احصائيات

الردود
2

المشاهدات
3188
 
نور محمد عبد الجواد
من آل منابر ثقافية

نور محمد عبد الجواد is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1

+التقييم
0.00

تاريخ التسجيل
Oct 2011

الاقامة

رقم العضوية
10559
10-26-2011, 08:10 PM
المشاركة 1
10-26-2011, 08:10 PM
المشاركة 1
افتراضي الهاتف
[mtohg=null]http://sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc1/hs250.snc1/9721_293731995511_806765511_9438053_7169912_n.jpg[/mtohg]



حين كان يتصل بى ..كان الهاتف يرقص فى فرح مباغت على ايقاعات تلك الرنة المبهجة التى كنت قد خصصتها له ..واقترنت فى روحى بمعالم البشر والسرور .. كانت كلما رنت وأضاءت الشاشة عرفت على الفور أنه هو ..هو وحده صاحب النغمة المبهجة التى تدخلنى عبر الأثير لدنيا مفاجئة حافلة بمعان جميلة من السلامة والأمان ..

كنت آخد الهاتف دوما بخدى وكأننى أحتضنه ..وأحتضن معه لكنته القوية ..حاشرة جسدى وراء هذا الحائط القريب من الممر الصغير المفضى إلى الحمام ..فى كل مرة كان يهاتفنى فيها ..كان يخرجنى من لحظات تركيز وانهماك أخوضها فى أعمال منزلية ..ليضعنى فى حالة أخرى من البراءة والحرية ..وكلما امتد بنا الكلام كلما ألصقت أذنى بالهاتف أكثر ..أقربه من فمى بقدر المستطاع ..وأسنده بكتفى وأنا أضغط عليه برأسى وأذنى أهمس فى جسده الصلب ..وأبتسم وكأننى أقدم له نبرات صوتى النقية فى خصوصية دنيا لا تتسع سوى لأصواتنا وحدنا ....كنت أقف وراء هذا الحائط مبتعدة فى حذر عن ضجيج أطفالى ..متفادية أي صرخات أو صيحات تشوش على السمع والحكى الذى يقال .. وألتصق أكثر بالهاتف وكأننى أخشى أن يضيع صوتى خارج جسده الأسود حتى من هذا المكان المنفرد ..

لم أفعل أى شىء فى أى مرة سوى ذلك تقريبا ..تجاه محاولات الأطفال الخبيثة للتحرش بى..و سعيهم المحموم مهللين صارخين ..قافزين ساقطين ..متدافعين حول من سيكون له سبق الحديث إليه أولا ..إنما كنت أحيانا أروح وأغدو بين المطبخ وغرفة النوم أو الحمام فالممر ..أراقبهم وحسب وأنا أخلص نفسى من تهافتهم ..وأحاول أن أسترق السمع بمجهود مضنى ..وبؤبؤ عيناى اللامعين يرقصان وراء حركاتهم الخرقاء وتدخلهم الأحمق فى لحظاتى الآمنة ..

عدا ذلك ..كان يرفع صوته ..ويحكى بنبرة واضحة ..ويبدأ الحديث دائما بالسؤال عن صحتى ..وهى صحتى وحدها كانت كل ما يهمه ..وأهم ما يشغل باله ..ثم يليه السؤال المعتاد عن الأولاد والأسرة ..والعمل ..ولما يسكت ويطمئن أتناول أنا منه طرف الحديث لأسأله عن زيارته القادمة ..ومن سيأتى معه من الأخوة ..وما يحب أن يأكله من يدى ..وعن عمله ..وأصدقائه الذين أعرفهم ..وماتش الأهلى الأخير ..وحديقته التى زرعها كلها بيديه ..وأخته الوحيدة التى يحبها ..ولا أنسى طبعا أن أطلب التفاح الأحمر الأمريكانى الذى كان دائما يجلبه لى وهو ينصحنى أن أكثر من أكله فهو يقوى القلب ..قلبى ..

