احصائيات

الردود
6

المشاهدات
929
 
عبده فايز الزبيدي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


عبده فايز الزبيدي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,902

+التقييم
0.31

تاريخ التسجيل
May 2007

الاقامة

رقم العضوية
3512
03-11-2022, 03:32 PM
المشاركة 1
03-11-2022, 03:32 PM
المشاركة 1
افتراضي ذاكرة الطباشير
بسم الله الرحمن الرحمن
الحمدلله الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعنَّا معهم يا أرحمن الراحمين
هذه مقالات اقرأ ها عليكم من ذاكرة الطباشير ، وستجدون فيها _بإذن الله وتوفيقه_ المفيد من فوائد وفرائد المواقف والقصص التي تتعلق بالمعلم والتلميذ.


أخوكم/ عبده بن فايز الزبيدي


وسائلٍ عَنْ أبي بكرٍ فقلتُ لهُ:
بعدَ النَّبيينَ لا تعدلْ به أحَدا
في جنَّةِ الخُلدِ صِديقٌ مَعَ ابنتهِ
واللهِ قَدْ خَلَدتْ واللهِ قَدْ خَلَدَا

قديم 03-11-2022, 03:34 PM
المشاركة 2
عبده فايز الزبيدي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: ذاكرة الطباشير
ذاكرة الطباشير (١):
كان الأستاذ جابر بن خلف الشاعري _رحمه الله_ مديرا لمدرسة صلاح الدين ببني يحيى من قرى حلي بن يعقوب، وكنت معلما تحت إدارته، وإذا أراد أن ينبه المعلمين على دخول وقت الحصص قام يلف في الساحة ويمر بغرف المعلمين وهو يقول :(أعانكم الله)، فيعرفوا أن الحصة بدأت، وهذا دأب أهل الفطنة و الحنكة عند توجيه من تحت أيديهم، قال الجاحظ في كتابه (التاج في أخلاق الملوك) :
(وكان عمر بن الخطاب إذا قال: الصلاة، قام سمارة. وكان ينهى عن السمر بعد صلاة العشاء.

وكان عثمان إذا قال: العزة لله!، قام سمارة.
وكان معاوية إذا قال: ذهب الليل! قام سماره ومن حضره.
وكان عبد الملك إذا ألقى المخصرة، قام من حضره.
وكان الوليد إذا قال: أستودعكم الله، قام من حضره.
وكان الهادي إذا قال: سلام عليكم!، قام من حضره.
وكان الرشيد إذا قال: سبحانك اللهم وبحمدك! قام سماره.
وكان المعتصم إذا نظر إلى صاحب النعل، قام من حضره.
وكان الواثق إذا مس عارضيه، وتثاءب، قام سماره.
وكان المأمون إذا استلقى على فراشه، قام من حضره.
غير أن بعض من ذكرنا كان ربما قام بجنسٍ آخر من الإشارة والكلام، وإنما أضفنا إلى كل واحدٍ منهم أغلب أفعاله كانت عليه)

وسائلٍ عَنْ أبي بكرٍ فقلتُ لهُ:
بعدَ النَّبيينَ لا تعدلْ به أحَدا
في جنَّةِ الخُلدِ صِديقٌ مَعَ ابنتهِ
واللهِ قَدْ خَلَدتْ واللهِ قَدْ خَلَدَا

