِ الطموحِ للكمال، ومعارجِ السَّاعينَ نحو "اليوتوبيا" كما تُؤطِّرُها أحلامُ البشريةِ في الخلاص مِن تُرابيتِها النَّزَّاعةِ إلى الهدمِ وإنماءِ الشقاء، فهو بكل المقاييسِ أدبٌ بنَّاءٌ بكلّ ما عهِدنا على ضِفافِهِ مِن ظلالٍ وارفاتٍ واخضِلالٍ وثراء وتميُّزٍ في قِرميدِ البِناء، ولا أبتعِدُ كثيرًا عندما أقول: إن قراءةَ هذه الإبداعاتِ التي تتقاطرُ شهدًا من رحيقِ أزهارِ الأدب، لَفرضٌ من فروضِ الجمال، وإنّ ترجمتَها إلى الإسبانيةِ لَبِدايةُ استحقاقاتٍ لمفاهيمِ هذا الشعرِ العابرِ للقارَّات بِهُوِيَّةٍ إنسانيةٍ تتوارَى أمامَها الحُدود، فتُلَملِمُ الجُغرافيا خرائطَها، وترحلُ في سلام

تَحدِّيًا لِنَمَطيةِ الشعرِ: يبقى لشاعرِنا القديرِ فضلُ التأسيس لقصيدةٍ عربيّةٍ تُحاكي قصائدَ الهايكو اليابانيةِ، وبِلا مُنازع؛ فنسيجُ القصيدةِ عندهُ تتلاحمُ فيهِ عناصرُ الطبيعةِ وظواهِرُها ومُفرداتُها بكلِّ خصائصِها الفيزيقيةِ والجمالية، بحيثُ تبدو القصيدةُ كما يُقال: وكأنها كُتِبَتْ في حديقة، بل إنه لِمزيدٍ من دِيناميةِ الإبداعِ وحيويّتِه؛ يُضمِّنُهُ مُفرداتِ الحياةِ اليوميةِ وأحداثَها، ولا يُغفَلُ الرمزُ الذي معهُ تَتعدَّدُ التآويل- ذلك التَّعدُّدُ الذي يُثاقَلُ بالذهب في موازينِ النقدِ والأدب- والتكثيفُ والإيحاءُ لِحَفزِ الانتقالِ من الصورِ البلاغيةِ إلى مُحاولةِ فَكِّ شفراتِ ما يَحمِلُهُ النَّصُّ من مَعانٍ وإيماءاتٍ ودِلالات، في إطارٍ من روعةِ السّبكِ ومزجِ الواقعِ بالخيال، وغالبًا ما تحمِلُ نهايةُ القصيدةِ مُفاجأةً للقارئِ على غِرارِ نَمَطِ الهايكو المعروف، ناهيكَ عن توهُّجِ المشاعرِ والاعتدادِ بالذاتِ وقناعاتِها الشخصيةِ، وتجارِبِها الحياتيةِ في تَماهٍ مُتناغمٍ مع خُطوطِ لوحاتِه الشعريةِ وتفاصيلِها، فلا أبتعدُ كثيرًا عندما أقول: إنه -بإبداعِهِ المُتميّز الذي ضمَّهُ خمسةٌ وثلاثونَ ديوانًا حتى تاريخِ هذه القراءة- قد أحدثَ ثورةً في عالَمِ الشعرِ التفعيليّ الذي أرسى دعائمَهُ الرُّوَّاد: أحمد باكثير، ثم نازك الملائكة والسَّيّاب والبيّاتي، ليسيرَ على نهجِهم: نزار قباني- عبد الباسط الصوفي-محمود درويش- فدوى طوقان-سميح القاسم-محمد الفيتوري- محيي الدين فارس- صلاح عبد الصبور-أمل دنقل- محمود حسن إسماعيل وغيرُهم مُنذُ خمسينياتِ القرنِ الماضي حتى الآن.

لا يَحارُ المُتلقّي في تَجنيسِ القصيدة عند شاعرِنا المُتميّزِ: فهي شعرٌ تفعيليٌّ تدويريٌّ يعتمِدُ في غالبية نصوصِهِ إنْ لم تكن كُلّها؛ تفعيلَةَ الكامل: مُتَفاعِلُن/ مُتْفاعِلُن، أمَّا الموسيقى الداخلية فيصنعُها الحِوارُ الذَّاتيُّ والموضوعيُّ داخل النَّصّ، وما أبدعَ إسهاماتِ الجِناسِ المُنسابِ في نعومةِ الحرير حينَ يَدعَمُ الإيقاعَ والأنغامَ؛ بعيدًا عن التكلُّفِ والافتعال، كما يُسهِم تتابُعُ التفعيلةِ الناشئُ عن التدويرِ في دَعمِ الإيقاع وتَماسُكِهِ، حَدَّ تَمَكُّنِ القارئِ من ارتشافِ القصيدةِ دُفعةً واحِدة، وهو ما يعني دَوزَنةً عاليةً لأوتارِ العزفِ على القيثار.
أما الموضوعات فمتنوعة حدّ الثراء وغزيرةٌ حدَّ الإبهار وجميلةٌ حدَّ الخُرافةِ والدهشةِ العارمة مع امتلاكِ زِمامِ السَّبْكِ وربطِ الأفكار وتأجيجِ المشاعر تفاعُلًا مع فِكرةِ القصيدة، والتنقّلِ بيُسرٍ ومهارةٍ واضِحَينِ كرائعةِ الضُّحى بين فلسفاتٍ شتّى تتناولُ الوجودَ الإنسانيّ مُنذُ صرخةِ الميلادِ حتى الممات، والحُريةَ شريانَ الحياةِ والعُبوديةَ جَدَثَها باهظَ التكلِفة، البدايةَ والنهايةَ في مُعالجاتٍ ومواقفَ شتّى، الهِجرةَ والذكريات، الإسرارَ والجهرَ بالخبايا، الضمائرَ والنيّاتِ آنَ تعكِسُها المَرايا، الثوابَ والعِقابَ، الشكّ واليقينَ، الحُبّ والحنينَ، الحربَ والسلامَ، العدلَ والجَورَ، عبثَ الإنسانِ بجمالِ الكونِ ومُسلَّماتِهِ ومنطقيةِ الخيرِ وحُريّةِ الآخَرِ وحقِّهِ في امتلاكِ مُقدَّراتِهِ بعيدًا عن أطماعِ القراصِنة، وكلَّ ما يُضني قلبَ الإنسانِ الشاعر.

