احصائيات

الردود
4

المشاهدات
878
 
عبد الكريم الزين
من آل منابر ثقافية

اوسمتي
الوسام الذهبي الألفية الرابعة الألفية الثالثة وسام الإبداع الألفية الثانية التواصل الحضور المميز الألفية الأولى 
مجموع الاوسمة: 8


عبد الكريم الزين is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
14,144

+التقييم
11.71

تاريخ التسجيل
Dec 2020

الاقامة
المغرب

رقم العضوية
16516
07-05-2021, 08:02 PM
المشاركة 1
07-05-2021, 08:02 PM
المشاركة 1
افتراضي أدب اللياقة عند أبي العلاء المعري للأديب الكبير عباس محمود العقاد
المعري مثَل من الأمثلة البالغة على سلطان البيئة أو على سلطان أدب «اللياقة» وأدب العرف والتقاليد.

فهذا الحكيم الذي عرض على فكره كل أصل من أصول الحكمة وكل مذهب من مذاهب الدين، فلم يقبل منها إلا ما ارتضاه برهانه، ولم يتَّخِذ له إمامًا غير العقل في صبحه ومسائه، هو بعد هذا كله أسير «أدب اللياقة» يمنعه هذا الأدب ما ليس يمنعه شرع ولا فلسفة ولا عقيدة، وهذا القائل:

وسيَّان مَن أمه حرة *حَصان ومن أمه زانيةْ!
هو هو الذي يأبى أن يدخل الوليد على النساء بعد بلوغه العاشرة، ويأبى أن تذهب المرأة إلى الحمام، ويخشى على عِرضها أن تخرج إلى الحج فلا يعده فريضة على عُجَّز النساء ولا العذارى!

ذلك هو «السمت اللائق» بالمرأة في شريعة البيئة؛ فالسيدة الحَصان تنجبها الأسرة الوقور لن تكون إلا على هذه الصفة، ومتى وصلنا إلى السمت اللائق أو إلى أدب اللياقة فأبو العلاء وسائر أبناء البيئة سواء، والفيلسوف الذي قال:

كذب الظن لا إمام سوى العقـ ـل مقيمًا في صبحه والمساء
لا يعنيه من إمامة العقل هنا إلا ما يعني قعائد البيوت وعجائز الأمهات والجدات، ذوات البنات يلتمسن الأزواج في ستر وحشمة وصيان!

•••
ولعلنا تسهَّلنا بعض التسهُّل إذ قلنا: إن أبا العلاء وسائر أبناء البيئة سواء … فإنه لأشد تحرُّجًا من كثيرين، وإنه ليحظر على نفسه ما يبيحه آخرون، وإنه ليحسب الوقار جمالًا لا يدانيه جمال في الرجال، فإن حذر من الشيخوخة آفة فإنما يحذر أن يدركه الخرف:

وما أتوقَّى والخطوب كثيرة *من الدهر إلا أن يحل بي الهِتْر
وإذا رثى أباه في صباه وهو يتخيل موقف الحشر ورهبة القيامة وزحام العطاش على الحوض فليس ينسى أن يسأل عن ذلك الأب:

ألا ليت شعري هل يخف وقاره* إذا صار أُحْد في القيامة كالعهن
وهل يرد الحوض الروي مبادرًا * مع الناس أم يأبى الزحام فيستأني؟
فكأنه يقف بالدين والفلسفة عند باب العقل، ثم يقف بالعقل عند باب الوقار أو أدب اللياقة، ثم لا يسأل هذا السلطان الجائر سؤالًا واحدًا من تلك الأسئلة التي كان يشنها من كل جانب على جميع السلاطين وجميع الدولات وجميع الأحكام، ولو أنه سأل وأباح نفسه الجواب الصريح لما أخذها بكل تلك الصرامة ولا أحال عليها كل تلك القيود.