قديم 03-12-2022, 09:06 AM
المشاركة 3
عبده فايز الزبيدي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: ذاكرة الطباشير
ذاكرة الطباشير (2):
[عِشْتَارُ الحِمَارِ]
ذكر الكاتب الصحفي والقاص الجنائي الكويتي/ أبو طلال فيصل الحُمْرَانِيُّ أن طفلا عراقيا من مواليد عام ١٩٨٠ م ، زار بيت جده في القرية، وكان جده يأخذه معه للمزارع والحقول، ورأى لأول مرة بيوت الزراعة المحمية الزجاجية، فسأل ببراءة وفضول الأطفال جَدَّهُ عنها ، فقال له الجد _مقرِّبا لفهمِهِ المعلومة_: هذه _ يا عبدالستار_ بيوت من زجاج توضع فيها النباتات كي تعيش، وإذا أخرجت منها ماتت.
انتهت الإجازة وعاد عبدالستار وأهله للمدينة، وفي أول أسبوع تأخرت الكتب، وكان الطلاب مستمتعين بقضاء الوقت في اللعب و الحديث بعيدا عن المناهج والواجبات، وكان المعلمون يمضون الوقت في إعطاء الطلاب معلومات عامة، أو في إقامة مسابقات ترفيهية موجهة.
ودخلت ذات يوم الأستاذة سُمَيَّةُ فصْلَ عبدالستار ، وأرادت أن تشغل الطلابَ قيل أن يشغولوها ، فرسمت وردة وبجانبها زجاجة كبيرة فارغة، وسألت التلاميذ: ماذا يحدث للوردة إذا وضعناها داخل الزجاجة؟، فتذكر الولد كلام جده، فأخذ يقومُ ويقعد يريد أن يسبق زملاءه على إجابة السؤال، وتحت وطأت إلحاحه قالت له الأستاذة: ما اسمك؟ فأجابه بلثغة الطفل _الذي سقطت بعض أسنانه اللبنية - وظنت أنه يقول لها : اسمي عِشْتَارُ، فقالت له اسمك عشتار؟ قال لا بل عبدالستار ، فأعادت ، واعادَ، ثم قالت له: اسمك عشتار ، وهي تضحك، ثم قالت: ما إجابتك يا عشتار! والطلاب يضحكون فعشتار اسم بنت لا ولد بالعراق.
فقال: إذا وضعنا الزجاجة على الوردة تعيش وتنمو، وإذا أخرجنا الورد ستموت، وكانت إجابته صادمة لها، وغير منطقية ، فضحكت وقالت؛ أنت لست عشتار فحسب، بل أنت "عشتار الحمار".
فطارت هذه التسمية بين الطلاب وأخذوا يتنمرون عليه طيلة اليوم، وحين عاد للمنزل اشتكى لأمِّه من أستأذته، ولكنه لم يعلمها بتسميتها له عشتار الحمار، خوفا من أن تناديه بتلك المعايرة إذا غضبت منه، فسكت.
تراجع مستواه الدراسي، وساءت علاقته بأساتذته التي كانت تتنمر هي وزملاؤه عليه، حتى نسى ان اسمه عبدالستار، ولكنه صبر وأكمل المرحلة الابتدائية بصعوبة بالغة.
وما كانت المرحلتان المتوسطة والثانوية إلا استمرارا على درب معاناة، وضعتهُ عليها أستاذتهُ .
تخرّج من الثانوية العامة والتحق بالجيش، واختير في سلك المغاوير، وهمفئة من الجند، يختارون بعناية، فائقة، ويمتازون بالطول الفارع وقوة البنية، ويعطون تدريبات خاصة على القتال واستعمال الأسلحة لمواجهاتِ قتال الشوارع واقتحام التحصينات.
مضت الأيام وترقى في السلك العسكري حتى صار ضابطا، زكلما ازداد نجاحاته المهنية العسكريو، ازدادت معاناته من لقب عشتار الحمار.
حاول الضابط عبدالستار_جهده_ التعايش مع هذا اللقب الذي أوله تسمية بأنثى وآخره وصف بالغباء.
وفي ذات يوم خرج عبدالستار للسوق، فرأي امرأة، لفتت انتباهه وأثارت براكين الحقد الدفين في دواخله، فاقترب منها يتحقق من ملامحها، فإذا هي الأستاذة سمية التي دمرت حياتها وهي تضحك منه، فأخذ يتبعها حتى عرف دارها، وعرف من مراقبة منزلها طيلة ثلاثة أيام أنها أرملة، ولاه ولد واحد، جاءها على كِبرٍ.