وللشِّعرِ الوطنيّ في إبداعاتِ شاعرِنا الثائرِ صوتٌ خاص؛ بل شديدُ الخصوصية، إذْ يصعُبُ التمييزُ بين الحبيبةِ الإنسانةِ والمدينةِ المحبوبةِ حتى الثُّمالةِ في شِعرِ علاء الغول؛ ويَسمعُ أصداءَ هذا الصوتِ الخاصّ كُلُّ مَنْ قرأَ شاعرَنا وتجوَّلَ في حدائقِهِ الإبداعيّةِ التي (أنسَنَ) فيها المدينةَ حدَّ مُطارحَتِها الغرام، وبغموضٍ شديدٍ يتعذَّرُ معهُ، وأحيانًا يستحيلُ التعرُّف على هُوِيَّتِها!
وحدَّ أنهُ وصفَ شَعرَها –نعم: شَعرَها-الذي اتخذهُ رمزًا لها على مَدارِ ديوانٍ كاملٍ هو "توقُّعاتٌ مُحايدة" بأنهُ وَجدَ فيهِ: التاريخَ والعابرينَ والبطولاتِ والحروبَ والانتصاراتِ والهزائمَ والقلاعَ والمعابدَ والأسرارَ والنزوحَ والذكرياتِ والبحرَ الذي عَشِقَهُ ورملَ شواطئِهِ وأصدافَهُ المُلوّنةَ التي جَنَحَ به الحُلْمُ لأن يصيرَ لؤلؤا يتشكَّلُ في داخلِها لِتُنَضَّدَ منهُ العُقودُ فتُزيِّنَ الأجياد.
ومِن نافلةِ القولِ أنّ قارئَ النصوصِ الوطنيةِ للشاعر أو التي تستدعي المدينةَ الحبيبة، عزَّ أن يجِدَ جُنوحًا إلى المِنبريّةِ أو الخَطابةِ أو المُباشَرَةِ في بَثِّ الوطنِ حُبّهُ وأشواقَهُ وآلامًا باتساعِ العُمر، إنهُ على الورقِ ينزِفُ قصائدَهُ تلكَ لآلئَ دمعٍ من بينِ أجفانِ الغِيابْ..
فكم وقفتُ عند وصفِهِ مرارةَ الفقدِ قائلًا: "وطني الذي لَمْ أعِشْهُ" وقد اختزلَ القِصةَ كلَّها - وما نتأَ عن جريمةِ اختطافِ الوطن من أوجاعٍ مُزمنةٍ، وجِراحٍ تستعصي على الالتِئام- بسُرعةِ انطلاقِ رصاصةٍ إلى قلبِ البغي والعدوان، وادِّعاءِ الحضارةِ والدفاعِ عن حقوقِ الإنسان؛ ومن فوّهةِ البُندقية تُشرِق شمسُ الحرية وتُبعَثُ الأوطانُ كما العنقاءُ من تحتِ الرماد..
ويبقى حيًّا فِي الوِجدانِ، وشَكاةً يتردَّدُ صَداها في الآذان، وصفُهُ للوجعِ الوطنيّ ذاتَ قصيدةٍ بقولِهِ: "الوجعُ الذي لَمْ يسْتَشِرني مرّةً"... فأيُّ وجعٍ دكتاتوريٍّ هذا الذي يتغلغلُ مرّاتٍ، ودونَ إذنٍ مُسبَقٍ ولو مرةً واحدة؟! إنهُ: وجعٌ يحتلُّ القلبَ بكلِّ ما أُوتِيَ مِنْ جَبَروت؛ فكيف لا يئِنُّ النَّاي؟

مِن مُنطلَقِ الحديثِ عن الشعرِ باعتبارِهِ فنَّ الرسمِ بالكلمات؛ نستطيعُ رؤيةَ عالَمِ الألوان في تلكَ النصوص، والتي هي بُعدٌ بلاغيٌّ آخرُ وخيوطٌ حريريةٌ ماهرةٌ في تطريزِ نسيجِها بألوانِ الأشياء –وما أوضحَ وأبدعَ هذا الزخمَ في مَرسَمِ شاعرِنا- أو ما يدلُّ عليها دون عناء، حتى وإن بَدَتْ هذه الألوانُ أحيانًا في ثوبِ الغرابةِ واللامعقول؛ فالبحرُ الذي عرفناهُ أزرقَ مُكلَّلًا بالزَّبَدِ عَبْرَ أمواجِ القصائدِ؛ يَخضَرُّ في بعضِ النصوصِ لِيمنحَ المُتلقّي مساحةً للتأويلِ، تحملُ التفاؤلَ بقدومِ الحريةِ أو بحلولِها الذي غيّرَ معالِمَ الوطنِ، فالتحَفَ بُردةَ النماء حتى صارتِ اليابِسَةُ والبحار؛ كلُّها اخضرار... فلنُتابِع معًا هذه الخريدةَ المُلوّنة لِنرى كيف يكونُ الإبداعُ في توزيعِ الألوان:
ق/15 من ديوان: قلب المُسافر
بداياتٌ جميلة

عند اللقاءِ نكونُ أكثرَ رقةً مما عليه الآنَ
أنبلَ أو أقلَّ تملقاً وتكونُ أفكارُ الصباحِ
بريئةً مما توقعنا كثيراً ما نرددُ أننا بسطاءُ
نقنعُ بالقليلِ وفي الحقيقةِ نحنُ أجزاءُ الفقاعةِ
قطرةُ الزيتِ التي التصقتْ برائحةِ القميصِ
ونحن لسنا قادرينَ على ارتكابِ مقارناتٍ
غير قاسيةٍ ونُنْصِفُ نفسَنا ونحيدُ عن دربِ البنفسجِ
وارتكابُ الحبِّ ليس مسالماً أيضاً لكي نأتي
المكانَ سنعتلي ظهرَ الفراشةِ نمتطي وجعَ
الهواءِ ونقتفي أثرَ البخورِ ونختفي في النورساتِ
بعيدةٌ سبُلُ المهاجرِ والذي أخذَ الطريقَ من
الخُطى واجتازَ نصفَ حدودِهِ ومفارقاتُ
الحبِّ مُجْهِدةٌ لنا إذ نستطيعُ ونستطيعُ ويملأُ
المطرُ المكانَ أشمُّ رائحةَ النهارِ نظيفةً مبتلةً بصداحِ
دوريٍّ يقابلُني هناكَ وكم أحبُّ الشمسَ أولَ ما تفيقُ
وفي يدي ورقٌ أدونُ فيهِ طعمَ البرتقالةِ نكهةَ النعناعِ
يا نوَّارُ يا حلمَ الصباحِ تعالَ نفتحُ نافذاتِ الوقتِ
ننثرُ بينها ألقَ التحيةِ واخضرارَ البحرِ ننزعُ
من ملامحها التثاؤبَ والقديمَ من التخيُّلِ نمنحُ الدنيا
اعترافاً مثل لونِ شقائقِ النعمانِ نكسوها بعشبٍ
باذخٍ هل تذكرينَ جنادبَ البرِّ الصغيرةَ يوم كنا
واقفيْنِ على شفيرِ الزرقةِ الأولى وأسماءِ الظهيرةِ
كان في قلبي وجودٌ ناعمٌ وتفاؤلٌ مستسلمٌ للماءِ
لا أنسى بريقَ التوتِ في وجهِ الندى وبراءةَ الجمَّيْزِ
تحت سمائِنا هذا مكانٌ لي وقلبي ساحةٌ بيضاءُ
راياتٌ ملونةٌ وفوضى كم أرتبها وتفلتُ فجأةً وأظلُّ
أرسمُ ما أريدُ بحرقةٍ مخدوشةٍ فأنا المُنادي بالبداياتِ
الأنيقةِ بالجمالِ الحرِّ والباقي على نياتِنا عيناكِ
من ضوْءٍ وقلبُكِ زهرةُ الطيُّونِ فانتبهي لصوتِ اللهِ
فينا هذه الدنيا احتمالاتٌ موزعةٌ بلا صُدَفٍ
وفي الحبِّ انتقاءٌ للتساؤلِ وانتفاءٌ للتحاملِ ساعةٌ
أخرى ونصبحُ ما نريدُ فقط نريدُ الوقتَ أن
يضعَ المكانَ على الطريقِ ويختفي في حُمرةِ الورداتِ
يتركنا لنلحقَ بالغزالةِ ثم نكبرُ من جديدٍ بين أنفسِنا
ورعشاتِ البنفسجِ لا نرى إلا حدودَ الصيفِ
حيثُ حكايةُ السفَرِ التي لا تنتهي.
لا يفوتُ المُتابعَ على امتدادِ المسافاتِ بين الواقعِ والخيالِ في كل ما أهدانا الشاعرُ من إبداعات؛ سُطوعُ نَجمِ الانزياحات والاستعاراتِ المُبهرة المائجةِ بالحيويةِ والمُباغَتة، وغيرِها من ألوانِ المجاز، والمُحسِّناتِ البديعيةِ في سماواتِ القصائد، وبشكلٍ لافتٍ يقودُ القارئ إلى معرفةِ هُويَّةِ الشاعر دون حاجةٍ إلى ضوءٍ أو دليل، وتسيرُ معها في مساراتِ الدهشة جمالياتُ تبادُلِ وظائفِ الحواسّ، أو ما يُعرَفُ بِــ: "التَّراسُلِ" ، فضلًا عن كل أشكالِ الخروجِ المُدهشِ عن المألوف لِبناءِ قصيدةٍ شاهِقةِ التميُّزِ في كل عناصرِ بنائِها، ومِن خلالِ مُعجمٍ يُراوِحُ بينَ المُفردةِ المألوفةِ: اقترابًا مِن ذائقةِ المُتلقّي وانتصارًا للتواضُعِ، والأُخرى التي تقودُنا إلى تنوّعِ هذا المُعجَمِ وفَرادةِ لآلِئِه وسَعيهِ الدءوبِ لإحياءِ لُغتِنا الجميلة وإثراءِ التُّراث.