فى أحيان أخرى كنت أترنم ..وألوك صوتى ..حتى أستطيع اخراجه مملوءا بالونس والألفة شارحة له بالتفصيل كيف استطعت أن أتأقلم على الأوضاع وأتخطى بعض العقبات التى ترصدتنا طويلا ..وكيف أننى أبذل كل الجهد لكى تسير القافلة بعيدا عن اى تدخل أو مساعدة ..وكنت أومأ كثيرا ..لحديثه البعيد الخفى الآتى عبر الهاتف فى انصات وتيقن ..

كانت مكالماته المنتظمة تأتينى كالدفء الذى يسرى فى الأوصال بعد ليل بارد ..صوته كان عميق آتى من بعيد وكأنه يأتى من زمن سحيق ولا تزال أصداءه تتردد باقية حية ..صوت أصيل ممتد يخصنى وأنتمى له بكل ذرة فى كيانى ..صوت يعرفنى جيدا وأعرفه جيدا جدا ..بل هو أكثر من يعرفنى على الإطلاق ويفهمنى ..صوت يحمل فى طياته كل خير الدنيا ..كل لهفتها ..كل بسماتها وطفولتها ..كان صوته كافى للقلب أن تتدفق دماءه ..وللعين أن تقر وترضى ..صوته كان واضح ..طيب ..قوى فى حنان ..يأتينى عبر جسم الهاتف متوشحا بالحضور والمساندة وخاصة لما كان يعقبه من أصوات أخرى مألوفة لأخوتى وأمى ..ثم سرعان ما توشك المكالمة على الإنتهاء حتى يشتهى الحديث إلى الطفلين ..ويمتد الحوار بينهم فى أناة ومداعبة ..وأنا أنصت لهم ..وأشعر بأن الدنيا لا تزال فوق جناحيه ..آمنة ..

بيد أننى لا أعرف ماذا حدث !!

جاءت رنته مقتضبة هذه المرة على غير العادة أو هكذا هيأ لى لحظتها ..شعرت ببرودة مفاجئة إلا أننى تناولت الهاتف فى آلية لأرد فى شىء من الجزع الحدسى ..ولم أكد أفعل حتى فاجئنى صوت آخر مقارب له ..كان صوت أخى الأصغر ..جاء مبتور ..مبحوح..يكاد ينطق أحرفه بصعوبة شديدة ..دق قلبى بعنف ..وسؤال واحد يتردد ..أين أبى ؟..ولِما يحدثنى أخى بدلا منه ؟..أين أبى.. أين أبى.. أين أبى . .راح السؤال يدق بعنف فى رأسى كمطرقة تشتد ضرباتها رويدا رويدا ..كدت أن أقع لولا بقايا أمل ورجاء داخلى ..لولا أعذار مفاجئة اختلقتها لنفسى فورا..ولأننى لا ولن أصدق أى نبأ آخر ..!!

ومن بعد هذه المكالمة ...

تبدلت كل طقوسى مرة واحدة..حتى أننى ولا مرة سمعت نغمته الصادحة ترن مرة أخرى ..ولا مرة أبدا انتشلنى من تركيزى وانهماكى ليضعنى فى دنياه العامرة بالبراءة والبشر ..ولا مرة ..ابدا ..

وكنت أضبط نفسى متلبسة بصمتى الحائر تجاه هذا التغيير المفاجىء ..وبحالة دهشة مستعصية ناجمة عن اختفاءه المذهل غير المبرر من وجهة نظرى..أبَى عقلى لفترة طويلة تمتد آثارها لليوم أن يصدق ما جرى ..عشت ليالى طويلة فى محاولات عابثة لأقنع نفسى بالتصديق ..أرفع حاجبى فى جزع غير مصدقة لا أدرى ماذا أقول سوى تمتمات استغفار مضطربة كأنها الخلاص ..خلاص للروح من الجسد المعذب ..ويردد اللسان على اثره فى صوت ثقيل مذبوح " استغفر الله العظيم ...استغفر الله العظيم .."..

لم أعد أدرى ماذا أقول وأنا مازلت آخذ الهاتف الشاحب بخدى ..ملصقة أذنى به ..أحاول أن أقدم له صوتى مثلما كنت أفعل ..ومثلما كنا دوما نفعل ..ثم أفيق فجأة وانظر له باستغراب ..فالهاتف لم يرن أصلا ..وكلما أدركت أكثر ..أغمضت عينى فى قوة إغماضة من يوقف حواسه كلها عن العمل ..