كان _طيلة أيام المراقبة_ يفكر كيف ينتقم منها، وفي نهار أحد الأيام ، انتظر ولدها حتى خرج كعادته ، وطرق الباب، لتفتح له سمية، فباغتها بوضع إحدى يديهع على فمها، وحملها من رقبتها بالأخرى.وهي مذهولة هالعة ، ودخل بها وسط الدار، وهي تتوسل له أن يأخذ مالها وذهبها ، وينصرف ولايقتلها.
فعرَّفها بنفسه فبالكاد تذكرت ، وقالت له: أنت عشتار؟ فكأنها رمت بقولها عشتار عود الثقاب على البنزين، فأنهال عليها صفعا ولكما ورفسا ، حتى شارفت على الموت. ثم تذكر أنه جاء ليشفي عليه ، ولم يأت لقتلها، فحملها وأجلسها، وسقاها الماء، ثم قال لها: هل تريدين أن أنتقم من وحيدك! فقالت له: افعل بي ما تشاء ، ولا تقرب ولدي ، فقال لها: لكنك آذيتيني كثيرا، وأنا اصغر من ولد، ثم تركها وانصرف وهي في دمائها.
عاد الولد للمنزل ليجدَ أمَّهُ في النَّزع الأخيرِ، وسألها من فعل بك كلَّ هذا؟، فكانت كلمتها الأخيرة: "عِشْتار"، ولفظت أنفاسها، قبل أن تصلَّ للمستشفى.
عاينَ رجال الأمن والتحقيقِ مسرح الجريمة، فلم يجدوا ما يدلُّ على أن القتل كان بدافع السرقة، فالقاتل دخل كما يدخل أهل البيت، وأموال الأستاذة وذهبها، كما هو.
وأخذوا يبحثون في المنطقة التي تسكن بها سمية عن القاتل، واستدعوا كل النساء اللواتي أسماؤهن عشتار، ممن يعرفونها أو يسكنون بالقرب منها، ولكنَّ رجال الأمن كانوا يطلقون سراحهن بمجرد النظر إليهنَّ، فما تستطيع امرأة مهما بلغت قوتُها، أن تفعل بالقتيلة ما فعل هذا القاتل بها، فالكدمات والسحوجات على جسدها، والنزيف الداخلي الذي أودي بحياتها، لا يسبِّبه ُإلا رجلُ عُتُلٌ شديد البنية ضخم الجثة.
عاد عبدالستار لبيته، وقد شفى غليله من الأستاذة المتَنَّمرة عليه في طفولته، وهو في غاية السعادة.
في تلك الأثناء وأيام العزاء كان ولد سمية ينام عند أخوالهِ وأعمامه، وكره الابن منزلهم، للذكرى الحزينة التي كانت تطارده، وبشاعة الموقف، فقرر أن يبيع البيت، ويشتري بيتا صغيرا، ويفتح ببقية المبلغ متجرا صغيرا يتاجر فيه، فقد ماتت التي كانت تعيله.
وقصد مكتب عقار كي يدلَّه في السوقِ _يسمسره_ فقال له صاحب المكتب: انصحك ألا تفعل، فأسعار المنازل رخيصة، ولن تجدَّ المبلغ الذي يحقق طموحاتك، وكان هذا في تسعينيات القرن العشرين، بعد غزو صدام حسين البعثي لجيرانه في الكويت، والحصار الذي فرض على حكومة صدام حسين، ولكن الولد أصرَّ، وأخبر صاحب المكتب بالقصة، وعرف السمسار أن المقتولة أستاذته في المرحلة الابتدائية، واخذ يتذكر مع ابنها قصص تلك المرحلة، وقال في ثنايا حديثه أن الأستاذة كانت تحب ممازحة التلاميذ، حتى أنها لقَّبتْ زميلا له اسمه عبدالستار بعشتار، فانطلق الابن _فورَ سماعه اسم عشتار_ لرجال الأمن وأخبرهم، بكلام صاحب العقار.
استدعت الأجهزة الأمنية صاحب المكتب، وأدلى بإفادتهِ، وعُرِفَ القاتلُ، الذي كان قدْ جهَّزَ نفسه لمثل هذا الاستدعاء، وكان يعتقد أنه سيُواجَهُ بتهمة دخول المنزل عنوة، وضربه لأستاذته، وأقصى ما سيناله من عقاب، سجنَ بضعة أسابيع أو شهور على الأكثر، أو غرامة مالية كترضية، ولكنه استغرب تأخر الطلب له، حتى اقتادته أجهزة الأمن للتحقيق، ووجهت له جريمة القتل العمد، لينهار عشتار من جديد، بعد معرفته بوفاة الأستاذة المتنمرة.
حُكِمَ عليه بالإعدام في أول جلسة، ثم خفِّفَ الحُكمُ عليه بعد معرفة دوافع الجريمة، ليحكم عليه بالسجن خمسة عشر عاما.