أمَّا التناصُّ في قصائدِ شاعرِنا فهو ما لا يجبُ المرورُ بهِ مرَّ الكرامِ أو مرَّ الحَجَل لأنه:
تناصٌ مُتنوِّعٌ شديدُ الثراء، يستلهِمُ النصوصَ القُرآنيةَ والأحاديث، والتراثَ الأدبيّ العربيّ مُنذُ الشعرِ الجاهليّ، ولا يُغفِلُ الأدبَ العالَميّ، والتاريخَ، والفلسفة والمُوسيقى، كما يُوظِّفُ الأساطيرَ على اختلافِ هُوِيَّاتِها؛ فالينابيعُ التي يستقي منها صافيةٌ مُبهِرةُ الثقافةِ دفَّاقةُ العطاء.
ولأنّ التناصَّ بشكلٍ عامّ، ومع الأسطورةِ بشكلٍ خاصّ-وبكل درجاتِهِ- يمنحُ القُرّاءَ بدائلَ للتأويل كُلًّا وِفقَ ثقافتِهِ وإدراكِهِ وتفاعُلِهِ مع الفِكرةِ والنَّصّ؛ فتبدو أهميّتُهُ في أنهُ يُمثِّلُ إعادةَ إنتاجِ للأحداثِ والمفاهيمِ وإنشاءَ حواراتٍ بين النَّاصّ والمُتلقي من جهة، ثم بين الماضي والحاضر من جهةٍ أُخرى، وذلك من خلالِ الإسقاطاتِ الإيجابيةِ المُحفِّزةِ الهادفةِ إلى التغييرِ واستشرافِ مُستقبلٍ أفضلَ، تُزهِرُ فيهِ آمالُ الشاعرِ والوطن لِتُثمِرَ العدلَ والحريةَ والسلام على هذا الكوكبِ الذي أضناهُ غيابُ السلام.

والآن؛ إلى الديوان
-----------------
أُحاولُ لعلِّي -على تواضُعِ قراءتي- أُوفَّقُ إلى إلقاءِ الضوءِ على بعضِ شَذراتِ البلاغةِ التي لاحتْ لي وأنا ألهثُ لِمُتابعة الصُّورِ اليانِعة، والمعاني الشاسِعة في ديوان "قلب المُسافر"
بدايةً -وبعيدًا عن مُحاولاتِ التأويل- كان مُفتَتَحُ القصائدِ اللافتُ بِـ "عِندَ اللقاءِ" مُوحِيًا بِالوجهِ الثاني للرحيل، حيثُ يبدأُ السفرُ بالوَداعِ في مكانٍ ما؛ لينتهي بالوصولِ، فاللقاءِ في مكانٍ آخر وقد آثَرَ الشاعرُ لحظات وأوقات "اللقاء" في استهلالِ كلّ ما أبدعَ من قصائدِ هذا الديوان، كعنصرٍ رابطٍ ومُوحٍ في الوقتِ ذاتِهِ بِتفتُّحِ الشاعرِ للحياة ودعوتِهِ المُبطَّنةِ إلى التفاؤل، واستمرارِ الأمل في "آتٍ يرُشُّ علينا الغَدَا" كما تقولُ الرائعة "نازِك الملائكة" ؛ وبإيجابيّةٍ مُنقطعةِ النظير؛ فقد انحازَ إلى النصفِ المليءِ من الكأسِ مُمثَّلًا في "اللقاء" بحيويّتِهِ وتَمَدُّدِ الآمالِ فيه وقُدرتِهِ السِّحريةِ على مَحوِ آلامِ الفراق، تلك التي من البديهيّ – مع اغتِصابِ الوطن- أن تكونَ نتَاجَ الهِجرةِ أو التهجير: السِّيَّيْنِ المُوجِعَينِ، انحازَ مُتجاهِلًا النِّصفَ الفارغ "الوداع" ذاكَ المُضَرَّجَ بالالتِياع، المُخضَّبَ بالدموعِ وإنْ كفْكَفَتْها مناديلُ الفُلِّ والياسَمين، مُتناسِيًا ما يحمِلُهُ المُسافرُ في الحقائبِ مِن ذكرياتٍ بطعمِ الوطنِ، ورائحةِ البحرِ والدُّرُوبِ والشجر، وألوانِ المُناجاةِ شاهِدُها القَمَر، وكأنّي بهِ قد استدعى روحَ التفاؤلِ في شِعرِ "إيليا أبو ماضي" عندما أنشَدَ:
قالَ الســـــــماءُ كئيبةٌ وتَجَهَّما**قُلتُ ابتسِمْ يكفي التَّجَهُّمُ في السّــما
قالَ الصِّبَا ولَّى فقُلتُ لهُ ابتَسِمْ**لَنْ يُرجِعَ الأسَفُ الصِّبا المُتَصَرِّما
وفي إبداعِ شاعرٍ آخر:
سيأتي الحُلْمُ في مِشكاةِ فَجرٍ**وعِند الصُّبحِ تبتسِمُ الأماني