أما مرجع ذلك السلطان الجائر من حياة أبي العلاء فهو أسباب كثيرة وليس بسبب واحد:
مرجعه إلى تربية الأسرة: فقد كان أبوه وأمه من ذوي الوجاهة والصلاح، وكان آل أبيه يتوارثون القضاء في بلده ويعيشون بين الناس كما يعيش رجال الدين ورجال الحكم على شعائر المروءة والتعفُّف والأنَفة من غشيان مواقع الشبهات، وعلى الهيبة التي لا غنى عنها لمن يسوسون الرعية باسم الله واسم السلطان.
ومرجعه إلى الخليقة العربية: فقد كان أبو العلاء عربي النجر عربي الطبيعة، يفهم أن العِرض قوام الشرف والعزة، وأن الابتذال هو الهوان الذي ما بعده هوان، وأن الرجل الذي يجترئ عليه المجترئ بمذمة أو سخرية هو حمى مستباح، وأن من لا حياء له لا حياة له ولا خير فيه، وأن السنَّة ما سنَّه الآباء وجرى عليه العرف وسارت به الأمثال وحسنت به القدوة.
ومرجعه إلى فقد بصره: فإن الضرير قد يصيبه السخر والملام لأمور يواقعها البصير ولا من يسخر به أو يلومه، وإن البصير قد يمارس من الشهوات ما يأمن الفضيحة فيه، لأمانه من أن يطَّلع عليه أحد غيره، وليس ذلك في مقدور الضرير؛ فإما الفضيحة والعار وإما الزهد والوقار.
ومرجعه إلى كبريائه وعزَّة نفسه: فإن الأعمى قد تهون عليه الفضيحة في سبيل الشهوة، إلا أن تكون له كبرياء تأبى له المهانة والابتذال، فيهون عليه فقدُ الشهوات واقتناء الكرامة.
ولقد رأينا أن أبا العلاء كان لا يرضى من الدنيا إلا بالسيادة عليها أو بالإعراض عنها، فإما الملك وإما الرهبانية ولا توسط عنده بين الأمرين، فلا يحسبن أحد أن «فكرة الملك» عارضة في ذهنه كما يعرض الخاطر في خلد الشاعر، فإن «للمجد الدنيوي» لنزعة مكبوتة في قرارة ضميره يدل عليها شعره ونثره، ولا تزال غالبة عليه في جمحات الأهواء وفلتات اللسان. فسرعان ما يثب إليها كلما عرضت لها لمحة ظهور، وله في ذلك أبيات تعد بالعشرات منها:

لا ملك لي وأرى الدنيا تحاصرني * وما حججت وقد لاقيت إحصارا
ومنها:

ما سرني بقناعة أوتيتها * في العيش ملكَا غالبٍ وذمار
ومنها:

لو شاء ربي لصاغني ملكًا *أو ملكًا، ليس يعجز القدر!
ومنها:

وزهدني في هضبة المجد خبرتي* بأن قرارات الرجال وُهود
ومنها:

لا كانت الدنيا فليس يسرني *أني خليفتها ولا محمودها
ومنها:

محمودنا الله والمسعود خائفه* فعد عن ذكر محمود ومسعود
ملكان لو أنني خيرت ملكهما* وعود صلب، أشار العقل بالعود
ومنها:

ما سرني أني إمام زمانه* تُلقى إليَّ من الأمور مقالد
ومنها:

أسر إن كنت محمودًا على ضعتي* ولا أسر بأني الملك محمود
وقد أعجبه أن يراه راءٍ في الكرى يلبس تاجًا فقال:

رآني في الكرى رجل كأني* من الذهب اتخذت غشاء راسي
قلنسوة خصصت بها نضارًا* كهرمز أو كملك أولي خراس
فقلت معبِّرا: ذهب ذهابي* وتلك نباهة لي في اندراسي
ولعل الرائي هو أبو العلاء نفسه قد أظهر له المنام ما أخفاه العقل الباطن من نوازع الكبرياء، أو لعله صاحب خبيث قد استطلع طلعه وعرف شموخ طبعه فرأى المنام حقًّا أو لفَّقه له ليغنم رضاه.