وكما قال المثل: (ربَّ كلمة قالت لصاحبها دعني)، ويماثله المثل: (ربَّ كلمة قتلت صاحبها)، فهذه الأستاذة رحمها الله، في ساعة هَزلٍ دمَّرت بتنمرها حياة طفلٍ، حمل ذلَّ تلك المسبة طيلة حياتِهِ، ودفعته للجريمة في شبابه، وأودت دون تشعر بحياتها، وهذا كما قيل في المثل: (شاةٌ تبحث عن نصلِ سِكِّيْنٍ).

وسائلٍ عَنْ أبي بكرٍ فقلتُ لهُ:
بعدَ النَّبيينَ لا تعدلْ به أحَدا
في جنَّةِ الخُلدِ صِديقٌ مَعَ ابنتهِ
واللهِ قَدْ خَلَدتْ واللهِ قَدْ خَلَدَا

قديم 03-13-2022, 09:15 AM
المشاركة 4
عبده فايز الزبيدي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: ذاكرة الطباشير
ذاكرة الطباشير (٣):
[القرآن أنقذني]
قال أحد المعلمين بوادي حلي بن يعقوب _ممن أعرفهم_ : شرحت درسا في الصف الخامس الابتدائي، وبعد فراغي منه، أخذت استمع لأسئلة الطلاب، وأشغلني طالب كان يجلس أمامي بكثرة حركته ومشاكسته لزملائه، فندت مني كلمة عن غير قصد، فقلت له: اسكت يا حيوان! فقال الطالب: أنا حيوان يا أستاذ؟.
فألهمني الله آية من أواخر سورة العنكبوت، فقلت: يا بني لا أقصد بالحيوان الدابة، وإنما أقصد بقولي حيوان ما جاء في قول الله تبارك وتعالى: (( وَمَا هَـٰذِهِ ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَاۤ إِلَّا لَهۡوࣱ وَلَعِبࣱۚ وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلۡـَٔاخِرَةَ لَهِیَ ٱلۡحَیَوَانُۚ لَوۡ كَانُوا۟ یَعۡلَمُونَ) فالله وصف الحياة الأخروية وهي الحياة الأبدية بالحيوان، فهل الآخرة دابة، فأنت يا بني مفعم بالنشاط والحيوية وأراك تحيي الفصل بنشاطك و تفاعلك، فأنت حياة الفصل، فتهلل وجه الطالب، وانتشى زهوا . وأصبحت من أقرب المعلمين لنفسه، ببركة كلام الله.

وسائلٍ عَنْ أبي بكرٍ فقلتُ لهُ:
بعدَ النَّبيينَ لا تعدلْ به أحَدا
في جنَّةِ الخُلدِ صِديقٌ مَعَ ابنتهِ
واللهِ قَدْ خَلَدتْ واللهِ قَدْ خَلَدَا

قديم 03-17-2022, 06:46 PM
المشاركة 5
عبده فايز الزبيدي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: ذاكرة الطباشير
ذاكرة الطباشير (٤):
[تكفل بالراعي]
المعلم ناصر بن سِمْحِي الرويلي من مدينة عرعر بشمال المملكة العربية السعودية، يدرس بهجرة أي قرية صغيرة ، قرب عَرْعَرَ، وافتقد أحد طلابه النجباء بعد تخرجه من الصف السادس، وسأل عنه زملاءه الذين بالصف الاول المتوسط، قالوا: ترك الدراسة كي يساعد أباه في رعي الإبل.
فذهب الأستاذ ناصر لوالد الطالب وسأله عن ابنه، وعرف حاجة ابيه له، فتكفّل المعلم براتب راعٍ يكون بدلا عن الولد، فقبل الأب، وعاد الطالب النجيب للدراسة، وواصل تعليمه، ودخل كلية الطب، ثم ابتعث لتكميل الدراسات العليا في فرنسا.
الصورة للأستاذ ناصر الرويلي، حفظه الله.