حسبُ شاعرنا ما أبدعهُ لنا من أحاديثِ الحُبِّ والحربِ والسفر؛ مُدوّنًا على لافتاتِ الطريق: بالخُزامى ورائحةِ البارودِ وعِطرِ البَيلَسان، في هذا الديوان الذي اتخذَ من قلب المُسافرِ؛ العُنوان
ولعل هذه الفقرةَ المُقتبسَةَ من آخرِ قصيدةٍ فيهِ وقد عنوَنَها: "على الرصيفِ سنلتقي" تنطوي على فلسفةِ السفرِ وأوجاعِهِ- مهما تَزَيَّا بالمُغريات- وكراهيةِ الرحيلِ والمسافات، وعلى الحُلْمِ الوطنيّ الكبير، وهو البقاءُ في كَنَفِ المدينة، في ظلِّ السَّلامِ، فهو حقٌّ من أبجديّاتِ الحياةِ لا يُشترى بالتنازُلاتِ، والاعترافُ بهِ وإحياؤهُ؛ يئِدُ الأزماتِ في مَهدِها، لِيكونَ للعدلِ نَسقٌ واضِحٌ مُنذُ البِداياتِ، يقول:
صافرةُ القطارِ بعيدةٌ خلف الحقولِ
قريبةٌ بين البنفسجِ تستبدُّ بمن ينامُ على
المقاعدِ وحدهُ متمنياً أنْ تغلِقَ الطرقُ المسافةَ إنما
قلبُ المسافرِ نزهةٌ فتحتْ دروبَ الشوقِ أرغمتِ
الهواءَ على التحللِ في جُفونِ البيلسانةِ والمسافرُ
يحملُ الدنيا على كتفيهِ يقتطعُ الخُطى من
ظلِّهِ ويسيرُ مشتهياً هدوءًا غير منقوصٍ ولا
يدعو لتبريرِ التنازلِ والحكايةُ كلها منذ البدايةِ
تنتهي وتصيرُ واضحةً كما النبضاتُ
في قلبي وقلبِ مسافرٍ لا نعرفُهْ.

ويبقى التميُّزُ دِرعَ فارِسِنا، والرّمزُ صهوةَ جَوادِهِ بِلا مُنازع، فهي حقيقةٌ لا يختلفُ عليها قارئان، وشهادةٌ أقتسِمُها بكل فخرٍ مع الأديبةِ الأريبة الناقدةِ المُتَفرِّدة أ. هدى مصلح النواجحة، وقد ألمحتْ إلى بريقِ الرمزِ هذا بشكلٍ عامّ، وفي قصيدتِهِ التي أبدعتْ قراءتها بُعنوان:
"بناياتٌ من وَرق".. بشكلٍ خاصّ
وإلى بعضِ ما قدّمهُ لنا الشاعرُ على مائدةِ البلاغةِ، بكلِّ كرمِ الضيافةِ الشاعريِّ؛ وكُلُّنا مَدعوُّونَ لِلتَّذَوُّقِ والتحليقِ معه في آفاقِ الخيالِ والجمال، فَباسمِ اللهِ نبدأُ قراءةَ هذا الديوان الذي بلغتْ عَرائسُ قصائدِهِ ثلاثًا وثلاثينَ مَجْلُوَّةً، تمَّ ترقيمُ طرحاتِهنّ لتيسيرِ المُتابعة مِنْ: ق/1 حتى ق/33

أوَّلًا: التَّناص
(1) مع القُرآن والحديث
ما بيني وبينكِ يجعلُ الفوضى نعيمًا يأخذُ القلقَ المكررَ " ثمَّ يجعله رُكامًا " .... ق/1
تناصٌّ صريحٌ أو مُباشِرٌ مع القُرآنِ في وصفِ المطر
"(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ) ...الآية 43 من سورةِ النور
وبعد صيرورتِهِ رُكامًا يسقُطُ مَطرًا فينتهي القلق
حتى إذا بلغظ“ الحنينُ الحَلْقَ ......ق/5
تناصّ غير مُباشِر مع الآية (فَلَولا إذا بَلَغَتِ الحُلقُوم) 83 من سورةِ الواقعة
عند اللقاءِ يقولُ أوَّلُكم لآخرِكم.....ق/17
تناصّ جُزئيٌّ مع الحديث القُدسيِّ المَرويّ عن ربِّ العِزةِ سبحانهُ وتعالى وقد جاء فيه:
يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا
يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا
يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر
يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمدِ الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه . رواه مسلم
ق/24
(1) وتزينَتْ سبلُ الرحيلِ لنا
تناص غير مُباشر مع سورة يوسُف وما كان من تَزَيُّنِ زوجة العزيزِ لإغوائِهِ (هَيْتَ لك):
(وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ غڑ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ غ– إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ غ– إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (23)
(2) في دَلوٍ رمَتْهُ يدايَ في جُبٍّ ويا بُشرى
تناصٌّ جُزئيٌّ أو مُباشِرٌ مع آياتٍ من سورةِ سيدِنا يُوسُف في القُرآن:
((10 (قالَ قائلٌ منهم لا تقتلوا يوسُفَ وألقوهُ في غَيابَتِ الجُبِّ يلتقطهُ بعضُ السَّيَّارةِ إنْ كنتُمْ فاعِلين)
(وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ)(19)
(3) وحدي بوادٍ غير ذي زرعٍ وأذرَعُهُ إياباً ثمَّ أذهبُ مرةً أخرى
تناصٌّ صريحٌ مع سورةِ سيدنا إبراهيم عندما تركَ ولَدَهُ إسماعيل والسيدة هاجر، ثم غيرُ مُباشِرٍ وهي تسعى بين الصّفا والمروة:
(رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ)(37)
ق/25
فانطلِقْ يا قلبُ في غَيِّ الحياةِ وعِثْ فساداً في مخيلتي
تناص صريح مع الآية (60) من سورةِ البقَرة:
وإِذِ اسْتَسْقَىظ° مُوسَىظ° لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ غ– فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا غ– قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ غ– كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ï؟½ï´¾
ق/26
وفي اللقاءِ علامةٌ وبِها الرِّفاقُ سيهتدون
تناص مُباشر مع الآية (16) من سورة النحل: { وَعَلَامَات وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ }
ق/28
*يذكرونَ الماجدَ الأعلى وأشعرُ وقتها أني أُحَفُّ من الملائكةِ الذينَ يُحلقونَ
تناصّ مُباشِر مع الحديث:
عن أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنهما أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : (لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ) رواه مسلم
*وصوتُ مِنسأةٍ يدقُّ على بلاطِ الوقتِ ينتظرُ النهايةَ وانعتاقَ الجنِّ من أمرِ ابنِ داوودَ- الذي جلبَ العروشَ من البعيدِ - أسافرُ في دروبِ الهدهد
تناصّ جُزئيٌّ مع قصة سيدنا سُليمان والهُدهُد وعرشِ بلقيس في سورتَيْ سبأ والنمل:
(فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىظ° مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ غ– فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) سبأ (14)
(قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ غ– وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ) النمل (39)
وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ) النمل (20))
*يفتحُ لي سقوفَ الكونِ حتى جنةِ المأوى
تناصّ صريح مع سورةِ النَّجم:
وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىظ° (13) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىظ° (14) عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىظ° (15)
*يومَ كان الأنبياءُ يسافرونَ مع الرعاةِ إلى لقاءِ اللهِ يقتبسونَ نوراً للطريق
تناصّ جُزئيٌّ مع الآيتين: (وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىظ°) طه (9)
(إِذْ رَأَىظ° نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى) طه (10)
ق/29
والتأنِّي أُسُّ هذا الكونِ أولُ فكرةٍ للبدءِ
تناصّ غير مُباشر مع الآيتين:
( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) الأعراف/ 54 ، وقوله عز وجل : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ) ق/ 38
ق/31
*لم يكنْ قلبي يتوقُ إلى الدقائقِ وهي تأكلُ فيهِ أطرافَ الحكايةِ تستعدُّ لقذفهِ في اليمِّ
تناصّ مُباشر مع القُرآن:
(أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ غڑ) سورة طه (39)
*هي الدنيا ... ولا أراها تستحقُّ الذمَّ فهْي صنيعُنا والخيلُ تُعرفُ من فوارسِها!
تناصّ غير مُباشِر مع الحديث: (كما تكونوا يُوَلّى عليكم)
وإنْ ضعَّفهُ الألبانيّ؛ يبقى للتعبيرِ الشعريّ روعتُهُ وعُذوبتُهُ في ترجمةِ الواقع والحَثّ على التغيير