فى البداية اعتقد أطفالى أن الحركة التى أفعلها هى طريقة مبتكرة ..أو براعة جديدة اسيطر بها على انتباههم ..لكنها حين تكررت فى الأيام العشرة التالية ..أدركوا أن شيئا ما قد حدث ..لم يعرفوه.. وعجزوا عن فك طلاسم الشعائر التى تحدث أمامهم ..فقد كنت أواصل دس جسدى وراء الحائط القريب من الممر الصغير الضيق المفضى إلى الحمام ..آخذ السماعة بخدى ..أتكأ على المغسلة ..أختبىء ..أقطع ذلك كله لأقول لأحدهم غاضبة .." ابتعد ..ابتعد عن هنا ..لن تتحدثوا الآن ..كفاك صراخا فأنا لا أستطيع أن أسمع بوضوح ..اصمت حتى أسمع .." ويتعالى صراخى .." أنا لا أسمعه إطلاقا .. " ومرة واحدة ..أمسك الهاتف ..أتأمل فيه ..ثم أضرب أرقامه فى سرعة ..وأقربه من فمى ..وأمسك قلبى على حافة الترقب والإنتظار ..ولكن ..لم يحدث أبدا أن رد ..لم يتكلم ..ويظل الجهاز يرن ..هناك بعيدا .. خلف الحجاب الغامض السرى المتحجر ..بلا توقف ..


قديم 11-12-2011, 02:47 PM
المشاركة 2
أحمد فؤاد صوفي
كاتب وأديـب

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الأديبة الكريمة نور محمد عبد الجواد المحترمة

في البدء أرحب بك في منابر الخير عسى أن تجدي فيها كل متعة وفائدة . .
أما عن القصة هنا . . فقد تميزت بالأسلوب الأدبي الناضج الذي أتوقع له النجاح والانتشار . .
كان العنوان مناسباً . . والسرد موفقاً يدفع القارىء للاستمرار في القراءة حتى النهاية . .
أما النهاية وقفلتها فقد وجدتها أضعف من القصة لأنها لم تحو على فجاءة كان القارىء يتوقعها . .
كما لم أجد خلال السياق أن ترك النهاية مفتوحة ليقدر كل قارىء ما حصل هو شيء مناسب . .
لقد تمنيت معرفة سبب الغموض واختفاء الأب الفجائي . .
وبالطبع فهذا رأي شخصي يختلف من قارىء لآخر . .

أعود فأرحب بك بما يليق بقلمك الجميل . .
وبانتظار جديدك . .
دمت بصحة وخير . .

** أحمد فؤاد صوفي **

قديم 11-21-2011, 12:58 PM
المشاركة 3
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
استطاعت نور منذ بداية القصة أن تخلق لدى القارىء هذا التحفز لاستكناه العلاقة الحميمة بينها و بين صوت آت من الهاتف لنفكر من يكون الشخص الموجود خلف السماعة الأخرى لدرجة أن الظنون تذهب إلى كونه الزوج أو الحبيب لكنها كشفت لنا أبويته في منتصف الحدث تماما عند اللحظة التي وارته عن المسرح
هذه الحالة من الترقب لشيء نوقن تماما أنه اختفى من عالمنا -خصوصا العابرين لبوابة الحياة نحو تلك الحياة الأخرى- تنتاب الكثير من الناس كنوع من الميكانزم الدفاعي الذي يمكننا من تقبل الواقع استطاعت نور أن تصفها بشكل آسر حتى الكلمة الأخيرة من النص
أ. نور محمد عبد الجواد
تحيتي لك


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: الهاتف
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الهاتف المجاني للفتوى ... يستقبل من أي مشغل وبدون رصيد تحت إشراف وزارة الشؤون الإسلام حمود أحمد منبر الحوارات الثقافية العامة 0 06-17-2017 01:55 PM
< < رسائل على مسجلة الهاتف ( answer machine ) نسائم أحمد منبر القصص والروايات والمسرح . 3 12-22-2015 02:48 PM

الساعة الآن 01:43 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.