وسائلٍ عَنْ أبي بكرٍ فقلتُ لهُ:
بعدَ النَّبيينَ لا تعدلْ به أحَدا
في جنَّةِ الخُلدِ صِديقٌ مَعَ ابنتهِ
واللهِ قَدْ خَلَدتْ واللهِ قَدْ خَلَدَا

قديم 03-26-2022, 02:38 PM
المشاركة 6
عبده فايز الزبيدي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: ذاكرة الطباشير
ذاكرة الطباشير(5):
[لمَّ لحمتك]
تخرجت في (جامعة الملك سعود -بأبها)، وابها مدينة الضباب والورد والجمال والأصالة، وأهلها طيبون ومتدينون جدا.
ولي فيها أيام طلب العلم قصصٌ كثيرة، منها: جئتُ زائرا لزميلي لي _بل أخ حبيب_ هو محمد عبدالله حُمَّدي من بني حُمَّد الطُّوالِ، كي أخذ ما نقصَ عندي من دروسٍ، وأذكر حينها أني جئتهم بعد العشاء بساعة تقريبا.
وفي اليوم التالي سألني زميلي: لماذا لا تترك سكنك وتسكن معنا؟ فاستغربت سؤاله، فقال لأن الشباب الذين قابلوك البارحة، تمنَّوا لو أنك تسكنَ معنا، فقلت له نحن الآن في آخر العام، وسأعطيك ردي العام القادم.
انتهت الاختبارات ، وذهبت لقريتي بوادي حلي للإجازة، ثم بدأ التسجيل في الجامعة، واستأجرت غرفة عند عائلة كريمة، وأخذت في التردد على شقة أصدقائي، مدة فصل دراس كامل، ثم سكنت معهم، وكانوا خيرَ معْشَرٍ وخير رفقة.
شكَّلنا فريق كرة قدم مهيبا، وكنت حارس المرمى، وكان أبو عبدالله _أبو نبيهة سابقا_ رئيسَ الفريق الذي لا يلعب، وأما المدرب المتفرج فهو تركي الناشب، و نجوم الفريق: عبده جابر وعلي مشهور، مهاجما الفريق.
وكان لنا أصدقاء من أهل أبها الكرام، يترددون علينا، ونزورهم في بيوتهم لشرب الشاي، وتغيير الجوِّ، وأظنّ سرَّ تقبلنا للناس وتقبلهم لنا، أننا أبناء قرى(أرياف)، فينحن في غاية البساطة والتواضع وصفاء النية مع الذات ومع الآخر.
وكانت شقتنا في الدور الرابع بحي لبنان، وبها ثلاث غرف نوم، ومجلس، وحمامان، ومطبخ كبير وله بلكونة، ومجلس يطل على بلكونة، تتطل بدورها على شارع فرعي، وشارع رئيس، إلا أن الآخر بعيد قليلا، وهذا من فضل الله علينا، لأننا نرى حركة المرور، ولا يصلنا ضوضاء المركبات.
وقد تقاسمنا البلكونتين، فبلكونة المطبخ يجلس بها سميعة(محبو) عبادي الجوهر، و بلكونة المجلس يجلس بها سميعة (محبو)محمد عبده، وأنا منهم، ومعي شقيق الروح يحيى أحمد عسيري، والصديق العزيز محمد مَكْرَمي، وهو يزورنا يوميا، وما كان معنا، لكن لحبنا له وحبه لنا، لا نفترق من بعد الدوام إلا للنوم.
وفي عصر أحد الأيام بَيْنَا كنت جالساً في بلكونة المجلس، شعرت بهدوءٍ عجيب، لم أعتده، فالمعتاد أن الشقة مفعمة بالحركة والمزاح، فنحن لا نقل عن ثلاثة عشر شابا، ونستقبل _أحايناً_ اقاربنا ممن يأتي لغرضٍ ولزيارتنا، وبعض أصدقائنا يأتي ليقضي وقتا معنا فمدينة أبها تستحق الزيارة. بل كنت أجد _أحيانا_ على سريري نائما لا أعرفهُ، فأنام في المجلس.
وكان بين المجلس والبلكونة نافذة كبيرة جدا، ففتحتها أريد أن أعرف ما سرُّ هذا الهدوء، وإذ بشابٍ يكبرنا قليلاً، في كامل زيِّهِ السعودي، الثوب والشماغ والعقال، مع وسامة وحسن هيئة، وعن يمينه ويساره أعضاء الشقة، ويجلس بين يديه، أخي وحبيبي أبو نبيهة محمد عبدالله_وكان متزوجا حينها مع صغر سنه_ وفيه حِلمُ وأدب، وبينهما دلَّة القهوة، وليست بدلة بل هي شبه بكرج (نصف محطم) من كثرة الاستخدام، وكنا نصنع فيه الشاي والقهوة والحليب، فهو أحد الرفاق الأوفياء.