(2) مع التراث الأدبيّ والشعبيّ والتاريخ
وتُعتَبرُ ق/5 مِثالًا حيًّا للتناصّ المُباشرِ مع التَّراثِ الأدبيّ العالميّ والذي بدأ من العُنوان (دون كيخوتا) وتَمَدَّدَ في موضوع القصيدةِ وعناصرِ بِنائِها بشاعريةٍ لا تخفى على القارئ؛ ولعل نَبذةً مُختصرةً عن هذه الرواية التي حملَتْ اسمَ بطلِها التَّخَيُّليّ يفتحُ مغاليقَ الرسالةِ الشعريةِ ويُفكِّكُ أسرارَها:
دون كيشوت
بَطل رواية للأديب الإسباني سرفانتس سابيدرا؛ غَيَّرَتْ وَجه الروايةِ الأوروبيةِ الحديثة ووضعتْ كاتِبَها على خارطة الأدب العالميّ، جنبًا إلى جنب مع كل من دانتي أليغييري وويليام شكسبير وميشيل دي مونتين
وقد خلَّدَها (بيكاسو) في لوحتِهِ الشهيرة حيث رسمَ دون كيشوت على حِصانِهِ الهزيل مُلوِّحًا بسيفِهِ الخشبيّ أمام طواحينِ الهواء ومعهُ تابِعُهُ على حِمارِهِ الضعيف
تدور أحداث الرواية حول شخصية ألونسو كيخانو، رجل نبيل قارب الخمسين من العمر وكان مولعًا بقراءة كتب الفروسية والشهامة. وكان يصدق كل كلمة في هذه الكتب على الرغم من عدم واقعيّتِها. فقدَ ألونسو عقله من قلة النوم والطعام وكثرة القراءة وقرر أن يترك منزله ويشد الرحال كفارس شهم يبحث عن مغامرة تنتظره، بسبب تأثره بقراءة كتب الفرسان الجوّالين، وأخذ يتجول عبر البلاد حاملًا درعًا قديمة ومرتديًا خوذة بالية على حصانه الضعيف حتى أصبح يحمل لقب دون كيخوتي، ووُصف بـ فارس الظل الحزين. وبمساعدة خياله الفياض كان يحوّل كل العالم الحقيقي المحيط به، بما يتناسب مع عصر الفرسان، فيما شَكَّلَ الأشخاص والأماكن المعروفة ميدانًا خياليًا للقيام بمغامراته. وأقنع جاره البسيط سانشو بانثا بمرافقته ليكون حاملًا للدرع ومساعدًا له مقابل تعيينه حاكمًا على جزيرة، وبدوره يصدقه سانشو. كما يحوّل دون كيخوتي بمغامراته الفتاة القروية جارته إلى دولثينيا، السيدة النبيلة لتكون موضع إعجابه وحبِّه عن بُعد دون علمِها.
لعلَّ هذا المقطع الأخيرَ من ق/5 كافٍ وحدَهُ لتأكيدِ أن حبيبةَ شاعرِنا هي(دولثينيا) ، يقول:
وأنتِ في البرجِ البعيدِ أنا أحاربُ في الهواءِ وأمتطي خيلَ الغيابِ وصهوةَ السفرِ المفاجِئِ كم أراني
(دون كيخوتا) في هواكِ معلقاً في الوهم رمحًا طامحاً متجاهلاً صيحاتِ هذا الليلِ أبتزُّ
المدى حتى الحدودِ المستحيلةِ لا أراكِ ولا أظن سنلتقي ... ق/5
ق/15
فأنا المنادي بالبداياتِ الأنيقةِ بالجمالِ الحُرِّ والباقي على نِياتِنَا
تناصّ غير مُباشر مع قولِ شاعرِ القطيفةِ والكريستال نِزار
في الفقرةِ التاسِعةِ مِن مَلْحَمَتِهِ "مَتى يُعلِنونَ وفاةَ العرب" :
أحاول منذ الطفولةِ
فتْحَ فضاءٍ من الياسَمينْ
وأسّستُ أولَ فندقِ حبٍّ...بتاريخ كل العربْ
ليستقبلَ العاشقينْ
وألغيتُ كل الحروب القديمةِ
بين الرجال...وبين النساءْ
وبين الحمامِ...ومَن يذبحون الحمامْ
وبين الرخام ومن يجرحون بياضَ الرخامْ
ولكنهم...أغلقوا فندقي
وقالوا بأن الهوى لايليقُ بماضي العربْ
وطُهْرِ العربْ
وإرثِ العربْ
فيا لَلعجبْ!!
ق/22
سقطَ النصيفُ تضوَّعتْ غُرَفُ الهوَى طِيبًا
هو تناصٌّ مُباشر مع بيتِ النَّابغة الذبيانيّ:
سَقَطَ النَّصيفُ وَلَمْ تُرِدْ إسقاطَهُ
فَتناوَلَتْهُ واتَّقَتنا باليدِ
وهو بيتٌ من قصيدةٍ للنابغة في وَصفِ (المُتَجَرِّدة) زوجةِ النُّعمانِ بنِ المُنذِر مَلِكِ الحيرة؛ وكادتِ القصيدةُ تُودِي بحياةِ الشاعر بعد وِشايةِ (المُنَخَّلِ اليَشكريّ) بِهِ عِند المَلِك
وأحسبُ أنّ شاعرَنا تفوَّقَ في شاعريتِهِ على النابغةِ لِما يلي:
كلاهُما قال: سقطَ النصيفُ، ولكنّ شاعرَنا أتبعَ ذلك بِـ(تَضوُّعِ غُرَفِ الهَوَى طِيبًا) وهي شاعريةٌ مُجنَّحةٌ بِلا جِدال؛ أمَّا النَّابغة فقد أتبعَ جُملتَهُ بِـحشوٍ- رُبما فرضَهُ عليهِ السَّبْكُ العموديّ- أراهُ أضعفَ البيتَ (ولَمْ تُرِدْ إسقاطَهُ) فلو أرادتْ إسقاطَهُ؛ لَكانَ الفِعلُ مُختلِفًأ: أسقطتْ أو خَلَعتِ النصيفَ، مع تنحيةِ الوزنِ جانِبًا في هذا النقاش أو الافتراض، لِيُكمِلَ في العَجُز:
فَتناوَلَتْهُ واتَّقَتنا باليدِ
وهما جُملتانِ غارِقتانِ في واقعيةِ وصفِ أو رسمِ مَشهدٍ حَيّ لحرَكَتيِ التناولِ والاتِّقاءِ باليدِ، دونَ لَمسةٍ شاعريةٍ تُخرِجُ الوَصفَ مِن عباءةِ "النَّظم" !
هي رؤيةٌ خاصّة رُبما يُخالِفُني فيها القارئُ ولكنها تعيدُ إلى الذاكرة غلبةَ الخنساءِ لحسان في محكمةٍ شعريةٍ، يوم فاخرتْه، وأسقطتْ مفاخرته بقومِه.
ق/22
وانثنتْ أعطافُها عَبثاً على صوتٍ خفيضٍ
تناصّ جُزئيّ مع قصيدةِ (النيل) لأميرِ الشعراءِ يقولُ فيها:
[في مِهرجانٍ هزَّتِ الدُّنيا بِهِ أعطافَها واختالَ فيهِ المَشْرِقُ]
[مَجلُوَّةٌ في الفُلْكِ يَحذو فُلْكَها في الشاطئينِ مُزغرِدٌ ومُصفِّقُ]
*التناصُّ مع آيةٍ من سورة الحَجِّ أكثرُ وضوحًا؛ بَيْدَ أنني أربأُ بالقُرآنِ أن أضعَ آيةً كريمةً منهُ في هذا السِّياق
ق/24
لعلي أرتوي يا عاذلي في الحبِّ (لا ذُقتَ الهوى) مثلي
تناصٌ مُباشرٌ مع بيتٍ من قصيدة "نهجِ البُردة" يقولُ شوقي:
[يا ناعِسَ الطرفِ لا ذُقْتَ الهوى أبدًا**أسهرتَ مُضناكَ في حِفظِ الهوى فَنَمِ]
ق/29
*هذه الأيامُ يمكنها التوسعُ والهروب
تناصّ غير مُباشر مع سطرٍ مُترجَمٍ عن الخيَّام يقول:
[فإنما الأيام مِثلُ السّحاب]
**لحظةُ الموتِ التي تأتي ستُنْهي ما اكتشفنا والذي في الغيبِ فاستمتعْ فؤادي كالفراشة
ما زال التناصّ هنا مع رباعياتِ الخيّام:
[غَدٌ بظهرِ الغيب واليومُ لي وكم يخيبُ الظنُّ في المُقبلِ]
[ولستُ بالغافلِ حتى أرى جمالَ دُنيايَ ولا أجتلي]
ق/33
*واحترفنا الاعتمادَ على التشاعرِ والتهربِ من تفاصيلِ الطريق:
هو التهرب من مواجهة الحقائق خوفًا من سقوطِ فِكرةِ السفرِ أو الإقلاعِ عنها، وهو ما استدعى:
التناصّ غير المُباشِر مع ما عُرِفَ بِـ(الجلاسْنُسْت) أو المُكاشفة
تلك التي تسببت في انهيارِ النظامِ الشيوعيّ في الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية

*والتقربُ منكِ يجعلني بريئاً من ذنوبي وابتساماتي التي خدعتْ ملامحيَ البسيطةَ
تناصّ غير صريحٍ مع البيتين:
[قد تَظهرُ البسمةُ الغراءُ مِلْءَ فمي**وخلْفَها مَوقدٌ بالحزنِ يَستَعِرُ]
[إذا رأيتَ شفاهَ الـحُرِّ باسمةً**في غيرِ وقتِ ابتسامٍ فهْوَ يَنصَهِرُ]

*والمسافرُ يحملُ الدنيا على كتفيهِ يقتطعُ الخُطى من ظلِّهِ:
تناصّ غير مُباشِر مع رائعة شيكسبير "تاجر البُندُقية"
وما كان من شيلوك المُرابي وقد أبَى إلا اقتطاع جزءٍ من لحمِ المَدينِ له، استيفاءً لحقِّه.
[فاقتطاعُ الخُطى من الظلّ هو اقتطاعٌ من النفسِ يُعادِلُ أيضًا اقتطاعَ النفسِ وانتزاعَها من الوطن]

(3) مع الأساطير
ق/2
واندِلاعُ الحُبِّ كالعنقاءِ من تحتِ الرماد ........
تناصٌّ مُباشِرٌ مع أسطورةِ البعث (العنقاء)
العنقاء أو الفينيق أو طائرُ النار:
طائر خيالي ورد ذِكرهُ في قصص مغامرات السندباد وقصص ألف ليلة وليلة، وكذلك في الأساطير العربية القديمة، وفي معظم القصص أنه عندما يموت يحترق ويصبح رمادا ويخرج من الرماد طائر عنقاء جديد... فهو رمزٌ للبعث... عن الويكبيديا بِتَصرُّف
ق/30
شظيَّةٌ لمَّا تصلْ للكعبِ بعدُ لونُ عينيكِ انتظاري والتغرُّبُ في سعيرِ توقعاتي واللقاءُ
تناصّ جُزئيّ مع الأُسطورةِ اليونانيةِ (كعب أُخَيْل)
والصحيح عِلميًّا أنهُ (وتَرُ أُخيْل) ويعودُ مَنشؤها إلى الميثولوجيا الإغريقية، تقولُ الأُسطورة: إنّهُ بطلٌ له دور كبير في حرب طُروادة التي ألحق الإغريقُ فيها هزيمة نكراء بأهلها بعد حروب طويلة. وأخيل حسب الأسطورة التي استخدمها الشاعر الإغريقي هوميروس في الإلياذة هو ابن الملك بيلوس ملك ميرميدون، أما أمُّهُ فهي من حوريات البحر وكانت تدعى ثيتس. ويُقالُ إن أمَّه قد غمرتْه في نهر سيتكس ليكتسب القوة وتحميه من الأذى ، ولكنها حين غمرته كانت ممسكة بعقِبِه من الوتر ، فكان هذا المكان هو الوحيد في جسمه الذي لم يغمره الماءُ السّحريُّ، فباتَ نقطة الضعف فيه حيث أصابهُ سهمٌ مسمومٌ في الحرب فأودَى بِه.
فَـــ (كعبُ أُخيل أو وتَرُ أُخيل) مُصطلح يشارُ بهِ في الأدب والسياسة إلى نقطة ضعف مُميتة على الرغم من كل القوة التي يمتلكُها الشخص، ويُقال: إلى حالة الضعفِ بشكلٍ عامّ.
ق/31
إنما قلبي كصندوقٍ يُغلَّفُ بالقطيفةِ لستُ أعرفُ ما بداخِلِهِ:
تناصٌّ جُزئيٌّ مع الأسطورة الإغريقية "صندوق بانْدورا" واختصارُها:
كان بين زيوس كبيرِ الآلهة وبين بروميثيوس الإله المُكلّف بخلقِ البشر خلافٌ كبير فعاقبَهُ، ثمّ رأى أن يعاقبَ البشر بخلق المرأة الأولى ، وأسماها "بانْدورا" ومنحها الجمال والقدرة على عزف الموسيقى والإغواء، ثمّ أرسلها مع جَرَّة مُغلقة إلى شقيق بروميثيوس، أحبّ هذا الشقيق بانْدورا وتزوجها وأمرَها بألَّا تفتح الجرّة، لكنها فتحتها، فخرجت منها كل شرور البشر من الجشع، والفقر، والحزن، والنفاق، ما عدا اليأسُ، فبقيَ الأمل في قلوب البشر ليُمكِّنهم من الحياة مع كل تلك الشرور!
في ترجمةٍ هولنديةٍ للأسطورة، ورَدـتِ الجرّة بوصفِها صندوقًا فأصبحت الأسطورة تُعرف بـ"صندوق بانْدورا"، ويُقصد به: أنّ شيئًا ما من الأفضل تركُه دون فتح؛ خوفاً مما قد يخرج مِنه من مصائب!