وكأنه لما فاته التاج وسوس له «عقله الباطن» في المنام فرأى تلك الرؤيا، ووسوس له في اليقظة فقال في المفاضلة بين تاج الملك وتاج الزاهد:

والتاج تقوى الله لا ما رصعوا* ليكون زينًا للأمير الفاتح
وأمثال هذه الأبيات وعشرات مثلها لا تبدر من رجل يمزح حين يقول: كن في الدنيا كثيرًا أو قليلًا، فإما مليكًا أو راهبًا … ثم تدركه الأنفة أن يأكل من رزق غيره مع الرهبان فيقول:

ويعجبني فعل الذين ترهبوا* سوى أكلهم كد النفوس الشحائح
كلا! ذلك الرجل قد تغلغلت الأنفة في أعماق طبعه، فما هي عنده كلمة مجاز أو كلمة مزاح أو شطحة خيال.

تلك مراجع شتى لعادة السمت أو «أدب اللياقة» في خلائق أبي العلاء.

ومرجع آخر نضيفه إليها ولا نحسبه قليل الأثر في تكوين تلك العادة: أنه كان ضعيف البنية ضعيف الخوالج الجسدية؛ فلم تغلبه شهوات اللحم والدم ولم يعسر عليه ضبطها في عنان السمت مدى تلك السنين الطوال.

على هذه المراجع جميعها قام «أدب اللياقة» في خلائق أبي العلاء، أو قامت تلك الشيمة التي قلنا إنها لو تغيرت قليلًا لخرج أبو العلاء رجلًا آخر: مَنْ يقرأه لا يهجس في خاطره ذكر المعري المعهود. ترى هل كان تغييرها من المستطاع؟

وماذا كان المعري صانعًا لو قدر على تغييرها؟

منقول
"أبو العلاء"
عباس محمود العقاد


قديم 07-05-2021, 09:56 PM
المشاركة 2
ياسَمِين الْحُمود
(الواعية الصغيرة)
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي
الحضور المميز الألفية الثانية الإداري المميز الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى وسام الإدارة التكريم الكاتب المميز 
مجموع الاوسمة: 9

  • غير موجود
افتراضي رد: أدب اللياقة عند أبي العلاء المعري للأديب الكبير عباس محمود العقاد
هي السمت والوقار وكما يِقال في لغة العصر والأدب ( اللياقة)
أعجبني ما نقلت
واستمتعت بما قرأت
ولا أخفيك: إثراء المعلومات
جاء في الوقت المناسب
سيسهل علي نظم القصيدة نوعًا ما
شكرا لك أخي عبد الكريمنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

قديم 07-05-2021, 11:09 PM
المشاركة 3
ثريا نبوي
المراقب اللغوي العام
الشعراء العرب

اوسمتي
الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الثانية التميز الألفية الأولى القسم المميز شاعر مميز المشرف المميز 
مجموع الاوسمة: 8

  • موجود
افتراضي رد: أدب اللياقة عند أبي العلاء المعري للأديب الكبير عباس محمود العقاد
جميلٌ ما نقلتَ لنا مشرفنا وأديبَنا الرائع أ. عبد الكريم
وكم ألقى من الأضواء على شاعرٍ تراثيٍّ فَذٍّ أثرى آفاقَ الشعرِ بأصالتِهِ وفِكرِهِ وتميُّزِه
وقد راقني الكثيرُ مما نقلتَ من أشعارِهِ وخاصةً هذه الرؤيةُ المُفعَمةُ بالحكمةِ
واستشرافِ المآلات، أو التقييم العبقريّ للمُلكِ الزائل
فقد شكل هذا البيتُ رسالةً إلى الطواغيتِ عَبرَ كل العصور:

فقلت معبِّرا: ذهب ذهابي* وتلك نباهة لي في اندراسي

دُمتَ حاتميّ الكرمِ موصولَ العطاء

قديم 07-07-2021, 09:07 PM
المشاركة 4
عبد الكريم الزين
من آل منابر ثقافية

اوسمتي
الوسام الذهبي الألفية الرابعة الألفية الثالثة وسام الإبداع الألفية الثانية التواصل الحضور المميز الألفية الأولى 
مجموع الاوسمة: 8

  • غير موجود
افتراضي رد: أدب اللياقة عند أبي العلاء المعري للأديب الكبير عباس محمود العقاد
هي السمت والوقار وكما يِقال في لغة العصر والأدب ( اللياقة)
أعجبني ما نقلت
واستمتعت بما قرأت
ولا أخفيك: إثراء المعلومات
جاء في الوقت المناسب
سيسهل علي نظم القصيدة نوعًا ما
شكرا لك أخي عبد الكريمنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
سررت بمرورك شاعرتنا الكريمة

وأسعدني أكثر أن قصيدتك في المعري
أحاطت بأغلب ما عرف به أو كتب عنه
بإيجاز بليغ وجمال موهبة شعرية متميزة

دام عطر شعرك فواحا ودمت نبراسا للمنابر

تحياتي وودينقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

قديم 07-07-2021, 09:18 PM
المشاركة 5
عبد الكريم الزين
من آل منابر ثقافية

اوسمتي
الوسام الذهبي الألفية الرابعة الألفية الثالثة وسام الإبداع الألفية الثانية التواصل الحضور المميز الألفية الأولى 
مجموع الاوسمة: 8

  • غير موجود
افتراضي رد: أدب اللياقة عند أبي العلاء المعري للأديب الكبير عباس محمود العقاد
جميلٌ ما نقلتَ لنا مشرفنا وأديبَنا الرائع أ. عبد الكريم
وكم ألقى من الأضواء على شاعرٍ تراثيٍّ فَذٍّ أثرى آفاقَ الشعرِ بأصالتِهِ وفِكرِهِ وتميُّزِه
وقد راقني الكثيرُ مما نقلتَ من أشعارِهِ وخاصةً هذه الرؤيةُ المُفعَمةُ بالحكمةِ
واستشرافِ المآلات، أو التقييم العبقريّ للمُلكِ الزائل
فقد شكل هذا البيتُ رسالةً إلى الطواغيتِ عَبرَ كل العصور:

فقلت معبِّرا: ذهب ذهابي* وتلك نباهة لي في اندراسي

دُمتَ حاتميّ الكرمِ موصولَ العطاء
أستاذتنا وشاعرتنا ثريا المنابر
مرورك الطيب يحمل دوما متعة وجمالا
وفائدة وحكمة

تحياتي وتقديرينقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: أدب اللياقة عند أبي العلاء المعري للأديب الكبير عباس محمود العقاد
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
رسالة الغفران لأبي العلاء المعري زهراء الامير منبر ذاكرة الأمكنة والحضارات والأساطير 1 07-05-2021 11:25 PM
رائعة أبي العلاء المعري- ألا فـي سـبيلِ المَجْدِ سراج العتيبي منبر ديوان العرب 2 02-15-2021 08:58 PM
الله .. كتاب فى نشأة العقيدة الإلهية - عباس مَحمود العقاد د. عبد الفتاح أفكوح منبر رواق الكُتب. 0 06-02-2014 09:40 PM
يسألونك - عبَّاس محمود العقاد د. عبد الفتاح أفكوح منبر رواق الكُتب. 0 05-07-2014 10:05 PM
من شعراء العصر العباسي ( أبو العلاء المعري ) ناريمان الشريف منبر ديوان العرب 70 09-28-2010 08:16 PM

الساعة الآن 12:01 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.