وكنت أظن الزائر من بني حمَّدٍ، من قبيلة زملائي، فثيابه تدل على أنه ليس من طلاب الجامعة، فوضعت يدي على النافذة ووضعت عليها ذقني، استمع.
واخذ الرجل يشتكينا إلينا _ فهو يعرف أننا أغراب عن المدينة_ وكنت أسمع أبا نبيهة يستسمح منه ويوعده خيرا، فقد كنتُ أنا وهوَ في آخر سنة في الجامعة والرأي رأينا والشور شورنا في الشقة.
وعرفتُ من كلامِهِ أن له أختَّا _أظنها في الثانوية العامة، وهي جميلة المنظر _ تخرج عصرا لسطح المنزل المكون من دورين، ويأتي معها بعض زميلاتها أحيانا، وكان بعض شبابنا ينظر إليهنَّ ، وبيننا وبين منزل الفتاة شارعين وبيوت.
وحينَ رأي أخو البنت طيب كلام الشباب، وصفاء نيتهم، أخذ يرعد ويبرق، ويتهدد، فغضبت منه، والهمني الله له جوابا، فقلت له: يا هذا ! أأنتَ أخوك البنت التي تخرج للسطوح؟ قال: نعم!، قلتُ: سأضربُ لك مثلاً، ثم احكم!
قال: هاتِ ما عندكَ! قلتُ: تخيَّل أن رجلاً علَّقَ لحمةً وعنده كلابُ، ماذا ستفعل الكلابُ؟ قال: ستنبحها، وتحاول أخذها. قلتُ: لِمَّ لحمتك التي في السطوحِ، وأنا ألمَّ كلابي. فذهل الرجلُ، وخرجَ ولم ينبس بكلمة. وكفانا الله شره.
حتى إني كنت أرى أصغرنا في الشقة (م .ح) _وعمره لا يزيد عن 19 عاما حينها_ على أطراف البلكونة متمسكما بعمودها، ينتظر خروج الفتيات، ويمر أخوهم بسيارته ويرى، ولا يستطيع الكلام. وكنَّا _كبار الشقة_ ننهاه وننزله عن العمود، خوفاً من أن يشتكي بنا للشرطة.
وكنَّا في زمن طيشٍ وصبا، وما كنَّا نعترف بالعشق ولا نهتم بقصص الحب، ولكني أكتشفت أن أحد أصدقائي (ع. م . ش) بلغ به الحبُّ مبلغاً عجيبا، فقد أحب الفتاة، وأرادها زوجة له، ففي ليلة خرجت لصلاة العشاء بالجامع القريب من شقتنا، وحين دخلت شارع منزل الفتاة، شعرت بمن يمشي خلفي، فإذا هو (ع. م . ش)، ففرحت به وله، لأنه كان قليل الصلاة، فأخذت أمازحه، ويمازحني، وحانت مني التفاتة فإذا به يلقي بشيء لسطح المنزل، فسكت حتى رجعنا للشقة، وأخذت أنا ويحيى نقرعه بالكلام، وعرفنا أنه ألقى ببطارية (حجارة)راديو، لفَّ عليها رقم هاتف الشقة، وبعد كذا ليلة اتصلت بنا صديقة الفتاة ، وسألت أين فلان، فناديناه وأعطيناه السماعة، فأخذ يرتعد حين سمع صوت البنت، وما استطاع الكلام، فما هو من أهل الغرام، ففتحنا مُكبر الصوت، وقلنا لها: ما عندك؟ قالت: فلانة مع أنها كانت زعلانة من الرسالة، لكنها أكبرت فيه طهارته وعفافه، وأنه يريد الزواج، ولكني مخطوبة لابن عمٍّ لي، وتتمنى له بنت الحلال. فكان هذا آخر عهدي بأخبارها، لأني كنت غير مهتم، بهذي السوالف، فقد كنت متأثرا بعباس محمود العقاد، وأدمنت قراءة مؤلفاتِهِ، والعقاد معروف بعدائيته تجاه للمرأة، فقد عاش أعزبَاً، ربما بسبب فشل قصة حبه للكاتبة مَيّ زِيادة.
ومن شدة حبي للعقاد _زمن الجامعة_ أني كنت أضع على مكتبي (طاولة لها أدراج) صورة العقاد، وصورة أخرى على الحائط. وما أذكر أن والداي سألاني عن الصورة، أو تدخلا لتغيير أي قناعة كانت عندي، ربما كانا يعرفان أن هذه مرحلة لها طبيعتها، وستتتغير، وقد كان؛ فجزاهما الله خيرا.
..................................................