(4) مع الفنون
ق/3
وأفتحُ بعدَها نانسي سيناترا
(Bang Bang)
وأرجعُ مرةً أخرى لأحلامي السريعةِ والهزيلةِ لا أراني الآن مختلفًا
فقطْ وجهي يساوي بابتسامتِهِ رسوماتٍ أحبُّ ل
(Vettriano)
تناصٌّ صريحٌ مع فَنَّيِ المُوسيقا والرسمِ: بالإشارةِ إلى لوحة لِلرسَّام البريطانيّ:
Jack Vettriano
فلتراقصْ مرأةً مسكونةً بالغيبِ فاتحةً ذراعيها لتعتنقَ الجنونَ على ايقاعِكَ (جورج دالاراسْ)-ق/10
*هو المُطرب الموسيقار وعازِفُ الجيتار اليونانيُّ الشهير بأنّهُ: إلى جانبِ تجديدِهِ للموسيقا اليونانيةِ الحديثة؛ هو مُناضلٌ إنسانيٌّ ذو نشاطٍ مرموق؛ قدَّم له السناتور إدوارد كنيدي جائزة تقديريةً لجهودِهِ النِّضاليةِ الشاسِعة.
لقد تخطى فنُّه وشعبيته حدودَ أَثِنا واليونان، وذلك لِتميّزه عن معظم الموسيقيين الآخرين بمؤلفاته المؤثرة التي تَبَنَّى فيها قضايا الإنسان، بما تنطوي عليه من مشاعر الثورة والاحتجاج والسخط إزاء الظلم الاجتماعي.
أعزفُ آلةَ العود الجريئةَ- أغنياتُكِ (أمَّ كلثومٍ) أراني غارقاً فيها....ق/10
المِثالانِ: تناصٌّ مُباشِرٌ مع الموسيقا الأجنبيةِ والعربية
والنوافذُ أعينُ الطيرِ المضيئةِ..... ق/17
تناصٌّ غيرُ مُباشِرٍ مع المفهومِ الدِّلاليِّ للمُفردات في الأبنيةِ الشعرية الحديثة، كما يظهر في أُغنية:
The Tyger by William Blake
Tyger! Tyger! burning bright
(Poetry Foundation)
ق/27
لا كعكَ يُفْتَلَ بعدما الأعيادُ تمضي -إنما الأشياءُ في أوقاتِها والحبُّ أيضاً والسفَرْ
تناصّ مُباشِر مع التراث الشعبيّ من الأمثال:
لا كعكَ يُفتَلُ بعد العيد - كل شيء بأوان
ثانيًا: الانزياحات والاستعارات والتَّراسُل
ق/1
فالمقاعدُ وحدها مبلولةٌ بالشمسِ- تنهكُها ارتعاشاتُ اللافندرِ في النسيم- حبَّاً قابلاً للعيشِ معزولًا عنِ الظنِّ المشاغب- وفي يدي قلمٌ يحركُ مفرداتِ الروحِ -يحفرُها أمامكِ يستغيثُ بآهةٍ ويسيلُ مِن أنَّاتِ شكوانا معا
استعاراتٌ تفيضُ رومنسيةً:
حبٌّ يُعزَلُ عن الظنّ ليعيش، وقلمٌ يُحرِّكُ/يحفرُ/يستغيثُ/ يسيلُ..لرسمِ صورةٍ بديعةٍ لِتميُّزِ قلَمِ الشاعرِ المُحبِّ آنَ يسكُبُ بَوحَهُ ويُسمِعُنا امتزاجَ أنَّاتِهِ بأنّاتِ المحبوبة
ولونِ الشمعِ قبلَ تنازلاتِ العطرِ في الجسدِ الرقيقِ
التنازُلُ صِنْوُ الإرادة؛ فهل للعطرِ إرادةٌ حتى يتنازل؟ انزياحٌ بليغٌ آخر
ق/2
عتباتُ روحي المستطيلة- انبهارُ اللحظةِ الأولى- وخارطةُ التوهُّمِ - واندلاعُ الحبِّ- وكان صوتُكِ فكرةً -وكان صوتُكِ عُرْوَةً لقميصِ هذا الليلِ - المسافةِ بين قُبْلاتٍ مؤجلةٍ وضحكاتٍ معطَّلةٍ - عاريَيْنِ كفكرةٍ منزوعةِ الألوانِ - طافحةٍ بنشوى الشوقِ واللقيا - جيوبِ الروحِ - الريشُ المُعافَى: من بياضِ الخوفِ- من عبثِ التغرُّبِ- في خدوشِ العُمْرِ- في لغةِ الحدود - أولَ موعدٍ بين البنفسجِ والمساءِ - القمرِ الغريبِ
نُجدِّلُ الوقتَ الطويلَ على ظهورِ الذكرياتِ - فاعبُري معيَ الخرافة- أنا انتظرتُ البيلسانةَ كي تُرتبنا
ق/3
ذهبوا بعيداً في الغيابِ- وفي قشورِ الوقتِ- حاملاً ظني معي- أستجيرُ بدفءِ صَفْوٍ - وخصمي الوقتُ اختلفتُ مع المكانِ -غرقتُ الآنَ في صمتي- بتوقعاتٍ لا تسرِّبُ مفرداتِ الحلمِ -لا تُفشِي مخيلتي- وتعطيني إجاباتٍ مرتبةً - واختنقتُ بذكرياتٍ: لا تسامحُني! وتنكأُ جرحَ روحٍ أُرهقَتْ بُعدًا
ق/4
التصالُح معْ محطاتِ الطريق-نَبْتَزُّ أجملَ ما لَدَيْنا لحظةَ الفرحِ التي نحتاجُها- نُراوِغُ الحرَجَ الذي يغتالُنا
ق/5
خيلَ الغيابِ - صهوةَ السفرِ المفاجِئِ - وارتكابِ فضيلةِ التجريبِ في طعمٍ- في هواكِ معلقاً في الوهم- رمحاً طامحاً - متجاهلاً صيحاتِ هذا الليلِ- أبتزّ المدى - مغامراتٍ لا تموتُ
ق/6
نمزقُ الرؤيا - فلْيَبْقَ الحنينُ قلادةً - وبعضُكِ هالكٌ في صفحةِ المرآةِ - والباقي نحاولُ أنْ نلملمهُ معاً - لوني ولونُكِ ينزفانِ على شراشِفِنا- ونكتسي بتخيلاتٍ- تركُلُنا المدينةُ - لكي نعيد البحرَ للماءِ الأجاجِ...
استعاراتٌ طافحةٌ بالمرارةِ في وصفِ أحوالِ الوطن
ق/7
آثارَ النعاسِ عن الدقائقِ -لنحفرَ زرقةَ البحرِ القديمةَ بالأظافرِ- كي نجرِّحَ ظهرَهُ- ليسيلَ منهُ الليلُ أغزرَ
أنا اتخذتُ الصمتَ وحياً- نزوةُ الألوانِ- أشباهِ سكَّانٍ - المحطاتِ الكسيحةِ
وهذا ما تمارسهُ الوسائدُ - حين تمتصُّ الفراغَ من السؤالِ- ومن ذبولِ الصوت
ق/8
وجهيَ المحمولَ في عينيكِ- ما تبقّى مِن نسيجِ كرامةٍ- المخرزِ المشهورِ في وجهِ المدينة- وملامحِ الصّفحِ التي تنتابُهُ- فوجهي الأولُ الورديُّ لن أحتاجَهُ
ق/9
يكونُ هذا الموتُ متزناً وأبعدَ ما يكون عن التحيزِ- ترتطمُ الخطى بظلالِها - وترقُّ نياتٌ- تناديهِ الشوارعُ والمقاهي- الصباحُ الهاربُ المأخوذُ بالنوَّارِ أحملهُ- نسقي شجرةَ الليمونِ نتركُها قليلاً تستعدُّ لزهرةٍ أخرى
ق/10
تنبشُ النهرَ الغريقَ – مَقعد مترنحٌ - في عربةٍ تهتزُّ أكثرَ حين تخذِلها الكوابحُ!
أحملُ الفرحَ المجففَ- والإجاباتُ التي نحتاجُها ستظلُّ عالقةً على نياتِنا وتدورُ في فلَكٍ بعيد
ق/11
دوريٍّ صغيرٍ لا يراعي- والطريقُ شهيةٌ مفتوحةٌ -لا يشبعُ القلبُ المغامرُ- من بلادٍ لا تعيقُ نداءَهُ- وتجيبهُ بعناقِها- والليلِ تسحبهُ إلى رحمِ الهدوءِ- تسوقهُ ليفيضَ من ترفِ التغرُّبِ- في شفاه الوقتِ- بين أماكنِ الروحِ الطليقةِ- قلبي جاهزٌ ليصيرَ أولَ نيزَكِ- تنهارُ فيهِ المعجزاتُ – ويضربُ البِرَكَ التي ركَدَتْ- يشعُّ مثلَ نُجَيمةٍ مشنوقةٍ قبلَ العِشاءِ!-أيقظَ الماضي- وأزعجَ ذكرياتٍ- طابَ مرقدُها- شيءٌ يجدِّفُ في الضجيجِ كما الصدَى- والزعنفاتُ تمرُّ في الماءِ الأجاجِ - وتخدشُ الملحَ الطريَّ -أشياءَ تسبحُ في خيوطِ الوقتِ
واسعةً كورْقةِ قَيْقبٍ! سقطتْ على كتفي فأيقظتِ الخريفَ على النوافذِ
*وإلى وقفةٍ صغيرةٍ عند هذه الاستعارة:
مَن يعرِفُ جمالَ ألوانِ أوراقِ القَيقب واستمرارَ نضارتِها في الخريف؛ يُدرِكُ ما وراءَ توظيفها مِن قِبَلِ الشاعر في هذه الاستعارة الأنيقةِ المُترقرِقةِ شاعرية!
ثمَّ يستكمِلُ الشاعرُ تقديمَ انزياحاتِهِ واستعاراتِهِ في نهايةِ ق/11 على طبقِ البلاغةِ الشَّهيّ:
والمسافاتُ انهيارُ الشوقِ - فوقَ نيِّاتِ الأريكةِ!- والتي لم تندهشْ!- للصمتِ في دفءِ الأصابع..
ق/12
لفرزِ رائحةِ الطريقِ عن الثيابِ- وننشقُ التعبَ - تورقُ النسماتُ - ونمتطي ظهرَ الفراغِ- فتحَ العناقُ سبيله - تُجهضُ نفسَها هذي السماءُ- وهذا البحرُ متفقٌ معي- في هدوءٍ جائعٍ للرملِ- تضيعُ في فكيهِ أسماءُ المسافاتِ البعيدةِ - إنه الوحشُ الذي يتحيَّنُ الفرصَ الأخيرةَ - كي يفاجئنا ويلتهمَ المدينةَ...