وسائلٍ عَنْ أبي بكرٍ فقلتُ لهُ:
بعدَ النَّبيينَ لا تعدلْ به أحَدا
في جنَّةِ الخُلدِ صِديقٌ مَعَ ابنتهِ
واللهِ قَدْ خَلَدتْ واللهِ قَدْ خَلَدَا

قديم 04-10-2022, 12:53 AM
المشاركة 7
عبده فايز الزبيدي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: ذاكرة الطباشير
ذاكرة الطباشير(6):
[لن أحلَّ الواجب]
سألت زميلي (ح.ع.ذ) أحد طلابي، ونحن في أول ساحة المدرسة، عن( ع. ع.ذ) زميله في المتوسطة، فقال هو كما تحب أن تراه في خير. ثم زاد بقوله: كان شاطرا، صحيح؟قلت: عبقري، دخلنا أول المبنى وانقطع الحديث، فقد انشغلنا بالتوقيع وفتح مظاريف اللجان.
في حياة كل طالب ملامح معلم، وفي حياة كل معلم وجوه تلاميذ محنطة في ذاكرة الطباشير، ومن هؤلاء (ع.ع.ذ)، وكعادة التعليم الرتيب تسلمنا مع بداية العام الدراسي دفتر متابعة الغياب والواجبات.
وفي فاتحة كل حصة أتصفح الدفتر كي أذَكَّر الطلاب المتأخرين في تأدية واجباتهم المنزلية، ثم تتحرك عجلة الدروس.
أكمل الطلابُ واجباتهم، وأتمَّ المقصرَّ ما فاتهُ، إلا (ع.ع) ونحن على مشارف نهاية تقييم الفترة الأولى، وتشكل الواجبات 15% خمسة عشر في المئة من مجموع الدرجات، ولم يحصل منها شيئا.
جلست قبل طابور الصباح أسجل في سجل أعمال الدرجات، ووصلت للعبقري المهمل، فأبى قلمي أن يطيعني في كتابة الصفر، ربما كان يشعر من ملامسته لأصابعي، أني أحبُّ ذلك الطفل محبة الأب لصغيره. فطلبت من أحد الطلاب الذين يجرون في الساحة أن يناديه.
وقبل مجيئه كان معلم الرياضيات على يساري على مكتبه يفعل ما أفعلُ، فقال: أبا فائز! ماذا تريد منه؟ قلت: أتفاهم معه! ههههههههههههه.
حين وقف أمام مكتبي، بالكاد كنت أرى رأسه، فهو في سن الحادية عشرة، وجسمه نحيل، وقامته قصيرة. قلت: له يا بني كل زملائك سيأخذون الدرجة الكاملة في الواجبات، إلا أنتَ، هل ترضى أن تأخذ صفرا؟، فسكت.
فتدخل معلم الرياضيات يشتكي الحالَ نفسها، فقلت: يا فلان! هل ستحلُّ واجباتي وواجبات الأستاذ فلان؟، فقال بهدوءٍ عميقٍ: لا، يا أستاذ! فضحكت من تضارب الجسم النحيل الضعيف،والإجابة القوية أمام معلمي الإنجليزي والرياضيات. ثم أدنوته عن يميني، وأخذت أسأله بصوتٍ منخفض: طيب، ليشْ؟ عندك مشكلة؟. هزَّ رأسهُ بمعنى نعم. فقلت : قل لي، يمكن أساعدك!
قال يا أستاذ أنت تعرف أني من قرية بعيدة عن المدرسة، والدرب وعِرة، فأصحو قبل الفجر، أتجهز واصلي ثم انتظر سيارة النقل لتأخذني للمدرسة، وأصل_هنا_ قبل الطابور بوقت طويل، لأن سيارة النقل توصل إخواني وأولاد عمي، للثانوية التي تبعد عن مدرستنا بكذا كيلومتر، وحين ننصرف من المدرسة، أنتم تذهبون لبيوتكم القريبة، وأنا وأولاد قريتي نمشي في الحر والبرد حتى نصل لأقرب قهوة، كي نرتاح ونتغدى، ثم ننتظر طلاب الثانوية، ولا نصل بيوتنا إلا بعد العصر. ثم يعطيني أبي الغنم، ولا أعود بها إلا المغرب، وأنام بعد العشاء مباشرة، فمتى أستطيع حل واجبات كل المعلمين؟
قلت له سأعطيك الدرجة الكاملة_ أيها المكافح الصغير_، ولكن حتى لا يعترض علينا زملاؤك في الفصل، أريدك أن تفعل أمراً، فأشرق وجهه كالشمس، وأجابني: طيب يا أستاذ! وهو يفرك يديه من السعادة، قلتُ له: قلتَ لي إنك تحضر باكراً؟ قال: نعم! قلت: إذا جئت غداً، خذ دفاتر أحد اصدقائك المقربين النجباء، وانقل عنه جميع الواجبات _في سرية_، وإذا دخل المعلمون الفصل، ناولهم دفاترك! فوافق، ووقع على الصفقة برفع حاجبيه الصغيرين، وقفزات قدميه الصغيرتين باتجاه الفصل.
مرت الأشهر، ونما الصبي أمام عيني، وبدأت الطفولة تتراجع وتتقدم المراهقة، وأخذ جسمه في التعافي، وقامته نهضت من القزم، وبدأ يأخذ وضعه الطبيعي في الفصل كطالبٍ عبقري، فمن كان يأخذ عنهم، أصبحوا يأخذون عنه. ثمَّ ألغى الصفقة التي ابرمناها قبل الطابور ذاتَ يومٍ، وقد جنينا منها أرباحا كثيرة.

وسائلٍ عَنْ أبي بكرٍ فقلتُ لهُ:
بعدَ النَّبيينَ لا تعدلْ به أحَدا
في جنَّةِ الخُلدِ صِديقٌ مَعَ ابنتهِ
واللهِ قَدْ خَلَدتْ واللهِ قَدْ خَلَدَا


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: ذاكرة الطباشير
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ذاكرة قلب ياسر علي منبر القصص والروايات والمسرح . 9 01-22-2021 10:34 PM
ذاكرة للضياع محمد بوثران منبر شعر التفعيلة 5 11-16-2020 03:58 PM
ذاكرة منسية خالد العاطفي منبر النصوص الفلسفية والمقالة الأدبية 86 05-05-2015 11:42 AM
ذاكرة المرآة آلاء طيب منبر البوح الهادئ 4 05-01-2012 12:52 AM
ذاكرة زمن عبدالسلام حمزة منبر البوح الهادئ 23 09-18-2010 05:31 PM

الساعة الآن 02:53 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.