يتبع....


قديم 10-10-2021, 07:58 PM
المشاركة 2
ماجد جابر
مشرف منابر علوم اللغة العربية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: البلاغة في شِعر: علاء نعيم الغول قراءة في ديوان: قلب المُسافر - ثريا نبوي
بارك الله فيك أستاذة ثريا نبوي على موضوعك الجميل المفيد، ومنابر علوم اللغة ترحب بك وبقلمك الممشوق.

قديم 10-12-2021, 03:57 PM
المشاركة 3
عبد الكريم الزين
من آل منابر ثقافية

اوسمتي
الوسام الذهبي الألفية الرابعة الألفية الثالثة وسام الإبداع الألفية الثانية التواصل الحضور المميز الألفية الأولى 
مجموع الاوسمة: 8

  • غير موجود
افتراضي رد: البلاغة في شِعر: علاء نعيم الغول قراءة في ديوان: قلب المُسافر - ثريا نبوي
قراءة رائعة لشاعرة وأديبة كبيرة
ذات ثقافة واسعة متنوعة

استمتعت كثيرا في حضرة هذه الدقة في التحليل والاستفاضة في التفاصيل

بورك العطاء والإبداع المتميز
تحياتي

قديم 10-26-2021, 12:57 AM
المشاركة 4
ثريا نبوي
المراقب اللغوي العام
الشعراء العرب

اوسمتي
الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الثانية التميز الألفية الأولى القسم المميز شاعر مميز المشرف المميز 
مجموع الاوسمة: 8

  • موجود
افتراضي رد: البلاغة في شِعر: علاء نعيم الغول قراءة في ديوان: قلب المُسافر - ثريا نبوي
بارك الله فيك أستاذة ثريا نبوي على موضوعك الجميل المفيد، ومنابر علوم اللغة ترحب بك وبقلمك الممشوق.
وفيكم يبارك ربي مشرفنا الكريم أ. ماجد جابر
شكرًا لحضورِكَ الجميل

قديم 04-13-2023, 02:46 AM
المشاركة 5
ثريا نبوي
المراقب اللغوي العام
الشعراء العرب

اوسمتي
الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الثانية التميز الألفية الأولى القسم المميز شاعر مميز المشرف المميز 
مجموع الاوسمة: 8

  • موجود
افتراضي رد: البلاغة في شِعر: علاء نعيم الغول قراءة في ديوان: قلب المُسافر - ثريا نبوي
قراءة رائعة لشاعرة وأديبة كبيرة
ذات ثقافة واسعة متنوعة

استمتعت كثيرا في حضرة هذه الدقة في التحليل والاستفاضة في التفاصيل

بورك العطاء والإبداع المتميز
تحياتي
سبحان الله
لا أدري كيف فاتني الرد على أديبنا الرائع ومشرفنا القدير الزين
وله من اسمِهِ ولقبِه نصيبٌ كبير؛ وله شمسُ الحضور
كيف لا وهو يسعدنا بمروره الوضيء بكل منشوراتنا
مُحييًا ومناقشًا، مؤازرًا ومُعضِّدا؟
بُوركتَ أينما كنتَ أيها المِعطاء

كم أتمنى عودتك إلى المنابر فقد طال الغياب
تحياتي وأطيب تمنياتي وكل عام وأنتم الخير


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: البلاغة في شِعر: علاء نعيم الغول قراءة في ديوان: قلب المُسافر - ثريا نبوي
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
حضرة الأديبة ثريا نبوي عدنان البلداوي منبر الشعر العمودي 2 07-21-2023 07:48 PM
ثريا نبوي ابتسام السيد منبر قصيدة النثر 14 06-15-2022 11:46 PM
نجمة الإصباح ( مهداة لمعلمتنا وشاعرتنا الغالية ثريا نبوي ) فيصل أحمد الجعمي منبر الشعر العمودي 13 01-09-2022 09:10 PM
إضاءة في قصيدة الشاعرة ثريا نبوي "للقدس معراج" بقلم: الشاعر د. علاء نعيم الغول ثريا نبوي منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 6 01-01-2022 11:37 PM
من سـلسـلة دراسات فينيقية تحت الضوء: قراءة في شعر الشاعرة ثريا نبوي ثريا نبوي منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 6 01-01-2022 11:32 PM

الساعة الآن 12:01 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.